الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْمه وَلَكِن عظموه ووقروه وشرفوه وَقُولُوا لَهُ يَا نَبِي الله وَيَا رَسُول الله وَيَا أَبَا الْقَاسِم {قَدْ يَعْلَمُ الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ} يخرجُون مِنْكُم من الْمَسْجِد {لِوَاذاً} يلوذ بَعْضكُم بَعْضًا وَكَانَ المُنَافِقُونَ إِذا خَرجُوا من الْمَسْجِد خَرجُوا بِغَيْر إِذن إِذا لم يرهم أحد {فَلْيَحْذَرِ الَّذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} عَن أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَيُقَال عَن أَمر الله {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} بلية {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} بِالضَّرْبِ
{أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْخلق {قَدْ يَعْلَمُ} أَي يعلم الله {مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} من الْكفْر وَالْإِيمَان والتصديق والتكذيب وَالْإِخْلَاص والنفاق والاستقامة والميل وَغير ذَلِك {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ} إِلَى الله وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {فَيُنَبِّئُهُمْ} يُخْبِرهُمْ الله {بِمَا عَمِلُواْ} فِي الدُّنْيَا {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {عَلِيمُ} وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفرْقَان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وَتسْعُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَاثْنَتَانِ وَتسْعُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة وَسِتُّونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {تبَارك} يَقُول ذُو بركَة وَيُقَال تبارك وتعالى وارتفع وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {الَّذِي نَزَّلَ
الْفرْقَان}
نزل جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {على عَبْدِهِ} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {ليَكُون} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {لِلْعَالَمِينَ} الْجِنّ وَالْإِنْس {نَذِيراً} رَسُولا مخوفا بِالْقُرْآنِ
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ} خَزَائِن {السَّمَاوَات} الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} كَمَا قَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ} كَمَا قَالَ مُشْرِكُوا الْعَرَب فيماريه {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} عبدوه وَغير مَا عبدوه {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} فَقدر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم بالتقدير وَيُقَال قدر لكل ذكر أُنْثَى
{وَاتَّخذُوا} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {مِن دُونِهِ} من دون الله {آلِهَةً} يعبدونها {لَاّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً} لَا يقدرُونَ أَن يخلقوا شَيْئا {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وَهِي مخلوقة منحوتة يَعْنِي الْأَصْنَام {وَلَا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {ضَرّاً} دفع الضَّرَر {وَلَا نَفْعاً} جر النَّفْع إِلَى أنفسهم وَلَا إِلَى غَيرهم {وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً} لَا يقدرُونَ أَن ينقصوا من الْحَيَاة {وَلَا حَيَاةً} وَلَا أَن يزِيدُوا فِي الْحَيَاة وَيُقَال وَلَا يملكُونَ موتا لَا يقدرُونَ أَن يخلقوا نُطْفَة وَلَا حَيَاة وَلَا أَن يجْعَلُوا فِيهَا الرّوح {وَلَا نُشُوراً} بعثاً بعد الْمَوْت
{وَقَالَ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الْقُرْآن {إِلَاّ إِفْكٌ} كذب {افتراه} اختلقه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من تِلْقَاء نَفسه {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ} على اختلاقه {قَوْمٌ آخَرُونَ} جبر ويسار وَأَبُو فكيهة الرُّومِي {فقد جاؤوا ظُلْماً} شركا {وَزُوراً} كذبا
{وَقَالُوا} يَعْنِي النَّضر وَأَصْحَابه {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} هَذَا الْقُرْآن أَحَادِيث الْأَوَّلين فِي دهرهم وكذبهم {اكتتبها} استقرأها مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من جبر ويسار {فَهِيَ تملى عَلَيْهِ} تقْرَأ على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} غدْوَة وعشياً
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَنزَلَهُ} يَعْنِي أنزل جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {الَّذِي يَعْلَمُ السِّرّ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً}
لمن تَابَ مِنْهُم {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
{وَقَالُواْ} أَبُو جهل وَأَصْحَابه وَالنضْر وَأَصْحَابه وَأُميَّة بن خلف وَأَصْحَابه {مَا لهَذَا الرَّسُول} مَا هَذَا الرَّسُول {يَأْكُلُ الطَّعَام} كَمَا نَأْكُل {وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق} يتَرَدَّد وَيَمْشي فِي الطَّرِيق كَمَا نتردد ونمشي {لَوْلَا} هلا {أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} معينا يُخبرهُ بِمَا يُرَاد بِهِ من سوء
{أوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ} أَو ينزل عَلَيْهِ مَال فيستعين بِهِ {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} بُسْتَان {يَأْكُلُ مِنْهَا} فيشبع {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ أَبُو جهل وَالنضْر وَأُميَّة وأصحابهم {إِن تَتَّبِعُونَ} مُحَمَّدًا لَا تتبعون {إِلَاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} مغلوب الْعقل مَجْنُونا
{انْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الْأَمْثَال} كَيفَ بينوا وَسموا لَك الْأَسْمَاء سَاحر وكاهن وَكَذَّاب وشاعر وَمَجْنُون وَيُقَال كَيفَ شبهوكم بالمسحور {فضلوا} فضلت حيلهم فأخطئوا {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} مخرجا مِمَّا قَالُوا فِيك وَلَا حجَّة على مَا قَالُوا لَك
{تَبَارَكَ} يَقُول تَعَالَى {الَّذِي إِن شَآءَ} قد شَاءَ {جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِك} مِمَّا قَالُوا {جَنَّاتٍ} بساتين فِي الْآخِرَة {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً} وَقد جعل لَك قصوراً فِي الْجنَّة من الذَّهَب وَالْفِضَّة خيرا لَك مِمَّا قَالُوا لَو كَانَ ذَلِك فِي الدُّنْيَا وَيُقَال إِن شَاءَ الله يَجْعَل لَك فِي الدُّنْيَا مَا قَالُوا من الْقُصُور والبساتين يَعْنِي يفتح لَك الْحُصُون والمدائن فِي الشرق والغرب برغم الْكفَّار
{بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة} وَلَكِن كذبُوا بِقِيَام السَّاعَة {وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة} بِقِيَام السَّاعَة {سَعِيراً} نَارا وقودا
{إِذَا رَأَتْهُمْ} النَّار {مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} من مسيرَة خَمْسمِائَة عَام {سَمِعُواْ لَهَا} للنار {تَغَيُّظاً} كتغيظ بني آدم {وَزَفِيراً} صَوتا كصوت الْحمار
{وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا} فِي النَّار ألقوا {مَكَاناً ضَيِّقاً} كضيق الزج فِي الرمْح {مُّقَرَّنِينَ} مسلسلين مَعَ الشَّيَاطِين {دَعَوْاْ هُنَالِكَ} عِنْد ذَلِك التضيق {ثُبُوراً} ويلا يَقُولُونَ واويلاه واثبوراه
يَقُول الله لَهُم {لَاّ تَدْعُواْ الْيَوْم ثُبُوراً وَاحِداً} ويلا وَاحِدًا {وَادعوا ثُبُوراً كَثِيراً} بِمَا أَصَابَكُم
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة لأبي جهل وَأَصْحَابه {أذلك} الَّذِي ذكرت من الويل وَالثُّبُور والسعير {خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخلد} لمُحَمد وَأَصْحَابه {الَّتِي وُعِدَ المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {كَانَتْ} صَارَت {لَهُمْ} جنَّة الْخلد {جَزَآءً وَمَصِيراً} فِي الْآخِرَة
{لَهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {مَا يَشَآؤونَ} مَا يتمنون ويشتهون {خَالِدِينَ} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون {كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مسؤولا} سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ
{وَيَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نحشرهم} يَعْنِي عَبدة الْأَوْثَان {وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَصْنَام {فَيَقُولُ} الله للأصنام وَيُقَال للْمَلَائكَة {أأنتم أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ} عَن طَاعَتي وأمرتموهم بعبادتكم {أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيل} طرقوا الطَّرِيق وعبدوكم بهوى أنفسهم
{قَالُواْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {سُبْحَانَكَ} نزهوه {مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ} يسْتَحق لنا {أَن نَّتَّخِذَ} نعْبد {مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا وَيُقَال قَالُوا يَعْنِي الْمَلَائِكَة سُبْحَانَكَ نزهوه مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا لَا يجوز لنا أَن نتَّخذ نعْبد من دُونك من أَوْلِيَاء أَرْبَابًا فَكيف جَازَ لنا أَن نأمرهم بِأَن يعبدونا {وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ} أجلتهم فِي الْكفْر {وَآبَآءَهُمْ} قبلهم {حَتَّى نَسُواْ الذّكر} حَتَّى تركُوا التَّوْحِيد وطاعتك
{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ} يَعْنِي الْكفَّار {صَرْفاً} صرف الْمَلَائِكَة وَيُقَال صرف الْأَصْنَام عَن شَهَادَتهم عَلَيْهِم أَو صرف الْعَذَاب عَن أنفسهم {وَلَا نَصْراً} منعا {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ} يكفر مِنْكُم يَا معشر الْمُؤمنِينَ وَيُقَال من يَسْتَقِيم مِنْكُم على الْكفْر يَا معشر الْكفَّار {نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} فِي النَّار
{وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} يَا مُحَمَّد {مِنَ الْمُرْسلين إِلَاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام} كَمَا تَأْكُل جَوَابا لقَولهم مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام {وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق} فِي الطّرق كَمَا تمشي {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} بلية ابتلينا الْعَرَبِيّ بالمولى والشريف بالوضيع والغني بالفقير يَقُول الله لأبي جهل وَأَصْحَابه {أَتَصْبِرُونَ} مَعَ النبى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم سلمَان وَأَصْحَابه حَتَّى تَكُونُوا مَعَهم فِي الدّين وَالْأَمر سَوَاء شرعا تجلسون مَعَهم {وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} بِأَنَّهُم لَا يصبرون على ذَلِك وَيُقَال أَتَصْبِرُونَ يَا معشر أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم على أذاهم حَتَّى أوفيكم ثَوَاب الصابرين وَكَانَ رَبك بَصيرًا بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن مِنْهُم
{وَقَالَ الَّذين لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} الْبَعْث بعد الْمَوْت يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {لَوْلَا أُنْزِلَ} هلا أنزل {عَلَيْنَا الْمَلَائِكَة} فيخبرون بِأَن الله أرسلك إِلَيْنَا {أَوْ نرى رَبَّنَا} فنسأله عَنْك {لَقَدِ استكبروا فِي أَنفُسِهِمْ} عَن الْإِيمَان حَيْثُ سَأَلُوا رُؤْيَة الرب {وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} أَبَوا عَن الْإِيمَان إباء كَبِيرا وَيُقَال اجترءوا اجتراء كَبِيرا حَيْثُ سَأَلُوا نزُول الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم
{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة} عِنْد الْمَوْت {لَا بشرى} تَقول لَهُم الْمَلَائِكَة لَا بشرى {يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} للْمُشْرِكين بِالْجنَّةِ {وَيَقُولُونَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {حِجْراً مَّحْجُوراً} حرما محرما الْبُشْرَى بِالْجنَّةِ على الْكَافرين وَيُقَال وَيَقُولُونَ يَعْنِي الْكفَّار عِنْد رُؤْيَة الْمَلَائِكَة حجرا مَحْجُورا بعدا بَعيدا بَيْننَا وَبَيْنكُم
{وَقَدِمْنَآ} عمدنا {إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ} خير فِي الدُّنْيَا {فَجَعَلْنَاهُ} فِي الْآخِرَة {هَبَآءً مَّنثُوراً} كتراب من حوافر الدَّوَابّ وَيُقَال كشيء يحول فِي ضوء الشَّمْس إِذا دخلت فِي كوَّة يرى وَلَا يُسْتَطَاع أَن يمس
{أَصْحَاب الْجنَّة} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَاب {يَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً} منزلا {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} مبيتاً من منزل أبي جهل وَأَصْحَابه ومبيتهم
{وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام} لنزول الرب بِلَا كَيفَ {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنزِيلاً} الأول فَالْأول
{الْملك} الْقَضَاء {يَوْمَئِذٍ الْحق} الْعدْل {للرحمن وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافرين عَسِيراً} شَدِيدا عسره وشدد ذَلِك الْيَوْم على الْكَافرين
{وَيَوْم يعَض الظَّالِم} الْكَافِر عقبَة ابْن أبي معيط {على يَدَيْهِ} على أنامله {يَقُولُ يَا لَيْتَني اتَّخذت مَعَ الرَّسُول سَبِيلاً} اسْتَقَمْت على دين الرَّسُول
{يَا ويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً} مصافياً فِي الدّين أبي بن خلف الجُمَحِي
{لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذّكر} عَن التَّوْحِيد وَالطَّاعَة {بعد إِذْ جَاءَنِي} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالتَّوْحِيدِ {وَكَانَ الشَّيْطَان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} خاذلاً يَخْذُلهُ عِنْد مَا يحْتَاج إِلَيْهِ
{وَقَالَ الرَّسُول} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {يَا رب إِنَّ قَوْمِي اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُوراً} مسبوباً متروكاً لم يقرُّوا بِهِ وَلم يعملوا بِمَا فِيهِ
{وَكَذَلِكَ} كَمَا جعلنَا أَبَا جهل عدوا لَك {جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ} قبلك {عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرمين} من مُشْركي قومه {وَكفى بِرَبِّكَ هَادِياً} حَافِظًا {وَنَصِيراً} مَانِعا مِمَّا يُرَاد بك
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَوْلَا} هلا {نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَةً وَاحِدَةً} كَمَا أنزلت التَّوْرَاة على مُوسَى وَالْإِنْجِيل على عِيسَى وَالزَّبُور على دَاوُد {كَذَلِكَ} يَقُول أنزلنَا إِلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ مُتَفَرقًا {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} لنطيب بِهِ نَفسك ونحفظ بِهِ قَلْبك {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} بَيناهُ تبياناً بِالْأَمر وَالنَّهْي وَيُقَال أنزلنَا جِبْرِيل بِهِ مُتَفَرقًا آيَة بعد آيَة
{وَلَا يَأْتُونَكَ} يَا مُحَمَّد {بِمَثَلٍ} بِصفة وَحجَّة بَيَان {إِلَاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} بِصفة وَبَيَان وَحجَّة وَمن فِيهَا نقض حجتهم {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} تبياناً وَحجَّة حجتهم
{الَّذين يُحْشَرُونَ} يجرونَ {على وُجُوهِهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلَى جَهَنَّمَ} يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً} منزلا فِي الْآخِرَة وَعَملا فِي الدُّنْيَا {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} عَن الْحق وَالْهدى
{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً} معينا
{فَقُلْنَا اذهبآ إِلَى الْقَوْم الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} التسع يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَومه القبط فَلم يُؤمنُوا {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً} أهلكناهم إهلاكاً بِالْغَرَقِ
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أهلكنا {لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُل} يَعْنِي نوحًا وَجُمْلَة الرُّسُل {أَغْرَقْنَاهُمْ} بالطوفان {وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} عِبْرَة لكيلا يقتدوا بهم {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} للْمُشْرِكين مُشْركي مَكَّة {عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً فِي النَّار
{وعادا} أهلكنا قوم هود {وَثَمُود} قوم صَالح {وَأَصْحَابَ الرس} قوم شُعَيْب {وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً} لم نسمهم أهلكناهم
{وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَال} بَينا لكل قرن عَذَاب الْقُرُون الَّذين قبلهم فَلم يُؤمنُوا {وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً} أهلكناهم إهلاكاً بَعضهم على أثر بعض
{وَلَقَدْ أَتَوْا} مضوا كفار مَكَّة {عَلَى الْقرْيَة} قريات لوط {الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء} يَعْنِي الْحِجَارَة {أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا} مَا فعل بهَا وبأهلها فَلَا يكذبُونَك بِمَا تَقول لَهُم {بَلْ كَانُواْ لَا يَرْجُونَ نُشُوراً} لَا يخَافُونَ الْبَعْث بعد الْمَوْت
{وَإِذَا رَأَوْكَ} كفار مَكَّة {إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَاّ هُزُواً} مَا يَقُولُونَ لَك إِلَّا استهزاء وسخرية يَقُولُونَ {أَهَذا الَّذِي بَعَثَ الله رَسُولاً} إِلَيْنَا
{إِن كَادَ} قد كَاد {لَيُضِلُّنَا} ليصرفنا {عَنْ آلِهَتِنَا} عَن عبَادَة آلِهَتنَا {لَوْلَا أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا} ثبتنا على عبادتها {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم {حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} دينا أَو حجَّة
{أَرَأَيْتَ} يَا مُحَمَّد {مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} من عبد إلهه بهوى نَفسه يَعْنِي النَّضر وَأَصْحَابه {أَفَأَنتَ} يَا مُحَمَّد {تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} حفيظاً من الْخُرُوج إِلَى هَذَا الْفساد نسختها آيَة الْجِهَاد وَيُقَال كَفِيلا بِالْعَذَابِ
{أَمْ تَحْسَبُ} يَا مُحَمَّد {أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} الْحق {أَوْ يَعْقِلُونَ} الْحق إِذا اسْتَمعُوا إِلَى كلامك {إِنْ هُمْ} مَا هم بفهم الْحق {إِلَاّ كالأنعام} كَالْبَهَائِمِ لَا تعقل إِلَّا الْأكل وَالشرب فَهُوَ كَذَلِك فِي اسْتِمَاع الْحق {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} عَن الْحجَّة وَالدين لِأَنَّهُ لَيْسَ على الْبَهَائِم السَّبِيل وَالْحجّة
كَيفَ بسط الظل بعد طُلُوع الْفجْر وَقبل طُلُوع الشَّمْس من الْمشرق إِلَى الْمغرب {وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً} لتَركه دَائِما يَعْنِي الظل لَا شمس مَعَه {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْس عَلَيْهِ} على الظل {دَلِيلاً} حَيْثُمَا تكون الشَّمْس يكون الظل قبل ذَلِك وَيُقَال دَلِيلا تتلوه
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْل لِبَاساً} ملبساً يلبس كل شَيْء فِيهِ {وَالنَّوْم سُبَاتاً} استراحة لأبدانكم {وَجَعَلَ النَّهَار نُشُوراً} مطلباً لمعايشكم
{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح بُشْرَاً} طيبا {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} قُدَّام الْمَطَر {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً} يطهر وَلَا يطهر
{لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً} مَكَانا لَا نَبَات فِيهِ {وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً} بهائم {وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً} خلقنَا كثيرا من النَّاس
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} يَعْنِي الْمَطَر قسمنا عَاما بعد عَام {لِيَذَّكَّرُواْ} لكَي يتعظوا بذلك {فَأبى أَكثر النَّاس إَلَاّ كُفُوراً} لم يقبلُوا واستقاموا على الْكفْر بِاللَّه وبنعمته
{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ} إِلَى كل أهل قَرْيَة {نَّذِيراً} رَسُولا مخوفا وَلَكِن جعلناك كَافَّة للنَّاس رَسُولا لكَي يكون الثَّوَاب والكرامة كِلَاهُمَا لَك
{فَلَا تُطِعِ الْكَافرين} أَبَا جهل وَأَصْحَابه بِمَا يأمرونك {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {جِهَاداً كَبيراً} بِالسَّيْفِ
{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرين} أرسل الْبَحْرين {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} حُلْو طيب {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} مر مالح زعاق {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا} بَين المالح وَالطّيب {بَرْزَخاً} حاجزاً {وَحِجْراً مَّحْجُوراً} حَرَامًا محرما من أَن يُغير أَحدهمَا طعم صَاحبه
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المآء} من مَاء الذّكر وَالْأُنْثَى {بَشَراً} خلقا كثيرا {فَجَعَلَهُ نَسَباً} مَالا يحل تَزْوِيجه من الْقَرَابَة {وَصِهْراً} مَا يحل التَّزْوِيج من الْقَرَابَة وَغَيرهَا {وَكَانَ رَبُّكَ} بِمَا خلق من الْحَلَال وَالْحرَام {قَدِيراً}
{وَيَعْبُدُونَ} كفار مَكَّة {مِن دُونِ الله مَا لَا يَنفَعُهُمْ} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة عِبَادَته وطاعته {وَلَا يَضُرُّهُمْ} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَعْصِيَته وَترك عِبَادَته {وَكَانَ الْكَافِر} أَبُو جهل {على رَبِّهِ ظَهِيراً} خَارِجا وَيُقَال عوناً للْكَافِرِينَ على ربه بالْكفْر
{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {إِلَاّ مُبَشِّراً} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيراً} من النَّار
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد وَالْقُرْآن {مِنْ أَجْرٍ} من جعل وَلَا رزق {إِلَاّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} طَرِيقا بِالْإِيمَان وَيُقَال إِلَّا من شَاءَ أَن يوحد ويتخذ بذلك التَّوْحِيد إِلَى ربه سَبِيلا مرجعا فيحدثوا بِهِ
{وَتَوَكَّلْ} يَا مُحَمَّد {عَلَى الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} وَلَا تتوكل على الْأَحْيَاء الَّذين يموتون مثل أبي طَالب وَخَدِيجَة وَلَا على الْأَمْوَات الَّذين لَا حَرَكَة لَهُم {وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} صل بأَمْره {وَكفى بِهِ} بِاللَّه {بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً} عَالما
{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة مِمَّا تَعدونَ أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {ثُمَّ اسْتَوَى} اسْتَقر {عَلَى الْعَرْش} وَيُقَال امْتَلَأَ بِهِ الْعَرْش {الرَّحْمَن} مقدم ومؤخر يَقُول اسْتَوَى الرَّحْمَن على الْعَرْش
{فاسأل بِهِ} بذلك {خَبِيراً} بِاللَّه عَالما وَيُقَال فاسأل عَن الله أهل الْعلم يخبروك
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} لكفار مَكَّة {اسجدوا للرحمن} أخضعوا للرحمن بِالتَّوْحِيدِ {قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَن} مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة الْكذَّاب {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} الْكذَّاب الْكَاذِب {وَزَادَهُمْ} ذكر الرَّحْمَن وَيُقَال الْقُرْآن وَيُقَال دَعْوَة النبى صلى الله عليه وسلم {نُفُوراً} تباعداً عَن الْإِيمَان
{تَبَارَكَ} ذُو بركَة {الَّذِي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً} نجوماً وَيُقَال قصوراً {وَجَعَلَ فِيهَا} فِي السَّمَاء {سِرَاجاً} شمساً مضيئا لبني آدم بِالنَّهَارِ {وَقَمَراً مُّنِيراً} مضيئاً لبني آدم بِاللَّيْلِ
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَةً} مُخْتَلفَة بَعْضهَا لبَعض {لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ} أَن يتعظ باختلافهما {أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} عملا صَالحا مَا ترك بِاللَّيْلِ يعْمل بِالنَّهَارِ وَمَا ترك بِالنَّهَارِ يعْمل بِاللَّيْلِ
{وَعِبَادُ الرَّحْمَن} خَواص الرَّحْمَن {الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هَوْناً} تواضعاً من مَخَافَة الله {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ} وَإِذا كَلمهمْ الْكفَّار والفساق {قَالُواْ سَلَاماً} ردوا مَعْرُوفا وَقَالُوا سداداً من القَوْل
{وَالَّذين يَقُولُونَ رَبَّنَا} يَا رَبنَا {اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} لَازِما مُولَعا ملحاً
ثمَّ ذكر نفقاتهم فَقَالَ {وَالَّذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ} لم ينفقوا فِي الْمعْصِيَة {وَلَمْ يَقْتُرُواْ} وَلم يمنعوا من الْحق {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ} بَين الْإِسْرَاف والتقتير {قَوَاماً} وسطا عدلا
{وَالَّذين لَا يَدْعُونَ مَعَ الله} لَا يعْبدُونَ مَعَ الله {إِلَهًا آخَرَ} من الْأَصْنَام {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفس الَّتِي حَرَّمَ الله} قَتلهَا وَلَا يسْتَحلُّونَ قَتلهَا {إِلَاّ بِالْحَقِّ} بِالرَّجمِ وَالْقصاص والارتداد {وَلَا يَزْنُونَ} وَلَا يسْتَحلُّونَ الزِّنَا {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِك} استحلالاً {يَلْقَ أَثَاماً} وَاديا فِي النَّار وَيُقَال جبا
{يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَاب يَوْمَ الْقِيَامَة وَيَخْلُدْ فِيهِ} فِي الْعَذَاب {مُهَاناً} يهان بِهِ ذليلاً
{إِلَاّ مَن تَابَ} من الْكفْر {وَآمَنَ} بِاللَّه {وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} خَالِصا بعد الْإِيمَان {فَأُولَئِك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} يحولهم الله من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان وَمن الْمعْصِيَة إِلَى الطَّاعَة وَمن عبَادَة الْأَصْنَام إِلَى عِبَادَته وَمن الشَّرّ إِلَى الْخَيْر {وَكَانَ الله غَفُوراً} لمن تَابَ {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
{وَمَن تَابَ} من الذُّنُوب {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه خَالِصا من قلبه {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً} مناصحة وَيُقَال يجد ثَوَابهَا عِنْد الله
{وَالَّذين لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} لَا يحْضرُون مجَالِس الزُّور {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ} بمجالس الْبَاطِل {مَرُّوا كِراماً} أَعرضُوا حلماً
{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ} وعظوا {بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا} على آيَات الله
{صُمّاً} لَا يسمعُونَ {وَعُمْيَاناً} لَا يبصرون وَلَكِن يسمعُونَ ويبصرون
{وَالَّذين يَقُولُونَ رَبَّنَا} يَا رَبنَا {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} يَقُولُونَ أجعَل أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا صالحين لكَي تقر أَعيننَا بهم {واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} اجْعَلْنَا صالحين لكَي يقتدوا بِنَا
{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {يُجْزَوْنَ الغرفة} الدَّرَجَات العلى فِي الْجنَّة {بِمَا صَبَرُواْ} على طَاعَة الله والفقر والمرازي {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {تَحِيَّةً} من الله {وَسَلَاماً} يلقونهم بذلك الْمَلَائِكَة بالتحية وَالسَّلَام من الله إِذا دخلُوا فِي الْجنَّة
{خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً} منزلا {وَمُقَاماً} مثوى
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} مَا يصنع بأجسامكم وصوركم رَبِّي {لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ} أَن الله أَمركُم بِالتَّوْحِيدِ {فَقَدْ كَذبْتُمْ} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم {يَكُونُ لِزَاماً} عَذَاب يَوْم بدر بِالْقَتْلِ وَالضَّرْب والسبي يَعْنِي فقد كَذبْتُمْ بنبيكم فَسَوف يكون الْعَذَاب عَلَيْكُم لزاما وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الشُّعَرَاء وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله وَالشعرَاء إِلَى آخر السُّورَة فَإِنَّهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ آياتها مائَة وست وَعِشْرُونَ آيَة وكلماتها ألف ومائتان وَسبع وَسِتُّونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {طسم} يَقُول الطَّاء طوله وَقدرته وَالسِّين سناؤه وَالْمِيم ملكه وَيُقَال قسم أقسم بِهِ
{تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب الْمُبين} يَقُول أقسم أَن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} قَاتل نَفسك يَا مُحَمَّد بالحزن عَلَيْهِم {أَلَاّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} بِأَن لَا يَكُونُوا مُؤمنين يَعْنِي قُريْشًا وَكَانَ حَرِيصًا على إِيمَانهم يحب إِيمَانهم
{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً} عَلامَة {فَظَلَّتْ} فَصَارَت {أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} ذليلين
{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ} مَا يَأْتِي جِبْرِيل إِلَى نَبِيّهم بقرآن {مِّنَ الرَّحْمَن مُحْدَثٍ} بإتيان مُحدث بعضه على إِثْر بعض {إِلَاّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ} مكذبين بِالْقُرْآنِ
{فقد كذبُوا} مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ} أَخْبَار {مَا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} من الْعَذَاب وَيُقَال خبر عُقُوبَة استهزائهم بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {إِلَى الأَرْض كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ} من كل لون {كَرِيمٍ} حسن فِي المنظر
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِي اخْتِلَاف ألوانه {لآيَةً} لعلامة وعبرة {وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين} لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين من هلك يَوْم بدر
{وَإِذْ نَادَى} إِذْ دَعَا {رَبُّكَ مُوسَى} وَيُقَال أَمر رَبك مُوسَى {أَنِ ائْتِ الْقَوْم الظَّالِمين} الْكَافرين
{قوم فِرْعَوْن} بدل من الْقَوْم {أَلا تَتَّقُون} فَقل لَهُم أَلا تَتَّقُون عبَادَة غير الله
فى الرسَالَة
{وَيَضِيقُ صَدْرِي} بتكذيبهم إيَّايَ وَيُقَال يجبن قلبِي {وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي} لَا يَسْتَقِيم لساني من مهابته {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} فَأرْسل معي هَارُون يكون عوناً لي وَيُقَال فَأرْسل إِلَى هَارُون جِبْرِيل ليَكُون معي معينا
{قَالَ} الله {كَلَاّ} حَقًا يَا مُوسَى لَا أسلطهم عَلَيْكُمَا بِالْقَتْلِ {فاذهبا بِآيَاتِنَآ} التسع الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم وَنقص من الثمرات والسنين {إِنَّا مَعَكُمْ} معينكما {مُّسْتَمِعُونَ} أسمع مَا يَقُول لَكمَا
{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً} صَغِيرا يَا مُوسَى {وَلَبِثْتَ} مكثت {فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} ثَلَاثِينَ سنة
{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} قتلت النَّفس الَّتِي قتلت {وَأَنتَ مِنَ الْكَافرين} بنعمتي السَّاعَة
{فَفَرَرْتُ} فهربت {مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} على نَفسِي بِالْقَتْلِ {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً} فهما وعلماً ونبوة {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسلين} إِلَيْك وَإِلَى قَوْمك
{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} هَذِه نعْمَة {تَمُنُّهَا عَلَيَّ} يَا فِرْعَوْن وَلَا تذكر جفاك عَليّ {أَنْ عَبَّدتَّ} بِأَن استعبدت {بَنِي إِسْرَائِيلَ}
{قَالَ فِرْعَوْنُ} لمُوسَى {وَمَا رَبُّ الْعَالمين} من رب الْعَالمين يَا مُوسَى إيَّايَ تَعْنِي
{قَالَ} مُوسَى {رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول رب الْعَالمين هُوَ رب السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَمَا بَيْنَهُمَآ} من الْخلق والعجائب {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} مُصدقين بِأَن الله خلقهما
{قَالَ} فِرْعَوْن {لِمَنْ حَوْلَهُ} من الجلساء {أَلَا تَسْتَمِعُونَ} إِلَى مَا يَقُول مُوسَى وَكَانَ حوله مِائَتَان وَخَمْسُونَ رجلا جُلُوسًا عَلَيْهِم أقبية الديباج مخوصة بِالذَّهَب وَكَانُوا خاصته قَالُوا لمُوسَى من رب السَّمَوَات وَالْأَرْض الَّذِي تدعونا إِلَيْهِ يَا مُوسَى
{قَالَ} فِرْعَوْن لجلسائه {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} قَالُوا إِلَى من تدعونا إِلَيْهِ يَا مُوسَى وَمن ربناا وَرب أبائنا الْأَوَّلين
{قَالَ} مُوسَى {رَبُّ الْمشرق} هُوَ رب الْمشرق {وَالْمغْرب وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} تصدقُونَ ذَلِك
{قَالَ} فِرْعَوْن لمُوسَى {لَئِنِ اتَّخذت} عبدت {إِلَهًا غَيْرِي} يَا مُوسَى {لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} من المحبوسين فِي السجْن وَكَانَ سجنه أَشد من الْقَتْل وَكَانَ إِذا سجن أحدا طَرحه فِي مَكَان وَحده فَردا لَا يسمع فِيهِ شَيْئا وَلَا ينظر فِيهِ شَيْئا يهوله بِهِ
{قَالَ} مُوسَى {أَوَلَوْ جِئْتُكَ} يَا فِرْعَوْن {بِشَيءٍ مُّبِينٍ} بِآيَة بَيِّنَة على مَا أَقُول
{قَالَ} فِرْعَوْن {فَأْتِ بِهِ} يَا مُوسَى {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بأنك رَسُول إِلَيّ وَإِلَى قومى
{فَألْقى} مُوسَى {عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ} حَيَّة صفراء ذكر {مُّبِينٌ} عَظِيم أعظم مَا يكون من الْحَيَّات قَالَ فِرْعَوْن هَذِه آيَة بَيِّنَة فَهَل غير هَذِه
{وَنَزَعَ يَدَهُ} أخرج مُوسَى يَده من إبطه {فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ} لَهَا ضوء كضوء الشَّمْس تعجب الناظرين إِلَيْهَا
الرَّسُول {لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} حاذق بِالسحرِ
{يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ} مصر {بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} تشيرون عَليّ بِهِ
{قَالُوا أَرْجِهْ} احبسه {وَأَخَاهُ} وَلَا تقتلهما {وَابعث فِي المدآئن} إِلَى مَدَائِن الساحرين {حَاشِرِينَ} الشَّرْط
{فَجُمِعَ السَّحَرَة} اثْنَان وَسَبْعُونَ ساحراً {لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} لميعاد يَوْم مَعْرُوف وَهُوَ يَوْم السُّوق وَيُقَال يَوْم عيدهم وَيُقَال يَوْم نيروزهم
{وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَة} دين السَّحَرَة {إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين} على مُوسَى
{فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة قَالُوا لفرعون أئن لَنَا لأَجْراً} جعلا من المَال {إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} على مُوسَى
{قَالَ} فِرْعَوْن {نَعَمْ} لكم عِنْدِي ذَلِك {وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ المقربين} فِي الْقدر والمنزلة وَالدُّخُول على
{فَألْقوا حبالهم وعصيهم} اثْنَتَيْنِ وَسبعين حبلا واثنين وَسبعين عَصا {وَقَالُواْ} يَعْنِي السَّحَرَة {بِعِزَّةِ} بمنعة {فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون} على مُوسَى
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَة سَاجِدِينَ} سجدوا من سرعَة سجودهم كَأَنَّهُمْ ألقوا لما ذهبت حبالهم وعصيهم علمُوا أَنه من الله
{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ} فِرْعَوْن {آمَنتُمْ لَهُ} صَدقْتُمْ بِهِ {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} آمركُم بِهِ {إِنَّهُ} يَعْنِي مُوسَى {لَكَبِيرُكُمُ} عالمكم {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السحر فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَاذَا أفعل بكم {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلَافٍ} الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى {ولأصلبنكم أَجْمَعِينَ} على شاطىء نهر مصر
{قَالُواْ لَا ضَيْرَ} لَا يضرنا فِي الْآخِرَة مَا تصنع بِنَا فِي الدُّنْيَا {إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} رَاجِعُون إِلَى الله وَإِلَى ثَوَابه
{إِنَّا نَطْمَعُ} نرجو {أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ} شركنا {أَن كُنَّآ} بِأَن كُنَّا {أَوَّلَ الْمُؤمنِينَ} بمُوسَى
{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بعبادي} أَن أدْلج بعبادي لَيْلًا من آمن بك من بني إِسْرَائِيل {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يدرككم فِرْعَوْن وَقَومه
{إِنَّ هَؤُلَاءِ} أَصْحَاب مُوسَى {لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} فِئَة قَليلَة
{وَكُنُوزٍ} أَمْوَال {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} منَازِل حَسَنَة
{كَذَلِكَ} أفعل بِمن عَصَانِي {وَأَوْرَثْنَاهَا} يَعْنِي مصر {بني إِسْرَائِيلَ} بعد هلاكهم
{فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} عِنْد طُلُوع الشَّمْس
{فَلَمَّا تَرَاءَى} ظهر {الْجَمْعَانِ} جمع مُوسَى وَجمع فِرْعَوْن {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} أَي أدركونا يَا مُوسَى
{قَالَ} مُوسَى {كَلَاّ} حَقًا لَا يدركونا {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} سينجيني مِنْهُم ويهديني إِلَى الطَّرِيق
{فَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْر} فَضرب {فانفلق} فانشق فَصَارَ فِيهِ اثْنَا عشر طَرِيقا {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ} كل طَرِيق {كالطود الْعَظِيم} كالجبل الْعَظِيم
{وأزلفنا ثمَّ الآخرين} يَقُول حبسنا فِرْعَوْن وَقَومه فِي الضبابة وَيُقَال فِي الْبَحْر وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين
{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة {وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين} لم يَكُونُوا مُؤمنين
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من الْكفَّار {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ إِذْ أنجاهم من الْغَرق
{واتل} اقْرَأ {عَلَيْهِمْ} على قَوْمك قُرَيْش {نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} خبر إِبْرَاهِيم فِي الْقُرْآن
{قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً} آلِهَة {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} فنصير لَهَا عابدين مقيمين على عبادتها
{قَالَ} لَهُم إِبْرَاهِيم {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} يَقُول هَل يجيبونكم الْآلهَة إِذا دعوتموهم
{أَوْ يَنفَعُونَكُمْ} فِي معايشكم إِذا أطعتموهم {أَوْ يَضُرُّونَ} فِي معايشكم إِذا عصيتموهم
{قَالُواْ} لَا {بَلْ وَجَدْنَآ} وَلَكِن وجدنَا {آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} يعبدونها فَنحْن نعبدها نقتدي بهم
{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي} تَبرأ مِنْهُم {إِلَاّ رَبَّ الْعَالمين} إِلَّا من كَانَ مِنْهُم يعبد رب الْعَالمين
{الَّذِي خَلَقَنِي} من النُّطْفَة {فَهُوَ يَهْدِينِ} يحفظني على الدّين ويرشدني إِلَى الْحق وَالْهدى
{وَالَّذِي يُمِيتُنِي} فِي الدُّنْيَا {ثُمَّ يُحْيِينِ} يَوْم الْقِيَامَة
{وَالَّذِي أَطْمَعُ} أَرْجُو {أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} ذَنبي {يَوْمَ الدّين} يَوْم الْحساب وَكَانَت خطيئته قَوْله إِنِّي سقيم وَقَوله بل فعله كَبِيرهمْ وَقَوله لامْرَأَته هَذِه أُخْتِي
{رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً} فهما وعلماً {وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} بآبائي الْمُرْسلين فِي الْجنَّة
{وَلَا تُخْزِنِي} لَا تعذبني {يَوْمَ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور
{إِلَاّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} خَالص من الذَّنب وَحب الدُّنْيَا وَيُقَال سليم من بغض أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{وَأُزْلِفَتِ الْجنَّة} قربت الْجنَّة {لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش فَصَارَت لَهُم منزلا
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيم} أظهرت وَيُقَال لاحت الْجَحِيم {لِلْغَاوِينَ} للْكَافِرِينَ فَصَارَت لَهُم منزلا
{مِن دُونِ الله} فِي الدُّنْيَا من الْأَصْنَام {هَلْ يَنصُرُونَكُمْ} هَل يمنعونكم من عَذَاب الله {أَوْ يَنتَصِرُونَ} يمتنعون بِأَنْفسِهِم من الْعَذَاب
{فَكُبْكِبُواْ فِيهَا} فطرحوا فِيهَا وجمعوا فِي النَّار {هُمْ} كفار مَكَّة وَسَائِر كفار الْإِنْس {والغاوون} كفار الْجِنّ وآلهتهم
{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} ذُرِّيَّة إِبْلِيس {أَجْمَعُونَ} وهم الشَّيَاطِين
{قَالُواْ} يَعْنِي الْكفَّار {وَهُمْ فِيهَا} فِي النَّار {يَخْتَصِمُونَ} مَعَ آلِهَتهم وَرُؤَسَائِهِمْ وذرية إِبْلِيس
{إِذْ نسويكم} نعد لكم {بِرَبِّ الْعَالمين} فِي الْعِبَادَة
{وَمَآ أَضَلَّنَآ} مَا صرفنَا عَن الْإِيمَان وَالطَّاعَة {إِلَاّ المجرمون} الْمُشْركُونَ قبلنَا الَّذين اقتدينا بهم
{فَمَا لَنَا} فَلَيْسَ لنا أحد {مِن شَافِعِينَ} من الْمَلَائِكَة والنبيين وَالصَّالِحِينَ يشفع لنا
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا {فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ} مَعَ الْمُؤمنِينَ بِالْإِيمَان
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت من حَالهم {لآيَة} لعلامة وعبرة {وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين} لَو رجعُوا إِلَى الدُّنْيَا وَيُقَال لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} نَبِيّهم {نُوحٌ} وَلم يكن أَخَاهُم فِي الدّين وَلَكِن كَانَ من قرابتهم {أَلَا تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله
{إِنِّي لَكُمْ} من الله {رَسُولٌ أَمِينٌ} على الرسَالَة وَيُقَال قد كنت فِيكُم أَمينا قبل هَذَا فَكيف تتهموني الْيَوْم
{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا أَمْرِي وديني
{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من رزق {إِنْ أَجْرِيَ} مَا رِزْقِي {إِلَاّ على رَبِّ الْعَالمين}
{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا وصيتي
{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ} أنصدقك يَا نوح {واتبعك الأرذلون} سفلتنا وضعفاؤنا اطردهم حَتَّى نؤمن بك
{قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يَا نوح} عَن مَقَالَتك {لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} من المقتولين كَمَا قتلنَا من آمن بك من الغرباء
{فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً} فَاقْض بيني وَبينهمْ قَضَاء بِالْعَدْلِ {وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤمنِينَ} من عَذَابهمْ
{فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ} من الْمُؤمنِينَ {فِي الْفلك المشحون} فى السَّفِينَة المجهزة الموقرة المملوؤة الَّتِي لم يبْق إِلَّا رَفعهَا
{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة لمن بعدهمْ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة مِنْهُم إِذْ أغرقهم بالطوفان {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ إِذْ نجاهم من الْغَرق
{فَاتَّقُوا الله} أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} فِيمَا أَمرتكُم
{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من جعل {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلَاّ على رَبِّ الْعَالمين}
{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً} بِكُل طَرِيق عَلامَة {تَعْبَثُونَ} تضربون وتأخذون ثِيَاب من مر بكم من الغرباء وهم العشارون على الطّرق وَله وَجه آخر يَقُول أتبنون بِكُل ريع بِكُل سوق آيَة عَلامَة تعبثون تسخرون بِمن مر بكم
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} الْمنَازل والقصور والحياض {لَعَلَّكُمْ} كأنكم {تَخْلُدُونَ} فِي الدُّنْيَا لَا تخلدون
{وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين} وَإِذا أخذتهم بالعقوبة أَخَذْتُم بعقوبة الجبارين تضربون وتقتلون على الْغَضَب
{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا أَمْرِي
{وَاتَّقوا الَّذِي} اخشوا الَّذِي {أَمَدَّكُمْ} أَعْطَاكُم {بِمَا تعلمُونَ}
{وَجَنَّاتٍ} بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء طَاهِر
{إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فِي النَّار إِن لم تتوبوا من الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان
{قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ} أنهيتنا {أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين} من الناهين لنا
{إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي نَحن عَلَيْهِ {إِلَاّ خُلُقُ الْأَوَّلين} دين الْأَوَّلين دين آبَائِنَا الْأَوَّلين وَيُقَال إِن هَذَا الَّذِي تَقول إِلَّا خلق الْأَوَّلين إِلَّا اخْتِلَاق الْأَوَّلين
{فَكَذَّبُوهُ} بالرسالة وَبِمَا قَالَ لَهُم {فَأَهْلَكْنَاهُمْ} بِالرِّيحِ {إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة لمن بعدهمْ
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من الْكفَّار {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ إِذْ نجاهم من الْعَذَاب بِالرِّيحِ
{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا أَمْرِي وديني
{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من جعل ورزق {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلَاّ على رَبِّ الْعَالمين}
{فِي جَنَّاتٍ} فِي بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء طَاهِر
{وَزُرُوعٍ} حروث {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا} ثَمَرهَا {هَضِيمٌ} لين لطيف نضيج
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجبَال} الْجبَال {بُيُوتاً فَارِهِينَ} حاذقين وَيُقَال معجبين بضيعكم متكبرين إِن قَرَأت بِغَيْر الْألف
{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا االله فِيمَا أَمركُم {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا أَمْرِي ووصيتي
{الَّذين يُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} بالْكفْر والشرك وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله {وَلَا يُصْلِحُونَ} لَا يأمرون بالصلاح
{مَآ أَنتَ إِلَاّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُنَا} تَأْكُل وتشرب كَمَا نَأْكُل وَنَشْرَب {فَأْتِ بِآيَةٍ} بعلامة على مَا تَقول {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بمجيء الْعَذَاب وَأَنَّك رَسُول إِلَيْنَا
{قَالَ} لَهُم صَالح {هَذِه نَاقَةٌ} عَلامَة لكم لنبوتي {لَّهَا شِرْبٌ} يَوْم من المَاء {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ} من المَاء {مَّعْلُومٍ} بالنوبة يَوْم لَهَا وَيَوْم لكم
{فَعَقَرُوهَا} فَقَتَلُوهَا {فَأَصْبَحُواْ} صَارُوا {نَادِمِينَ} على قَتلهَا
{فَأَخَذَهُمُ الْعَذَاب} بعد ثَلَاثَة أَيَّام {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة لمن بعدهمْ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} لم يَكُونُوا مؤمنيها وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين
{وَإِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من الْكفَّار {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ
{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم بِهِ من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا أَمْرِي وديني
{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من جعل {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلَاّ على رَبِّ الْعَالمين}
{أَتَأْتُونَ الذكران} أدبار الرِّجَال
{مِنَ الْعَالمين} من بَين الْعَالمين
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ} مَا أحل لكم ربكُم {مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} من فروج نِسَائِكُم {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} تعتدون الْحَلَال إِلَى الْحَرَام
{قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يَا لوط} عَن مَقَالَتك {لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} من أَرْضنَا سدوم
{قَالَ} لوط {إِنِّي لِعَمَلِكُمْ} الْخَبيث {مِّنَ القالين} المبغضين
{رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَاّ عَجُوزاً} امْرَأَته المنافقة {فِي الغابرين} تخلفت مَعَ البَاقِينَ بِالْهَلَاكِ
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم} على شذاذهم ومسافريهم {مَّطَراً} حِجَارَة {فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنْذرين} بئس الْمَطَر بِالْحِجَارَةِ ان أَنْذرهُمْ لوط فَلم يُؤمنُوا
{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة لمن بعدهمْ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين
{فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم من التَّوْبَة وَالْإِيمَان {وَأَطيعُوا} اتبعُوا أَمْرِي ووصيتي
{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد {مِنْ أَجْرٍ} من جعل {إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلَاّ على رَبِّ الْعَالمين}
{أَوْفُواْ الْكَيْل} أَتموا الْكَيْل وَالْوَزْن {وَلَا تَكُونُواْ مِنَ المخسرين} من ناقصي الْكَيْل وَالْوَزْن وَكَانُوا مسيئين بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن
{وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاس أَشْيَآءَهُمْ} لَا تنقصوا حُقُوق النَّاس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن {وَلَا تَعْثَوْاْ فِي الأَرْض مفسدين وَإِذ} لَا تعملوا بالمعاصى فى الأَرْض وَالْفساد بِنَقص الْكَيْل وَالْوَزْن وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله
{وَمَآ أَنتَ إِلَاّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُنَا} تَأْكُل وتشرب كَمَا نَأْكُل وَنَشْرَب {وَإِن نَّظُنُّكَ} وَقد نظنك {لَمِنَ الْكَاذِبين} على مَا تَقول
{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً} قطعا {مِّنَ السمآء} من الْعَذَاب {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بمجيء الْعَذَاب
{فَكَذَّبُوهُ} بالرسالة {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} وقف الْعَذَاب فَوْقهم كسحابة فَأَحْرَقَتْهُمْ بحرها {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} شَدِيد عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ
{إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَة} لعلامة وعبرة لمن بعدهمْ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} لم يَكُونُوا مُؤمنين وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَتَنزِيلُ} لتكليم {رَبِّ الْعَالمين}
{على قَلْبِكَ} على قدر حفظك وَيُقَال حِين تلاه عَلَيْك {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذرين} من المخوفين بِالْقُرْآنِ
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} يَقُول الْقُرْآن على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة وَيُقَال نبئهم يَا مُحَمَّد بلغتهم
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي نعت الْقُرْآن وَمُحَمّد عليه الصلاة والسلام {لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلين} مَكْتُوب فِي كتب الْأَنْبِيَاء قبلك
{أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ} لأهل مَكَّة {آيَةً} عَلامَة لنبوة مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {أَن يَعْلَمَهُ} أَن يُخْبِرهُمْ {عُلَمَاءُ بني إِسْرَائِيلَ} حَيْثُ سألوهم عَن مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن فَأَخْبرُوهُمْ بذلك
{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ} نزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {على بَعْضِ الأعجمين} على رجل لَا يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ
{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم} على قُرَيْش {مَّا كَانُوا بِهِ} بِالْقُرْآنِ {مُؤْمِنِينَ} لأَنهم لم يُؤمنُوا بِمَا كَانَ بلغتهم فَكيف يُؤمنُونَ بِمَا لم يكن بلغتهم
{كَذَلِكَ} هَكَذَا {سَلَكْنَاهُ} تركنَا التَّكْذِيب {فِي قُلُوبِ الْمُجْرمين} الْمُشْركين أبي جهل وَأَصْحَابه
{لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} لكَي لَا يُؤمنُوا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَاب الْأَلِيم} الوجيع
{فَيَأْتِيَهُم} الْعَذَاب {بَغْتَةً} فَجْأَة {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بنزول الْعَذَاب عَلَيْهِم
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} بمجيئه
{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ {الشَّيَاطِين} على عهد مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
{وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ} مَا هم الشَّيَاطِين لَهُ بِأَهْل {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} وَمَا يقدرُونَ على ذَلِك
{إِنَّهُمْ} يَعْنِي الشَّيَاطِين {عَنِ السّمع} عَن الِاسْتِمَاع للوحى {لمعزولون} لممنوعون
{فَلَا تدع} فَلَا تعبد {مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ} من الْأَوْثَان {فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبين} فِي النَّار
{وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} مَعَ أهل الصَّلَاة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالْقِيَام وَيُقَال فِي أصلاب آبَائِك الْأَوَّلين
{يُلْقُونَ السّمع} يَسْتَمِعُون إِلَى كَلَام الْمَلَائِكَة يَعْنِي الشَّيَاطِين {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} يَسْتَمِعُون وَاحِدًا ويجعلونه مائَة لم يخبرون بذلك الكهنة
{وَالشعرَاء} عبد الله بن الزِّبَعْرَى وأصابه يَقُولُونَ الشّعْر {يتبعهُم الْغَاوُونَ} الراءون يروون عَنْهُم
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد {أَنَّهُمْ} يَعْنِي الشُّعَرَاء {فِي كُلِّ وَادٍ} فِي كل فن وَوجه {يَهِيمُونَ} يذهبون وَيَأْخُذُونَ يذمون ويمدحون
{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ} فِي شعرهم {مَا لَا يَفْعَلُونَ} أَنا وَأَنا وَلَيْسَ كَذَلِك وَيُقَال مَا لَا يقدرُونَ أَن يَفْعَلُوا وَكِلَاهُمَا غاويان الشَّاعِر والراوي
{إِلَّا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن حسان بن ثَابت وَأَصْحَابه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً} فِي الشّعْر {وانتصروا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه بِالرَّدِّ على الْكفَّار {مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} هجوا هجاهم الْكفَّار {وَسَيَعْلَمْ الَّذين ظلمُوا} هجوا النبى صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} أَي مرجع يرجعُونَ فِي الْآخِرَة وَهِي النَّار يَعْنِي إِن لم يُؤمنُوا بطس وَالْقُرْآن الْحَكِيم وَالله تَعَالَى أعلم بأسرار كِتَابه
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النَّمْل وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَتسْعُونَ آيَة وكلماتها ألف وَمِائَة وتسع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَرْبَعَة آلَاف وَسَبْعمائة وَسبع وَسِتُّونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {طس} يَقُول ط طوله وسين سناؤه وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآن وَكِتَابٍ مُّبِينٍ} إِن هَذِه السُّورَة آيَات وَالْقُرْآن وَكتاب مُبين بالحلال وَالْحرَام
{هُدىً} من الضَّلَالَة {وبشرى} بِالْجنَّةِ {لِلْمُؤْمِنِينَ} المصدقين فى إِيمَانهم
ثمَّ بَين نعتهم فَقَالَ {الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة} يتمون الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة} يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم {وهم بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار {هُمْ يُوقِنُونَ} يصدقون
{إِنَّ الَّذين لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت أَبَا جهل وَأَصْحَابه {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} فِي الْكفْر {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} يمضون عمهة لَا يبصرون
{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {الَّذين لَهُم سوء الْعَذَاب} شدَّة الْعَذَاب فِي النَّار {وَهُمْ فِي الْآخِرَة} يَوْم الْقِيَامَة {هُمُ الأخسرون} المغبونون بذهاب الْجنَّة وَدخُول النَّار
{وَإِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَتُلَقَّى الْقُرْآن} يَقُول ينزل عَلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {مِن لَّدُنْ} من عِنْد {حَكِيمٍ} فِي أمره وقضائه {عَلِيمٍ} بخلقه
{إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ} حَيْثُ تحير فِي الطَّرِيق {إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} رَأَيْت نَارا عَن يسَار الطَّرِيق امكثوا هَهُنَا {سَآتِيكُمْ} حَتَّى آتيكم {مِّنْهَا} من عِنْد النَّار {بِخَبَرٍ} عَن الطَّرِيق {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} بشعلة مقتبسة {لَعَلَّكُمْ تصطلون} لكى تدفئوا وَكَانَ فِي شدَّة من الشتَاء
{فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّار} يَقُول بوركت النَّار {وَمَنْ حَوْلَهَا} من الْمَلَائِكَة وَهَكَذَا قِرَاءَة أبي عبد الله بن مَسْعُود وَيُقَال تبَارك من نور هَذَا النُّور وَيُقَال بورك من فِي الطّلب يَعْنِي مُوسَى من أَقَامَ حوله من الْمَلَائِكَة {وَسُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {رَبِّ الْعَالمين} سيد الْجِنّ وَالْإِنْس
{يَا مُوسَى إِنَّهُ} الَّذِي دعَاك {أَنَا الله الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِي {الْحَكِيم} فِي أَمْرِي وقضائي أمرت أَن لَا يعبد غَيْرِي
{وَأَلْقِ عَصَاكَ} من يدك فألقاها {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} تتحرك {كَأَنَّهَا جَآنٌّ} حَيَّة لَا صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة {ولى مُدْبِراً} أدبر هَارِبا مِنْهَا {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يلْتَفت إِلَيْهَا من خوفها قَالَ الله {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ} مِنْهَا {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ} عندى {المُرْسَلُونَ}
{إَلَاّ مَن ظَلَمَ} وَلَا من ظلم {ثُمَّ بدل حسنا بعد سوء} ثمَّ تَابَ بعد ذَلِك فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن لَا يخَاف أَيْضا {فَإِنِّي غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ {رَحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} فِي إبطك {تَخْرُجْ بَيْضَاء من غير سوء} من غير برص اذْهَبْ {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} مَعَ تسع آيَات {إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} القبط {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} كَافِرين
{فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا} مُوسَى بِآيَاتِنَا {مُبْصِرَةً} مبينَة بَعْضهَا على أثر بعض {قَالُواْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} كذب بَين مَا جئتنا بِهِ يَا مُوسَى
{وَجَحَدُواْ بِهَا} بِالْآيَاتِ كلهَا {واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ} بعد مَا استيقنت أنفسهم أَنَّهَا من الله {ظُلْماً} خلافًا واعتداء {وَعُلُوّاً} يَقُول عتواً وتكبراً {فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} آخر أَمر الْمُشْركين فِرْعَوْن وَقَومه كَيفَ أهلكناهم فِي الْبَحْر
{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {دَاوُد} ابْن إيشا {وَسليمَان} ابْن دَاوُد {عِلْماً} وفهماً بِالنُّبُوَّةِ وَالْقَضَاء {وَقَالَا} كِلَاهُمَا {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر والْمنَّة لله {الَّذِي فَضَّلَنَا} بِالْعلمِ والنبوة {على كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ}
{وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} ملك دَاوُد من بَين أَوْلَاده وَكَانَ لداود تِسْعَة عشر بَنِينَ {وَقَالَ} سُلَيْمَان {يَا أَيهَا النَّاس عُلِّمْنَا} فهمنا {مَنطِقَ الطير} كَلَام الطير {وَأُوتِينَا} أعطينا {مِن كُلِّ شَيْءٍ} علم كل شَيْء فِي مملكتي {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفضل الْمُبين} الْمَنّ الْعَظِيم من الله عَليّ
{وَحُشِرَ} سخر وَجمع {لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ} جموعه {مِنَ الْجِنّ وَالْإِنْس وَالطير فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم حَتَّى اجْتَمعُوا
{حَتَّى إِذا أَتَوا على وَادي النَّمْل} بِأَرْض الشَّام مضوا على وَاد فِيهِ النَّمْل {قَالَتْ نَمْلَةٌ} عرجاء يُقَال لَهَا منذرة {يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}
جحركم {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ} لَا يكسرنكم وَلَا يدوسنكم {سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بكم وَيُقَال وهم يعْنى جنود سُلَيْمَان لم يشعروا بقول النملة
{فَتَبَسَّمَ} سُلَيْمَان {ضَاحِكاً} تَعَجبا {مِّن قَوْلِهَا} من قَول النملة لِأَنَّهُ علم كَلَامهَا دون جُنُوده {وَقَالَ رَبِّ أوزعني} ألهمني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} أؤدي شكر نِعْمَتك {الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} مننت عَليّ بِالتَّوْحِيدِ {وعَلى وَالِدَيَّ} بِالتَّوْحِيدِ {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً} خَالِصا {تَرْضَاهُ} تقبله {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ} فضلك {فِي عِبَادِكَ الصَّالِحين} مَعَ عِبَادك الْمُرْسلين الْجنَّة
{وَتَفَقَّدَ الطير} طلب الطير فَلم ير الهدهد مَكَانَهُ {فَقَالَ مَا لي لَا أَرَى الهدهد} مَكَانَهُ {أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين} يَقُول إِن كَانَ من الغائبين من بَين الطُّيُور
{لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} لأنتفن ريشه فَكَانَ عَذَاب الطير هَذَا {أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} بالسكين {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بِعُذْر بَين
{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} فَلبث غير طَوِيل حَتَّى جَاءَهُ {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} بلغت إِلَى مَا لم تبلغ وَعلمت مالم تعلم أَيهَا الْملك {وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ} من مَدِينَة سبأ {بِنَبَإٍ يَقِينٍ} بِخَبَر حق عَجِيب
{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَة تَمْلِكُهُمْ} يُقَال لَهَا بلقيس {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} أَعْطَيْت علم كل شَيْء فِي بَلَدهَا {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} حسن كَبِير عَلَيْهِ من الْجَوَاهِر واللؤلؤ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة كَذَا وَكَذَا
{وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ} يعْبدُونَ الشَّمْس {مِن دُونِ الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان أَعْمَالَهُمْ} عِبَادَتهم للشمس {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيل} فصرفهم الشَّيْطَان عَن طَرِيق الْحق الْهدى {فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} سَبِيل الْحق وَالْهدى
{أَلَاّ يَسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي} وَقد قلت لَهُم أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسجدوا لله وَيُقَال هَذَا قَول سُلَيْمَان يَقُول لم لَا يَسْجُدُونَ لله الذى {يخرج الخبء} مَا خبىء {فِي السَّمَاوَات} من الْمَطَر {وَالْأَرْض} من النَّبَات {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ} مَا يسرون من الْخَيْر وَالشَّر {وَمَا يعلنون} يظهرون من الْخَيْر وَالشَّر
{اذْهَبْ بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} عَلَيْهِم {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} تَنَح عَنْهُم حَيْثُ لَا يرونك {فَانْظُر مَاذَا يَرْجِعُونَ} يَقُولُونَ ويردون ويجيبون كتابي فَفعل كَمَا أمره سُلَيْمَان فَأخذت بلقيس كتاب سُلَيْمَان وَخرجت إِلَى قَومهَا
{أَلَاّ تَعْلُواْ عَلَيَّ} أَن لَا تتكبروا عَليّ {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} مستسلمين مصالحين وَأَشْيَاء كَانَت فِيهِ مَكْتُوبَة
{قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ} الرؤساء {أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} أخبروني عَن أَمْرِي وَيُقَال شاوروا لي {مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً} فاعلة أمرا {حَتَّى تَشْهَدُونِ} تحضروني وتشاوروني
{قَالُوا نَحن أولُوا قُوَّةٍ} بِالسِّلَاحِ {وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} بِالْقِتَالِ {وَالْأَمر إِلَيْكِ} يَقُول أمرنَا لأمرك تبع {فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ} حَتَّى نَفْعل مَا تأمريننا ثمَّ نطقت بحكمة
{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوك} مُلُوك الأَرْض {إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً} عنْوَة بِالْحَرْبِ والقتال {أَفْسَدُوهَا} خربوها {وَجعلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً} بِالضَّرْبِ وَالْقَتْل وَغير ذَلِك {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} قَالَ الله كَذَلِك يَفْعَلُونَ يَعْنِي مُلُوك الأَرْض بالكبرياء
{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ} إِلَى سُلَيْمَان {بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ} فأنتظر {بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ} الرُّسُل
{فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ} رسولها إِلَى سُلَيْمَان {قَالَ} سُلَيْمَان {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} هَدِيَّة {فَمَآ آتَانِي الله} أعطانى الله من الْملك والنبوة {خَيْرٌ} أفضل {مِّمَّآ آتَاكُمْ} أَعْطَاكُم من المَال {بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} إِن ردَّتْ إِلَيْكُم
{ارْجع إِلَيْهِمْ} بهديتهم {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ} بجموع {لَاّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} لَا طَاقَة لَهُم بهَا {وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ} من سبأ {أَذِلَّةً} مغلولة أَيْمَانهم إِلَى أَعْنَاقهم {وَهُمْ صَاغِرُونَ} ذليلون
{قَالَ} سُلَيْمَان {يَا أَيهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} بسريرها {قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} مستسلمين مصالحين
{قَالَ عِفْرِيتٌ} شَدِيد {مِّن الْجِنّ} يُقَال لَهُ عَمْرو {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} من مجلسك للْقَضَاء وَكَانَ مجْلِس قَضَائِهِ إِلَى انتصاف النَّهَار {وَإِنِّي عَلَيْهِ} على حمله {لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} على مَا فِيهِ من الْجَوَاهِر واللؤلؤ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة قَالَ سُلَيْمَان بل أُرِيد أسْرع من هَذَا
{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكتاب} اسْم الله الْأَعْظَم يَا حَيّ يَا قيوم وَهُوَ آصف بن برخيا {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} قبل أَن يبلغ الشَّيْء الَّذِي رَأَيْته من بعيد {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً} ثَابتا {عِندَهُ} يَعْنِي عرشها عِنْد عَرْشه {قَالَ} لآصف {هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي} من منَّة ربى {لِيَبْلُوَنِي} ليختبرني {أَأَشْكُرُ} نعْمَته {أَمْ أَكْفُرُ} أم أترك شكر نعْمَته {وَمَن شَكَرَ} نعْمَته {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} ثَوَاب ربه {وَمَن كَفَرَ} ترك شكر نعْمَته {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} عَن شكره {كَرِيمٌ} متجاوز لمن تَابَ لَا يعجل بالعقوبة
{قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} غيروا سريرها فزيدوا فِيهِ وانقصوا مِنْهُ {نَنْظُر أتهتدي} أتعرف {أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذين لَا يَهْتَدُونَ} لَا يعْرفُونَ
{فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ} قَالَ لَهَا سُلَيْمَان {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} سريرك شبهوه عَلَيْهَا {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} شبهتموه عَليّ {وَأُوتِينَا الْعلم مِن قَبْلِهَا} فَقَالَ سُلَيْمَان قد أَعْطَانِي الله بتغيير سريرها ومجيئه من قبل مجيئها
{وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} أَي مُخلصين من قبل مجيئها
{وَصَدَّهَا} صرفهَا سُلَيْمَان وَيُقَال صرفهَا الله {مَا كَانَت} عَمَّا كَانَت {تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} يَعْنِي الشَّمْس {إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ} الْمَجُوس
{قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح} الْقصر {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} مَاء غمراً يَعْنِي كثيرا {وَكَشَفَتْ} رفعت ثِيَابهَا {عَن سَاقَيْهَا قَالَ} لَهَا سُلَيْمَان {إِنَّهُ صَرْحٌ} قصر {مُّمَرَّدٌ} أملس {مِّن قَوارِيرَ} تَحْتَهُ مَاء فَلَا تخافي واعبري عَلَيْهِ {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بعبادتي الشَّمْس {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} على يَد سُلَيْمَان {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمين} سيد الْجِنّ وَالْإِنْس
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {صَالِحاً أَنِ اعبدوا الله} أَن قل لَهُم وحدوا الله وتوبوا إِلَيْهِ من الْكفْر والشرك {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ} فصاروا فرْقَتَيْن مُؤمنَة وكافرة {يَخْتَصِمُونَ} يتخاصمون فِي الدّين
{قَالَ} صَالح للفرقة الْكَافِرَة {يَا قوم لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ} بِالْعَذَابِ {قَبْلَ الْحَسَنَة} قبل الْعَافِيَة وَالرَّحْمَة {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ الله} هلا تتوبون من الشّرك وَالْكفْر وتوحدون الله {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا
{قَالُواْ اطيرنا بِكَ} تشاءمنا بك {وَبِمَن مَّعَكَ} من قَوْمك يعنون شدتنا من شؤمك وَمن شوم من آمن بك {قَالَ} صَالح {طَائِرُكُمْ} شدتكم ورخاؤكم {عِندَ الله} من عِنْد الله {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تختبرون بالشدة والرخاء وَيُقَال تخذلون وَلَا توفقون
{وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَةُ رَهْطٍ} نفر من الْفُسَّاق من أَبنَاء رُؤَسَائِهِمْ قدار بن سالف ومصدع ابْن دهو وأصحابهما {يُفْسِدُونَ فِي الأَرْض} بِالْمَعَاصِي {وَلَا يُصْلِحُونَ} لَا يأمرون بالصلاح وَلَا يعْملُونَ بِهِ
{قَالُوا تقاسموا بِاللَّه} يَقُول توافقوا وتخلفوا بِاللَّه ثمَّ قَالَ {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} لندخلن عَلَيْهِ وعَلى أَهله لَيْلًا ولنقتلنه وَأَهله {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} لوَرثَته وقرابته {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} قتل صَالح وَأَهله {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} يصدقوننا فِي قَوْلنَا وَلَا يرد قَوْلنَا أحد
{وَمَكَرُواْ مَكْراً} أَرَادوا قتل صَالح وَمن آمن مَعَه {وَمَكَرْنَا مَكْراً} أردنَا قَتلهمْ {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بمكرنا وَيُقَال قَتلتهمْ الْمَلَائِكَة فِي دَار صَالح بِالْحِجَارَةِ وهم لَا يَشْعُرُونَ من الْمَلَائِكَة
{فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} عُقُوبَة مَكْرهمْ بِصَالح {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} أهلكناهم بِالْحِجَارَةِ {وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} وأهلكنا قَومهمْ أَجْمَعِينَ
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} خَالِيَة سَاقِطَة {بِمَا ظلمُوا} أشركوا {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَةً} لعلامة وعبرة {لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يصدقون مَا فعل بهم
{وَأَنجَيْنَا الَّذين آمَنُواْ} بِصَالح {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَقتل النَّاقة
{وَلُوطاً} أرسلنَا لوطاً إِلَى قومه {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة} اللواط {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} تعلمُونَ أَنَّهَا فَاحِشَة
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} فَلم يكن جَوَاب قومه {إِلَاّ أَن قَالُوا أخرجُوا آلَ لُوطٍ} لوطاً وابنتيه زعورا وريثا {مِّن قَرْيَتِكُمْ} سدوم {إِنَّهُم أنَاس يتطهرون} يتنزهون عَن أدبار الرِّجَال
{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} ابْنَتَيْهِ {إِلَاّ امْرَأَته} المنافقة {قَدَّرْنَاهَا مِنَ الغابرين} يَقُول قَدرنَا عَلَيْهَا أَن تكون من المتخلفين بِالْهَلَاكِ
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم} على شذاذهم ومسافريهم {مَّطَراً} حِجَارَة {فَسَآءَ} فبئس {مَطَرُ الْمُنْذرين} من أَنْذرهُمْ لوط فَلم يُؤمنُوا
{قُلِ} يَا مُحَمَّد {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر والْمنَّة لله على هلاكهم {وَسَلَامٌ} سَعَادَة وسلامة {على عِبَادِهِ الَّذين اصْطفى} اخْتَارَهُمْ الله بِالنُّبُوَّةِ وَيُقَال اصطفاهم لله بِالْإِسْلَامِ وهم أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {الله خير} قل يَا مُحَمَّد لأهل مكى أعبادة الله أفضل {أَمَّا يُشْرِكُونَ} أم عبَادَة مَا يشركُونَ بِاللَّه من الْأَوْثَان
{أم من خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَنبَتْنَا بِهِ} بالمطر {حَدَآئِقَ} بساتين مَا أحيط عَلَيْهَا من النّخل وَالشَّجر {ذَاتَ بَهْجَةٍ} ذَات منظر حسن {مَّا كَانَ لَكُمْ} مقدرَة {أَن تنبتوا شَجَرهَا} شجر الْبَسَاتِين {أإله مَّعَ الله} سوى الله فعل ذَلِك {بَلْ هم قوم يعدلُونَ} بِهِ الْأَصْنَام
{أم من جَعَلَ الأَرْض قَرَاراً} مسكنا {وَجَعَلَ خِلَالَهَآ أَنْهَاراً} وَسطهَا أَنهَارًا {وَجَعَلَ لَهَا} للْأَرْض {رَوَاسِيَ} الْجبَال الثوابت أوتادا لَهَا {وَجعل بَين الْبَحْرين} الْعَذَاب والمالح {حاجزا} مَانِعا لَا يختلطان {أإله مَّعَ الله} سوى الله فعل ذَلِك {بَلْ أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} لَا يصدقون
{أم من يُجِيبُ الْمُضْطَر} فِي الْبلَاء {إِذَا دَعَاهُ} بِدفع الْبلَاء {ويكشف السوء} بِدفع الْبلَاء {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الأَرْض} سكان الأَرْض بعد هَلَاك أَهلهَا {أإله مَّعَ الله} سوى الله فعل ذَلِك {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} مَا تتعظون قَلِيلا وَلَا كثيرا
{أم من يَهْدِيكُمْ} ينجيكم {فِي ظُلُمَاتِ الْبر وَالْبَحْر} من شَدَائِد الْبر وَالْبَحْر إِذا سافرتم {وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاح بُشْراً} طيبَة {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} قُدَّام الْمَطَر {أإله مَّعَ الله} سوى الله فعل ذَلِك {تَعَالَى الله} تَبرأ الله {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان
{أم من يَبْدَأُ الْخلق} يبتدئه من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعيدُهُ} بعد الْمَوْت {وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات {أإله مَّعَ الله} سوى الله فعل ذَلِك {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} حجتكم {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن مَعَ الله آلِهَة شَتَّى
{قُل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {لَاّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} من الْخلق {الْغَيْب} مَتى قيام السَّاعَة ونزول الْعَذَاب
{إِلَاّ الله وَمَا يَشْعُرُونَ} وَمَا يعلم الْخلق {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} مَتى يبعثون من الْقُبُور
{بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَة} يَقُول اجْتمع علمهمْ على أَن الْآخِرَة لَا تكون {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا} من قيام السَّاعَة {بل هم مِّنْهَا} من قيام السَّاعَة {عَمُونَ} عمي لَا يبصرون
{وَقَالَ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {أئذا كُنَّا} صرنا {تُرَاباً} رميماً {وَآبَآؤُنَآ} قبلنَا {أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ} من الْقُبُور لمحيون
{لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا} الَّذِي تعدنا {نَحْنُ وَآبَآؤُنَا من قبل} من قبلنَا {إِن هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد {إِلَاّ أَسَاطِيرُ} أَحَادِيث {الْأَوَّلين}
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {سِيرُواْ} سافروا {فِي الأَرْض} فانظروا فاعتبروا {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرمين} آخر أَمر الْمُشْركين
{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} يَا مُحَمَّد إِن لم يُؤمنُوا وَيُقَال وَلَا تحزن عَلَيْهِم بِالْهَلَاكِ {وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ} وَلَا تضيق صدرك يَا مُحَمَّد {مِّمَّا يَمْكُرُونَ} مِمَّا يَقُولُونَ ويصنعون
{وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين بمجيء الْعَذَاب
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {عَسى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} قرب لكم {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} من الْعَذَاب يَوْم بدر
{وَإِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَذُو فَضْلٍ} لذُو من {على النَّاس} بِتَأْخِير الْعَذَاب {وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يَشْكُرُونَ} بِتَأْخِير الْعَذَاب
{وَإِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} تضمر قُلُوبهم من البغض والعداوة {وَمَا يُعْلِنُونَ} مَا يظهرون من الْكفْر والشرك والقتال
{وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ} من سر خَفِي {فِي السمآء وَالْأَرْض} من أهل السَّمَاء وَالْأَرْض {إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} إِلَّا مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآن} الَّذِي تقْرَأ عَلَيْهِم يَا مُحَمَّد {يَقُصُّ على بني إِسْرَائِيلَ} يبين لبني إِسْرَائِيل الْيَهُود وَالنَّصَارَى {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} كل الَّذِي هم فِيهِ فِي الدّين يخالفون
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَهُدىً} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {للْمُؤْمِنين} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن
{إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى {بِحُكْمِهِ} وقضائه يَوْم الْقِيَامَة {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة مِنْهُم {الْعَلِيم} بهم وبعقوبتهم
{فَتَوَكَّلْ} يَا مُحَمَّد {عَلَى الله إِنَّكَ عَلَى الْحق الْمُبين} على الدّين الظَّاهِر وَهُوَ الْإِسْلَام
{إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} بالقلوب وَيُقَال كَأَنَّهُ ميت {وَلَا تُسْمِعُ الصم} بالقلوب وَيُقَال المتصامم {الدعآء} دعوتك إِلَى الْحق وَالْهدى {إِذَا وَلَّوْاْ} أَعرضُوا {مُدْبِرِينَ} عَن الْحق وَالْهدى
{وَمَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {بِهَادِي الْعمي عَن ضلالتهم} إِلَى الْهدى {إِن تسمع} مَا تسمع دعوتك {إِلَاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {فَهُم مُّسْلِمُونَ} مخلصون بِالْعبَادَة والتوحيد
{وَإِذَا وَقَعَ} وَجب {القَوْل عَلَيْهِم} بالسخط وَالْعَذَاب
{أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأَرْض} بَين الصَّفَا والمروة وَهِي عَصا مُوسَى وَيُقَال مَعهَا عَصا مُوسَى {تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا} بآيَات رَبنَا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن وَيُقَال بِخُرُوج الدَّابَّة {لَا يُوقِنُونَ} لَا يصدقون وَإِن قَرَأت بِنصب التَّاء تضربهم وتجرحهم
{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ} من كل أهل دين {فَوْجاً} جمَاعَة {مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يَقُول يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم
{حَتَّى إِذا جاؤوا} اجْتَمعُوا {قَالَ} الله لَهُم {أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي} بكتابي ورسولي {وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً} يَقُول جحدتم وَلم تعلمُوا أَنَّهَا لَيست منى {أم مَاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر والشرك
{وَوَقَعَ القَوْل} وَجب القَوْل {عَلَيْهِمْ} بالسخط وَالْعَذَاب {بِمَا ظَلَمُواْ} بكفرهم وشركهم {فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ} لَا يجيبون
{أَلَمْ يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْل} مسكنا {لِيَسْكُنُواْ} ليستقروا {فِيهِ وَالنَّهَار مُبْصِراً} مضيئاً مطلباً لمعايشتهم {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَاتٍ} لعلامات {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقون
{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور} وَهِي نفخة الْمَوْت {فَفَزعَ} مَاتَ مَن {فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَمَن فِي الأَرْض} من الْخلق {إِلَاّ مَن شَآءَ الله} من أهل السَّمَاء جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت فَإِنَّهُم لَا يموتون فِي النفخة الأولى وَلَكِن يموتون بعد ذَلِك {وَكُلٌّ} يَعْنِي أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض {أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} يأْتونَ إِلَى الله يَوْم الْقِيَامَة صاغرين ذليلين
{وَتَرَى الْجبَال} يَا مُحَمَّد فِي النفخة الأولى {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} سَاكِنة مُسْتَقِرَّة {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاب} فِي الْهَوَاء {صُنْعَ الله} هَذَا فعل الله بخلقه {الَّذِي أَتْقَنَ} أحكم {كُلَّ شَيْءٍ} من الْخلق {إِنَّهُ خَبِيرٌ} عَالم {بِمَا تَفْعَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر
{مَن جَآءَ بِالْحَسَنَة} من جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة بِلَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً بهَا {فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا} فخيره كُله مِنْهَا وَمن قبلهَا {وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} وهم آمنون من الْفَزع وَالْعَذَاب إِذا أطبقت النَّار
{وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ} بالشرك بِاللَّه {فَكُبَّتْ} قلبت {وُجُوهُهُمْ فِي النَّار هَلْ تُجْزَوْنَ} فِي الْآخِرَة {إِلَاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا قل يَا مُحَمَّد
{إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ} أوحد {رَبِّ هَذِهِ الْبَلدة} يَعْنِي مَكَّة {الَّذِي حَرَّمَهَا} جعلهَا حرما {وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ} من الْخلق {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسلمين} مَعَ الْمُسلمين على دينهم
{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآن} أمرت أَن أَقرَأ عَلَيْكُم الْقُرْآن {فَمَنِ اهْتَدَى} آمن بِمَا فِي الْقُرْآن {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي} يُؤمن {لِنَفْسِهِ} ثَوَاب ذَلِك لنَفسِهِ {وَمَن ضَلَّ} كفر بِالْقُرْآنِ {فَقُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُنْذرين} المخوفين من النَّار بِالْقُرْآنِ
ثمَّ أمره بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ فَقَالَ {وَقُلِ} يَا مُحَمَّد {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله والوحدانية لله {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} عَلَامَات وحدانيته وَقدرته بِالْعَذَابِ يَوْم بدر {فَتَعْرِفُونَهَا} فتعلمون أَن مَا يَقُول لكم مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام حق وَصدق {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ} بساه {عَمَّا تَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر والشرك يَعْنِي كفار قُرَيْش هَذَا وَعِيد لَهُم من الله فِي الْكفْر والشرك وَيُقَال بتارك عُقُوبَة مَا تَعْمَلُونَ من الْمَكْر والخيانة وَالْفساد
tit/2 وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْقَصَص وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد} فانها نزلت بِالْجُحْفَةِ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة آياتها ثَمَان وَثَمَانُونَ وكلماتها أَرْبَعمِائَة وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَثَمَانمِائَة {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {/ tit
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {طسم} ط طوله وَقدرته وسين سناؤه ورفعته وَمِيم ملكه وَيُقَال قسم أقسم بِهِ
{تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب الْمُبين} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي
{نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدقون بك وَبِالْقُرْآنِ
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا} خَالف وتجبر وَكفر {فِي الأَرْض} أَرض مصر {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} فرقا فرقا {يَسْتَضْعِفُ} يقهر {طَآئِفَةً مِّنْهُمْ} من بني إِسْرَائِيل {يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ} صغَارًا {وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} يستخدمهم كبارًا {إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} فِي كفره بِالْقَتْلِ وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله
{وَنُرِيدُ} بإرسال مُوسَى إِلَيْهِم وهلاكهم {أَن نَّمُنَّ} تنزلهم بالنجاة {عَلَى الَّذين استضعفوا} قهروا وهم بَنو إِسْرَائِيل {فِي الأَرْض} أَرض مصر {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قادة فِي الْخَيْر {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثين} وارثي أَرض مصر
{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ} ونملكهم {فِي الأَرْض} أَرض مصر {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} جموعهما {مِنْهُمْ} من مُوسَى وَبني إِسْرَائِيل {مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} من ذهَاب الْملك
{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى} ألهمنا أم مُوسَى يوحانذ بنت لاوي بن يَعْقُوب {أَنْ أَرْضِعِيهِ} أَن أرضعي هَذَا الصَّبِي {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} أَن يضيع {فَأَلْقِيهِ فِي اليم} فاطرحيه فِي التابوت والتابوت فِي الْبَحْر {وَلَا تَخَافِي} من الْغَرق {وَلَا تحزني} من الضَّيْعَة أَن لَا يرد إِلَيْك {إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسلين} إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه
{فالتقطه} فرفعه {آلُ فِرْعَوْنَ} جواري فِرْعَوْن من بَين المَاء وَالشَّجر فَأَخَذته وذهبن بِهِ إِلَى امْرَأَة فِرْعَوْن {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً} من بعد مَا يَجِيء إِلَيْهِم بالرسالة {وَحَزَناً} بذهاب ملكهم {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ} مُشْرِكين
{وَقَالَتِ امْرَأَة فِرْعَوْنَ} آسِيَة بنت مُزَاحم وَكَانَت عمَّة مُوسَى {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي} هَذَا الْغُلَام {وَلَكَ} يَا فِرْعَوْن {لَا تَقْتُلُوهُ عَسى أَن ينفعنآ} فِي ضيعتنا {أَو نتخذه ولدا} أَو نتبناه {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بَنو إِسْرَائِيل لَا يعلمُونَ أَنه لَيْسَ منا وَيُقَال وهم لَا يَشْعُرُونَ أَن هلاكهم على يَدَيْهِ
{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى} صَار قلب أم مُوسَى يوحانذ {فَارِغاً} من كل همّ وَذكر إِلَّا همّ مُوسَى وَذكر مُوسَى {إِن كَادَتْ} قد كَادَت {لَتُبْدِي بِهِ} لتظهر بِهِ تَقول هَذَا ابْني بعد مَا انتسب بِهِ إِلَى فِرْعَوْن
{لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا} حفظنا {على قَلْبِهَا} بِالصبرِ {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ} من المصدقين بوعد الله أَن يكون من الْمُرْسلين
{وَقَالَتْ} يَعْنِي أم مُوسَى {لأُخْتِهِ} لأخت مُوسَى تسمى مَرْيَم {قُصِّيهِ} اتبعي أَثَره {فَبَصُرَتْ بِهِ} بالغلام {عَن جُنُبٍ} عَن بعد {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} لَا يعلمُونَ أَنَّهَا أُخْت مُوسَى
{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ} على مُوسَى {المراضع} ألبان النِّسَاء {مِن قَبْلُ} من قبل مَجِيء أمه {فَقَالَتْ} أُخْت مُوسَى لآل فِرْعَوْن {هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} يرضعون لكم هَذَا الْغُلَام {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} حافظون بالتربية فدلت على أمه
{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} تطيب نَفسهَا بمُوسَى {وَلَا تَحْزَنَ} على مُوسَى {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله} فِي رده إِلَيْهَا {حَقٌّ} صدق {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} يَعْنِي أهل مصر {لَا يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} ثَمَان عشرَة سنة {واستوى} خلقه أَرْبَعِينَ سنة {آتَيْنَاهُ} أعطيناه {حُكْماً} فهما {وَعِلْماً} نبوة {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} النَّبِيين بالفهم والنبوة وَيُقَال الصَّالِحين بِالْعلمِ وَالْحكمَة
{وَدخل الْمَدِينَة على حِين غَفلَة} اشْتِغَال اشْتِغَال {مِّنْ أَهْلِهَا} عِنْد القيلولة وَيُقَال بعد صَلَاة الْمغرب {فَوَجَدَ فِيهَا} فِي الْمَدِينَة {رَجُلَيْنِ} إِسْرَائِيلِيًّا وقبطياً {يَقْتَتِلَانِ} يتنازعان ويتحاربان بَينهمَا {هَذَا مِن شِيعَتِهِ} من شيعَة مُوسَى الإسرائيلي {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} من عَدو مُوسَى القبطي {فاستغاثه الَّذِي مِن شِيعَتِهِ} من شيعَة مُوسَى {عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} من عَدو مُوسَى {فَوَكَزَهُ مُوسَى} فَجمع مُوسَى أَصَابِعه وَقبض عَلَيْهَا فلكزه لكزة {فَقضى عَلَيْهِ} الْمَوْت فَخر مَيتا {قَالَ} مُوسَى {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان} بِأَمْر الشَّيْطَان {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة وَنَدم على قَتله
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بقتل النَّفس {فَاغْفِر لِي} ذَنبي تجَاوز عني {فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغفور} المتجاوز {الرَّحِيم} لمن تَابَ
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} مننت عَليّ بالمعرفة والتوحيد وَالْمَغْفِرَة {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} فَلَا تجعلني عوناً للْمُشْرِكين لفرعون وَقَومه
{فَأَصْبَحَ} فَصَارَ {فِي الْمَدِينَة خَآئِفاً} من قتل القبطي {يَتَرَقَّبُ} ينْتَظر مَتى يُؤْخَذ بِهِ {فَإِذَا الَّذِي استنصره} اسْتَعَانَ بِهِ {بالْأَمْس} على القبطي {يَسْتَصْرِخُهُ} يستغيثه على آخر من القبط {قَالَ لَهُ} للإسرائيلي {مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} مجادل بيّن الْجِدَال وَأَقْبل عَلَيْهِ بالعون
{فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ} أَن يَأْخُذ {بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا} القبطي ظن الإسرائيلي أَنه يُريدهُ {قَالَ} أى الإسرائيلى {يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي} الْيَوْم {كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً} قبطياً {بالْأَمْس إِن تُرِيدُ} مَا تُرِيدُ {إِلَاّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً} قتالاً {فِي الأَرْض} فِي أَرض مصر {وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المصلحين}
من المتورعين الآمرين بِالْمَعْرُوفِ والناهين عَن الْمُنكر
{وَجَآءَ رَجُلٌ} وَهُوَ حزقيل {مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَة} من أَسْفَل الْمَدِينَة وَيُقَال من وسط الْمَدِينَة {يسْعَى} يسْرع ويشتد فى مَشْيه {قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ} أَوْلِيَاء الْمَقْتُول {يَأْتَمِرُونَ بِكَ} اتَّفقُوا عَلَيْك {لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُج} من الْمَدِينَة {إِنِّي لَكَ مِنَ الناصحين} من المشفقين
{فَخَرَجَ} مُوسَى {مِنْهَا} من الْمَدِينَة {خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ} ينْتَظر ويلتفت مَتى يلْحق وَيُؤْخَذ بِهِ {قَالَ} عِنْد ذَلِك {رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْم الظَّالِمين} أهل مصر
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ} سَار نَحْو مَدين خَافَ أَن يخطىء الطَّرِيق {قَالَ عَسى} لَعَلَّ {رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي} أَن يرشدني {سَوَآءَ السَّبِيل} قصد الطَّرِيق نَحْو مَدين
{وَلَمَّا وَرَدَ} بلغ {مَآءَ مَدْيَنَ} وَهُوَ بِئْر {وَجَدَ عَلَيْهِ} على المَاء {أُمَّةً} جمَاعَة {مِّنَ النَّاس} أَرْبَعِينَ رجلا {يَسْقُونَ} غَنمهمْ {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} من ورائهم {امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} تحبسان غنمهما عَن المَاء من ضعفهما حَتَّى يفرغ الْقَوْم {قَالَ} لَهما مُوسَى {مَا خَطْبُكُمَا} مَا بالكما لَا تسقيان غنمكما {قَالَتَا لَا نَسْقِي} لَا نقدر أَن نسقي غنمنا {حَتَّى يُصْدِرَ الرعآء} حَتَّى يفرغ الْقَوْم ثمَّ نسقي {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} لَيْسَ لَهُ أحد يُعينهُ غَيرنَا
{فسقى لَهما} فسقى مُوسَى غنمهما وذهبتا إِلَى أَبِيهِمَا فأخبرتا أباهما عَن خبر مُوسَى {ثُمَّ تولى} مُوسَى {إِلَى الظل} ظلّ الشَّجَرَة وَيُقَال ظلّ حَائِط وَيُقَال كن {فَقَالَ} مُوسَى {رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ} مَا قدرت لي {مِنْ خَيْرٍ} من طَعَام {فَقِيرٌ} مُحْتَاج
{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهمَا} وهى الصُّغْرَى وسمها صفورا {تَمْشِي عَلَى استحيآء} مُعْتَرضَة رَافِعَة كمها على وَجههَا كمشي العذارى وَاضِعَة يَدهَا على وَجههَا {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ} ليعطيك {أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} عوض مَا سقيت لنا غنمنا {فَلَمَّا جَآءَهُ} مُوسَى إِلَى أَبِيهَا يثرون بن أخي شُعَيْب وَقد مَاتَ شُعَيْب قبل ذَلِك {وَقَصَّ عَلَيْهِ} على يثرون {الْقَصَص} فراره من فِرْعَوْن وَغير ذَلِك {قَالَ} لَهُ يثرون {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْم الظَّالِمين} أهل مصر
{قَالَت إِحْدَاهمَا} وهى الصُّغْرَى {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرت} من الأجراء هُوَ {الْقوي} على الْحمل الثقيل {الْأمين} على الْأَمَانَة ثمَّ
{قَالَ} يثرون لمُوسَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ} أزَوجك يَا مُوسَى {إِحْدَى ابْنَتي هَاتَيْنِ على أَن تَأْجُرَنِي} تعْمل لي فِي غنمي {ثَمَانِيَ حِجَجٍ} ثَمَان سِنِين {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً} عشر سِنِين {فَمِنْ عِندِكَ} الزِّيَادَة {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} فِي الزِّيَادَة {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} بِالْوَفَاءِ
{قَالَ} مُوسَى {ذَلِكَ} الشَّرْط {بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَليْنِ قَضَيْتُ} الثمان أَو الْعشْر {فَلَا عُدْوَانَ عَليّ} فَلَا سَبِيل لَك وعَلى {وَالله على مَا نَقُولُ} من الشَّرْط وَالْوَفَاء {وَكيل} شَهِيد
عشر سِنِين {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} نَحْو مصر {آنَسَ مِن جَانِبِ الطّور نَاراً} رأى عَن يسَار الطَّرِيق نَارا {قَالَ لأَهله امكثوا} أنزلوا هَهُنَا {إِنِّي آنَسْتُ} رَأَيْت {نَاراً لعَلي آتِيكُمْ مِّنْهَا} من عِنْد النَّار {بِخَبَرٍ} عَن الطَّرِيق وَقد كَانَ تحير فِي الطَّرِيق {أَوْ جَذْوَةٍ} قِطْعَة {من النَّار لَعَلَّكُمْ تصطلون} لكى تدنؤا بهَا وَكَانُوا فِي شدَّة من الشتَاء
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي من شاطئ الْوَادي الْأَيْمن} عَن يَمِين مُوسَى {فِي الْبقْعَة الْمُبَارَكَة} بِالْمَاءِ وَالشَّجر {مِنَ الشَّجَرَة} من نَحْو الشّجر {أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا الله رَبُّ الْعَالمين} سيد الْجِنّ وَالْإِنْس
{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} من يدك {فَلَمَّا رَآهَا} بَعْدَمَا أَلْقَاهَا {تَهْتَزُّ} تتحرك رَافِعَة رَأسهَا {كَأَنَّهَا جَآنٌّ} حَيَّة لَا صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة {ولى مُدْبِراً} هَارِبا مِنْهَا {وَلَمْ يُعَقِّبْ} وَلم يلْتَفت إِلَيْهَا قَالَ الله {يَا مُوسَى أَقْبِلْ} إِلَيْهَا {وَلَا تَخَفْ} مِنْهَا {إِنَّكَ مِنَ الْآمنينَ} من شَرها فَأَخذهَا مُوسَى فَإِذا هِيَ عَصا كَمَا كَانَت قَالَ الله لَهُ
{اسلك} أَدخل {يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} فِي إبطك يَا مُوسَى {تَخْرُجْ بَيْضَآءَ} لَهَا ضوء كضوء الشَّمْس {من غير سوء} من غير برص {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} أَدخل يدك فِي إبطك بعد ذَلِك {مِنَ الرهب} من الْفرق إِذا أرهبت بهَا النَّاس {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} فهاتان حجتان {مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} قومه {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} كَافِرين مفسدين فِي شركهم
{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} أبين مني كلَاما وَكَانَ على لِسَان مُوسَى رتة {فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً} معينا {يُصَدِّقُنِي} يعبر عني كَلَامي وَيصدق قولي {إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} بالرسالة
{قَالَ} الله {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ} سنقوي ظهرك {بِأَخِيكَ} هرون {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً} عذرا وَحجَّة مقدم ومؤخر {فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ} إِلَى قتلكما {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما} بِالْإِيمَان والآيات {الغالبون} على فِرْعَوْن وَقَومه
{فَلَمَّا جَآءَهُم مُوسَى بِآيَاتِنَا} الْيَد والعصا {بَيِّنَاتٍ} مبينات {قَالُوا} يَا مُوسَى {مَا هَذَا} الَّذِي جئتنا بِهِ {إِلَاّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى} كذب مختلق من تِلْقَاء نَفسك {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا} الَّذِي تَقول يَا مُوسَى {فِي آبَآئِنَا الْأَوَّلين} من آبَائِنَا الماضين
{وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِالْهدى} بالرسالة والتوحيد {مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّار} الْجنَّة فِي الْآخِرَة {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ} لَا يَأْمَن وَلَا ينجو {الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ من عَذَاب الله
{وَقَالَ فِرْعَوْن يَا أَيهَا الْمَلأ} يَا رجال أهل مصر {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ} مَا عرفت لكم {مِّنْ إِلَه} إِلَهًا {غَيْرِي} فَلَا تطيعوا مُوسَى {فَأَوْقِدْ لِي} أَي النَّار {يَا هامان عَلَى الطين} فاطبخ لي يَا هامان من الطين آجراً {فَاجْعَلْ لِّي صَرْحاً} قصراً {لعَلي أَطَّلِعُ} أصعد وَأنْظر {إِلَى إِلَه مُوسَى} الَّذِي يزْعم أَنه فِي السَّمَاء وأرسله إِلَيّ {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبين} لَيْسَ فِي السَّمَاء من إِلَه
{واستكبر} تعظم عَن الْإِيمَان {هُوَ} فِرْعَوْن {وَجُنُودُهُ} جموعه القبط {فِي الأَرْض} فِي أَرض مصر {بِغَيْرِ الْحق} بِغَيْر أَن كَانَ لَهُم ذَلِك {وظنوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَة
{فَأَخَذْنَاهُ} يَعْنِي فِرْعَوْن بكلمته الأولى أَنا ربكُم الْأَعْلَى وَالْأُخْرَى مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي {وَجُنُودَهُ} جموعه القبط {فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم} فألقيناهم فطرحانهم فِي الْبَحْر {فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمين} آخر أَمر الْمُشْركين فِرْعَوْن وَقَومه
{وَجَعَلْنَاهُمْ} خذلناهم {أَئِمَّةً} قادة إِلَى الْكفَّار والضلال {يَدْعُونَ إِلَى النَّار} إِلَى الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {وَيَوْمَ الْقِيَامَة لَا يُنصَرُونَ} لَا يمْنَعُونَ من عَذَاب الله
{وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} أهلكناهم فِي الدُّنْيَا بِالْغَرَقِ {وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ المقبوحين} سود الْوُجُوه وزرق الْأَعْين
{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُون الأولى} من قبل مُوسَى {بَصَآئِرَ} بَيَانا {لِلنَّاسِ} لبني إِسْرَائِيل {وَهدى} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَة} لمن آمن بِهِ {لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا فيؤمنوا بِهِ
{وَمَا كُنتَ} يَا مُحَمَّد {بِجَانِبِ الغربي} الْجَبَل {إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الْأَمر} حَيْثُ أمرنَا مُوسَى الْإِتْيَان إِلَى فِرْعَوْن {وَمَا كنتَ مِنَ الشَّاهِدين} من الْحَاضِرين هُنَاكَ
{وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا} خلقنَا {قُرُوناً} قرنا بعد قرن وبيّنا قصَّة الأول للْآخر كَمَا بيّنا لَك {فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمر} الْأَجَل فَلم يُؤمنُوا فأهلكناهم قرنا بعد قرن {وَمَا كُنتَ} يَا مُحَمَّد {ثاويا} مُقيما {فِي أهل مَدين تتلو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} تقْرَأ على قَوْمك أياتنا الْقُرْآن تخبرهم {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} الرُّسُل إِلَى الْقُرُون الأولى وبيّنا قصَّة الأول للْآخر كَمَا بيّنا لَك قصَّة الْأَوَّلين
{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطّور} جبل زبير {إِذْ نَادَيْنَا} حَيْثُ كلمنا مُوسَى وَيُقَال إِذْ نادينا أمتك {وَلَكِن} علمناك وأرسلناك {رَّحْمَةً} نعْمَة ومنة {مِّن رَّبِّكَ} إِذْ أرسل إِلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ بأخبار الْأُمَم {لِتُنذِرَ قَوْماً} لكَي تخوف قوما بِالْقُرْآنِ {مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ} لم يَأْتهمْ رَسُول مخوف {مِّن قَبْلِكَ} يَعْنِي قُريْشًا {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا فيؤمنوا
{وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ} وَلَوْلَا أَن يُصِيب قَوْمك قُريْشًا عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بِمَا اكتسبوا فِي كفرهم {فَيَقُولُواْ} عِنْد نزُول الْعَذَاب بهم يَوْم الْقِيَامَة {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {لَوْلَا} هلا {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً} مَعَ الْكتاب قبل الْعَذَاب {فَنَتِّبِعَ آيَاتِكَ} كتابك وَرَسُولك {وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤمنِينَ}
بِالْكتاب وَالرَّسُول لأهلكناهم قبلك وَلَكِن أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِم بِالْقُرْآنِ لكَي لَا يكون لَهُم حجَّة علينا
{فَلَمَّا جَاءَهُم الْحق} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالْقُرْآنِ {مِنْ عِندِنَا قَالُواْ} كفار مَكَّة {لَوْلَا أُوتِيَ} هلا أعْطى مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام يَعْنِي الْيَد والعصا والمن والسلوى وَالْقُرْآن جملَة {مثل مَا أُوتِيَ} أعْطى {مُوسَى} بِزَعْمِهِ {أَو لم يَكْفُرُواْ} كفار مَكَّة {بِمَآ أُوتِيَ مُوسَى} أعطي مُوسَى {من قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يَعْنِي التَّوْرَاة {قَالُواْ} كفار مَكَّة {سِحْرَانِ} يَعْنِي التَّوْرَاة وَالْقُرْآن {تَظَاهَرَا} تعاونا {وَقَالُواْ} كفار مَكَّة {إِنَّا بِكُلٍّ} بِالتَّوْرَاةِ وَالْقُرْآن {كَافِرُونَ} جاحدون
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ الله هُوَ أهْدى} أصوب {مِنْهُمَآ} من التَّوْرَاة وَالْقُرْآن {أَتَّبِعْهُ} أعمل بِهِ {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن التَّوْرَاة وَالْقُرْآن سحران تظاهرا فَلم يقدروا أَن يَأْتُوا
قَالَ الله {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ} فَإِن لم يجيبوك الظلمَة بِمَا سَأَلتهمْ {فَاعْلَم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ} بالْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {وَمَنْ أَضَلُّ} أكفر عَن الْحق وَالْهدى {مِمَّنْ اتبع هَوَاهُ} بالْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {بِغَيْرِ هُدىً مِّنَ الله} بِغَيْر حجَّة وَبَيَان من الله {إِنَّ الله لَا يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {الْقَوْم الظَّالِمين} الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه
{وَلَقَد وصلنا لَهُم القَوْل} بَينا لَهُم الْقُرْآن بِالتَّوْحِيدِ {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا بِالْقُرْآنِ فيؤمنوا
{الَّذين آتَيْنَاهُمُ الْكتاب} أعطيناهم علم التَّوْرَاة {مِن قبله} من قبل مجىء مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام وَالْقُرْآن يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه نَحْو أَرْبَعِينَ رجلا مِنْهُم من جَاءَ من الشَّام وَمِنْهُم من جَاءَ من الْيمن {هُم بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {يُؤْمِنُونَ} يوقنون
{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} يقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن بنعت مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَصفته {قَالُوا آمنا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {إِنَّهُ الْحق مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ} من قبل قِرَاءَة الْقُرْآن علينا {مُسلمين} مقرين بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن
{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} يُعْطون ثوابهم ضعفين {بِمَا صَبَرُواْ} على أَذَى الْكفَّار وطعنهم مَتى بينوا صفة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ونعته فِي كِتَابهمْ ودخلوا فِي دين مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام {ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة} يدْفَعُونَ بالْكلَام الْحسن بِلَا إِلَه إِلَّا الله الْكَلَام الْقَبِيح الشّرك من غَيرهم {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من الْأَمْوَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون
{وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْو} الْبَاطِل يَعْنِي طعنة الْكفَّار عَلَيْهِم {أَعْرَضُواْ عَنْهُ} كراماً {وَقَالُواْ} مَعْرُوفا {لَنَآ أَعْمَالُنَا} عبَادَة الله وَدين الْإِسْلَام {وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} عَلَيْكُم أَعمالكُم عبَادَة الْأَوْثَان وَدين الشَّيْطَان الشّرك بِاللَّه {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} هدَاكُمْ الله {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلين} لَا نطلب دين الْمُشْركين بِاللَّه
{إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَا تَهْدِي} لَا تعرف {مَنْ أَحْبَبْتَ} إيمَانه يَعْنِي أَبَا طَالب {وَلَكِن الله يَهْدِي} يوفق ويرشد وَيعرف {مَن يَشَآءُ} لدينِهِ أَبَا بكر وَعمر وأصحابهما {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} لدينِهِ
{وَقَالُوا} حَارِث بن عَمْرو النوفلى وَأَصْحَابه {إِن نَّتَّبِعِ الْهدى} التَّوْحِيد {مَعَكَ} يَا مُحَمَّد {نتخطف} نطرد {من أَرْضنَا} مَكَّة {أَو لم نُمَكِّن لَّهُمْ} ننزلهم ونجعل لَهُم {حَرَماً آمِناً} من أَن يهاج فِيهِ {يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كل شَيْء} يحمل إِلَيْهِ ألون كل شىء مِمَّن الثمرات {رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا} طَعَاما لَهُم من عندنَا فَكيف أسلط عَلَيْهِم الْكفَّار إِن آمنُوا {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون
{بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} كفرت بمعيشتها {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ} مَنَازِلهمْ {لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ} من بعد هلاكهم {إِلَاّ قَلِيلاً} مِنْهَا يسكنهَا المسافرون وسائرها خراب {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثين} المالكين على مَا ملكوا وَتركُوا بعد هلاكهم
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقرى} أهل الْقرى {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا} فِي أعظمها مَكَّة وَيُقَال إِلَى عظمائها وكبرائها {رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقرى} أهل الْقرى {إِلَاّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} مشركون
{وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ} مَا أعطيتم من المَال والخدم يَا معشر قُرَيْش {فَمَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} كمتاع الْحَيَاة الدُّنْيَا الخزف والزجاج {وَزِينَتُهَا} زهرتها لَا تبقى هَذِه الزهرة {وَمَا عِندَ الله} لمُحَمد وَأَصْحَابه فِي الْجنَّة {خَيْرٌ} أفضل {وَأبقى} أدوم لكم فِي الدُّنْيَا {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أفليس لكم ذهن الإنسانية إِن الدُّنْيَا فانية وَالْآخِرَة بَاقِيَة
{أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً} يَعْنِي الْجنَّة وَهُوَ مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابه وَيُقَال هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان {فَهُوَ لَاقِيهِ} معاينه فِي الْآخِرَة {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} أعطيناه المَال والخدم فِي الدُّنْيَا يَعْنِي أَبَا جهل بن هِشَام {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَة مِنَ المحضرين} من الْمُعَذَّبين فِي النَّار
{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُنَادِيهِمْ} الله يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {فَيَقُول} الله عز وجل {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} تَعْبدُونَ وتقولون إِنَّهُم شركائى
{قَالَ الَّذين حَقَّ عَلَيْهِمُ} وَجب عَلَيْهِم {القَوْل} بالسخط وَالْعَذَاب وهم الرؤساء {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {هَؤُلَاءِ} السفلة {الَّذين أَغْوَيْنَآ} أضللنا {أَغْوَيْنَاهُمْ} أضللناهم عَن الْحق وَالْهدى {كَمَا غَوَيْنَا} ضللنا عَن الْحق وَالْهدى {تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ} مِنْهُم {مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} بأمرنا
{وَقِيلَ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ} آلِهَتكُم حَتَّى يمنعوكم من عَذَاب الله {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} فَلم يجيبوهم بِرَفْع عَذَاب الله عَنْهُم {وَرَأَوُاْ الْعَذَاب} القادة والسفلة {لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ} تمنوا لَو أَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا على الْحق وَالْهدى
{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُنَادِيهِمْ} الْكفَّار {فَيَقُولُ} الله لَهُم {مَاذَآ أَجَبْتُمُ الْمُرْسلين} بِمَا دعوكم
{فَعَمِيَتْ} فالتبست {عَلَيْهِمُ الأنبآء} الْأَخْبَار والإجابة {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {فَهُمْ لَا يَتَسَآءَلُونَ} لَا يجيبون
{فَأَمَّا مَن تَابَ} من الْكفْر {وَآمَنَ} بِاللَّه {وَعمل صَالحا} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَعَسَى} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين} من الناجين من السخط وَالْعَذَاب
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} كَمَا يَشَاء {وَيَخْتَارُ} من خلقه بِالنُّبُوَّةِ من يَشَاء يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {مَا كَانَ لَهُمُ} لأهل مَكَّة {الْخيرَة} الِاخْتِيَار {سُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {وَتَعَالَى} تَبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان
{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} مَا تضمر قُلُوبهم من البغض والعداوة {وَمَا يُعْلِنُونَ} مَا يظهرون من الْمعاصِي
{لَهُ الْحَمد} لَهُ الشُّكْر {فِي الأولى وَالْآخِرَة} على أهل الأَرْض وَالسَّمَاء وَيُقَال لَهُ الْحَمد والْمنَّة وَالْفضل وَالْإِحْسَان فِي الأولى وَالْآخِرَة على أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَلَهُ الحكم} الْقَضَاء بَينهم {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُمْ} مَا تَقولُونَ يَا معشر الْكفَّار {إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ اللَّيْل} إِن ترك الله عَلَيْكُم اللَّيْل مظلماً {سَرْمَداً} دَائِما {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} لَا نَهَار فِيهِ {مَنْ إِلَه غَيْرُ الله} سوى الله {يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ} بنهار {أَفَلَا تَسْمَعُونَ} أَفلا تطيعون من جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد أَيْضا {أَرَأَيْتُمْ} مَا تَقولُونَ {إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ} إِن ترك الله عَلَيْكُم {النَّهَار سَرْمَداً} دَائِما {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} لَا ليل فِيهِ {مَنْ إِلَه غَيْرُ الله} سوى الله {يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} تستقرون فِيهِ {أَفلَا تُبْصِرُونَ} أَفلا تصدقُونَ من جعل لكم خلق اللَّيْل وَالنَّهَار
{وَمِن رَّحْمَتِهِ} نعْمَته {جَعَلَ لَكُمُ} خلق لكم {اللَّيْل وَالنَّهَار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} لتستقروا فِي اللَّيْل {وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} لكَي تَطْلُبُوا بِالنَّهَارِ فَضله بِالْعلمِ وَالْعِبَادَة {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته عَلَيْكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} تَقولُونَ إِنَّهُم شركائي
{وَنَزَعْنَا} أخرجنَا {مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} نَبيا يشْهد عَلَيْهِم بالبلاغ وَهُوَ نَبِيّهم الَّذِي كَانَ فيهم فِي الدُّنْيَا {فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} حجتكم لماذا رددتم على الرُّسُل {فَعَلمُوا} علم كل أمة {أَنَّ الْحق لِلَّهِ} أَن عبَادَة الله وَدين الله الْحق وَأَن الْقَضَاء فيهم لله {وَضَلَّ عَنْهُمْ} اشْتغل عَنْهُم بِأَنْفسِهِم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعْبدُونَ بِالْكَذِبِ
{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى} ابْن عَم مُوسَى {فبغى عَلَيْهِمْ} فتطاول على مُوسَى وَهَارُون وقومهما فَقَالَ لمُوسَى الرسَالَة ولهارون الحبورة وَلست فِي شَيْء لَا أرْضى بِهَذَا ورد على مُوسَى نبوته {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {مِنَ الْكُنُوز} يَعْنِي الْأَمْوَال {مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ} مَفَاتِيح خزائنه {لَتَنُوءُ بالعصبة} لتثقل بِالْجَمَاعَة {أُوْلِي الْقُوَّة} ذَوي الْقُوَّة وهم أَرْبَعُونَ رجلا يحملون مَفَاتِيح خزانته {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} قوم مُوسَى {لَا تَفْرَحْ} لَا تبطر بِالْمَالِ وتشرك {إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الفرحين} البطرين فِي المَال
{وابتغ} اطلب {فِيمَآ آتَاكَ الله} بِمَا أَعْطَاك الله بِالْمَالِ {الدَّار الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} لَا تتْرك نصيبك من الْآخِرَة بنصيبك من الدُّنْيَا وَيُقَال لَا تنقص نصيبك من الدُّنْيَا بِمَا أنفقت وَأعْطيت للآخرة {وَأَحْسِن} إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين {كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} بِالْمَالِ {وَلَا تَبْغِ الْفساد فِي الأَرْض} لَا تعْمل بِالْمَعَاصِي وَخلاف أَمر الرَّسُول مُوسَى عليه الصلاة والسلام {إِنَّ الله لَا يُحِبُّ المفسدين} بِالْمَعَاصِي
{قَالَ} قَارون {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ} أَعْطَيْت هَذَا المَال الذى أَعْطَيْت {على علم عِنْدِي} على مَا علم الله أَنِّي أهل لذَلِك وَيُقَال يصنع الذَّهَب بالكيمياء {أَو لم يَعْلَمْ} قَارون {أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُون} الْمَاضِيَة {مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً} بِالْبدنِ {وَأَكْثَرُ جَمْعاً} مَالا ورجالاً {وَلَا يسْأَل عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} الْمُشْركُونَ يَوْم الْقِيَامَة كل يعرف بسيماه
الَّتِي كَانَت لَهُ من الْخَيل وَالْبِغَال والغلمان والجواري وحلي الذَّهَب وَالْفِضَّة وألوان السِّلَاح وَالثيَاب {قَالَ الَّذين يُرِيدُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} وهم الراغبون {يَا لَيْت لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ} أعطي {قَارُونُ} من المَال {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} نصيب كثير
{وَقَالَ الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا علم الزّهْد والتوكل وهم الزاهدون قَالُوا للراغبين {وَيْلَكُمْ} ضيق الله عَلَيْكُم الدُّنْيَا {ثَوَابُ الله خَيْرٌ} فِي الْجنَّة أفضل {لِّمَنْ آمَنَ} بِاللَّه وبموسى {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {وَلَا يُلَقَّاهَآ} لَا يعْطى الْجنَّة {إِلَاّ الصَّابِرُونَ} على أَمر الله والمرازي وَيُقَال لَا يوفق للكلمة الطّيبَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِلَاّ الصَّابِرُونَ على أَمر الله والمرازي
{فَخَسَفْنَا بِهِ} بقارون {وَبِدَارِهِ} بمنزله {الأَرْض} غارت بِهِ الأَرْض {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ} من جمَاعَة وجند {يَنصُرُونَهُ} يمنعونه {مِن دُونِ الله} من عَذَاب الله حِين نزل بِهِ {وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين} الممتنعين بِنَفسِهِ من عَذَاب الله
{وَأَصْبَحَ} صَار {الَّذين تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ} قدره ومنزلته وَمَاله {بالْأَمْس يَقُولُونَ} بَعضهم لبَعض {وَيْكَأَنَّ الله} لَيْسَ كَمَا قَالَ قَارون إِن هَذَا المَال بصنعي وَلَكِن الله {يَبْسُطُ} يُوسع {الرزق} المَال {لمن يشآء} على من يَشَاء {من عباده} وَهُوَ مكر مِنْهُ كَمَا كَانَ لقارون {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {لَوْلَا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا} فَمنع عَنَّا مَا أعطَاهُ {لَخَسَفَ بِنَا} غارت بِنَا الأَرْض كَمَا خسف بقارون {وَيْكَأَنَّهُ} وَأَنه وَالْيَاء وَالْكَاف صلَة فِي الْكَلَام {لَا يُفْلِحُ} لَا ينجو وَلَا يَأْمَن {الْكَافِرُونَ} من عَذَاب الله
{تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة} الْجنَّة {نَجْعَلُهَا} نعطيها {لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً} عتواً وتكبراً {فِي الأَرْض} بِالْمَالِ {وَلَا فَسَاداً} بالنقش والتصاوير والمعاصي {وَالْعَاقبَة} الْجنَّة {لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك والعلو وَالْفساد فِي الأَرْض
{مَن جَآءَ بِالْحَسَنَة} بِلَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً بهَا {فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا} فَلهُ مِنْهَا خير {وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ} بالشرك بِاللَّه {فَلَا يُجْزَى الَّذين عَمِلُواْ السَّيِّئَات} فِي الشّرك بِاللَّه {إِلَاّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} النَّار
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآن} نزل عَلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ} إِلَى مَكَّة وَيُقَال الْجنَّة {قُل} يَا مُحَمَّد {رَبِّي أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِالْهدى} بِالتَّوْحِيدِ وَالْقُرْآن {وَمَنْ هُوَ فِي ضلال مُبين} فِي كفر بَين وَخطأ بَين
{وَمَا كنت} يَا مُحَمَّد {ترجو أَن يلقى إِلَيْكَ الْكتاب} أَن ينزل عَلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ وَتَكون نَبيا {إِلَاّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} وَلَكِن منَّة وكرامة من رَبك إِذْ أرسل عَلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ وجعلك نَبيا {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهيراً} عوناً {لِّلْكَافِرِينَ} بالْكفْر
{وَلَا يَصُدُّنَّكَ} لَا يصرفنك {عَنْ آيَاتِ الله} الْقُرْآن {بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ} جِبْرِيل بهَا {وادع إِلَى رَبِّكَ} إِلَى تَوْحِيد رَبك وَكتاب رَبك {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم مِنْهُم
{وَلَا تَدْعُ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ} لَا تعبد من دون الله أحدا وَلَا تدع الْخلق إِلَى أحد دون الله {لَا إِلَه إِلَاّ هُوَ} وَحده لَا شريك لَهُ {كُلُّ شَيْءٍ} كل عمل لغير وَجه الله {هَالِكٌ} مَرْدُود {إِلَاّ وَجْهَهُ} إِلَّا مَا ابْتغى بِهِ وَجهه وَيُقَال كل وَجه متغير إِلَّا وَجهه وكل ملك زائل إِلَّا ملكه {لَهُ الحكم} الْقَضَاء بَين خلقه {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجازيكم بأعمالكم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا العنكبوت وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وَسَبْعُونَ آيَة وكلماتها سَبْعمِائة وَثَمَانُونَ كلمة وحروفها أَرْبَعَة آلَاف وَمِائَة وَخَمْسَة وَأَرْبَعُونَ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الم} يَقُول أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ بقوله وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذين مِن قبلهم
{أَحسب النَّاس} أيظن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {أَن يتْركُوا} يمهلوا بعد مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {أَن يَقُولُوا} بِأَن يَقُولُوا آمنا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} لَا يبتلون بالهوى والبدعة وانتهاك الْمَحَارِم
{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} ابتلينا الَّذين من قبل أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بعد النَّبِيين بالهوى والبدعة وانتهاك الْمَحَارِم {فَلَيَعْلَمَنَّ الله} لكَي يرى الله ويميز {الَّذين صَدَقُواْ} فِي إِيمَانهم باجتناب الْهوى والبدعة وَترك الْمَحَارِم {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبين} يَعْنِي المكذبين فِي إِيمَانهم بالهوى والبدعة وانتهاك الْمَحَارِم
ثمَّ نزل فِي أبي جهل بن هِشَام والوليد بن الْمُغيرَة وَعتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة الَّذين بارزوا على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ وَحَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم النبى صلى الله عليه وسلم وَعبيدَة بن عبد الْمطلب يَوْم بدر وتفاخر بَعضهم على بعض فَقَالَ {أَمْ حَسِبَ} أيظن {الَّذين يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات} فِي الشّرك بِاللَّه {أَن يَسْبِقُونَا} أَن يفوتوا من عذابنا {سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس مَا يقضون ويظنون لأَنْفُسِهِمْ ذَلِك
{مَن كَانَ يَرْجُو} يخَاف {لِقَآءَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {فَإِنَّ أَجَلَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {لآتٍ} لكائن {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالة كلا الْفَرِيقَيْنِ يَوْم بدر {الْعَلِيم} بِمَا يصيبهم
ثمَّ نزل فِي عَليّ وصاحبيه بِمَا افْتَخرُوا فَقَالَ {وَمَن جَاهَدَ} فِي سَبِيل الله يَوْم بدر {فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} فَلهُ بذلك الثَّوَاب {إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالمين} عَن جِهَاد الْعَالمين
{وَالَّذين آمَنُواْ} عَليّ وصاحباه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} لنمحصن عَنْهُم ذنوبهم دون الْكَبَائِر {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي جهادهم
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان} أمرنَا الْإِنْسَان سعد بن أبي وَقاص {بِوَالِدَيْهِ} بِمَالك وَحمْنَة بنت أبي سُفْيَان {حُسْناً} برا بهما {وَإِن جَاهَدَاكَ} أمراك وأراداك {لِتُشْرِكَ} لتعدل {بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أَنه شَرِيكي وَلَك علم أَنه لَيْسَ لي شريك {فَلَا تُطِعْهُمَآ} فِي الشّرك وَكَانَ أَبَوَاهُ مُشْرِكين {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} مرجعك ومرجع أَبَوَيْك {فَأُنَبِّئُكُم} فأخبركم {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر فِي الْكفْر وَالْإِيمَان
{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم فِي كل زمَان {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحين} مَعَ الصَّالِحين وَفِي الْجنَّة أبي بكر الصّديق وَعمر الْفَارُوق وَعُثْمَان ذِي النورين وَعلي الْأمين رضى الله عَنْهُم
{وَمِنَ النَّاس} وَهُوَ عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي {مَن يِقُولُ آمَنَّا بِاللَّه} صدقنا بتوحيد الله {فَإِذَآ أُوذِيَ فِي الله} عذب فِي دين الله {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاس} عَذَاب النَّاس بالسياط {كَعَذَابِ الله} فِي النَّار دَائِما حَتَّى كفر وَرجع عَن دينه {وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ} فتح مَكَّة {لَيَقُولُنَّ} عَيَّاش وَأَصْحَابه {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} على دينكُمْ {أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالمين} قُلُوب الْعَالمين من الْخَيْر وَالشَّر ثمَّ أسلم عَيَّاش وَأَصْحَابه بعد ذَلِك وَحسن إسْلَامهمْ
{وَلَيَعْلَمَنَّ} يرى ويميز {الله الَّذين آمَنُواْ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {وَلَيَعْلَمَنَّ} يرى ويميز {الْمُنَافِقين} يَوْم بدر
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لِلَّذِينَ آمَنُواْ} عَليّ وسلمان وأصحابهما {اتبعُوا سَبِيلَنَا} ديننَا فِي عبَادَة الْأَوْثَان {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} ذنوبكم عَنْكُم يَوْم الْقِيَامَة {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ} ذنوبهم {مِّن شَيْءٍ} يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي مقالتهم
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أوزارهم يَوْم الْقِيَامَة {وَأَثْقَالاً} مثل أوزار الَّذين يضلونهم {مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} مَعَ أوزارهم {وليسألن يَوْمَ الْقِيَامَة عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يكذبُون على الله
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ} فَمَكثَ فيهم {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَاّ خَمْسِينَ عَاماً} يَدعُوهُم إِلَى التَّوْحِيد فَلم يُجِيبُوهُ {فَأَخَذَهُمُ الطوفان} فأهلكهم الله بالطوفان {وَهُمْ ظَالِمُونَ} كافرون
{فأَنْجَيْناهُ} نوحًا {وأَصْحَابَ السَّفِينَة} وَمن آمن مَعَه فِي السَّفِينَة {وَجَعَلْنَاهَآ} سفينة نوح {آيَةً} عِبْرَة {للْعَالمين} بعدهمْ
{وَإِبْرَاهِيمَ} وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيم إِلَى قومه {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله} وحدوا الله {واتقوه} اخشوه وأطيعوه بِالتَّوْبَةِ من الْكفْر والشرك وَعبادَة الْأَوْثَان {ذَلِكُم} التَّوْبَة والتوحيد {خَيْرٌ لَّكُمْ} مِمَّا أَنْتُم عَلَيْهِ {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ذَلِك وتصدقون وَلَكِن لَا تعلمُونَ وَلَا تصدقُونَ
{إِنَّمَا تَعْبدُونَ من دون الله أوثانا} أَحْجَار {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} وتقولون كذبا وتنحتون بِأَيْدِيكُمْ مَا تَعْبدُونَ من دون الله {إِنَّ الَّذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {لَا يَمْلِكُونَ لكم رزقا} لَا يقدرُونَ أَن يرزقوكم {فابتغوا عِندَ الله الرزق} فَاطْلُبُوا من الله الرزق {واعبدوه} ووحدوه {واشكروا لَهُ} بِالتَّوْحِيدِ {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم
{وَإِن تكذبوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة با معشر قُرَيْش {فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ} رسلهم بالرسالة فأهلكناهم {وَمَا عَلَى الرَّسُول إِلَاّ الْبَلَاغ} تَبْلِيغ الرسَالَة عَن الله {الْمُبين} يبين لَهُم بلغَة يعلمونها
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} يخبروا كفار مَكَّة فِي الْكتاب {كَيفَ يبدئ الله الْخلق} من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّ ذَلِك} إبداءه وإعادته {عَلَى الله يسير} هَين
{قُلْ} يَا مُحَمَّد {سِيرُواْ} سافروا {فِي الأَرْض فانظروا كَيْفَ بَدَأَ} الله {الْخلق} من النُّطْفَة وأهلكهم بعد ذَلِك {ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة} يخلق الله الْخلق يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْخلق والبعث وَالْمَوْت والحياة {قَدِيرٌ}
{يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} يُمِيت من يَشَاء على الْكفْر فيعذبه {وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ} يُمِيت من يَشَاء على الْإِيمَان فيرحمه {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} ترجعون بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم
{وَمَآ أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {بِمُعْجِزِينَ} بفائتين من عَذَاب الله {فِي الأَرْض} من أهل الأَرْض {وَلَا فِي السمآء} وَلَا من أهل السَّمَاء
334 -
{وَمَا لكم من دون الله} من عَذَاب الله {مِن وَلِيٍّ} قريب ينفعكم {وَلَا نَصِيرٍ} مَانع يمنعكم من عَذَاب الله
{وَالَّذين كفرُوا بآيَات الله} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر الْكفَّار {وَلِقَآئِهِ} وَكَفرُوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي} من جنتي وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَن يكون فِي الْجنَّة الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع من جنته {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} وجيع
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} لم يكن جَوَاب قوم إِبْرَاهِيم حَيْثُ دعاهم إِلَى الله تَعَالَى {إِلَاّ أَن قَالُواْ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} بالنَّار {فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النَّار} سالما {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بِقوم إِبْرَاهِيم {لآيَاتٍ} لعبرات {لقوم يُؤمنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن
{وَقَالَ} إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ {إِنَّمَا اتخذتم} عَبدْتُمْ {مِّن دُونِ الله أَوْثَاناً} أحجاراً {مَّوَدَّةَ} صلَة {بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} لَا تبقى {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} يتبرأ بَعْضكُم من بعض {وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ} مصيركم {النَّار} يَعْنِي العابد والمعبود {وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله
{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} فَقَالَ لَهُ لوط صدقت يَا إِبْرَاهِيم {وَقَالَ} إِبْرَاهِيم {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} رَاجع إِلَى طَاعَة رَبِّي وَخرج من حران إِلَى فلسطين {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيز} بالنقمة مِنْهُم {الْحَكِيم} حكم التَّحْوِيل من بلد إِلَى بلد لقبل سَلامَة أَمر الدّين وَالزِّيَادَة
{وَوَهَبْنَا لَهُ} لإِبْرَاهِيم {إِسْحَاق} ولدا {وَيَعْقُوب} ولد الْوَلَد {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ} نَسْله {النُّبُوَّة وَالْكتاب} يَقُول أكرمنا ذُريَّته بِالنُّبُوَّةِ وَالْكتاب وَالْولد الطّيب وَكَانَ فيهم الْأَنْبِيَاء والكتب {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ وَالثنَاء الْحسن وَالْولد الطّيب فِي الدُّنْيَا {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنَ الصَّالِحين} مَعَ آبَائِهِ الْمُرْسلين فِي الْجنَّة
{وَلُوطاً} أرسلنَا لوطاً إِلَى قومه {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُم لتأتون الْفَاحِشَة} للواطة {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالمين} يَقُول لم يعْمل قبلكُمْ أحد من الْعَالمين عَمَلكُمْ الْخَبيث
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَال} أدبار الرِّجَال {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيل} نسل الْوَلَد وَيُقَال تقطعون السَّبِيل على من مر بكم من الغرباء {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكر} تَعْمَلُونَ فِي مجالسكم الْمُنكر نَحْو عشر خِصَال كَانُوا يعملونها فى مجَالِسهمْ مثل الْحَذف بالبندق وَالْفُحْش وَغير ذَلِك {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} فَلم يكن جَوَاب قوم لوط {إِلَاّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بمجيء عَذَاب الله علينا إِن لم نؤمن
{وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ} جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة إِلَى إِبْرَاهِيم {بالبشرى} فبشروه بِالْوَلَدِ {قَالُوا} لإِبْرَاهِيم {إِنَّا مهلكو أَهْلِ هَذِه الْقرْيَة} قريات لوط {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ} مُشْرِكين اجترحوا الْهَلَاك على أنفسهم بعملهم الْخَبيث
{قَالَ} إِبْرَاهِيم {إِنَّ فِيهَا لُوطاً} كَيفَ تهلكهم يَا جِبْرِيل {قَالُواْ} يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} ) ابْنَتَيْهِ زاعورا وريثا {إِلَاّ امْرَأَته}
{وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا} جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {لُوطاً} إِلَى لوط {سِيءَ بِهِمْ} سَاءَهُ مجيئهم {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} اغتم بمجيئهم اغتماماً شَدِيدا لما خَافَ عَلَيْهِم من عمل قومه الْخَبيث {وَقَالُواْ} يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه للوط {لَا تَخَفْ} علينا {وَلَا تَحْزَنْ} لأمرنا من الْهَلَاك {إِنَّا مُنَجُّوكَ} من قَوْمك {وَأَهْلَكَ} ابنتيك {إِلَاّ امْرَأَتك} المنافقة {كَانَتْ مِنَ الغابرين} تتخلف مَعَ المتخلفين بِالْهَلَاكِ
{إِنَّا مُنزِلُونَ على أَهْلِ هَذِه الْقرْيَة} يَعْنِي قريات لوط {رِجْزاً} عذَابا {مِّنَ السمآء} بِالْحِجَارَةِ {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} يكفرون ويعصون
{وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ} تركناها يَعْنِي قريات لوط {آيَةً} عَلامَة {بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون ويعلمون مَا فعل بهم فَلَا يقتدون بهم
{وَإِلَى مَدْيَنَ} وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدين {أَخَاهُمْ} نَبِيّهم {شعيبا فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله} وحدوا الله {وارجوا الْيَوْم الآخر} خَافُوا يَوْم الْقِيَامَة {وَلَا تَعْثَوْاْ فِي الأَرْض مُفْسِدِينَ} لَا تعملوا فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ والمعاصي
{فَكَذَّبُوهُ} بالرسالة {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} الزلزلة بِالْعَذَابِ {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} فصاروا فِي مجمعهم {جَاثِمِينَ} ميتين لَا يتحركون
{وعادا} أهلكنا قوم هود {وَثَمُود} أهلكنا قوم صَالح {وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم} يَا أهل مَكَّة {مِّن مَّسَاكِنِهِمْ} من خراب مَنَازِلهمْ مَا فعل بهم {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان أَعْمَالَهُمْ} فِي الشّرك وحالهم فِي الشدَّة والرخاء {فَصَدَّهُمْ} فصرفهم بذلك {عَنِ السَّبِيل} عَن الْحق وَالْهدى {وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ} كَانُوا يرَوْنَ أَنهم على الْحق وَلم يَكُونُوا على الْحق
{وَقَارُونَ} أهلكنا قَارون {وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وَزِير فِرْعَوْن {وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فاستكبروا فِي الأَرْض} عَن الْإِيمَان وَلم يُؤمنُوا بِالْآيَاتِ {وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ} فائتين من عَذَاب الله
{فَكُلاًّ} فَكل قوم {أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} فِي الشّرك {فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} حِجَارَة وهم قوم لوط {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَة} بِالْعَذَابِ وهم قوم شُعَيْب وَصَالح {وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْض} غارت بِهِ الأَرْض وَهُوَ قَارون وَمن مَعَه {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} فِي الْبَحْر وَهُوَ فِرْعَوْن وَقَومه {وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} بإهلاكهم {وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالْكفْر والشرك وَتَكْذيب الرُّسُل
{مَثَلُ الَّذين اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا من الْأَوْثَان {كَمَثَلِ العنكبوت اتَّخذت بَيْتاً} مسكنا {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبيُوت} أَضْعَف الْبيُوت {لَبَيْتُ العنكبوت} يَقُول إِن بَيت العنكبوت لَا يَقِيهَا من حر وَلَا برد كَذَلِك الْآلهَة لَا تَنْفَع من عَبدهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} هَذَا الْمثل وَلَكِن لَا يعلمُونَ وَلَا يصدقون بذلك
{إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ} مَا يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} من الْأَوْثَان أَنَّهَا لَا تنفعهم فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن يَعْبُدهَا {الْحَكِيم} حكم أَن لَا يعبد غَيره
{وَتِلْكَ الْأَمْثَال} هَذِه الْأَمْثَال {نَضْرِبُهَا} نبينها {لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ} يَعْنِي أَمْثَال الْقُرْآن {إِلَاّ الْعَالمُونَ} بِاللَّه الموحدون
{خَلَقَ الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} للحق لَا للباطل {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرته من الْأَمْثَال {لآيَة} لعبرة {للْمُؤْمِنين} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن
{اتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكتاب} يَقُول اقْرَأ عَلَيْهِم يَا مُحَمَّد مَا أنزل إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ يعْنى بِالْقُرْآنِ {وَأَقِمِ الصَّلَاة} أتم الصَّلَوَات الْخمس {إِنَّ الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء} المعاصى {وَالْمُنكر} مَالا يعرف فِي شَرِيعَة وَلَا سنة مَا دَامَ الرجل فِيهَا فَهِيَ تَمنعهُ عَن ذَلِك {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} يَقُول ذكر الله إيَّاكُمْ بالمغفرة وَالثَّوَاب أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه بِالصَّلَاةِ {وَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر
{وَلَا تجادلوا أَهْلَ الْكتاب} لَا تخاصموا الْيَهُود وَالنَّصَارَى {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن} يعْنى الْقُرْآن {إِلَاّ الَّذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} من وَفد بني نَجْرَان بالملاعنة {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا} يعْنى الْقُرْآن {وَأنزل إِلَيْكُم} يعْنى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} مخلصون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد مقرون بِهِ
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكتاب} يَقُول هَكَذَا أنزلنَا إِلَيْك جِبْرِيل بِالْكتاب لتقرأ عَلَيْهِم مَا فِيهِ من الْأَمر وَالنَّهْي والأمثال {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكتاب} أعطيناهم علم التَّوْرَاة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {يُؤمنُونَ بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَمِنْ هَؤُلَاءِ} من أهل مَكَّة {مَن يُؤمن بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {إِلَاّ الْكَافِرُونَ} كَعْب وَأَصْحَابه وَأَبُو جهل واصحابه
{وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ} تقْرَأ {مِن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ} لَا تكتبه {بِيَمِينِكَ إِذاً} لَو كنت قَارِئًا أَو كَاتبا {لَاّرْتَابَ المبطلون} لشك الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ لِأَن فِي كِتَابهمْ أَنَّك أُمِّي لَا تقْرَأ وَلَا تكْتب
{بَلْ هُوَ} يَعْنِي نعتك وصفتك {آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} عَلَامَات بَيِّنَات علمهَا {فِي صُدُورِ الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ وَيُقَال بل هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن آيَات بَيِّنَات مبينات بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم أعْطوا الْعلم بِالْقُرْآنِ {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {إِلَاّ الظَّالِمُونَ} الْكَافِرُونَ وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ
{وَقَالُواْ} وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ {لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ} هلا أنزل على مُحَمَّد {آيَاتٌ} عَلَامَات {مِّن رَّبِّهِ} كَمَا أنزل على مُوسَى وَعِيسَى {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا الْآيَات عِندَ الله} إِنَّمَا العلامات من عِنْد الله تَجِيء {وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها
{أَو لم يَكْفِهِمْ} أهل مَكَّة يَا مُحَمَّد آيَة لنبوتك {أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {يُتْلَى} يقْرَأ {عَلَيْهِمْ} بِالْأَمر وَالنَّهْي وأخبار الْأُمَم {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي الَّذِي أنزلت إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ يَعْنِي الْقُرْآن {لَرَحْمَةً} من الْعَذَاب لمن آمن بِهِ {وذكرى} موعظة {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {كفى بِاللَّه بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} بِأَنِّي رَسُوله {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} من الْخلق {وَالَّذين آمَنُواْ بِالْبَاطِلِ}
بالشيطان {وَكَفَرُواْ بِاللَّه أُولَئِكَ هُمُ الخاسرون} المغبونون بالعقوبة يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} يَا مُحَمَّد {بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى} وَقت مَعْلُوم {لَّجَآءَهُمُ الْعَذَاب} قبل وقته {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} فَجْأَة {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بنزوله
{يَسْتَعْجِلُونَكَ} يَا مُحَمَّد {بِالْعَذَابِ} فِي الدُّنْيَا {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ} ستحيط {بالكافرين} وَهِي تجمعهم جَمِيعًا
{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ} يَأْخُذهُمْ {الْعَذَاب مِن فَوْقِهِمْ} من فَوق رُءُوسهم {وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} إِذا ألقوا فِي النَّار {وَيِقُولُ} لَهُم {ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ وتقولون فى الْكفْر
{يَا عبَادي الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعلياً وأصحابهم {إِنَّ أَرْضِي} أَرض الْمَدِينَة {وَاسِعَةٌ} آمِنَة فاخرجوا إِلَيْهَا {فإياي فاعبدون} فأطيعون
{كُلُّ نَفْسٍ} منفوسة {ذَآئِقَةُ الْمَوْت} تذوق الْمَوْت {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم
{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجنَّة} لننزلنهم فِي الْجنَّة {غرفا} علا لى {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة {نِعْمَ أَجْرُ العاملين} ثَوَاب العاملين
فَلَمَّا أَمرهم الله بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة قَالُوا لَيْسَ لنا بهَا أحد يؤوينا ويطعمنا ويسقينا فَقَالَ {وَكَأَيِّن} وَكم {مِّن دَآبَّةٍ لَاّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا} لغد إِلَّا النملة فَإِنَّهَا تجمع لسنة) {الله يَرْزُقُهَا} من تحمل وَمن لَا تحمل {وَإِيَّاكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالتكم من يرزقنا {الْعَلِيم} بأرزاقكم يعلم من أَيْن يرزقكم
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَسَخَّرَ} ذلل {الشَّمْس وَالْقَمَر لَيَقُولُنَّ} كفار مَكَّة {الله} خلق سخر وذلل {فَأنى يُؤْفَكُونَ} فَمن أَيْن يكذبُون على الله
{الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} يُوسع المَال على من يَشَاء من عباده وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيَقْدِرُ لَهُ} يقتر على من يَشَاء من عباده وَهُوَ نظر مِنْهُ {إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْبسط وَالتَّقْدِير {عليم}
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَّن نَّزَّلَ من السَّمَاء مَاء} مطر {فَأَحْيَا بِهِ} بالمطر {الأَرْض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا} قحطها ويبوستها {لَيَقُولُنَّ} كفار مَكَّة {الله} نزل ذَلِك {قُلِ الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله على ذَلِك {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لَا يَعْقِلُونَ} لَا يعلمُونَ وَلَا يصدقون بذلك
{وَمَا هَذِه الْحَيَاة الدنيآ} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {إِلَاّ لَهْوٌ} فَرح {وَلَعِبٌ} بَاطِل لَا يبْقى {وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة}
يَعْنِي الْجنَّة {لَهِيَ الْحَيَوَان} الْحَيَاة لَا يَمُوت أَهلهَا {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} يصدقون وَلَكِن لَا يعلمُونَ وَلَا يصدقون بذلك
{فَإِذا ركبُوا فِي الْفلك} فى السَّفِينَة يعْنى كفار مَكَّة {دَعَوُاْ الله} بالنجاة {مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} مفردين لَهُ الدعْوَة {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} من الْبَحْر {إِلَى الْبر} إِلَى الْقَرار {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} بِاللَّه الْأَوْثَان
{لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ} حَتَّى يكفروا بِمَا أعطيناهم من النَّعيم {وَلِيَتَمَتَّعُواْ} يعيشوا فِي كفرهم {فَسَوْفَ يَعلَمُونَ} مَاذَا يفعل بهم عِنْد نزُول الْعَذَاب بهم
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً} من أَن يهاج فِيهِ {وَيُتَخَطَّفُ النَّاس} يطرد وَيذْهب النَّاس {مِنْ حَوْلِهِمْ} يطردهم وَيذْهب بهم عدوهم فَلَا يدْخل عَلَيْهِم فِي الْحرم {أفبالباطل يُؤمنُونَ} أفبا الشَّيْطَان والأصنام يصدقون {وَبِنِعْمَةِ الله} الَّتِي أَعْطَاهُم فِي الْحرم وبوحدانية الله {يَكْفُرُونَ}
{وَمَنْ أَظْلَمُ} أَعْتَى وأجرأ على الله {مِمَّنْ افترى} اختلق {عَلَى الله كَذِباً} فَجعل لَهُ ولدا وشريكاً {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} أَو كذب بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {لما جَاءَهُ} حِين جَاءَهُ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِالْقُرْآنِ {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى} منزل {لِّلْكَافِرِينَ} لأبي جهل وَأَصْحَابه
{وَالَّذين جَاهَدُواْ فِينَا} فِي طاعتنا قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَول الله {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أَي من عمل بِمَا علم لنوفقنهم لما لَا يعلمُونَ وَيُقَال لنهدينهم سبلنا لنكرمنهم بالطبع والطوع والحلاوة وَيُقَال لنهدينهم سبلنا لنوفقنهم لطاعتنا {وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} معِين الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل بالتوفيق والعصمة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الرّوم وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سَبْعُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وتسع عشرَة وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَثَلَاثُونَ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الم} يَقُول أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ
{غُلِبَتِ الرّوم} قهرت الرّوم وهم أهل الْكتاب غلبهم فَارس وهم الْمَجُوس عَبدة النيرَان
{فِي أَدْنَى الأَرْض} مِمَّا يَلِي فَارس فَاغْتَمَّ بذلك الْمُؤْمِنُونَ وسر بذلك الْمُشْركُونَ وَقَالُوا نَحن نغلب على أهل الْإِيمَان كَمَا غلب أهل فَارس على الرّوم حَتَّى ذكر الله غلبهم {وَهُم} يَعْنِي أهل الرّوم {مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ} غَلَبَة فَارس عَلَيْهِم {سَيَغْلِبُونَ} على فَارس
{فِي بِضْعِ سِنِينَ} عِنْد رَأس سبع سِنِين وَكَانَ قد بَايع بذلك أَبُو بكر الصّديق أبي بن خلف الجُمَحِي على عشرَة من الْإِبِل {لله الْأَمر} النُّصْرَة والدولة لمُحَمد صلى الله عليه وسلم {مِن قَبْلُ} من قبل غَلَبَة فَارس على الرّوم {وَمِن بَعْدُ} من بعد غَلَبَة فَارس على الرّوم وَيُقَال من قبل غَلَبَة الرّوم وَمِن بَعْدُ من بعد غَلَبَة الرّوم على فَارس وَيُقَال لِلَّهِ الْأَمر الْعلم وَالْقُدْرَة والمشيئة مِن قَبْلُ من قبل إبداء الْخلق وَمِن بَعْدُ من بعد فنَاء الْخلق وَيُقَال كَانَ الله آمراً من قبل المأمورين وَمن بعد المأمورين وَكَذَلِكَ كَانَ خَالِقًا من قبل المخلوقين ورازقاً من قبل المرزوقين وخالقاً ورازقاً بعد المخلوقين والمرزوقين وَكَذَلِكَ كَانَ مَالِكًا من قبل المملوكين ومالكاً من بعد المملوكين كَقَوْلِه تَعَالَى {مَالك يَوْم الدّين} قبل يَوْم الدّين {وَيَوْمَئِذٍ} يَوْم غَلَبَة الرّوم على فَارس ونصرة النَّبِي صلى الله عليه وسلم على أهل مَكَّة وَكَانَ ذَلِك يَوْم بدر وَيُقَال يَوْم الْحُدَيْبِيَة {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}
{بنصر الله} مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم على أعدائه وبدولة الرّوم على فَارس {يَنصُرُ من يَشَاء} الله يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من أبي جهل وَأَصْحَابه يَوْم بدر {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه
{وعد الله} بالنصرة والدولة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{لَا يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ} لنَبيه بالنصرة والدولة {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لَا يَعْلَمُونَ} أَن الله لَا يخلف وعده لنَبيه
{يَعْلَمُونَ} أهل مَكَّة {ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} من مُعَاملَة الدُّنْيَا من الْكسْب وَالتِّجَارَة وَالشِّرَاء وَالْبيع والحساب من وَاحِد إِلَى ألف وَمَا يَحْتَاجُونَ فِي الشتَاء والصيف {وَهُمْ عَنِ الْآخِرَة} عَن أَمر الْآخِرَة {هُمْ غَافِلُونَ} جاهلون بهَا تاركون لعملها
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ} كفار مَكَّة {فِي أَنفُسِهِمْ} فِيمَا بَينهم {مَّا خَلَقَ الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَآ} من الْخلق والعجائب {إِلَاّ بِالْحَقِّ} للحق وَالْأَمر وَالنَّهْي لَا للباطل {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} لوقت مَعْلُوم يقْضِي فِيهِ {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاس} يَعْنِي كفار مَكَّة {بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {لَكَافِرُونَ} لجاحدون
{أولم يَسِيرُوا} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} فيتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} عَن تكذيبهم الرُّسُل {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} بِالْبدنِ {وَأَثَارُواْ الأَرْض} أَشد لَهَا طلبا وَأبْعد ذَهَابًا فِي السّفر وَالتِّجَارَة وَيُقَال أثاروا الأَرْض حرثوها وقلبوها للزِّرَاعَة وَالْغَرْس أَكثر مِمَّا حرث أهل مَكَّة {وَعَمَرُوهَآ} بقوا فِيهَا {أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} أَكثر مِمَّا بَقِي فِيهَا أهل مَكَّة {وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات فَلم يُؤمنُوا بهم فأهلكهم الله تَعَالَى {فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} بإهلاكه إيَّاهُم {وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالْكفْر والشرك وَتَكْذيب الرُّسُل
{ثمَّ كَانَ عَاقِبَة} جَزَاء {الَّذين أساؤوا} أشركوا بِاللَّه {السوأى} النَّار فِي الْآخِرَة {أَن كَذَّبُواْ} بِأَن كذبُوا {بآيَات الله} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَكَانُوا بهَا} بآيَات الله {يستهزؤون} يسخرون
{الله يَبْدَأُ الْخلق} من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يَوْم الْقِيَامَة {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تردون فِي الْآخِرَة فيجزيكم بأعمالكم
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُبْلِسُ المجرمون} ييأس الْمُشْركُونَ من كل خير
{وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ} لعبدة الْأَوْثَان {مِّن شُرَكَآئِهِمْ} من آلِهَتهم {شُفَعَاءُ} أحد يشفع لَهُم من عَذَاب الله {وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ} بآلهتهم بعبادتهم إِيَّاهَا {كَافِرِينَ} جاحدين يَقُولُونَ وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير
{فَأَما الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ} فِي جنَّة {يُحْبَرُونَ} ينعمون ويكرمون بالتحف
{وَأَمَّا الَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَلِقَآءِ الْآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {فَأُولَئِك فِي الْعَذَاب} فِي النَّار {مُحْضَرُونَ} معذبون
{فَسُبْحَانَ الله} فصلوا لله {حِينَ تُمْسُونَ} صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} صَلَاة الْفجْر
{وَلَهُ الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الشُّكْر وَالطَّاعَة على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَعَشِيّاً} وَهِي صَلَاة الْعَصْر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} وَهِي صَلَاة الظّهْر
{يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيِّت} النَّسمَة وَالدَّوَاب من النُّطْفَة وَالطير من الْبَيْضَة وَالنَّخْل من النواة {وَيُخْرِجُ الْمَيِّت مِنَ الْحَيّ} النُّطْفَة من النَّسمَة وَالدَّوَاب وَالْبيض من الطير والنواة من النّخل {وَيُحْيِي الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا} بعد قحطها ويبوستها {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} يَقُول هَكَذَا تحيون وتخرجون من الْقُبُور
من آدم وآدَم من تُرَاب وَأَنْتُم أَوْلَاده {ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ} نسم {تَنتَشِرُونَ} تتمتعون على وَجه الأَرْض
{وَمن آيَاته} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {أَن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} آدَمِيًّا مثلكُمْ {لتسكنوا إِلَيْهَا} ليسكن الرجل إِلَى زَوجته {وَجَعَلَ بَيْنَكُم} بَين الْمَرْأَة وَالزَّوْج {مَّوَدَّةً} محبَّة للْمَرْأَة على الزَّوْج {وَرَحْمَة} الرجل على الْمَرْأَة أَي على زَوجته وَيُقَال مَوَدَّة للصَّغِير على الْكَبِير وَرَحْمَة الْكَبِير على الصَّغِير {إِن فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت {لآيَات} لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِيمَا خلق الله
{وَمِنْ آيَاتِهِ} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {خَلْقُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتِكُمْ} لغاتكم الْعَرَبيَّة والفارسية وَغير ذَلِك {وَأَلْوَانِكُمْ} وَاخْتِلَاف ألوان صوركُمْ الْأَحْمَر وَالْأسود وَغير ذَلِك {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت من الِاخْتِلَاف (لآيَاتٍ) لعلامات {لِّلْعَالَمِينَ} الْجِنّ وَالْإِنْس
{وَمن آيَاته} من عَلَامَات وحدانية وَقدرته {مَنَامُكُم} بيتوتتكم {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وابتغآؤكم مِّن فَضْلِهِ} من رزقه بِالنَّهَارِ {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت من اللَّيْل وَالنَّهَار (لآيَاتٍ) لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} ويطيعون
{وَمن آيَاته} من عَلَامَات وحدانية وَقدرته {يُرِيكُمُ الْبَرْق} من السَّمَاء {خَوْفاً} للْمُسَافِر من الْمَطَر أَن يبل ثِيَابه {وَطَمَعاً} للمقيم فِي الْمَطَر أَن يسْقِي حروثه {وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَيُحْيِي بِهِ} بالمطر {الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا} بعد قحطها ويبوستها {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت من الْمَطَر {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون أَنه من الله
{وَمن آيَاته} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {أَن تَقُومَ السمآء} أَن تكون السَّمَاء {وَالْأَرْض بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ} يَعْنِي الله يَوْم الْقِيَامَة على لِسَان إسْرَافيل {دَعْوَةً مِّنَ الأَرْض} من الْقُبُور {إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} من الْقُبُور
{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخلق} من النُّطْفَة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يحييه يَوْم الْقِيَامَة (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) هَين عَلَيْهِ إِعَادَته كإبدائه {وَلَهُ الْمثل الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول لَهُ الصّفة الْعليا بِالْقُدْرَةِ على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه
{ضَرَبَ لَكُمْ} بيّن لكم يَا معشر الْكفَّار {مَّثَلاً} شبها {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} آدَمِيًّا مثلكُمْ {هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} من عبيدكم وَإِمَائِكُمْ {مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} أعطيناكم من المَال والأهل وَالْولد {فَأَنتُمْ} وعبيدكم وَإِمَائِكُمْ {فِيهِ} فِيمَا رزقناكم {سَوَآءٌ} شرك {تَخَافُونَهُمْ} تخافون لائمتهم {كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} كلائمة آبائكم وأبنائكم وَإِخْوَانكُمْ إِذا لم تُؤَدُّوا حُقُوقهم فِي الْمِيرَاث قَالُوا لَا قَالَ أفترضون لي مَا لَا ترْضونَ لأنفسكم تشركون عَبِيدِي فِي ملكي وَلَا تشركون عبيدكم فِيمَا رزقناكم {كَذَلِكَ} هَكَذَا {نُفَصِّلُ الْآيَات} نبيّن عَلَامَات وحدانيتي وقدرتي {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون بأمثال الْقُرْآن
{بَلِ اتبع الَّذين ظلمُوا} كفرُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ {أَهْوَآءَهُمْ} أَي مَا هم عَلَيْهِ من الْيَهُودِيَّة والنصرانية والشرك {بِغَيْر علم} وَلَا حجَّة {فَمَن يَهْدِي} فَمن يرشد إِلَى دين الله {مَنْ أَضَلَّ الله} عَن دينه {وَمَا لَهُمْ} للْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين
{مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ} نَفسك وعملك {لِلدِّينِ حَنِيفاً} مُسلما يَقُول أخْلص دينك وعملك لله واستقم على دين الْإِسْلَام {فطْرَة الله} دين الله {الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا} الَّتِي خلق النَّاس عَلَيْهَا فِي بطُون أمهاتهم وَيُقَال اتبع يَوْم الْمِيثَاق {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} لَا تَبْدِيل لدين الله {ذَلِكَ} هُوَ {الدّين الْقيم} الْحق الْمُسْتَقيم {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لَا يَعْلَمُونَ} أَن دين الْحق هُوَ الْإِسْلَام
{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} كونُوا مُؤمنين أَي مُقْبِلين إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ {واتقوه} وأطيعوه فِيمَا أَمركُم {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَلَا تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْركين} مَعَ الْمُشْركين على دينهم
{مِنَ الَّذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} تركُوا دين الْإِسْلَام {وَكَانُواْ شِيَعاً} صَارُوا فرقا الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر أهل الْملَل {كُلُّ حِزْبٍ} كل أهل دين {بِمَا لَدَيْهِمْ} بِمَا عِنْدهم من الدّين {فَرِحُونَ} معجبون يرَوْنَ أَنه حق
{وَإِذَا مَسَّ} أصَاب {النَّاس} كفار مَكَّة {ضُرٌّ} شدَّة {دَعَوْاْ رَبَّهُمْ} بِرَفْع الشدَّة {مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} مُقْبِلين بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ {ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ} أَصَابَهُم {مِّنْهُ} من الله {رَحْمَةً} نعْمَة {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ} يَعْنِي الْكفَّار {بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} يعدلُونَ بِهِ الْأَصْنَام
{لِيَكْفُرُواْ} حَتَّى يكفروا {بِمَآ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم من النِّعْمَة {فَتَمَتَّعُواْ} فعيشوا يَا أهل مَكَّة فِي الدُّنْيَا {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بكم فِي الْآخِرَة
{أَمْ أَنزَلْنَا} هَل أنزلنَا {عَلَيْهِمْ} على أهل مَكَّة {سُلْطَاناً} كتابا فِيهِ الْعذر والبرهان من السَّمَاء {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} يشْهد وينطق {بِمَا كَانُواْ بِهِ} بِاللَّه {يُشْرِكُونَ} يعدلُونَ أَن الله أَمرهم بذلك
{وَإِذا أذقنا النَّاس} أصبْنَا كفار مَكَّة {برحمة} نعْمَة {فَرِحُواْ بِهَا} أَي أعجبوا بهَا غير شاكرين بهَا {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} شدَّة ضيق وقحط وَمرض {بِمَا قَدَّمَتْ} بِمَا عملت {أَيْدِيهِمْ} فِي الشّرك {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ييأسون من رَحْمَة الله غير صابرين بهَا
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} يخبروا فِي الْكتاب كفار مَكَّة {أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق} يُوسع المَال {لِمَن يَشَآءُ} على من يَشَاء وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيقدر} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت من الْبسط وَالتَّقْدِير {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن
{فَآتِ ذَا الْقُرْبَى} فأعط يَا مُحَمَّد ذَا الْقُرْبَى فِي الرَّحِم {حَقَّهُ} صلته {والمسكين} أعْط الْمِسْكِين الْكسْوَة وَالطَّعَام {وَابْن السَّبِيل} أكْرم الضَّيْف النَّازِل بك ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا فَوق ذَلِك فَهُوَ صَدَقَة مَعْرُوف {ذَلِكَ الَّذِي} ذكرت من الصِّلَة والعطية وَالْإِكْرَام {خَيْرٌ} ثَوَاب وكرامة فِي الْآخِرَة {للَّذين يُرِيدُونَ وَجه الله} بعطيتهم {أُولَئِكَ هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب
{وَمَآ آتَيْتُمْ} أعطيتم {مِّن رِّباً} من عَطِيَّة {لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاس} لتكثروا أَمْوَالكُم بأموال النَّاس يَقُول ليعطوا أَكثر وَأفضل مِمَّا تعطون {فَلَا يَرْبُو عِندَ الله} فَلَا يكثر عِنْد الله بالتضعيف وَلَا يقبلهَا فَإِنَّهَا لَيست لله {وَمَآ آتَيْتُمْ} أعطيتم {مِّن زَكَاةٍ} من صَدَقَة إِلَى الْمَسَاكِين {تُرِيدُونَ} بذلك {وَجْهَ الله فَأُولَئِك هُمُ المضعفون} فَأُولَئِك هم الَّذين أَضْعَف صَدَقَاتهمْ فِي الْآخِرَة وَأَكْثَرت أَمْوَالهم فِي الدُّنْيَا بِالْحِفْظِ وَالْبركَة
{الله الَّذِي خَلَقَكُمْ} نسماً فِي بطُون أُمَّهَاتكُم ثمَّ أخرجكم وَفِيكُمْ الرّوح {ثُمَّ رَزَقَكُمْ} الطَّيِّبَات الرزق إِلَى الْمَوْت {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عِنْد انْقِضَاء مدتكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للبعث بعد الْمَوْت {هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ} من آلِهَتكُم يَا أهل مَكَّة {مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ} من يقدر أَن يفعل من ذَلِك شَيْئا
سُبْحَانَهُ) نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {وَتَعَالَى} ارْتَفع وتبرأ {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان
{ظَهَرَ الْفساد} تبينت الْمعْصِيَة {فِي الْبر} من قتل قابيل أَخَاهُ هابيل {وَالْبَحْر} من جلندن الْأَزْدِيّ {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس} بقتل قابيل هابيل وبغصب جلندن سفن النَّاس فِي الْبَحْر وَيُقَال ظهر الْفساد بِمَوْت الْبَهَائِم والقحط والجدوبة وَنقص الثمرات والنبات فِي الْبر فِي السهل والجبل والبادية والمفازة وَالْبَحْر فِي الرِّيف والقرى والعمران بِمَا كسبت أَيدي النَّاس بِمَعْصِيَة النَّاس {لِيُذِيقَهُمْ} لكَي يصيبهم {بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ} من الْمعاصِي {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكَي يرجِعوا عَن ذنوبهم فَيكْشف عَنْهُم
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {سِيرُواْ} سافروا {فِي الأَرْض فانظروا} تَفَكَّرُوا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلُ} من قبلهم كَيفَ أهلكهم الله عِنْد تكذيبهم الرُّسُل {كَانَ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {مُّشْرِكِينَ} بِاللَّه
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ} نَفسك وعملك {لِلدِّينَ الْقيم} يَقُول أخْلص دينك وعملك لله وَكن على دين الْحق الْمُسْتَقيم {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لَاّ مَرَدَّ لَهُ} لَا مَانع لَهُ {مِنَ الله} من عَذَاب الله {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {يَصَّدَّعُونَ} يفرقون فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير
{مَن كَفَرَ} بِاللَّه {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} عُقُوبَة كفره خُلُود النَّار {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً} فِي الْإِيمَان {فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} يفرشون ويجمعون الثَّوَاب والكرامة فِي الْجنَّة
{ليجزي الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {مِن فَضْلِهِ} من ثَوَابه وكرامته فِي الْجنَّة {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافرين} لَا يرضى دينهم
{وَمن آيَاته} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {أَن يُرْسِلَ الرِّيَاح مُبَشِّرَاتٍ} لخلقه بالمطر {وَلِيُذِيقَكُمْ} لكَي يُصِيبكُم {مِّن رَّحْمَتِهِ} نعْمَته (وَلِتَجْرِيَ الْفلك) السفن (بِأَمْرِهِ) بمشيئته فِي الْبَحْر {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} لكَي تَطْلُبُوا لركوبكم السفن من فَضله من رزقه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} بعثنَا {مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {رسلًا إِلَى قَومهمْ فجاؤوهم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات فَلم يُؤمنُوا {فانتقمنا} بِالْعَذَابِ {مِنَ الَّذين أَجْرَمُواْ} أشركوا {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا} وَاجِبا علينا {نَصْرُ الْمُؤمنِينَ} مَعَ الرُّسُل بنجاتهم وهلاك أعدائهم
{الله الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاح فَتُثِيرُ سَحَاباً} ثقالاً بالمطر {فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} قطعا إِن شَاءَ {فَتَرَى الودق} يَعْنِي الْمَطَر {يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} من خلال السَّحَاب {فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ} بالمطر {مَن يَشَآءُ} من يُرِيد {مِنْ عِبَادِهِ} فِي الأَرْض {إِذَا هُمْ يستبشرون} بالمطر
{وَإِن كَانُواْ} وَقد كَانُوا {مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ} من قبل الْمَطَر {لَمُبْلِسِينَ} آيسين من الْمَطَر
{فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {إِلَى آثَار رَحْمَة الله} قُدَّام الْمَطَر وَبعد الْمَطَر {كَيْفَ يُحْيِيِ الأَرْض بعد مَوتهَا} بعد قحطها ويبوستها {إِن ذَلِكَ} الَّذِي يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا {لَمُحْييِ الْمَوْتَى}
{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً} حارة أَو بَارِدَة على الزَّرْع {فَرَأَوْهُ} الزَّرْع {مُصْفَرّاً} متغيراً بعد خضرته {لَّظَلُّواْ} لصاروا {مِن بَعْدِهِ} من بعد صفرته {يَكْفُرُونَ} بِاللَّه وبنعمته يَقُول يُقِيمُونَ على الْكفْر بِاللَّه وبنعمته
{فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لَا تفقه الْمَوْتَى مِمَّن كَأَنَّهُ ميت {وَلَا تُسْمِعُ الصم} المتصامم {الدعآء} دعوتك إِلَى الْحق وَالْهدى {إِذَا وَلَّوْاْ} أَعرضُوا {مُدْبِرِينَ} عَن الْحق وَالْهدى
{وَمَا أَنْت بِهَادِي الْعمي عَن ضَلالَتِهِمْ} إِلَى الْهدى {إِن تُسْمِعُ} مَا تسمع دعوتك {إِلَاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {فَهُمْ مُّسْلِمُونَ} مخلصون لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد
{الله الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ} من نُطْفَة ضَعِيفَة {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ} رجلا شَابًّا قَوِيا {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً} هرماً {وَشَيْبَةً} شُمْطًا بعد شباب {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} يحول خلقه كَمَا يَشَاء من حَال إِلَى حَال {وَهُوَ الْعَلِيم} بخلقه {الْقَدِير} عَلَيْهِم بتحويله
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُقْسِمُ المجرمون} يحلف الْمُشْركُونَ بِاللَّه {مَا لَبِثُواْ} فِي الْقُبُور {غَيْرَ سَاعَةٍ} غير قدر سَاعَة {كَذَلِكَ} كَمَا كَانُوا يكذبُون فِي الْآخِرَة {كَانُواْ يُؤْفَكُونَ} يكذبُون فِي الدُّنْيَا
{وَقَالَ الَّذين أُوتُواْ الْعلم وَالْإِيمَان} أكْرمُوا بِالْعلمِ وَالْإِيمَان {لَقَدْ لَبِثْتُمْ} فِي الْقُبُور {فِي كِتَابِ الله} بِكِتَاب الله وهم الْمَلَائِكَة وَيُقَال وهم النَّبِيُّونَ وَيُقَال هم المخلصون فِي إِيمَانهم يَقُولُونَ للْكفَّار {إِلَى يَوْمِ الْبَعْث} إِلَى يَوْم يبعثون من الْقُبُور {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْث} يَوْم الْقِيَامَة {وَلَكِنَّكُمْ كُنتمْ} فِي الدُّنْيَا {لَا تَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا تصدقُونَ
{فَيَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لَاّ ينفَعُ الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا {مَعْذِرَتُهُمْ} اعتذارهم من ذَنْب {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} وَلَا هم يرجعُونَ عَن سَيِّئَة وَلَا هم يردون إِلَى الدُّنْيَا
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا} بيّنا {لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن مِن كُلِّ مَثَلٍ} من كل وَجه {وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ} من السَّمَاء كَمَا طلبُوا {لَّيَقُولَنَّ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم يَا معشر الْمُؤمنِينَ {إِلَاّ مُبْطِلُونَ} كاذبون
{كَذَلِك} هَكَذَا {يطبع الله} يخْتم الله {على قُلُوبِ الَّذين لَا يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله وَلَا يصدقون بِهِ
{فاصبر} يَا مُحَمَّد {إِنَّ وَعْدَ الله} بالنصرة والدولة لَك وبهلاكهم {حَقٌّ} كَائِن صدق {وَلَا يستخفنك} لَا يستنزلنك عَن الْإِيمَان يَوْم الْقِيَامَة {الَّذين لَا يُوقِنُونَ} لَا يصدقون وهم أهل مَكَّة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا لُقْمَان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَثَلَاثُونَ وكلماتها سَبْعمِائة وثمان وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وَمِائَة وَعشرَة أحرف
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الم} يَقُول أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ
{تِلْكَ آيَات الْكتاب الْحَكِيم} إِن هَذِه السُّورَة آيَات الْقُرْآن الْمُبين للْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي
{هُدىً} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب {لِّلْمُحْسِنِينَ} المخلصين الْمُوَحِّدين
{الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة} يتمون الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها {وَيُؤْتونَ الزَّكَاة} يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم {وهم بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {هُمْ يُوقِنُونَ} يصدقون
{أُولَئِكَ على هُدىً} على بَيَان وكرامة {مِّن رَبهم وَأُولَئِكَ هم المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب
{وَمن النَّاس} وَهُوَ النَّضر ابْن الْحَارِث {مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيث} أباطيل الحَدِيث وَكتب الأساطير وَالشَّمْس والنجوم والحساب والغناء وَيُقَال هُوَ الشّرك بِاللَّه {لِيُضِلَّ} بذلك {عَن سَبِيلِ الله} عَن دين الله وطاعته {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم وَلَا حجَّة {وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} سخرية {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} شَدِيد
{وَإِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِ آيَاتُنَا} بِالْأَمر وَالنَّهْي {ولى مستكبرا} رَجَعَ متعظا عَن الْإِيمَان بهَا {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} لم يعها {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} صمماً {فَبَشِّرْهُ} يَا مُحَمَّد {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع يَوْم بدر فَقتل يَوْم بدر صبرا
{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعيم} لَا يفنى نعيمها
{خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِيهَا لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَعْدَ الله} الْمُؤمنِينَ بِالْجنَّةِ {حَقّاً} صدقا {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه
{خَلَقَ} الله {السَّمَاوَات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} بِلَا عمد وَيُقَال بعمد لَا ترونها {وَألقى فِي الأَرْض} خلق للْأَرْض {رَوَاسِيَ} الْجبَال الثوابت أوتاداً لَهَا {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} لكَي لَا تميد بكم {وَبَثَّ فِيهَا} خلق وَبسط فِي الأَرْض {مِن كُلِّ دَآبَّةٍ} فِيهَا الرّوح {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا} الأَرْض {مِن كُلِّ زَوْجٍ} لون {كَرِيمٍ} حسن
{هَذَا خلق الله} هَذَا مَخْلُوق أَنا خلقته {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذين مِن دُونِهِ} من دون الله يَعْنِي الْأَوْثَان {بَلِ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ {فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين
{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {لُقْمَانَ الْحِكْمَة} الْعلم والفهم وإصابة القَوْل وَالْفِعْل {أَنِ اشكر لِلَّهِ} بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة {وَمَن يَشْكُرْ} نعْمَته بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ} بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة {لِنَفْسِهِ} الثَّوَاب {وَمَن كَفَرَ} نعْمَته {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ} عَن شكره {حَمِيدٌ} فى أَفعاله
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ} سَلام {وَهُوَ يَعِظُهُ} ينهاه عَن الشَّرّ ويأمره بِالْخَيرِ {يَا بني لَا تُشْرِكْ بِاللَّه إِنَّ الشّرك} بِاللَّه {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لذنب عَظِيم عُقُوبَته عِنْد الله
{وَوَصينَا الْإِنْسَان}
سعد بن وَقاص {بِوَالِدَيْهِ} برا بهما {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ} فِي بَطنهَا {وَهْناً على وَهْنٍ} ضعفا على ضعف وَشدَّة على شدَّة ومشقة على مشقة كلما كبر الْوَلَد فِي بَطنهَا كَانَ أَشد عَلَيْهَا {وَفِصَالُهُ} فطامه {فِي عَامَيْنِ} فِي سنتَيْن {أَنِ اشكر لِي} بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة {وَلِوَالِدَيْكَ} بالتربية {إِلَيَّ الْمصير} مصيرك ومصير والديك
{وَإِن جَاهَدَاكَ} أمراك وأراداك {على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أَنه شَرِيكي وَلَك بِهِ علم أَنه لَيْسَ بشريكي {فَلَا تُطِعْهُمَا} فِي الشّرك {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} بِالْبرِّ وَالْإِحْسَان {وَاتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} دين من أقبل إِلَيّ وَإِلَى طَاعَتي وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} ومرجع أبويكم {فَأُنَبِّئُكُمْ} أخْبركُم {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر ثمَّ رَجَعَ إِلَى كَلَام لُقْمَان
{يَا بني إِنَّهَآ} يَعْنِي الْحَسَنَة وَيُقَال الرزق {إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} وزن حَبَّة {مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} الَّتِي تَحت الْأَرْضين {أَوْ فِي السَّمَاوَات} أَو فَوق السَّمَوَات {أَوْ فِي الأَرْض} أَو فِي بطن الأَرْض {يَأْتِ بِهَا الله} إِلَى صَاحبهَا حَيْثُمَا يكون {إِنَّ الله لَطِيفٌ} باستخراجها {خَبِير} بمكانها
{يَا بني أَقِمِ الصَّلَاة} أتم الصَّلَاة {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِحْسَان {وانه عَنِ الْمُنكر} عَن الشّرك والقبيح من القَوْل وَالْعَمَل {واصبر على مَآ أَصَابَكَ} فيهمَا {إِنَّ ذَلِكَ} يَعْنِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَيُقَال الصَّبْر {مِنْ عَزْمِ الْأُمُور} من حزم الْأُمُور وَخير الْأُمُور
{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} لَا تعرض وَجهك من النَّاس تكبراً وتعظماً عَلَيْهِم وَيُقَال لَا تحقر فُقَرَاء الْمُسلمين {وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْض مَرَحاً} بالتكبر وَالْخُيَلَاء {إِنَّ الله لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} فِي مشيته {فَخُورٍ} بنعم الله
{واقصد فِي مَشْيِكَ} تواضع فِيهَا {واغضض مِن صَوْتِكَ} واخفض صَوْتك وَلَا تكن سليطاً {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَات} يَقُول أقبح وأشر الْأَصْوَات {لَصَوْتُ الْحمير}
{أَلَمْ تَرَوْاْ} ألم تخبروا فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ} ذلل لكم {مَّا فِي السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب والمطر {وَمَا فِي الأَرْض} من الشّجر وَالدَّوَاب {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ} وَأتم عَلَيْكُم {نِعَمَهُ ظَاهِرَةً} بِالتَّوْحِيدِ {وَبَاطِنَةً} بالمعرفة وَيُقَال ظَاهِرَة مَا يعلم النَّاس من حَسَنَاتك وباطنة مَا لَا يعلم النَّاس من سيئاتك وَيُقَال ظَاهِرَة من الطَّعَام وَالشرَاب وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَغير ذَلِك وباطنة من النَّبَات وَالثِّمَار والأمطار والمياه وَغير ذَلِك وَيُقَال ظَاهِرَة مَا أكرمك بهَا وباطنة مَا حفظك عَنْهَا {وَمِنَ النَّاس} وَهُوَ نضر بن الْحَرْث {مَن يُجَادِلُ فِي الله} يُخَاصم فِي دين الله {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بِلَا علم {وَلَا هُدىً} وَلَا حجَّة {وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} مُبين بِمَا يَقُول
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} لكفار مَكَّة {اتبعُوا مَآ أنزل الله} على نبيه من الْقُرْآن اقرءوه وَاعْمَلُوا بِمَا فِيهِ {قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا} من الدّين وَالسّنة {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَان يَدعُوهُم} يدعوا آبَاءَهُم {إِلَى عَذَابِ السعير} إِلَى الْكفْر والشرك وَمَا يجب بِهِ عَذَاب السعير فهم يقتدون بهم
{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله} من يخلص دينه وَعَمله لله {وَهُوَ مُحْسِنٌ} موحد مخلص {فَقَدِ استمسك} فقد أَخذ {بالعروة} بِلَا إِلَه إِلَّا الله {الوثقى} الْوَثِيقَة الَّتِي لَا انفصام لَهَا
{وَإِلَى الله عَاقِبَةُ الْأُمُور} ترجع عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة الَّتِي يموتون عَلَيْهَا
{وَمَن كَفَرَ} بِاللَّه من قُرَيْش أَو من غَيرهم {فَلَا يحزنك} يَا مُحَمَّد كفره وهلاكه فِي {كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} بعد الْمَوْت {فَنُنَبِّئُهُم} فنخبرهم {بِمَا عمِلُوا} فِي الدُّنْيَا فِي كفرهم {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر
{نُمَتِّعُهُمْ} نعيشهم {قَلِيلاً} يَسِيرا فِي الدُّنْيَا {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} نصيرهم وَيُقَال نلجئهم {إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} شَدِيد لوناً بعد لون
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} يَا مُحَمَّد {مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ} كفار مَكَّة خلقهما {الله قُلِ الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله فاشكروه {بَلْ أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لَا يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله وَلَا يشكرون نعمه
{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض إِنَّ الله هُوَ الْغَنِيّ} عَن خلقه {الحميد} الْمَحْمُود فِي فعاله
{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْض مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} تبرى أقلاماً {وَالْبَحْر يَمُدُّهُ} يُعْطِيهِ المدد {مِن بَعْدِهِ} من بعد مَا صيرت {سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} مداداً فَكتب بهَا كَلَام الله وَعلم الله {مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} كَلَام الله وَعلم الله يُقَال تَدْبِير الله {إِنَّ الله عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {حَكِيمٌ} فِي أمره وقضائه
{مَّا خَلْقُكُمْ} على الله إِذْ خَلقكُم {وَلَا بَعْثُكُمْ} إِذْ يبعثكم {إِلَاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إِلَّا بِمَنْزِلَة نفس وَاحِدَة {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالتكم كَيفَ يبعثنا {بَصِيرٌ} ببعثكم
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله يُولِجُ اللَّيْل فِي النَّهَار} يزِيد اللَّيْل على النَّهَار فَيكون اللَّيْل خمس عشرَة سَاعَة وَالنَّهَار تسع سَاعَات {وَيُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل} يزِيد النَّهَار على اللَّيْل فَيكون النَّهَار خمس عشرَة سَاعَة وَاللَّيْل تسع سَاعَات {وَسَخَّرَ الشَّمْس} ذلل الشَّمْس {وَالْقَمَر كُلٌّ يجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم فِي منَازِل مَعْرُوفَة لَهما {وَأَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {خَبِير}
{ذَلِكَ} الْقُدْرَة لِتَعْلَمُوا وتقروا {بِأَنَّ الله هُوَ الْحق} بِأَن عِبَادَته هُوَ الْحق {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {الْبَاطِل} هُوَ الْبَاطِل {وَأَنَّ الله هُوَ الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْكَبِير} أكبر كل شَيْء
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر {أَنَّ الْفلك} السفن {تَجْرِي فِي الْبَحْر بِنِعْمَةِ الله} بمنة الله {لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ} من عجائبه {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعلامات وعبرات {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على الطَّاعَة {شَكُورٍ} بنعم الله
{وَإِذَا غَشِيَهُمْ} ركبهمْ {مَّوْجٌ} غمر {كالظلل} فِي الِارْتفَاع كالسحاب فَوْقهم {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} مفردين لَهُ بالدعوة {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} من الْبَحْر {إِلَى الْبر} إِلَى الْقَرار {فَمِنْهُمْ} من الْكفَّار {مُّقْتَصِدٌ} بالْقَوْل وَالْفِعْل فَيكون أَلين مِمَّا كَانَ قبل ذَلِك {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {إِلَاّ كُلُّ خَتَّارٍ} غدار {كَفُورٍ} كَافِر بِاللَّه وبنعمته
{يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {اتَّقوا رَبَّكُمْ} أطِيعُوا ربكُم {واخشوا يَوْماً} عَذَاب يَوْم
{لَاّ يَجْزِي} لَا يُغني {وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ} مغن {عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} عَذَاب الله {إِنَّ وَعْدَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {حَقٌّ} كَائِن صدق {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاة الدنيآ} مَا فِي الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّه الْغرُور} الشَّيْطَان وَيُقَال الأباطيل إِن قَرَأت بِضَم الْغَيْن
{إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة} علم قيام السَّاعَة وَهُوَ مخزون عَن الْعباد {وَيُنَزِّلُ الْغَيْث} الْمَطَر يعلم نزُول الْغَيْث وَهُوَ مخزون عَن الْعباد {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَام} من الْوَلَد ذكر أَو أُنْثَى تَامّ أَو غَيره شقي أَو سعيد وَهُوَ مخزون عَن الْعباد {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} من الْخَيْر وَالشَّر وَهُوَ مخزون عَن الْعباد {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} بِأَيّ قدم تُؤْخَذ وَهُوَ مخزون عَن الْعباد {إِنَّ الله عَلَيمٌ} بخلقه {خَبِير} بأعمالهم وَبِمَا يصيبهم من النَّفْع والضر {إِن الله عليم} بخلقه {خَبِير} بأعمالهم وَبِمَا يصيبهم من النَّفْع والضر
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا السَّجْدَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثُونَ كلمة وحروفها ألف وَخَمْسمِائة وَثَمَانِية عشر
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الم} يَقُول أَنا الله أعلم وَيُقَال قسم أقسم بِهِ
{تَنْزِيل الْكتاب} إِن هَذَا الْكتاب تكليم من الله {لَا رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ أَنه {مِن رَّبِّ الْعَالمين}
{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ كفار مَكَّة {افتراه} اختلق مُحَمَّد الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه {بَلْ هُوَ الْحق} يَعْنِي الْقُرْآن {مِن رَّبِّكَ} نزل بِهِ جِبْرِيل عَلَيْك {لِتُنذِرَ} بِهِ لكَي تخوف بِالْقُرْآنِ {قَوْماً} يَعْنِي قُريْشًا {مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ} لم يَأْتهمْ رَسُول مخوف قبلك يَا مُحَمَّد {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} من الضَّلَالَة
{الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة مِمَّا تَعدونَ من سِنِين الدُّنْيَا أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} وَكَانَ الله على الْعَرْش قبل أَن خلقهما {مَا لَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {مِّن دُونِهِ} من دون الله {مِن وَلِيٍّ} من قريب ينفعكم {وَلَا شَفِيعٍ} يشفع لكم من عَذَاب الله {أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} تتعظون بِالْقُرْآنِ فتؤمنوا
{يُدَبِّرُ الْأَمر مِنَ السمآء إِلَى الأَرْض} يبْعَث الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} يصعد إِلَيْهِ يَعْنِي الْمَلَائِكَة {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} مِقْدَار صُعُوده على غير الْمَلَائِكَة {أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} من سِنِين الدُّنْيَا
{ذَلِك} الْمُدبر {عَالِمُ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَمَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَمَا كَانَ {الْعَزِيز} بالنقمة من الْكفَّار {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} أحكم كل شَيْء خلقه {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَان} يَعْنِي آدم {مِن طِينٍ} أَخذ من أَدِيم الأَرْض
{ثُمَّ سَوَّاهُ} جمع خلقه فِي بطن أمه {وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ} جعل الرّوح فِيهِ {وَجَعَلَ لَكُمُ السّمع} خلق لكم السّمع لكَي تسمعوا بِهِ الْحق وَالْهدى {والأبصار} لكَي تبصروا بهَا الْحق وَالْهدى {والأفئدة} يَعْنِي الْقُلُوب لكَي تفقهوا بهَا الْحق وَالْهدى {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} شكركم بِمَا صنع إِلَيْكُم قَلِيل
{وَقَالُوا} يعْنى أَبَا جهل وَأَصْحَابه {أئذا ضللنا} هلكنا {فِي الأَرْض} بعد الْمَوْت {أئنا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} تجدّد بعد الْمَوْت هَذَا مَا لايكون {بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {كافرون} جاحدون
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {يَتَوَفَّاكُم} يقبض أرواحكم {مَّلَكُ الْمَوْت الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} بِقَبض أرواحكم {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَة
{وَلَو ترى إِذْ المجرمون} الْمُشْركُونَ {ناكسو رؤوسهم} مطأطئو رُءُوسهم {عِندَ رَبِّهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {رَبَّنَآ} يَقُولُونَ يَا رَبنَا {أبصرنا} علمنَا مالم نعلم {وَسَمِعْنَا} أيقنا بِمَا لم نَكُنْ بِهِ موقنين {فارجعنا} حَتَّى نؤمن بك {نَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا {إِنَّا مُوقِنُونَ} مقرون بك وبكتابك وَرَسُولك وبالبعث بعد الْمَوْت
{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا} لأعطينا {كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} تقواها {وَلَكِن حَقَّ القَوْل} وَجب القَوْل {مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس} من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس {أَجْمَعِينَ} لَوْلَا ذَلِك لأكرمت كل نفس بالمعرفة والتوحيد
{فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ} تركْتُم الْإِقْرَار وَالْعَمَل {لِقَآءَ يومكم} بلقاء يومكم {هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ} تركناكم فِي النَّار {وَذُوقُواْ عَذَابَ الْخلد} الدَّائِم {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الْكفْر
{إِنَّمَا يُؤمن} يصدق {بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {الَّذين إِذَا ذُكِّرُواْ} دعوا {بِهَا} إِلَى الصَّلَوَات الْخمس بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة {خَرُّواْ سُجَّداً} أَتَوا تواضعاً {وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} صلوا بِأَمْر رَبهم {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} لَا يتعظمون عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن والصلوات الْخمس فِي الْجَمَاعَة
نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْمُنَافِقين وَكَانُوا لَا يأْتونَ الصَّلَاة إِلَّا كسَالَى متثاقلين
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} تتقلب جنُوبهم {عَنِ الْمضَاجِع} عَن الْفراش بعد النّوم بِاللَّيْلِ لصَلَاة التَّطَوُّع {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} يعْبدُونَ رَبهم بالصلوات الْخمس وَيُقَال ترفع جنُوبهم من الْفراش حَتَّى يصلوا صَلَاة الْعشَاء الْأَخِيرَة وَيُقَال ترفع جنُوبهم عَن الْفراش بعد النّوم بِاللَّيْلِ لصَلَاة التَّطَوُّع {خَوْفاً} مِنْهُ وَمن عَذَابه {وَطَمَعاً} إِلَيْهِ وَإِلَى رَحمته {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من المَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون بِهِ
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ} فَلَيْسَ تعلم أنفسهم {مَّآ أُخْفِيَ لَهُم} مَا أعد لَهُم وَمَا رفع لَهُم وَمَا ذخر لَهُم {مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} من طيبَة النَّفس وَالثَّوَاب والكرامة فِي الْجنَّة {جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات
{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً} مُصدقا فِي إيمَانه وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب {كَمَن كَانَ فَاسِقاً} منافقاً فِي إيمَانه وَهُوَ الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط {لَاّ يَسْتَوُونَ} فِي الدُّنْيَا بِالطَّاعَةِ وفى الْآخِرَة بِالصَّوَابِ والكرامة عِنْد الله وَكَانَ بَينهمَا كَلَام وتنازع حَتَّى قَالَ على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ يَا فَاسق
ثمَّ بيَّن مستقرهما بعد الْمَوْت فَقَالَ {أَمَّا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الْخيرَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى نُزُلاً} منزلا ثَوابًا لَهُم فِي الْآخِرَة {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات
نافقوا فِي إِيمَانهم {فَمَأْوَاهُمُ} فمصيرهم {النَّار كُلَّمَآ أَرَادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ} من النَّار {أُعِيدُواْ} ردوا {فِيهَا} فِي النَّار بمقامع الْحَدِيد {وَقِيلَ لَهُمْ} قَالَت لَهُم الزَّبَانِيَة {ذُوقُواْ عَذَابَ النَّار الَّذِي كُنْتُم بِهِ} فِي الدُّنْيَا {تكذبون} أَنه لَا يكون
{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ} لنصيبنهم يَعْنِي كفار مَكَّة {مِّنَ الْعَذَاب الْأَدْنَى} من عَذَاب الدُّنْيَا بِالْقَحْطِ والجدوبة والجوع وَالْقَتْل وَغير ذَلِك وَيُقَال عَذَاب الْقَبْر {دُونَ الْعَذَاب الْأَكْبَر} قبل عَذَاب النَّار يخوفهم بذلك {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عَن كفرهم فيتوبوا
{وَمَنْ أَظْلَمُ} لَيْسَ أحد أَعْتَى وأظلم {مِمَّن ذُكِّرَ} وعظ {بِآيَاتِ رَبِّهِ} نزلت فِي الْمُنَافِقين الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْقُرْآنِ {ثمَّ أعرض عَنْهَا} جاحدابها {إِنَّا من الْمُجْرمين} منالمشركين {منتقمون} بِالْعَذَابِ
{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} التَّوْرَاة جملَة وَاحِدَة {فَلَا تكن} يامحمد {فِي مِرْيَةٍ} فِي شكّ {مِّن لِّقَآئِهِ} من لِقَاء مُوسَى لَيْلَة أسرِي بك إِلَى بَيت الْمُقَدّس {وَجَعَلْنَاهُ} يَعْنِي كتاب مُوسَى {هُدىً لبني إِسْرَائِيلَ} من الضَّلَالَة
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ} من بني إِسْرَائِيل {أَئِمَّةً} قادة بِالْخَيرِ {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} يدعونَ الْخلق إِلَى أمرنَا {لَمَّا صَبَرُواْ} حِين صَبَرُوا على الْإِيمَان وَالطَّاعَة {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {يُوقِنُونَ} يصدقون فِي كِتَابهمْ
{إِن رَبك} يامحمد {هُوَ يَفْصِلُ} يقْضِي {بَيْنَهُمْ} بَين الْكَافِر وَالْمُؤمن وَيُقَال بَين بني إِسْرَائِيل {يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون
{أولم يهد لَهُم} أولم يبيِّن لكفار مَكَّة {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ} بِالْعَذَابِ {مِّنَ الْقُرُون} الْمَاضِيَة {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} فِي مَنَازِلهمْ منَازِل قوم شُعَيْب وَصَالح وَهود {إِن فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم {لآيَات} لعلامات وعبرات لمن بعدهمْ (أَفَلَا يَسْمَعُونَ) أَفلا يطيعون من فعل بهم ذَلِك
(أَوَلَمْ يَرَوْاْ) يعلمُوا كفار مَكَّة {أَنَّا نَسُوقُ المآء إِلَى الأَرْض الجرز} الملساء الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا {فَنُخْرِجُ بِهِ} بالمطر {زَرْعاً} نباتاً {تَأْكُلُ مِنْهُ} من العشب {أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ} من الْحُبُوب وَالثِّمَار والبقول {أَفَلَا يُبْصِرُونَ} أَفلا يعلمُونَ أَنه من الله
{وَيَقُولُونَ} يَعْنِي بني خُزَيْمَة وَبني كنَانَة {مَتى هَذَا الْفَتْح} فتح مَكَّة {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن يفتح لكم يسخرون بذلك على الْمُؤمنِينَ
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لبني خُزَيْمَة وكنانة {يَوْمَ الْفَتْح} فتح مَكَّة {لَا يَنفَعُ الَّذين كفرُوا} بني خُزَيْمَة {إِيَمَانُهُمْ} من الْقَتْل {وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} يؤجلون من الْقَتْل
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} عَن بني خُزَيْمَة وَلَا تشتغل بهم {وانتظر} هلاكهم يَوْم فتح مَكَّة {إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ} هلاكك فأهلكهم الله يَوْم فتح مَكَّة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَحْزَاب وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَلَاثَة وَتسْعُونَ وكلماتها ألف ومائتان وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَسَبْعمائة
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله} يَقُول اخش الله فِي نقض الْعَهْد قبل أَجله {وَلَا تُطِعِ الْكَافرين} من أهل مَكَّة أَبَا سُفْيَان ابْن حَرْب وَعِكْرِمَة بن أبي جهل وَأَبا الْأَعْوَر الْأَسْلَمِيّ {وَالْمُنَافِقِينَ} من أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أَبى سلول ومعتب بن قُشَيْر وجد بن قيس فِيمَا يأمرونك من الْمعْصِيَة {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً} بمقالتهم وإرادتهم قَتلك {حَكِيماً} حكم الْوَفَاء بالعهد ونهاكم عَن نقض الْعَهْد
{وَاتبع} يَا مُحَمَّد {مَا يُوحى إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ} اعْمَلْ بِمَا تُؤمر بِالْقُرْآنِ {إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من وَفَاء الْعَهْد ونقضه {خَبِيرا}
{وَتَوَكَّلْ على الله وَكفى بِاللَّه وَكِيلاً} كَفِيلا بِمَا وعد لَك من النُّصْرَة والدولة وَيُقَال حفيظا مِنْهُم
{مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} فِي صَدره نزلت فِي أبي معمر جميل بن أَسد كَانَ يُقَال لَهُ ذُو قلبين من حفظ حَدِيثه {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ} بِالْيَمِينِ {أُمَّهَاتِكُمْ} كأمهاتكم فِي الْحَرَام نزلت فِي أَوْس بن الصَّامِت أخي عبَادَة ابْن الصَّامِت وَامْرَأَته خَوْلَة {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ} الَّذين تبنيتم فى العون والنصرة {أبناءكم} كأبناءكم من النّسَب {ذَلِكُم قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} بألسنتكم فِيمَا بَيْنكُم {وَالله يَقُولُ الْحق} يبين الْحق {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل} يدل إِلَى الصَّوَاب
{ادعوهُمْ لآبَآئِهِمْ} انسبوهم إِلَى آبَائِهِم {هُوَ أَقْسَطُ} هُوَ أفضل وأصوب وَأَعْدل {عِندَ الله} فِي النِّسْبَة {فَإِن لَّمْ تعلمُوا آبَاءَهُمْ} نِسْبَة آبَائِهِم {فَإِخوَانُكُمْ فِي الدّين} فادعوهم باسم إخْوَانكُمْ فِي الدّين عبد الله وَعبد الرَّحْمَن وَعبد الرَّحِيم وَعبد الرَّزَّاق {وَمَوَالِيكُمْ} وباسم مواليكم {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} مأثم {فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ} من النِّسْبَة {وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ} بِهِ عقدت بِهِ {قُلُوبُكُمْ} بالفرية أَن تنسبوهم إِلَى غير آبَائِهِم يُؤَاخِذكُم الله بذلك {وَكَانَ الله غَفُوراً} فِيمَا مضى {رَّحِيماً} فِيمَا يكون
نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن زيد بن حَارِثَة وَكَانَ قد تبناه النبى صلى الله عليه وسلم وَكَانُوا يَقُولُونَ زيد بن مُحَمَّد فنهاهم الله عَن ذَلِك ودلهم إِلَى الصَّوَاب فَقَالَ
{النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ} أَحَق بِحِفْظ أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} من بعد مَوْتهمْ لقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم من مَاتَ وَترك كلا فالى أودينا فعلي أَو مَالا فلورثته {وَأَزْوَاجُهُ} أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم {أُمَّهَاتُهُمْ} كأمهاتهم فِي الْحُرْمَة {وَأُوْلُو الْأَرْحَام} ذُو الْقَرَابَة فِي النّسَب {بَعْضُهُمْ أولى} أَحَق {بِبَعْضٍ} بِالْمِيرَاثِ {فِي كِتَابِ الله} هَكَذَا مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَيُقَال فِي التَّوْرَاة وَيُقَال فِي الْقُرْآن {مِنَ الْمُؤمنِينَ والمهاجرين إِلَاّ أَن تَفعلُوا إِلَى أَوْلِيَآئِكُمْ} فِي الدّين أَو أصدقائكم {مَّعْرُوفاً} وَصِيَّة من الثُّلُث {كَانَ ذَلِكَ} الْمِيرَاث لِلْقَرَابَةِ وَالْوَصِيَّة للأولياء {فِي الْكتاب مَسْطُوراً} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوبًا وَيُقَال فِي التَّوْرَاة مَكْتُوبًا يعْمل بِهِ بَنو إِسْرَائِيل
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيين مِيثَاقَهُمْ} إقرارهم على عهودهم أَن يبلغ بَعضهم بَعْضًا {وَمِنْكَ} أَوله أَخذنَا مِنْك أَن تبلغ قَوْمك خبر
الرُّسُل والكتب قبلك وتأمرهم أَن يُؤمنُوا بِهِ {وَمِن نُّوحٍ} وأخذنا من نوح {وَإِبْرَاهِيمَ} وأخذنا من إِبْرَاهِيم {ومُوسَى} وأخذنا من مُوسَى {وَعِيسَى ابْن مَرْيَمَ} وأخذنا من عِيسَى بن مَرْيَم {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً} وثيقاً أَن يبلغ الرسَالَة الأول الآخر وَأَن يصدق الآخر الأول وَأَن يأمروا قَومهمْ أَن يُؤمنُوا بِهِ
{لِّيَسْأَلَ الصَّادِقين عَن صِدْقِهِمْ} المبلغين عَن تبليغهم الوافين عَن وفائهم وَالْمُؤمنِينَ عَن إِيمَانهم {وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ} بالكتب وَالرسل {عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً فِي النَّار يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اذْكروا نِعْمَةَ الله} احْفَظُوا نعْمَة الله منَّة الله {عَلَيْكُمْ} بِدفع الْعَدو عَنْكُم بِالرِّيحِ ريح الصِّبَا وَالْمَلَائِكَة
{إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ} جموع الْكفَّار {فَأَرْسَلْنَا} فسلطنا {عَلَيْهِمْ رِيحاً} ريح الصِّبَا {وَجُنُوداً} صفا من الْمَلَائِكَة {لَّمْ تَرَوْهَا} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الخَنْدَق وَغَيره {بَصِيراً إِذْ جاؤوكم} كفار مَكَّة {مِّن فَوْقِكُمْ} من فَوق الْوَادي طَلْحَة بن خويلد الْأَسدي وَأَصْحَابه {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} من أَسْفَل الْوَادي أَبُو الْأَعْوَر الْأَسْلَمِيّ وَأَصْحَابه وَأَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَار} مَالَتْ أبصار الْمُنَافِقين فِي الخَنْدَق عَن موضعهَا {وَبَلَغَتِ الْقُلُوب} قُلُوب الْمُنَافِقين {الْحَنَاجِر} انتفخت عِنْد الْحَنَاجِر من الْخَوْف الرئة {وَتَظُنُّونَ بِاللَّه الظنونا} وظننتم بِاللَّه يَا معشر الْمُنَافِقين أَن الله لَا ينصر نبيه
{هُنَالِكَ} عِنْد ذَلِك الْخَوْف {ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} اختبر الْمُؤْمِنُونَ بالبلاء {وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً} أجهدوا جهداً شَدِيدا وحركوا تحريكاً شَدِيدا
{وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ} عبد الله بن أبي ابْن سلول وَأَصْحَابه {وَالَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق معتب بن قُشَيْر وَأَصْحَابه {مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} من فتح الْمَدَائِن ومجيء الْكفَّار {إِلَاّ غُرُوراً} بَاطِلا
{وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ} من بني حَارِثَة بن الْحَرْث لأصحابهم فى الخَنْدَق {يَا أهل يَثْرِبَ} يعنون يَا أهل الْمَدِينَة {لَا مُقَامَ لَكُمْ} لَا مَكَان لكم فِي الخَنْدَق عِنْد الْقِتَال {فَارْجِعُوا} إِلَى الْمَدِينَة {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ} من الْمُنَافِقين بنى حَارِثَة {النَّبِي} صلى الله عليه وسلم بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة {وَيَقُولُونَ} ائْذَنْ لنا يَا نَبِي الله بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} خَالِيَة من الرِّجَال نَخَاف عَلَيْهَا سرق السراق {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} بخالية {إِن يُرِيدُونَ} مَا يُرِيدُونَ بذلك {إِلَاّ فِرَاراً} من الْقَتْل
{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} على الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ {مِّنْ أَقْطَارِهَا} من نَوَاحِيهَا {ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَة} دعوا إِلَى الشّرك {لآتَوْهَا} لأجابوها سَرِيعا {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ} وَمَا مَكَثُوا بإجابتها وَيُقَال بِالْمَدِينَةِ بعد إجابتهم إِلَاّ يَسِيراً {قَلِيلا}
{وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ الله مِن قَبْلُ} من قبل الخَنْدَق يَوْم الْأَحْزَاب {لَا يُوَلُّونَ الأدبار} منهزمين من الْمُشْركين {وَكَانَ عَهْدُ الله} نَاقض عهد الله {مسؤولا} يَوْم الْقِيَامَة عَن نقضه
{قُل} يَا مُحَمَّد لبني حَارِثَة {لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَار إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ الْمَوْت أَوِ الْقَتْل وَإِذاً لَاّ تُمَتَّعُونَ} لَا تعيشون فِي الدُّنْيَا {إِلَاّ قَلِيلاً} يَسِيرا
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لبني حَارِثَة {مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ} يمنعكم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {إِن أَرَادَ بكم سوءا} عذَابا بِالْقَتْلِ {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} عَافِيَة من الْقَتْل {وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ} لبني حَارِثَة {من دون الله} من عَذَاب الله {وليا} حَافِظًا يحفظهم من عَذَاب الله {وَلَا نَصِيراً} مَانِعا يمنعهُم من عَذَاب الله
{قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين} المانعين بِالرُّجُوعِ إِلَى الخَنْدَق {مِنكُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {والقآئلين لإِخْوَانِهِمْ} لأصحابهم الْمُنَافِقين {هَلُمَّ إِلَيْنَا} بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ هَؤُلَاءِ عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْس} الْقِتَال عَن عبد الله بن أبي وصاحباه {إِلَاّ قَلِيلاً} رِيَاء وَسُمْعَة
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} أشفقة عَلَيْكُم قَالُوا ذَلِك وَيُقَال بخلا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْكُم
{فَإِذَا جَآءَ الْخَوْف} خوف الْعَدو {رَأَيْتَهُمْ} يَا مُحَمَّد الْمُنَافِقين فِي الخَنْدَق {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ} تتقلب أَعينهم فِي الجفون {كَالَّذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت} كمن هُوَ فِي غشيان الْمَوْت ونزعاته {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْف} خوف الْعَدو {سَلَقُوكُمْ} طعنوكم وعابوكم {بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} ذُرِّيَّة سليطة أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْر بخيلة بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {لَمْ يُؤْمِنُواْ} لم يصدقُوا فِي إِيمَانهم {فَأَحْبَطَ الله أَعْمَالهم} فَأبْطل الله بسيآتهم حسناتهم {وَكَانَ ذَلِكَ} إبِْطَال حسناتهم {عَلَى الله يَسِيرا} هينا
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَاب} يظنّ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه أَن كفار مَكَّة {لَمْ يَذْهَبُواْ} بعد مَا ذَهَبُوا من الْخَوْف والجبن وَيُقَال ظنُّوا أَن لَا يذهبوا حَتَّى يقتلُوا مُحَمَّد عليه السلام {وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَاب} كفار مَكَّة {يَوَدُّواْ} يتَمَنَّى عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَاب} خارجون من الْمَدِينَة من خوفهم وجبنهم {يَسْأَلُونَ} فِي الْمَدِينَة {عَنْ أَنبَآئِكُمْ} عَن أخباركم فِي الخَنْدَق {وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ} مَعكُمْ فِي الخَنْدَق {مَّا قَاتلُوا إِلَاّ قَلِيلاً} رِيَاء وَسُمْعَة
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} سنة حَسَنَة واقتداء صَالح بِالْجُلُوسِ مَعَه فِي الخَنْدَق {لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله} يَرْجُو كَرَامَة الله وثوابه وَيُقَال يخَاف الله {وَالْيَوْم الآخر} وَيخَاف عَذَاب الْآخِرَة {وَذكروا الله كَثِيراً} بِاللِّسَانِ وَالْقلب
ثمَّ ذكر نعت الْمُؤمنِينَ المخلصين فَقَالَ {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ} المخلصون {الْأَحْزَاب} كفار مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} لعدة الْأَيَّام {وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} فِي الميعاد وَكَانَ قد وعدهم النبى صلى الله عليه وسلم أَن يأتى الْأَحْزَاب تسعا أَو عشر يَعْنِي إِلَى عشرَة أَيَّام {وَمَا زَادَهُمْ} بِرُؤْيَة الْكفَّار {إِلَاّ إِيمَاناً} يَقِينا بقول الله تَعَالَى وَبقول رَسُوله {وَتَسْلِيماً} خضوعاً لأمر الله وَأمر الرَّسُول
{مِّنَ الْمُؤمنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ} وفوا {مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} نَذره وَيُقَال قضى أَجله وَهُوَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم النبى صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ} الْوَفَاء إِلَى الْمَوْت {وَمَا بدلُوا} غيروا الْعَهْد {تبديلا} تغيرا بِالنَّقْضِ
{لِّيَجْزِيَ الله الصَّادِقين بِصِدْقِهِمْ} الوافين بوفائهم {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقين إِن شَآءَ} إِن مَاتُوا على النِّفَاق {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} قبل الْمَوْت {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً} لمن تَابَ {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
{وَرَدَّ الله} صرف الله {الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {بغيظهم} بحتفهم {لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً} لم يُصِيبُوا سُرُورًا وَلَا غنيمَة وَلَا دولة {وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال} رفع الله مُؤنَة الْقِتَال عَن الْمُؤمنِينَ بِالرِّيحِ وَالْمَلَائِكَة {وَكَانَ الله قَوِيّاً} بنصر الْمُؤمنِينَ {عَزِيزاً} بنقمة الْكَافرين
{وَأَنزَلَ الَّذين ظَاهَرُوهُم} أعانوا كفار مَكَّة {مِّنْ أَهْلِ الْكتاب} وهم بَنو قُرَيْظَة وَالنضير كَعْب بن الْأَشْرَف حيى بن أَخطب وأصحابهما {مِن صَيَاصِيهِمْ} من قصورهم وحصونهم {وَقَذَفَ} وَجعل {فِي قُلُوبِهِمُ الرعب} الْخَوْف من مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه وَكَانُوا قبل ذَلِك لَا يخَافُونَ ويقاتلون {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ} يَقُول تقتلون فريقاً مِنْهُم وهم الْمُقَاتلَة {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} مِنْهُم وهم الذَّرَارِي وَالنِّسَاء
{وأورثكم} أنزلكم
{أَرْضَهُمْ} قصورهم {وَدِيَارَهُمْ} مَنَازِلهمْ {وَأَمْوَالَهُمْ} جعل أَمْوَالهم غنيمَة لكم {وأرضا} أَرض خَيْبَر {لم تطؤوها} تملوكها بعد سَتَكُون لكم {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْء} من الْفَتْح والنصرة {قَدِيرًا}
{يَا أَيهَا النَّبِي} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {قُل لأَزْوَاجِكَ} لنسائك {إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {وَزِينَتَهَا} زهرتها {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} مُتْعَة الطَّلَاق {وَأُسَرِّحْكُنَّ} أطلقكن {سَرَاحاً جَمِيلاً} طَلَاقا حسنا بِالسنةِ
{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ} طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله {وَالدَّار الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ} الصَّالِحَات {مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافرا فى الْجنَّة
{يَا نسَاء النَّبِي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} بزنا ظَاهِرَة بالشهود {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ} بِالْجلدِ وَالرَّجم و {كَانَ ذَلِكَ} الْعَذَاب {عَلَى الله يَسِيراً} هيناً
{وَمَن يَقْنُتْ} يطع {مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينهَا وَبَين رَبهَا {نُؤْتِهَآ} نعطها {أَجْرَهَا} ثَوَابهَا {مَرَّتَيْنِ} ضعفين {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رزقا كَرِيمًا} ثَوابًا حسنا فى الْجنَّة
{يَا نسَاء النَّبِي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النسآء} لستن كَسَائِر النِّسَاء بالمعصية وَالطَّاعَة وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب {إِنِ اتقيتن} إِن أطعتن الله وَرَسُوله {فَلَا تَخْضَعْنَ بالْقَوْل} فَلَا ترققن بالْقَوْل وتليين الْكَلَام مَعَ الْغَرِيب {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} شَهْوَة الزِّنَا {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} صَحِيحا بِلَا رِيبَة
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} استقررن فِي بيوتكن وَلَا تخرجن من الْبيُوت وَليكن عليكن الْوَقار {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الأولى} وَلَا تتزين بزينة الْكفَّار فِي الثِّيَاب الرقَاق الملونة {وَأَقِمْنَ الصَّلَاة} أتممن الصَّلَوَات الْخمس {وَآتِينَ الزَّكَاة} أعطين زَكَاة أموالكن {وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ} فِي الْمَعْرُوف {إِنَّمَا يُرِيدُ الله} بذلك {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس} الْإِثْم {أَهْلَ الْبَيْت} يَا أهل بَيت النُّبُوَّة {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} من الذُّنُوب
{واذكرن} واحفظن {مَا يُتْلَى} مَا يقْرَأ عليكن {فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله} الْقُرْآن {وَالْحكمَة} الْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً} عَالما بِمَا فِي قلوبهن {خَبِيراً} بأعمالهن وَيُقَال لطيفا إِذْ أَمر النبى صلى الله عليه وسلم أَن يُطَلِّقهُنَّ خَبِيرا بصلاحهن ثمَّ نزلت فِي قَول أم سَلمَة زوج النبى صلى الله عليه وسلم ونسيبة بنت كَعْب الْأَنْصَارِيَّة لقولهما يَا رَسُول الله مَا نرى الله يذكر النِّسَاء فِي شَيْء من الْخَيْر إِنَّمَا ذكر الرِّجَال فَنزل
{إِنَّ الْمُسلمين} الْمُوَحِّدين من الرِّجَال {وَالْمُسلمَات} الموحدات من النِّسَاء {وَالْمُؤمنِينَ} المقرين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المقرات من النِّسَاء {والقانتين} المطيعين من الرِّجَال {والقانتات} المطيعات من النِّسَاء {والصادقين} فِي إِيمَانهم من الرِّجَال {والصادقات} فِي إيمانهن من النِّسَاء {وَالصَّابِرِينَ} على مَا أَمر الله والمرازي من الرِّجَال
{والصابرات} على مَا أَمر الله والمرازي من النِّسَاء {والخاشعين} المتواضعين من الرِّجَال {والخاشعات} المتواضعات من النِّسَاء {والمتصدقين} بِأَمْوَالِهِمْ من الرِّجَال {والمتصدقات} بأموالهن من النِّسَاء {والصائمين} من الرِّجَال {والصائمات} من النِّسَاء {والحافظين فُرُوجَهُمْ} عَن الْفُجُور من الرِّجَال {والحافظات} فروجهن من النِّسَاء {والذاكرين الله كَثِيراً} بِاللِّسَانِ وَالْقلب وَيُقَال بالصلوات الْخمس من الرِّجَال {وَالذَّاكِرَات} من النِّسَاء {أَعَدَّ الله لَهُم} للرِّجَال وَالنِّسَاء {مَّغْفِرَةً} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فى الْجنَّة
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} زيد {وَلَا مُؤْمِنَةٍ} زَيْنَب {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً} تزويجاً بَينهمَا {أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخيرَة} الِاخْتِيَار {مِنْ أَمْرِهِمْ} خلاف مَا اخْتَار الله وَرَسُوله لَهما {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} فِيمَا أمره {فَقَدْ ضَلَّ ضلالا مُبينًا} فقد أَخطَأ خطأ بَينا عَن أَمر الله
{وَإِذْ تَقُولُ للَّذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ} بِالْإِسْلَامِ يَعْنِي زيدا {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بِالْعِتْقِ {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وَلَا تطلقها {وَاتَّقِ الله} واخش الله وَلَا تخل سَبِيلهَا {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} تسر فِي نَفسك حبها وتزويجها {مَا الله مُبْدِيهِ} مظهره فِي الْقُرْآن {وَتَخْشَى النَّاس} تَسْتَحي من النَّاس من ذَلِك {وَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} أَن تَسْتَحي مِنْهُ {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً} حَاجَة يَقُول إِذا خرجت من عدتهَا من زيد {زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤمنِينَ} بعْدك {حَرَجٌ} مأثم {فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ} فِي تَزْوِيج نسَاء من تبنوهم {إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} حَاجَة إِذا خرجن من عدتهن بعد مَوْتهمْ أَو طلاقهن {وَكَانَ أَمْرُ الله} تَزْوِيج زَيْنَب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {مَفْعُولاً} كَائِنا وَيُقَال كَانَ أَمر الله قَضَاء الله مَفْعُولا كَائِنا
{مَّا كَانَ عَلَى النَّبِي مِنْ حَرَجٍ} من مأثم وضيق {فِيمَا فَرَضَ الله} فِيمَا رخص الله {لَهُ} من التَّزْوِيج {سُنَّةَ الله} هَكَذَا كَانَ قَضَاء الله {فِي الَّذين خَلَوْاْ} مضوا {من قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يَعْنِي دَاوُد فِي تَزْوِيج امْرَأَة أوريا وَيُقَال سُلَيْمَان فِي تَزْوِيج بلقيس {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} كَانَ قَضَاء الله قَضَاء كَائِنا
{الَّذين} فِي تَزْوِيج الَّذين {يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ الله} يعْنى دَاوُد وَسليمَان وَمُحَمّد صلى الله عليه وسلم {وَيَخْشَوْنَهُ} يخَافُونَ الله فِي تَبْلِيغ الرسَالَة {وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَاّ الله وَكفى بِاللَّه حَسِيباً} شَهِيدا
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} يَعْنِي زيدا {وَلَكِن رَّسُولَ الله} وَلَكِن كَانَ مُحَمَّد رَسُول الله {وَخَاتَمَ النَّبِيين} ختم الله بِهِ النَّبِيين قبله فَلَا يكون نَبِي بعده {وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من قَوْلكُم وفعلكم {عليما}
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {اذْكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} بِاللِّسَانِ وَالْقلب عِنْد الْمعْصِيَة وَالطَّاعَة
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} يغْفر لكم {وَمَلَائِكَتُهُ} يَسْتَغْفِرُونَ لكم {لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور} وَقد أخرجكم من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} رَفِيقًا
{تَحِيَّتُهُمْ} تَحِيَّة الْمُؤمنِينَ {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} يلقون الله {سَلَامٌ} من الله وتسلم عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة عِنْد أَبْوَاب الْجنَّة {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} ثَوابًا حسنا فى الْجنَّة
{يَا أَيهَا النَّبِي} يعْنى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} على أمتك بالبلاغ {وَمُبَشِّراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِهِ
{وَدَاعِياً إِلَى الله} إِلَى دين الله وطاعته {بِإِذْنِهِ} بأَمْره {وَسِرَاجاً مُّنِيراً} مضيئاً يقْتَدى بك فَلَمَّا نزل قَوْله {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} قَالَ الْمُؤْمِنُونَ هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله بالمغفرة فَمَا لنا عِنْد الله فَقَالَ الله
{وَبَشِّرِ} يَا مُحَمَّد {الْمُؤمنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً} ثَوابًا عَظِيما فِي الْجنَّة
ثمَّ رَجَعَ إِلَى أول السُّورَة فَقَالَ {وَلَا تُطِعِ} يَا مُحَمَّد {الْكَافرين} من أهل مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {وَالْمُنَافِقِينَ} من أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {وَدَعْ أَذَاهُمْ} وَلَا تقتلهم يَا مُحَمَّد {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ثق بِاللَّه {وَكفى بِاللَّه وَكِيلاً} كَفِيلا فِيمَا وعد لَك من النُّصْرَة وَيُقَال حفيظا
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ} أَي إِذا تزوجتم {الْمُؤْمِنَات} وَلم تسموا مهورهن {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} تجامعوهن {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} بالشهور أَو الْحيض {فَمَتِّعُوهُنَّ} مُتْعَة الطَّلَاق درعاً وخماراً وَمِلْحَفَة أدنى شَيْء {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} طلقوهن طَلَاقا حسنا بِغَيْر أَذَى
{يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ} أَعْطَيْت {أُجُورَهُنَّ} مهورهن {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} مَارِيَة الْقبْطِيَّة {مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ} مِمَّا فتح الله عَلَيْك {وَبَنَاتِ عَمِّكَ} وَأحل لَك تَزْوِيج بَنَات عمك {وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} من بني عبد الْمطلب {وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} من بني عبد منَاف بن زهرَة {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَامْرَأَة مُّؤْمِنَةً} مصدقة بتوحيد الله وَهِي أم شريك بنت جَابر العامرية {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا} مهرهَا {لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِي أَن يَسْتَنكِحَهَا} أَن يتَزَوَّج بهَا بِغَيْر مهرهَا {خَالِصَةً لَّكَ} خُصُوصِيَّة لَك ورخصة لَك {مِن دُونِ الْمُؤمنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} مَا أَحللنَا لَهُم وأوجبنا عَلَيْهِم على الْمُؤمنِينَ {فِي أَزْوَاجِهِمْ} الْأَرْبَع بِمهْر وَنِكَاح {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} بِغَيْر عدد {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} مأثم وضيق فِي تَزْوِيج مَا أحل الله لَك {وَكَانَ الله غَفُوراً} لما كَانَ مِنْك {رَّحِيماً} فِيمَا رخص لَك
{تُرْجِي} تتْرك {مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} من بَنَات عمك وَبَنَات خَالك وَلَا تتَزَوَّج بهَا {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ} تضم إِلَيْك {مَن تَشَآءُ} فتتزوج بهَا {وَمَنِ ابْتَغَيْت} اخْتَرْت بِالتَّزْوِيجِ {مِمَّنْ عَزَلْتَ} تركت {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} فَلَا حرج عَلَيْك وَيُقَال فِيهَا وَجه آخر تُرْجِي توقف من تشَاء مِنْهُنَّ من نِسَائِك وَلَا تأتيها تؤوى إِلَيْكَ تضم إِلَيْك مَن تَشَآءُ وتأتيها وَمَنِ ابتغت اخْتَرْت بالإتيان إِلَيْهَا مِمَّنْ عَزَلْتَ عَن الْإِتْيَان إِلَيْهَا فَلَا جنَاح فَلَا حرج عَلَيْك وَلَا مأثم عَلَيْك {ذَلِكَ} التَّوَسُّع والرخصة
{أدنى} أَي أَحْرَى {أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} تطيب أَنْفسهنَّ إِن علِمْنَ أَن ذَلِك التَّوَسُّع من الله {وَلَا يَحْزَنَّ} بمخافة الطَّلَاق {وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ} أَعطيتهنَّ من قسْمَة الْبدن {كُلُّهُنَّ} مقدم ومؤخر {وَالله يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ} من الرِّضَا والسخط {وَكَانَ الله عَلِيماً} بصلاحكم وصلاحهن {حَلِيماً} فِيمَا بيَّن لكم وَتجَاوز عَنْكُم
{لَاّ يَحِلُّ لَكَ النسآء} تَزْوِيج النِّسَاء {مِن بَعْدُ} هَذِه الصّفة وَيُقَال من بعد نِسَائِك التسع وَكَانَت عِنْده تسع نسْوَة عَائِشَة بنت أبي بكر وَحَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب وَزَيْنَب بنت جحش الأَسدِية وَأم سَلمَة بنت أبي أُميَّة المَخْزُومِي وَأم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب وَصفِيَّة بنت حيى ابْن أَخطب ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَسَوْدَة بنت زَمعَة بن الْأسود وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث الْمُصْطَلِقِيَّة {وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} مِمَّا بيّنت لَك من بَنَات عمك وخالك وَيُقَال وَلَا أَن تبدل بِهن من بَنَات عمك أَزْوَاجًا مِمَّا عنْدك من النِّسَاء يَقُول لَا يحل لَك أَن تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وتتزوج بِأُخْرَى {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} حسن الْمَرْأَة فَلَيْسَ لَك أَن تتَزَوَّج بهَا {إِلَاّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} مَارِيَة الْقبْطِيَّة {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْء} من أَعمالكُم {رقيبا} حفيظا
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِي} نزلت هَذِه الْآيَة فِي قوم كَانُوا يدْخلُونَ فِي بيُوت النبى صلى الله عليه وسلم غدْوَة وَعَشِيَّة فَيَجْلِسُونَ وينتظرون حِين الطَّعَام حَتَّى يَأْكُلُوا ثمَّ يتحدثون مَعَ نسَاء النبى صلى الله عليه وسلم فاغتنم بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلمواستحيا أَن يَأْمُرهُم بِالْخرُوجِ وينهاهم عَن الدُّخُول فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِي} بِغَيْر إِذن النَّبِي إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه نضجه وحينه {إِلَاّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} بِالدُّخُولِ {إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه} نضجه وحينه {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ} أكلْتُم {فَانْتَشرُوا} فاخرجوا {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} وَلَا تجلسوا مستأنسين لحَدِيث مَعَ أَزوَاج النبى صلى الله عليه وسلم {إِنَّ ذَلِكُمْ} الدُّخُول وَالْجُلُوس والْحَدِيث مَعَ أَزوَاج النبى صلى الله عليه وسلم {كَانَ يُؤْذِي النَّبِي} صلى الله عليه وسلم {فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ} أَن يَأْمُركُمْ بِالْخرُوجِ وينهاكم عَن الدُّخُول {وَالله لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحق} من أَن يَأْمُركُمْ بِالْخرُوجِ وينهاكم عَن الدُّخُول {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} كلمتموهن يعْنى أَزوَاج النبى صلى الله عليه وسلم {مَتَاعاً} كلَاما لَا بُد لكم مِنْهُ {فَاسْأَلُوهُنَّ} فكلموهن {مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} من خلف السّتْر {ذَلِكُم} الَّذِي ذكرت {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من الرِّيبَة {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ بِغَيْر إِذْنه والْحَدِيث مَعَ أَزوَاجه {وَلَا أَن تنْكِحُوا} تتزوجوا {أَزْوَاجَهُ مِن بعده} من مَوته {أَبَداً} نزلت هَذِه الْآيَة فِي طَلْحَة بن عبيد الله أَرَادَ أَن يتَزَوَّج بعائشة بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم {إِنَّ ذَلِكُم} الَّذِي قُلْتُمْ وتمنيتم من تَزْوِيج أَزوَاجه بعد مَوته {كَانَ عِندَ الله عَظِيماً} ذَنبا عِنْده عَظِيما فِي الْعقُوبَة
{إِن تُبْدُواْ شَيْئاً} تظهروا شَيْئا من ذَلِك {أَوْ تُخْفُوهُ} تسروه {فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ} من الاسرار والإبداء {عَلِيماً} يُؤَاخِذكُم بِهِ
{لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ} على أَزوَاج النبى صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاج الْمُؤمنِينَ {فِي آبَآئِهِنَّ} عَلَيْهِنَّ وَكَلَام آبائهن مَعَهُنَّ {وَلَا أَبْنَآئِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ} من كلا الْوَجْهَيْنِ {وَلَا نِسَآئِهِنَّ} نسَاء أهل دينهن وَلَا يحل لمسلمة أَن تتجرد عِنْد يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة أَو مَجُوسِيَّة {وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} الْإِمَاء دون العبيد {واتقين الله} فِي دُخُول هَؤُلَاءِ عَلَيْهِنَّ وكلامكن مَعَهم {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {شَهِيداً}
{إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ} بِالدُّعَاءِ {وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} لأَمره
بالفرية عَلَيْهِمَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لَعَنَهُمُ الله} عذبهم الله {فِي الدُّنْيَا} بِالْقَتْلِ والإجلاء {وَالْآخِرَة} فِي النَّار {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} يهانون بِهِ
{وَالَّذين يُؤْذُونَ الْمُؤمنِينَ} يَعْنِي صَفْوَان {وَالْمُؤْمِنَات} يَعْنِي عَائِشَة بالفرية {بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} يَعْنِي مَا كَانَ مِنْهُم ذَلِك {فَقَدِ احتملوا} قَالُوا {بُهْتَاناً وَإِثْماً} كذبا {مُّبِيناً} بَينا وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي حق زناة الْمَدِينَة كَانُوا يُؤْذونَ بذلك الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات فنهاهم الله عَن ذَلِك فَانْتَهوا
{يَا أَيهَا النَّبِي قُل لأَزْوَاجِكَ} لنسائك {وَبَنَاتِكَ} يَعْنِي بَنَات النبى صلى الله عليه وسلم {وَنِسَآءِ الْمُؤمنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} يرخين عَلَيْهِنَّ على نحورهن وجيوبهن {مِن جَلَابِيبِهِنَّ} من جلبابهن وَهِي المقنعة والرداء {ذَلِك} الَّذِي ذكرت من أَمر الجلباب {أدنى} أَحْرَى {أَن يُعْرَفْنَ} بالحرائر {فَلَا يُؤْذَيْنَ} فَلَا يؤذونهن الزناة {وَكَانَ الله غَفُوراً} بِمَا كَانَ مِنْهُنَّ {رَّحِيماً} فِيمَا يكون مِنْهُنَّ
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ} عبد الله بن أُبي وَأَصْحَابه عَن الْمُنكر والخيانة {وَالَّذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} شَهْوَة الزِّنَا وهم الزناة {والمرجفون فِي الْمَدِينَة} الطالبون عُيُوب الْمُؤمنِينَ فِي الْمَدِينَة وهم الْمُؤَلّفَة {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} لنسلطنك عَلَيْهِم {ثُمَّ لَا يجاورونك فِيهَا} لَا يساكنون مَعَك فى الْمَدِينَة {إِلَاّ قَلِيلاً} يَسِيرا
{سُنَّةَ الله} هَكَذَا كَانَ عَذَاب الله فِي الدُّنْيَا {فِي الَّذين خَلَوْاْ} مضوا {مِن قَبْلُ} من قبلهم من الْمُنَافِقين لما كابروا النَّبِيين وَالْمُؤمنِينَ أَمر الله أنبياءهم أَن يقتلوهم {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله {تَبْدِيلاً} تغييراً فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة فيهم فَانْتَهوا عَن ذَلِك
{يَسْأَلُكَ النَّاس} أهل مَكَّة {عَنِ السَّاعَة} عَن قيام السَّاعَة {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا عِلْمُهَا} علم قِيَامهَا {عِندَ الله وَمَا يُدْرِيكَ} وَلم تدر {لَعَلَّ السَّاعَة تَكُونُ قَرِيباً} سَرِيعا
{إِنَّ الله لَعَنَ} عذب {الْكَافرين} كفار مَكَّة يَوْم بدر {وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً} نَارا وقوداً
{خَالِدِينَ فِيهَآ} فِي النَّار {أَبَداً} لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {لَاّ يَجِدُونَ وَلِيّاً} حَافِظًا يحفظهم من عَذَاب الله {وَلَا نَصِيراً} مَانِعا يمنعهُم من عَذَاب الله
{يَوْمَ تُقَلَّبُ} تجر {وُجُوهُهُمْ فِي النَّار يَقُولُونَ} يعْنى القادة والسفلة {يَا ليتنا أَطَعْنَا الله} بِالْإِيمَان {وَأَطَعْنَا الرسولا} بالإجابة
{وَقَالُواْ} يَعْنِي السفلة {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا} رؤساءنا {وَكُبَرَآءَنَا} أشرافنا وعظماءنا {فَأَضَلُّونَا السبيلا} فصرفونا الدّين
{رَبَّنَآ} يَقُولُونَ يَا رَبنَا {آتِهِمْ} أعطهم يَعْنِي الرؤساء {ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَاب} مِمَّا علينا {والعنهم لعنا كَبِيرا} عذبهم عذَابا كَبِيرا
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لَا تَكُونُواْ} فِي إِيذَاء مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {كَالَّذِين آذَوْاْ مُوسَى} قَالُوا إِنَّه آدر {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ}
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اتَّقوا الله} أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم {وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} عدلا لَا إِلَه إِلَّا الله
{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} يقبل أَعمالكُم بِالتَّوْحِيدِ {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} بِالتَّوْحِيدِ {وَمَن يُطِعِ الله} فِيمَا أمره {وَرَسُولَهُ} فِيمَا أمره {فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} فقد فَازَ بِالْجنَّةِ وَنَجَا من النَّار نجاة وافرة
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة} الطَّاعَة وَالْعِبَادَة {عَلَى السَّمَاوَات} على أهل السَّمَوَات {وَالْأَرْض وَالْجِبَال} على وَجه الِاخْتِيَار والتخصيص {فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} بالثواب وَالْعِقَاب {وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} خفن مِنْهَا من حملهَا {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان} آدم بالثواب وَالْعِقَاب {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً} بحملها وَيُقَال بِأَكْلِهِ من الشَّجَرَة {جَهُولاً} بعاقبتها
فَلَمَّا نزلت بشرى الْمُؤمنِينَ بِالْفَضْلِ قَالَ المُنَافِقُونَ وَمَا لنا يَا رَسُول الله فَنزل {لِّيُعَذِّبَ الله الْمُنَافِقين} وَيُقَال قبل آدم الْأَمَانَة ليعذب الله الْمُنَافِقين لكَي يعذب الْمُنَافِقين من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {وَالْمُشْرِكين} من الرِّجَال {والمشركات} من النِّسَاء بتركهم الْأَمَانَة لأَنهم كَانُوا فِي صلب آدم حَيْثُ قبل آدم الْأَمَانَة {وَيَتُوبَ الله} لكَي يَتُوب الله {عَلَى الْمُؤمنِينَ} المخلصين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المخلصات من النِّسَاء بِمَا يكون مِنْهُم من تَقْصِير الْأَمَانَة {وَكَانَ الله غَفُورًا} لمن تَابَ مِنْهُم {رحِيما} بِالْمُؤْمِنِينَ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا سبأ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَخَمْسُونَ آيَة وكلمها ثَمَانمِائَة وَثَلَاثَة وَثَمَانُونَ كلمة وحروفها ألف وخمسائة وَاثنا عشر حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله وَهُوَ أَن صنع إِلَى خلقه فحمدوه {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَلَهُ الْحَمد} الْمِنَّة {فِي الْآخِرَة} على أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَلا يعبد غَيره {الْخَبِير} الْعَلِيم بخلقه وبأعمالهم
{يَعْلَمُ مَا يَلْجُ} مَا يدْخل {فِي الأَرْض} من الأمطار والمياه والأموات والكنوز {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} وَيعلم مَا يخرج من الأَرْض من النَّبَات وَمن الْمِيَاه والكنوز والموتى {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء} من الأمطار والرزق وَغير ذَلِك {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} وَيعلم مَا يصعد إِلَيْهَا من الْمَلَائِكَة والحفظة بديوان الْعباد {وَهُوَ الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ {الغفور} لمن تَابَ
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَا تَأْتِينَا السَّاعَة} قيام السَّاعَة {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {بلَى وَرَبِّي} أقسم بِنَفسِهِ {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} السَّاعَة قيام السَّاعَة {عَالِمِ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد يعلم ذَلِك {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ} لَا يغيب عَن الله {مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} وزن نملة وَهِي النملة الْحَمْرَاء الصَّغِيرَة {فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض} من أَعمال الْعباد
{وَلَا أَصْغَرُ} أخف {مِن ذَلِك وَلَا أَكْبَرُ} أثقل من ذَلِك {إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ محصي عَلَيْهِم
{ليجزي} لكى يجزى {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الْخيرَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أُولَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة
{وَالَّذين سَعَوْا} كذبُوا {فِي آيَاتِنَا} بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} عَذَاب وجيع
{وَيَرَى} لكَي يرى {الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحق} يَعْنِي الْقُرْآن {وَيهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيز} يدل إِلَى دين الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الحميد} لمن وَحده
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه للسفلة {هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِركُمْ {إِذَا مُزِّقْتُمْ} فرقتم فِي الأَرْض {كُلَّ مُمَزَّقٍ} كل مفرق الْجلد والعظم هَذَا مُحَمَّد يزْعم {إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد} يجددفينا الرّوح بعد الْمَوْت
{أفترى} أختلق مُحَمَّد {عَلَى الله كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ} جُنُون قَالَ الله تَعَالَى {بَلِ الَّذين لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {فِي الْعَذَاب} فِي الْآخِرَة {والضلال} الْخَطَأ {الْبعيد} عَن الْحق وَالْهدى فِي الدُّنْيَا
{أَفَلَمْ يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} فَوْقهم وتحتهم من السَّمَاء وَالْأَرْض {وَمَا خَلْفَهُمْ} فَوْقهم وتحتهم {مِّنَ السمآء وَالْأَرْض إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ} نغر {بِهِمُ الأَرْض} فِي الأَرْض {أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً} قطعا {مِّنَ السمآء} فنهلكهم {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت لَهُم من السَّمَاء وَالْأَرْض (لآيَةً) لعبرة {لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} مقبل إِلَى الله وَإِلَى طَاعَته
{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {دَاوُد منا فضلا} ملكا ونبوة {يَا جبال} وَقُلْنَا يَا جبال {أَوِّبِي مَعَهُ} سبحي مَعَ دَاوُد {وَالطير} وسخرنا لَهُ الطير {وَأَلَنَّا} لينًا {لَهُ الْحَدِيد} يعْمل بِهِ مَا يَشَاء كَمَا يعْمل بالطين
{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} الدروع الواسعات {وَقَدِّرْ فِي السرد} قدر المسمار فِي الْحلق لَا تدقق المسمار فيمور فِيهِ وَيخرج مِنْهُ وَلَا تغلظه فيخرمه {وَاعْمَلُوا صَالِحاً} خَالِصا {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ} عَالم
{وَلِسُلَيْمَانَ الرّيح} وسخرنا لِسُلَيْمَان الرّيح {غُدُوُّهَا شَهْرٌ} يسير عَلَيْهَا غدْوَة من بَيت الْمُقَدّس إِلَى إصطخر مسيرَة شهر {وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} يسير عَلَيْهَا رَاجعا من إصطخر إِلَى بَيت الْمُقَدّس مسيرَة شهر يَجِيء وَيذْهب فِي يَوْم {وَأَسَلْنَا لَهُ} أجرينا لَهُ {عَيْنَ الْقطر} الصفر الْمُذَاب يعْمل بِهِ مَا يَشَاء كَمَا يعْمل بالطين {وَمِنَ الْجِنّ} وسخرنا لَهُ من الْجِنّ {مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} بالسخرة من الْبُنيان وَغير ذَلِك {بِإِذْنِ رَبِّهِ} بِأَمْر ربه {وَمَن يَزِغْ} يمل ويعص {مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا} الَّذِي أمرنَا وَيُقَال عَن أَمر سُلَيْمَان {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير} الْوقُود فِي النَّار وَيُقَال كَانَ يَضْرِبهُمْ ملك بعمود من نَار
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ} يَعْنِي الْمَسَاجِد {وَتَمَاثِيلَ} صور الْمَلَائِكَة والنبيين والعباد لكَي ينظر إِلَيْهِم النَّاس فيعبدوا رَبهم على مثالهم {وجفان كالجواب}
قطاع كالجواب كحياض الْإِبِل لَا تتحرك {وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} ثابتات عِظَام لَا ترفع يَأْكُل مِنْهَا ألف رجل {اعْمَلُوا آل دَاوُد} يَعْنِي سُلَيْمَان {شُكْراً} دَائِما بِمَا أَنْعَمت عَلَيْكُم يَقُول اعْمَلُوا عملا خيرا حَتَّى تُؤَدُّوا بذلك شكر مَا أَنْعَمت عَلَيْكُم {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكُور} من يُؤَدِّي شكر الشكُور
{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ} على سُلَيْمَان {الْمَوْت} كَانَ سُلَيْمَان مَيتا قَائِما فِي محرابه سنة {مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ} موت سُلَيْمَان {إِلَاّ دَابَّةُ الأَرْضِ} الأرضة {تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} عَصَاهُ وَيُقَال عنزته {فَلَمَّا خَرَّ} وَقع سُلَيْمَان {تَبَيَّنَتِ الْجِنّ} تبين للإنس أَن الْجِنّ لَا يعلمُونَ {أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُواْ فِي الْعَذَاب المهين} الشَّديد من الْعَمَل بالسخرة وَكَانَ قبل ذَلِك يظنّ الْإِنْس أَن الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب فَتبين لَهُم بعد ذَلِك أَنهم لَا يعلمُونَ
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} لأهل سبأ قَرْيَة فِي الْيمن {فِي مَسْكَنِهِمْ} فِي مَنَازِلهمْ {آيَةٌ} عَلامَة {جَنَّتَانِ} بستانان {عَن يَمِينٍ} يَمِين الطَّرِيق {وَشِمَالٍ} شمال الطَّرِيق وَكَانَ ثَلَاث عشرَة قَرْيَة نَحْو الْيَمين بعث الله إِلَيْهِم ثَلَاثَة عشر نَبيا فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء {كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ} من فضل ربكُم من الثِّمَار وَالنَّعِيم {واشكروا لَهُ} بِالتَّوْحِيدِ {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} هَذِه بَلْدَة طيبَة لَيست بسبخة {وَرَبٌّ غَفُورٌ} لمن آمن بِهِ وَتَابَ
{فَأَعْرَضُواْ} عَن الْإِيمَان وَإجَابَة الرُّسُل وَلم يشكروا بذلك {فَأَرْسَلْنَا} سُلْطَانا {عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} سيل الْوَادي فَأهْلك مَا كَانَ لَهُم من الْبَسَاتِين والبيوت وَالنَّعِيم وَغير ذَلِك والعرم وَاد فِي الْيَمين يُقَال لَهُ وَادي الشّجر وَكَانَ فِيهِ مسناة يحبسون المَاء فِي الْوَادي بذلك وَكَانَ لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب بَعْضهَا أَسْفَل من بعض فهدم الله تِلْكَ المسناة وأهلكهم بذلك المَاء {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ} اللَّتَيْنِ هلكتا {جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} ثَمَر خمط أَرَاك {وَأَثْلٍ} طرفاء {وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} من شجر قَلِيل الثَّمر كثير الشوك
{ذَلِك جَزَيْنَاهُمْ} أَي الَّذِي أَصَابَهُم عُقُوبَة لَهُم عاقبناهم {بِمَا كفرُوا} بِاللَّه وبنعمته {وَهل نجازي} نعاقب {إِلَاّ الكفور} الْكَافِر بِاللَّه وبنعمته
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ} بَين أهل سبأ {وَبَيْنَ} أهل {الْقرى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجر يَعْنِي الْأُرْدُن وفلسطين {قُرًى ظَاهِرَةً} مُتَّصِلَة مُعَاينَة {وَقَدَّرْنَا فِيهَا} يَعْنِي الْقرى {السّير} على قدر المقيل وَالْمَبِيت {سِيرُواْ فِيهَا} سافروا فِيهَا {لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} من الْجُوع والعطش واللصوص فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء بعد ذَلِك اشكروا نعْمَة ربكُم لِئَلَّا يَأْخُذهَا مِنْكُم كَمَا أَخذ النِّعْمَة الأولى
{فَقَالُواْ رَبَّنَا} يَا رَبنَا {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} مسيرنا {وظلموا أَنفُسَهُمْ} بالْكفْر والشرك وَتركُوا شكر ذَلِك {فجعلناهم أَحَادِيث} لمن بعدهمْ {ومزقناهم} فرقناهم فِي الْبلدَانِ {كُلَّ مُمَزَّقٍ} مفرق وأهلكناهم كل مهلك {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا تقدم فعلنَا بهم {لآيَاتٍ} لعلامات وعبرات {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على الطَّاعَة {شَكُورٍ} بنعم الله
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} قَوْله أَي ظن بهم ظنا فَوَافَقَ ظَنّه قَوْله {فَاتَّبعُوهُ} فِي الْكفْر {إِلَاّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤمنِينَ} جملَة الْمُؤمنِينَ وَيُقَال فَاتَّبعُوهُ بالمعصية إِلَّا فريقاً طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ وهم سَبْعُونَ ألفا الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِلَا حِسَاب وَلَا عَذَاب
{وَمَا كَانَ الله} لإبليس {عَلَيْهِمْ} على بني آدم {مِّن سُلْطَانٍ} من مقدرَة ونفاذ أَمر {إِلَاّ لِنَعْلَمَ} إِلَّا بِقدر مَا نرى ونميز {مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَة} من علمت فِي الْقدَم أَن يُؤمن بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا} من قيام السَّاعَة {فِي شَكٍّ} ريب {وَرَبُّكَ} يَا مُحَمَّد {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {حَفُيظٌ} عليم
{قُلِ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة بني مليح {ادعوا الَّذين زَعَمْتُمْ} عَبدْتُمْ {مِّن دُونِ الله} حَتَّى يجيبوكم وَكَانُوا يعْبدُونَ الْجِنّ ويظنون أَنهم الْمَلَائِكَة قَالَ الله لَهُم {لَا يَمْلِكُونَ} لَا يقدرُونَ أَن ينفعوكم {مِثُقَالَ ذَرَّةٍ} وزن ذرة {فِي السَّمَاوَات} مِمَّا فِي السَّمَوَات
{وَلَا فِي الأَرْض} وَلَا مِمَّا فِي الأَرْض {وَمَا لَهُمْ} للْمَلَائكَة {فِيهِمَا} فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {مِن شِرْكٍ} من شركَة مَعَ الله {وَمَا لَهُ} لله {مِنْهُمْ} من الْمَلَائِكَة {مِّن ظَهِيرٍ} من عون فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
{وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَة} وَلَا تشفع الْمَلَائِكَة {عِندَهُ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} بالشفاعة ثمَّ ذكر ضعف الْمَلَائِكَة حَيْثُ كلم الله جِبْرِيل بالوحى إِلَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَسمِعت الْمَلَائِكَة كَلَام الرب تبارك وتعالى فَخَروا مغشياً عَلَيْهِم من هَيْبَة كَلَام الله فَكَانُوا كَذَلِك {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} كشط وجلي {عَن قُلُوبِهِمْ} الْخَوْف حِين انحدر عَلَيْهِم جِبْرِيل فَرفعُوا رُءُوسهم {قَالُواْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة لجبريل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} يَا جِبْرِيل {قَالُواْ} يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {الْحق} الْقُرْآن {وَهُوَ الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْكَبِير} أكبر كل شَيْء
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَات} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات فَإِن أجابوك وَقَالُوا الله وَإِلَّا {قُلِ الله} يرزقكم {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لعلى هُدىً أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} فِي رزق الله سَوَاء وَيُقَال وَإِنَّا معشر الْمُؤمنِينَ لعلى هدى أَو إيَّاكُمْ يَا أهل مَكَّة فِي ضلال مُبين فِي كفر وَخطأ بَين مقدم ومؤخر فِي الْكَلَام
{قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَاّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا} أَذْنَبْنَا {وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} فِي كفركم ثمَّ نسخ بعد ذَلِك بِآيَة السَّيْف
{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يَوْم الْقِيَامَة {ثُمَّ يَفْتَحُ} يقْضِي {بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَهُوَ الفتاح} القَاضِي بلغَة عمان {الْعَلِيم} بالحكم
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرُونِيَ الَّذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ} أشركتم بِهِ {شُرَكَآءَ} آلِهَة مَاذَا خلقُوا ثمَّ قَالَ الله {كَلَاّ} حَقًا لم يخلقوا شَيْئا {بَلْ هُوَ الله} خلق ذَلِك {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {إِلَاّ كَآفَّةً} جمَاعَة {لِّلنَّاسِ} الْإِنْس وَالْجِنّ {بَشِيراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِهِ {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لَا يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون
{وَيَقُولُونَ} كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} يَا مُحَمَّد الَّذِي تعدنا {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت
{قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ} مِيقَات يَوْم يَوْم الْقِيَامَة {لَاّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً} بعد الْأَجَل {وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ} قبل الْأَجَل سَاعَة
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل بن هِشَام وَأَصْحَابه {لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآن} الذى يقرأه علينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} قبله من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب {وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذِ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {مَوْقُوفُونَ} محبوسون {عِندَ رَبِّهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ القَوْل} يُجيب بَعضهم بَعْضًا وَيرد بَعضهم بَعْضًا ويلعن بَعضهم بَعْضًا {يَقُولُ الَّذين استضعفوا} قهروا وهم السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {لَوْلَا أَنتُمْ لَكنا مُؤمنين} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن
{قَالَ الَّذين استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {لِلَّذِينَ استضعفوا} قهروا وهم السفلة {أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ} صرفناكم {عَنِ الْهدى} عَن الْإِيمَان {بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ} مُحَمَّد بِهِ {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} مُشْرِكين قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم إِلَيْكُم
تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {بَلْ مَكْرُ اللَّيْل وَالنَّهَار} قَوْلكُم إيانا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار {إِذْ تَأْمُرُونَنَآ} إِذْ أمرتمونا {أَن نَّكْفُرَ بِاللَّه} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} أعدالاً وأشكالاً {وَأَسَرُّواْ} أخفوا {الندامة} القادة من السفلة وَيُقَال أظهر الندامة القادة والسفلة {لَمَّا} حِين {رَأَوُاْ الْعَذَاب وَجَعَلْنَا الأغلال فِي أَعْنَاق الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَقُول غلت أَيْمَانهم إِلَى أَعْنَاقهم {هَلْ يُجْزَوْنَ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلَاّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إِلَّا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَيَقُولُونَ فِي كفرهم
{وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ} إِلَى أهل قَرْيَة {مِّن نَّذِيرٍ} رَسُول مخوف {إِلَاّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ} جبابرتها وأغنياؤها {إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} جاحدون
{وَقَالُواْ} للرسل {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً} مِنْكُم {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} بديننا هَذَا مَعَ هَذِه الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَهَكَذَا قَالَ كفار مَكَّة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الله {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق} يُوسع المَال {لِمَن يَشَآءُ} على من يَشَاء وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لَا يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون بِهِ
{وَمَآ أَمْوَالُكُمْ} كَثْرَة أَمْوَالكُم يَا أهل مَكَّة {وَلَا أَوْلَادُكُمْ} كَثْرَة أَوْلَادكُم {بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} قربى بالدرجات {إِلَاّ مَنْ آمَنَ} بِاللَّه وَلَكِن إِيمَان من آمن بِاللَّه {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه يقربهُ إِلَى الله {فَأُولَئِك لَهُمْ جَزَآءُ الضعْف} فِي الْحَسَنَات {بِمَا عَمِلُواْ} فِي إِيمَانهم {وَهُمْ فِي الغرفات} فِي الدَّرَجَات {آمِنُونَ} من الْمَوْت والزوال
{وَالَّذين يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا} يكذبُون بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب} فِي النَّار {مُحْضَرُونَ} معذبون
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ} يُوسع المَال على من يَشَاء {من عباده} وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيقدر لَهُ} يقتر لَهُ وَهُوَ نظر مِنْهُ {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ} فِي سَبِيل الله {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَفِي الْآخِرَة بِالْحَسَنَاتِ {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أفضل الْمُخلفين والمعطين
{وَيَوْم نحشرهم} يَعْنِي بني مليح وَالْمَلَائِكَة {جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ للْمَلَائكَة أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} بأمركم
{قَالُواْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {سُبْحَانَكَ} نزهوا الله {أَنتَ وَلِيُّنَا} رَبنَا {مِن دُونِهِمْ} من دون أَن أمرناهم بعبادتنا {بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنّ أَكْثَرُهُم بهم مُؤمنُونَ} مقرون يرَوْنَ أَنهم الْمَلَائِكَة
{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لَا يَمْلِكُ} لَا يقدر {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ لكم {نَّفْعاً} من الشَّفَاعَة {وَلَا ضَرّاً} بِدفع الْعَذَاب {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا {ذُوقُواْ عَذَابَ النَّار الَّتِي كُنتُم بِهَا} فِي الدُّنْيَا {تُكَذِّبُونَ} أَنَّهَا لَا تكون
تقْرَأ على كفار مَكَّة {آيَاتُنَا} آيَات الْقُرْآن {بَيِّنَاتٍ} مبينات بالحلال وَالْحرَام {قَالُواْ مَا هَذَا} يعنون مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {إِلَاّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ} يصرفكم {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ} من الْآلهَة {وَقَالُواْ مَا هَذَا} الذى يَقُول مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {إِلَاّ إِفْكٌ} كذب {مُّفْتَرىً} مختلق من تِلْقَاء نَفسه {وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لِلْحَقِّ} لِلْقُرْآنِ {لَمَّا جَآءَهُمْ} حِين جَاءَهُم بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {إِن هَذَا} مَا هَذَا {إِلَّا سحر مُبين} كذب بَين
{وَمَآ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم كفار مَكَّة {مِّنْ كُتُبٍ يدرسونها} يقرءُون فِيهَا مَا يَقُولُونَ {وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ} يَا مُحَمَّد {مِّن نَّذِيرٍ} من رَسُول مخوف لَهُم إِلَّا قَالُوا لَهُ مثل مَا يَقُولُونَ لَك
{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ} من قبل قَوْمك قُرَيْش الرُّسُل {وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ} يَقُول مَا بلغت قُرَيْش عشر من كَانَ قبلهم من الْكفَّار وَيُقَال مَا بلغت أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم وأعمارهم وقوتهم عشر مَا أعطينا من كَانَ قبلهم {فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} تغييري عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ حِين لم يُؤمنُوا
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} بِكَلِمَة وَاحِدَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَهَذَا كَقَوْل الرجل للرجل تعال حَتَّى أُكَلِّمك كلمة وَاحِدَة ثمَّ يكلمهُ بِأَكْثَرَ من ذَلِك {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى} اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ {وفرادى} وَاحِدًا وَاحِدًا {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ} هَل كَانَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ساحراً أَو كَاهِنًا أَو كَاذِبًا أَو مَجْنُونا ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى {مَا بِصَاحِبِكُمْ} مَا بنبيكم (مِّن جِنَّةٍ) من جُنُون {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {إِلَاّ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} يَوْم الْقِيَامَة إِن لم تؤمنوا
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ} من جعل وَمؤنَة {فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلَاّ عَلَى الله وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {شَهِيدٍ} عَالم
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} يبين الْحق وَيَأْمُر بِالْحَقِّ {عَلَاّمُ الغيوب} مَا غَابَ عَن الْعباد يعلم الله ذَلِك
{قُلْ جَآءَ الْحق} ظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِل} مَا يخلق الشَّيْطَان والأصنام {وَمَا يُعِيدُ} يحيي بعد الْمَوْت
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِن ضَلَلْتُ} عَن الْحق وَالْهدى {فَإِنَّمَآ أَضِلُّ على نَفْسِي} يَقُول عُقُوبَة ذَلِك على نَفسِي {وَإِنِ اهتديت} إِلَى الْحق وَالْهدى {فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} اهتديت {إِنَّهُ سَمِيعٌ} لمن دَعَاهُ {قَرِيبٌ} بالإجابة لمن وَحده
{وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذْ فَزِعُواْ} خسف بهم الأَرْض وماتوا وَهُوَ خسف الْبَيْدَاء بهم {فَلَا فَوْتَ} فَلَا يفوت مِنْهُم وَاحِد {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} من تَحت أَقْدَامهم وَخسف بهم الأَرْض
{وَقَالُوا} عِنْدَمَا خسف بهم الأَرْض {آمَنَّا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن قَالَ الله تَعَالَى {وأنى لَهُمُ التناوش} التَّوْبَة وَالرَّجْعَة {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} بعد الْمَوْت
{وَقد كفرُوا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {مِن قَبْلُ} من قبل مَا خسف بهم الأَرْض {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} يَقُولُونَ بِالظَّنِّ فِي الدُّنْيَا أَن لَا جنَّة وَلَا نَار {مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} بعد الْمَوْت وَيُقَال يقذفون بِالْغَيْبِ يسْأَلُون الرّجْعَة إِلَى الدُّنْيَا بِالظَّنِّ من مَكَان بعيد بعد الْمَوْت
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} فرق بَينهم {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} من الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم} بأشباههم وَأهل دينهم {مِّن قَبْلُ} من قبلهم من الْكفَّار {إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبِ} ظَاهر الشَّك بفاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالله أعلم بأسرار كِتَابه