المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانسان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها - تنوير المقباس من تفسير ابن عباس

[الفيروزآبادي]

الفصل: وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانسان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها

وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانسان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها مِائَتَان وَأَرْبَعُونَ كلمة وحروفها ألف وَأَرْبع وَخَمْسُونَ

{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

ص: 495

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى‌

‌ الْإِنْسَان}

يَقُول أَتَى على آدم {حِينٌ مِّنَ الدَّهْر} أَرْبَعُونَ سنة مخلوقاً مصوراً {لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} يذكر وَلَا يدرى مَا هُوَ وَمَا اسْمه وَمَا يُرَاد بِهِ إِلَّا الله

ص: 495

{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي ولد آدم {مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} من نُطْفَة آدم وحواء وَيُقَال أمشاج يَعْنِي الألوان مختلطاً مَاء الرجل أَبيض غليظ وَمَاء الْمَرْأَة أصفر رَقِيق فَالْوَلَد يكون مِنْهُمَا {نَّبْتَلِيهِ} نختبره بالشدة والرخاء وَيُقَال نختبره بِالْخَيرِ وَالشَّر {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} فَجعلنَا لَهُ السّمع لكَي يسمع بِهِ الْحق وَالْهدى وَالْبَصَر لكَي يبصر بِهِ الْحق وَالْهدى وَيُقَال نبتليه نختبره بِالْخَيرِ وَالشَّر وَالْكفْر وَالْإِيمَان مقدم ومؤخر

ص: 495

{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل} بَينا لَهُ طَرِيق الْإِيمَان وَالْكفْر وَالْخَيْر وَالشَّر {إِمَّا شَاكِراً} مُؤمنا {وَإِمَّا كَفُوراً} كَافِرًا وَيُقَال إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا

ص: 495

{إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ} أبي جهل وَأَصْحَابه {سَلَاسِلَ وَأَغْلَالاً} فِي النَّار {وَسَعِيراً} نَارا وقوداً

ص: 495

{إِنَّ الْأَبْرَار} المصدقين فِي إِيمَانهم المطيعين لله {يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ} يشربون فِي الْجنَّة من خمر {كَانَ مِزَاجُهَا} خلطها {كَافُوراً}

ص: 495

{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا} مِنْهَا {عِبَادُ الله} أَوْلِيَاء الله {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} يمزجونها تمزيجاً وَيُقَال يفجرون عين الكافور حَيْثُمَا يشاءون فِي الْجنَّة إِلَى مَنَازِلهمْ وقصورهم

ص: 495

ثمَّ وصف نعتهم إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ الله {يُوفُونَ بِالنذرِ} بالعهد وَالْحلف بِاللَّه وَيُقَال يتمون الْفَرَائِض {وَيَخَافُونَ يَوْماً} عَذَاب يَوْم {كَانَ شَرُّهُ} عَذَابه {مُسْتَطِيراً} فاشياً

ص: 495

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام على حُبِّهِ} على قلته وشهوته {مِسْكِيناً وَيَتِيماً} من الْمُسلمين {وَأَسِيراً} من الْمُسلمين فِي أَيدي الْمُشْركين وَيُقَال أهل السجْن

ص: 495

{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَلم يتكلموا بِهِ وَلَكِن أخبر الله عَن صدق قُلُوبهم فَقَالَ إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله لثواب الله وكرامته {لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً} مُكَافَأَة تجازوننا بِهِ {وَلَا شُكُوراً} محمدة تحمدوننا بِهِ

ص: 495

{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا} من عَذَاب رَبنَا {يَوْماً عَبُوساً} كلوحاً {قَمْطَرِيراً} شَدِيدا يَقُول شَدِيد عَذَاب ذَلِك الْيَوْم وهوله وَيُقَال هُوَ تعبس الْوَجْه

ص: 495

{فَوَقَاهُمُ الله} دفع عَنْهُم {شَرَّ ذَلِك الْيَوْم} عَذَاب ذَلِك الْيَوْم {وَلَقَّاهُمْ} أَعْطَاهُم {نَضْرَةً} حسن الْوُجُوه والبهاء {وَسُرُوراً} فَرحا فِي الْقلب

ص: 495

{وَجَزَاهُمْ} أَعْطَاهُم {بِمَا صَبَرُواْ} فِي الدُّنْيَا على الْفقر والمرازي {جَنَّةً وَحَرِيراً}

ص: 495

{مُّتَّكِئِينَ فِيهَا} جالسين ناعمين فِي الْجنَّة {على الأرائك} على السرر فِي الحجال فَلَا تكون أريكة إِلَّا إِذا اجْتمعَا فَإِذا تفَرقا فَلَيْسَ بأريكة {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً} يَقُول لَا يصيبهم حر الشَّمْس وَلَا برد الزَّمْهَرِير

ص: 495

{وَدَانِيَةً} قريبَة {عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا} ظلال الشّجر {وَذُلِّلَتْ} سخرت وَقربت {قُطُوفُهَا} ثَمَرهَا {تَذْلِيلاً} تسخيراً

ص: 495

{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ} كيزان بِلَا آذان وَلَا عرا {كَانَتْ قواريرا}

ص: 495

{قَوَارِير مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا} على أكف الغلمان {تَقْدِيراً} وَيُقَال قدرُوا الشَّرَاب فِيهَا تَقْديرا لَا يفضل وَلَا يعجز

ص: 495

{وَيُسْقَوْنَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {كَأْساً} خمرًا {كَانَ مِزَاجُهَا} خلطها {زَنجَبِيلاً}

ص: 495

{عَيْناً فِيهَا} فِي الْجنَّة {تسمى} تِلْكَ الْعين {سَلْسَبِيلاً} وَيُقَال سل الله إِلَيْهَا سَبِيلا

ص: 495

{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {وِلْدَانٌ} وصفاء {مُّخَلَّدُونَ} فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون وَيُقَال محلون {إِذَا رَأَيْتَهُمْ} لَو رَأَيْتهمْ يَا مُحَمَّد {حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً} فِي الصفاء وَيُقَال كثيرا قد نثر عَلَيْهِم

ص: 496

{وَإِذَا رَأَيْتَ} يَا مُحَمَّد {ثَمَّ} فِي الْجنَّة {رَأَيْتَ} لأَهْلهَا {نَعِيماً} دَائِما {وَمُلْكاً كَبِيراً} لَا يدْخل عَلَيْهِم أحد إِلَّا بِالسَّلَامِ والاستئذان

ص: 496

{عَالِيَهُمْ} على أكتافهم إِن قَرَأت بِالْألف {ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} مَا لطف من الديباج {وَإِسْتَبْرَقٌ} مَا ثخن من الديباج {وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} ألبسوا أقبية من فضَّة {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} من الدنس وَيُقَال يطهرهم من الغل والغش والعداوة

ص: 496

{إِنَّ هَذَا} الَّذِي وصفت من الطَّعَام وَالشرَاب واللباس {كَانَ لَكُمْ جَزَآءً} ثَوابًا من الله {وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} عَمَلكُمْ مَقْبُولًا فِي الزِّيَادَة

ص: 496

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآن} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {تَنزِيلاً} مُتَفَرقًا آيَة وآيتين وَسورَة

ص: 496

{فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} على قَضَاء رَبك وَيُقَال على تَبْلِيغ رِسَالَة رَبك {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ} من كفار قُرَيْش {آثِماً} فَاجِرًا كذابا يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {أَو كفورا} كَافِر بِاللَّه وَهُوَ عتبَة بن ربيعَة

ص: 496

{وَاذْكُر اسْم رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} غدْوَة وعشياً يَعْنِي صَلَاة الْفجْر وَالظّهْر وَالْعصر

ص: 496

{وَمِنَ اللَّيْل فاسجد لَهُ} فصل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} صل لَهُ فِي اللَّيْل وَهُوَ التَّطَوُّع وَيُقَال كَانَ خَاصَّة عَلَيْهِ دون أَصْحَابه صَلَاة اللَّيْل

ص: 496

{إِنَّ هَؤُلَاءِ} أهل مَكَّة {يُحِبُّونَ العاجلة} الْعَمَل للدنيا {وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ} يتركون الْعَمَل لما أمامهم {يَوْمًا ثقيلا} شَدِيدا هُوَ لَهُ وعذابه

ص: 496

{نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ} قوينا خلقهمْ {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ} يَعْنِي أهلكناهم {تبديلا} إهلاكا يَقُول لوشئنا لأهلكنا هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة الفجرة وبدلنا خيرا مِنْهُم وأطوع لله

ص: 496

{إِنَّ هَذِه} السُّورَة {تَذْكِرَةٌ} عظة من الله {فَمَن شَآءَ اتخذ إِلَى رَبِّهِ} فَمن شَاءَ وحد وَاتخذ بذلك إِلَى ربه {سَبِيلا} مرجعا

ص: 496

{وَمَا تشاؤون} من الْخَيْر وَالشَّر وَالْكفْر وَالْإِيمَان {إِلَاّ أَن يَشَاء الله} لكم أَن تشاءوا ذَلِك {إِن الله كَانَ عليما} بِمَا تشاءون من الْخَيْر وَالشَّر {حَكِيماً} حكم أَن لَا تشاءوا من الْخَيْر وَالشَّر إِلَّا مَا يَشَاء

ص: 496

{يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ} يكرم من يَشَاء بدين الْإِسْلَام من كَانَ أَهلا لذَلِك {والظالمين} الْكَافرين الْمُشْركين {أَعَدَّ لَهُمْ} عذَابا قَرِيبا فِي الْآخِرَة {عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم

ص: 496