الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جالسين ناعمين {على رَفْرَفٍ} مجَالِس وَيُقَال رياض {خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ} طنافس مخملة ملونة {حِسَانٍ} وَيُقَال زرابي حسان ملونة
{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} فباي نعماء رَبكُمَا أَيهَا الْجِنّ وَالْإِنْس غير مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم تُكَذِّبَانِ تتجاحدان أَنَّهَا لَيست من الله {تَبَارَكَ اسْم رَبِّكَ} ذُو بركَة وَرَحْمَة وَيُقَال تَعَالَى وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {ذِي الْجلَال} ذِي العظمة وَالسُّلْطَان {وَالْإِكْرَام} والتجاوز وَالْإِحْسَان إِذا قَامَت الْقِيَامَة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْوَاقِعَة وهى كلهَا مَكِّيَّة غير قَوْله {أفبهذا الحَدِيث أَنْتُم مدهنون وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} وَقَوله {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} فَهَؤُلَاءِ الْآيَات نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم فى سَفَره إِلَى الْمَدِينَة آياتها تسع وَتسْعُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وثمان وَسَبْعُونَ وحروفها ألف وَتِسْعمِائَة وَثَلَاثَة أحرف
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {إِذَا وَقَعَتِ
الْوَاقِعَة}
يَقُول إِذا قَامَت الْقِيَامَة
{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا} لقيامها {كَاذِبَةٌ} راد وَلَا خلف وَلَا مثنوية
{خافضة} تخْفض قوما بأعمالهم فتدخلهم النَّار {رَّافِعَةٌ} ترفع قوما بأعمالهم فتدخلهم الْجنَّة وَيُقَال إِنَّمَا سميت الْوَاقِعَة لشدَّة صَوتهَا يسمع الْقَرِيب والبعيد
{إِذَا رُجَّتِ الأَرْض رَجّاً} إِذا زلزلت الأَرْض زَلْزَلَة حَتَّى يطمس كل بُنيان وجبل عَلَيْهَا فَيَعُود فِيهَا
{وَبُسَّتِ الْجبَال بَسّاً} سيرت الْجبَال عَن وَجه الأَرْض كسير السَّحَاب وَيُقَال قلعت قلعاً وَيُقَال جثت جثا وَيُقَال فتت فتاً كَمَا يبس السويق أَو علف الْبَعِير
{فَكَانَتْ} صَارَت {هَبَآءً} غباراً كالغبار الَّذِي يسطع من حوافر الدَّوَابّ أَو كشعاع الشَّمْس يدْخل فِي كوَّة تكون فِي الْبَيْت أَو خرق يكون فِي الْبَاب {مُّنبَثّاً} يحور بعضه فِي بعض
{وَكُنتُمْ} صرتم يَوْم الْقِيَامَة {أَزْوَاجاً} أصنافاً {ثَلَاثَةً}
{فَأَصْحَابُ الميمنة} وهم أهل الْجنَّة الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بيمينهم وهم الَّذين قَالَ الله لَهُم هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وَلَا أُبَالِي {مَآ أَصْحَابُ الميمنة} يعجب نبيه بذلك يَقُول وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل الْجنَّة من النَّعيم وَالسُّرُور والكرامة
{وَأَصْحَابُ المشأمة} وهم أهل النَّار الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بشمالهم وهم الَّذين قَالَ الله لَهُم هَؤُلَاءِ فِي النَّار وَلَا أُبَالِي {مَآ أَصْحَابُ المشأمة} يعجب نبيه بذلك وَيَقُول وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل النَّار فِي النَّار من الهوان والعقوبة وَالْعَذَاب
{وَالسَّابِقُونَ} فِي الدُّنْيَا إِلَى الْإِيمَان وَالْهجْرَة وَالْجهَاد وَالتَّكْبِيرَة الأولى والخيرات كلهَا هم {السَّابِقُونَ} فِي الْآخِرَة إِلَى الْجنَّة
{أُولَئِكَ المقربون} إِلَى الله
{ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلين} جمَاعَة من أَوَائِل الْأُمَم كلهَا قبل أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين} من أَوَاخِر الْأُمَم كلهَا وهى أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَيَقُول كلتاهما أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة اغتم النبى صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه بذلك حَتَّى نزل قَوْله تَعَالَى ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين
{على سُرُرٍ} جالسين على سرر {مَّوْضُونَةٍ} مَوْصُولَة بقضبان الذَّهَب وَالْفِضَّة منسوجة بالدر والياقوت
{مُّتَّكِئِينَ} ناعمين {عَلَيْهَا} على السرر {مُتَقَابِلِينَ} فِي الزِّيَارَة
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {وِلْدَانٌ} وصفاء وَيُقَال هم أَوْلَاد الْكفَّار جعلُوا خدماً لأهل الْجنَّة {مُّخَلَّدُونَ} خلدوا لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا وَيُقَال يحلونَ فِي الْجنَّة يطوف عَلَيْهِم
{بِأَكْوَابٍ} بكيزان لَا آذان لَهَا وَلَا عراً {وأباريق} مَالهَا آذان وعراً وخراطيم {وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} خمر طَاهِر تجرى
{لَاّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} يَقُول لَا يصدع رؤوسهم من شربهَا وَيُقَال لَا يصدع الْخمر رؤوسهم كخمر الدُّنْيَا وَيُقَال لَا يمْنَعُونَ عَنْهَا {وَلَا يُنزِفُونَ} لَا يسكرون بشربها وَيُقَال لَا تسكرهم الْخمر وَيُقَال لَا ينْفد شرابهم إِن قَرَأت بخفض الزاى
{وَفَاكِهَةٍ} وألوان الْفَاكِهَة {مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} مِمَّا يشتهون
{وَلَحْمِ طَيْرٍ} وألوان لحم طير {مِّمَّا يَشْتَهُونَ} مِمَّا يتمنون
{وَحُورٌ} وَيَطوف عَلَيْهِم جوَار بيض {عِينٌ} عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه
{جَزَآءً} هُوَ ثَوَاب لأهل الْجنَّة {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ من الْخيرَات فِي الدُّنْيَا
{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {لَغْواً} بَاطِلا وَلَا حلفا كَاذِبًا {وَلَا تَأْثِيماً} لَا شتماً وَيُقَال لَا إِثْم عَلَيْهِم فِيهِ
{إِلَّا قَلِيلا} قولا {سَلَاماً سَلَاماً} يحيي بَعضهم بَعْضًا بِالسَّلَامِ والتحية من الله
{وَأَصْحَابُ الْيَمين} أهل الْجنَّة {مَآ أَصْحَابُ الْيَمين} مَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل الْجنَّة من النعم وَالسُّرُور
{فِي سِدْرٍ} فِي ظلال سمر ثمَّ بَين ذَلِك فَقَالَ {مَّخْضُودٍ} موقر بِلَا شوك
{وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} موز مُجْتَمع وَيُقَال دَائِم لَا يَنْقَطِع
{وَظِلٍّ} ظلّ الشّجر وَيُقَال ظلّ الْعَرْش {مَّمْدُودٍ} دَائِم عَلَيْهِ بِلَا شمس
{وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ} مصبوب من سَاق الْعَرْش
{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} ألوان الْفَاكِهَة الْكَثِيرَة
{لَاّ مَقْطُوعَةٍ} لَا تَنْقَطِع عَنْهُم فِي حِين وتجيء فِي حِين {وَلَا مَمْنُوعَةٍ} عَنْهُم إِذا نظرُوا إِلَيْهَا
{وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} فِي الْهَوَاء لأَهْلهَا
{إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ} خلقنَا نسَاء أهل الدُّنْيَا {إِنشَآءً} خلقا بعد الْعَجز والعمش وَالْمَرَض وَالْمَوْت
{فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} عذارى
{عُرُباً} شكلات غنجات عاشقات مُتَحَببَات إِلَى أَزوَاجهنَّ {أَتْرَاباً} مستويات فِي السن والميلاد على مِقْدَار ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ سنة
{لأَصْحَاب الْيَمين} لأهل الْجنَّة وَكلهمْ أهل الْجنَّة
{ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلين} جمَاعَة من أَوَائِل الْأُمَم كلهَا قبل أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين} جمَاعَة من أَوَاخِر الْأُمَم كلهَا وهى أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَيُقَال كلتا الثلتين من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{وَأَصْحَابُ الشمَال} أهل النَّار {مَآ أَصْحَابُ الشمَال} مَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل النَّار من الهوان وَالْعَذَاب
{فِي سَمُومٍ} فِي لَهب النَّار وَيُقَال لفيح النَّار وَيُقَال فِي ريح بَارِدَة وَيُقَال حارة {وَحَمِيمٍ} مَاء حَار
{وَظِلٍّ} عَلَيْهِم {مِّن يَحْمُومٍ} من دُخان جَهَنَّم أسود
{لَاّ بَارِدٍ} مقيلهم {وَلَا كَرِيمٍ} حسن وَيُقَال لَا بَارِد شرابهم وَلَا كريم عَذَاب
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} فِي الدُّنْيَا {مُتْرَفِينَ} مسرفين وَيُقَال متنعمين وَيُقَال متحيرين
{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ} فِي الدُّنْيَا يُقِيمُونَ ويمكثون {عَلَى الْحِنْث الْعَظِيم} على الذَّنب الْعَظِيم يَعْنِي الشّرك بِاللَّه وَيُقَال الْيَمين الْغمُوس
{وَكَانُواْ يِقُولُونَ} إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا} صرنا {تُرَاباً} رميماً {وَعِظَاماً} بالية {أئنا لَمَبْعُوثُونَ} لمحيون فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء نعم فَقَالُوا للأنبياء
{لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ} ميعاد {يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} مَعْرُوف يجْتَمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة
{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضآلون} عَن الْإِيمَان وَالْهدى {المكذبون} بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه
{فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُون} من شجر الزقوم الْبُطُون وَهِي شَجَرَة نابتة فِي أصل الْجَحِيم
{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ} على الزقوم {مِنَ الْحَمِيم} المَاء الْحَار
{فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم} شرب الْإِبِل الظماء إِذا أَخذهَا الدَّاء الهيام لَا تكَاد أَن تروي وَيُقَال كشرب الْإِبِل العطاش إِذا أكلت الحمض وَيُقَال الهيم هِيَ الأَرْض السهلة
{هَذَا نُزُلُهُمْ} طعامهم وشرابهم {يَوْمَ الدّين} يَوْم الْحساب
{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ} يَا أهل مَكَّة {فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ} فَهَلا تصدقُونَ بالرسول
{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {تَخْلُقُونَهُ} نسماً فِي الْأَرْحَام ذكرا أَو أُنْثَى شقياً أَو سعيداً {أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ} بل نَحن الْخَالِقُونَ لَا أَنْتُم
{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْت} سوينا بَيْنكُم بِالْمَوْتِ تموتون كلكُمْ وَيُقَال قسمنا بَيْنكُم الْآجَال إِلَى الْمَوْت فمنكم
من يعِيش مائَة سنة أَو ثَمَانِينَ سنة أَو خمسين سنة أَو أقل أَو أَكثر من ذَلِك {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} بعاجزين
{على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} نهلككم ونأتي بغيركم خيرا مِنْكُم وأطوع لله {وَنُنشِئَكُمْ} نخلقكم يَوْم الْقِيَامَة {فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} فِي صُورَة لَا تعرفُون سود الْوُجُوه زرق الْأَعْين وَيُقَال فِي صُورَة القردة والخنازير وَيُقَال نجْعَل أرواحكم فِيمَا لَا تعلمُونَ فِيمَا لَا تصدقُونَ وَهِي النَّار
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ} يَا أهل مَكَّة {النشأة الأولى} الْخلق الأول فِي بطُون الْأُمَّهَات وَيُقَال خلق آدم {فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} فَهَلا تتعظون بالخلق الأول فتؤمنوا بالخلق الآخر
{لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ} يَعْنِي الزَّرْع {حُطَاماً} يَابسا بعد خضرته {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} فصرتم تعْجبُونَ من يبوسته وهلاكه وتقولون
{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} معذبون بِهَلَاك زروعنا
{أَفَرَأَيْتُمُ المآء} العذب {الَّذِي تَشْرَبُونَ} وتسقون دوابكم وجناتكم
{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {أَنزَلْتُمُوهُ} المَاء العذب {مِنَ المزن} من السَّحَاب عَلَيْكُم {أَمْ نَحْنُ المنزلون} بل نَحن المنزلون عَلَيْكُم لَا أَنْتُم
{لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ} يَعْنِي المَاء العذب {أُجَاجاً} مراماً لحاً زعاقاً {فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} فَلَا تشكرون عذوبته فتؤمنوا بِهِ
{أَفَرَأَيْتُمُ النَّار الَّتِي تُورُونَ} تقدحون عَن كل عود غير الْعنَّاب وَهُوَ الشّجر الْأَحْمَر
{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {أَنشَأْتُمْ} خلقْتُمْ {شَجَرَتَهَآ} شَجَرَة النَّار {أَمْ نَحْنُ المنشئون} الْخَالِقُونَ
{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا} هَذِه النَّار {تَذْكِرَةً} عظة النَّار الْآخِرَة {وَمَتَاعاً} مَنْفَعَة لِّلْمُقْوِينَ الْمُسَافِرين فِي الأَرْض القواء وَهِي القفر الَّذين فني زادهم
{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ الْعَظِيم} فصل باسم رَبك الْعَظِيم وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم
{فَلَا أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بِمَوَاقِعِ النُّجُوم} بنزول الْقُرْآن على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم نجوماً نجوماً وَلم ينزله جملَة وَاحِدَة
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} لَو تصدقُونَ وَيُقَال فَلَا أقسم يَقُول أقسم بمواقع النُّجُوم بمساقط النُّجُوم عِنْد الْغَدَاة وَإنَّهُ وَالَّذِي ذكرت لقسم عَظِيم لَو تعلمُونَ لَو تصدقُونَ
{لَاّ يَمَسُّهُ} يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {إِلَاّ الْمُطهرُونَ} من الْأَحْدَاث والذنُوب فهم الْمَلَائِكَة وَيُقَال لَا يعْمل بِالْقُرْآنِ إِلَّا الموفقون
{أفبهذا الحَدِيث} أَي الْقُرْآن الَّذِي يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {مُّدْهِنُونَ} مكذبون أَنه لَيْسَ كَمَا قَالَ من الْجنَّة وَالنَّار والبعث والحساب
{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} تَقولُونَ للمطر الَّذِي سقيتم {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} تَقولُونَ سقينا بالنوء الْفُلَانِيّ
{وَأَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} مَتى تخرج نَفسه
{وَنحن أقرب إِلَيْهِ} ملك الْمَوْت وأعوانه أقرب إِلَى الْمَيِّت {مِنكُمْ} من أَهله {وَلَكِن لَاّ تُبْصِرُونَ} ملك الْمَوْت وأعوانه
{فَرَوْحٌ} فراحة لَهُم فِي الْقَبْر وَيُقَال رَحْمَة إِن قَرَأت بِضَم الرَّاء {وَرَيْحَانٌ} إِذا خَرجُوا من الْقُبُور وَيُقَال رزق {وجنة نَعِيمٍ} يَوْم الْقِيَامَة لَا يفنى نعيمها
{فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمين} فسلام لَك وَأمن لَك من أهل الْجنَّة قد سلم الله أَمرهم ونجاهم وَيُقَال يسلم عَلَيْك أهل الْجنَّة
{فَنُزُلٌ} فطعامهم من زقوم وشرابهم
مِّنْ حَمِيمٍ مَاء حَار
{وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} دُخُولهمْ فِي النَّار
{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ الْعَظِيم} فصل بِأَمْر رَبك الْعَظِيم وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم أعظم من كل شىء
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَدِيد وهى كلهَا مَكِّيَّة أَو مَدَنِيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها خَمْسمِائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وست وَسَبْعُونَ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {سبح لله} يَقُول صل لله وَيُقَال ذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض} من الْخلق {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
{لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْإِحْيَاء والإماتة {قدير}
{هُوَ الأول} قبل كل شَيْء {وَالْآخر} بعد كل شَيْء {وَالظَّاهِر} على كل شَيْء {وَالْبَاطِن} بِكُل شَيْء {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} مَعْنَاهُ هُوَ الأول الْحَيّ الْقَدِيم الأزلي كَانَ قبل كل حَيّ أَحْيَاهُ الله وَالْآخر هُوَ الْحَيّ الباق الدَّائِم يكون بعد كل حَيّ أَمَاتَهُ وَالظَّاهِر الْغَالِب على كل شَيْء وَالْبَاطِن هُوَ الْعَالم بِكُل شَيْء وَيُقَال هُوَ الأول هُوَ الْقَدِيم بِلَا إقدام أحد وَالْآخر هُوَ الْبَاقِي بِلَا إبْقَاء أحد وَالظَّاهِر هُوَ الْغَالِب بِلَا إغلاب أحد وَالْبَاطِن هُوَ الْعَالم بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِن بِلَا إِعْلَام أحد وَيُقَال هُوَ الأول قبل كل أول بِلَا غَايَة الأولية وَالْآخر بعد كل آخر بِلَا غَايَة الآخرية وَيُقَال هُوَ الأول مؤول كل أول وَالْآخر مُؤخر كل آخر كَانَ قبل كل شَيْء خلقه وَيكون بعد كل شَيْء أفناه وَهُوَ الْحَيّ الْبَاقِي الدَّائِم بِلَا موت وَلَا فنَاء وَلَا زَوَال وَهُوَ بِكُل شَيْء من الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر عليم
{هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {ثُمَّ اسْتَوَى} اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ {عَلَى الْعَرْش} وَكَانَ الله قبل أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض على الْعَرْش بِلَا كَيفَ {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْض} مَا يدْخل فِي الأَرْض من الأمطار والكنوز والأموات {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من الأَرْض من الْأَمْوَات والنبات والمياه والكنوز {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء} من الرزق والمطر وَالْمَلَائِكَة والمصائب {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} وَمَا يصعد إِلَيْهَا من الْمَلَائِكَة والحفظة والأعمال {وَهُوَ مَعَكُمْ} عَالم بكم {أَيْنَ مَا كُنتُمْ} فِي بر أَو بَحر {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ}
{لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة
{يُولِجُ} يدْخل وَيزِيد {اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِجُ} يدْخل وَيزِيد {النَّهَار فِي اللَّيْل وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر
{آمِنُواْ بِاللَّه} يَا أهل مَكَّة {وَرَسُولِهِ} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} مالكين عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله {فَالَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} يَا أهل مَكَّة {وأنفقوا} مَالهم فِي سَبِيل الله {لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} ثَوَاب عَظِيم فِي الْجنَّة بِالْإِيمَان وَالنَّفقَة
{وَمَا لَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّه} لَا توحدون بِاللَّه {وَالرَّسُول} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {يَدْعُوكُمْ} إِلَى التَّوْحِيد {لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ} لكَي توحدوا
بربكم {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} إقراركم بِالتَّوْحِيدِ {إِن كُنتُم} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} يَوْم الْمِيثَاق
{هُوَ الَّذِي ينزل على عَبده} مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} جِبْرِيل بآيَات مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام {ليخرجكم} بِالْقُرْآنِ ودعوة النبى صلى الله عليه وسلم {من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان وَيُقَال قد أخرجكم من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَإِنَّ الله بِكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {لرؤوف رَّحِيمٌ} حِين أخرجكم من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان
{وَمَا لَكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَلَاّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مِيرَاث أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض يَمُوت أَهلهَا وَيبقى هُوَ وَيرجع الْأَمر كُله إِلَيْهِ {لَا يَسْتَوِي مِنكُم} يَا معشر الْمُؤمنِينَ عِنْد الله فى الْفضل وَالطَّاعَة وَالثَّوَاب {مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْح} فتح مَكَّة {وَقَاتل} الْعَدو مَعَ النبى صلى الله عليه وسلم {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {أَعْظَمُ دَرَجَةً} فَضِيلَة ومنزلة عِنْد الله بِالطَّاعَةِ وَالثَّوَاب وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق {مِّنَ الَّذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ} من بعد فتح مَكَّة {وَقَاتَلُواْ} الْعَدو فِي سَبِيل الله مَعَ النبى صلى الله عليه وسلم {وكلا} كلا لفريقين من أنْفق وَقَاتل من قبل الْفَتْح وَبعد الْفَتْح {وَعَدَ الله الْحسنى} الْجنَّة بِالْإِيمَان {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} بِمَا تنفقون {خَبِيرٌ}
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله} فِي الصَّدَقَة {قَرْضاً حَسَناً} محتسباً صَادِقا من قلبه {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} يقبله ويضاعف لَهُ فِي الْحَسَنَات مَا بَين سبع إِلَى سبعين إِلَى سَبْعمِائة إِلَى ألفي ألف إِلَى مَا شَاءَ من الْأَضْعَاف {وَلَهُ} عِنْده {أَجْرٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي الدحداح
{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {تَرَى} يَا مُحَمَّد {الْمُؤمنِينَ} المصدقين {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات بِالْإِيمَان {يسْعَى نُورُهُم} يضيء نورهم {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} على الصِّرَاط {وَبِأَيْمَانِهِم} وشمائلهم {بُشْرَاكُمُ الْيَوْم} تَقول لَهُم الْمَلَائِكَة على الصِّرَاط لكم الْيَوْم {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا {ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا
{يَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة بعد مَا طفىء نور الْمُنَافِقين على الصِّرَاط {يَقُولُ المُنَافِقُونَ} من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {لِلَّذِينَ آمَنُواْ} للْمُؤْمِنين المخلصين على الصِّرَاط {انظرونا} ارقبونا وانتظرونا يَا معشر الْمُؤمنِينَ {نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} نستضيء بنوركم ونجوز بِهِ على الصِّرَاط مَعكُمْ {قِيلَ} يَقُول لَهُم الْمُؤْمِنُونَ وَيُقَال يَقُول لَهُم الْمَلَائِكَة وَيُقَال يَقُول الله لَهُم {ارْجعُوا وَرَآءَكُمْ} خلفكم إِلَى الدُّنْيَا وَيُقَال إِلَى الْموقف حَيْثُ أعطينا النُّور {فالتمسوا} فَاطْلُبُوا {نُوراً} وَهَذَا استهزاء من الله على الْمُنَافِقين وَيُقَال من الْمُؤمنِينَ على الْمُنَافِقين فيرجعون فِي طلب النُّور {فَضُرِبَ بَيْنَهُم} يَقُول بني بَينهم وَبَين الْمُؤمنِينَ {بِسُورٍ} بحائط {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَة} الْجنَّة {وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَاب} من نَحوه النَّار
{يُنَادُونَهُمْ} من وَرَاء السُّور {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} على دينكُمْ يَا معشر الْمُؤمنِينَ {قَالُواْ بلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} أهلكتم أَنفسكُم بِكفْر السِّرّ والنفاق {وَتَرَبَّصْتُمْ} تركْتُم التَّوْبَة من الْكفْر والنفاق وَيُقَال انتظرتم موت مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَإِظْهَار الْكفْر {وارتبتم} شَكَكْتُمْ بِاللَّه وبالكتاب وَالرَّسُول {وَغرَّتْكُمُ الْأَمَانِي} الأباطيل وَالتَّمَنِّي {حَتَّى جَآءَ أَمْرُ الله} وعد الله بِالْمَوْتِ على غير التَّوْبَة من الْكفْر والنفاق {وَغَرَّكُم بِاللَّه} عَن طَاعَة الله {الْغرُور} يَعْنِي الشَّيْطَان وَيُقَال أباطيل الدُّنْيَا إِن قَرَأت بِضَم الْغَيْن
{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ} لَا يقبل مِنْكُم يَا معشر الْمُنَافِقين {فِدْيَةٌ} فدَاء {وَلَا من الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن وَلم يُؤمنُوا {مَأْوَاكُمُ النَّار} مصيركم النَّار {هِيَ مولاكم}
أولى بكم النَّار {وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ النَّار قرناؤهم الشَّيَاطِين وجيرانهم الْكفَّار وطعامهم الزقوم وشرابهم الْحَمِيم ولباسهم مقطعات النيرَان وزوارهم الْحَيَّات والعقارب
ثمَّ ذكر قُلُوبهم إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ {أَلَمْ يَأْنِ} ألم يحن وَقت {لِلَّذِينَ آمنُوا} بالعلانية {أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} أَن تلين وتذل وتخلص قُلُوبهم {لِذِكْرِ الله} وعد الله ووعيده وَيُقَال لتوحيد الله {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحق} من الْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام فِي الْقُرْآن {وَلَا يَكُونُواْ كَالَّذِين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ {من قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن فهم أهل التَّوْرَاة {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد} الْأَجَل {فَقَسَتْ} غشيت ويبست وجفت {قُلُوبُهُمْ} عَن الْإِيمَان وهم الَّذين خالفوا دين مُوسَى {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ} من أهل التَّوْرَاة {فَاسِقُونَ} كافرون لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه فِي علم الله
{اعلموا أَنَّ الله يُحْيِي الأَرْض} بالمطر {بَعْدَ مَوْتِهَا} بعد قحطها ويبوستها كَذَلِك يحيي الله بالمطر الْمَوْتَى {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَات} إحْيَاء الْمَوْتَى {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت
{إِنَّ المصدقين} من الرِّجَال {والمصدقات} من النِّسَاء بِالْإِيمَان وَيُقَال المصدقين من الرِّجَال والمتصدقات من النِّسَاء {وَأَقْرَضُواْ الله} فِي الصَّدقَات {قَرْضاً حَسَناً} محتسباً صَادِقا من قُلُوبهم {يُضَاعَفُ لَهُمْ} يقبل مِنْهُم ويضاعف لَهُم فِي الْحَسَنَات مَا بَين سبع إِلَى سبعين إِلَى سَبْعمِائة إِلَى ألفي ألف إِلَى مَا شَاءَ الله من الْأَضْعَاف {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة
{وَالَّذين آمَنُواْ بِاللَّه وَرُسُلِهِ} من جَمِيع الْأُمَم {أُولَئِكَ هُمُ الصديقون} فِي إِيمَانهم {والشهدآء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ} ثوابهم {وَنُورُهُمْ} على الصِّرَاط وَيُقَال وَالشُّهَدَاء مفصول من الْكَلَام الأول وهم الْأَنْبِيَاء الَّذين يشْهدُونَ على قَومهمْ بالتبليغ وَيُقَال هم الشُّهَدَاء للأنبياء على قَومهمْ وَيُقَال هم الشُّهَدَاء الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله لَهُم أجرهم ثوابهم ثَوَاب النَّبِيين بتبليغ الرسَالَة ونورهم على الصِّرَاط يَمْشُونَ بِهِ {وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بآياتنآ} بِالْكتاب وَالرَّسُول {أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم} أهل النَّار
{اعلموا أَنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {لَعِبٌ} فَرح {وَلَهْوٌ} بَاطِل {وَزِينَةٌ} منظر {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} فِي الْحسب وَالنّسب {وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} يذهب وَلَا يبْقى {كَمَثَلِ غَيْثٍ} مطر {أَعْجَبَ الْكفَّار} الزراع {نَبَاتُهُ} نَبَات الْمَطَر {ثُمَّ يَهِيجُ} يتَغَيَّر بعد خضرته {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} بعد خضرته {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} يَابسا بعد صفرته كَذَلِك الدُّنْيَا لَا تبقى كَمَا لَا يبْقى هَذَا النَّبَات {وَفِي الْآخِرَة عَذَابٌ شَدِيدٌ} لمن ترك طَاعَة الله وَمنع حق الله {وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرِضْوَانٌ} فِي الْآخِرَة لمن أطَاع الله وَأدّى حق الله من مَاله {وَمَا الْحَيَاة الدنيآ} مَا فِي بَقَائِهَا وفنائها {إِلَاّ مَتَاعُ الْغرُور} كمتاع الْبَيْت من الْقدر والقصعة والسكرجة ثمَّ قَالَ لجَمِيع الْخلق
{سابقوا} بِالتَّوْبَةِ من ذنوبكم {إِلَى مَغْفِرَةٍ} إِلَى تجَاوز {مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} وَإِلَى جنَّة بِالْعَمَلِ الصَّالح {عَرْضُهَا كَعَرْضِ السمآء وَالْأَرْض} لَو وصلت بَعْضهَا إِلَى بعض {أُعِدَّتْ} خلقت وهيئت {لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّه وَرُسُلِهِ} من جَمِيع الْأُمَم {ذَلِكَ} الْمَغْفِرَة والرضوان وَالْجنَّة {فَضْلُ الله} من الله {يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله ذُو الْفضل} ذُو الْمَنّ {الْعَظِيم} بِالْجنَّةِ
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْض} من الْقَحْط والجدوبة وَغَلَاء السّعر وتتابع الْجُوع {وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ} من الْأَمْرَاض والأوجاع والبلايا وَمَوْت الْأَهْل وَالْولد وَذَهَاب المَال {إِلَاّ فِي كِتَابٍ} يَقُول مَكْتُوب عَلَيْكُم فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} أَن نخلقها تِلْكَ الْأَنْفس وَالْأَرْض {إِنَّ ذَلِك} حفظ ذَلِك {عَلَى الله يَسِيرٌ} هَين من غير كتاب وَلَكِن كتب
لَا تحزنوا {على مَا فَاتَكُمْ} من الرزق والعافية فتقولوا لم يكْتب لنا {وَلَا تَفْرَحُواْ} لَا تبطروا {بِمَآ آتَاكُمْ} بِمَا أَعْطَاكُم فتقولوا هُوَ أَعْطَانَا {وَالله لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} فِي مشيته {فَخُورٍ} بنعم الله وَيُقَال مختال فِي الْكفْر فخور فِي الشّرك وهم الْيَهُود
{الَّذين يَبْخلُونَ} يكتمون صفة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ونعته فِي التَّوْرَاة {وَيَأْمُرُونَ النَّاس بالبخل} فِي التَّوْرَاة بكتمان صفة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ونعته {وَمَن يَتَوَلَّ} عَن الْإِيمَان {فَإِنَّ الله هُوَ الْغَنِيّ} عَن الْإِيمَان {الحميد} لمن وحدوه وَيُقَال الْمَحْمُود فِي فعاله يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكتاب} وأنزلنا عَلَيْهِم جِبْرِيل بِالْكتاب {وَالْمِيزَان} بَينا فِيهِ الْعدْل {لِيَقُومَ} ليَأْخُذ {النَّاس بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {وَأَنزْلْنَا الْحَدِيد} خلقنَا الْحَدِيد {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} قُوَّة شَدِيدَة لَا تلينه إِلَّا النَّار وَيُقَال فِيهِ بَأْس شَدِيد الْحَرْب والقتال {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} لأمتعتهم مثل السكاكين والفأس والمبرد وَغير ذَلِك {وَلِيَعْلَمَ الله} لكَي يرى الله {مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} بِهَذِهِ الأسلحة {إِنَّ الله قَوِيٌّ} بنصرة أوليائه {عَزِيزٌ} بنقمة أعدائه
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً} إِلَى قومه بعد آدم بثمانمائة سنة فَلبث فِي قومه ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَلم يُؤمنُوا فأهلكهم الله بالطوفان {وَإِبْرَاهِيمَ} وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيم إِلَى قومه بعد نوح بِأَلف ومائتي عَام واثنتين وَأَرْبَعين سنة {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا} فِي نسلهما نسل نوح وَإِبْرَاهِيم {النُّبُوَّة وَالْكتاب} وَكَانَ فيهم الْأَنْبِيَاء وَفِيهِمْ الْكتاب {فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ} مُؤمن بِالْكتاب وَالرَّسُول {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} كافرون بِالْكتاب وَالرَّسُول
{ثُمَّ قَفَّيْنَا على آثَارِهِم} أتبعنا وأردفنا بعد نوح وَإِبْرَاهِيم فِي ذريتهما {بِرُسُلِنَا} بَعضهم على أثر بعض {وَقَفَّيْنَا على آثَارهم} اتَّبعنَا وأردفنا بعد هَؤُلَاءِ الرُّسُل غير مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {بِعِيسَى ابْن مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {الْإِنْجِيل وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذين اتَّبعُوهُ} اتبعُوا دين عِيسَى {رَأْفَةً} رقة وتعطفاً يعْطف بَعضهم على بعض {وَرَحْمَةً} يرحم بَعضهم بَعْضًا {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها} أعدُّوا لَهَا الصوامع والديور ليترهبوا فِيهَا وينجوا من فتْنَة بولس الْيَهُودِيّ {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} مَا فَرضنَا عَلَيْهِم الرهبانية {إِلَاّ ابتغآء رِضْوَانِ الله} إِلَّا طلب رضَا الله وَيُقَال ابتدعوها إِلَّا ابْتِغَاء رضوَان الله مَا كتبناها عَلَيْهِم مَا فَرضنَا عَلَيْهِم الرهبانية وَلَو فَرضنَا عَلَيْهِم الرهبانية {فَمَا رَعَوْهَا} فَمَا حفظوا الرهبانية {حَقَّ رِعَايَتِهَا} حق حفظهَا {فَآتَيْنَا} فأعطينا {الَّذين آمَنُواْ مِنْهُمْ} من الرهبان {أَجْرَهُمْ} ثوابهم مرَّتَيْنِ بِالْإِيمَان وَالْعِبَادَة وهم الَّذين لم يخالفوا دين عِيسَى بن مَرْيَم وَبَقِي مِنْهُم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ رجلا فِي أهل الْيمن جَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عليه وسلم وآمنوا بِهِ ودخلوا فِي دينه {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ} من الرهبان {فَاسِقُونَ} كافرون وهم الَّذين خالفوا دين عِيسَى
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اتَّقوا الله} اخشوا الله {وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ} اثبتوا على إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله {يُؤْتِكُمْ} يعطكم {كِفْلَيْنِ} ضعفين {مِن رَّحْمَتِهِ} من ثَوَابه وكرامته {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} بَين النَّاس وعَلى الصِّرَاط {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ذنوبكم فِي الْجَاهِلِيَّة {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة
{لِّئَلَاّ يَعْلَمَ} لكَي يعلم {أَهْلُ الْكتاب} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {أَلَاّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّن فَضْلِ الله} من ثَوَاب الله {وَأَنَّ الْفضل} الثَّوَاب والكرامة {بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله ذُو الْفضل} ذُو الْمَنّ {الْعَظِيم} على الْمُؤمنِينَ بالثواب والكرامة نزلت من قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن عبد الله بن سَلام حَيْثُ افتخر على أبي بن كَعْب وَأَصْحَابه بِأَن لنا أَجْرَيْنِ وَلكم أجر وَاحِد
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المجادلة وهى كلهَا مَدَنِيَّة غير قَوْله {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} فانها مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ وكلماتها أَرْبَعمِائَة وَثَلَاثَة وَسَبْعُونَ وحروفها ألف وَتِسْعمِائَة وَاثْنَانِ وَتسْعُونَ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قَدْ سَمِعَ الله} يَقُول قد سمع الله قبل أَن أخْبرك يَا مُحَمَّد {قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} تخاصمك وتكلمك {فِي زَوْجِهَا} فِي شَأْن زَوجهَا {وتشتكي إِلَى الله} تتضرع إِلَى الله تَعَالَى لتبيان أمرهَا {وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ} محاورتكما ومراجعتكما {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالتها {بَصِيرٌ} بأمرها وَذَلِكَ أَن خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة بن مَالك ابْن الدخشم الْأَنْصَارِيَّة كَانَت تَحت أَوْس بن الصَّامِت الْأنْصَارِيّ وَكَانَ بِهِ لمَم أَي مس من الْجِنّ فَأَرَادَ أَن يَأْتِيهَا على حَال لَا تُؤْتى عَلَيْهَا النِّسَاء فَأَبت عَلَيْهِ فَغَضب وَقَالَ إِن خرجت من الْبَيْت قبل أَن أفعل بك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي
{الَّذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ} وَهُوَ أَن يَقُول الرجل لامْرَأَته أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} كأمهاتهم {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} مَا أمهاتهم فِي الْحُرْمَة {إِلَاّ اللائي وَلَدْنَهُمْ} أَو أرضعنهم {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً} قبيحاً {مِّنَ القَوْل} فِي الظِّهَار {وَزُوراً} كذبا {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ} متجاوز إِذْ لم يُعَاقِبهُ بِتَحْرِيم مَا أحل الله لَهُ {غَفُورٌ} بعد تَوْبَته وندامته
ثمَّ بَين كَفَّارَة الظِّهَار فَقَالَ {وَالَّذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} يحرمُونَ على أنفسهم مناكحة نِسَائِهِم {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} يرجعُونَ إِلَى تَحْلِيل مَا حرمُوا على أنفسهم من المناكحة {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فَعَلَيهِ تَحْرِير رَقَبَة {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} يجامعا {ذَلِكُم} التَّحْرِير {تُوعَظُونَ بِهِ} تؤمرون بِهِ لكفارة الظِّهَار {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} فِي الظِّهَار من الْكَفَّارَة وَغَيرهَا {خَبِيرٌ}
{فَمَن لَّمْ يَجِدْ} التَّحْرِير {فَصِيَامُ} فصوم {شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} متصلين {مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} يجامعا {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ} الصّيام من ضعفه {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} لكل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاع من شعير أَو تمر {ذَلِك} الَّذِي بيّنت من كَفَّارَة الظِّهَار {لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} لكَي تقروا بفرائض الله وَسنة رَسُوله {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه فِي الظِّهَار {وَلِلْكَافِرِينَ} بحدود الله {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم نزل من أول السُّورَة إِلَى هَهُنَا فِي خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة بن مَالك الْأَنْصَارِيَّة وَزوجهَا أَوْس بن الصَّامِت أخي عبَادَة بن الصَّامِت غضب عَلَيْهَا فِي بعض شَيْء من أمرهَا فَلم تفعل فَجَعلهَا على نَفسه كَظهر أمه فندم على ذَلِك فَبين الله لَهُ كَفَّارَة الظِّهَار وَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رَقَبَة فَقَالَ المَال قَلِيل والرقبة غَالِيَة فَقَالَ صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَقَالَ لَا أَسْتَطِيع وَإِنِّي إِن لم آكل فِي الْيَوْم مرّة ومرتين كل بَصرِي وَخفت أَن أَمُوت فَقَالَ لَهُ النبى صلى الله عليه وسلم أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَقَالَ لَا أجد فَأمر النبى من التَّمْر وَأمره أَن يَدْفَعهُ للْمَسَاكِين فَقَالَ لَا أعلم أحدا بَين لابتي الْمَدِينَة أحْوج إِلَيْهِ مني فَأمره بِأَكْلِهِ وَأطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَرجع إِلَى تَحْلِيل مَا حرم على نَفسه أَعَانَهُ على ذَلِك النبى صلى الله عليه وسلم وَرجل آخر
{إِنَّ الَّذين يُحَآدُّونَ الله وَرَسُولَهُ} يخالفون الله وَرَسُوله فِي الدّين ويعادونه {كُبِتُواْ} عذبُوا وأخزوا يَوْم الخَنْدَق بِالْقَتْلِ والهزيمة وهم أهل مَكَّة {كَمَا كُبِتَ} عذب وأخزى {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} يَعْنِي الَّذين قَاتلُوا الْأَنْبِيَاء قبل أهل مَكَّة {وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} جِبْرِيل بآيَات مبينات بِالْأَمر والنهى
والحلال وَالْحرَام {وَلِلْكَافِرِينَ} بآيَات الله {عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ وَيُقَال عَذَاب شَدِيد
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً} جَمِيع أهل الْأَدْيَان {فَيُنَبِّئُهُمْ} ويخبرهم {بِمَا عمِلُوا} فِي الدُّنْيَا (أَحْصَاهُ الله) حفظ الله عَلَيْهِم أَعْمَالهم {وَنَسُوهُ} تركُوا طَاعَة الله الَّتِي أَمرهم الله بهَا {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {شَهِيدٌ}
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {مَا يَكُونُ مِن نجوى} تناجى {ثَلَاثَةٍ إِلَاّ هُوَ رَابِعُهُمْ} إِلَّا الله عَالم بهم وبأعمالهم وبمناجاتهم {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَاّ هُوَ سَادِسُهُمْ} إِلَّا الله عَالم بهم وبمناجاتهم {وَلَا أدنى مِن ذَلِك} وَلَا أقل من ذَلِك {وَلَا أَكْثَرَ إِلَاّ هُوَ مَعَهُمْ} عَالم بهم وبمناجاتهم {أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم} يُخْبِرهُمْ {بِمَا عَمِلُواْ} فِي الدُّنْيَا {يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم ومناجاتهم {عَلِيمٌ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي صَفْوَان بن أُميَّة وَخَتنه وقصتهم مَذْكُورَة فِي سُورَة حم السَّجْدَة
{أَلَمْ تَرَ} ألم تنظر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين نُهُواْ عَنِ النَّجْوَى} دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} من النَّجْوَى دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {وَيَتَنَاجَوْنَ} فِيمَا بَينهم {بالإثم} بِالْكَذِبِ {والعدوان} وَالظُّلم {ومعصية الرَّسُول} بمخالفة الرَّسُول بعد مَا نَهَاهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وهم المُنَافِقُونَ كَانُوا يتناجون فِيمَا بَينهم مَعَ الْيَهُود فِي خبر سَرَايَا الْمُؤمنِينَ لكَي يحزن بذلك الْمُؤْمِنُونَ {وَإِذا جاؤوك} يَعْنِي الْيَهُود {حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله} سلمُوا عَلَيْك سَلاما لم يُسلمهُ الله عَلَيْك وَلم يَأْمُرك بِهِ وَكَانُوا يجيئون إِلَى النبى صلى الله عليه وسلم {وَيَقُولُونَ} السام عَلَيْك فَيرد عَلَيْهِم النبى صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُم السام وَكَانَ السام بلغتهم الْمَوْت وَيَقُولُونَ {فِي أَنفُسِهِمْ} فِيمَا بَينهم {لَوْلَا} هلا {يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ} لنَبيه لَو كَانَ نَبيا كَمَا يزْعم لَكَانَ دعاؤه مستجاباً علينا حَيْثُ نقُول السام عَلَيْك فَيرد علينا عَلَيْكُم السام فَأنْزل الله فيهم {حَسْبُهُمْ} مصيرهم مصير الْيَهُود فِي الْآخِرَة {جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} يدْخلُونَهَا {فَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ النَّار
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} فِيمَا بَيْنكُم {فَلَا تَتَنَاجَوْاْ بالإثم} بِالْكَذِبِ {والعدوان} بالظلم {ومعصية الرَّسُول} بِخِلَاف أَمر الرَّسُول كمناجاة الْمُنَافِقين مَعَ الْيَهُود دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {وَتَنَاجَوْاْ بِالْبرِّ} بأَدَاء فَرَائض الله وإحسان بَعْضكُم إِلَى بعض {وَالتَّقوى} ترك الْمعاصِي والجفاء {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَن تتناجوا دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فِي الْآخِرَة
{إِنَّمَا النَّجْوَى} نجوى الْمُنَافِقين مَعَ الْيَهُود دون الْمُؤمنِينَ {مِنَ الشَّيْطَان} من طَاعَة الشَّيْطَان وبأمر الشَّيْطَان {ليحزن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ} بضار الْمُؤمنِينَ مُنَاجَاة الْمُنَافِقين {شَيْئاً إِلَاّ بِإِذْنِ الله} بِإِرَادَة الله {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله لَا على غَيره
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ} إِذا قَالَ لكم النبى صلى الله عليه وسلم {تَفَسَّحُواْ} توسعوا {فِي الْمجَالِس فافسحوا} وَسعوا {يَفْسَحِ الله} يُوسع الله {لَكُمْ} فِي الْآخِرَة فِي الْجنَّة نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن ثَابت بن قيس بن شماس وقصته فِي سُورَة الحجرات وَيُقَال نزلت فِي نفر من أهل بدر مِنْهُم ثَابت بن قيس ابْن شماس جَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عليه وسلم وَكَانَ النَّبِي جَالِسا فِي صفة صَفِيَّة يَوْم الْجُمُعَة فَلم يَجدوا مَكَانا يَجْلِسُونَ فِيهِ فَقَامُوا على رَأس الْمجْلس فَقَالَ النبى صلى الله عليه وسلم لمن لم يكن من أهل بدر يَا فلَان قُم وَيَا فلَان قُم من مَكَانك ليجلس فِيهِ من كَانَ من أهل بدر وَكَانَ النبى صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر فَعرف النبى صلى الله عليه وسلم الْكَرَاهِيَة لمن أَقَامَهُ من الْمجْلس فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة {وَإِذَا قِيلَ انشزوا} ارتفعوا فى الصَّلَاة وَالْجهَاد وَالذكر
{فَانشُزُواْ} فَارْتَفعُوا {يَرْفَعِ الله الَّذين آمَنُواْ مِنكُمْ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فِي الدَّرَجَات {وَالَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم مَعَ الْإِيمَان {دَرَجَاتٍ} فَضَائِل فِي الْجنَّة فَوق دَرَجَات الَّذين أُوتُوا الْإِيمَان بِغَيْر علم إِذْ الْمُؤمن الْعَالم أفضل من الْمُؤمن الَّذِي لَيْسَ بعالم {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {خَبِير}
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {إِذَا نَاجَيْتُمُ} إِذا كلمتم {الرَّسُول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} نزلت هَذِه الْآيَة فى أهل الميسرة مِنْهُم من كَانُوا يكثرون الْمُنَاجَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دون الْفُقَرَاء حَتَّى تأذى بذلك النبى صلى الله عليه وسلم والفقراء فنهاهم الله عَن ذَلِك وَأمرهمْ بِالصَّدَقَةِ قبل أَن يتناجوا مَعَ النبى صلى الله عليه وسلم بِكُل كلمة أَن يتصدقوا بدرهم على الْفُقَرَاء فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن إِذا نَاجَيْتُم إِذا كلمتم الرَّسُول مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة قبل أَن تكلمُوا نَبِيكُم تصدقوا بِكُل كلمة درهما {ذَلِك} الصَّدَقَة {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْإِمْسَاك {وَأَطْهَرُ} لقلوبكم من الذُّنُوب وَيُقَال لقلوب الْفُقَرَاء من الخشونة {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ} الصَّدَقَة يَا أهل الْفقر فتكلموا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِمَا شِئْتُم بِغَيْر التَّصَدُّق {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز لذنوبكم {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ مِنْكُم فَانْتَهوا عَن الْمُنَاجَاة لقبل الصَّدَقَة فَلَامَهُمْ الله بذلك فَقَالَ
{أَأَشْفَقْتُم} أبخلتم يَا أهل الميسرة {أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} أَن تصدقوا قبل أَن تكلمُوا النبى صلى الله عليه وسلم على الْفُقَرَاء {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ} إِن لم تعطوا الصَّدَقَة {وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} تجَاوز الله عَنْكُم أَمر الصَّدَقَة {فأقيموا الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتوا الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {وَأَطِيعُواْ الله} فِيمَا أَمركُم {وَرَسُولَهُ} فِيمَا يَأْمُركُمْ {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر فَلم يتَصَدَّق مِنْهُم أحد غير عَليّ بن أبي طَالب تصدق بِدِينَار بَاعه بِعشْرَة دَرَاهِم بِعشر كَلِمَات سَأَلَهُنَّ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أَبى وَأَصْحَابه بولايتهم مَعَ الْيَهُود فَقَالَ {أَلَمْ تَرَ} ألم تنظر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين تَوَلَّوْاْ} فِي العون والنصرة {قَوْماً} يَعْنِي الْيَهُود {غَضِبَ الله عَلَيْهِم} سخط الله عَلَيْهِم {مَّا هُم} يَعْنِي الْمُنَافِقين {مِّنكُمْ} فِي السِّرّ فَيجب لَهُم مَا يجب لكم {وَلَا مِنْهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود فِي الْعَلَانِيَة فَيجب عَلَيْهِم مَا يجب على الْيَهُود {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب} بِالْكَذِبِ بِأَنا مُؤمنُونَ مصدقون بإيماننا {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أَنهم كاذبون فِي حلفهم
{أعد الله لَهُم} لِلْمُنَافِقين عبد الله ابْن أبي وَأَصْحَابه {عَذَاباً شَدِيداً} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بئْسَمَا كَانُوا يصنعون فِي نفاقهم
{اتَّخذُوا أَيْمَانَهُمْ} حلفهم بِاللَّه الكاذبة {جُنَّةً} من الْقَتْل {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته فِي السِّرّ {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ فِي الْآخِرَة
{لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ} كَثْرَة أَمْوَالهم أَمْوَال الْمُنَافِقين وَالْيَهُود {وَلَا أَوْلَادُهُمْ} كَثْرَة أَوْلَادهم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً أُولَئِكَ} المُنَافِقُونَ وَالْيَهُود {أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} دائمون فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً} يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {فَيَحْلِفُونَ لَهُ} بَين يَدي الله مَا كُنَّا كَافِرين وَلَا منافقين {كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} فِي الدُّنْيَا {وَيَحْسَبُونَ} يظنون {أَنَّهُمْ على شَيْءٍ} من الدّين {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} عِنْد الله فِي حلفهم
{استحوذ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَان} غلب عَلَيْهِم الشَّيْطَان فَأَمرهمْ بِطَاعَتِهِ فأطاعوه {فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله} حَتَّى تركُوا ذكر الله طَاعَة الله فِي السِّرّ {أُولَئِكَ} يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ {حِزْبُ الشَّيْطَانِ} جند الشَّيْطَان {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ} جند الشَّيْطَان {هُمُ الخَاسِرُونَ} المغبونون بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
فِي الدّين {أُولَئِكَ فِي الأذلين} مَعَ الأسفلين فِي النَّار يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود
{كَتَبَ الله} قضى الله {لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم على فَارس وَالروم وَالْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ {إِنَّ الله قَوِيٌّ} بنصرة أنبيائه {عَزِيزٌ} بنقمة أعدائه نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أبي بن سلول حَيْثُ قَالَ للْمُؤْمِنين المخلصين أتظنون أَن يكون لكم فتح فَارس وَالروم
ثمَّ نزلت فِي حَاطِب بن أبي بلتعة رجل من أهل الْيمن الَّذِي كتب كتابا إِلَى أهل مَكَّة بسر النبى صلى الله عليه وسلم فَقَالَ {لَاّ تَجِدُ} يَا مُحَمَّد {قَوْماً} يَعْنِي حَاطِبًا {يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {يُوَآدُّونَ} يناصحون ويوافقون فِي الدّين {مَنْ حَآدَّ الله} من خَالف الله {وَرَسُولَهُ} فِي الدّين يَعْنِي أهل مَكَّة {وَلَوْ كَانُوا آبَآءَهُمْ} فِي النّسَب {أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ} فِي النّسَب {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} أَو قَومهمْ أَو قرابتهم {أُولَئِكَ} يَعْنِي حَاطِبًا وَأَصْحَابه {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ} جعل فى قُلُوبهم تَصْدِيق {الْأَيْمَان} وَحب الْإِيمَان {وَأَيَّدَهُمْ} أعانهم {بِرُوحٍ مِّنْهُ} برحمة مِنْهُ وَيُقَال أعانهم بعون مِنْهُ {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون {رضي الله عنهم} بإيمَانهمْ وأعمالهم وتوبتهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بالثواب والكرامة من الله {أُولَئِكَ} يَعْنِي حَاطِبًا وَأَصْحَابه {حِزْبُ الله} جند الله {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الله} جند الله {هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب وهم الَّذين أدركوا ووجدوا مَا طلبُوا ونجوا من شَرّ مَا مِنْهُ هربوا وَكَانَ حَاطِب بن أبي بلتعة بَدْرِيًّا وقصته فى سُورَة الممتحنة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَشْر وهى كلهَا مَكِّيَّة أَو مَدَنِيَّة آياتها أَربع وَعِشْرُونَ وكلماتها سَبْعمِائة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسَبْعمائة وَاثنا عشر حرفا
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سبح لله} يَقُول صلى الله وَيَقُول ذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب} يَعْنِي بني النَّضِير {مِن دِيَارِهِمْ} من مَنَازِلهمْ وحصونهم {لأَوَّلِ الْحَشْر} لأَنهم أول من حشر وَأخرج من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام إِلَى أريحاء وَأَذْرعَات بعد مَا نقضوا عهودهم مَعَ النبى صلى الله عليه وسلم بعد وقْعَة أحد {مَا ظَنَنتُمْ} مَا رجوتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَن يَخْرُجُواْ} يَعْنِي بني النَّضِير من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام {وظنوا} يَعْنِي بني النَّضِير {أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم} أَن حصونهم تمنعهم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {فَأَتَاهُمُ الله} عذبهم الله وأخزاهم وأذلهم بقتل كَعْب بن الْأَشْرَف {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ} لم يَظُنُّوا أَو لم يخَافُوا أَن ينزل بهم مَا نزل بهم من قتل كَعْب بن الْأَشْرَف {وَقَذَفَ} جعل {فِي قُلُوبِهِمُ الرعب} الْخَوْف من مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه وَكَانُوا لَا يخَافُونَ قبل ذَلِك {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} يهدمون بعض بُيُوتهم {بِأَيْدِيهِمْ} ويرمون بهَا إِلَى الْمُؤمنِينَ {وَأَيْدِي الْمُؤمنِينَ} ويتركون بعض بُيُوتهم على الْمُؤمنِينَ حَتَّى هدموا ورموا بهَا إِلَيْهِم {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} فِي الدّين وَيُقَال بالبصر بِمَا فعل الله بهم من الاجلاء
{وَلَوْلَا أَن كَتَبَ الله} قضى الله {عَلَيْهِمُ} على بني النَّضِير {الْجلاء} الْخُرُوج من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}
{ذَلِك} الْجلاء وَالْعَذَاب {بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله} خالفوا الله {وَرَسُولَهُ} فِي الدّين {وَمَن يُشَآقِّ الله} يُخَالف الله فِي الدّين ويعاده {فَإِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأمر النبى صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه بِقطع نخيلهم بعد مَا حَاصَرَهُمْ غير الْعَجْوَة فَإِنَّهُ لم يَأْمُرهُم بقطعها فَلَامَهُمْ بذلك بَنو النَّضِير فَقَالَ الله {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ} غير الْعَجْوَة {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا} فَلم تقطعوها يَعْنِي الْعَجْوَة {فَبِإِذْنِ الله} فبأمر الله الْقطع وَالتّرْك {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقين} لكَي يذل الْكَافرين يَعْنِي يهود بني النَّضِير بِمَا قطعْتُمْ من نخيلهم
{وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ} مَا فتح الله لرَسُوله {مِنْهُمْ} من بني النَّضِير فَهُوَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَاصَّة دونكم {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} فَمَا أجريتم إِلَيْهِ {مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} إبل وَلَكِن مشيتم إِلَيْهِ مشياً لِأَنَّهُ كَانَ قَرِيبا إِلَى الْمَدِينَة {وَلَكِن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {على مَن يَشَآءُ} يَعْنِي بني النَّضِير {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من النُّصْرَة وَالْغنيمَة {قَدِيرٌ}
{مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ} مَا فتح الله لرَسُوله {مِنْ أَهْلِ الْقرى} قرى عرينة وَقُرَيْظَة وَالنضير وفدك وخيبر {فَلِلَّهِ} خَاصَّة دونكم {وَلِلرَّسُولِ} وَأمر الرَّسُول فِيهَا جَائِز فَجعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم فدك وخيبر وَقفا لله على الْمَسَاكِين فَكَانَ فِي يَده فِي حَيَاته وَكَانَ فِي يَد أَبى بكر بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ كَانَ فِي يَد عمر وَعُثْمَان وَعلي بن أبي طَالب على مَا كَانَ فِي يَد النبى صلى الله عليه وسلم وَهَكَذَا الْيَوْم وَقسم النبى صلى الله عليه وسلم غنيمَة قُرَيْظَة وَالنضير على فُقَرَاء الْمُهَاجِرين أَعْطَاهُم على قدر احتياجهم وعيالهم {وَلِذِي الْقُرْبَى} وَأعْطى بعضه لفقراء بني عبد الْمطلب {واليتامى} وَأعْطى بعضه لِلْيَتَامَى غير يتامى بني عبد الْمطلب {وَالْمَسَاكِين} وَأعْطى بعضه للْمَسَاكِين غير مَسَاكِين بني عبد الْمطلب {وَابْن السَّبِيل} الضَّيْف النَّازِل ومار الطَّرِيق {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} قسْمَة {بَيْنَ الأغنيآء مِنكُمْ} بَين الأقوياء مِنْكُم {وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُول} من الْغَنِيمَة {فَخُذُوهُ} فاقبلوه وَيُقَال مَا أَمركُم الرسولفاعملوا بِهِ {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم {إِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب وَذَلِكَ لأَنهم قَالُوا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم خُذ نصيبك من الْغَنِيمَة وَدعنَا وَإِيَّاهَا فَقَالَ الله لَهُم هَذِه الْغَنَائِم يَعْنِي سَبْعَة من الْحِيطَان من بني النَّضِير
{لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ} لأَنهم {الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ} مَكَّة {وَأَمْوَالِهِمْ} أخرجهم أهل مَكَّة وَكَانُوا نَحْو مائَة رجل {يَبْتَغُونَ فَضْلاً} يطْلبُونَ ثَوابًا {مِّنَ الله وَرِضْوَاناً} مرضاة رَبهم بِالْجِهَادِ {وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ} بِالْجِهَادِ {أُولَئِكَ هُمُ الصادقون} المصدقون بإيمَانهمْ وجهادهم
فَقَالَ النبى صلى الله عليه وسلم للْأَنْصَار هَذِه الْغَنَائِم والحيطان للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين خَاصَّة دونكم إِن شِئْتُم قسمتم أَمْوَالكُم ودياركم للمهاجرين وَأقسم لكم من الْغَنَائِم وَإِن شِئْتُم لكم أَمْوَالكُم ودياركم وَأقسم الْغَنِيمَة بَين فُقَرَاء الْمُهَاجِرين فَقَالُوا يَا رَسُول الله نقسمهم أَمْوَالنَا ومنازلنا وَنُؤْثِرهُمْ على أَنْفُسنَا بِالْغَنِيمَةِ فَأثْنى الله عَلَيْهِم فَقَالَ {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار} وطنوا دَار الْهِجْرَة للنبى صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {وَالْإِيمَان مِن قَبْلِهِمْ} وَكَانُوا مُؤمنين من قبل مَجِيء الْمُهَاجِرين إِلَيْهِم {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِم} إِلَى الْمَدِينَة من أَصْحَاب النبى صلى الله عليه وسلم {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ} فِي قُلُوبهم {حَاجَةً} حسداً وَيُقَال حزازة {مِّمَّآ أُوتُواْ} مِمَّا أعْطوا من الْغَنَائِم دونهم {وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ} بِأَمْوَالِهِمْ ومنازلهم {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} فقر وحاجة {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} من دفع عَنهُ بخل نَفسه {فَأُولَئِك هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب
{وَالَّذين جاؤوا مِن بَعْدِهِمْ} من بعد الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِر لَنَا} ذنوبنا {وَلإِخْوَانِنَا الَّذين سَبَقُونَا بِالْإِيمَان}
وَالْهجْرَة {وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا} بغضا وحسداً {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} من الْمُهَاجِرين {رَبَّنَآ إِنَّكَ رؤوف رَّحِيمٌ} خَافُوا على أنفسهم أَن يَقع فِي قُلُوبهم الْحَسَد لقبل مَا أعْطى النبى صلى الله عليه وسلم الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين دونهم فدعوا بِهَذِهِ الدَّعْوَات
{أَلَمْ تَرَ} ألم تنظر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين نَافَقُواْ} فِي دينهم وهم قوم من الْأَوْس تكلمُوا بِالْإِيمَان عَلَانيَة وأسروا النِّفَاق {يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ} فِي السِّرّ {الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب} يَعْنِي بني قُرَيْظَة قَالُوا لَهُم بعد مَا حَاصَرَهُمْ النبى صلى الله عليه وسلم أثبتوا فِي حصونكم على دينكُمْ {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ} من الْمَدِينَة كَمَا أخرج بَنو النَّضِير {لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً} لَا نعين عَلَيْكُم أحدا من أهل الْمَدِينَة {وَإِن قوتلتم} وَإِن قاتلكم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {لَنَنصُرَنَّكُمْ} عَلَيْهِم {وَالله يَشْهَدُ} يعلم {إِنَّهُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {لَكَاذِبُونَ} فِي مقالتهم
{لَئِنْ أُخْرِجُواْ} من الْمَدِينَة يَعْنِي بني قُرَيْظَة {لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} المُنَافِقُونَ {وَلَئِن قُوتِلُواْ} قَاتلهم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {لَا ينصرونهم} على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {وَلَئِن نصروهم} على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {لَيُوَلُّنَّ الأدبار} منهزمين {ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} لَا يمْنَعُونَ مِمَّا نزل بهم
ثمَّ قَالَ للْمُؤْمِنين {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ الله} يَقُول خوف الْمُنَافِقين وَالْيَهُود من سيف مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه أَشد من خوفهم من الله {ذَلِك} الْخَوْف {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ} أَمر الله وتوحيد الله
{لَا يقاتلونكم} يعْنى بنى قُرَيْظَة وَالنضير {جَمِيعاً إِلَاّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} فِي مَدَائِن وقصور حَصِينَة {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ} أَو بَيْنكُم وَبينهمْ حَائِط {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} يَقُول قِتَالهمْ فِيمَا بَينهم شَدِيد إِذا قَاتلُوا قَومهمْ لَا مَعَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {تَحْسَبُهُمْ} يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود من بني قُرَيْظَة وَالنضير {جَمِيعاً} على أَمر وَاحِد {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} مُخْتَلفَة {ذَلِك} الْخلاف والخيانة {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَعْقِلُونَ} أَمر الله وتوحيده
{كَمَثَلِ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} يَقُول مثل بني قُرَيْظَة فِي نقض الْعَهْد والعقوبة كَمثل الَّذين من قبلهم من قبل بنى قُرَيْظَة {قَرِيباً} بِسنتَيْنِ {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} عُقُوبَة أَمرهم بِنَقْض الْعَهْد وهم بَنو النَّضِير {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الْآخِرَة
{كَمَثَلِ الشَّيْطَان} يَقُول مثل الْمُنَافِقين مَعَ بني قُرَيْظَة حَيْثُ خذلوهم كَمثل الشَّيْطَان مَعَ الراهب {إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ} الراهب برصيصا {اكفر} بِاللَّه {فَلَمَّا كفر} بِاللَّه خذله {قَالَ إِنِّي بَرِيء مِّنكَ} وَمن دينك {إِنِّي أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالمين}
{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ} عَاقِبَة الشَّيْطَان والراهب {أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي النَّار {وَذَلِكَ} الخلود فِي النَّار {جَزَآءُ الظَّالِمين} عُقُوبَة الْكَافرين
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {اتَّقوا الله} خَشوا الله {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ} كل نفس برة أَو فاجرة {مَا قدمت لغد} مَا عملت ليَوْم الْقِيَامَة فَإِنَّمَا تَجِد يَوْم الْقِيَامَة مَا عملت فِي الدُّنْيَا إِن كَانَ خيرا فَخير وَإِن كَانَ شرا فشر {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا تَعْمَلُونَ {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر
{وَلَا تَكُونُواْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ فِي الْمعْصِيَة {كَالَّذِين نَسُواْ الله} تركُوا طَاعَة الله فِي السِّرّ وهم المُنَافِقُونَ وَيُقَال تركُوا طَاعَة الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وهم الْيَهُود {فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} فخذلهم الله حَتَّى تركُوا طَاعَة الله {أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} الْكَافِرُونَ بِاللَّه فى السِّرّ بعنى الْمُنَافِقين وَإِن فسرت على الْيَهُود يُقَال هم الْكَافِرُونَ بِاللَّه فى السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
{لَا يَسْتَوِي} فِي الطَّاعَة وَالثَّوَاب {أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {وَأَصْحَابُ الْجنَّة} أهل الْجنَّة {أَصْحَابُ الْجنَّة هُمُ الفآئزون} فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار
{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن} الَّذِي يَقْرَؤُهُ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {على جَبَلٍ} أَصمّ رَأسه فِي السَّمَاء وعرقه فِي الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى {لَّرَأَيْتَهُ}
ذَلِك الْجَبَل بقوته {خَاشِعاً} خاضعاً مستكيناً مِمَّا فِي الْقُرْآن من الْوَعْد والوعيد {مُّتَصَدِّعاً} متكسراً متفشخاً متشققاً {مِّنْ خَشْيَةِ الله} من خوف الله {وَتِلْكَ} هَذِه {الْأَمْثَال نَضْرِبُهَا} نبينها {لِلنَّاسِ} فِي الْقُرْآن {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} لكَي يتفكروا فِي أَمْثَال الْقُرْآن
{هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَمَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَمَا كَانَ {هُوَ الرَّحْمَن} العاطف على الْعباد الْبر والفاجر بالرزق لَهُم {الرَّحِيم} خَاصَّة على الْمُؤمنِينَ بالمغفرة وَدخُول الْجنَّة
{هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَاّ هُوَ الْملك} الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول ملكه {القدوس} الطَّاهِر بِلَا ولد وَلَا شريك {السَّلَام} سلم خلقه من زِيَادَة عَذَابه على مَا يجب عَلَيْهِم بفعلهم {الْمُؤمن} يَقُول أَمن خلقه من ظلم نَفسه وَيُقَال السَّلَام سلم أولياءه من عَذَابه الْمُؤمن يَقُول هُوَ آمن على أَعمال الْعباد وآمن على مقدوره أى مَقْدُور الله فِي خلقه {الْمُهَيْمِن} الشَّهِيد {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن {الْجَبَّار} الْغَالِب على عباده {المتكبر} على أعدائه يُقَال المتبرىء عَمَّا تخيلوه {سُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان
{هُوَ الله الْخَالِق} للنطف فِي أصلاب الْآبَاء {البارئ} المحول من حَال إِلَى حَال {المصور} مَا فِي الْأَرْحَام ذكرا أَو أُنْثَى شقياً أَو سعيدا وَيُقَال البارىء الْجَاعِل الرّوح فِي النَّسمَة {لَهُ الأسمآء الْحسنى} الصِّفَات العلى الْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر وَغير ذَلِك فَادعوهُ بهَا {يُسَبِّحُ لَهُ} يُصَلِّي لَهُ وَيُقَال يذكرهُ {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض} من كل شَيْء حَيّ {وَهُوَ الْعَزِيز} المنيع بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الممتحنة وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَلَاثَة عشر وكلماتها ثلثمِائة وثمان وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَخَمْسمِائة وَعشرَة أحرف
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي حَاطِبًا {لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي} فِي الدّين {وَعَدُوَّكُمْ} فِي الْقَتْل يَعْنِي كفار مَكَّة {أَوْلِيَآءَ} فِي العون والنصرة {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} توجهون إِلَيْهِم الْكتاب بالعون والنصرة {وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ} يَعْنِي حَاطِبًا {مِّنَ الْحق} من الْكتاب وَالرَّسُول {يُخْرِجُونَ الرَّسُول} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم من مَكَّة {وَإِيَّاكُمْ} وَإِيَّاك يَا حَاطِب {أَن تُؤْمِنُواْ} لقبل إيمَانكُمْ {بِاللَّه رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {خَرَجْتُمْ جِهَاداً} إِن كنت يَا حَاطِب خرجت من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة للْجِهَاد {فِي سَبِيلِي} فِي طَاعَتي {وابتغآء مَرْضَاتِي} طلب رضائي {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} لَا تسروا إِلَيْهِم الْكتاب بالعون والنصرة {وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ} يَعْنِي بِمَا أخفيت يَا حَاطِب من الْكتاب وَيُقَال من التَّصْدِيق {وَمَآ أَعْلَنتُمْ} يَقُول وَمَا أعلنت يَا حَاطِب من الْعذر وَيُقَال من التَّوْحِيد {وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ مثل مَا فعل حَاطِب {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيل} فقد ترك قصد طَرِيق الْهدى
{إِن يَثْقَفُوكُمْ} إِن يغلب عَلَيْكُم أهل مَكَّة {يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً} يتَبَيَّن لكم أَنهم أَعدَاء لكم فِي الْقَتْل {ويبسطوا إِلَيْكُمْ} يمدوا إِلَيْكُم {أَيْديهم} بِالضَّرْبِ {وألسنتهم بالسوء} بالشتم والطعن {وَوَدُّواْ} تمنوا كفار مَكَّة {لَوْ تَكْفُرُونَ} أَن تكفرُوا بِاللَّه بعد إيمَانكُمْ بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن وهجرتكم إِلَى رَسُول الله
{لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ} بِمَكَّة إِن كَفرْتُمْ بِاللَّه {وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة} من عَذَاب الله {يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} يفرق بَيْنكُم وَبَين الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال يقْضِي بَيْنكُم على هَذَا {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ}
يَا حَاطِب {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} اقْتِدَاء صَالح {فِي إِبْرَاهِيمَ} فِي قَول إِبْرَاهِيم {وَالَّذين مَعَهُ} وَفِي قَول الَّذين مَعَه من الْمُؤمنِينَ {إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ} لقرابتهم الْكفَّار {إِنَّا بُرَآء مِّنْكُمْ} من قرابتكم ودينكم {وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {كَفَرْنَا بِكُمْ} تبرأنا مِنْكُم وَمن دينكُمْ {وَبَدَا} ظهر {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة} بِالْقَتْلِ وَالضَّرْب {والبغضآء} فِي الْقلب {أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّه وَحْدَهُ} حَتَّى تقروا بوحدانية الله {إِلَاّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ} غير قَول إِبْرَاهِيم {لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} لِأَنَّهُ كَانَ عَن موعدة وعدها إِيَّاه فَلَمَّا مَاتَ على الْكفْر تَبرأ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ {وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله} من عَذَاب الله {مِن شَيْءٍ} ثمَّ علمهمْ كَيفَ يَقُولُونَ فَقَالَ قُولُوا {رَّبَّنَا} يَا رَبنَا {عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} وثقنا {وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} أَقبلنَا إِلَى طَاعَتك {وَإِلَيْكَ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة
{رَبَّنَا} قُولُوا يَا رَبنَا {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} بلية {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة يَقُولُونَ لَا تسلطهم علينا فيظنوا أَنهم على الْحق وَنحن على الْبَاطِل فتزيدهم بذلك جَرَاءَة علينا {واغفر لَنَا} ذنوبنا {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بك {الْحَكِيم} بالنصرة لمن آمن بك
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} لقد كَانَ لَك يَا حَاطِب {فِيهِمْ} فِي قَول إِبْرَاهِيم وَفِي قَول الَّذين مَعَه من الْمُؤمنِينَ {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} اقْتِدَاء صَالح {لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله} يخَاف الله {وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت فَهَلا قلت يَا حَاطِب مثل مَا قَالَ إِبْرَاهِيم وَمن آمن بِهِ {وَمَن يَتَوَلَّ} يعرض عَمَّا أمره الله {فَإِنَّ الله هُوَ الْغَنِيّ} عَنهُ وَعَن خلقه {الحميد} لمن وَحده وَيُقَال الحميد يشْكر الْيَسِير من أَعْمَالهم وَيجْزِي الجزيل من ثَوَابه
{عَسَى الله} عَسى من الله وَاجِب {أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذين عَادَيْتُم} خالفتم فِي الدّين {مِّنْهُم} من أهل مَكَّة {مَّوَدَّةً} صلَة وتزويجا فَتزَوج النبى صلى الله عليه وسلم عَام فتح مَكَّة أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَهَذَا كَانَ صلَة بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {وَالله قَدِيرٌ} بِظُهُور نبيه على كفار قُرَيْش {وَالله غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ مِنْهُم من الْكفْر وآمن بِاللَّه {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ مِنْهُم على الْإِيمَان وَالتَّوْبَة
{لَاّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذين} عَن صلَة ونصرة الَّذين {لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ} مَكَّة وَلم يعينوا أحدا على إخراجكم من مَكَّة {أَن تَبَرُّوهُمْ} أَن تصلوهم وتنصروهم {وتقسطوا إِلَيْهِمْ} تعدلوا بَينهم بوفاء الْعَهْد {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} العادلين بوفاء الْعَهْد وهم خُزَاعَة قوم هِلَال ابْن عُوَيْمِر وَخُزَيْمَة وَبَنُو مُدْلِج صَالحُوا النَّبِي قبل عَام الْحُدَيْبِيَة على أَلا يقاتلوه وَلَا يخرجوه من مَكَّة وَلَا يعينوا أحدا على إِخْرَاجه فَلذَلِك لم ينْه الله عَن صلتهم
{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذين} عَن صلَة الَّذين {قَاتَلُوكُمْ فِي الدّين} وهم أهل مَكَّة {وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} من مَكَّة {وَظَاهَرُواْ} عاونوا {على إِخْرَاجِكُمْ} من مَكَّة {أَن تَوَلَّوْهُمْ} أَن تصلوهم {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ} فِي العون والنصرة {فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} الضارون لأَنْفُسِهِمْ
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَات} المقرات بِاللَّه {مُهَاجِرَاتٍ} من مَكَّة إِلَى الْحُدَيْبِيَة أَو إِلَى الْمَدِينَة {فامتحنوهن} فاسئلوهن واستحلفوهن لماذا جئتن {الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} بمستقر قلوبهن على الْإِيمَان {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} بالامتحان {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ} لَا تردوهن {إِلَى الْكفَّار} إِلَى أَزوَاجهنَّ الْكفَّار {لَا هُنَّ} يَعْنِي الْمُؤْمِنَات {حِلٌّ لَّهُمْ} لِأَزْوَاجِهِنَّ الْكفَّار {وَلَا هُمْ} يَعْنِي الْكفَّار {يَحِلُّونَ لَهُنَّ} للمؤمنات يَقُول لَا تحل مُؤمنَة لكَافِر وَلَا كَافِرَة لمُؤْمِن {وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ} أعْطوا أَزوَاجهنَّ مَا أَنْفقُوا عَلَيْهِنَّ من الْمهْر نزلت هَذِه الْآيَة فِي سبيعة بنت الْحَرْث الأسْلَمِيَّة جَاءَت إِلَى النبى صلى الله عليه وسلم عَام الْحُدَيْبِيَة مسلمة وَجَاء زَوجهَا مُسَافر فِي طلبَهَا فَأعْطى النبى صلى الله عليه وسلم لزَوجهَا مهرهَا وَكَانَ قد صَالح النبى
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل مَكَّة عَام الْحُدَيْبِيَة قبل هَذِه الْآيَة على أَن من دخل منا فِي دينكُمْ فَهُوَ لكم وَمن دخل فى ديننَا فَهُوَ رد إِلَيْكُم وَأَيّمَا امْرَأَة دخلت منا فى دينكُمْ فهى لكم وتؤدون مهرهَا إِلَى زَوجهَا وَأَيّمَا امْرَأَة مِنْكُم دخلت فِي ديننَا فيؤدى مهرهَا إِلَى زَوجهَا فَلذَلِك أعْطى النبى صلى الله عليه وسلم مهر سبيعة لزَوجهَا مُسَافر {وَلَا جُنَاحَ} لَا حرج {عَلَيْكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَن تَنكِحُوهُنَّ} أَن تتزوجوهن يَعْنِي اللَّاتِي دخلن فِي دينكُمْ من الْكفَّار {إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ} أعطيتموهن {أُجُورَهُنَّ} مهورهن يَقُول أَيّمَا امْرَأَة أسلمت وَزوجهَا كَافِر فقد انْقَطع مَا بَينهَا وَبَين زَوجهَا من عصمَة وَلَا عدَّة عَلَيْهَا من زَوجهَا الْكَافِر وَجَاز لَهَا أَن تتَزَوَّج إِذا استبرأت {وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} لَا تَأْخُذُوا بِعقد الكوافر يَقُول أَيّمَا امْرَأَة كفرت بِاللَّه فقد انْقَطع مَا بَينهَا وَبَين زَوجهَا الْمُؤمن من الْعِصْمَة وَلَا تَعْتَدوا بهَا من أزواجكم {واسألوا مَآ أَنفَقْتُمْ} يَقُول اطْلُبُوا من أهل مَكَّة مَا أنفقتم على أزواجكم إِن دخلن دينهم {وليسألوا} ليطلبوا مِنْكُم {مَا أَنْفقُوا} على أَزوَاجهم من الْمهْر إِن دخلن فِي دينكُمْ وعَلى هَذَا صَالحهمْ النبى صلى الله عليه وسلم أَن يؤدوا بَعضهم إِلَى بعض مُهُور نِسَائِهِم إِن أسلمن أَو كفرن {ذَلِكُم حُكْمُ الله} فَرِيضَة الله {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} وَبَين أهل مَكَّة {وَالله عَلِيمٌ} بصلاحكم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم بَيْنكُم وَهَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بِالْإِجْمَاع إِلَى
{وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} يَقُول إِن رجعت وَاحِدَة من أزواجكم {إِلَى الْكفَّار} لَيْسَ بَيْنكُم وَبينهمْ الْعَهْد والميثاق {فَعَاقَبْتُمْ} فغنمتم من الْعَدو {فَآتُواْ} فأعطوا {الَّذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} رجعت أَزوَاجهم إِلَى الْكفَّار {مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ} عَلَيْهِنَّ من الْمهْر وَالْغنيمَة قبل الْخمس {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم {الَّذِي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} مصدقون وَجَمِيع من ارْتَدَّت من نسَاء الْمُؤمنِينَ سِتّ نسْوَة مِنْهُنَّ امْرَأَتَانِ من نسَاء عمر بن الْخطاب أم سَلمَة وَأم كُلْثُوم بنت جَرْوَل وَأم الحكم بنت أبي سُفْيَان كَانَت تَحت عباد بن شَدَّاد الفِهري وَفَاطِمَة بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة وَبرْوَع بنت عقبَة كَانَت تَحت شماس بن عُثْمَان من بنى مَخْزُوم وَعَبدَة بنت عبد الْعُزَّى ابْن نَضْلَة وَزوجهَا عَمْرو بن عبدود وَهِنْد بنت أَبى جهل ابْن هِشَام كَانَت تَحت هَاشم بن الْعَاصِ بن وَائِل السهمى فَأَعْطَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مهر نِسَائِهِم من الْغَنِيمَة
{يَا أَيهَا النَّبِي} يَعْنِي مُحَمَّدًا {إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَات} نسَاء أهل مَكَّة بعد فتح مَكَّة {يُبَايِعْنَكَ} يشارطنك {على أَن لَاّ يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئاً} من الْأَصْنَام وَلَا يستحللن ذَلِك {وَلَا يَسْرِقْنَ} وَلَا يستحللن {وَلَا يَزْنِينَ} وَلَا يستحللن الزِّنَا {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} وَلَا يدْفن بناتهن أَحيَاء وَلَا يستحللن ذَلِك {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ} وَلَا يجئن بِولد من الزِّنَا {يَفْتَرِينَهُ} على الزَّوْج ويضعنه {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} لتقول لزَوجهَا هُوَ مِنْك وَأَنا وَلدته {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فِي جَمِيع مَا تأمرهن وتنهاهن من ترك النوح وجز الشّعْر وتمزيق الثِّيَاب وخمش الْوُجُوه وشق الْجُيُوب وَحلق الرُّءُوس وَأَن لَا يخلون مَعَ غَرِيب وَأَن لَا يسافرن سفر ثَلَاثَة ايام أَو أقل من ذَلِك مَعَ غير ذِي محرم مِنْهُنَّ {فَبَايِعْهُنَّ} على هَذَا فشارطهن على هَذَا {واستغفر لَهُنَّ الله} فِيمَا كَانَ مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز بعد فتح مَكَّة بِمَا كَانَ مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة {رَّحِيمٌ} بِمَا يكون مِنْهُنَّ فِي الْإِسْلَام
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لَا تَتَوَلَّوْا} فى العون والنصرة وإفشاء سر مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} سخط الله عَلَيْهِم مرَّتَيْنِ وهم الْيَهُود حِين قَالُوا يَد الله مغلولة وَمرَّة أُخْرَى بتكذيبهم مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الْآخِرَة} من نعيم الْجنَّة {كَمَا يَئِسَ الْكفَّار} كفار مَكَّة {مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور} من رُجُوع أهل الْمَقَابِر وَيُقَال من سُؤال مُنكر وَنَكِير وَيُقَال لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم وَلَكِن كونُوا مِمَّن سبح الله وَصلى
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الصَّفّ وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها أَربع عشرَة وكلماتها مِائَتَان وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ وحروفها تِسْعمائَة وَسِتَّة وَعِشْرُونَ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سَبَّحَ لِلَّهِ} يَقُول صلى لله وَيُقَال ذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق وكل شَيْء حَيّ {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} لم تتكلمون بِمَا لَا تَعْمَلُونَ بِهِ وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا لَو نعلم يَا رَسُول الله أَي عمل أحب إِلَى الله لفعلناه فدلهم الله على ذَلِك وَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم فِي الْآخِرَة من عَذَاب أَلِيم وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبكُمْ فَمَكَثُوا بعد ذَلِك مَا شَاءَ الله وَلم يبين لَهُم مَا هِيَ فَقَالُوا ليتنا نعلم مَا هِيَ لنبذل فِيهَا أَمْوَالنَا وأنفسنا وأهلينا فَبين الله تَعَالَى لَهُم فَقَالَ تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله تستقيمون على إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله وتجاهدون فِي سَبِيل الله فِي طَاعَة الله بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ الْآيَة فابتلوا بذلك يَوْم أحد فَفرُّوا من النبى صلى الله عليه وسلم فَلَامَهُمْ على ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ لم تَعدونَ مَالا توفون وتتكلمون بِمَا لَا تَعْمَلُونَ
{كَبُرَ مَقْتاً} عظم بغضاً {عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفْعَلُونَ} أَن تعدوا بِمَا لَا توفون وتتكلموا بِمَا لَا تَعْمَلُونَ
ثمَّ حرضهم على الْجِهَاد فِي سَبيله فَقَالَ {إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ} فِي طَاعَته {صَفّاً} فِي الْقِتَال {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ملتزق قد رص بعضه إِلَى بعض
{وَ} اذكر يَا مُحَمَّد {إِذْ قَالَ} قد قَالَ {مُوسَى لِقَوْمِهِ} الْمُنَافِقين {يَا قوم لِمَ تُؤْذُونَنِي} بِمَا تَقولُونَ عَليّ وَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّه آدر وَقد بَين قصَّته فِي سُورَة الْأَحْزَاب {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغوا} مالوا عَن الْحق وَالْهدى {أزاغ الله} أمال الله {قُلُوبَهُمْ} عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال فَلَمَّا زاغوا كذبُوا مُوسَى أزاغ الله صرف الله قُلُوبهم عَن التَّوْحِيد وَيُقَال فَلَمَّا زاغوا مالوا عَن الْحق وَالْهدى أزاغ الله قُلُوبهم زَاد الله زيغ قُلُوبهم {وَالله لَا يهدي} لَا يرشد إِلَّا دينه {الْقَوْم الْفَاسِقين} الْكَافرين من كَانَ فِي علم الله أَنه لَا يُؤمن
{وَإِذ قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم يَا بني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع {لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاة} لما قبلي من التَّوْرَاة {وَمُبَشِّراً} وجئتكم مبشراً أبشركم {بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمه أَحْمَدُ} يُسمى أَحْمد الَّذِي لَا يذم وَمُحَمّد الذى يحمد {فَلَمَّا جَاءَهُم} عِيسَى وَيُقَال مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعجائب الَّتِي أَرَاهُم {قَالُواْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} بَين السحر وَالْكذب
{وَمَنْ أَظْلَمُ} فِي كفره {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله الْكَذِب} فَجعل لَهُ ولدا وصاحبة {وَهُوَ يدعى إِلَى الْإِسْلَام} إِلَى التَّوْحِيد وهم الْيَهُود دعاهم النبى صلى الله عليه وسلم إِلَى التَّوْحِيد {وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمين} لَا يرشد إِلَى دينه الْيَهُود من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت يَهُودِيّا
{يُرِيدُونَ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله} ليبطلوا دين الله وَيُقَال كتاب الله
الْقُرْآن {بِأَفْوَاهِهِمْ} بألسنتهم وكذبهم {وَالله مُتِمُّ نُورِهِ} مظهر نور كِتَابه وَدينه {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وَإِن كره الْيَهُود وَالنَّصَارَى ومشركو الْعَرَب أَن يكون ذَلِك
{هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله} مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {بِالْهدى} بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال بِالْقُرْآنِ {وَدِينِ الْحق} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّين كُلِّهِ} على الْأَدْيَان كلهَا فَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يبْقى أحد إِلَّا دخل فِي الْإِسْلَام أَو أدّى إِلَيْهِم الْجِزْيَة {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْركُونَ} وَإِن كره الْيَهُود وَالنَّصَارَى ومشركو الْعَرَب أَن يكون ذَلِك
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} وَقد بَينهم فِي أول السُّورَة {هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع فِي الْآخِرَة باللظى
{تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} تصدقُونَ بإيمانكم بِاللَّه وَرَسُوله إِن فسرت على الْمُنَافِقين {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} بِنَفَقَة أَمْوَالكُم وَخُرُوج أَنفسكُم {ذَلِكُم} الْجِهَاد {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْأَمْوَال {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} تصدقُونَ بِثَوَاب الله
{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} بِالْجِهَادِ وَالنَّفقَة فِي سَبِيل الله {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} حَلَالا لكم وَيُقَال طَاهِرَة وَيُقَال حَسَنَة جميلَة وَيُقَال طيبَة قد طيبها الله بالمسك وَالريحَان {فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} فِي دَار الرَّحْمَن {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار
{وَأُخْرَى} وتجارة أُخْرَى {تُحِبُّونَهَا} تتمنون وتشتهون أَن تكون لكم {نصر من الله} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم على كفار قُرَيْش {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} عَاجل فتح مَكَّة {وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ} المخلصين بِالْجنَّةِ إِن كَانُوا كَذَلِك
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {كونُوا أنصار الله} لمُحَمد صلى الله عليه وسلم على عدوه وَيُقَال أعوان الله على أعدائه {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ} لأصفيائه {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى الله} من أعواني مَعَ الله على أعدائه {قَالَ الحواريون} أصفياؤه {نَحْنُ أنصار الله} أعوانك مَعَ الله على أعدائه وَكَانُوا اثْنَي عشر رجلا أول من آمنُوا بِهِ ونصروه على أعدائه وَكَانُوا قصارين {فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ} جمَاعَة {مِّن بني إِسْرَائِيلَ} بِعِيسَى ابْن مَرْيَم {وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ} جمَاعَة بِعِيسَى ابْن مَرْيَم وهم الَّذين أضلهم بولس وَالَّذين لم يُؤمنُوا بِهِ {فَأَيَّدْنَا} أعنا وقوينا {الَّذين آمَنُواْ} بِعِيسَى ابْن مَرْيَم وهم الَّذين لم يخالفوا دين عِيسَى {على عَدُوِّهِمْ} الَّذين خالفوا دين عِيسَى {فَأَصْبَحُواْ} فصاروا {ظَاهِرِينَ} غَالِبين بِالْحجَّةِ على أعدائهم لصلاتهم لله وَيُقَال لأَنهم مِمَّن يسبح
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْجُمُعَة وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها مائَة وَثَمَانُونَ وحروفها سَبْعمِائة وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} يَقُول يُصَلِّي لله وَيُقَال يذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق وكل شَيْء حَيّ {الْملك} الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول ملكه {القدوس} الطَّاهِر بِلَا ولد وَلَا شريك {الْعَزِيز} الْغَالِب فِي ملكه بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيين} فِي الْعَرَب {رَسُولا مِنْهُم} من نسبهم يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {يَتْلُو} يقْرَأ {عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَيُزَكِّيهِمْ} يطهرهم بِالتَّوْحِيدِ من الشّرك وَيُقَال بِالزَّكَاةِ وَالتَّوْبَة من الذُّنُوب أَي يَدعُوهُم إِلَى ذَلِك {وَيُعلمهُم الْكتاب}
يَعْنِي الْقُرْآن {وَالْحكمَة} الْحَلَال وَالْحرَام وَيُقَال الْعلم ومواعظ الْقُرْآن {وَإِن كَانُواْ} وَقد كَانُوا يَعْنِي الْعَرَب {مِن قَبْلُ} من قبل مَجِيء مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِم بِالْقُرْآنِ {لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين
{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} وَفِي الآخرين مِنْهُم من الْعَرَب وَيُقَال من الموَالِي {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} بالعرب الأول يَقُول لم يَكُونُوا بعد فسيكونون يَقُول بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَسُولا إِلَى الْأَوَّلين والآخرين من الْعَرَب والموالي {وَهُوَ الْعَزِيز} المنيع بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ وبكتابه وبرسوله مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
{ذَلِك} الَّذِي ذكرت من النُّبُوَّة وَالْكتاب والتوحيد {فَضْلُ الله} من الله {يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ وَيكرم بِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله ذُو الْفضل} الْمَنّ {الْعَظِيم} بِالْإِسْلَامِ والنبوة على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَيُقَال بِالْإِسْلَامِ على الْمُؤمنِينَ وَيُقَال بالرسول وَالْكتاب على خلقه
{مَثَلُ الَّذين} صفة الَّذين {حُمِّلُواْ التَّوْرَاة} أمروا أَن يعملوا بِمَا فِي التَّوْرَاة أَي أمروا أَن يظهروا صفة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ونعته فِي التَّوْرَاة {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} لم يعملوا بِمَا أمروا فِيهَا أَي لم يظهروا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ونعته فِي التَّوْرَاة {كَمَثَلِ الْحمار} كشبه الْحمار {يَحْمِلُ أَسْفَاراً} كتبا لَا ينْتَفع بِحمْلِهِ كَذَلِك الْيَهُود لَا يَنْتَفِعُونَ بِالتَّوْرَاةِ كَمَا لَا ينْتَفع الْحمار بِمَا عَلَيْهِ من الْكتب {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْم} صفة الْقَوْم {الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْيَهُود {وَالله لَا يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {الْقَوْم الظَّالِمين} الْيَهُود من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت على الْيَهُودِيَّة
{قل} يَا مُحَمَّد {يَا أَيهَا الَّذين هادوا} مالوا عَن الْإِسْلَام وتهودوا وهم بَنو يهوذا {إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ} أحباء لله {مِن دُونِ النَّاس} من دون مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه {فتمنوا الْمَوْت} فاسألوا الْمَوْت {إِن كُنْتُم صَادِقِينَ} أَنكُمْ أَوْلِيَاء لله من دون النَّاس
فَقَالَ لَهُم النبى صلى الله عليه وسلم قُولُوا اللَّهُمَّ أمتنَا فوَاللَّه لَيْسَ مِنْكُم أحد يَقُول ذَلِك إِلَّا غص بريقه وَيَمُوت فكرهوا ذَلِك وَلم يسْأَلُوا الْمَوْت فَقَالَ الله {وَلَا يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً} لَا يسْأَلُون الْمَوْت يَعْنِي الْيَهُود أبدا {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ} بِمَا عملت أَيْديهم فِي الْيَهُودِيَّة {وَالله عَلِيمٌ بالظالمين} باليهود على أَنهم لَا يسْأَلُون الْمَوْت
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ الْمَوْت الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ} تكرهونه {فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} نَازل بكم لَا محَالة {ثُمَّ تُرَدُّونَ} فِي الْآخِرَة {إِلَى عَالِمُ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَمَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَمَا كَانَ {فينبئكم} يُخْبِركُمْ {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآن {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} إِذا دعيتم إِلَى الصَّلَاة بِالْأَذَانِ {مِن يَوْمِ الْجُمُعَة فَاسْعَوْا} فامضوا {إِلَى ذِكْرِ الله} إِلَى خطْبَة الإِمَام وَالصَّلَاة مَعَه {وَذَرُواْ البيع} اتْرُكُوا البيع بعد الْأَذَان {ذَلِكُم} الِاسْتِمَاع إِلَى خطْبَة الإِمَام وَالصَّلَاة {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْكسْب وَالتِّجَارَة {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {تَعْلَمُونَ} تصدقُونَ بِثَوَاب الله
ثمَّ رخص لَهُم بعد مَا حرم عَلَيْهِم بقوله وذروا البيع فَقَالَ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاة} إِذا فرغ الإِمَام من صَلَاة الْجُمُعَة {فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} فاخرجوا من الْمَسْجِد إِن شِئْتُم {وابتغوا مِن فَضْلِ الله} اطْلُبُوا من رزق الله إِن شِئْتُم فَهَذِهِ رخصَة بعد النَّهْي وَلها وَجه آخر يَقُول فَإِذا قضيت الصَّلَاة إِذا فرغ الإِمَام من صَلَاة الْجُمُعَة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض فَتَفَرَّقُوا فِي الْمَسْجِد وابتغوا من فضل الله اطْلُبُوا مَا هُوَ أفضل لكم يَعْنِي على السِّرّ والتوحيد والزهد والتوكل {واذْكُرُوا الله} بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان {كَثِيراً} على كل حَال {لَعَلَّكُمْ تفلحون} لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب