الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مِّن قَرْنٍ} من الْقُرُون الْمَاضِيَة {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ} هَل ترى مِنْهُم أحدا بعد الْهَلَاك {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} صَوتا بعد مَا هَلَكُوا ودرسوا
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا طه وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وكلماتها ألف وثلثمائة وَوَاحِد وحروفها خَمْسَة آلَاف ومائتان وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ حرفا
بسم الله الرحمن الرحيم
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى
{طه
مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآن لتشقى} لتتعب بِالْقُرْآنِ نزلت هَذِه الْآيَة والنبى صلى الله عليه وسلم كَانَ قبل ذَلِك يجْتَهد بِصَلَاة اللَّيْل حَتَّى تورمت قدماه فَخفف الله عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة فَقَالَ طه يَا رجل هَذِه بِلِسَان مَكَّة أَي يَا مُحَمَّد مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ
{إِلَاّ تَذْكِرَةً} عظة {لِّمَن يخْشَى} لمن يسلم وَلم أنزلهُ لتشقى لتتعب نَفسك مقدم ومؤخر
{تَنزِيلاً} يَقُول الْقُرْآن تكليماً {مِّمَّنْ خَلَق الأَرْض وَالسَّمَاوَات العلى} رفع بَعْضهَا فَوق بعض
{الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اسْتَوَى} اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ بِهِ وَيُقَال هُوَ من المكتوم الَّذِي لَا يُفَسر
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {وَمَا تَحْتَ الثرى} الَّذِي تَحت الْأَرْضين السَّابِعَة السُّفْلى لِأَن الْأَرْضين على المَاء وَالْمَاء على الْحُوت والحوت على الصَّخْرَة والصخرة على قَرْني الثور والثور على الثرى هُوَ التُّرَاب الندي يعلم الله مَا تَحْتَهُ
{وَإِن تَجْهَرْ بالْقَوْل} تعلن بالْقَوْل الْفِعْل {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرّ} من القَوْل وَالْفِعْل {وَأَخْفَى} من السِّرّ مَا هُوَ كَائِن مِنْك لم يَك بعد أَو يكون يعلم الله ذَلِك كُله
{الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} وَحده لَا شريك لَهُ {لَهُ الأسمآء الْحسنى} الصِّفَات الْعليا فَادعوهُ بهَا
{وَهَلْ أَتَاكَ} مَا أَتَاك يَا مُحَمَّد ثمَّ أَتَاك {حَدِيثُ مُوسَى} خبر مُوسَى
{إِذْ رَأَى نَاراً} عَن يسَاره {فَقَالَ لأَهْلِهِ امكثوا} انزلوا مَكَانكُمْ {إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} إِنِّي رَأَيْت نَارا {لعَلي آتِيكُمْ مِّنْهَا} من النَّار {بِقَبَسٍ} بشعلة مقتبسة وَكَانَ فِي برد شَدِيد من الشتَاء {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّار} عِنْد النَّار {هُدًى} من يدلني على الطَّرِيق
{إِنِّي أَنَاْ رَبُّكَ فاخلع نَعْلَيْكَ} وَكَانَت نعلاه من جلد حمَار ميت {إِنَّكَ بالواد الْمُقَدّس} المطهر {طُوىً} اسْم الْوَادي وَيُقَال قد طوته الْأَنْبِيَاء قبلك وَيُقَال طوى بِئْر قد طويت بالصخر فِي ذَلِك الْوَادي للَّذي كَانَت فِيهِ الشَّجَرَة
{إِنَّنِي أَنَا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنَاْ فاعبدني} فأطعنى {وأقم الصَّلَاة لذكري} لَو نسيت صَلَاة فصلها حِين ذكرتها
{إِنَّ السَّاعَة آتِيَةٌ} كائنة {أَكَادُ أُخْفِيهَا} أظهرها وَيُقَال أسترها عَن نَفسِي فَكيف أظهرها لغيري {لتجزى كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {بِمَا تسْعَى} بِمَا تعْمل من الْخَيْر وَالشَّر
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} فَلَا يصرفنك عَن الْإِقْرَار بهَا {مَن لَاّ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتبع هَوَاهُ} بالإنكار وَعبادَة الْأَصْنَام {فتردى} فتهلك
{وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا} أعْتَمد عَلَيْهَا إِذا عييت {وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي} أخبط بهَا الشَّجَرَة لغنمي {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} حوائج شتَّى
{قَالَ ألقها} من يدك {يَا مُوسَى}
{فَأَلْقَاهَا} من يَده {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسْعَى} تشتد رَافِعَة رَأسهَا فولى مُوسَى هَارِبا مِنْهَا
{قَالَ} الله لَهُ {خُذْهَا} يَا مُوسَى {وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا} سنجعلها {سِيَرتَهَا الأولى} عَصا كَمَا كَانَت
{واضمم يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} أَدخل يدك فِي إبطك {تَخْرُجْ بَيْضَآءَ} لَهَا شُعَاع {مِنْ غَيْرِ سوء} من غير برص {آيَةً أُخْرَى} عَلامَة أُخْرَى مَعَ الْعَصَا
{يَفْقَهُواْ قَوْلِي} لكَي يفقهوا كَلَامي
{وَأَشْرِكْهُ} يَا رب {فِي أَمْرِي} فِي تَبْلِيغ رسالتي إِلَى فِرْعَوْن
{كَيْ نُسَبِّحَكَ} نصلي لَك {كَثِيراً}
{وَنَذْكُرَكَ} بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان {كَثِيراً}
{قَالَ} الله مَا {قد أُوتيت} أَعْطَيْت {سؤلك} مَا سَأَلت {يَا مُوسَى} فشرح الله لَهُ صَدره وَيسر أمره وَبسط لِسَانه وَجعل هَارُون لَهُ معينا
{أَنِ اقذفيه فِي التابوت} أَن اطرحي الصَّبِي فِي التابوت البردي {فاقذفيه فِي اليم} فاطرحي التابوت فِي الْبَحْر {فَلْيُلْقِهِ اليم} الْبَحْر {بالسَّاحل} على الشط {يَأْخُذْهُ} يرفعهُ {عَدُوٌّ لِّي} بِالدينِ يَعْنِي فِرْعَوْن {وَعَدُوٌّ لَّهُ} بِالْقَتْلِ {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} يَا مُوسَى كل من رآك أحبك {وَلِتُصْنَعَ على عَيْني} وَمَا صنع بك كَانَ فِي منظري
{إِذْ تمشي أُخْتُكَ} فَدخلت قصر فِرْعَوْن {فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ} يرضعه {فَرَجَعْنَاكَ} فرددناك {إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} تطيب نَفسهَا {وَلَا تَحْزَنَ} على ابْنهَا بِالْهَلَاكِ {وَقَتَلْتَ نَفْساً} قبطياً {فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغم} من غم الْقود {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} ابتليناك ببلاء مرّة بعد مرّة {فَلَبِثْتَ} مكثت {سِنِينَ} عشر سِنِين
{فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ} على مقدورى بالْكلَام والرسالة إِلَى فِرْعَوْن {يَا مُوسَى}
{واصطنعتك لِنَفْسِي} اصطفيتك لنَفْسي بالرسالة
{اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ} هَارُون {بِآيَاتِي} بِالْيَدِ والعصا {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} لَا تضعفا وَلَا تعجزا وَلَا تفترا فِي تَبْلِيغ رسالتي إِلَى فِرْعَوْن
{فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً} لطيفاً لَا إِلَه إِلَّا الله وَيُقَال كنياه {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} يتعظ {أَوْ يخْشَى} أَو يسلم
{قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ} أَن يعجل {عَلَيْنَآ} بِالضَّرْبِ {أَوْ أَن يطغى} بِالْقَتْلِ
{قَالَ} الله لَهما {لَا تَخَافَآ} من الضَّرْب وَالْقَتْل {إِنَّنِي مَعَكُمَآ} معينكما {أَسْمَعُ} مَا يرد عَلَيْكُمَا {وَأرى} صنعه بكما
{فَأْتِيَاهُ} يَعْنِي فِرْعَوْن {فقولا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} إِلَيْك {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ} نَذْهَب بهم إِلَى أَرضهم {وَلَا تُعَذِّبْهُمْ} لَا تتبعهم بِالْعَمَلِ وَذبح الْأَبْنَاء واستخدام النِّسَاء لأَنهم أَحْرَار {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ} بعلامة {مِّن رَّبِّكَ} يَعْنِي بِالْيَدِ وَهُوَ أول آيَة أَرَاهَا الله فِرْعَوْن {وَالسَّلَام على مَنِ اتبع الْهدى} التَّوْحِيد
{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ الْعَذَاب} الدَّائِم {على مَن كَذَّبَ} بِالتَّوْحِيدِ {وَتَوَلَّى} عَن الْإِيمَان
{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ} شكله للْإنْسَان إنْسَانا وللبعير نَاقَة وَالْحمار أَتَانَا وللشاة النعجة {ثُمَّ هدى} ثمَّ ألهم الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع
{قَالَ} فِرْعَوْن لمُوسَى {فَمَا بَالُ الْقُرُون الأولى} فَمَا خبر الْقُرُون الْمَاضِيَة عنْدك كَيفَ هَلَكُوا
{قَالَ} مُوسَى {عِلْمُهَا} علم هلاكها {عِندَ رَبِّي} مَكْتُوب {فِي كِتَابٍ} يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {لَاّ يضل رَبِّي} لَا يخطىء وَلَا يذهب عَلَيْهِ أَمرهم {وَلَا يَنسَى} أَمرهم وَلَا يتْرك عقوبتهم
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض مَهْداً} فرشاً {وَسَلَكَ} جعل {لَكُمْ فِيهَا} فِي الأَرْض {سُبُلاً} طرقاً تذهبون وتجيئون فِيهَا {وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} فَأَنْبَتْنَا بالمطر {أَزْوَاجاً} أصنافاً {مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى} مُخْتَلفا ألوانه
{كُلُواْ} يَعْنِي مَا تَأْكُلُونَ {وارعوا} مَا ترعون {أَنْعَامَكُمْ} من عشبها {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي اختلافها وألوانها {لآيَاتٍ} لعلامات {لأُوْلِي النهى} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس
{مِنْهَا} من الأَرْض {خَلَقْنَاكُمْ} يَقُول خَلَقْنَاكُمْ من آدم وآدَم من تُرَاب وَالتُّرَاب من الأَرْض {وَفِيهَا} وَفِي الأَرْض {نُعِيدُكُمْ} يَقُول نقبركم {وَمِنْهَا} من الأَرْض {نُخْرِجُكُمْ} يَقُول من الْقُبُور نخرجكم {تَارَةً أُخْرَى} مرّة أُخْرَى بعد الْمَوْت للبعث
{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ} يَعْنِي فِرْعَوْن {آيَاتِنَا كُلَّهَا} الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وَنقص من الثمرات {فَكَذَّبَ} بِالْآيَاتِ وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من الله {وأبى} أَن يسلم وَلم يقبل الْآيَات
مثل مَا جئتنا بِهِ {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ} يَا مُوسَى {مَوْعِداً} أَََجَلًا {لَاّ نُخْلِفُهُ} لَا نجاوزه {نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَاناً سُوىً} غير هَذِه وَيُقَال سوى أَي عدلا وَنصفا بَيْننَا وَبَيْنك إِن قُرِئت بِضَم السِّين
{قَالَ} مُوسَى {مَوْعِدُكُمْ} أجلكم {يَوْمُ الزِّينَة} وَهُوَ يَوْم السُّوق وَيُقَال يَوْم الْعِيد وَيُقَال يَوْم النيروز {وَأَن يُحْشَرَ} يجمع {النَّاس} من الْمَدَائِن {ضحى} ضحوة
{فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ} فَرجع فِرْعَوْن إِلَى أَهله {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} حيلته وسحرته اثْنَيْنِ وَسبعين ساحراً {ثُمَّ أَتَى} الموعدة
{قَالَ لَهُمْ مُوسَى} للسحرة {وَيْلَكُمْ} ضيق الله عَلَيْكُم الدُّنْيَا {لَا تَفْتَرُواْ} لَا تختلقوا {عَلَى الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُم} فيهلككم {بِعَذَابٍ} من عِنْده {وَقَدْ خَابَ} خسر {مَنِ افترى} اختلق على الله الْكَذِب
{فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} فتشاوروا فِيمَا بَينهم إِن غلب علينا مُوسَى آمنا بِهِ {وَأَسَرُّواْ} هَذَا {النَّجْوَى} من فِرْعَوْن
ثمَّ {قَالُوا} بالعلانية {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} بلغَة بنى الْحَارِث بن كَعْب وَإِنَّمَا قَالَ إِن هَذَانِ على اللُّغَة لَا على الْإِعْرَاب وَيُقَال قَالَ لَهُم فِرْعَوْن إِن هَذَانِ مُوسَى وَهَارُون لساحران {يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ} يَعْنِي مُوسَى وَهَارُون {مِّنْ أَرْضِكُمْ} مصر {بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ} بدينكم ورجالكم {المثلى} الأمثل فالأمثل أهل الرأى والشرف
{فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} مكركم وسحرتكم وعلمكم {ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً} جَمِيعًا {وَقَدْ أَفْلَحَ} فَازَ {الْيَوْم مَنِ استعلى}
{قَالُوا} يعْنى السَّحَرَة لمُوسَى {يَا مُوسَى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ} عصاك إِلَى الأَرْض أَولا {وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألْقى}
{قَالَ} لَهُم مُوسَى {بَلْ أَلْقُواْ} أَنْتُم أَولا فَألْقوا اثْنَيْنِ وَسبعين عَصا واثنين وَسبعين حبلاً {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ} أرى مُوسَى {مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسْعَى} تمْضِي
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} يَقُول أضمر مُوسَى فِي قلبه الْخَوْف خَافَ أَن لَا يظفر بهم فيقتلون من آمن بِهِ
{وَأَلْقِ} على الأَرْض {مَا فِي يَمِينِكَ} يَا مُوسَى {تَلْقَفْ} تلقم {مَا صَنَعُوا} مَا طرحوا من العصي والحبال {إِنَّمَا صَنَعُواْ} طرحوا {كَيْدُ سَاحِرٍ} عمل سحر {وَلَا يُفْلِحُ} لَا يَأْمَن وَلَا ينجو من عَذَاب الله وَلَا يفوز {السَّاحر حَيْثُ أَتَى} أَيْنَمَا كَانَ
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَة سُجَّداً} فسجدوا من سرعَة سجودهم كَأَنَّهُمْ ألقوا {قَالُوا} يَعْنِي السَّحَرَة {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُون ومُوسَى}
{قَالَ} لَهُم فِرْعَوْن {آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذن لَكُمْ} قبل أَن آمركُم بِهِ {إِنَّهُ} يَعْنِي مُوسَى {لَكَبِيرُكُمُ} عالمكم {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السحر فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلَافٍ} الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخل} على جُذُوع النّخل {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأبقى} أدوم أَنا أَو رب مُوسَى وَهَارُون
{قَالُواْ} يَعْنِي السَّحَرَة لفرعون {لَن نُّؤْثِرَكَ} لن نَخْتَار عبادتك وطاعتك {على مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَينَات}
من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْكتاب وَالرَّسُول والعلامات {وَالَّذِي فَطَرَنَا} وعَلى عبَادَة الَّذِي خلقنَا {فَاقْض مَآ أَنتَ قَاضٍ} فَاصْنَعْ مَا أَنْت صانع واحكم علينا مَا أَنْت حَاكم {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِه الْحَيَاة الدنيآ} تحكم علينا فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَك علينا سُلْطَان فِي الْآخِرَة
{إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} شركنا {وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ} مَا أجبرتنا عَلَيْهِ {مِنَ السحر} من تعلم السحر {وَالله خَيْرٌ وَأبقى} مَا عِنْد الله من الثَّوَاب والكرامة أفضل وأدوم مِمَّا تُعْطِينَا من المَال
{إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ} يَوْم الْقِيَامَة {مُجْرِماً} مُشْركًا {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح {وَلَا يحيى} حَيَاة تَنْفَعهُ
{وَمَن يَأْتِهِ} يَوْم الْقِيَامَة {مُؤْمِناً} مُصدقا فِي إيمَانه {قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَأُولَئِك لَهُمُ الدَّرَجَات العلى} الرفيعة فِي الْجنان
ثمَّ بَين أَن الْجنان لَهُم فَقَالَ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} وَهِي دَار الرَّحْمَن الَّتِي خلقهَا بِيَدِهِ وبقوته فِي وسط الْجنان والجنان حولهَا {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون {وَذَلِكَ} الْجنان والخلد {جَزَآءُ مَن تزكّى} ثَوَاب من وحد وَأصْلح
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ} أَي سر {بِعِبَادِي} أول اللَّيْل {فَاضْرب لَهُمْ} بَين لَهُم {طَرِيقاً فِي الْبَحْر يَبَساً} طَرِيقا يَابسا جدا {لَاّ تَخَافُ دَرَكاً} إِدْرَاك فِرْعَوْن {وَلَا تخشى} من الْغَرق
{فأتبعهم فِرْعَوْن} فلحقهم فِرْعَوْن {بجُنُوده} بجموعه {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم} فَغشيَ عَلَيْهِم الْبَحْر {مَا غشيهم}
{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ} أهلك فِرْعَوْن {قَوْمَهُ} فِي الْبَحْر {وَمَا هدى} مَا نجاهم من الْغَرق وَيُقَال أضلهم عَن دين الله وَمَا دلهم إِلَى الصَّوَاب
{يَا بني إِسْرَائِيلَ} يَا أَوْلَاد يَعْقُوب {قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ} من فِرْعَوْن {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطّور} الْجَبَل {الْأَيْمن} يَمِين مُوسَى بِإِعْطَاء الْكتاب {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنّ والسلوى} فِي التيه
{كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ} من حلالات {مَا رَزَقْنَاكُمْ} من الْمَنّ والسلوى {وَلَا تَطْغَوْاْ فِيهِ} لَا تكفرُوا بِهِ وَيُقَال لَا تَرفعُوا للغد {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ} فَيجب عَلَيْكُم {غَضَبِي} سخطي وعذابي وَيُقَال ينزل إِن قَرَأت بِضَم الْحَاء {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} يجب عَلَيْهِ غَضَبي سخطي وعذابي {فَقَدْ هوى} فقد هلك
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} من الشّرك {وَآمَنَ} بِاللَّه {وَعَمِلَ صَالِحَاً} خَالِصا {ثُمَّ اهْتَدَى} ثمَّ رأى ثَوَاب عمله حَقًا وَيُقَال ثمَّ اهْتَدَى إِلَى السّنة وَالْجَمَاعَة وَمَات على ذَلِك
فَلَمَّا ذهب مُوسَى عليه السلام مَعَ السّبْعين إِلَى الْمِيقَات تعجل فِي الميعاد قبل السّبْعين قَالَ الله لَهُ {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَى}
{قَالَ} يَا مُوسَى {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا} ابتلينا {قَوْمَكَ} بِعبَادة الْعجل {مِن بَعْدِكَ} من بعد انطلاقك إِلَى الْجَبَل {وَأَضَلَّهُمُ السامري} وَأمرهمْ بذلك السامرى
{فَرَجَعَ} فَلَمَّا رَجَعَ {مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ} مَعَ السّبْعين سمع صَوت الْفِتْنَة فَصَارَ {غَضْبَانَ أَسِفاً} حَزينًا {قَالَ يَا قوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} صدقا {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْد} أفتجاوزت عَنْكُم الْمدَّة {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ} يجب عَلَيْكُم {غَضَبٌ} سخط وَعَذَاب {مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي} فخالفتم
{قَالُواْ} يَا مُوسَى {مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ} مَا خَالَفنَا وَعدك {بِمَلْكِنَا} بعلمنا متعمدين {وَلَكنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً} إجراماً {مِّن زِينَةِ الْقَوْم} من حلي آل فِرْعَوْن فشؤم ذَلِك حملنَا على عبَادَة الْعجل {فَقَذَفْنَاهَا} فطرحنا الْحلِيّ فِي النَّار {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري} كَمَا ألقينا
{فَأَخْرَجَ لَهُمْ} فصاغ لَهُم السامري من الذَّهَب الَّذِي ألقوا فِي النَّار {عِجْلاً جَسَداً} مجسداً صَغِيرا بِلَا روح {لَّهُ خُوَارٌ} صَوت {فَقَالُواْ} أى شىء هَذَا قَالَ لَهُم االسامرى {هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فَنَسِيَ} فَترك السامري طَاعَة الله وَأمره وَيُقَال قَالَ السامري ترك مُوسَى الطَّرِيق وَأَخْطَأ فَقَالَ الله
{أَفَلَا يَرَوْنَ} يَعْنِي السامري وَأَصْحَابه {أَلَاّ يَرْجِعُ} أَن لَا يرد {إِلَيْهِمْ قَوْلاً} جَوَابا يَعْنِي الْعجل {وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ} لَا يقدر لَهُم {ضَرّاً} دفع الضَّرَر {وَلَا نَفْعاً} وَلَا جر النَّفْع
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ} من قبل مجىء مُوسَى عليه السلام {يَا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ} ابتليتم بالخوار وَعبادَة الْعجل وَيُقَال أضللتم أَنفسكُم بِعبَادة الْعجل {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَن فَاتبعُوني} فِي دينه {وَأَطيعُوا أَمْرِي} قولي ووصيتى
{قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ} لن نزال على عبَادَة الْعجل {عَاكِفِينَ} مقيمين {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى
{أَلَاّ تَتَّبِعَنِ} لم لَا تتبع وصيتي وَلم تناجزهم الْقِتَال {أَفَعَصَيْتَ} أفتركت {أَمْرِي} وصيتي
{قَالَ} هَارُون لمُوسَى {يَا ابْن أم} ذكر أمه لكَي يرفق بِهِ ويترحم عَلَيْهِ {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} وَلَا بِشعر رَأْسِي {إِنِّي خَشِيتُ} خفت {أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ} بِالْقَتْلِ {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} لم تنْتَظر قدومي فَمن ذَلِك تركت الْقِتَال مَعَهم ثمَّ رَجَعَ مُوسَى إِلَى السامري
{قَالَ} السامري {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} أى رَأَيْت مالم ير بَنو إِسْرَائِيل قَالَ لَهُ مُوسَى وَمَا رَأَيْت دونهم قَالَ رَأَيْت جِبْرِيل على فرس بلقاء أُنْثَى وَهِي دَابَّة الْحَيَاة {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُول} من تُرَاب حافر فرس جِبْرِيل {فَنَبَذْتُهَا} فطرحتها فِي فَم الْعجل وَدبره فخار {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ} زينت {لِي نَفْسِي}
{قَالَ} لَهُ مُوسَى {فَاذْهَبْ} يَا سامري {فَإِنَّ لَك فِي الْحَيَاة} مَا حيييت {أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ} لَا تخالط أحدا وَلَا يخالطك {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً} أَََجَلًا يَوْم الْقِيَامَة {لَّن تُخْلَفَهُ} لن تجاوزه {وَانْظُر إِلَى إلهك الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً}
أَقمت عَلَيْهِ عابداً {لَّنُحَرِّقَنَّهُ} بالنَّار وَيُقَال لنبردنه بالمبرد {ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي اليم نَسْفاً} لنذرينه فِي الْبَحْر ذَروا
{إِنَّمَآ إِلَهكُم الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَاّ هُوَ} بِلَا ولد وَلَا شريك {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} علم رَبنَا بِكُل شَيْء
{كَذَلِك} هَكَذَا {نَقُصُّ عَلَيْكَ} يَا مُحَمَّد ننزل عَلَيْك جِبْرِيل {مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ} بأخبار الْأُمَم الْمَاضِيَة {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً} قد أكرمناك بِالْقُرْآنِ فِيهِ خبر الْأَوَّلين والآخرين
{خَالِدِينَ فِيهِ} مقيمين فِي عُقُوبَة الْوزر {وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة حِمْلاً} من الذُّنُوب
{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور} النفخة الْأُخْرَى {وَنَحْشُرُ الْمُجْرمين} الْمُشْركين {يَوْمِئِذٍ زُرْقاً} عميا
{يتخافتون بَينهم} يتسارون فِيمَا بَينهم فِي هَذَا القَوْل وَيَقُول بَعضهم لبَعض {إِن لَّبِثْتُمْ} مَا مكثتم فِي الْقُبُور {إِلَاّ عَشْراً} عشرَة أَيَّام
{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} فِي الْبَعْث {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أفضلهم عقلا وأصوبهم رَأيا وأصدقهم قولا {إِن لَّبِثْتُمْ} مَا مكثتم فِي الْقُبُور {إِلَّا يَوْمًا}
{ويسألونك} يَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم سَأَلته بَنو ثَقِيف {عَن الْجبَال} عَن حَال الْجبَال يَوْم الْقِيَامَة {فَقُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً} يقلعها رَبِّي قلعاً
{فَيَذَرُهَا} فَيتْرك الأَرْض {قَاعاً} مستوية {صَفْصَفاً} أملس لَا نَبَات فِيهَا
{لَاّ ترى فِيهَا عِوَجاً} وَاديا وَلَا شقوقاً {وَلَا أَمْتاً} وَلَا شَيْئا شاخصاً من الأَرْض وَلَا نباتا
{يَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي} يسرعون ويقصدون إِلَى الدَّاعِي {لَا عِوَجَ لَهُ} لَا يميلون يَمِينا وَلَا شمالا (وخشعت الْأَصْوَات) ذللت الْأَصْوَات {للرحمن} لهيبة الرَّحْمَن {فَلَا تَسْمَعُ} يَا مُحَمَّد {إِلَاّ هَمْساً} إِلَّا وطأ خفِيا كَوَطْء الْإِبِل
{يَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لَاّ تَنفَعُ الشَّفَاعَة} لَا تشفع الْمَلَائِكَة لأحد {إِلَاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن} فِي الشَّفَاعَة {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} قبل مِنْهُ لَا إِلَه إِلَّا الله
{يَعْلَمُ} الله {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} بَين أَيدي الْمَلَائِكَة من أَمر الْآخِرَة {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أَمر الدُّنْيَا {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} لَا يعلمُونَ مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم شَيْئا إِلَّا مَا علمهمْ الله يَعْنِي الْمَلَائِكَة
{وَعَنَتِ الْوُجُوه} نصبت الْوُجُوه فِي الدُّنْيَا بِالسُّجُود وَيُقَال خضعت الْوُجُوه وذلت الْوُجُوه يَوْم الْقِيَامَة {لِلْحَيِّ} الَّذِي لَا يَمُوت {القيوم} الْقَائِم الَّذِي لَا بَدْء لَهُ {وَقَدْ خَابَ} خسر {مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} شركا
{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات} من الْخيرَات فِيمَا بَينه وَبَين ربه {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مُصدق فِي إيمَانه {فَلَا يَخَافُ ظُلْماً} ذهَاب عمله كُله {وَلَا هَضْماً} وَلَا نُقْصَان عمله
{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة {وَصَرَّفْنَا فِيهِ} بيّنا فِي الْقُرْآن {مِنَ الْوَعيد} أَي من الْوَعْد والوعيد {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} لكَي يتقوا الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} ثَوابًا إِن آمنُوا وَيُقَال شرفاً إِن وحدوا وَيُقَال عذَابا إِن لم يُؤمنُوا
تَبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} وَلَا تستعجل يَا مُحَمَّد بِقِرَاءَة الْقُرْآن {مِن قَبْلِ إَن يقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} من قبل أَن يفرغ جِبْرِيل من قِرَاءَة الْقُرْآن عَلَيْك وَكَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل بِآيَة لم يفرغ جِبْرِيل من آخرهَا حَتَّى يتَكَلَّم رَسُول الله بأولها مَخَافَة أَن ينساها فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَقَالَ لَهُ {وَقُل} يَا مُحَمَّد {رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} وحفظاً وفهماً وَحكما بِالْقُرْآنِ
{وَلَقَد عهدنا إِلَى آدم} أمرنَا آدم أَن لَا يَأْكُل من هَذِه الشَّجَرَة {مِن قَبْلُ} من قبل أكله من الشَّجَرَة وَيُقَال من قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {فَنَسِيَ} فَترك مَا أَمر بِهِ {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عزما} جزما وعزيمة الرِّجَال
{وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة} الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض {اسجدوا لآدَم} سَجْدَة التَّحِيَّة {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} رئيسهم {أَبى} تعظم عَن السُّجُود لآدَم
{فَقُلْنَا يَا آدم إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} حَوَّاء {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجنَّة} بطاعتكما لَهُ {فتشقى} فتتعب
{وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا} لَا تعطش فِيهَا {وَلَا تضحى} وَلَا يصيبك حر الشَّمْس وَيُقَال لَا نعرق
{فوسوس إِلَيْهِ الشَّيْطَان} بِأَكْل الشَّجَرَة {قَالَ يَا آدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الْخلد} من أكل مِنْهَا خلد وَلَا يَمُوت {وَمُلْكٍ لَاّ يبْلى} يبْقى فِي ملك لَا يفنى
{فأكلا مِنْهَا} من الشَّجَرَة {فبدت لَهما سوآتهما} فظهرت لَهما عوراتهما {وَطَفِقَا} عمدا {يَخْصِفَانِ} يلزقان {عَلَيْهِمَا} على عوراتهما {مِن وَرَقِ الْجنَّة} من ورق التِّين كلما ألزقا بَعْضهَا إِلَى بعض تساقطت {وَعصى آدم رَبَّهُ} بِأَكْلِهِ من الشَّجَرَة {فغوى} ترك طَرِيق الْهدى فَلم يصب بِأَكْلِهِ من الشَّجَرَة مَا أَرَادَهُ
{ثُمَّ اجتباه} ثمَّ اصطفاه {رَبُّهُ} بِالتَّوْبَةِ {فَتَابَ عَلَيْهِ} فَتَجَاوز عَنهُ {وَهدى} هداه إِلَى التَّوْبَة
{قَالَ اهبطا مِنْهَا} من الْجنَّة {جَمِيعاً} لآدَم وحواء والحية والطاوس {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الْحَيَّة لبني آدم وَبَنُو آدم للحية {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً} فحين يَأْتينكُمْ يَا ذُرِّيَّة آدم مني هدى كتاب وَرَسُول {فَمَنِ اتبع هُدَايَ} كتابي ورسولي {فَلَا يَضِلُّ} باتباعه إيَّاهُمَا فِي الدُّنْيَا {وَلَا يشقى} فى الْآخِرَة
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} عَن توحيدي وَيُقَال كفر بكتابي ورسولي {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} عذَابا شَدِيدا فِي الْقَبْر وَيُقَال فِي النَّار {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة أعمى}
{قَالَ كَذَلِك} هَكَذَا لِأَنَّك {أَتَتْكَ آيَاتُنَا} كتَابنَا ورسولنا {فَنَسِيتَهَا} فَتركت الْعَمَل وَالْإِقْرَار بهَا {وَكَذَلِكَ الْيَوْم تنسى} تتْرك فِي النَّار
{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ} من أشرك {وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ} يَعْنِي الْكتاب وَالرَّسُول {وَلَعَذَابُ الْآخِرَة أَشَدُّ وَأبقى} أدوم من عَذَاب الدُّنْيَا
{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} يبين لأهل مَكَّة {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُون} الْمَاضِيَة {يَمْشُونَ فِي مساكنهم} مَنَازِلهمْ
{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَات} لعلامات {لأُوْلِي النهى} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس
{وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} وَجَبت {مِن رَّبِّكَ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَنْهُم {لَكَانَ لِزَاماً} عذَابا لهلاكهم {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} وَقت مَعْلُوم لهَذِهِ الْأمة
{فاصبر على مَا يَقُولُونَ} يَا مُحَمَّد عَمَّا يَقُولُونَ من الشتم والتكذيب نسخهَا آيَة الْقِتَال {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك يَا مُحَمَّد {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْس} صَلَاة الْغَدَاة {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} صَلَاة الظّهْر وَالْعصر {وَمِنْ آنَآءِ اللَّيْل} بعد دُخُول اللَّيْل {فَسَبِّحْ} فصل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وَأَطْرَافَ النَّهَار} صَلَاة الظّهْر وَالْعصر {لَعَلَّكَ ترْضى} لكَي تُعْطى الشَّفَاعَة حَتَّى ترْضى
{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} وَلَا تنظرن رَغْبَة {إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} إِلَى مَا أعطينا من المَال {أَزْوَاجاً} رجَالًا {مِّنْهُمْ} من بني قُرَيْظَة وَالنضير {زَهْرَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} زِينَة الدُّنْيَا {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنختبرهم فِيمَا أعطيناهم من الزِّينَة {وَرِزْقُ رَبِّكَ} الْجنَّة {خَيْرٌ} أفضل {وَأبقى} أدوم مِمَّا لَهُم فِي الدُّنْيَا
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} عِنْد الشدَّة {واصطبر عَلَيْهَا} اصبر عَلَيْهَا {لَا نَسْأَلك رزقا} أَن ترزق نَفسك وَأهْلك {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقبَة للتقوى} الْجنَّة لمتّقي الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
{وَقَالُواْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {لَوْلَا يَأْتِينَا} هلا يأتينا مُحَمَّد {بِآيَة} بعلامة {من ربه أَو لم تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ} بَيَان {مَا فِي الصُّحُف الأولى} فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل أَن فيهمَا صفة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ونعته
{وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {بِعَذَابٍ من قبله} من قبل مجىء مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام إِلَيْهِم بِالْقُرْآنِ {لَقَالُواْ} يَوْم الْقِيَامَة {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لَوْلَا} هلا {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ} فنطيع رَسُولك ونؤمن بِكِتَاب {مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ} نقْتل يَوْم بدر {ونخزى} نعذب بِعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {كُلٌّ} كل وَاحِد منا أَو مِنْكُم {مُّتَرَبِّصٌ} منتظر لهلاك صَاحبه {فَتَرَبَّصُواْ} فانتظروا {فَسَتَعْلَمُونَ} عِنْد نزُول الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاط السوي} الْعدْل {وَمَنِ اهْتَدَى} إِلَى الْإِيمَان منا أَو مِنْكُم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَنْبِيَاء وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَإِحْدَى عشرَة وكلماتها ألف وَمِائَة وثمان وَثَلَاثُونَ وحروفها اربعة آلَاف وثمان وَمِائَة وَسِتُّونَ حرفا
بسم الله الرحمن الرحيم
وبإسناد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {اقْترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} يَقُول دنا لأهل مَكَّة مَا وعد لَهُم فِي الْكتاب من الْعَذَاب {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} عَن ذَلِك {مُّعْرِضُونَ} مكذبون بِهِ تاركون لَهُ
{مَا يَأْتِيهِمْ} مَا يَأْتِي إِلَى نَبِيّهم جِبْرِيل
{مِّن ذِكْرٍ} بِذكر يَعْنِي الْقُرْآن {مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ} بِآيَة بعد آيَة وَسورَة بعد سُورَة لَكَانَ إتْيَان جِبْرِيل وَقِرَاءَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم واستماعهم مُحدثا لَا الْقُرْآن {إِلَاّ استمعوه} إِلَّا اسْتمع أهل مَكَّة إِلَى قِرَاءَة مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {وهم يَلْعَبُونَ} يهزءون بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن
{لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} غافلة قُلُوبهم من أَمر الْآخِرَة {وأسروا النَّجْوَى} أخفوا التَّكْذِيب بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن فِيمَا بَينهم {الَّذين ظَلَمُواْ} هم الَّذين ظلمُوا أشركوا أَبُو جهل وَأَصْحَابه يَقُول بَعضهم لبَعض {هَل هَذَا} مَا هَذَا يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {إِلَاّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر} أفتصدقون بِالسحرِ وَالْكذب {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} وَأَنْتُم تعلمُونَ بِأَنَّهُ سحر وَكذب
{قَالَ} لَهُم يَا مُحَمَّد {رَبِّي يَعْلَمُ القَوْل فِي السمآء وَالْأَرْض} أَي يعلم السِّرّ من القَوْل وَالْفِعْل من أهل السَّمَاء وَالْأَرْض {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالة أبي جهل وَأَصْحَابه {الْعَلِيم} بهم وبعقوبتهم
{بَلْ قَالُوا} قَالَ بَعضهم {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} أباطيل أَحْلَام كَاذِبَة مَا أَتَانَا بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {بَلِ افتراه} وَقَالَ بَعضهم بل اختلق مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} وَقَالَ بَعضهم بل هُوَ شَاعِر بروايته {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ} بعلامة {كَمَآ أُرْسِلَ الْأَولونَ} من الرُّسُل بِالْآيَاتِ إِلَى قَومهمْ بِزَعْمِهِ
فَيَقُول الله {مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد بِالْآيَاتِ {مِّن قَرْيَةٍ} من أهل قَرْيَة {أَهْلَكْنَاهَآ} عِنْد التَّكْذِيب بِالْآيَاتِ {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} أفقومك يُؤمنُونَ بِالْآيَاتِ بل لَا يُؤمنُونَ
{وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} من الرُّسُل {إِلَاّ رِجَالاً} من الْبشر مثلك {نوحي إِلَيْهِمْ} نرسل إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة كَمَا أرسلنَا إِلَيْك {فاسألوا أَهْلَ الذّكر} أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} أَن الله لم يُرْسل الرَّسُول إِلَّا من الْبشر
{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً} الْأَنْبِيَاء {لَاّ يَأْكُلُونَ الطَّعَام} وَلَا يشربون الشَّرَاب {وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ} فِي الدُّنْيَا وَلَكِن كَانُوا يَأْكُلُون الطَّعَام وَيَشْرَبُونَ الشَّرَاب ويموتون نزلت فيهم حِين قَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق
{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْد} أنجزنا وعد الْأَنْبِيَاء بالنجاة {فَأَنجَيْنَاهُمْ} يَعْنِي الْأَنْبِيَاء {وَمَن نَّشَآءُ} من آمن بالرسل {وَأَهْلَكْنَا المسرفين} الْمُشْركين
{لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ} إِلَى نَبِيكُم {كِتَاباً} جِبْرِيل بِكِتَاب {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} شرفكم وعزكم إِن آمنتم بِهِ {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أَفلا تصدقُونَ بشرفكم وعزكم
{وَكَمْ قَصَمْنَا} أهلكنا {مِن قَرْيَةٍ} أهل قَرْيَة {كَانَتْ ظَالِمَةً} كَافِرَة مُشركَة أَهلهَا {وَأَنشَأْنَا} خلقنَا {بَعْدَهَا} بعد هلاكها {قَوْماً آخَرِينَ} فسكنوا دِيَارهمْ
{فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ} رَأَوْا عذابنا لهلاكهم {إِذَا هُمْ مِّنْهَا} من بأسنا {يَرْكُضُونَ} يهزون وَيُقَال يهربون أَيْضا
قَالَت لَهُم الْمَلَائِكَة {لَا تَرْكُضُواْ} لَا تهزوا وَلَا تهربوا {وَارْجِعُوا إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ} أنعمتم {فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ} مَنَازِلكُمْ {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} لكَي تسألوا عَن الْإِيمَان وَيُقَال عَن قتل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
{فَمَا زَالَت تِلْكَ} الويل {دَعْوَاهُمْ} قَوْلهم {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً} كحصيد السَّيْف {خَامِدِينَ} ميتين لَا يتحركون هَذِه قصَّة أهل قَرْيَة نَحْو الْيمن يُقَال لَهَا حُضُور بعث الله إِلَيْهِم نَبيا فَقتلُوا ذَلِك النَّبِي عليه السلام فَسلط الله عَلَيْهِم بخْتنصر فَقَتلهُمْ وَلم يتْرك فيهم عينا تطرف
{وَمَا خَلَقْنَا السمآء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق {لاعبين} لَا هَين بِلَا أَمر وَلَا نهي ثمَّ نزل فِي قَوْلهم الْمَلَائِكَة بَنَات الله
{لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا} بَنَات وَيُقَال زَوْجَة وَيُقَال ولدا {لَاّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ}
من عندنَا من الْحور الْعين {إِن كُنَّا} سَاكِنا {فاعلين} ذَلِك
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ} نرمي الْحق {عَلَى الْبَاطِل} وَيُقَال نبين الْحق وَالْبَاطِل {فَيَدْمَغُهُ} فيهلكه {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} هَالك يَعْنِي الْبَاطِل {وَلَكُمُ} يَا معشر الْكفَّار {الويل} الشدَّة من الْعَذَاب {بِمَا تَصِفُونَ} مِمَّا تَقولُونَ الْمَلَائِكَة بَنَات الله
{وَلَهُ} عبيد {مَن فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْخلق {وَمَنْ عِنْدَهُ} من الْمَلَائِكَة {لَا يَسْتَكْبِرُونَ} لَا يتعاظمون {عَنْ عِبَادَتِهِ} عَن طَاعَته وَالْإِقْرَار بعبوديته {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} لَا يعيون من عبَادَة الله
{يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار} يصلونَ لله بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار {لَا يَفْتُرُونَ} لَا يملون من عبَادَة الله وَالْإِقْرَار بِاللَّه
{أَمِ اتَّخذُوا} أم عبدُوا يَعْنِي أهل مَكَّة (آلِهَةً مِّنَ الأَرْض) فِي الأَرْض {هُمْ يُنشِرُونَ} يحيون وَيُقَال يخلفون
{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ} يَعْنِي فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَه {إِلَاّ الله} غير الله {لَفَسَدَتَا} لفسد أهلوهما {فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْش} السرير {عَمَّا يَصِفُونَ} يَقُولُونَ على الله من الْوَلَد وَالشَّرِيك
{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} لَا يسْأَل الله عَمَّا يَقُول وَيَأْمُر وَيفْعل {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} والعباد يسْأَلُون عَمَّا يَقُولُونَ ويعملون
{أَمِ اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِهِ} من دون الله {آلِهَةً} أصناماً {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} حجتكم بعبادتها {هَذَا} يَعْنِي الْقُرْآن {ذِكْرُ مَن مَّعِيَ} خبر من هُوَ معي {وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} خبر من كَانَ قبلي من الْمُؤمنِينَ والكافرين لَيْسَ فِيهِ أَن الله ولدا وشريكاً {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لَا يَعْلَمُونَ الْحق} وَلَا يصدقون بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {فهم معرضون} مكذبون بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن
{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {مِن رَّسُولٍ} مُرْسل {إِلَاّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ} أَي قل لقَوْمك حَتَّى يَقُولُوا {لَا إِلَه إِلَاّ أَنا فاعبدون} فوحدون
{وَقَالُواْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {اتخذ الرَّحْمَن وَلَداً} بَنَات من الْمَلَائِكَة {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} بل هم عبيد أكْرمهم الله بِالطَّاعَةِ يَعْنِي الْمَلَائِكَة
{لَا يَسْبِقُونَهُ} لَا يسْبق جِبْرِيل عَن مِيكَائِيل قبل أَن يَأْمُرهُ {بالْقَوْل} وَلَا بِالْفِعْلِ {وَهُمْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ يَعْنِي الْمَلَائِكَة
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أَمر الْآخِرَة {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أَمر الدُّنْيَا {وَلَا يَشْفَعُونَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة يَوْم الْقِيَامَة {إِلَاّ لِمَنِ ارتضى} إِلَّا لمن رضى الله عَنهُ من أهل التَّوْحِيد بتوحيده {وَهُمْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {مِّنْ خَشْيَتِهِ} من هيبته {مُشْفِقُونَ} خائفون
{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ} يَعْنِي من الْمَلَائِكَة وَيُقَال من الْخلق {إِنِّي إِلَه مِّن دُونِهِ} من دون الله {فَذَلِك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} فبذلك نجزيه جَهَنَّم {كَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي الظَّالِمين} الْكَافرين
{أَوَلَمْ يَرَ} يعلم {الَّذين كفرُوا} جَحَدُوا بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقاً} لم تنزل مِنْهَا قَطْرَة من مطر وَلم ينْبت على الأَرْض شَيْء من النَّبَات ملتزقاً بَعْضهَا على بعض {فَفَتَقْنَاهُمَا} ففرقناهما وأبنا بعضهما عَن بعض بالمطر والنبات {وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} خلقنَا من مَاء الذّكر وَالْأُنْثَى كل شىء يحْتَاج إِلَى الماه {أَفلا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي أهل مَكَّة
{وَجَعَلْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {فِجَاجاً} أَوديَة {سُبُلاً} طرقاً وَاسِعَة {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} لكَي يهتدوا إِلَى الطّرق فِي الذّهاب والمجيء {وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً} على الأَرْض {مَّحْفُوظاً} من السُّقُوط وَيُقَال مَحْفُوظًا بالنجوم من الشَّيَاطِين {وَهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {عَنْ آيَاتِهَا} عَن شمسها وقمرها ونجومها {مُعْرِضُونَ} مكذبون لَا يتفكرون فِيهَا
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر} سخر الشَّمْس وَالْقَمَر {كُلٌّ} كل وَاحِد مِنْهُمَا {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فِي دوران يدوران فِي مجْرَاه يذهبون
{وَمَا جَعَلْنَا} مَا خلقنَا {لِبَشَرٍ} من الْأَنْبِيَاء {مِّن قَبْلِكَ الْخلد} فِي الدُّنْيَا {أَفَإِنْ مِّتَّ} يَا مُحَمَّد {فَهُمُ الخالدون} فِي الدُّنْيَا نزلت هَذِه الْآيَة فى قَوْلهم نَنْتَظِر مُحَمَّدًا عليه الصلاة والسلام حَتَّى يَمُوت فنستريح
{كُلُّ نَفْسٍ} منفوسة {ذَآئِقَةُ الْمَوْت} تذوق الْمَوْت {وَنَبْلُوكُم} نختبركم {بِالشَّرِّ وَالْخَيْر} بالشدة والرخاء {فِتْنَةً} كِلَاهُمَا ابتلاء من الله {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم
{وَإِذَا رَآكَ} يَا مُحَمَّد {الَّذين كفرُوا} أَبُو جهل وَأَصْحَابه {إِن يَتَّخِذُونَكَ} يَا مُحَمَّد مَا يَقُولُونَ لَك {إِلَاّ هُزُواً} سخرية يَقُول بَعضهم لبَعض {أَهَذا الَّذِي يَذْكُرُ} يعيب {آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَن هُمْ كَافِرُونَ} جاحدون يَقُولُونَ مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة الْكذَّاب
{خُلِقَ الْإِنْسَان} يَعْنِي آدم {مِنْ عَجَلٍ} مستعجلاً وَيُقَال خلق الْإِنْسَان يَعْنِي النَّضر بن الْحَارِث من عجل مستعجلا بِالْعَذَابِ {سأريكم آيَاتِي} عَلَامَات وحدانيتي فِي الْآفَاق وَيُقَال سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي عَذَابي بِالسَّيْفِ يَوْم بدر {فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} بِالْعَذَابِ قبل الْأَجَل
{وَيَقُولُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}
{لَو يعلم الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن مَالهم فِي الْعَذَاب لم يستعجلوا بِهِ {حِينَ لَا يَكُفُّونَ} يَقُول حِين الْعَذَاب لَا يقدرُونَ أَن يمنعوا {عَن وُجُوهِهِمُ النَّار وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ} الْعَذَاب {وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم من الْعَذَاب
{بَلْ تَأْتِيهِم} السَّاعَة {بَغْتَةً} فَجْأَة {فَتَبْهَتُهُمْ} فتفجؤهم {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} دَفعهَا عَن أنفسهم {وَلَا هم ينظرُونَ} يؤجلون من الْعَذَاب
{وَلَقَد استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} يَقُول اسْتَهْزَأَ بهم قَومهمْ كَمَا اسْتَهْزَأَ بك قَوْمك يَا مُحَمَّد {فَحَاقَ} فَوَجَبَ وَدَار وَنزل {بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ} على الْأَنْبِيَاء {مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} من الْعَذَاب وَيُقَال نزل بهم الْعَذَاب باستهزائهم
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَن يَكْلَؤُكُم} من يحفظكم {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنَ الرَّحْمَن} من عَذَاب الرَّحْمَن وَيُقَال غير الرَّحْمَن من عَذَابه {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ} عَن تَوْحِيد رَبهم وَكتاب رَبهم {معرضون} مكذبون بِهِ وتاركون لَهُ
{أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ} ألهم آلِهَة {تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا} من عذابنا {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} صرف الْعَذَاب عَن أنفسهم يَعْنِي الْآلهَة فَكيف عَن غَيرهم {وَلَا هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} من عذابنا يجارون فَكيف يجيرون غَيرهم
{بَلْ مَتَّعْنَا} أجلنا {هَؤُلَاءِ} يَعْنِي أهل مَكَّة
{وَآبَآءَهُمْ} قبلهم {حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمر} الْأَجَل {أَفَلَا يَرَوْنَ} أهل مَكَّة {أَنَّا نَأْتِي الأَرْض} نَأْخُذ الأَرْض {ننقصها} نفتحها لمُحَمد {من أطرافها} من نَوَاحِيهَا {أَفَهُمُ الغالبون} أفهم الْآن غالبون على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِالْوَحْي} بِمَا نزل من الْقُرْآن {وَلَا يَسْمَعُ الصم الدعآء} من يتصامم عَن الدُّعَاء إِلَى الله وَيُقَال لَا تقدر أَن تسمع الدُّعَاء من يتصامم إِن قَرَأت بِضَم التَّاء {إِذَا مَا ينذرون} يخوفون
{وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ} أَصَابَتْهُم {نَفْحَةٌ} طرف {مِّنْ عَذَابِ رَبك ليَقُولن يَا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} على أَنْفُسنَا كَافِرين بِاللَّه
{وَنَضَعُ الموازين الْقسْط} الْعدْل {لِيَوْمِ الْقِيَامَة} فِي يَوْم الْقِيَامَة ميزَان لَهَا كفتان ولسان لَا يُوزن فِيهَا غير الْحَسَنَات والسيئات {فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} لَا ينقص من حَسَنَات أحد وَلَا يُزَاد على سيئات أحد {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} وزن حَبَّة من خَرْدَل {أَتَيْنَا بِهَا} جِئْنَا بهَا وَيُقَال جزينا بهَا {وَكفى بِنَا حَاسِبِينَ} حافظين وعالمين وَيُقَال مجازين
{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى وَهَارُونَ الْفرْقَان} الْمخْرج من الشُّبُهَات وَيُقَال النَّصْر والدولة على فِرْعَوْن {وَضِيَآءً} بَيَانا من الضَّلَالَة {وَذِكْراً} عظة {لَّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
{الَّذين يَخْشونَ رَبهم} يعْملُونَ لرَبهم {بِالْغَيْبِ} وَإِن كَانَ غَائِبا عَنْهُم {وَهُمْ مِّنَ السَّاعَة} من عَذَاب السَّاعَة {مُشْفِقُونَ} خائفون
{وَهَذَا} الْقُرْآن {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} فِيهِ الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة لمن آمن بِهِ {أَنزَلْنَاهُ} أنزلنَا جِبْرِيل بِهِ {أَفَأَنْتُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَهُ مُنكِرُونَ} جاحدون
{وَلَقَدْ آتَيْنَآ} أعطينا {إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} يَعْنِي الْعلم والفهم {مِن قَبْلُ} من قبل بُلُوغه وَيُقَال أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ من قبل مُوسَى وَهَارُون وَيُقَال من قبل مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} بِأَنَّهُ أهل لذَلِك
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ} آزر {وَقَومه} نمروذ بن كنعان وَأَصْحَابه {مَا هَذِه التماثيل} التصاوير {الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} عَابِدُونَ لَهَا
{قَالَ} لَهُم إِبْرَاهِيم {لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ} قبلكُمْ {فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} فِي كفر وَخطأ بَين
{قَالُوا} لابراهيم {أجئتنا بِالْحَقِّ} يجد تَقول يَا إِبْرَاهِيم {أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} من الْمُسْتَهْزِئِينَ بِنَا
{قَالَ} إِبْرَاهِيم {بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي فطَرَهُنَّ} خَلقهنَّ {وَأَنَاْ على ذَلِكُم} على مَا قلت لكم {مِّنَ الشَّاهِدِينَ}
{وتالله} وَالله قَالَ فِي نَفسه {لأَكِيدَنَّ} لأكسرن {أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ} تنطلقوا {مُدْبِرِينَ} ذَاهِبين إِلَى الْعِيد فَلَمَّا ذَهَبُوا إِلَى عيدهم وَتركُوا إِبْرَاهِيم فِي مدينتهم دخل بَيت وثنهم
{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} كسراً {إِلَاّ كَبِيراً لَّهُمْ} لم يكسرهُ {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} من عيدهم فيعتل بِهِ فَلَمَّا رجعُوا إِلَى بَيت وثنهم ودخلوا بَيت وثنهم
على آلِهَتنَا
{قَالُواْ سَمِعْنَا} قَالَ رجل مِنْهُم سَمِعت {فَتىً يَذْكُرُهُمْ} بِالْكَسْرِ ويعيبهم {يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}
{قَالُواْ} قَالَ لَهُم نمروذ {فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ النَّاس} بمنظر النَّاس {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} على فعله وَيُقَال على قَوْله وَيُقَال على عُقُوبَته
{قَالَ} إِبْرَاهِيم {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} الَّذِي الفأس على عُنُقه {فاسألوهم إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى يُخْبِرُوكُمْ من كسرهم
{فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ} بالملامة {فَقَالُوا} فَقَالَ لَهُم ملكهم نمروذ {إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ} لإِبْرَاهِيم
{ثمَّ نكسوا على رؤوسهم} رجعُوا إِلَى قَوْلهم الأول وَقَالَ نمروذ {لَقَدْ عَلِمْتَ} يَا إِبْرَاهِيم {مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ} يَعْنِي الْأَصْنَام فَمن ذَلِك كسرتهم
{قَالَ} ابراهيم {أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً} إِن عبدتموه {وَلَا يَضُرُّكُمْ} إِن تَرَكْتُمُوهُ
{أُفٍّ لكم} قذرا لكم وَيُقَال تبالكم {وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يعبد مَالا يضر وَلَا ينفع
{قَالُواْ} قَالَ لَهُم ملكهم نمروذ {حَرِّقُوهُ} بالنَّار {وانصروا آلِهَتَكُمْ} انتقموا لآلهتكم {إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} بِهِ شَيْئا فطرحوه فِي النَّار
{قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْداً} بَارِدَة من حرك {وَسلَامًا} سليمَة من الْبرد {على إِبْرَاهِيمَ} وَلَو لم يقل سَلاما لأحرقه الْبرد
{وَنَجَّيْنَاهُ} من النَّار {وَلُوطاً} نجينا لوطا من الْخَسْف وبلغناهما {إِلَى الأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجر {لِلْعَالَمِينَ} وَهِي الْمُقَدّس وفلسطين والأردن
{وَوَهَبْنَا لَهُ} لإِبْرَاهِيم {إِسْحَاق} ولدا {وَيَعْقُوب} ولد الْوَلَد {نَافِلَةً} فَضِيلَة على الْوَلَد {وَكُلاًّ} يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَأَوْلَادهمْ {جَعَلْنَا صَالِحِينَ} فِي دينهم مرسلين
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} قادة فِي الْخَيْر {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} يدعونَ الْخلق إِلَى أمرنَا {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخيرَات} الْعَمَل بالطاعات وَيُقَال الدُّعَاء إِلَى لَا إِلَه إِلَّا الله {وَإِقَامَ الصَّلَاة} إتْمَام الصَّلَاة {وَإِيتَآءَ الزَّكَاة} إِعْطَاء الزَّكَاة {وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ} مُطِيعِينَ
{وَلُوطاً} أَيْضا {آتَيْنَاهُ حُكْماً} أعطيناه فهما {وَعِلْماً} نبوة {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقرْيَة} من أهل قَرْيَة سدوم {الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ} أَهلهَا {الْخَبَائِث} يَعْنِي اللواطة {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ} سوء فِي كفرهم {فَاسِقِينَ} باللواطة
{وَأَدْخَلْنَاهُ} ندخله فِي الْآخِرَة {فِي رَحْمَتِنَآ} فِي جنتنا وَيُقَال أكرمناه فِي الدُّنْيَا بِالنُّبُوَّةِ
{وَنُوحاً} أَيْضا أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ {إِذْ نَادَى} دَعَا ربه على قومه بِالْهَلَاكِ {مِن قَبْلُ} من قبل لوط {فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} وَمن آمن بِهِ {مِنَ الكرب الْعَظِيم} يَعْنِي الْغَرق
{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْم} على الْقَوْم وَيُقَال نجيناه إِن قَرَأت نصرناه بتَشْديد الصَّاد من الْقَوْم {الَّذين كذبُوا بآياتنآ} بكتابنا ورسولنا نوح {إِنَّهُم كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ} فِي كفرهم {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} بالطوفان
{وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ} أَيْضا أكرمناهما بِالنُّبُوَّةِ وَالْحكمَة {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْث} فِي كرم قوم {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ} دخلت فِيهِ وَوَقعت فِيهِ بِاللَّيْلِ {غَنَمُ الْقَوْم} قوم آخَرين {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ} لحكم دَاوُد وَسليمَان {شَاهِدِينَ} عَالمين
{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الرِّفْق فِي الْقَضَاء وَالْحكم {وَكُلاًّ} دَاوُد وَسليمَان {آتَيْنَا} أعطينا {حُكْماً} فهما {وَعِلْماً} نبوة {وسخرنا مَعَ دَاوُد الْجبَال يُسَبِّحْنَ} مَعَ دَاوُد إِذا سبح {وَالطير} أَيْضا {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} إِنَّا فعلنَا ذَلِك بهم
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ} يَعْنِي الدروع {لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ} لتمنعكم {مِّن بَأْسِكُمْ} من سلَاح عَدوكُمْ {فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} نعْمَته بالدروع
{وَلِسُلَيْمَانَ} وسخرنا لِسُلَيْمَان {الرّيح عَاصِفَةً} قاصفة شَدِيدَة {تَجْرِي بِأَمْرِهِ} بِأَمْر الله وَيُقَال بِأَمْر سُلَيْمَان من إصطخر {إِلَى الأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجر وَهِي الأَرْض المقدسة والأردن وفلسطين {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ} سخرنا لَهُ {عَالِمِينَ}
{وَمِنَ الشَّيَاطِين} سخرنا من الشَّيَاطِين {مَن يَغُوصُونَ لَهُ} لِسُلَيْمَان الْبَحْر فَيخْرجُونَ من الْبَحْر الْجَوْهَر {وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً} من الْبُنيان {دُونَ ذَلِك} دون الغواصة {وَكُنَّا لَهُمْ} للشياطين {حَافِظِينَ} من أَن يعدو أحد على أحد فِي زَمَانه
{وَأَيُّوبَ} وَاذْكُر أَيُّوب {إِذْ نَادَى رَبَّهُ} دَعَا ربه {أَنِّي مَسَّنِيَ الضّر} أَنِّي أصابتني الشدَّة فِي جَسَدِي فارحمني ونجني {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
{فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {فَكَشَفْنَا} فرفعنا {مَا بِهِ مِن ضُرٍّ} من شدَّة {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {أَهْلَهُ} فِي الْجنَّة الَّذين هَلَكُوا فِي الدُّنْيَا {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} ولدا فِي الدُّنْيَا مثل مَا هَلَكُوا فِي الدُّنْيَا {رَحْمَةً} نعْمَة {مِّنْ عِندِنَا وذكرى لِلْعَابِدِينَ} عظة للْمُؤْمِنين
{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ} وَاذْكُر إِسْمَاعِيل وَإِدْرِيس {وَذَا الكفل كُلٌّ مِّنَ الصابرين} على أَمر الله والمرازي
{وَأَدْخَلْنَاهُمْ} ندخلهم فِي الْآخِرَة {فِي رَحْمَتِنَا} فِي جنتنا {إِنَّهُمْ مِّنَ الصَّالِحين} من الْمُرْسلين غير ذِي الكفل لِأَنَّهُ كَانَ رجلا صَالحا وَلم يكن نَبيا
{وَذَا النُّون} وَاذْكُر صَاحب الْحُوت يَعْنِي يُونُس ابْن مَتى {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} مصارماً من الْملك {فَظَنَّ} يَعْنِي فَحسب {أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} بالعقوبة {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} فِي ظلمَة الْبَحْر وظلمة أمعاء السّمك وظلمة بَطنهَا {أَن لَاّ إِلَه إِلَاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ} تبت إِلَيْك {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمين}
على نَفسِي حَيْثُ غضِبت على أَمرك
{فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغم} من غم الظُّلُمَات {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نُنجِي الْمُؤمنِينَ} عِنْد الدُّعَاء
{وَزَكَرِيَّآ} وَاذْكُر يَا مُحَمَّد زَكَرِيَّا {إِذْ نَادَى} دَعَا {رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي} لَا تتركني {فَرْداً} وحيداً بِلَا معِين {وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثين} المعينين
{فاستجبنا لَهُ} الدُّعَاء {وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} ولدا صَالحا {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} بِالْوَلَدِ {إِنَّهُمْ} يَعْنِي الْأَنْبِيَاء وَيُقَال زَكَرِيَّا وَيحيى {كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات} يبادرون إِلَى الطَّاعَات {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} هَكَذَا وَهَكَذَا وَيُقَال يعبدوننا رغباً إِلَى الْجنَّة ورهباً من النَّار {وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ} متواضعين مُطِيعِينَ
{وَالَّتِي} وَاذْكُر الَّتِي {أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} حفظت جيب درعها {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} فَنفخ جِبْرِيل فِي جيب درعها بأمرنا {وَجَعَلْنَاهَا وابنهآ آيَةً} عَلامَة وعبرة {لِّلْعَالَمِينَ} لبني إِسْرَائِيل ولدا بِلَا أَب وولادة بِلَا لمس
{إِنَّ هَذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} دينكُمْ دين وَاحِد مرضِي {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ} رب وَاحِد {فاعبدون} أطيعون
{وتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} تفَرقُوا فِيمَا بَينهم فِي دينهم يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس {كُلٌّ} كل فرقة {إِلَيْنَا رَاجِعُونَ}
{فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينه وَبَين ربه {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مُصدق فِي إيمَانه {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} لَا ينسى ثَوَاب عمله بل يُثَاب عَلَيْهِ {وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} مجازون ومثيبون وَيُقَال حافظون
{وَحَرَامٌ} التَّوْفِيق {على قَرْيَةٍ} على أهل مَكَّة أبي جهل وَأَصْحَابه {أَهْلَكْنَاهَآ} خذلناها بالْكفْر {أَنَّهُمْ لَا يرجعُونَ} عَن كفرهم إِلَى الْإِيمَان وَيُقَال وَحرَام الرُّجُوع على قَرْيَة على أهل مَكَّة أهلكناها يَوْم بدر بِالْقَتْلِ أَنهم لَا يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا
{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} فَحِينَئِذٍ يخرجُون {وَهُمْ} يَعْنِي يَأْجُوج وَمَأْجُوج {مِّن كُلِّ حَدَبٍ} من كل أكمة وَمَكَان مُرْتَفع {يَنسِلُونَ} يخرجُون
{واقترب الْوَعْد الْحق} دنا قيام السَّاعَة عِنْد خُرُوجهمْ من السد {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ} ذليلة لَا تكَاد تطرف {أَبْصَارُ الَّذين كَفَرُواْ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَقُولُونَ {يَا ويلنا} يَا حسرتنا {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} الْيَوْم {بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} كَافِرين بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن
{إِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَصْنَام {حَصَبُ جَهَنَّمَ} حطب جَهَنَّم بلغَة الْحَبَشَة {أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة وَمَا تَعْبدُونَ من الْأَصْنَام {لَهَا وَارِدُونَ} داخلون يعْنى جَهَنَّم
{لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ} الْأَصْنَام {آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا} مَا دخلُوا النَّار {وَكُلٌّ} العابد والمعبود {فِيهَا} فِي النَّار داخلون {خَالِدُونَ} مقيمون دائمون
{لَهُمْ فِيهَا} فِي جَهَنَّم {زَفِيرٌ} صَوت كصوت الْحمار {وَهُمْ فِيهَا} فِي جَهَنَّم يتعاوون {لَا يَسْمَعُونَ} صَوت الرَّحْمَة والشفاعة وَصَوت الْخُرُوج والرخاء وَلَا يبصرون
{إِنَّ الَّذين سَبَقَتْ} وَجَبت {لَهُمْ مِّنَّا الْحسنى} الْجنَّة يَعْنِي عِيسَى وعزيرا {أُولَئِكَ عَنْهَا} عَن النَّار {مُبْعَدُونَ} منجون
{أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} مقيمون فِي الْجنَّة
{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزع الْأَكْبَر} إِذا أطبقت النَّار وَذبح الْمَوْت بَين الْجنَّة وَالنَّار {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} على بَاب الْجنَّة بالبشرى {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا نزلت من قَوْله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن عبد الله بن الزبعري السَّهْمِي الشَّاعِر وخصومته مَعَ النبى صلى الله عليه وسلم لقبل الْأَصْنَام
{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَطْوِي السمآء} بِالْيَمِينِ {كَطَيِّ السّجل} كطي الْكتاب {لِلْكُتُبِ} الصَّحِيفَة {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ} أول خلقهمْ من النُّطْفَة {نُّعِيدُهُ} نبعثه من التُّرَاب {وَعْداً عَلَيْنَآ} وَاجِبا علينا {إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} نحييهم بعد الْمَوْت
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبُور} فِي زبور دَاوُد {مِن بَعْدِ الذّكر} من بعد التَّوْرَاة وَيُقَال وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور فِي كتب الْأَنْبِيَاء من بعد الذّكر اللَّوْح الْمَحْفُوظ {أَنَّ الأَرْض} أَرض الْجنَّة {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} الموحدون وَيُقَال الأَرْض المقدسة يَرِثهَا ينزلها عبَادي الصالحون من بني إِسْرَائِيل وَيُقَال الصالحون فِي آخر الزَّمَان
{إِنَّ فِي هَذَا} الْقُرْآن {لَبَلَاغاً} لكفاية وَيُقَال عظة بِالْأَمر وَالنَّهْي {لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} مُوَحِّدين
{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {إِلَاّ رَحْمَةً} من الْعَذَاب {لِّلْعَالَمِينَ} من الْجِنّ وَالْإِنْس من آمن بك وَيُقَال نعْمَة
{قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ يُوحى إِلَيَّ} فِي هَذَا الْقُرْآن {أَنَّمَآ إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فَهَلْ أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {مُّسْلِمُونَ} مقرون مخلصون بِالْعبَادَة والتوحيد
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عَن الْإِيمَان وَالْإِخْلَاص {فَقُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {آذَنتُكُمْ} أعلمتكم فصرت أَنا وَأَنْتُم {على سَوَآءٍ} على بَيَان عَلَانيَة بِغَيْر سر {وَإِنْ أَدْرِي} مَا أَدْرِي {أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ} من الْعَذَاب
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْر مِنَ القَوْل} وَالْفِعْل {وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} مَا تسرون من القَوْل وَالْفِعْل وَيعلم بعذابكم مَتى يكون
{وَإِنْ أَدْرِي} مَا أَدْرِي {لَعَلَّهُ} يَعْنِي تَأْخِير الْعَذَاب {فِتْنَةٌ} بلية {لَّكُمْ وَمَتَاعٌ} أجل {إِلَى حِينٍ} حِين الْعَذَاب
{قَالَ} يَا مُحَمَّد {رَبِّ احكم بِالْحَقِّ} اقْضِ بينى وَبَين أهل مَكَّة بِالْحَقِّ وَالْعدْل {وَرَبُّنَا الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان} نستعين بِهِ {على مَا تصفون} تَقولُونَ من الْكَذِب
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَج وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا خمس آيَات {وَمِنَ النَّاس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ وَقَوله {أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ والسجدة الْأَخِيرَة فَهَؤُلَاءِ الْآيَات مدنيات وكل شىء فى الْقُرْآن يأيها الَّذين آمنُوا فَهُوَ مدنى وكل شىء فى الْقُرْآن يأيها النَّاس فَهُوَ مكى ومدنى وَلَا تَجِد يأيها الَّذين آمنُوا مَكِّيَّة آياتها خمس وَسَبْعُونَ آيَة وكلماتها ألف ومائتان وَإِحْدَى وَتسْعُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَمِائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس} خَاص وعام وَهَهُنَا عَام {اتَّقوا رَبَّكُمْ} اخشوا ربكُم وأطيعوه {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {شَيْءٌ عَظِيمٌ} هوله
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا} حِين ترونها عِنْد النفخة الأولى {تَذْهَلُ} تشتغل {كُلُّ مُرْضِعَةٍ} وَالِدَة {عَمَّآ أَرْضَعَتْ} عَن وَلَدهَا {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا}
وتضع الْحَوَامِل مَا فِي بطونها من الْأَوْلَاد {وَتَرَى النَّاس} قيَاما {سكارى} نشاوى {وَمَا هُم بسكارى} بنشاوى من الشَّرَاب {وَلَكِن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} فَمن ذَلِك تحيروا كَأَنَّهُمْ سكارى
{وَمِنَ النَّاس} وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث {مَن يُجَادِلُ فِي الله} يُخَاصم فِي دين الله وَكتابه {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم وَلَا حجَّة وَلَا بَيَان {وَيَتَّبِعُ} يُطِيع {كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ} متمرد شَدِيد لعين
{كُتِبَ عَلَيْهِ} قضي عَلَيْهِ على الشَّيْطَان {أَنَّهُ مَن تَوَلَاّهُ} أطاعه {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} عَن الْهدى {وَيَهْدِيهِ} يَدعُوهُ {إِلَى عَذَابِ السعير} إِلَى مَا يجب بِهِ عَذَاب الْوقُود
{يَا أَيهَا النَّاس} يَعْنِي أهل مَكَّة {إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} فِي شكّ {مِّنَ الْبَعْث} بعد الْمَوْت فتفكروا فِي بَدْء خَلقكُم فَإِن إحياءكم لَيْسَ بأشد عَليّ من بدئكم {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ} خَلَقْنَاكُمْ بعد ذَلِك {مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} من دم عبيط بعد النُّطْفَة {ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} من لحم طري بعد الْعلقَة {مُّخَلَّقَةٍ} خلق تَمام {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} وَهِي السقط {لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ} فِي الْقُرْآن بَدْء خَلقكُم {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَام} من أَن يسْقط وَيُقَال نَتْرُك فِي الْأَرْحَام {مَا نَشَآءُ} من الْوَلَد {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم من الشُّهُور {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ} من الْأَرْحَام {طِفْلاً} صغَارًا {ثُمَّ} نترككم {لتبلغوا أَشُدَّكُمْ} من ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} يقبض روحه قبل الْبلُوغ {وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ} يرجع {إِلَى أَرْذَلِ الْعُمر} إِلَى حَاله الأول بعد الْهَرم {لِكَيْلَا يَعْلَمَ} حَتَّى لَا يعقل {مِن بَعْدِ عِلْمٍ} من بعد علمه الأول {شَيْئاً وَتَرَى الأَرْض هَامِدَةً} منكسرة ميتَة {فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت} بالنبات وَيُقَال تحركت واستبشرت بِالْمَاءِ {وَرَبَتْ} انتفخت للنبات {وَأَنبَتَتْ} أخرجت بِالْمَاءِ {مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} من كل لون حسن
{ذَلِك} الْقُدْرَة فِي تحويلكم وَغير ذَلِك لتقروا وتعلموا {بِأَنَّ الله هُوَ الْحق} بِأَن عبَادَة الله هِيَ الْحق {وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى} للنشور {وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْحَيَاة وَالْمَوْت {قدير}
{وَأَنَّ السَّاعَة آتِيَةٌ} كائنة {لَاّ رَيْبَ فِيهَا} لَا شكّ فِي كينونتها {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُور} للجزاء وَالْعِقَاب
{ومِنَ النَّاس مَن يُجَادِلُ فِي الله} يُخَاصم فِي دين الله وَكتابه {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم {وَلَا هُدىً} بِلَا حجَّة {وَلَا كِتَابٍ مُنِير} مُبين بِمَا يَقُول
{ثَانِي عطفه} لَا وَيَا عُنُقه معرضًا عَن الْآيَات مُكَذبا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} عَذَاب قتل يَوْم بدر صبرا {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة عَذَابَ الْحَرِيق} عَذَاب النَّار وَيُقَال الْعَذَاب الشَّديد
{ذَلِك} الْقَتْل يَوْم بدر صبرا {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} بِمَا عملت يداك فِي الشّرك نزل من قَوْله {ومِنَ النَّاس مَن يُجَادِلُ فِي الله} إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن النَّضر بن الْحَارِث {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام للعبيد} أَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم
{وَمِنَ النَّاس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} على وَجه تجربة وَشك وانتظار نعْمَة نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن بني الحلاف منافقي بني أَسد وغَطَفَان {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ}
نعْمَة {اطْمَأَن بِهِ} رضى بدين مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِلِسَانِهِ {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} شدَّة {انْقَلب على وَجْهِهِ} رَجَعَ إِلَى دينه الأول الشّرك بِاللَّه {خَسِرَ الدُّنْيَا} غبن الدُّنْيَا بذهابها {وَالْآخِرَة} بذهاب الْجنَّة {ذَلِك} الْغبن {هُوَ الخسران الْمُبين} الْغبن البيّن بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
{يَدْعُو} يعبد بَنو الحلاف {مِن دُونِ الله مَا لَا يَضُرُّهُ} إِن لم يعبده {وَمَا لَا يَنفَعُهُ} إِن عَبده {ذَلِك هُوَ الضلال} الْخَطَأ {الْبعيد} عَن الْحق وَالْهدى
{يَدْعُو} يعبد بَنو الحلاف {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} يَقُول من ضره قريب ونفعه بعيد {لَبِئْسَ الْمولى} الرب {وَلَبِئْسَ العشير} الْخَلِيل والصاحب يَقُول من كَانَت عِبَادَته مضرَّة على عابده لبئس المعبود هُوَ
{إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت أشجارها ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} من الشقاوة والسعادة وَنزل فيهم أَيْضا حِين قَالُوا نَخَاف أَن لَا ينصر مُحَمَّد فِي الدُّنْيَا فَيذْهب مَا كَانَ بَيْننَا وَبَين الْيَهُود من الْمَوَدَّة
{مَن كَانَ يَظُنُّ} يحْسب {أَن لَّن يَنصُرَهُ الله} يعْنى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بالغلبة {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} بالعذر وَالْحجّة {فَلْيَمْدُدْ} فليربط {بِسَبَبٍ} بِحَبل {إِلَى السمآء} إِلَى سَمَاء بَيته {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} ليختنق {فَلْيَنْظُرْ} فليتفكر فِي نَفسه {هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} اختناقه {مَا يَغِيظُ} غيظه فى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَيُقَال فِيهِ وَجه آخر من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله فِي الدُّنْيَا بالرزق وَالْآخِرَة بالثواب فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء فليربط حبلاً إِلَى سقف بَيته ثمَّ ليقطع فَلْينْظر فِي نَفسه هَل يذْهبن كَيده اختناقه مَا يغيظه غيظة فِي رزقه
{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ} أنزلنَا جِبْرِيل بآيَات {بَيِّنَاتٍ} بالحلال وَالْحرَام {وَأَنَّ الله يَهْدِي} يرشد إِلَى دينه {مَن يُرِيدُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك
{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَالَّذين هَادُواْ} يهود أهل الْمَدِينَة {وَالصَّابِئِينَ} السائحين وهم شُعْبَة من النَّصَارَى {وَالنَّصَارَى} يَعْنِي نَصَارَى أهل نَجْرَان السَّيِّد وَالْعَاقِب {وَالْمَجُوس} عَبدة الشَّمْس والنيران {وَالَّذين أشركوا} مُشْركي الْعَرَب {إِنَّ الله يَفْصِلُ} يقْضِي {بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من اخْتلَافهمْ وأعمالهم {شَهِيد} عَالم
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَن فِي الأَرْض} من الْمُؤمنِينَ {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَالْجِبَال وَالشَّجر والدوآب} كل هَؤُلَاءِ يَسْجُدُونَ لله {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاس} وَجَبت لَهُم الْجنَّة وهم الْمُؤْمِنُونَ {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب} وَجب عَلَيْهِم عَذَاب النَّار وهم الْكَافِرُونَ {وَمَن يُهِنِ الله} بالشقاوة {فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} بالسعادة وَيُقَال وَمن يهن الله بالنكرة فَمَا لَهُ من مكرم بالمعرفة {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} بخلقه من الشقاوة والسعادة والمعرفة والنكرة
{هَذَانِ خَصْمَانِ} أهل دينين من الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى {اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} فِي دين رَبهم فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُم أَنا أولى بِاللَّه بِدِينِهِ فَحكم الله بَينهم فَقَالَ {فَالَّذِينَ كَفَرُواْ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} قمص وجباب من نَار {يُصَبُّ من فَوق رؤوسهم} على رُءُوسهم {الْحَمِيم} المَاء الْحَار
{يُصْهَرُ بِهِ} يذاب بالحميم {مَا فِي بُطُونِهِمْ} من الشحوم وَغَيرهَا {والجلود} ويذاب بِهِ الْجُلُود وَغَيرهَا
{كلمآ أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا} من النَّار {مِنْ غَمٍّ} من غم الْعَذَاب {أُعِيدُواْ فِيهَا} فِي النَّار بِضَرْب المقامع {وَذُوقُواْ} فَيُقَال لَهُم ذوقوا {عَذَابَ الْحَرِيق} الشَّديد
{إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {يُحَلَّوْنَ فِيهَا} يلبسُونَ فِي الْجنَّة {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} أسورة من ذهب {وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {حَرِيرٌ} لَا يُوصف فَضله
{وهدوا إِلَى الطّيب مِنَ القَوْل} أرشدوا فِي الدُّنْيَا إِلَى القَوْل الطّيب لَا إِلَه إِلَّا الله {وهدوا إِلَى صِرَاطِ الحميد} ووفقوا للدّين الْمَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال الحميد لمن وَحده فَهَذَا قَضَاء الله فِيمَا بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُؤمنِينَ فِي خصومتهم
{إِن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه وَإِنَّمَا سَمَّاهُ كَافِرًا لِأَنَّهُ لم يكن مُؤمنا يَوْمئِذٍ {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} يصرفون النَّاس عَن دين الله وطاعته {وَالْمَسْجِد الْحَرَام} يصرفون مُحَمَّدًا عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابه عَام الْحُدَيْبِيَة عَن الْمَسْجِد الْحَرَام للْعُمْرَة {الَّذِي جَعَلْنَاهُ} حرما وقبلة {لِلنَّاسِ سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد} يَعْنِي الْمُقِيم والغريب سَوَاء شرع {وَمَن يُرِدْ} يمل {فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} على أحد {نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع نضربه ضربا شَدِيدا لكَي لَا يعود إِلَى ظلم أحد وَيُقَال نزلت فِي شَأْن عبد الله بن أنس بن حنظل قتل أَنْصَارِيًّا بِالْمَدِينَةِ مُتَعَمدا وارتد عَن الْإِسْلَام والتجأ إِلَى مَكَّة وَنزل فِيهِ وَمن يرد فِيهِ من يلجأ إِلَيْهِ بالحاد بقتل بظُلْم بشرك نذقه من عَذَاب أَلِيم وجيع لَا يطعم وَلَا يسقى وَلَا يؤوى حَتَّى يخرج من الْحرم ثمَّ يُقَام عَلَيْهِ الْحَد
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ} بَينا لإِبْرَاهِيم {مَكَانَ الْبَيْت} الْحَرَام بسحابة وقفت على حياله فَبنى إِبْرَاهِيم الْبَيْت على حِيَال السحابة وأوحينا إِلَيْهِ {أَن لَاّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} من الْأَصْنَام {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} مَسْجِدي من الْأَوْثَان {لِلطَّآئِفِينَ} حوله {والقآئمين} المقيمين فِيهِ {والركع السُّجُود} لأهل الصَّلَوَات من جملَة الْبلدَانِ من كل وَجه
{وَأَذِّن فِي النَّاس} نَاد ذريتك {بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ} حَتَّى يجيئوا إِلَيْك {رِجَالاً} مشَاة على أَرجُلهم {وعَلى كُلِّ ضَامِرٍ} ركباناً على كل إبل مُضْمر وَغَيره {يَأْتِينَ} يجئن {مِن كُلِّ فَجٍّ عميق} طَرِيق وَأَرْض بعيدَة
{لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ} مَنَافِع الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَنَافِع الْآخِرَة بِالدُّعَاءِ وَالْعِبَادَة وَمَنَافع الدُّنْيَا بِالرِّبْحِ وَالتِّجَارَة {وَيَذْكُرُواْ اسْم الله} لِيذكرُوا اسْم الله {فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} معروفات أَيَّام التَّشْرِيق {على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَام} على ذَبِيحَة الْأَنْعَام {فَكُلُواْ مِنْهَا} من الْأَضَاحِي {وَأَطْعِمُواْ} أعْطوا {البآئس الْفَقِير} الضَّرِير الزَّمن الْمُحْتَاج
{ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} ليتموا مَنَاسِك حجهم حلق الرَّأْس وَرمي الْجمار وتقليم الْأَظْفَار وَغير ذَلِك {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} وليتموا مَا أوجبوا على أنفسهم {وَلْيَطَّوَّفُواْ} الطّواف الْوَاجِب {بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} أعتق من كل جَبَّار دخل فِيهِ وَيُقَال من غرق الطوفان زمن نوح وَيُقَال هُوَ أول بَيت بني وَيُقَال من طَاف حوله فقد عتق
{ذَلِك} الَّذِي ذكرت من الْمَنَاسِك عَلَيْهِم أَن يوفوا ذَلِك {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله} مَنَاسِك الْحَج {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} بالثواب {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ} رخصت لكم {الْأَنْعَام} ذَبِيحَة الْأَنْعَام وَأكل لحومها {إِلَاّ مَا يُتْلَى} إِلَّا مَا حرم {عَلَيْكُمْ} فِي سُورَة الْمَائِدَة مثل الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير {فَاجْتَنبُوا الرجس مِنَ الْأَوْثَان} فاتركوا شرب الْخمر وَعبادَة الْأَوْثَان
{وَاجْتَنبُوا قَوْلَ الزُّور} اتْرُكُوا قَول الْبَاطِل وَالْكذب لأَنهم كَانُوا يَقُولُونَ فِي تلبيتهم فِي الْجَاهِلِيَّة لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شَرِيكا هُوَ لَك تملكه وَمَا ملك فنهاهم الله عَن ذَلِك
{حنفَاء لله} كونُوا مُسلمين مُخلصين لله بِالتَّلْبِيَةِ وَالْحج {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} بِاللَّه فِي التَّلْبِيَة وَالْحج {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خَرَّ} وَقع {مِنَ السمآء فَتَخْطَفُهُ} فتأخذه {الطير} وَتذهب بِهِ حَيْثُ يَشَاء {أَوْ تَهْوِي} تذْهب {بِهِ الرّيح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} بعيد
{ذَلِك} التباعد لمن اشرك بِاللَّه {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله} مَنَاسِك الْحَج فَيذْبَح أسمنها وَأَعْظَمهَا {فَإِنَّهَا} يعْنى دبيحة أسمنها وَأَعْظَمهَا {مِن تَقْوَى الْقُلُوب} من صفاوة الْقُلُوب وإخلاص الرجل
{لَكُمْ فِيهَا} فِي الْأَنْعَام {مَنَافِعُ} فِي ركُوبهَا وَأَلْبَانهَا {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى حِين تقلد وَتسَمى هَديا {ثُمَّ مَحِلُّهَآ} منحرها {إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} إِن كَانَت للْعُمْرَة وَإِن كَانَت لِلْحَجِّ فالى منى
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} من الْمُؤمنِينَ {جَعَلْنَا مَنسَكاً} مذبحاً لَهُم لحجهم وعمرتهم {لِّيَذْكُرُواْ اسْم الله على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَام} على ذَبِيحَة الْأَنْعَام {فإلهكم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} أَخْلصُوا بِالْعبَادَة والتوحيد {وَبَشِّرِ المخبتين} الْمُجْتَهدين المخلصين بِالْجنَّةِ
{الَّذين إِذَا ذُكِرَ الله} أمروا بِأَمْر من قبل الله {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} خَافت قُلُوبهم {وَالصَّابِرِينَ} وَبشر الصابرين أَيْضا بِالْجنَّةِ {على مَآ أَصَابَهُمْ} من المرازي والمصائب {والمقيمي الصَّلَاة} وَبشر المقيمين للصلوات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها بِالْجنَّةِ أَيْضا {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الْأَمْوَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون ويؤدون زَكَاتهَا
{وَالْبدن} يَعْنِي الْبَقر وَالْإِبِل {جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} سخرناها لكم {مِّن شَعَائِرِ الله} من مَنَاسِك الْحَج لكَي تذبحوا {لَكُمْ فِيهَا} فِي الْأَضَاحِي {خَيْرٌ} ثَوَاب {فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا} على ذَبحهَا {صَوَآفَّ} خوالص من الْعُيُوب وَيُقَال معقولة يَدهَا الْيُسْرَى قَائِمَة على ثَلَاث قَوَائِم وقرئت بِرَفْع النُّون {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} فَإِذا خرجت لجنبها بعد الذّبْح {فَكُلُواْ مِنْهَا} من الْأَضَاحِي {وَأَطْعِمُواْ} أعْطوا {القانع} السَّائِل الَّذِي يقنع باليسير {والمعتر} الَّذِي يعترضك وَلَا يَسْأَلك {كَذَلِك} الَّذِي ذكرت لكم {سَخَّرْنَاهَا} ذللناها {لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا عمته ورخصته
{لَن يَنَالَ الله} لن يصل إِلَى الله {لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا} وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يضْربُونَ لحم الْأَضَاحِي على حَائِط الْبَيْت ويتلطخون بدمها فنهاهم الله عَن ذَلِك وَيُقَال لَا يقبل الله لحومها وَلَا دماءها {وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} وَلَكِن يقبل الْأَعْمَال الزاكية الطاهرة مِنْكُم {كَذَلِك} هَكَذَا {سَخَّرَهَا} ذللها {لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ الله} لتعظموا الله {على مَا هَدَاكُمْ} كَمَا هدَاكُمْ لدينِهِ وسنته {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل بِالْجنَّةِ وَيُقَال الْمُحْسِنِينَ بالذبائح
{إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن كفار مَكَّة {إِنَّ الله لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ} خائن {كَفُورٍ} كَافِر بِاللَّه
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} أذن للْمُؤْمِنين بِالْقِتَالِ مَعَ كفار مَكَّة {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} ظلمهم كفار مَكَّة {وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ} على نصر الْمُؤمنِينَ على عدوهم {لَقَدِيرٌ}
{الَّذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم} أخرجهم كفار مَكَّة من مَنَازِلهمْ {بِغَيْرِ حَقٍّ} بِلَا حق وَلَا جرم {إِلَاّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله} إِلَّا لقَولهم لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله {وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}
فَدفع بالنبيين عَن الْمُؤمنِينَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ عَن الْكَافرين وبالمجاهدين عَن القاعدين بِغَيْر عذر وَلَوْلَا ذَلِك {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} صوامع الرهبان {وَبِيَعٌ} كنائس الْيَهُود {وَصَلَوَاتٌ} بَيت نَار الْمَجُوس لِأَن كل هَؤُلَاءِ فِي مأمن الْمُسلمين {وَمَسَاجِدُ} للْمُسلمين {يُذْكَرُ فِيهَا} فِي الْمَسَاجِد {اسْم الله} بِالتَّكْبِيرِ والتهليل {كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ الله} على عدوه {مَن يَنصُرُهُ} من ينصر نبيه بِالْجِهَادِ {إِنَّ الله لَقَوِيٌّ} بنصرة نبيه ونصرة من ينصر نبيه {عَزِيزٌ} بالنقمة من أَعدَاء نبيه
{الَّذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْض} أنزلناهم فِي أَرض مَكَّة {أَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتَوُاْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالهم {وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكر} عَن الْكفْر والشرك وَمُخَالفَة الرَّسُول {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور} وَإِلَى الله ترجع عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} يَا مُحَمَّد قُرَيْش {فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {وَعَادٌ} قوم هود هوداً {وَثَمُودُ} قوم صَالح صَالحا
{وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ} إِبْرَاهِيم {وَقَوْمُ لُوطٍ} لوطاً
{وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ} قوم شُعَيْب شعيباً {وَكُذِّبَ مُوسَى} كذبه قومه القبط {فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} فأمهلت للْكَافِرِينَ فِي كفرهم إِلَى الْأَجَل {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} بالعقوبة {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ تغييري عَلَيْهِم بالعقوبة
{فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} كم من أهل قَرْيَة {أَهْلَكْنَاهَا} بِالْعَذَابِ {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} مُشركَة كَافِرَة أَهلهَا {فَهِيَ خَاوِيَةٌ} سَاقِطَة {على عُرُوشِهَا} على سقوفها {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} وَكم من بِئْر معطلة عطلها أَرْبَابهَا لَيْسَ عَلَيْهَا أحد {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} حُصَيْن طَوِيل لَيْسَ فِيهِ سَاكن إِن قُرِئت بِنصب الْمِيم وَيُقَال مجصص إِن قُرِئت بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْض} أفلم يُسَافر أهل مَكَّة فِي تجاراتهم {فَتَكُونَ} فَتَصِير {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ} التخويف وَمَا صنع بغيرهم إِذا نظرُوا وتفكروا فِيهَا {أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} الْحق والتخويف {فَإِنَّهَا} يَعْنِي النظرة بِغَيْر عِبْرَة وَيُقَال كلمة الشّرك {لَا تَعْمَى الْأَبْصَار} من النّظر {وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور} من الْحق وَالْهدى
{ويستعجلونك} يَا مُحَمَّد {بِالْعَذَابِ} استعجله النَّضر ابْن الْحَارِث قبل أَجله {وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ} بِالْعَذَابِ {وَإِنَّ يَوْماً} من الَّذِي وعد فِيهِ عَذَابهمْ {عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} من سني الدُّنْيَا
{وكأين من قَرْيَة} وَكم من أهل قَرْيَة {أَمْلَيْتُ لَهَا} أمهلتها إِلَى أجل {وَهِيَ ظَالِمَةٌ} مُشركَة كَافِرَة أَهلهَا {ثُمَّ أَخَذْتُهَا} عَاقبَتهَا فِي الدُّنْيَا {وَإِلَيَّ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة
{قل يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ} من الله {نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها
{فَالَّذِينَ آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الْخيرَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كريم} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة
{وَالَّذين سَعَوْاْ فِي آيَاتِنَا} كذبُوا بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم}
أهل النَّار
{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {مِن رَّسُولٍ} مُرْسل {وَلَا نَبِيٍّ} مُحدث لَيْسَ بمرسل {إِلَاّ إِذَا تمنى} قَرَأَ الرَّسُول أَو حدث النَّبِي {أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أُمْنِيَّتِهِ} فِي قِرَاءَة الرَّسُول وَحَدِيث النَّبِي {فَيَنسَخُ الله} يبيّن الله {مَا يُلْقِي الشَّيْطَان} على لِسَان نبيه لكَي لَا يعْمل بِهِ ثُمَّ يُحْكِمُ الله يبين {آيَاتِهِ} لنَبيه لكَي يعْمل بهَا {وَالله عَلِيمٌ} بِمَا يلقِي الشَّيْطَان على لِسَان نبيه {حَكِيمٌ} حكم بنسخه
{لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَان} على لِسَان نبيه {فِتْنَةً} بلية {لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ وَخلاف لكَي يعملوا بِهِ {والقاسية قُلُوبُهُمْ} من ذكر الله {وَإِنَّ الظَّالِمين} الْمُشْركين الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {لَفِي شِقَاقٍ} خلاف ومعاداة {بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى
{وَلِيَعْلَمَ} ولكي يعلم تبيان الله {الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالْقُرْآنِ والتوراة عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه {أَنَّهُ} يَعْنِي تبيان الْحق هُوَ {الْحق مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ} فيصدقوا بتبيان الله {فَتُخْبِتَ لَهُ} فتخلص لَهُ وتقبله يَعْنِي تبيان الله {قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الله لَهَادِ} حَافظ {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} إِلَى دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام
{وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ} فِي شكّ من الْقُرْآن وَلَكِن انظرهم يَا مُحَمَّد {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {بَغْتَةً} فَجْأَة {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} لَا فرج فِيهِ وَهُوَ يَوْم بدر
{الْملك} الْقَضَاء {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} يقْضِي بَين الْمُؤمنِينَ والكافرين {فَالَّذِينَ آمَنُواْ} بِمُحَمد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فِي جَنَّاتِ النَّعيم} يكرمون بالتحف
{وَالَّذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآياتِنَا} بكتابنا ورسولنا {فَأُولَئِك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ وَيُقَال شَدِيد
{وَالَّذين هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {ثُمَّ قتلوا} قَتلهمْ الْعَدو فِي سَبِيل الله {أَوْ مَاتُواْ} فِي سفر أَو حضر {لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حسنا} ثَوابًا حسنا فى الْجنَّة لأموالهم وَغَنَائِم حَلَالا طيبا لأحيائهم {وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أفضل المطعمين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ} لأَنْفُسِهِمْ وَيُقَال يقبلونه يَعْنِي الْجنَّة {وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ} بثوابهم وكرامتهم {حَلِيمٌ} بِتَأْخِير عُقُوبَة من قَتلهمْ
{ذَلِك} هَذَا قَضَاء الله فِيمَا بَين الْمُؤمنِينَ والكافرين فِي الْآخِرَة {وَمَنْ عَاقَبَ} قَاتل وليه {بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} بوليه {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} ثمَّ تطاول عَلَيْهِ بظُلْم {لَيَنصُرَنَّهُ الله} يَعْنِي الْمَظْلُوم على الظَّالِم فيقتله وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ الدِّيَة وَهُوَ رجل قتل وليه فَأخذ من قَاتل وليه الدِّيَة ثمَّ بغى عَلَيْهِ فَقتله أَيْضا فَيقْتل وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ الدِّيَة {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ} متجاوز لمن تَابَ {غَفُورٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
{ذَلِك} عُقُوبَة من بغى على أَخِيه {بِأَنَّ الله يُولِجُ اللَّيْل فِي النَّهَار} يزِيد اللَّيْل على النَّهَار فَيكون النَّهَار أطول من اللَّيْل {وَيُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل} يزِيد النَّهَار على اللَّيْل فَيكون اللَّيْل أطول من النَّهَار {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالة خلقه {بَصِيرٌ} بأعمالهم
{ذَلِك} الْقُدْرَة لتقروا وتعلموا {بِأَنَّ الله هُوَ الْحق} بِأَن عبَادَة الله هِيَ الْحق وَأَن الله هُوَ الْقوي {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {هُوَ الْبَاطِل} الضَّعِيف
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَتُصْبِحُ الأَرْض} فَتَصِير الأَرْض {مُخْضَرَّةً} بالنبات {إِنَّ الله لَطِيفٌ} باستخراج النَّبَات {خَبِيرٌ} بمكانه
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَإِنَّ الله لَهُوَ الْغَنِيّ} عَن خلقه {الحميد} الْمَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال الحميد لمن وَحده
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله سَخَّرَ} ذلل {لَكُم مَّا فِي الأَرْض} من الشّجر وَالدَّوَاب {والفلك} وسخر الْفلك يَعْنِي السفن {تَجْرِي فِي الْبَحْر بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ {وَيُمْسِكُ السمآء} يمْنَع السَّمَاء {أَن تَقَعَ} لكَي لَا تقع {عَلَى الأَرْض إِلَاّ بِإِذْنِهِ} بأَمْره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّ الله بِالنَّاسِ} بِالْمُؤْمِنِينَ {لرؤوف رَحِيم}
{وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ} فِي أَرْحَام أُمَّهَاتكُم صغَارًا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} صغَارًا أَو كبارًا {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للبعث بعد الْمَوْت {إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ {لَكَفُورٌ} كَافِر بِاللَّه وبالبعث بعد الْمَوْت وبذبيحة الْمُسلمين
{لِّكُلِّ أُمَّةٍ} لكل أهل دين {جَعَلْنَا مَنسَكاً} مذبحاً وَيُقَال معبدًا {هُمْ نَاسِكُوهُ} ذابحوه على دينهم {فَلَا يُنَازِعُنَّكَ} فَلَا يخالفنك وَلَا يصرفنك {فِي الْأَمر} فِي الذَّبِيحَة والتوحيد {وادع إِلَى رَبِّكَ} إِلَى تَوْحِيد رَبك {إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} على دين قَائِم يرضاه هُوَ الْإِسْلَام
{وَإِن جَادَلُوكَ} خاصموك فِي أَمر الذَّبِيحَة والتوحيد لقَولهم إِن مَا ذبح الله أحل مِمَّا تذبحون أَنْتُم بسكاكينكم {فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} فِي دينكُمْ من الذَّبِيحَة وَغَيرهَا
{الله يَحْكُمُ} يقْضِي {بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ} فِي أَمر الذَّبِيحَة والتوحيد {تَخْتَلِفُونَ} تخالفون
{أَلَمْ تَعْلَمْ} يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السمآء} مَا يكون فِي أهل السَّمَاء من الْخيرَات {وَالْأَرْض} مَا يكون من أهل الأَرْض من الْخَيْر وَالشَّر {إِنَّ ذَلِك فِي كِتَابٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {إِنَّ ذَلِك} حفظ ذَلِك بِغَيْر الْكتاب {عَلَى الله يسير} هَين
{وَيَعْبُدُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} كتابا وَلَا عذرا {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} حجَّة وَلَا بَيَان {وَمَا لِلظَّالِمِينَ} الْمُشْركين {مِن نَّصِيرٍ} من مَانع من عَذَاب الله
{وَإِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} الْقُرْآن {بَيِّنَاتٍ} مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي {تَعْرِفُ} يَا مُحَمَّد {فِي وُجُوهِ الَّذين كَفَرُواْ} بِالْقُرْآنِ {الْمُنكر} الْكَرَاهِيَة من الْقُرْآن {يَكَادُونَ يَسْطُونَ} يهمون أَن يضْربُوا ويقعوا {بالذين يَتلون} يقرءُون {عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} الْقُرْآن {قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَفَأُنَبِّئُكُم} أخْبركُم {بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُم} مِمَّا قُلْتُمْ للْمُسلمين فِي الدُّنْيَا لقَولهم مَا رَأينَا أهل دين أقل حظاً مِنْكُم فَقَالَ الله قل يَا مُحَمَّد الخ وَهِي {النَّار وَعَدَهَا الله الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن وَأَنْتُم كافرون بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ
{يَا أَيهَا النَّاس} يَعْنِي أهل مَكَّة {ضُرِبَ مَثَلٌ} بَين مثل آلِهَتكُم {فَاسْتَمعُوا لَهُ} وأجيبوا لَهُ {إِنَّ الَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً}