المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم - تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

[الفيروزآبادي]

الفصل: وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وهى كلهَا مَكِّيَّة نزلت فى الْقِتَال

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ص: 427

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذين كفرُوا} بِ‌

‌مُحَمد

صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته وهم المطعمون يَوْم بدر عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة ومنبه وَنبيه ابْنا الْحجَّاج وَأَبُو البحترى بن هِشَام وَأَبُو جهل بن هِشَام وأصحابهم {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر

ص: 427

{وَالَّذين آمَنُواْ} بِاللَّه وَمُحَمّد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} بِمَا نزل الله بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَهُوَ الْحق مِن رَّبِّهِمْ} يَعْنِي الْقُرْآن {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ذنوبهم بِالْجِهَادِ {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} حَالهم وشأنهم ونياتهم وعملهم فِي الدُّنْيَا وَيُقَال أظهر أَمرهم فِي الْإِسْلَام

ص: 427

{ذَلِك} ثمَّ بَين الشَّيْء الَّذِي أحبط أَعمال الْكَافرين وَأصْلح أَعمال الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ذَلِك الْإِبْطَال {بِأَن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {اتبعُوا الْبَاطِل} يَعْنِي الشّرك بِاللَّه {وَأَنَّ الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {اتبعُوا الْحق مِن رَّبِّهِمْ} يَعْنِي الْقُرْآن {كَذَلِك} هَكَذَا {يَضْرِبُ الله} يبين الله {لِلنَّاسِ} لأمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {أَمْثَالَهُمْ} أَمْثَال من كَانَ قبلهم كَيفَ أهلكهم الله عِنْد تَكْذِيب الرُّسُل

ثمَّ حرض الْمُؤمنِينَ على الْقِتَال

ص: 427

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذين كَفَرُواْ} يَوْم بدر {فَضَرْبَ الرّقاب} فاضربوا أَعْنَاقهم {حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ} قهرتموهم وأسرتموهم {فَشُدُّواْ الوثاق} فاستوثقوا الْأَسير {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} يَقُول تمن على الْأَسير فترسله بِغَيْر فدَاء {وَإِمَّا فِدَآءً} وَإِمَّا أَن يفادي المأسور نَفسه {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْب} الْكفَّار {أَوْزَارَهَا} أسلحتها وَيُقَال حَتَّى يتْرك الْكفَّار {ذَلِك} الْعقُوبَة لمن كفر بِاللَّه {وَلَوْ يَشَآءُ الله لَانتَصَرَ مِنْهُمْ} لانتقم مِنْهُم من كفار مَكَّة بِالْمَلَائِكَةِ غَيْركُمْ وَيُقَال من غير قتالكم {وَلَكِن ليبلو بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} ليختبر الْمُؤمنِينَ بالكافرين والقريب بالقريب {وَالَّذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله يَوْم بدر وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} فَلَنْ يبطل حسناتهم فِي الْجِهَاد

ص: 427

{سَيَهْدِيهِمْ} يوفقهم للأعمال الصَّالِحَة {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} حَالهم وشأنهم ونياتهم وَيُقَال سيهديهم سينجيهم فِي الْآخِرَة وَيصْلح بالهم يقبل أَعْمَالهم يَوْم الْقِيَامَة

ص: 427

{وَيُدْخِلُهُمُ الْجنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ} بَينهَا لَهُم يَهْتَدُونَ إِلَيْهَا كَمَا يَهْتَدُونَ فِي الدُّنْيَا إِلَى مَنَازِلهمْ

ص: 427

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} إِن تنصرُوا نَبِي الله مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْقِتَالِ مَعَ الْعَدو ينصركم الله بالغلبة على الْعَدو {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فِي الْحَرْب لكَي لَا تَزُول

ص: 427

{وَالَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن وهم المطعمون يَوْم بدر {فَتَعْساً لَّهُمْ} فنكساً لَهُم وبعداً لَهُم {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر

ص: 427

{ذَلِك} الْإِبْطَال {بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ} جَحَدُوا {مَآ أَنزَلَ الله} بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} فَأبْطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر

ص: 427

{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فينظروا} يتفكروا

ص: 427

{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} أهلكهم الله {وَلِلْكَافِرِينَ} لكفار مَكَّة {أَمْثَالُهَا} أشباهها من الْعَذَاب

ص: 428

{ذَلِك} النُّصْرَة للْمُؤْمِنين {بِأَنَّ الله مَوْلَى} نَاصِر {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَأَنَّ الْكَافرين} كفار مَكَّة {لَا مولى لَهُمْ} لَا نَاصِر لَهُم

ص: 428

{إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَالَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {يَتَمَتَّعُونَ} يعيشون فِي الدُّنْيَا {وَيَأْكُلُونَ} بِشَهْوَة أنفسهم بِلَا همة مَا فِي غَد {كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَام وَالنَّار مَثْوىً لَّهُمْ} منزل لَهُم فِي الْآخِرَة

ص: 428

{وكأين من قَرْيَة} وَكم من أهل قَرْيَة {هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً} بِالْبدنِ والمنعة {مِّن قَرْيَتِكَ} مَكَّة {الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} أخرجك أَهلهَا إِلَى الْمَدِينَة {أَهْلَكْنَاهُمْ} عِنْد التَّكْذِيب {فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} لم يكن لَهُم مَانع من عَذَاب الله

ص: 428

{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ} على بَيَان وَدين {من ربه} وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {كمن زين لَهُ سوء عَمَلِهِ} قبح عمله وَهُوَ أَبُو جهل {وَاتبعُوا أَهْوَاءَهُمْ} بِعبَادة الْأَوْثَان

ص: 428

{مَّثَلُ الْجنَّة} صفة الْجنَّة {الَّتِي وُعِدَ المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ} آجن رِيحه وطعمه {وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} إِلَى الحموضة وزهومة زبده لم يخرج من بطُون اللقَاح {وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} شَهْوَة للشاربين لم تعصر بالأقدام {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} بِلَا شمع لم يخرج من بطُون النَّحْل {وَلَهُمْ} وَلأَهل الْجنَّة {فِيهَا} فِي الْجنَّة {مِن كُلِّ الثمرات} من ألوان الثمرات {وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّار} لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يخرج مِنْهَا وَهُوَ أَبُو جهل {وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً} حاراً {فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ} مباعرهم {وَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين

ص: 428

{مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} إِلَى خطبتك يَوْم الْجُمُعَة {حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ} تفَرقُوا من عنْدك {قَالُواْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم يَعْنِي عبد الله بن مَسْعُود {مَاذَا قَالَ} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {آنِفاً} السَّاعَة على الْمِنْبَر استهزاء بِمَا قَالَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {أُولَئِكَ} المُنَافِقُونَ هم {الَّذين طَبَعَ الله} ختم الله {على قُلُوبِهِمْ} فهم لَا يعْقلُونَ الْحق وَالْهدى {وَاتبعُوا أَهْوَآءَهُمْ} بِكفْر السِّرّ والنفاق والخيانة والعداوة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 428

{وَالَّذين اهتدوا} بِالْإِيمَان {زَادَهُمْ} بخطبتك {هُدىً} بَصِيرَة فِي أَمر الدّين وَتَصْدِيقًا فِي النيات {وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} ألهمهم تقواهم يَقُول أكْرمهم بترك الْمعاصِي وَاجْتنَاب الْمَحَارِم وَيُقَال وَالَّذين اهتدوا بالناسخ زادهم هدى بالمنسوخ وآتاهم الله تبارك وتعالى تقواهم أكْرمهم الله بِاسْتِعْمَال النَّاسِخ وَترك الْمَنْسُوخ

ص: 428

{فَهَلْ يَنظُرُونَ} إِذا كَذبُوك كفار مَكَّة {إِلَاّ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} فَجْأَة {فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا} معالمها انْشِقَاق الْقَمَر وَخُرُوج النبى صلى الله عليه وسلم بِالْقُرْآنِ من أعلامها أَي معالمها

ص: 428

{فَأنى لَهُمْ} فَمن أَيْن لَهُم {إِذَا جَآءَتْهُمْ} قيام السَّاعَة {ذِكْرَاهُمْ} التَّوْبَة

ص: 429

{فَاعْلَم} يَا مُحَمَّد {أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَاّ الله} لَا ضار وَلَا نَافِع وَلَا مَانع وَلَا معطي وَلَا معز وَلَا مذل إِلَّا الله وَيُقَال فَاعْلَم أَنه لَيْسَ شَيْء فَضله كفضل لَا إِلَه إِلَّا الله {واستغفر لِذَنبِكَ} يَا مُحَمَّد من ضرب الْيَهُودِيّ زيد بن السمين {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} ولذنوب الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات {وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} ذهابكم ومجيئكم وَأَعْمَالكُمْ فِي الدُّنْيَا {وَمَثْوَاكُمْ} مصيركم ومنزلكم فِي الْآخِرَة

ص: 429

{وَيَقُول الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن وهم المخلصون {لَوْلَا} هلا {نُزِّلَتْ سُورَةٌ} جِبْرِيل بِسُورَة تمنوا ذَلِك من اشتياقهم إِلَى ذكر الله وطاعته {فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} جِبْرِيل بِسُورَة {مُّحْكَمَةٌ} مبينَة بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَال} أَمر فِيهَا بِالْقِتَالِ {رَأَيْتَ الَّذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} شكّ ونفاق {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} نَحْوك عِنْد ذكرك الْقِتَال {نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت} كمن هُوَ فِي غشيان الْمَوْت من كَرَاهِيَة قِتَالهمْ مَعَ الْعَدو {فَأولى لَهُمْ} وَعِيد لَهُم من عَذَاب الله

ص: 429

{طَاعَةٌ} يَقُول هَذَا من الْمُؤمنِينَ طَاعَة لله وَلِرَسُولِهِ {وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} كَلَام حسن وَيُقَال طَاعَة الْمُنَافِقين لله وَلِرَسُولِهِ وَقَول مَعْرُوف كَلَام حسن لمُحَمد صلى الله عليه وسلم خير لَهُم من الْمعْصِيَة والمخالفة والكراهية وَيُقَال أطِيعُوا طَاعَة الله وَقُولُوا قولا مَعْرُوفا لمُحَمد {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمر} جد الْأَمر وَظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ {فَلَوْ صَدَقُواْ الله} يَعْنِي الْمُنَافِقين بإيمَانهمْ وجهادهم {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} من الْمعْصِيَة

ص: 429

{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ} فلعلكم يَا معشر الْمُنَافِقين تتمنون إِن توليتم أَمر هَذِه الْأمة بعد النبى صلى الله عليه وسلم {أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض} بِالْقَتْلِ والمعاصي وَالْفساد {وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ} بِإِظْهَار الْكفْر

ص: 429

{أُولَئِكَ} المُنَافِقُونَ {الَّذين لَعَنَهُمُ الله} هم الَّذين طردهم الله من كل خير {فَأَصَمَّهُمْ} عَن الْحق وَالْهدى {وأعمى أَبْصَارَهُمْ} عَن الْحق وَالْهدى

ص: 429

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن} أَفلا يتفكرون بِالْقُرْآنِ مَا نزل فيهم {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} أم على قُلُوب الْمُنَافِقين أقفالاً لَا يعْقلُونَ مَا نزل فيهم

ص: 429

{إِنَّ الَّذين ارْتَدُّوا على أَدْبَارِهِمْ} رجعُوا إِلَى دين آبَائِهِم وهم الْيَهُود {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهدى} التَّوْحِيد وَالْقُرْآن وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ونعته فِي الْقُرْآن {الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُمْ} زين لَهُم الرُّجُوع إِلَى دينهم {وأملى لَهُمْ} الله أمهلهم إِذْ لم يُهْلِكهُمْ

ص: 429

{ذَلِك} الارتداد {بِأَنَّهُمْ قَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {لِلَّذِينَ كَرِهُواْ} وهم المُنَافِقُونَ جَحَدُوا فِي السِّرّ {مَا نزل الله} بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {سَنُطِيعُكُمْ} سنعينكم يَا معشر الْمُنَافِقين {فِي بَعْضِ الْأَمر} أَمر مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِن كَانَ لَهُ ظُهُور علينا {وَالله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} إسرار الْيَهُود مَعَ الْمُنَافِقين

ص: 429

{فَكَيْفَ} يصنعون {إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَة} قبضتهم الْمَلَائِكَة يَعْنِي الْيَهُود {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} بمقامع من حَدِيد {وأدبارهم} ظُهُورهمْ

ص: 429

{ذَلِك} الضَّرْب والعقوبة {بِأَنَّهُمُ اتبعُوا مَآ أَسْخَطَ الله} من الْيَهُودِيَّة {وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ} جَحَدُوا توحيده {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} فَأبْطل حسناتهم فِي الْيَهُودِيَّة وَيُقَال نزل من قَوْله {إِنَّ الَّذين ارْتَدُّوا على أدبارهم} إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين الَّذين رجعُوا من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة مرتدين عَن دينهم وَيُقَال نزل فِي شَأْن الحكم بن أبي الْعَاصِ الْمُنَافِق وَأَصْحَابه الَّذين شاوروا فِيمَا بَينهم يَوْم الْجُمُعَة فى أَمر الْخلَافَة بعد النبى صلى الله عليه وسلم إِن ولينا أَمر هَذِه الْأمة نَفْعل كَذَا وَكَذَا كَانُوا يشاورون فِي هَذَا وَالنَّبِيّ يخْطب وَلَا يَسْتَمِعُون إِلَى خطبَته حَتَّى قَالُوا بعد ذَلِك لعبد الله بن مَسْعُود مَاذَا قَالَ النبى صلى الله عليه وسلم الْآن على الْمِنْبَر استهزاء مِنْهُم

ص: 429

{أَمْ حَسِبَ} أيظن {الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق {أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ} أَن لن يظْهر الله عداوتهم وبغضهم لله

ص: 429

وَلِرَسُولِهِ وَيُقَال نفاقهم للْمُؤْمِنين وعداوتهم وبغضهم

ص: 430

{وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ} يَا مُحَمَّد بالعلامة القبيحة {فَلَعَرَفْتَهُم} فلتعرفنهم {بِسِيمَاهُمْ} بعلامتهم القبيحة بعد ذَلِك {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ} وَلَكِن تعرفنهم يَا مُحَمَّد {فِي لَحْنِ القَوْل} فِي محاورة الْكَلَام وَهِي معذرة الْمُنَافِقين {وَالله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} أسراركم وعداوتكم وبغضكم لله وَلِرَسُولِهِ

ص: 430

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} وَالله لنختبرنكم بِالْقِتَالِ {حَتَّى نَعْلَمَ} حَتَّى نميز {الْمُجَاهدين} فِي سَبِيل الله {مِنكُمْ} يَا معشر الْمُنَافِقين {وَالصَّابِرِينَ} ونميز الصابرين فِي الْحَرْب مِنْكُم {ونبلو أَخْبَارَكُمْ} نظهر أسراركم وبغضكم وعداوتكم ومخالفتكم لله وَلِرَسُولِهِ وَيُقَال نفاقكم

ص: 430

{إِن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته {وَشَآقُّواْ الرَّسُول} خالفوا الرَّسُول فِي الدّين {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهدى} التَّوْحِيد {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً} لن ينقصوا الله بمخالفتهم وعداوتهم وكفرهم وصدهم عَن سَبِيل الله شَيْئا {وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} يبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر وهم المطعمون يَوْم بدر

ص: 430

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بالعلانية {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِي السِّرّ {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} حسناتكم بالنفاق والبغض والعداوة وَمُخَالفَة الرَّسُول وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فى المخلصين يَقُول يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن أَطِيعُواْ اللَّهَ فِيمَا أَمركُم من الْفَرَائِض وَالصَّدَََقَة وَأَطِيعُواْ الرَّسُول فِيمَا أَمركُم من السّنة والغزو وَالْجهَاد وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بالرياء والسمعة

ص: 430

{إِن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن وهم المطعمون يَوْم بدر {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته {ثُمَّ مَاتُواْ} أَو قتلوا {وَهُمْ كُفَّارٌ} بِاللَّه وبرسوله {فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} لأَنهم كفار بِاللَّه وبرسوله

ص: 430

{فَلَا تَهِنُواْ} فَلَا تضعفوا يَا معشر الْمُؤمنِينَ بِالْقِتَالِ مَعَ الْعَدو {وَتَدعُوا إِلَى السّلم} إِلَى الصُّلْح وَيُقَال إِلَى الْإِسْلَام قبل الْقِتَال {وَأَنتُمُ الأعلون} الغالبون وَآخر الْأَمر لكم {وَالله مَعَكُمْ} معينكم بالنصر على عَدوكُمْ {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} وَلنْ ينقص أَعمالكُم فِي الْجِهَاد

ص: 430

{إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {لَعِبٌ} بَاطِل {وَلَهْوٌ} فَرح لَا يبْقى {وَإِن تُؤْمِنُواْ} تستقيموا على إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله {وَتَتَّقُواْ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {يُؤْتِكُمْ} يعطكم {أُجُورَكُمْ} ثَوَاب أَعمالكُم {وَلَا يسألكم أَمْوَالكُم} كلهَا فى الصَّدَقَة

ص: 430

{إِن يسألكموها} كلهَا فِي الصَّدَقَة {فَيُحْفِكُمْ} يجهدكم {تَبْخَلُواْ} بِالصَّدَقَةِ فِي طَاعَة الله {وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} يظْهر بخلكم

ص: 430

{هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ} أَنْتُم يَا هَؤُلَاءِ {تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} بِالصَّدَقَةِ عَن طَاعَة الله {وَمَن يَبْخَلْ} بِالصَّدَقَةِ عَن طَاعَة الله {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ} بالثواب والكرامة {عَن نَّفْسِهِ وَالله الْغَنِيّ} هُوَ الْغَنِيّ عَن أَمْوَالكُم وصدقاتكم {وَأَنتُمُ الفقرآء} إِلَى رَحْمَة الله وجنته ومغفرته {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ} عَن طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله وَعَما أَمركُم من الصَّدَقَة {يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ} يهلككم وَيَأْتِ بِآخَرين خير مِنْكُم وأطوع {ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} بالمعصية وَالطَّاعَة وَلَكِن يَكُونُوا خيرا لَهُ مِنْكُم وأطوع لله وَيُقَال نزل من قَوْله يأيها الَّذين آمنُوا إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين أَسد وغَطَفَان فبدل الله بهم جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة خيرا مِنْهُم وأطوع لله وَذَلِكَ إِنَّا فتحنا لَك

ص: 430

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفَتْح وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ آيَة وكلمها خَمْسمِائَة وَسِتُّونَ كلمة وحروفها أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ص: 431

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} بِغَيْر قتال وَصلح الْحُدَيْبِيَة مِنْهُ غير أَن كَانَ بَينهم رمي بِالْحِجَارَةِ وَيُقَال إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا يَقُول قضينا لَك قَضَاء بَينا يَقُول أكرمناك بِالْإِسْلَامِ والنبوة وأمرناك أَن تَدْعُو الْخلق إِلَيْهِمَا

ص: 431

{لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} لكَي يغْفر الله لَك {مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ} مَا سلف من ذنوبك قبل الْوَحْي {وَمَا تَأَخَّرَ} وَمَا يكون بعد الْوَحْي إِلَى الْمَوْت {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ} منته {عَلَيْكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَالْمَغْفِرَة {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} يثبتك على طَرِيق قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام

ص: 431

{وَيَنصُرَكَ الله} على عَدوك {نَصْراً عَزِيزاً} منيعاً بِلَا ذل

ص: 431

{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السكينَة} الطُّمَأْنِينَة {فِي قُلُوبِ الْمُؤمنِينَ} المخلصين يَوْم الْحُدَيْبِيَة {ليزدادوا إِيمَاناً} يَقِينا وَتَصْدِيقًا وعلماً {مَّعَ إِيمَانِهِمْ} بِاللَّه وَرَسُوله وَهُوَ تَكْرِير الْإِيمَان مَعَ إِيمَانهم بِاللَّه وَرَسُوله {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَات} الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} الْمُؤْمِنُونَ يُسَلط على من يَشَاء من أعدائه {وَكَانَ الله عَلِيماً} بِمَا صنع بك من الْفَتْح وَالْمَغْفِرَة وَالْهدى والنصرة وإنزال السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ {حَكِيماً} فِيمَا صنع بك

ص: 431

فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ المخلصون حِين سمعُوا بكرامة الله لنَبيه هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله بِمَا أَعْطَاك الله من الْفَتْح وَالْمَغْفِرَة والكرامة فَمَا لنا عِنْد الله فَأنْزل الله {لِّيُدْخِلَ الْمُؤمنِينَ} المخلصين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المخلصات من النِّسَاء {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَكَانَ ذَلِك} الَّذِي ذكرت للْمُؤْمِنين {عِندَ الله فَوْزاً عَظِيماً} نجاة وافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا فجَاء عبد الله ابْن أَبى بن سلول حِين سمع بكرامة الله للْمُؤْمِنين فَقَالَ يَا رَسُول الله وَالله مَا نَحن إِلَّا كَهَيْئَتِهِمْ فَمَا لنا عِنْد الله فَأنْزل فيهم

ص: 431

{وَيُعَذِّبَ} ليعذب {الْمُنَافِقين} من الرِّجَال بإيمَانهمْ {والمنافقات} من النِّسَاء {وَالْمُشْرِكين} بِاللَّه من الرِّجَال بإيمَانهمْ {والمشركات} من النِّسَاء أَيْضا ثمَّ ذكر أَيْضا الْمُنَافِقين فَقَالَ {الظآنين بِاللَّه ظَنَّ السوء} أَن لَا ينصر الله نبيه {عَلَيْهِمْ} على الْمُنَافِقين {دَآئِرَةُ السوء} منقلبة السوء وعاقبة السوء {وَغَضِبَ الله} سخط الله {عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ} طردهم من كل خير {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَة {وَسَآءَتْ مَصِيراً} بئس الْمصير صَارُوا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة

ص: 431

{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَات} الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} الْمُؤْمِنُونَ ينصر بهم من يَشَاء {وَكَانَ الله عَزِيزاً} بنقمة الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ {حَكِيماً} بكرامة الْمُؤمنِينَ المخلصين بإيمَانهمْ وَيُقَال عَزِيزًا فِي ملكه وسلطانه حكيماً فِي أمره وقضائه وَفِيمَا نصر نبيه على أعدائه

ص: 431

{إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {شَاهِداً} على أمتك بالبلاغ {وَمُبَشِّراً} بِالْجنَّةِ للْمُؤْمِنين {وَنَذِيراً} من النَّار للْكَافِرِينَ

ص: 431

{لِّتُؤْمِنُواْ بِاللَّه} لكَي تؤمنوا بِاللَّه {وَرَسُولِهِ} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وتعزروه} تنصروه

ص: 431

بِالسَّيْفِ على عدوه {وَتُوَقِّرُوهُ} تعظموه {وَتُسَبِّحُوهُ} تصلوا لله {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} غدْوَة وَعَشِيَّة

ص: 432

ثمَّ ذكر بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة تَحت الشَّجَرَة وَهِي شَجَرَة السمرَة بِالْحُدَيْبِية وَكَانُوا نَحْو ألف وَخَمْسمِائة رجل بَايعُوا نَبِي الله على النصح والنصرة وَأَن لَا يَفروا فَقَالَ {إِنَّ الَّذين يُبَايِعُونَكَ} يَوْم الْحُدَيْبِيَة {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} كَأَنَّهُمْ يبايعون الله {يَدُ الله} بالثواب والنصرة {فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} بِالصّدقِ وَالْوَفَاء والتمام {فَمَن نَّكَثَ} نقض بيعَته {فَإِنَّمَا يَنكُثُ} ينْقض {على نَفْسِهِ} عُقُوبَة ذَلِك {وَمَنْ أوفى} وفى {بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله} بعهده بِاللَّه بِالصّدقِ وَالْوَفَاء {فَسَيُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة فَلم ينقص مِنْهُم أحد لأَنهم كَانُوا كلهم مُخلصين وماتوا على بيعَة الرضْوَان غير رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ جد بن قيس وَكَانَ منافقاً اخْتَبَأَ يومئذٍ تَحت إبط بعيره وَلم يدْخل فِي بيعتهم فأماته الله على نفَاقه

ص: 432

{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلفُونَ} من غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {مِنَ الْأَعْرَاب} من بني غفار وَأسلم وَأَشْجَع وديل وَقوم من مزينة وجهينة {شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} عَن الْخُرُوج مَعَك إِلَى الْحُدَيْبِيَة خفنا عَلَيْهِم الضَّيْعَة فَمن ذَلِك تخلفنا عَنْك {فَاسْتَغْفر لَنَا} يَا رَسُول الله بتخلفنا عَنْك إِلَى غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ} يسْأَلُون بألسنتهم الْمَغْفِرَة {مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} حَاجَة لذَلِك استغفرت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله} فَمن يقدر لكم من عَذَاب الله {شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً} قتلا وهزيمة {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً} نصرا وغنيمة وعافية {بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} بتخلفكم عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {خَبِيرا}

ص: 432

{بَلْ ظَنَنْتُمْ} يَا معشر الْمُنَافِقين {أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُول} أَن لَا يرجع من الْحُدَيْبِيَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {والمؤمنون إِلَى أَهْلِيهِمْ} إِلَى الْمَدِينَة {أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِك} اسْتَقر ذَلِك الظَّن {فِي قُلُوبِكُمْ} فَمن ذَلِك تخلفتم {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} أَن لَا ينصر الله نبيه {وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً} هلكى فَاسِدَة الْقُلُوب قاسية الْقُلُوب

ص: 432

{وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّه وَرَسُولِهِ} يَقُول وَمن لم يصدق بإيمانه بِاللَّه وَرَسُوله {فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {سَعِيراً} نَارا وقوداً

ص: 432

{وَللَّه مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} من الْمُؤمنِينَ على الذَّنب الْعَظِيم وَهُوَ فضل مِنْهُ {وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} على الذَّنب الصَّغِير وَهُوَ عدل مِنْهُ وَيُقَال يغْفر لمن يَشَاء يكرم من يَشَاء بِالْإِيمَان وَالتَّوْبَة فيغفره ويعذب من يَشَاء يُمِيت من يَشَاء على الْكفْر والنفاق فيعذبه وَيُقَال يغْفر لمن يَشَاء من كَانَ أَهلا لذَلِك ويعذب من يشآء من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَكَانَ الله غَفُوراً} لمن تَابَ من الصَّغَائِر والكبائر {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

ص: 432

{سَيَقُولُ الْمُخَلفُونَ} عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة يَعْنِي بني غفار وَأسلم وَأَشْجَع وقوماً من مزينة وجهينة {إِذَا انطلقتم إِلَى مَغَانِمَ} مَغَانِم خَيْبَر {لِتَأْخُذُوهَا} لتغتنموها {ذَرُونَا} اتركونا {نَتَّبِعْكُمْ} إِلَى خَيْبَر {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ} يُغيرُوا {كَلَامَ الله} لنَبيه حِين قَالَ لَهُ لَا تَأذن لَهُم بِالْخرُوجِ إِلَى غَزْوَة أُخْرَى بعد تخلفهم عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {قُل} لَهُم لبني عَامر وديل وَأَشْجَع وَقوم من مزينة وجهينة {لَّن تَتَّبِعُونَا} إِلَى غَزْوَة خَيْبَر إِلَّا مطوعين لَيْسَ لكم من الْغَنِيمَة شَيْء {كذلكم} كَمَا قُلْنَا لكم {قَالَ الله مِن قَبْلُ} هَذَا هُوَ مَا ذكرنَا فِي سُورَة التَّوْبَة {فَقل لن تخْرجُوا معي أبدا} إِلَى آخر الْآيَة أَي لَا تَأذن لَهُم بِالْخرُوجِ إِلَى غَزْوَة أُخْرَى فَقَالُوا للْمُؤْمِنين لم يَأْمُركُمْ الله بذلك وَلَكِن تحسدوننا على الْغَنِيمَة فَأنْزل الله فِي قَوْلهم {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} على الْغَنِيمَة {بَلْ كَانُواْ لَا يَفْقَهُونَ} أَمر الله {إِلَاّ قَلِيلاً} لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا

ص: 432

ديل وَأَشْجَع وَقوم من مزينة وجهينة {سَتُدْعَوْنَ} بعد النبى صلى الله عليه وسلم {إِلَى قَوْمٍ} إِلَى قتال قوم {أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} ذَوي قتال شَدِيد أهل الْيَمَامَة بني حنيفَة قوم مُسَيْلمَة الْكذَّاب {تُقَاتِلُونَهُمْ} على الدّين {أَوْ يُسْلِمُونَ} حَتَّى يسلمُوا {فَإِن تُطِيعُواْ} تجيبوا وتوافقوا على الْقِتَال وتخلصوا بِالتَّوْحِيدِ {يُؤْتِكُمُ الله أَجْراً} يعظكم الله ثَوابًا {حَسَناً} فِي الْجنَّة {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ} عَن التَّوْحِيد وَالتَّوْبَة وَالْإِخْلَاص والإجابة إِلَى قتال مُسَيْلمَة الْكذَّاب {كَمَا تَوَلَّيْتُم} عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {مِّن قَبْلُ} من قبل هَذَا {يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً

ص: 433

ثمَّ جَاءَ أهل الزمانة إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله قد أوعد الله بِعَذَاب أَلِيم لمن يتَخَلَّف عَن الْغَزْوَة فَكيف لنا وَنحن لَا نقدر على الْخُرُوج إِلَى الْغَزْو فَأنْزل الله فيهم {لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو {وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَجٌ} مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو {وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَجٌ} مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة والإجابة والموافاة إِلَى قتال الْعَدو {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي} تطرد {من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَمَن يَتَوَلَّ} عَن طَاعَة الله وَرَسُوله والإجابة {يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً

ص: 433

ثمَّ ذكر رضوانه على من بَايع من أهل بيعَة الرضْوَان فَقَالَ {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة} يَوْم الْحُدَيْبِيَة شَجَرَة السمرَة وَكَانُوا نَحْو ألف وَخَمْسمِائة رجل بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالْفَتْح والنصرة وَأَن لَا يَفروا من الْمَوْت {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الصدْق وَالْوَفَاء {فَأنزَلَ} الله تَعَالَى {السكينَة} الطُّمَأْنِينَة {عَلَيْهِمْ} وأذهب عَنْهُم الحمية {وَأَثَابَهُمْ} أَي أَعْطَاهُم بعد ذَلِك {فَتْحاً قَرِيباً} يَعْنِي فتح خَيْبَر سَرِيعا على أثر ذَلِك

ص: 433

{ومغانم كَثِيرَة يأخذونها} يغنمونها يَعْنِي غنيمَة خَيْبَر {وَكَان الله عَزِيزاً} بنقمة أعدائه {حكيما} بالنصرة وَالْفَتْح وَالْغنيمَة للنبى صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه

ص: 433

{وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} تغتنمونها وَهِي غنيمَة فَارس لم تكن فستكون (فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِه) يَعْنِي غنيمَة خَيْبَر {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاس عَنْكُمْ} بِالْقِتَالِ يَعْنِي أسداً وغَطَفَان وَكَانُوا حلفاء لأهل خَيْبَر {وَلِتَكُونَ آيَةً} عِبْرَة وعلامة {لِّلْمُؤْمِنِينَ} يَعْنِي فتح خَيْبَر لِأَن الْمُؤمنِينَ كَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف وَأهل خَيْبَر كَانُوا سبعين ألفا {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} يثبتكم على دين قَائِم يرضاه

ص: 433

{وَأُخْرَى} غنيمَة أُخْرَى {لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} بعد {قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} قد علم الله أَنَّهَا سَتَكُون وَهِي غنيمَة فَارس {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْفَتْح والنصرة وَالْغنيمَة {قَدِيرًا}

ص: 433

{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذين كفَرُواْ} أسداً وغَطَفَان مَعَ أهل خَيْبَر {لَوَلَّوُاْ الأدبار} منهزمين {ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً} عَن قتلكم {وَلَا نَصِيراً} مَانِعا مَا يُرَاد بهم من الْقَتْل والهزيمة

ص: 433

{سُنَّةَ الله} هَكَذَا سيرة الله {الَّتِي قَدْ خَلَتْ} مَضَت {مِن قَبْلُ} فِي الْأُمَم الخالية بِالْقَتْلِ وَالْعَذَاب حِين خَرجُوا على الْأَنْبِيَاء {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله بِالْقَتْلِ {تَبْدِيلاً} تحويلا

ص: 433

{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ} أَيدي أهل مَكَّة {عَنكُمْ} عَن قتالكم {وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم} عَن قِتَالهمْ {بِبَطْنِ مَكَّةَ} فِي وسط مَكَّة غير أَن كَانَ بَينهم رمي بِالْحِجَارَةِ {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} حَيْثُ هَزَمَهُمْ أَصْحَاب النبى صلى الله عليه وسلم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى دخلُوا مَكَّة {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من رمي الْحِجَارَة وَغَيره {بَصِيراً}

ص: 433

{هم الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي اهل مَكَّة {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام} وصرفوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام عَام الْحُدَيْبِيَة {وَالْهَدْي مَعْكُوفاً} مَحْبُوسًا {أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}

ص: 433

منحره يَقُول لم يتْركُوا أَن تبلغوه منحره {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ} الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن ربيعَة وَأَبُو جندل بن سُهَيْل بن عَمْرو {وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ} بِمَكَّة {لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تطؤوهم} أَن تَقْتُلُوهُمْ {فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ} من قَتلهمْ {مَّعَرَّةٌ} دِيَة وإثم لَوْلَا ذَلِك لسلطكم عَلَيْهِم بِالْقَتْلِ {بِغَيْرِ عِلْمٍ} من غير أَن تعلمُوا أَنهم مُؤمنُونَ {لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ} لكَي يكرم الله بِدِينِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك مِنْهُم {لَوْ تَزَيَّلُواْ} لَو خرج هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ من بَين أظهرهم فَتَفَرَّقُوا من عِنْدهم {لَعَذَّبْنَا الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيمًا} بسيوفكم

ص: 434

{إِذْ جَعَلَ} أَخذ {الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {فِي قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّة} بمنعهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه عَن الْبَيْت {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ} طمأنينته {على رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤمنِينَ} وأذهب عَنْهُم الحمية {وَأَلْزَمَهُمْ} ألهمهم {كَلِمَةَ التَّقْوَى} لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا} بِلَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فِي علم الله {وَأَهْلَهَا} وَكَانُوا أَهلهَا فِي الدُّنْيَا {وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْكَرَامَة للْمُؤْمِنين {عليما}

ص: 434

{لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ} حقق الله لرَسُوله {الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} بِالصّدقِ حَيْثُ قَالَ النبى صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابه {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَآءَ الله آمِنين} من الْعَدو {مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} من الْعَدو فوفى الله على مَا قَالَ النبى صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابه {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} فَعلم الله أَن يكون إِلَى السّنة الْقَابِلَة وَلم تعلمُوا أَنْتُم ذَلِك {فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِك} من قبل ذَلِك {فَتْحاً قَرِيباً} سَرِيعا يَعْنِي فتح خَيْبَر

ص: 434

{هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {بِالْهدى} بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال بِالْقُرْآنِ {وَدِينِ الْحق} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله {لِيُظْهِرَهُ} ليعليه {عَلَى الدّين كُلِّهِ} على الْأَدْيَان كلهَا فَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا مُسلم أَو مسالم {وَكفى بِاللَّه شَهِيداً} بِأَن لَا إِلَه إِلَّا الله

ص: 434

{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} من غير شَهَادَة سُهَيْل بن عَمْرو {وَالَّذين مَعَهُ} يَعْنِي أَبَا بكر أول من آمن بِهِ وَقَامَ مَعَه يَدْعُو الْكفَّار إِلَى دين الله {أَشِدَّآءُ عَلَى الْكفَّار} بالغلظة وَهُوَ عمر كَانَ شَدِيدا على أَعدَاء الله قَوِيا فِي دين الله ناصراً لرَسُول الله {رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} متوادون فِيمَا بَينهم بارون وَهُوَ عُثْمَان بن عَفَّان كَانَ باراً على الْمُسلمين بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِم رحِيما بهم {تَرَاهُمْ رُكَّعاً} فِي الصَّلَاة {سُجَّداً} فِيهَا وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه كَانَ كثير الرُّكُوع وَالسُّجُود {يَبْتَغُونَ} يطْلبُونَ {فَضْلاً} ثَوابًا {مِّنَ الله وَرِضْوَاناً} مرضاة رَبهم بِالْجِهَادِ وهم طَلْحَة وَالزُّبَيْر كَانَا غليظين على أَعدَاء الله شديدين عَلَيْهِم {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} عَلامَة السهر فِي وُجُوههم {مِّنْ أَثَرِ السُّجُود} من كَثْرَة السُّجُود بِاللَّيْلِ وهم سلمَان وبلال وصهيب وأصحابهم {ذَلِك مَثَلُهُمْ} هَكَذَا صفتهمْ {فِي التَّوْرَاة وَمَثَلُهُمْ} صفتهمْ {فِي الْإِنْجِيل كزرع} وَهُوَ النبى صلى الله عليه وسلم {أَخْرَجَ} أَي الله {شَطْأَهُ} فِرَاخه وَهُوَ أَبُو بكر أول من آمن بِهِ وَخرج مَعَه على أَعدَاء الله {فَآزَرَهُ} فأعانه وَهُوَ عمر أعَان النبى صلى الله عليه وسلم بِسَيْفِهِ على أَعدَاء الله {فاستغلظ} فتقوى بِمَال عُثْمَان على الْغَزْو وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله {فَاسْتَوَى على سُوقِهِ} فَقَامَ على إِظْهَار أمره فِي قُرَيْش بعلي بن أبي طَالب {يُعْجِبُ الزراع} أعجب النبى صلى الله عليه وسلم بطلحة وَالزُّبَيْر {لِيَغِيظَ بِهِمُ} بطلحة وَالزُّبَيْر {الْكفَّار} وَيُقَال نزلت من قَوْله وَالَّذين مَعَهُ إِلَى هَهُنَا فِي مِدْحَة أهل بيعَة الرضْوَان وَجُمْلَة أَصْحَاب النبى صلى الله عليه وسلم المخلصين المطيعين لله {وَعَدَ الله الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {مِنْهُم مَّغْفِرَةً} أَي لَهُم مغْفرَة لذنوبهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَأَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فى الْجنَّة

ص: 434

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الحجرات وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَمَان عشرَة آيَة وكلماتها ثلثمِائة وَثَلَاث وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ص: 435

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله} لَا تتقدموا بقول وَلَا بِفعل حَتَّى إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي يَأْمُركُمْ وينهاكم وَيُقَال لَا بقتل وَلَا بذبيحة يَوْم النَّحْر بَين يَدي الله {وَرَسُولِهِ} دون أَمر الله وَأمر رَسُوله وَيُقَال لَا تخالفوا الله وَلَا تخالفوا الرَّسُول وَيُقَال لَا تخالفوا كتاب الله وَلَا تخالفوا سنة رَسُول الله {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَن تَفعلُوا وَتَقولُوا دون أَمر الله وَأمر رَسُوله وَأَن تخالفوا كتاب الله وَسنة رَسُوله {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالتكم (عَلِيمٌ) بأعمالكم نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَلَاثَة نفر من أَصْحَاب النبى صلى الله عليه وسلم قتلوا رجلَيْنِ من بني سليم فِي صلح رَسُول الله بِغَيْر أَمر الله وَأمر رَسُوله فنهاهم الله عز وجل وَقَالَ لَا تقدمُوا بَين يَدي الله دون أَمر الله وَأمر رَسُوله إِن الله سميع لمقالة الرجلَيْن عليم بِمَا اقترفا وَكَانَ قَوْلهم لَو كَانَ هَكَذَا لَكَانَ كَذَا فنهاهم الله عَن ذَلِك

ص: 435

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} نزلت فِي ثَابت بن قيس بن شماس يرفع صَوته عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين قدم وَفد بني تَمِيم فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي ثَابتا {لَا تَرفعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوت النَّبِي} صلى الله عليه وسلم لَا تشدوا كلامكم عِنْد كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم {وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُ بالْقَوْل} لَا تَدعُوهُ باسمه {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} كدعاء بَعْضكُم لبَعض باسمه وَلَكِن عظموه ووقروه وشرفوه وَقُولُوا لَهُ يَا نَبِي الله وَيَا رَسُول الله وَيَا أَبَا الْقَاسِم {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} لكيلا تبطل حسناتكم بترككم الْأَدَب وَحُرْمَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُم لَا تشعرون لَا تعلمُونَ بحبطها

ص: 435

{إِنَّ الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ} نزلت أَيْضا فِي ثَابت بن قيس بن شماس بعد مَا نَهَاهُ الله عَن رفع الصَّوْت {عِندَ رَسُولِ الله} صلى الله عليه وسلم فمدحه بعد ذَلِك بخفض صَوته عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِن الَّذين يَغُضُّونَ يكفون ويخفضون أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله {أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ} صفى الله وطهر الله قُلُوبهم {للتقوى} من الْمعْصِيَة وَيُقَال أخْلص الله قُلُوبهم للتوحيد {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة

ص: 435

{إَنَّ الَّذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات} نزلت هَذِه الْآيَة فِي قوم من بني عنبر حى من خُزَاعَة بعث النبى صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِم سَرِيَّة وَأمر عَلَيْهِم عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ فَسَار إِلَيْهِم فَلَمَّا بَلغهُمْ أَنه خرج إِلَيْهِم فروا وَتركُوا عِيَالهمْ وَأَمْوَالهمْ فسبى دراريهم وَجَاء بهم إِلَى النبى صلى الله عليه وسلم فَجَاءُوا ليفادوا ذَرَارِيهمْ فَدَخَلُوا الْمَدِينَة عِنْد القيلولة فَنَادوا النبى صلى الله عليه وسلم يَا مُحَمَّد اخْرُج إِلَيْنَا وَكَانَ نَائِما فذمهم الله بذلك فَقَالَ إِن الَّذين يُنَادُونَك يدعونك من وَرَاء الحجرات من خلف حجرات نسَاء النبى صلى الله عليه وسلم {أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لَا يَعْقِلُونَ} لَا يفهمون أَمر الله وتوحيده وَلَا حُرْمَة رَسُول الله

ص: 435

{وَلَوْ أَنَّهُمْ} بني عنبر

ص: 435

{صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} إِلَى الصَّلَاة {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} لأعتق ذَرَارِيهمْ ونساءهم كلهم ففدى النبى صلى الله عليه وسلم نصفهم وَأعْتق نصفهم {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ مِنْهُم {رَحِيم} حِين لم يعجلهم بالعقوبة

ص: 436

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} نزلت هَذِه الْآيَة فى الْوَلِيد بن عقبَة ابْن أَبى معيط بَعثه النبى صلى الله عليه وسلم إِلَى بني المصطلق ليجيء بِصَدَقَاتِهِمْ فَرجع من الطَّرِيق وَجَاء بِخَبَر قَبِيح وَقَالَ انهم أَرَادوا قَتْلَى فَأَرَادَ النبى صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه أَن يغزوهم فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن إِن جَاءَكُم فَاسق مُنَافِق الْوَلِيد بن عقبَة بِنَبَأٍ بِخَبَر عَن بني المصطلق {فَتَبَيَّنُوا} قفوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم مَا جَاءَ بِهِ أصدق هُوَ أم كذب {أَن تُصِيبُواْ} لكَي لَا تقتلُوا {قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ} فتصيروا {على مَا فَعَلْتُمْ} بِقَتْلِهِم {نَادِمِينَ}

ص: 436

{وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ فِيكُمْ} مَعكُمْ {رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمر} فِيمَا تأمرونه {لَعَنِتُّمْ} لأثمتم {وَلَكِن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان} الْإِقْرَار بِاللَّه وبالرسول {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} حسنه إِلَى قُلُوبكُمْ {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ} بغض إِلَيْكُم {الْكفْر} الْجُحُود بِاللَّه وَالرَّسُول {والفسوق} النِّفَاق {والعصيان} جملَة الْمعاصِي {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمُ الراشدون} المهتدون

ص: 436

{فَضْلاً مِّنَ الله} منّا من الله عَلَيْهِم {وَنِعْمَةً} رَحْمَة {وَالله عَلِيمٌ} بكرامة الْمُؤمنِينَ {حَكِيمٌ} فِيمَا جعل فِي قُلُوبهم حب الْإِيمَان وبغض الْكفْر والفسوق والعصيان

ص: 436

{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق وَأَصْحَابه وَعبد الله بن رَوَاحَة المخلص وَأَصْحَابه فِي كَلَام كَانَ بَينهمَا فتنازعا واقتتل بَعضهم بَعْضًا فنهاهم الله عَن ذَلِك وَأمرهمْ بِالصُّلْحِ فَقَالَ وَإِن طَائِفَتَانِ فرقتان من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا قَاتل بَعضهم بَعْضًا {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} بِكِتَاب الله {فَإِن بَغَتْ} استطالت وظلمت {إِحْدَاهُمَا} قوم عبد الله بن أبي ابْن سلول {على الْأُخْرَى} على قوم عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ وَلم يرجع إِلَى الصُّلْح بِالْقُرْآنِ {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي} تستطيل وتظلم {حَتَّى تفيء} ترجع {إِلَى أَمْرِ الله} إِلَى الصُّلْح بِكِتَاب الله (فَإِن فَآءَتْ) رجعت إِلَى الصُّلْح بِكِتَاب الله {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وأقسطوا} اعدلوا بَينهمَا {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} العادلين بِكِتَاب الله العاملين بِهِ

ص: 436

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} فِي الدّين {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} بِكِتَاب الله {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم من الصُّلْح {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا

ص: 436

{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} نزلت هَذِه الْآيَة فى ثَابت ابْن قيس بن شماس حَيْثُ ذكر رجلا من الْأَنْصَار بِسوء ذكر أما كَانَت لَهُ يعير بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي ثَابتا لَا يسخر قوم من قوم على قوم {عَسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُم} عِنْد الله أفضل نَصِيبا {وَلَا نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ} نزلت هَذِه الْآيَة فى امْرَأتَيْنِ من نسَاء النبى صلى الله عليه وسلم سخرتا بِأم سَلمَة زوج النبى صلى الله عليه وسلم فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ وَلَا نسَاء من نسَاء {عَسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ} عِنْد الله وَأفضل نَصِيبا {وَلَا تلمزوا أَنفُسَكُمْ} لَا تعيبوا أَنفسكُم يَعْنِي إخْوَانكُمْ من الْمُؤمنِينَ وَلَا تطعنوا بَعْضكُم بَعْضًا بالغيبة {وَلَا تَنَابَزُواْ بِالْأَلْقَابِ} لَا تطعنوا بَعْضكُم بَعْضًا باللقب وَاسم الْجَاهِلِيَّة {بِئْسَ الِاسْم الفسوق} بئس التَّسْمِيَة لأخيك يَا يَهُودِيّ وَيَا نَصْرَانِيّ وَيَا مَجُوسِيّ {بَعْدَ الْإِيمَان} بعد مَا آمن وَترك ذَلِك {وَمَن لَّمْ يَتُبْ} من تَسْمِيَة أَخِيه يَا يَهُودِيّ وَيَا نَصْرَانِيّ وَيَا مَجُوسِيّ والتلقب والتنابز بعد الْإِيمَان {فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ} الضارون لأَنْفُسِهِمْ بالعقوبة نزلت هَذِه الْآيَة

ص: 436

فِي أبي بردة بن مَالك الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ إِذْ تنَازعا فِي ذَلِك فَنَهَاهُمَا الله عَن ذَلِك

ص: 437

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظَّن} نزلت هَذِه الْآيَة فى رجلَيْنِ من أَصْحَاب النبى صلى الله عليه وسلم اغتابا صاحبا لَهما وَهُوَ سلمَان وظنا بأسامة خَادِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ظن السوء وتجسسا هَل عِنْده مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة أَن أعطهما فنهاهم الله عَن ذَلِك الظَّن والتجسس والغيبة فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن اجتنبوا كثيرا من الظَّن مِمَّا تظنون بأخيكم من مدخله ومخرجه {إِنَّ بَعْضَ الظَّن} ظن السوء وتخفونه {إِثْمٌ} مَعْصِيّة وَهُوَ مَا ظن رجلَانِ بأسامة بن زيد {وَلَا تَجَسَّسُواْ} وَلَا تبحثوا عَن عيب أخيكم وَلَا تَطْلُبُوا مَا ستر الله عَلَيْهِ وَهُوَ مَا تجسس الرّجلَانِ {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} وَهُوَ مَا اغتاب الرّجلَانِ بِهِ سلمَان {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} حَرَامًا بِغَيْر الضَّرُورَة {فكرهتموه} تحرموا أكل الْميتَة بِغَيْر الضَّرُورَة وَكَذَلِكَ الْغَيْبَة فحرموها {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَن تَغْتَابُوا أحدا {إِنَّ الله تَوَّابٌ} متجاوز لمن تَابَ من الْغَيْبَة {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

ص: 437

{يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُم} نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَابت بن قيس بن شماس حَيْثُ قَالَ لرجل أَنْت ابْن فُلَانَة وَيُقَال نزلت فِي بِلَال مُؤذن النبى صلى الله عليه وسلم وَنَفر من قُرَيْش سُهَيْل بن عَمْرو والْحَارث بن هِشَام وَأبي سُفْيَان بن حَرْب قَالُوا لِبلَال عَام فتح مَكَّة حَيْثُ سمعُوا أَذَان بِلَال مَا وجد الله وَرَسُوله رَسُولا غير هَذَا الْغُرَاب فَقَالَ الله يأيها النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ {مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى} من آدم وحواء {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً} يَعْنِي الأفخاذ {وَقَبَآئِلَ} يعْنى رُءُوس الْقَبَائِل وَيُقَال شعوباً موَالِي وقبائل عربا {لتعارفوا} لكَي تعرفوا إِذا سئلتم مِمَّن أَنْتُم فتقولوا من قُرَيْش من كِنْدَة من تَمِيم من بجيلة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ} فِي الْآخِرَة {عَندَ الله} يَوْم الْقِيَامَة {أَتْقَاكُمْ} فِي الدُّنْيَا هُوَ بِلَال {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بحسبكم ونسبكم {خَبِيرٌ} بأعمالكم وبإكرامكم عِنْد الله

ص: 437

{قَالَتِ الْأَعْرَاب آمَنَّا} نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني أَسد أَصَابَتْهُم سنة شَدِيدَة فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَام متوافرين بِأَهَالِيِهِمْ وذراريهم وَجَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ ليصيبوا من فَضله فغلوا أسعار الْمَدِينَة وأفسدوا طرقها بالعذرات وَكَانُوا منافقين يَقُولُونَ أطعمنَا وَأَكْرمنَا يَا رَسُول الله فَإنَّا مخلصون مصدقون فِي إيمَاننَا وَكَانُوا منافقين فِي دينهم كاذبين فِي قَوْلهم فَذكر الله مقالتهم فَقَالَ قَالَت الْأَعْرَاب بَنو أَسد آمنا صدقنا فِي إيمَاننَا بِاللَّه وَرَسُوله {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَّمْ تُؤْمِنُواْ} لم تصدقوا فِي إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} أَي استسلمنا من السَّيْف والسبي {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَان} لم يدْخل حب الْإِيمَان وتصديق الْإِيمَان {فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ كَمَا أطعتموهما فِي الْعَلَانِيَة وتتوبوا من الْكفْر والسر والنفاق {لَا يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ} لَا ينقصكم من ثَوَاب حسناتكم {شَيْئاً إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ مِنْكُم {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة

ص: 437

ثمَّ بَين نعت الْمُؤمنِينَ المصدقين فِي إِيمَانهم فَقَالَ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} المصدقون فِي إِيمَانهم {الَّذين آمَنُواْ بِاللَّه} صدقُوا فِي إِيمَانهم بِاللَّه {وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} لم يشكوا فِي إِيمَانهم {وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله} فِي طَاعَة الله {أُولَئِكَ هُمُ الصادقون} المصدقون فِي إِيمَانهم وجهادهم

ص: 437

{قُلْ} يَا مُحَمَّد لبني أَسد {أَتُعَلِّمُونَ الله} أتخبرون الله {بِدِينِكُمْ} الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ أمصدقون بِهِ أم مكذبون {وَالله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} مَا فِي قُلُوب أهل السَّمَوَات وَمَا فِي قُلُوب أهل الأَرْض {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} من سر أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض

ص: 437

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} يَا مُحَمَّد بَنو أَسد {أَنْ أَسْلَمُواْ} وَهُوَ قَوْلهم أطعمنَا وَأَكْرمنَا يَا رَسُول الله فقد أسلمنَا متوافرين {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَاّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلَامَكُم} بإسلامكم {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} بل لله الْمِنَّة عَلَيْكُم {أَنْ هَداكُمْ} أَن دعَاكُمْ {لِلإِيمَانِ} لتصديق الْإِيمَان {إِنُ كُنتُمْ صَادِقِينَ} بِأَنا

ص: 437