الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرى الغوطة التى هى كورة من كور دمشق: فلان الدمشقى الحرستانى، وقد يقولون فى مثله: فلان الشامى الدمشقى الحرستانى، فينسبونه إلى الإقليم، ثم البلدة، ثم القرية.
وقد ينسبونه إلى الكورة، فيقولون: الغوطى الحرستانى، أو الشامى الدمشقى الغوطى الحرستانى. قال عبد الله بن المبارك، رحمه الله، وغيره: إذا أقام إنسان فى بلد أربع سنين نسب إليه.
وينسبون إلى القبيلة مولاهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "موالى القوم من أنفسهم"(1) ، وسواء كان مولى عتاقة، وهو الأكثر، أو مولى حلف ومناصرة، أو مولى إسلام، بأن أسلم على يد واحد من القبيلة، كالبخارى الإمام مولى الجعفيين، أسلم بعض أجداده على يد واحد من الجعفيين، وسنوضحه فى ترجمته، إن شاء الله تعالى، وقد ينسبون إلى القبيلة مولى مولاها، كأبى الحباب الهاشمى مولى شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالله التوفيق.
* * *
فصل فى حقيقة الصحابى والتابعى وبيان فضلهم
ومراتب الصحابة والتابعين وأتباعهم
أما الصحابى: ففيه مذهبان، أصحهما وهو مذهب البخارى وسائر المحدثين وجماعة من الفقهاء وغيرهم، أنه كل مسلم رأى النبى صلى الله عليه وسلم ولو ساعة، وإن لم يجالسه ويخالطه. والثانى وهو مذهب أكثر أهل الأصول أنه يشترط مجالسته، وهذا مقتضى العرف، وذاك مقتضى اللغة، وهكذا قاله الإمام أبو بكر بن الباقلانى، رحمه الله، وغيره.
وأما التابعى: ففيه أيضًا مذهبان، أحدهما: الذى رأى صحابيًا. والثانى: أنه الذى جالس صحابيًا.
قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى
(1) أخرجه البخارى (6/2484، رقم 6380) . وأخرجه أيضا: القضاعى (2/110، رقم 988) ، والبيهقى (2/151، رقم 2687) .
تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة: 100] الآية. واختلفوا فى المراد بالسابقين فى الآية، فقال سعيد بن المسيب وآخرون: هم من صلى إلى القبلتين. وقال الشعبى: أهل بيعة الرضوان. وقال محمد بن كعب القرظى، وعطاء: هم أهل بدر.
وقال الله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] إلى آخر السورة.
وقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران: 110] .
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] .
وفى الصحيحين عن عمران بن الحصين، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم قرنى، ثم اللذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”.
وفى الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: “لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه” أى نصفه.
والأحاديث فى فضل الصحابة، رضى الله عنهم، على الإطلاق كثيرة مشهورة فى الصحيحين وغيرهما، وأما فضائلهم على الخصوص لطائفة ولأشخاص، فأكثر من أن تحصر، وسنذكر فى تراجمهم منها جملاً إن شاء الله تعالى.
فممن له مزية من الصحابة، رضى الله عنهم، العشرة الذين شهد لهم النبى صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبى وقاص، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، رضى الله عنهم. ومنهم أهل بدر، وأُحُد، والعقبتين الأولى والثانية، وأهل بيعة الرضوان تحت الشجرة. قال الله تعالى:{لَقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] .
قال الإمام أبو منصور البغدادى: أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم تمام العشرة، ثم أهل بدر، ثم أُحُد، ثم بيعة الرضوان. وأجمع أهل السُنة على أن أفضلهم على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر. وقدَّم جمهورهم عثمان على علىّ، رضى الله عنهم.
قال الخطابى: وقدم أهل السُنة من أهل الكوفة عليًّا على عثمان، وبه قال ابن خزيمة، والصحيح قول الجمهور تقديم عثمان، ولهذا اختارته الصحابة للخلافة وقدموه، وهم أعلم وأعرف بالمراتب.
وأولهم إسلامًا خديجة بنت خويلد، وأبو بكر،
هذا هو الصحيح، واختلفوا فى أيهما أسبق، وآخرهم وفاة أبو الطفيل عامر بن واثلة، رضى الله عنه، توفى سنة مائة من الهجرة باتفاق العلماء، واتفقوا على أنه آخر الصحابة، رضى الله عنهم، وفاة.
وأما التابعون: فواحدهم تابعى، وتابعى، وقد ذكرنا حقيقته وفضلهم، وأما مراتبهم، فقال الإمام الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابورى: هم خمس عشرة طبقة، أولهم الذين أدركوا العشرة من الصحابة، منهم قيس بن أبى حازم، سمع العشرة، وروى عنهم، ولم يشاركه فى هذا أحد، وقيل: لم يسمع عبد الرحمن. ويليهم الذين ولدوا فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولاد الصحابة، ثم ذكر طبقاتهم. وفى صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى أويس القرنى: “هو خير التابعين، رضى الله عنه”.
وقال أحمد بن حنبل: أفضل التابعين سعيد بن المسيب، فقيل له: علقمة، والأسود؟ فقال: سعيد، وعلقمة، والأسود. وعنه: لا أعلم فيهم مثل أبى عثمان النهدى، وقيس ابن أبى حازم. وعنه: أفضلهم قيس، وأبو عثمان، وعلقمة، ومسروق. ولعله أراد أفضلهم فى ظاهر علوم الشرع، وإلا فأويس خير التابعين.
وقال أبو عبد الله بن خفيف الزاهد: أهل المدينة يقولون: أفضل التابعين ابن المسيب، وأهل الكوفة أويس، وأهل البصرة الحسن. ومن الفضلاء التابعين الفقهاء السبعة فقهاء المدينة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وفى السابع ثلاثة أقوال، هل هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف؟ أو سالم بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب؟ أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؟. وقد ذكرهم صاحب المهذب فى باب الخيار فى النكاح، وسنوضحهم فى تراجمهم إن شاء الله تعالى.
وأما تابعو التابعين ومن بعدهم: فلهم فضل فى الجملة، ولكن لا يلحقون من حيث الجملة بمن قبلهم؛ لحديث أنس، رضى الله عنه، فى صحيح البخارى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من عام إلا والذى بعده شر منه” (1) .
وفى صحيح
(1) أخرجه الترمذى (4/492، رقم 2206) وقال: حسن صحيح. وأخرجه نعيم بن حماد (1/41، رقم 47) . وأخرجه أيضًا: أحمد (3/132، رقم 12369) ، وأبو يعلى (7/97، رقم 4037) جميعا عن أنس.
البخارى أيضًا، عن مرداس الأسلمى، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حفالة كحفالة الشعير والتمر لا يباليهم الله بالة” (1)، يقال: لا أبالى زيدًا بالاً ولا بالة، وبلى بكسر الياء مقصور، أى لا أكترث به ولا أهتم له.
ومع هذا فلهم فى أنفسهم فضائل ظاهرة، وفى حفظ العلم آيات باهرة، ففى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم خذلان من خذلهم"(2) . وجملة العلماء أو جمهورهم على أنهم حملة العلم، وقد دعا لهم النبى صلى الله عليه وسلم فقال:"نضر الله امرء سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها"(3) ، وجعلهم عدولاً، فأمرهم بالتبليغ عنه، فقال صلى الله عليه وسلم:"ليبلغ الشاهد منكم الغائب"، وفى الحديث الآخر:"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".
وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه، وأن الله تعالى يوفق له فى كل عصر خلفاء من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وما بعده فلا يضيع، وهذا تصريح بعدالة حامليه فى كل عصر، وهكذا وقع ولله الحمد، وهذا من أعلام النبوة، ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئًا من العلم، فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه، والله أعلم.
* * *
فصل فى سلسلة التفقه لأصحاب الشافعى، رحمة الله عليه
منهم إلى الشافعى، رحمه الله، ثم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا من المطلوبات المهمات، والنفائس الجليلات، التى
(1) حديث مرادس: أخرجه: أحمد (4 / 193، رقم 17765) ، والبخاري (5 / 2364، رقم6070) .
حديث المستورد: أخرجه: الطبراني (20 / 310، رقم 737)، وأخرجه أيضا: الطبرانى فى الأوسط (3 / 123، رقم 2677) قال الهيثمى (7 /321) : رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.
أخرجه: الرامهرمزي (ص 125، رقم 90)، وأخرجه أيضا: الدارمي (2 / 390، رقم 2719) مختصرا، والطبراني (20 / 298، رقم 708) .
(2)
أخرجه ابن ماجه (1/4، رقم 6) ، والطبرانى (19/27، رقم 55) ، وابن حبان (1/261، رقم 61) . وأخرجه أيضا: الترمذى (4/485، رقم 2192) .
(3)
أخرجه الترمذى (5/33، رقم 2656) وقال: حسن. وأخرجه أيضا: أبو داود (3/322، رقم 3660) والنسائى (3/431، رقم 5847) .
أخرجه أحمد (1/436، رقم 4157) ، والترمذى (5/34، رقم 2657) وقال: حسن صحيح. وابن حبان (1/268، رقم 66) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (2/274، رقم 1738) . وأخرجه أيضا: البزار (5/382، رقم 2014) ، والشاشى (1/314، رقم 275) ، وابن عدى (6/462، رقم 1942) .
ينبغى للمتفقه والفقيه معرفتها، وتقبح به جهالتها، فإن شيوخه فى العلم آباء فى الدين، وصلة بينه وبين رب العالمين، وكيف لا يقبح جهل الإنسان والوصلة بينه وبين ربه الكريم الوهاب، مع أنه مأمور بالدعاء لهم، وبرهم، وذكر مآثرهم، والثناء عليهم، وشكرهم، فأذكرهم منى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ يعرف مَن كان فى عصرنا وبعده طريقه باجتماعها هى وطريقتى قريبًا.
فأما أنا فأخذت الفقه قراءة، وتصحيحًا، وسماعًا، وشرحًا، وتعليقًا، عن جماعات، أولهم شيخى الإمام المتفق على علمه، وزهده، وورعه، وكثرة عبادته، وعظم فضله، وتميزه فى ذلك على أشكاله، أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربى ثم المقدسى، رضى الله عنه وأرضاه، وجمع بينى وبينه وبين سائر أحبابنا فى دار كرامته مع من اصطفاه، ثم شيخنا أبو محمد عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم بن موسى المقدسى ثم الدمشقى، الإمام العارف، الزاهد، العابد، والورع، المتقن، مفتى دمشق فى وقته، رحمه الله، ثم شيخنا أبو حفص عمر بن أسعد بن أبى غالب الربعى، بفتح الباء، الأربلى، الإمام المتقن، رضى الله عنه، ثم شيخنا أبو الحسن سلار بن الحسن الأربلى ثم الحلبى ثم الدمشقى، المجمع على إمامته، وجلالته، وتقدمه فى علم المذهب على أهل عصره بهذه النواحى، رضى الله عنه.
وتفقه شيوخنا الثلاثة الأولون على شيخهم الإمام أبى عمرو عثمان بن عبد الرحمن ابن عثمان المعروف بابن الصلاح، وتفقه هو على والده، وتفقه والده فى طريقة العراقيين على أبى سعيد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن على بن أبى عصرون الموصلى، وتفقه أبو سعيد على القاضى أبى على الفارقى، وتفقه الفارقى على الشيخ أبى إسحاق الشيرازى، وتفقه الشيخ أبو إسحاق على القاضى أبى الطيب طاهر بن عبد الله الطبرى، وتفقه أبو الطيب على أبى الحسن محمد بن على بن سهل بن مصلح الماسرجسى، وتفقه الماسرجسى على أبى إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزى، وتفقه أبو إسحاق على أبى العباس أحمد بن عمر بن
سريج، وتفقه ابن سريج على أبى القاسم عثمان بن بشار الأنماطى، وتفقه الأنماطى على أبى إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزنى، وتفقه المازنى على أبى عبيد الله محمد بن إدريس الشافعى، رضى الله عنه، وتفقه الشافعى على جماعات، منهم أبو عبد الله مالك بن أنس إمام المدينة، ومالك على ربيعة، عن أنس، وعلى نافع، عن ابن عمر، كلاهما عن النبى صلى الله عليه وسلم.
والشيخ الثانى للشافعى، رحمه الله، سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمرو بن عباس، رضى الله عنهم. والشيخ الثالث للشافعى، رضى الله عنه، أبو خالد مسلم بن خالد مفتى مكة وإمام أهلها، وتفقه مسلم على أبى الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وتفقه ابن جريج على أبى محمد عطاء بن أسلم أبى رباح، وتفقه عطاء على أبى العباس عبد الله بن عباس، وأخذ ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عمر بن الخطاب، وعلى، وزيد بن ثابت، وجماعات من الصحابة، رضى الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما طريقة أصحابنا الخراسانيين، فأخذتها عن شيوخنا المذكورين، وأخذها شيوخنا الثلاثة عن أبى عمرو، عن والده، عن أبى القاسم بن البزرى الجزرى، عن أبى الحسن على بن محمد بن على الكيا الهراسى، عن أبى المعالى عبد الملك بن عبد الله بن يوسف ابن عبد الله بن يوسف إمام الحرمين، عن والده أبى محمد، عن أبى بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد القفال المروزى الصغير، وهو إمام طريقة خراسان، عن أبى زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزى، عن أبى إسحاق المروزى، عن ابن سريج، كما سبق. وتفقه شيخنا الإمام أبو الحسن سلار على جماعات، منهم الإمام أبو بكر الماهانى، وتفقه الماهانى على ابن البزرى بطريقه السابق، فهذا مختصر السلسلة.
ومعلوم أن كل واحد من هؤلاء أخذ عن جماعة، بل جماعات، لكن أردت الاختصار وبيان واحد من شيوخ كل واحد، وذكرت أجلهم وأشهرهم له، وسأوضحهم