الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتنعله وفى شأنه كله، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى. وإذا نام واضطجع اضطجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة.
وكان مجلسه مجلس حلم، وحياء، وأمانة، وصيانة، وصبر، وسكينة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا يؤذين فيه الحرم، أى لا يذكر فيه النساء، يتعاطفون فيه بالتقوى، ويتواضعون، ويوقر الكبار، ويرحم الصغار، ويؤثرون المحتاج، ويحفظون الغريب، ويخرجون أدلة على الخير. وكان يتألف أصحابه، ويكرم كريم كل قوم ويوليه أمرهم، ويتفقد أصحابه، ولم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، ولا يجزى بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، ولم يضرب خادمًا ولا امرأة ولا شيئًا قط، إلا أن يجاهد فى سبيل الله، وما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا.
ودلائل كل ما ذكرته فى الصحيح مشهورة، وقد جمع الله سبحانه وتعالى له صلى الله عليه وسلم كمال الأخلاق، ومحاسن الشيم، وآتاه علم الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز، وهو أمىّ لا يقرأ ولا يكتب، ولا مُعلم له من البشر، وآتاه ما لم يؤت أحدًا من العالمين، واختاره على جميع الأولين والآخرين، صلوات الله عليه وسلامه دائمين إلى يوم الدين. ثبت فى الصحيح عن أنس بن مالك، رضى الله عنه، قال: ما مستت ديباجًا ولا حريرًا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله- صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لى قط أف، ولا قال لشىء فعلته: لم فعلته، ولا لشىء لم أفعله: ألا فعلت كذا.
فصل فى معجزاته صلى الله عليه وسلم
-
لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزات ظاهرات وأعلام متظاهرات تبلغ ألوفًا، وهى مشهورات، فمنها القرآن، المعجزة الظاهرة، والدلالة الباهرة، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] ، الذى أعجز البلغاء فى أفصح الأعصار، وأعياهم أن يأتوا بسورة منه ولو استعانوا بجميع الخلق. قال الله تعالى: {قُل لَّئِنِ
اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] ، فتحداهم صلى الله عليه وسلم بذلك مع كثرتهم وفصاحتهم وشدة عداوتهم إلى يومنا هذا.
أما المعجزات غيره، فلا يمكن حصرها أبدًا؛ لأنها كثيرة جدًا، ومتجددة متزايدة، ولكن أذكر منها أمثلة كانشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الماء والطعام، وتسبيح الطعام، وحنين الجذع، وتسليم الحجر، وتكليم الزراع المسمومة، ومشى الشجرة إليه، واجتماع الشجرتين المتباعدتين ورجوعهما إلى مكانهما، ودرور الشاة الحائل، ورده عين قتادة بن النعمان بعد أن ندرت وصارت فى يده إلى مكانها، فلم تكن تُعرف بعد ذلك، وتفله فى عينى على وكان أرمد فبرىء من ساعته، ومسحه رجل عبد الله بن عتيك فبرأت فى الحال، وإخباره بمصارع المشركين يوم بدر، هذا مصرع فلان، فلم يعدوا مصارعهم، وإخباره بقتلة أُبى بن خلف، وإخباره بأن طائفة من أمته يغزون البحر، وأن أم حرام منهم فكان كذلك، وبأنه يفتح على أمته ما زوى له من مشارق الأرض ومغاربها، وبأن كنوز كسرى تنفقها أمته فى سبيل الله عز وجل، وبأنه يخاف على أمته ما يفتح عليهم من زهرة الدنيا، وبأن خزائن فارس والروم تفتح لنا، وبأن سراقة بن مالك يسور بسوارى كسرى.
وبأن الحسن بن على يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وبأن سعد بن أبى وقاص يعيش حتى ينتفع به أقوام ويضر به آخرون، وبأن النجاشى مات يومكم هذا وهو بالحبشة، وبأن الأسود العنسى قُتل ليلتكم هذه وهو باليمن، وبأن المسلمين يقاتلون الترك صغار الأعين عراض الوجوه ذلف الأنوف، وبأن اليمن تفتح عليكم والشام والعراق، وبأن المسلمين يجندون ثلاثة أجناد جندًا بالشام، وجندًا باليمن، وجندًا بالعراق، وبأنهم يفتحون مصر أرضًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرًا فإن لهم ذمة ورحمًا.
وبأن أويسًا القرنى يقدم عليكم فى إمداد أهل اليمن، كان به برص فبرىء منه إلا قدر درهم، فقدم كذلك على عمر، وبأن طائفة
من أمته على الحق، وبأن الناس يكثرون، وبأن الأنصار يقلون، وبأن الأنصار يلقون بعده أثرة، وبأن الناس لا يزالون يسألون حتى يقولوا: هذا خلق الله الخلق
…
الحديث، وبأن رويفع بن ثابت تطول به الحياة، وبأن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية، وبأن هذه الأمة ستفترق، وبأنه سيكون بينهم قتال، وبأنه ستخرج نار من أرض الحجاز، وأشباه هذا، فوقعت كلها كما ذكر صلى الله عليه وسلم واضحة جلية.
وقال لثابت بن قيس: "تعيش حميدًا، وتقتل شهيدًا"، فعاش حميدًا، واستشهد باليمامة. وقال لعثمان:"تصيبه بلوى شديدة". وقال فى رجل من المسلمين: "يقاتل قتالاً شديدًا، وأنه من أهل النار"، فَقَتل نفسه. وجاءه وابصة بن معبد يسأله عن البر والإثم، فقال:"جئت تسأل عن البر والإثم"(1) . وقال لعلى والزبير والمقداد: "اذهبوا إلى روضة خاخ"(2) بأن هناك ظعينة معها كتاب، فوجدوها فأنكرته، ثم أخرجته من عقاصها.
وقال لأبى هريرة حين سرق الشيطان التمر: "إنه سيعود" فعاد. وقال لأزواجه: "أطولكن يدًا أسرعكن لحاقًا بى"(3) فكان كذلك. وقال لعبد الله بن سلام: "أنت على الإسلام حتى تموت". ودعا صلى الله عليه وسلم لأنس بأن يكثر ماله وولده ويطول عمره، فكان كذلك، عاش فوق مائة سنة، ولم يكن أحد من الأنصار أكثر مالاً منه، ودفن من أولاده الذكور لصلبه مائة وعشرين ابنًا قبل قدوم الحجاج سوى غيرهم، وهذا مصرح به فى صحيح البخارى وغيره.
ودعا صلى الله عليه وسلم أن يعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبى جهل، فأعزه الله بعمر، رضى الله عنه. ودعا على سراقة بن مالك فارتطمت به فرسه فى جلد من الأرض، وساخت قوائمها فيها، فناداه بالأمان وسأله الدعاء له. ودعا لعلى أن يذهب الله عنه الحر والبرد، فلم يكن يجد حرًا ولا بردًا. ودعا لحذيفة ليلة بعثه يأتى بخبر الأحزاب ألا يجد بردًا، فلم يجده حتى رجع. ودعا لابن عباس أن يفقهه الله فى الدين، فكان كذلك. ودعا على عتبة بن أبى لهب أن
(1) أخرجه الطبرانى (22/147، رقم 402) ، وابن عساكر (62/340) .
قال الهيثمى (1/175) : رواه أحمد والبزار وفيه أبو عبد الله السلمى وقال فى البزار الأسدى عن وابصة وعنه معاوية بن صالح ولم أجد من ترجمه.
(2)
حديث علي: أخرجه أحمد (1/79، رقم 600) ، والبخاري (3/1095، رقم 2845) ، ومسلم (4/1941، رقم 2494) ، وأبو داود (3/47، رقم 2650) ، والترمذي (5/409، رقم 3305) . وأخرجه أيضا: الحميدي (1/27، رقم 49) ، وابن حبان (14/424، رقم 6499) .
(3)
أخرجه مسلم (4/1907، رقم 2452) واللفظ له، والنسائى (5/66، رقم 2541) ، وابن حبان (15/50، رقم 6665) . وأخرجه أيضًا: البخارى (2/515، رقم 1354) ، والحاكم (4/26، رقم 6776) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.