الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{انْفَضُّوا} تفَرقُوا وَخَرجُوا من الْمَسْجِد {إِلَيْهَا} غير ثَمَانِيَة رَهْط وَيُقَال غير اثْنَي عشر رجلا وَامْرَأَتَيْنِ لم يخرجُوا إِلَيْهَا {وَتَرَكُوكَ قَآئِماً} على الْمِنْبَر تخْطب {قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {مَا عِندَ الله} من الثَّوَاب {خَيْرٌ} لكم {مِّنَ اللَّهْو} من صَوت الطبل {وَمِنَ التِّجَارَة} تِجَارَة دحْيَة الْكَلْبِيّ يَقُول لَو ثبتمْ مَعَ نَبِيكُم حَتَّى صليتم الصَّلَاة ودعوتم ثمَّ خَرجْتُمْ لَكَانَ خيرا لكم بالثواب والكرامة عِنْد الله من الْخُرُوج {وَالله خَيْرُ الرازقين} أفضل المعطين أَي قل هَذِه الْمقَالة إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المُنَافِقُونَ وهى كلهَا مَدَنِيَّة غير قَوْله {لَئِن رَجعْنَا} إِلَى آخر الْآيَة فانها نزلت عَلَيْهِ فى طرق بني المصطلق آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها مائَة وَثَمَانُونَ وحروفها سَبْعمِائة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ حرفا
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَآءَكَ
المُنَافِقُونَ}
يَقُول إِذا جَاءَك مُنَافِقُو أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أبي ومعتب بن قُشَيْر وجد بن قيس وَكَانُوا بني عَم {قَالُواْ نَشْهَدُ} نحلف بِاللَّه {إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَرَسُولُ الله} نعلم ذَلِك وضميرنا على ذَلِك {وَالله يَعْلَمُ} يشْهد {إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} من غير شَهَادَة الْمُنَافِقين {وَالله يَشْهَدُ} يعلم {إِنَّ الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} فِي حلفهم لَا يعلمُونَ ذَلِك وَضمير قُلُوبهم على غير ذَلِك
{اتَّخذُوا أَيْمَانَهُمْ} حلفهم بِاللَّه {جُنَّةً} من الْقَتْل {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} فصرفوا النَّاس عَن دين الله وطاعته فِي السِّرّ {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بئس مَا كَانُوا يصنعون فِي كفرهم ونفاقهم من الْمَكْر والخيانة وَصد النَّاس
{ذَلِك} الَّذِي ذكرت من أَمر الْمُنَافِقين {بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ} بالعلانية {ثُمَّ كَفَرُوا} وثبتوا على الْكفْر فِي السِّرّ {فَطُبِعَ} فختم {على قُلُوبِهِمْ} عُقُوبَة لكفرهم ونفاقهم {فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} الْحق وَالْهدى
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ} يَا مُحَمَّد عبد الله بن أبي وصاحبيه {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} صور أجسامهم وَحسن منظرهم {وَإِن يَقُولُواْ} إِنَّا لنعلم أَنَّك لرَسُول الله {تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} تصدق قَوْلهم وتظن أَنهم صَادِقُونَ وَلَيْسوا بصادقين {كَأَنَّهُمْ} يَعْنِي كَأَن أجسامهم {خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} إِلَى الْحَائِط يَقُول لَيْسَ فِي قُلُوبهم نور وَلَا خير كَمَا أَن الْخشب الْيَابِس لَيْسَ فِيهِ روح وَلَا رُطُوبَة {يَحْسَبُونَ كل صَيْحَة} كل صَوت فى الْمَدِينَة {عَلَيْهِمْ} من الْجُبْن {هُمُ الْعَدو فَاحْذَرْهُمْ} وَلَا تَأْمَنهُمْ {قَاتَلَهُمُ الله} لعنهم الله {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} كَيفَ يكذبُون وَيُقَال كَيفَ يصرفون بِالْكَذِبِ
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} قَالَ لَهُم عَشَائِرهمْ بعد مَا افتضحوا {تَعَالَوْاْ} إِلَى رَسُول الله وتوبوا من الْكفْر والنفاق {يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لووا رؤوسهم} عكفوا وعطفوا وغطوا رؤوسهم {وَرَأَيْتَهُمْ} يَا مُحَمَّد {يَصُدُّونَ} يصرفون عَن الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة والإتيان إِلَيْك {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} متعظمون عَن التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار
{سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ} على الْمُنَافِقين {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ على مَا أَقَامُوا على ذَلِك {إِنَّ الله لَا يَهْدِي} لَا يغْفر {الْقَوْم الْفَاسِقين} الْمُنَافِقين من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت على النِّفَاق
{هُمُ الَّذين يَقُولُونَ} قَالَ هَذَا عبد الله بن أبي خَاصَّة لأَصْحَابه فِي غَزْوَة تَبُوك {لَا تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله} من ذَوي الْحَاجة والفقر {حَتَّى يَنفَضُّواْ} يتفرقوا من عِنْده ويلحقوا بعشائرهم
{وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَفَاتِيح خَزَائِن السَّمَوَات بالرزق الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {وَلَكِن الْمُنَافِقين} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لَا يَفْقَهُونَ} أَن الله يرزقهم
{يَقُولُونَ} قَالَ هَذَا أَيْضا عبد الله بن أبي خَاصَّة لأَصْحَابه فِي غَزْوَة تَبُوك {لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَة} من غزوتنا هَذِه {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَز} الْقوي يعنون عبد الله بن أبي {مِنْهَا} من الْمَدِينَة {الْأَذَل} الذَّلِيل الضَّعِيف مِنْهُم يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {وَلِلَّهِ الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} المنعة وَالْقُدْرَة على الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {وَلَكِن الْمُنَافِقين لَا يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون وَفِيه قصَّة زيد بن أَرقم
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {لَا تُلْهِكُمْ} لَا تشغلكم {أَمْوَالُكُمْ} بِمَكَّة {وَلَا أَوْلَادُكُمْ} بِمَكَّة {عَن ذِكْرِ الله} عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِك} من يَله بِالْمَالِ وَالْولد عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {فَأُولَئِك هُمُ الخاسرون} المغبونون بالعقوبة
{وَأَنفِقُواْ} تصدقوا فِي سَبِيل الله {مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ} أعطيناكم من الْأَمْوَال وَيُقَال أَدّوا زَكَاتكُمْ {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْت} سُلْطَان الْمَوْت {فَيَقُول رب لَوْلَا أخرتني} هلا أجلتني {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} مثل أجل الدُّنْيَا {فَأَصَّدَّقَ} من مَالِي وأزكي من مَالِي {وأكن من الصَّالِحين} أحج بِهِ وأكن من الحاجين
{وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ} {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال نزل من قَوْله يأيها الَّذين آمنُوا إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين وَأما قَوْله فَأَصدق إِن فسرت على الْمُنَافِقين يَقُول فَأَصدق إيماني وأكن من الصَّالِحين يَقُول أفعل بِمَالي كَفعل الْمُؤمنِينَ والمصدقين بإيمَانهمْ
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا التغابن مَكِّيَّة ومدنية آياتها ثَمَانِيَة عشرَة وكلماتها مِائَتَان وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسَبْعُونَ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} يَقُول يُصَلِّي لله وَيُقَال يذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق وكل شَيْء حَيّ {لَهُ الْملك} الدَّائِم لَا يَزُول ملكه {وَلَهُ الْحَمد} الشُّكْر والْمنَّة على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيُقَال على أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وتزيين أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {قَدِيرٌ}
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ} من آدم وآدَم من تُرَاب {فَمِنكُمْ كَافِرٌ} بالعلانية {وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} بالعلانية وَيُقَال فمنكم كَافِر يُؤمن وَهُوَ تحضيض مِنْهُ على الْإِيمَان ومنكم مُؤمن يكفر وَهُوَ تحذير مِنْهُ عَن الْكفْر وَيُقَال مِنْكُم كَافِر السريرة كَافِر الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْكَافِر ومنكم مُؤمن السريرة مُؤمن الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْمُؤمن المخلص بإيمانه ومنكم كَافِر السريرة مُؤمن الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْمُنَافِق بإيمانه {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ}
{خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} لتبيان الْحق وَالْبَاطِل وَيُقَال للزوال والفناء {وَصَوَّرَكُمْ} فِي الْأَرْحَام {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} من صور الدَّوَابّ وَيُقَال أحكم صوركُمْ باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء {وَإِلَيْهِ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة
{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض} من الْخلق {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ} مَا تخفون من الْعَمَل {وَمَا تُعْلِنُونَ} وَمَا تظْهرُونَ من الْعَمَل {وَالله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ} يَا أهل مَكَّة فِي الْكتاب {نَبَأُ} خبر {الَّذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ} من قبلكُمْ من الْأُمَم الْمَاضِيَة كَيفَ فعل بهم {فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} عُقُوبَة أَمرهم فِي الدُّنْيَا بِالْعَذَابِ والهلاك {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الْآخِرَة
{ذَلِك} الْعَذَاب {بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فَقَالُوا أَبَشَرٌ} آدَمِيّ مثلنَا {يَهْدُونَنَا} يدعوننا إِلَى التَّوْحِيد
{فَكَفَرُواْ} بالكتب وَالرسل والآيات {وَتَوَلَّواْ} أَعرضُوا عَن الْإِيمَان بالكتب وَالرسل والآيات {وَاسْتغْنى الله} عَن إِيمَانهم {وَالله غَنِيٌّ} عَن إِيمَانهم {حَمِيدٌ} مَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال حميد لمن وَحده
{زَعَمَ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {أَن لَّن يُبْعَثُواْ} من بعد الْمَوْت {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {بلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} بعد الْمَوْت {ثُمَّ لتنبؤن} للتخبرن {بِمَا عَمِلْتُمْ} فِي الدُّنْيَا من الْخَيْر وَالشَّر {وَذَلِكَ} الْبَعْث {عَلَى الله يَسِيرٌ} هَين
{فَآمِنُواْ} يَا أهل مَكَّة {بِاللَّه وَرَسُولِهِ} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {والنور} الْكتاب {الَّذِي أَنزَلْنَا} جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {خَبِيرٌ}
{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجمع} يَوْم يجْتَمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ {ذَلِك يَوْمُ التغابن} يغبن الْكَافِر بِنَفسِهِ وَأَهله وخدمه ومنازله فِي الْجنَّة ويرثه الْمُؤمن وَيُقَال يغبن الْمُؤمن الْكَافِر بأَهْله ومنازله ويغبن فِيهِ الْكَافِر بِنَفسِهِ فِي الْجنَّة ويرثه الْمُؤمن دون الْكَافِر ويغبن الْمَظْلُوم الظَّالِم بِأخذ حَسَنَاته وَوضع سيئاته على ظالمه {وَمن يُؤمن بِاللَّه} وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَيَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} يغْفر ذنُوبه بِالتَّوْحِيدِ {وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً ذَلِك الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار
{وَالَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه كفار مَكَّة {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {خَالِدِينَ فيهآ} مقيمين فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَبِئْسَ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ النَّار
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ} فِي بدنكم وأهلكم وَأَمْوَالكُمْ {إِلَاّ بِإِذْنِ الله} وقضائه {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّه} يرى الْمُصِيبَة من الله {يَهْدِ قَلْبَهُ} للرضا وَالصَّبْر وَيُقَال إِذا أعْطى شكر وَإِذا ابتلى صَبر وَإِذا ظلم غفر وَإِذا أَصَابَته مُصِيبَة اسْترْجع يهد قلبه للاسترجاع {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ} يُصِيبكُم من الْمُصِيبَة وَغَيرهَا {عَلِيمٌ وَأَطِيعُواْ الله} فِي الْفَرَائِض
{وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِي السّنَن وَيُقَال أطِيعُوا الله فِي التَّوْحِيد وَأَطيعُوا الرَّسُول بالإجابة {فَإِن تَولَّيْتُمْ} عَن طاعتهما {فَإِنَّمَا على رَسُولنَا} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله لرسالته {الْمُبين} يبين لكم بلغَة تعلمونها
{الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله لَا على غَيره
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ} الَّذين بِمَكَّة {عدوا لكم} أَن صدوكم عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {فاحذروهم} أَن تقعدوا عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {وَإِن تَعْفُواْ} عَن صدهم إيَّاكُمْ {وَتَصْفَحُواْ} تعرضوا فَلَا تعاقبوهم {وَتَغْفِرُواْ} تجاوزوا ذنوبهم بعد مَا هَاجرُوا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
{إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ} الَّذين بِمَكَّة {فِتْنَةٌ} بلية لكم إِذْ منعوكم عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {وَالله عِنْدَهُ أَجْرٌ} ثَوَاب {عَظِيمٌ} لمن هَاجر وجاهد فِي سَبِيل الله وَلم يَله بِمَالِه وَولده عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد
{فَاتَّقُوا الله} فأطيعوا الله {مَا اسْتَطَعْتُم} بِالَّذِي أطقتم {واسمعوا} مَا تؤمرون {وَأَطِيعُواْ} مَا أَمركُم الله وَرَسُوله {وَأَنْفِقُواْ} تصدقوا بأموالكم فِي سَبِيل الله {خَيْراً لأَنفُسِكُمْ} يَقُول الصَّدَقَة خير لكم من إِِمْسَاكهَا {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} من دفع عَنهُ بخل نَفسه وَيُقَال من أدّى زَكَاة مَاله {فَأُولَئِك هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب
{إِن تُقْرِضُواْ الله} فِي الصَّدَقَة {قَرْضاً حَسَناً} محتسباً صَادِقا من قُلُوبكُمْ {يُضَاعِفْهُ لَكُمْ}
يقبله ويضاعفه لكم فِي الْحَسَنَات مَا بَين سبع إِلَى سبعين إِلَى سَبْعمِائة إِلَى ألفي ألف إِلَى مَا شَاءَ الله من الْأَضْعَاف {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} بِالصَّدَقَةِ {وَالله شَكُورٌ} لصدقاتكم حِين قبلهَا وأضعفها وَيُقَال شكور يشْكر الْيَسِير من صَدقَاتكُمْ وَيجْزِي الجزيل من ثَوَابه {حَلِيمٌ} لَا يعجل بالعقوبة على من يمن بِصَدَقَتِهِ أَو يمْنَع
{عَالِمُ الْغَيْب} مَا فِي قُلُوب المتصدقين من الْمَنّ أَو الخشية {وَالشَّهَادَة} عَالم بِصَدَقَاتِهِمْ {الْعَزِيز} بالنقمة لمن يمن بِصَدَقَتِهِ أَو لَا يُعْطي الصَّدَقَة {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه وَيُقَال الْحَكِيم فِي قبُول الصَّدقَات وأضعافها وَيُقَال الْحَكِيم حَيْثُ حكم بِطَلَاق السّنة للنبى صلى الله عليه وسلم وَأمته
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الطَّلَاق وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها إِحْدَى عشر آيَة وكلماتها مِائَتَان وَسبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَمِائَة وَسَبْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي} وَأمته {إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء} يَقُول قل لقَوْمك إِذا أردتم أَن تطلقوا النِّسَاء {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} عِنْد طهورهن طواهر من غير جماع {وَأَحْصُواْ الْعدة} احْفَظُوا طهرهن من ثَلَاث حيض وَالْغسْل مِنْهَا بِانْقِضَاء الْعدة {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله {رَبَّكُمْ} وَلَا تطلقوهن غير طواهر بِغَيْر السّنة {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} الَّتِي طلقن فِيهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة {وَلَا يَخْرُجْنَ} حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة {إِلَاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} إِلَّا أَن يجئن بِمَعْصِيَة بَيِّنَة وَهِي أَن تخرج فِي الْعدة بِغَيْر إِذن زَوجهَا فإخراجهن فِي الْعدة مَعْصِيّة وخروجهن فِي عدتهن مَعْصِيّة وَيُقَال إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة بِالزِّنَا مبينَة بأَرْبعَة شُهُود فَتخرج فترجم {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه فِي النِّسَاء للطَّلَاق من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله} يتَجَاوَز أَحْكَام الله وفرائضه مَا أَمر بِهِ من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ضرّ نَفسه {لَا تَدْرِى} لَا تعلم يَعْنِي بِهِ الزَّوْج {لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِك} بعد التطليقة الْوَاحِدَة وَقبل الْخُرُوج من الْعدة {أَمْراً} حبا ومراجعة
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} فَإِذا انْقَضتْ عدتهن من ثَلَاث قبل أَن يغتسلن من الْحَيْضَة الثَّالِثَة {فَأَمْسِكُوهُنَّ} فراجعوهن {بِمَعْرُوفٍ} بِإِحْسَان قبل الِاغْتِسَال وَأَن يحسن صحبتهَا ومعاشرتها {أَوْ فَارِقُوهُنَّ} أَو اتركوهن {بِمَعْرُوفٍ} بِإِحْسَان لَا تطولوا عَلَيْهِنَّ الْعدة وتؤدوا حَقّهَا {وَأَشْهِدُواْ} على الطَّلَاق والمراجعة {ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُم} رجلَيْنِ حُرَّيْنِ مُسلمين عَدْلَيْنِ مرضين {وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَة لِلَّهِ} وَقومُوا بِالشَّهَادَةِ لله عِنْد الْحُكَّام (ذَلِكُم) الَّذِي ذكرت من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى وَإِقَامَة الشَّهَادَة وَغَيرهَا {يُوعَظُ بِهِ} يُؤمر بِهِ {مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَيُقَال نزلت من أول السُّورَة إِلَى هَهُنَا فى شَأْن النبى صلى الله عليه وسلم حِين طلق حَفْصَة وَفِي سِتَّة نفر من أَصْحَابه ابْن عمر وَأَصْحَابه طلقوا نِسَاءَهُمْ غير طواهر فنهاهم الله عَن ذَلِك لِأَنَّهُ لغير السّنة وعلمهم طَلَاق السّنة إِذا طلقوا نِسَاءَهُمْ كَيفَ يطلقون {وَمَن يَتَّقِ الله} عِنْد الْمعْصِيَة فيصبر {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} من الشدَّة وَيُقَال من الْمعْصِيَة إِلَى الطَّاعَة وَيُقَال من النَّار إِلَى الْجنَّة
{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} لَا يأمل نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ الَّذِي اسر الْعَدو ابْنا لَهُ فجَاء بعد ذَلِك مَعَ إبل كَثِيرَة {وَمَن يَتَوَكَّلْ على الله} وَمن يَثِق بِاللَّه فِي الرزق {فَهُوَ حَسْبُهُ} كافيه {إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ} مَاض أمره وقضاؤه فِي الشدَّة والرخاء وَيُقَال نَافِذ أمره وتدبيره
فَلَمَّا بَين الله عدَّة النِّسَاء اللَّاتِي يحضن قَامَ معَاذ فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله مَا عدَّة النِّسَاء اللَّاتِي يئسن من الْمَحِيض فَنزل {واللائي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيض} من الْكبر {مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارتبتم} شَكَكْتُمْ فِي عدتهن {فَعِدَّتُهُنَّ} فِي الطَّلَاق {ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} فَقَامَ رجل آخر فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله فِي اللائي لم يحضن للصغر مَا عدتهن فَنزل {واللائي لَمْ يَحِضْنَ} من الصغر فعدتهن أَيْضا ثَلَاثَة أشهر فَقَامَ رجل آخر فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله مَا عدَّة الْحَوَامِل فَنزل {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَال} يَعْنِي الحبالى {أَجَلُهُنَّ} عدتهن {أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولدهن {وَمَن يَتَّقِ الله} فِيمَا أمره {يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} يهون عَلَيْهِ أمره وَيُقَال يرزقه عبَادَة حَسَنَة فِي سريرة حَسَنَة
{ذَلِك أَمْرُ الله} هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه {أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} بَينه لكم فِي الْقُرْآن {وَمَن يَتَّقِ الله} فِيمَا أمره {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} يغْفر لَهُ ذنُوبه {وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} ثَوابًا فى الْجنَّة
ثمَّ رَجَعَ إِلَى المطلقات فَقَالَ {أَسْكِنُوهُنَّ} أنزلوهن يَعْنِي المطلقات يَقُول للأزواج {مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم} من أَيْن سكنتم {مِّن وُجْدِكُمْ} من سعتكم على قدر ذَلِك من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ} يَعْنِي المطلقات فِي النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ} بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فتظلموهن بذلك {وَإِن كُنَّ} المطلقات {أُوْلَاتِ حَمْلٍ} حبالى {فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ} يَعْنِي الزَّوْج {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولدهن {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} الْأُمَّهَات ولدا لكم {فَآتُوهُنَّ} أعطوهن يَعْنِي الْأُمَّهَات {أُجُورَهُنَّ} يَعْنِي النَّفَقَة على الرَّضَاع {وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ} وأنفقوا يَعْنِي الزَّوْج وَالْمَرْأَة فِيمَا بَيْنكُم {بِمَعْرُوفٍ} على أَمر مَعْرُوف من النَّفَقَة على الرَّضَاع بِغَيْر إِسْرَاف وتقتير {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ} فِي النَّفَقَة وأبت الْأُم {فَسَتُرْضِعُ لَهُ} للْوَلَد {أُخْرَى} فتطلب لَهُ أُخْرَى غير الْأُم
{لِيُنفِقْ} الْأَب {ذُو سَعَةٍ} ذُو غنى {مِّن سَعَتِهِ} على قدر غناهُ {وَمَن قُدِرَ} قتر {عَلَيْهِ رِزْقُهُ} معيشته {فَلْيُنفِقْ} على الْمُرْضع {مِمَّآ آتَاهُ الله} على قدر مَا أعطَاهُ الله من المَال {لَا يُكَلِّفُ الله نَفْساً} من النَّفَقَة على الرَّضَاع {إِلَاّ مَآ آتَاهَا} إِلَّا على قدر مَا أعطَاهُ من المَال {سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ} فِي النَّفَقَة {يُسْراً} بعد الْفقر غنى فالمعسر ينْتَظر الرزق من الله
{وكأين من قَرْيَة} وَكم من أهل قَرْيَة {عَتَتْ} عَصَتْ وأبت {عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا} عَن قبُول أَمر رَبهَا وَطَاعَة رَبهَا {وَرُسُلِهِ} عَن إِجَابَة الرُّسُل وَعَما جَاءَت بِهِ الرُّسُل {فَحَاسَبْنَاهَا} فِي الْآخِرَة {حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا} فِي الدُّنْيَا {عَذَاباً نُّكْراً} شَدِيدا مقدم ومؤخر
{فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا} عُقُوبَة أمرهَا فِي الدُّنْيَا بِالْهَلَاكِ {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا} فِي الْآخِرَة {خُسْراً} إِلَى خسران
{أَعَدَّ الله لَهُمْ} فِي الْآخِرَة {عَذَاباً شَدِيداً} غليظاً لوناً بعد لون {فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله {يَا أولي الْأَلْبَاب} يَا ذَوي الْعُقُول من النَّاس {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً}
{رَّسُولاً} ذكرا مَعَ الرَّسُول {يَتْلُو عَلَيْكُمْ} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {آيَاتِ الله} الْقُرْآن {مُبَيِّنَاتٍ} واضحات بَيِّنَات بِالْأَمر وَالنَّهْي {لِّيُخْرِجَ الَّذين آمَنُواْ} قد أخرج الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَمن يُؤمن بِاللَّه} وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَيَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {يُدْخِلْهُ} فِي الْآخِرَة {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً} قد أعد الله لَهُ ثَوابًا فِي الْجنَّة
{الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} بَعْضهَا فَوق بعض مثل الْقبَّة {وَمِنَ الأَرْض مِثْلَهُنَّ} سبعا وَلكنهَا منبسطة {يَتَنَزَّلُ الْأَمر بَيْنَهُنَّ} يَقُول تتنزل الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة من السَّمَوَات من عِنْد الله {لِتَعْلَمُوا} لكَي تعلمُوا وتقروا {أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من أهل السَّمَوَات وَالْأَرضين {قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَاً} أَي قد أحَاط علمه بِكُل شىء
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا التَّحْرِيم وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَلَاث عشرَة وكلماتها مِائَتَان وتسع وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسِتُّونَ حرفا
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ} نِكَاحه يعْنى نِكَاح مَارِيَة الْقبْطِيَّة أم إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد رَسُول الله حرمهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم على نَفسه {تبتغي مرضات أَزْوَاجِكَ} تطلب رِضَاء أَزوَاجك عَائِشَة وَحَفْصَة بِتَحْرِيم مَارِيَة الْقبْطِيَّة {وَالله غَفُورٌ} لَك {رَّحِيمٌ} بِتِلْكَ الْيَمين
{قَدْ فَرَضَ الله} قد بيَّن الله {لَكُمْ تَحِلَّة أَيْمَانكُم} كَفَّارَة أَيْمَانكُم فَكفر النبى صلى الله عليه وسلم يَمِينه وَضمّهَا إِلَى نَفسه {وَالله مَوْلَاكُمْ} حافظكم وناصرك {وَهُوَ الْعَلِيم} بتحريمك مَارِيَة الْقبْطِيَّة {الْحَكِيم} فِيمَا حكم من الْكَفَّارَة
{وَإِذَ أَسَرَّ النَّبِي إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} يَعْنِي حَفْصَة {حَدِيثاً} كلَاما أخْبرهَا فِي السِّرّ {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} فَلَمَّا أخْبرت حَفْصَة بسر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَائِشَة {وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ} أطلع الله نبيه على مَا أخْبرت حَفْصَة عَائِشَة {عَرَّفَ بَعْضَهُ} بيَّن النَّبِي لحفصة بعض مَا قَالَت لعَائِشَة من خلَافَة أبي بكر وَعمر وَيُقَال من خلوته مَعَ مَارِيَة الْقبْطِيَّة {وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} سكت عَن بعض تَحْرِيمه مَارِيَة الْقبْطِيَّة على نَفسه وَعَما أخْبرهَا من خلَافَة أبي بكر وَعمر من بعده وَلم يعلمهَا بذلك {فَلَمَّا نبأها بِهِ} أخبر النبى صلى الله عليه وسلم حَفْصَة بِمَا قَالَت لعَائِشَة {قَالَتْ} حَفْصَة {مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا} أخْبرك بِهَذَا أَنِّي قلت لعَائِشَة {قَالَ} النبى صلى الله عليه وسلم {نَبَّأَنِيَ} أَخْبرنِي {الْعَلِيم} بِمَا قلت لعَائِشَة {الْخَبِير} بِمَا قلت لَك
{إِن تَتُوبَآ إِلَى الله} توبا إِلَى الله يَا عَائِشَة وَيَا حَفْصَة من إيذائكما رَسُول الله ومعصيتكما لَهُ {فَقَدْ صَغَتْ} مَالَتْ {قُلُوبُكُمَا} عَن الْحق {وَإِن تَظَاهَرَا} تعاونا {عَلَيْهِ} على إيذائه ومعصيته {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} حافظه وناصره ومعينه عَلَيْكُمَا {وَجِبْرِيلُ} معينه عَلَيْكُمَا {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} جملَة الْمُؤمنِينَ المخلصين أعوان لَهُ عَلَيْكُمَا مثل أَبى بكر وَعمر وَعُثْمَان وعَلى رضى الله عَنْهُم وَمن دونهم {وَالْمَلَائِكَة بَعْدَ ذَلِك} مَعَ هَؤُلَاءِ {ظَهِيرٌ} أعوان لَهُ عَلَيْكُمَا
{عَسى رَبُّهُ} وَعَسَى من الله وَاجِب {إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ} يُزَوجهُ {أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} فِي الطَّاعَة {مُسْلِمَاتٍ} مقرات بالألسن {مُّؤْمِنَاتٍ} مصدقات بالألسن والقلوب بإيمانهن {قَانِتَاتٍ} مطيعات لله ولأزواجهن {تَائِبَاتٍ} من الذُّنُوب {عَابِدَاتٍ} موحدات الله {سَائِحَاتٍ} صائمات {ثَيِّبَاتٍ} أيمات مثل آسِيَة بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن {وَأَبْكَاراً} مَرْيَم بنت عمرَان أم عِيسَى
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {قوا أَنفُسَكُمْ} ادفعوا عَن أَنفسكُم وقومكم {وَأَهْلِيكُمْ} وَأَوْلَادكُمْ ونسائكم {نَاراً} يَقُول أدبوهم وعلموهم الْخَيْر تقوهم بذلك نَارا {وَقُودُهَا} حطبها {النَّاس وَالْحِجَارَة} حِجَارَة الكبريت وَهِي أَشد الْأَشْيَاء حرا {عَلَيْهَا} على النَّار {مَلَائِكَة} يَعْنِي الزَّبَانِيَة {غِلَاظٌ} عُظَمَاء {شِدَادٌ} أقوياء {لَاّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ} فِيمَا أَمرهم من عَذَاب أهل النَّار {ويفعلون} يعْنى الزَّبَانِيَة {مَا يؤمرون}
{يَا أَيهَا الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {لَا تَعْتَذِرُواْ الْيَوْم} فَإِنَّهُ لَا يقبل معذرتكم {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فى الدُّنْيَا
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {تُوبُوا إِلَى الله} من الذُّنُوب {تَوْبَةً نصُوحًا} خَالِصا صَادِقا من قُلُوبكُمْ وَهُوَ النَّدَم بِالْقَلْبِ وَالِاسْتِغْفَار بِاللِّسَانِ والإقلاع بِالْبدنِ وَالضَّمِير على أَن لَا يعود إِلَيْهِ أبدا {عَسى ربكُم} عَسى من الله وَاجِب {أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أَن يغْفر لكم ذنوبكم بِالتَّوْبَةِ {وَيُدْخِلَكُمْ} فِي الْآخِرَة {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار