المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل فى اسم صحيح البخارى، وتعريف محله - تهذيب الأسماء واللغات - جـ ١

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[القسم الأول: في الأسماء]

- ‌فصلاعلم أن لمعرفة أسماء الرجال، وأحوالهم، وأقوالهم، ومراتبهم، فوائد كثيرة

- ‌فصل: يتعلق بالتسمية والأسماء والكنى والألقاب

- ‌فصل فى حقيقة الصحابى والتابعى وبيان فضلهم

- ‌فصل ابتداء التاريخ

- ‌الترجمة النبوية الشريفة

- ‌فصل فى صفته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى أبناءه وبناته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى أزواجه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى مواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى خدمه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى كُتَّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى رُسُلِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى مؤذنيه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى حجه وعمرته وغزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى أخلاقه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى أفراس النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأحكام وغيرها

- ‌إمامنا، رضى الله عنه

- ‌فصل فى مولد الشافعى، رحمه الله، ووفاته

- ‌فصل فى تلخيص جملة من أحوال الشافعى

- ‌فصل فى نوادر من حكم الشافعى، رضى الله عنه، وجزيل كلامه

- ‌فصل فى أحرف من المنقولات من سخائه

- ‌فصل فى شهادة أئمة الإسلام المتقدمين فمن بعدهم للشافعى بالتقدم فى العلم

- ‌فصل فيمن روى الشافعى عنهم

- ‌فصل فى منثور من أحوال الشافعى، رحمه الله

- ‌فصل فى الإشارة إلى بعض شيوخه

- ‌فصل فى اسم صحيح البخارى، وتعريف محله

- ‌حرف الألف

- ‌باب من اسمه آدم

- ‌باب أبان

- ‌باب إبراهيم

- ‌باب إبليس

- ‌‌‌باب أبيض

- ‌باب أبي

- ‌باب أحمد

- ‌باب أسامة، وإسحاق، وأسلع، وأسلم

- ‌باب إسماعيل

- ‌باب أشيم، وأشعث، وأفلح، والأقرع، وأكيدر

- ‌باب إلياس، وامرؤ القيس، وأمية

- ‌باب أنجشة، وأنس، وأنيس

- ‌باب أوس

- ‌باب إياس، وأيمن، وأيوب

- ‌حرف الباء الموحدة

- ‌باب البراء، وبريدة، وبشر، وبشير

- ‌باب بكير، وبلال، وبهز

- ‌حرف التاء المثناة فوق

- ‌حرف الثاء المثلثة

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء المهملة

- ‌حرف الخاء المعجمة

- ‌حرف الدال المهملة

- ‌حرف الذال المعجمة

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين

- ‌باب سعد

- ‌باب سعيد

- ‌باب سفيان وسفينة

- ‌باب سلمان

- ‌باب سلمة وسليم

- ‌باب سُليم

- ‌باب سليمان

- ‌باب سمرة وسنين

- ‌باب سهل

- ‌باب سهيل

- ‌باب سويد وسيف

- ‌حرف الشين المعجمة

- ‌حرف الصاد المهملة

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء المهملة

- ‌حرف العين المهملة

- ‌باب عبد الحق، وعبد الحميد، وعبد خير، وعبد الدايم

- ‌باب عبد الرحمن

- ‌باب عبد العزيز، وعبد الكريم، وعبد المجيد

- ‌باب عبد، وعبيد، وعبيد الله وعبيدة بفتح العين، وعبيدة بالضم

- ‌باب العين والتاء المثناة فوق

- ‌باب العين والثاء المثلثة

- ‌باب عجلان، وعدي، وعرابة

- ‌باب عصام، وعطاء، وعطية

- ‌باب العين والقاف

- ‌باب العين والكاف

- ‌باب العين واللام

الفصل: ‌فصل فى اسم صحيح البخارى، وتعريف محله

البخارى يقول: كتبت عن ألف شيخ من العلماء وزيادة، وليس عندى حديث إلا أذكر إسناده.

وأما الآخذون عن البخارى، فأكثر من أن يحصروا، وأشهر من أن يذكروا. وقد روينا عن الفربرى، قال: سمع الصحيح من البخارى سبعون ألف رجل، فما بقى أحد يرويه غيرى. وقد روى عنه خلائق غير ذلك، وقد قدمنا أنه كان يحضر مجلسه أكثر من عشرين ألفًا يأخذون عنه، وممن روى عنه من الأئمة الأعلام: الإمام أبو الحسين مسلم ابن الحجاج صاحب الصحيح، وأبو عيسى الترمذى، وأبو عبد الرحمن النسائى، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، وأبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربى الإمام، وصالح بن محمد جزرة الحافظ، وأبو بكر بن خزيمة، ويحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن عبد الله مطين، وكل هؤلاء أئمة حفاظ، وآخرون من الحفاظ وغيرهم. قال الخطيب: آخر مَن حدَّث ببغداد عن البخارى: الحسين بن إسماعيل المحاملى.

‌فصل فى اسم صحيح البخارى، وتعريف محله

وسبب تصنيفه، وكيفية جمعه وتأليفه

أما اسمه: فسماه مؤلفه البخارى، رحمه الله: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه.

وأما محله: فقال العلماء: هو أول مُصَنَّف صُنِّف فى الصحيح المجرد. واتفق العلماء على أن أصح الكتب المصنفة صحيحا البخارى ومسلم. واتفق الجمهور على أن صحيح البخارى أصحهما صحيحًا، وأكثرهما فوائد. وقال الحافظ أبو على النيسابورى وبعض علماء المغرب: صحيح مسلم

ص: 73

أصح. وأنكر العلماء ذلك عليهم، والصواب ترجيح صحيح البخارى. وقد قرر الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلى فى كتابه المدخل ترجيح صحيح البخارى على صحيح مسلم، وذكر دلائله. وقال النسائى: أجود هذه الكتب كتاب البخارى. وأجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين، ووجوب العمل بأحاديثهما.

وأما سبب تصنيفه وكيفية تأليفه: فروينا عن إبراهيم بن معقل النسفى، قال: قال البخارى، رحمه الله: كنت عند إسحاق بن راهوية، فقال لنا بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابًا مختصرًا فى الصحيح لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع ذلك فى قلبى، وأخذت فى جمع هذا الكتاب. وروينا من جهات عن البخارى، رحمه الله، قال: صنفت كتاب الصحيح لست عشرة سنة، خرجته من ستمائة ألف حديث، وجعلته حجة بينى وبين الله. وروينا عنه قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام، وكأنى واقف بين يديه، وبيدى مروحة أذب عنه، فسالت بعض المعبرين، فقال: أنت تذب عنه الكذب، فهو الذى حملنى على إخراج الصحيح. وروينا عنه، قال: ما أدخلت فى كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح طحال القول.

وروينا عن الفربرى، قال: قال البخارى: ما وضعت فى كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين. وروينا عن عبد القدوس بن همام، قال: سمعت عدة من المشايخ يقولون: حول البخارى تراجم جامعه بين قبر النبى صلى الله عليه وسلم ومنبره، وكان يصلى لكل ترجمة ركعتين. وقال آخرون، منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسى: صنفه ببخارى، وقيل: بمكة، وقيل: بالبصرة، وكل هذا صحيح، ومعناه أنه كان يصنف فيه فى كل بلدة من هذه البلدان، فإنه بقى فى تصنيفه ست عشرة سنة كما سبق. قال الحاكم أبو عبد الله: حدثنا أبو عمرو إسماعيل، حدثنا أبو عبد الله

ص: 74

محمد بن على، قال: سمعت البخارى يقول: أقمت بالبصرة خمس سنين مع كتبى أصنف وأحج فى كل سنة، وأرجع من مكة إلى البصرة.

قال البخارى: وأنا أرجو أن يبارك الله تعالى للمسلمين فى هذه المصنفات. وبلغنى عن الشيخ أبى زيد المروزى، من أصحابنا، وهو أجل من روى صحيح البخارى، عن الفربرى، قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام، فقال لى: إلى متى تدرس الفقه ولا تدرس كتابى؟ قلت: وما كتابك يا رسول الله؟ قال: جامع محمد بن إسماعيل البخارى، أو كما قال.

فصل

جملة ما فى صحيح البخارى من الأحاديث المسندة سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا بالأحاديث المكررة، وبحذف المكررة نحو أربعة آلاف، وقد ذكرتها مفصلة مختصرة فى أول شرح صحيح البخارى، وذكرت فيه جملة من أحوال البخارى، وورعه، وتعظيمه للعلم، وما يتعلق بصحيحه، كبيان فائدة إعادته الحديث الواحد فى أبواب، وفائدة تحديثه عن واحد فى موضع، ثم يروى فى موضع آخر عن رجل أو رجلين عنه، وبيان التعليق الذى فيه، وغير ذلك.

فصل

روينا عن محمد بن أبى حاتم وراق البخارى، قال: كان البخارى إذا كنت معه فى سفر جمعنا بيت، إلا فى القيظ أحيانًا، فكنت أراه يقوم فى ليلته خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، فى كل مرة يأخذ القداحة فيورى نارًا بيده ويسرج، ثم يخرج أحاديث يعلمها، ثم يضع رأسه، وكان يصلى فى وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، ورأيته استلقى على قفاه يومًا ونحن بفربر فى تصنيف كتاب التفسير، وكان أتعب نفسه فى ذلك اليوم فى كثرة إخراج الحديث، فقلت له: يا أبا عبد الله،

ص: 75

سمعتك تقول: ما أتيت شيئًا بغير علم قط منذ عقلت، فأى علم فى هذا الاستلقاء؟ فقال: أتعبنا أنفسنا فى هذا اليوم، وهذا ثغر خشيت أن يحدث حدث فى أمر العدو، فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة ذلك، فإن غافصنا (1) عدو كان بنا حراك، فهذه الحكاية وإن اشتملت على نفائس مقصودى فيها التنبيه على قوله: ما أتيت شيئًا بغير علم.

فهذه أحرف من عيون مناقبه وصفاته، ودرر شمائله وحالاته، أشرت إليها إشارات لكونها من المعروفات الواضحات، ومناقبه لا تستقصى؛ لخروجها عن أن تحصى، وهى منقسمة إلى حفظ، ودراية، واجتهاد فى التحصيل، ورواية، ونسك، وإفادة، وورع، وزهادة، وتحقيق، وإتقان، وتمكن، وعرفان، وأحوال، وكرامات، وغيرها من أنواع المكرمات، ويوضح ذلك ما أشرت إليه من أقوال أعلام المسلمين أولى الفضل والورع، والدين، والحفاظ والنقاد المتقنين، الذين لا يجازفون فى العبارات، بل يتأملونها ويحررونها، ويحافظون على صيانتها أشد المحافظات، وأقاويلهم بنحو ما ذكرته غير منحصرة، وفيما أشرت إليه أبلغ كفاية للمستبصر، رضى الله عنه وأرضاه، وجمع بينى وبينه وجميع أحبابنا فى دار كرامته مع من اصطفاه، وجزاه عنى وعن سائر المسلمين أكمل الجزاء، وحباه من فضله أبلغ الحباء.

4 -

محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى التيمى المدن (2) :

أبو عبد الله، مذكور فى مختصر المزنى فى أول الاعتكاف، وهو تابعى جليل، سمع ابن عمر، وأنسًا، رضى الله عنهم، وسمع جماعات من التابعين، منهم علقمة بن وقاص، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وإبراهيم بن عبد الله بن حسين، وعروة بن الزبير، وعطاء ابن يسار، وآخرون. روى عنه جماعات من التابعين، منهم يحيى بن سعيد الأنصارى، ويحيى بن أبى كثير، ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، والزهرى، ومحمد بن إسحاق، وابن عجلان، وآخرون، وهو ثقة بالاتفاق.

روى له البخارى ومسلم فى صحيحيهما، وهو

(1) غافصنا: معناه بالغين المعجمة: فاجأنا العدو وأخذنا على غرة منا. وبالعين المهملة معناه: صارعنا..

(2)

انظر: الجرح والتعديل (7/184) ، والثقات لابن حبان (5/381) ، والتاريخ الكبير (1/22، 23) ، والضعفاء الكبير برقم (1574) ، وسير أعلام النبلاء (5/294 - 296) برقم (140) ، والمغنى فى الضعفاء (2/544) ، وتهذيب التهذيب (9/5 - 7) ، وتقريب التهذيب (2/140) ..

ص: 76

راوى حديث: “إنما الأعمال بالنيات”، لم يروه عنه غير يحيى الأنصارى، ولم يروه عن علقمة بن وقاص غير محمد هذا. قال محمد بن سعد كاتب الواقدى: كان محمد بن إبراهيم كثير الحديث، توفى سنة عشرين ومائة بالمدينة. وقال خليفة بن خياط: سنة إحدى وعشرين، وكان جده الحارث من المهاجرين الأولين، رضى الله عنهم أجمعين.

5 -

محمد بن إبراهيم بن مسلم بن أمية (1) :

أبو أمية الطرسوسى، بفتح الطاء والراء، مذكور فى مختصر المزنى فى باب بيع حاضر لباد، هو بغدادى سكن طرسوس، سمع عمرو بن يونس اليمامى، وأبا مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وصفوان بن صالح، وهشام بن عمار، وخلائق آخرين. روى عنه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازى، وأبو نعيم عبد الملك بن محمد الجرجانى، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرايينى، وأبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا، وخلائق من الحفاظ والأئمة. قال أبو داود السجستانى والجمهور: هو ثقة، وكان إمامًا فى الحديث، رفيع القدر، مقدمًا، فهمًا، رحالاً، توفى بطرسوس فى جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ومائتين، رحمه الله.

6 -

محمد بن إسحاق بن جعفر (2) :

ويقال: محمد بن إسحاق بن محمد، أبو بكر الصاغانى، بالصاد المهملة والغين المعجمة، ويقال: الصغانى، بتخفيف الغين وحذف الألف، نسبة إلى بلدة بخراسان يقال لها: صاغان وصغان، وهو خراسانى سكن بغداد. ذكره فى المختصر فى باب بيعتين فى بيعة، وهو من كبار الأئمة، سمع أبا عامر العقدى، بفتح العين والقاف، والأسود بن عامر، وسعيد بن عامر، وأبا نوح قرادًا، وأبا النضر هاشم بن القاسم، ويحيى بن عبد الله ابن بكير، وأبا عاصم النبيل، وروح بن عبادة، وأبا نعيم الفضل بن دكين، ويعلى بن عبيد، وابا اليمان، وأبا مسهر، وعبد الوهاب بن عطاء، وخلائق من الأئمة.

روى عنه أبو عمر حفص بن عمر الدورى، وهو أكبر منه، ومسلم بن الحجاج، وأبو داود، والنسائى، والترمذى، وابن ماجة، والمزنى، وابن خزيمة، والحسين بن إسماعيل المحاملى، وأبو العباس الأصم، وأحمد بن محمد بن زياد الأعرابى، وموسى بن هارون الحمال، بالحاء، وأبو عوانة الإسفرايينى، وعبد الرحمن

(1) الجرح والتعديل (7/187) وتاريخ بغداد (1/394 - 396) وطبقات الحنابلة (1/265، 266) والمنتظم (5/90، 91) وميزان الإعتدال (3/447) والمغنى فى الضعفاء (2/545) وتذكرة الحفاظ (2/581) وسير أعلام النبلاء (13/91 - 93) وتهذيب التهذيب (9/15، 16) وتقريب التهذيب (2/141) ..

(2)

الجرح والتعديل (7/195، 196) والثقات لابن حبان (9/136) وتاريخ بغداد (1/240، 241) والمنتظم (5/78) والأنساب (8/68) والمعجم المشتمل لابن عساكر (225) وسير أعلام النبلاء (12/592 - 594) وتذكرة الحفاظ (2/573) وتاريخ ابن الوردى (1/240) وتهذيب التهذيب (9/35، 36) وتقريب التهذيب (2/144) ..

ص: 77

بن أبى حاتم، وأبو الفوارس شجاع بن جعفر الأنصارى، وهو آخر من حدث عنه وفاة، وخلايق غيرهم.

واتفقوا على أنه ثقة مأمون. قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادى: كان الصاغانى هذا أحد الأثبات المتقنين، مع صلابة فى الدين، واشتهار بالسنة، واتساع فى الرواية، رحل فى طلب العلم، وكتب عن أهل بغداد، والبصرة، والكوفة، والمدينة، ومكة، والشام، ومصر. قال: وبلغنى عن أبى مزاحم الخاقانى، قال: كان الصاغانى يشبه ابن معين فى وقته. قال الدارقطنى: كان ثقة، وفوق الثقة، وهو وجه مشايخ بغداد، توفى سنة سبعين ومائتين، رحمه الله.

7 -

محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام (1) :

من أصحابنا، مكرر فى الروضة، وسنذكره فى نوع الأبناء إن شاء الله تعالى، فهو به أشهر.

8 -

محمد بن جرير (2) :

تكرر ذكره فى الروضة، هو الإمام البارع فى أنواع العلوم، أبو جعفر محمد بن جرير ابن يزيد بن كثير بن غالب الطبرى. وهو فى طبقة الترمذى، والنسائى. سمع عبد الملك ابن أبى الشوارب، وأحمد بن منيع البغوى، ومحمد بن حميد الرازى، والوليد بن شجاع، وأبا كريب محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم الدورقى، وأبا سعيد الأشج، وعمرو ابن على، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن يسار، وغيرهم من شيوخ البخارى ومسلم. وحدث عنه أحمد بن كامل، ومحمد بن عبد الله الشافعى، ومخلد بن جعفر، وخلائق.

قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد: استوطن الطبرى بغداد، وأقام بها حتى توفى، وكان أحد أئمة العلماء، يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظًا لكتاب الله تعالى، عارفًا بالقراءات، بصيرًا بالمعانى، فقيهًا فى أحكام القرآن، عالمًا بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين فمن بعدهم فى الأحكام، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم، وله كتاب التاريخ المشهور، وكتاب فى التفسير لم يصنف أحد مثله، وكتاب تهذيب الآثار، لم أر سواه فى معناه، لكنه لم يتمه، وله فى أصول الفقه

(1) الجرح والتعديل (7/196) والثقات لابن حبان (9/156) وطبقات الفقهاء للشيرازى (105، 106) والمنتظم (6/184 - 186) وسير أعلام النبلاء (14/365 - 382) وتذكرة الحفاظ (2/720 - 731) ومرآة الجنان (2/264) والوافى بالوفيات (2/196) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/109، 110) والبداية والنهاية (11/149) وغاية النهاية (2/97، 98) وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (3/209) والأعلام (6/253) ومعجم المؤلفين (9/39) ..

(2)

تاريخ جرجان للسهمى (253، 254) وتاريخ بغداد (2/162 - 169) وطبقات الفقهاء للشيرازى (93) والمنتظم (6/170 - 172) ومعجم الأدباء (18/40 - 94) وإنباه الرواة (3/89، 90) ووفيات الأعيان (4/191، 192) وتاريخ ابن الوردى (1/258) وميزان الإعتدال (3/498، 499) ومعرفة القراء الكبار (1/264، 266) وسير أعلام النبلاء (14/267 - 282) وتذكرة الحفاظ (2/170 - 716) والمختصر فى أخبار البشر (2/71) والوافى بالوفيات (2/284 - 287) ومرآة الجنان (2/260) وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/120 - 128) والبداية والنهاية (11/145 - 147) وتاريخ الخميس (2/389) وغاية النهاية (2/106 - 108) ولسان الميزان (5/100 - 103) والنجوم الزاهرة (3/205) وطبقات المفسّرين للداودى (2/106 - 114) ..

ص: 78

وفروعه كتب كثيرة، وتفرد بمسائل حفظت عنه.

قال الخطيب: وسمعت على بن عبد الله السمسار يحكى أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب فى كل يوم أربعين ورقة. وعن الشيخ أبى حامد الإسفرايينى، قال: لو سافر رجل إلى الصين ليحصل تفسير ابن جرير الطبرى لم يكن هذا كثيرًا، أو كلامًا هذا معناه. وروينا عنه أنه قال لأصحابه: هل تنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما يفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره فى نحو ثلاثة آلاف ورقة. وكذلك قال لهم فى التاريخ، فأجابوه بمثل جواب التفسير، فقال: إنا لله، ماتت الهمم، فاختصره نحو ما اختصر التفسير. وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما أعلم تحت أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير.

وروينا أن أبا بكر بن مجاهد إمام الناس فى القراءات استمع ليلة لقراءة محمد بن جرير، فقال: ما ظننت أن الله تعالى خلق بشرًا يُحسن يقرأن هذه القراءة. وروى الخطيب، عن القاضى أحمد بن كامل، قال: توفى أبو جعفر محمد بن جرير وقت المغرب ليلة الاثنين ليومين بقيا من شهر شوال سنة عشر وثلاثمائة، ودفن ضحوة يوم الاثنين فى داره، ولم يغير شيبه، وكان السواد فى شعر رأسه ولحيته كثيرًا، وكان مولده فى آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، مديد القامة، فصيح اللسان، ولم يؤذن به أحد، واجتمع عليه ما لا يحصيهم عددًا إلا الله تعالى، وصلى على قبره عدة شهور ليلاً ونهارًا، وزاره خلق كثير من أهل الدين والأدب، ورثاه ابن الأعرابى، وابن دريد، وغيرهما، ولقد أجاد ابن دريد وأبلغ فى ترثيته.

قال الرافعى فى مواضع منها أول كتاب الزكاة من الشرح: تَفردُ ابن جرير لا يعد وجهًا فى مذهبنا، وإن كان معدودًا من طبقات أصحاب الشافعى، رضى الله عنهم أجمعين. قلت: ذكره أبو عاصم العيادى فى فقهاء الشافعية، وقال: هو من أفراد علمائنا، وأخذ فقه الشافعى عن الربيع المرادى، والحسن الزعفرانى.

9 -

محمد بن حاطب (1) :

الصحابى ابن الصحابى والصحابية، رضى الله عنهم،

(1) انظر: الإصابة (3/372) ، والتاريخ الكبير (1/17) ، والجرح والتعديل (7/224) ، والاستيعاب (3/340) ، وأسد الغابة (4/314، 315) ، وسير أعلام النبلاء (3/435، 436) برقم (79) ، والوافى بالوفيات (2/317) ، وتهذيب التهذيب (9/106) ، ومرآة الجنان (1/155) ، والعقد الثمين (1/450) ..

ص: 79

مذكور فى المهذب فى الوليمة والسرقة. هو أبو القاسم، ويقال: أبو إبراهيم محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القريشى الجمحى الكوفى، وأمه أم جميل فاطمة بنت المجلل، بالجيم، ابن عبد الله بن قيس القريشية العامرية، من بنى عامر بن لؤى، أسلمت وهاجرت، وقيل: اسمها جويرية، وقيل: أسماء، وهو أول من سمى فى الإسلام محمدًا، ولد بأرض الحبشة فى الهجرة، وقيل: إن أباه هاجر به إلى الحبشة وهو طفل، وأرضعته أسماء بنت عميس بلبن ابنها عبد الله بن جعفر، وكانا يتواصلان على ذلك حتى ماتا.

وحديثه المذكور فى الوليمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت”. رواه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائى، وابن ماجة. روى عنه ابن بلج، بالموحدة والجيم، وسماك بن حرب، وأبو عون الثقفى. شهد مع على، رضى الله عنه، الجمل، وصفين، والنهروان، وتوفى بمكة سنة أربع وسبعين. وقال أبو نعيم: توفى بالكوفة سنة ست وثمانين، والأول أشهر، رضى الله عنه.

10 -

محمد بن الحسن (1) :

صاحب أبى حنيفة، رضى الله عنهما. تكرر ذكره فى المختصر، فذكره فى اختلاف المتبايعين، والحوالة، ونكاح المشرك، والطلاق، والخراج، والشهادات، والقافة، والولاء، والكتابة، وغيرها. وذكره فى الروضة فى مواضع. هو الإمام أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيبانى مولاهم. قال الخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد: أصل محمد ابن الحسن دمشقى من أهل قرية تسمى حرستا، قدم أبوه العراق، فولد له محمد بواسط، ونشأ بالكوفة، وسمع الحديث بها من أبى حنيفة، ومسعر بن كدام، وسفيان الثورى، وعمر بن ذر، ومالك بن مغول.

قال: وكتب أيضًا عن مالك بن أنس، والأوزاعى، وزمعة بن صالح، وبكير بن عمار، وأبى يوسف. وسكن بغداد وحدث بها. روى عنه الشافعى، وأبو سليمان الجوزجانى، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وغيرهم. وكان الرشيد ولاه القضاء، وخرج معه فى سفره إلى خراسان، فمات بالرى، ودفن بها.

قال الخطيب: وقال محمد بن سعد كاتب

(1) انظر: طبقات ابن سعد (7/336) ، وتاريخ ابن معين (2/511) ، والجرح والتعديل (7/227) ، وميزان الاعتدال (3/513) ، ولسان الميزان (5/121، 122) ..

ص: 80

الواقدى: كان أصل محمد من الجزيرة، وكان أبوه من جند أهل الشام، فقدم واسطًا، فولد بها محمد سنة ثنتين وثلاثين ومائة، ونشأ بالكوفة، وطلب الحديث، وسمع سماعًا كثيرًا، وجالس أبا حنيفة، وسمع منه، ونظر فى الرأى فغلب عليه وعُرف به وتقدم فيه، وقدم بغداد فنزلها، واختلف إليه الناس، وسمعوا منه الحديث، والرأى، وخرج إلى الرقة وهارون الرشيد فيها، فولاه قضاءها، ثم عزله، فقدم بغداد، فلما خرج هارون إلى الرى الخرجة الأولى أمره فخرج معه، فمات بالرى سنة تسع وثمانين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة.

ثم روى الخطيب بإسناده، عن محمد بن الحسن، قال: ترك أبى ثلاثين ألف درهم، فأنفقت خمسة عشر ألفًا على النحو واللغة، وخمسة عشر ألفًا على الحديث والفقه. وبإسناده عن الشافعى، قال: قال محمد بن الحسن: أقمت على باب مالك ثلاث سنين وكسرًا. قال: وكان يقول: إنه سمع لفظ أكثر من سبعمائة حديث، وكان إذا حدثهم عن مالك امتلأ منزله وكثر الناس حتى يضيق عليه الموضع، وإذا حدث عن غير مالك لم يجئه إلا اليسير من الناس، فقال: ما أعلم أحدًا أسوأ ثناء على أصحابه منكم، إذا حدثتكم عن مالك ملأتم علىَّ الموضع، وإذا حدثتكم عن أصحابكم إنما تأتون متكارهين. وبإسناده عن إسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة، قال: كان لمحمد بن الحسن مجلس فى مسجد الكوفة وهو ابن عشرين سنة.

وبإسناده عن الشافعى، قال: ما رأيت سمينًا أخف روحًا من محمد بن الحسن، وما رأيت أفصح منه، كنت إذا رأيته يقرأ كأن القرآن نزل بلغته. وعنه قال: ما رأيت أعقل من محمد بن الحسن. وعنه قال: ما رأيت مبدنًا قط أذكى من محمد بن الحسن. وعنه قال: كان محمد بن الحسن إذا أخذ فى المسألة كأنه قرآن ينزل، لا يُقدِّم حرفًا ولا يؤخره. وعنه قال: كان محمد بن الحسن يملأ العين والقلب. وعنه قال: حملت عن محمد بن الحسن وقْرَىْ بختى كتبًا.

وعن يحيى بن معين، قال: كتبت الجامع الصغير عن محمد بن الحسن. وعن أبى عبيد: ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن. وعن إبراهيم الحربى، قال: قلت

ص: 81

للإمام أحمد: من أين لك هذه المسائل الدقيقة؟ قال: من كتب محمد بن الحسن. وعن محمد بن سماعة، قال: قال محمد بن الحسن لأهله: لا تسألونى حاجة من حوائج الدنيا تشغلوا قلبى، وخذوا ما تحتاجون إليه من وكيلى، فإنه أقل لهمى وأفرغ لقلبى. وبإسناده عن يحيى بن معين، وعمرو بن على، وأبى داود، وغيرهم تضعيفه فى رواية الحديث.

وبإسناده عن أحمد بن يحيى ثعلب، قال: توفى الكسائى ومحمد بن الحسن فى يوم واحد، فقال الرشيد: ذهب اليوم اللغة والفقه، وماتا بالرى. وبإسناده عن ابن أبى رجاء، عن محمويه، قال: وكنا نعده من الأبدال، قال: رأيت محمد بن الحسن فى المنام، فقلت: يا أبا عبد الله، إلى ما صرت؟ قال: قال لى ربى: إنى لم أجعلك وعاء للعلم، وأنا أريد أن أعذبك، قلت: ما فعل أبو يوسف؟ قال: فوقى، قلت: أبو حنيفة؟ قال: فوق أبى يوسف بطبقات.

وقال الشيخ أبو إسحاق فى الطبقات: حضر محمد بن الحسن مجلس أبى حنيفة سنتين، ثم تفقه على أبى يوسف، وصنَّف الكتب الكثيرة، ونشر علم أبى حنيفة. قال الشافعى: ما رأيت أحدًا يسأل مسألة فيها نظر إلا تبينت فى وجهه الكراهة، إلا محمد ابن الحسن. قال: وروى الربيع، قال: كتب الشافعى إلى محمد، وقد طلب منه كتبًا ينسخها فأخرها عنه، شعر:

ـن من رآه مثله

قد رأى من قبله

أن يمنعوه أهله

لأهله لعله

قل لمن ترعيـ

ومن كأن من رآه

العلم ينهى أهله

لعله يبذله

فبعث إليه الكتب من وقته، رحمهما الله.

11 -

محمد بن سيرين الأنصارى:

مولاهم أبو بكر البصرى التابعى الإمام فى التفسير، والحديث، والفقه، وعبر الرؤيا، والمقدم فى الزهد والورع. تكرر ذكره فى المختصر. وأولاد سيرين ستة: محمد، ومعبد، وأنس، ويحيى، وحفصة، وكريمة، وكلهم

ص: 82

رواة ثقات، وروى محمد، عن يحيى، عن أنس، عن أنس بن مالك حديثًا، وهذا من المستطرفات لكونهم ثلاثة إخوة، روى بعضهم عن بعض، وكان أبوهم سيرين من سبى عين التمر، وهو مولى أنس بن مالك، كاتبه على عشرين ألف درهم فأداها وعتق.

قال ابن قتيبة فى المعارف: كانت أم ابن سيرين اسمها صفية، مولاة لأبى بكر الصديق، رضى الله عنه، طيبها ثلاث من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ودعون لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريًا، منهم أُبى بن كعب، يدعو وهم يؤمنون، وكان سيرين يكنى أبا عمرة. قال: وقد ولد لسيرين ثلاثة وعشرون ولدًا من أمهات أولاد، دخل محمد بن سيرين على زيد بن ثابت، وسمع ابن عمر. قال يحيى بن معين: سمع منه حديثًا واحدًا.

وفى تاريخ بغداد، عن أيوب أنه سمع من ابن عمر حديثين، وسمع أيضًا جندب بن عبد الله البجلى، وأبا هريرة، وعبد الله بن الزبير، وعمران بن حصين، وعدى بن حاتم، وسليمان بن عامر، وأم عطية الأنصارى، وهؤلاء كلهم صحابة، وسمع من التابعين عبيدة، بفتح العين، السلمانى، ومسلم بن يسار، وشريحًا، وقيس بن عباد، بضم العين وتخفيف الباء، وعلقمة، والربيع بن خيثم، وأخاه معبدًا، وحميد بن عبد الرحمن الحميرى، وعبد الرحمن بن أبى بكرة، وأخته حفصة، وخلائق.

قال أحمد بن حنبل: لم يسمع ابن سيرين عباس. وقال هشام بن حسان: أدرك الحسن البصرى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وعشرين، وأدرك ابن سيرين ثلاثين منهم. وقال البخارى: حج ابن سيرين زمن ابن الزبير فسمعه، وسمع زيد بن ثابت، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وهو أكبر من أخيه أنس. وروى عنه جماعات من التابعين، منهم الشعبى، وأيوب، وقتادة، وسليمان التيمى، وخلائق منهم ومن غيرهم. قال ابن عون: كان ابن سيرين يحدث بالحديث على حروفه. وقال محمد بن سعد: كان ثقة، مأمونًا، عاليًا، رفيعًا، فقيهًا، إمامًا، كثير العلم، ورعًا.

وقال هشام بن حسان: حدثنى أصدق مَن أدركت محمد بن سيرين. وقال الخطيب فى تاريخ بغداد: كان ابن سيرين أحد الفقهاء المذكورين بالورع فى وقته. قال: وكان ابن سيرين مولى لأنس بن مالك، فكاتبه على ألوف، فعتق بالكتابة. وعن محمد، قال: حججنا فدخلنا

ص: 83

على زيد بن ثابت ونحن سبعة ولد سيرين، فقال: هذان لأم، وهذان لأم، وهذان لأم، وهذا لأم، فما أخطأ، وكان معبد أخاه لأمه. وعن مورق العجلى، قال: ما رأيت رجلاً أفقه فى ورعه، ولا أورع فى فقهه من محمد بن سيرين.

وعن عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار، قال: لما حبس ابن سيرين فى السجن قال له السجان: إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك، وإذا أصبحت فتعال، فقال: لا والله لا أعينك على خيانة السلطان. قال الخطيب: وكان حبس فى دين ركبه لغريم له. وبإسناده عن المداينى، قال: كان سبب حبس ابن سيرين أنه اشترى زيتًا بأربعين ألف درهم، فوجد فى زق منه فأرة، فقال: الفأرة كانت فى المعصرة، فصب الزيت كله، وكان يقول: عيرت رجلاً بشىء من ثلاثين سنة أحسبنى عوقبت به. وكانوا يرون أنه عيره بالفقر فابتلى به.

وعن ابن عون: كان ابن سيرين من أرجى الناس لهذه الأمة وأشدهم أزرًا على نفسه. وعن هشام بن حسان، قال: كنا نزولاً مع ابن سيرين فى الدار، فكنا نسمع بكاه بالليل وضحكه بالنهار. ومرَّ ابن سيرين برواس قد أخرج رأسًا فغشى عليه، وادعى عليه رجل درهمين فأنكره، فقال: تحلف؟ قال: نعم، قيل له: تحلف على درهمين؟ قال: نعم، لا أطعمه حرامًا وأنا أعلم.

وعن عثمان البتى، قال: لم يكن بهذه البلدة أحد أعلم بالقضاء من محمد بن سيرين. قال ابن قتيبة: ولد لابن سيرين ثلاثون ولدًا من امرأة واحدة زوجة له عربية، ولم يبق منهم غير عبد الله بن محمد، وقضى عنه ابنه هذا ثلاثين ألف درهم، فما مات عبد الله حتى صار ماله ثلاثمائة ألف درهم.

واتفقوا على أن ابن سيرين توفى بالبصرة سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم. قال حماد بن زيد: مات الحسن أول رجب سنة عشر ومائة، وصليت عليه، ومات ابن سيرين لتسع مضين من شوال سنة عشر. قال على بن المدينى، وعمرو بن على القلاس، وغيرهما: أصح الأسانيد محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن على، رضى الله عنهم. وفى هذه المسألة خلاف، وسنبسطه قريبًا فى ترجمة الزهرى محمد بن مسلم إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق.

12 -

محمد بن طلحة بن عبيد الله (1) :

مذكور فى المهذب فى وسط باب استيفاء

(1) انظر: الإصابة (3/376) ، وأسد الغابة (4/322) ، والاستيعاب (3/349) ، والوافى بالوفيات (3/174) ، والعقد الثمين (2/36) ، وسير أعلام النبلاء (4/368) ، وطبقات ابن سعد (5/52) ..

ص: 84

القصاص، ثم فى قتال أهل البغى، هو أبو القاسم محمد بن طلحة بن عبيد الله القريشى التيمى المدنى، وتمام نسبه فى ترجمة أبيه. قال ابن أبى حاتم: أدرك النبى صلى الله عليه وسلم له رواية وهو صبى مسح النبى صلى الله عليه وسلم برأسه وسماه محمدًا، وكناه أبا القاسم.

روى عنه ابنه إبراهيم، وعبد الرحمن بن أبى ليلى، ويقال لمحمد هذا: السجاد، سمى بذلك لكثرة سجوده، وكان زاهدًا، عابدًا، صالحًا، وحضر وقعة الجمل مع عائشة، رضى الله عنها، وكان على، رضى الله عنه، نهى عن قتله لما علم من فراغ قلبه من المنازعة ونحوها، فقتله إنسان ذلك اليوم فى وقعة الجمل فى جمادى الأولى سنة ست وثلاثين. قال ابن قتيبة: وأم محمد هذا حمنة بنت جحش.

13 -

محمد بن عباد (1) :

مذكور فى المختصر فى حديث القلتين، هو محمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عابد، بالباء الموحدة، ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم القريشى المخزومى المكى. تابعى ثقة، سمع ابن عمر، وأبا هريرة، وجابرًا، وابن عمرو بن العاص، وغيرهم. روى عنه ابن جريج، وعبد الحميد بن جبير بن شيبة، وغيرهما. روى له البخارى ومسلم فى صحيحيهما. قال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث.

14 -

محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبى صعصعة الأنصارى النجارى، بالنون، المدنى:

أبو عبد الرحمن. مذكور فى المختصر فى زكاة التجارة. روى عن أبيه، عن أبى سعيد. روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار، ومالك، وابن عيينة، وهو ثقة. روى له البخارى فى صحيحه.

15 -

محمد بن أبى بكر الصديق، رضى الله عنه (2) :

مذكور فى المختصر فى تجارة الوصى، وفى المهذب فى الإحرام بالحج، هو أبو القاسم محمد بن أبى بكر عبد الله بن عثمان، وسيأتى تمام نسبه فى ترجمة أبيه إن شاء الله تعالى. ولد محمد هذا بذى الحليفة عام حجة الوداع لليال بقين من ذى القعدة سنة عشر من الهجرة. وحضر مع النبى صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وله نحو ثلاثة أشهر ونصف. روى عنه أبيه، وأمه أسماء بنت عميس. روى عنه ابنه القاسم. قال البخارى

(1) انظر: الجرح والتعديل (8/13، 14) ، والتاريخ الكبير (1/175) ، وتهذيب التهذيب (9/243) ، وتقريب التهذيب (2/174) .

(2)

انظر: الإصابة (3/472) ، والنجوم الزاهرة (1/106) ، والعقد الثمين (2/68) ، وأسد الغابة (4/324) ، والاستيعاب (3/348) ، والتاريخ الكبير (1/124) ، والنجوم الزاهرة (1/106) ، وسير أعلام النبلاء (3/481)(104) . .

ص: 85

فى كتاب الضعفاء: يختلفون فى حديثه. روى له النسائى، وابن ماجة. قتل بصر سنة ثمان وثلاثين، رحمه الله، وحزنت عليه عائشة، رضى الله عنها كثيرًا.

16 -

محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبى ذئب هشام بن شعبة بن عبد الله بن أبى قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل - بكسر الحاء وإسكان السين المهملتين - ابن عامر بن لؤى بن غالب القريشى العامرى (1) :

أبو الحارث المدنى المعروف بابن أبى ذئب. تكرر فى المختصر، وهو من تابعى التابعين، سمع نافعًا، وعكرمة، وسعيد المقبرى، وآخرين من التابعين. روى عنه جماعات من الأئمة الكبار تابعى التابعين، منهم معمر، والثورى، ووكيع، ويحيى القطان، وابن المبارك، وخلائق. واتفقوا على إمامته وجلالته. روى له البخارى ومسلم فى صحيحيهما. قال أحمد بن حنبل: كان ابن أبى ذئب يشبه سعيد بن المسيب، قيل لأحمد: هل خلف ببلاده مثله؟ قال: لا، ولا بغيرها، وكان ثقة صدوقًا. قال يحيى بن معين: كل من روى عنه ابن أبى ذئب ثقة، إلا أبا جابر البياضى.

وقال الشافعى: ما فاتنى أحد فأسفت عليه ما أسفت على الليث بن سعد، وابن أبى ذئب، ولد سنة ثمانين، وأقدمه المهدى بغداد فحدث بها، ثم رجع يريد المدينة، فتوفى بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة، وهو ابن تسع وسبعين سنة، وكان يفتى بالمدينة. ذكر له الخطيب ترجمة نفيسة فى تاريخ بغداد، قال: وكان ثقة، صالحًا، ورعًا، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر. قال مصعب الزبيرى: كان ابن أبى ذئب فقيه المدينة. وعن محمد بن القاسم، قال: لما حج المهدى دخل مسجد النبى صلى الله عليه وسلم، فلم يبق أحد إلا قام إلا ابن أبى ذئب، فقال له المسيب بن زهير: قم، هذا أمير المؤمنين، فقال: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدى: دعه، فلقد قامت كل شعرة فى رأسى.

وعن أبى نعيم، قال: حججت سنة حج أبو جعفر وأنا ابن إحدى وعشرين سنة ومعه ابن أبى ذئب، ومالك بن أنس، فدعا ابن أبى ذئب فأقعده معه فى دار الندوة، فقال: ما تقول فى الحسن بن زيد بن الحسن ابن فاطمة؟ فقال: إنه ليتحرى العدل، فقال: ما تقول فىّ مرتين أو ثلاثًا، فقال: ورب هذه البنية إنك لجائر، فأخذ الربيع بلحيته، فقال

(1) انظر: تقريب التهذيب (2/184) ، والتاريخ الكبير (1/152) ، والجرح والتعديل (7/313) ، وتهذيب التهذيب (9/393) ، وتاريخ ابن معين (2/525) ، ووفيات الأعيان (4/183) ، وسير أعلام النبلاء (7/139) ، والوافى بالوفيات (3/223) .

ص: 86

ابن جعفر: كف يا ابن اللخناء، وأمر له بثلاث مائة دينار.

وكان ابن أبى ذئب يصلى الليل أجمع، ويصوم يومًا ويفطر يومًا، ثم يسرد الصوم ويجتهد فى العبادة، ولو قيل له: إن القيامة غدًا، ما كان فيه مزيد اجتهاد. وذكر الخطيب بأسانيده جملاً من مناقبه وقوله بالحق، وإنكاره على الخلفاء، وأنه لا يأخذه فى الله لومة لائم، وتمييزه على علماء عصره فى ذلك، رحمه الله.

17 -

محمد بن عجلان (1) :

تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى أول العدد، وهو أبو عبد الله محمد بن عجلان المدنى مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة. كان إمامًا، فقيهًا، عابدًا، وله حلقة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفتى، وله مذهب معروف، وهو تابعى صغير.

قال أبو نعيم: سمع أنسًا، وأبا الطفيل الصحابيين، وخلائق من التابعين منهم أبوه، وعكرمة، ونافع، وسعيد المقبرى.

روى عنه جماعات من كبار الأئمة، منهم عبيد الله بن عمر، ومنصور بن المعتمر، ومالك بن أنس، والليث، والثورى، وابن عيينة، وحيوة بن شريح، وشعبة، والقطان، وعبد الله بن إدريس، وخلائق. وحمل به أكثر من ثلاث سنين. توفى بالمدينة سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائة.

18 -

محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم، القريشى الهاشمى المدنى (2) :

أبو جعفر، المعروف بالباقر، سمى بذلك لأنه بقر العلم، أى شقه، فعرف أصله، وعلم خفيه. وأمه أم عبد الله بنت حسن بن على بن أبى طالب. تكرر فى المختصر، وذكره فى المهذب فى صدقة التطوع، وفى باب تضمين الأجير، وفى دية اللسان، وهو تابعى جليل، إمام، بارع، مجمع على جلالته، معدود فى فقهاء المدينة وأئمتهم، سمع جابرًا، وأنسًا، وسمع جماعات من كبار التابعين كابن المسيب، وابن الحنفية، وغيرهما.

روى عنه أبو إسحاق السبيعى، وعطاء بن أبى رباح، وعمرو بن دينار، والأعرج، وهو أسن منه، والزهرى، وربيعة، وخلائق آخرون من التابعين وكبار الأئمة. وروى له البخارى ومسلم. قال مصعب الزبيرى: توفى سنة أربع عشرة ومائة. وقال يحيى بن معين: سنة ثمانى عشرة. وقال المداينى: سنة سبع عشرة، وهو ابن ثلاث وستين

(1) انظر: تهذيب التهذيب (9/341) ، وتقريب التهذيب (2/190) ، وميزان الاعتدال (3/644) ، والتاريخ الكبير (1/196) ، وتاريخ ابن معين (2/530) ، وسير أعلام النبلاء (6/317) ، والوافى بالوفيات (4/92) .

(2)

انظر: الجرح والتعديل (8/26) ، وطبقات ابن سعد (5/320 - 324) ، وتاريخ ابن معين (2/531) ، والتاريخ الكبير (1/183) ، وحلية الأولياء (3/180 - 192) ، وربيع الأبرار (4/328) ، وصفة الصفوة (2/108 - 112) ، وتذكرة الحفاظ (1/124، 125) ، وسير أعلام النبلاء (4/401 - 409) برقم (158) ، والبداية والنهاية (9/309 - 312) ، والوافى بالوفيات (4/102، 103) ، ومرآة الجنان (1/247، 248) ، والذريعة إلى تصانيف الشيعة (1/315) ، ووفيات الأعيان (3/314) ، وتهذيب التهذيب (9/350 - 352) ، وتقريب التهذيب (2/192) . .

ص: 87

سنة. وقال الواقدى: ابن ثلاث وسبعين سنة. وفى تاريخ البخارى عن ابنه جعفر أنه توفى وهو ابن ثمان وخمسين سنة، رحمه الله.

19 -

محمد بن على بن شافع القريشى المطلبى الشافعى:

عم الإمام الشافعى. تقدم باقى نسبه فى ترجمة الشافعى. روى عنه الشافعى فى عشرة النساء، وقال: عمى ثقة. روى عنه عبد الله بن على بن السائب.

20 -

محمد بن على بن أبى طالب (1) :

المعروف بابن الحنفية، واسمها خولة، من سبى بنى حنيفة، وهى خولة بنت جعفر ابن قيس بن مسلم بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة، كنية محمد هذا أبو القاسم، ويقال: أبو عبد الله. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر.

وقال ابن أبى حاتم: لثلاث بقين، وهو من كبار التابعين، دخل على عمر بن الخطاب، وسمع عثمان، وأباه، رضى الله عنهم.

روى عنه بنوه الحسن، وعبد الله، وإبراهيم، وعون، وجماعات من التابعين. روينا عنه، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، إن ولد لى مولود بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: “نعم”.

قال أحمد بن عبد الله العقيلى الإمام الحافظ: ثلاثة يسمون محمدًا رخص فى كنيتهم بأبى القاسم: محمد بن أبى بكر، ومحمد بن على، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله.

وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الحافظ: لا نعلم أحدًا أسند عن على، عن النبى صلى الله عليه وسلم أكثر ولا أصح مما أسند محمد ابن الحنفية. قال عمرو بن على، وأبو نعيم فى رواية عنه: مات محمد بن الحنفية سنة أربع عشرة ومائة. وقال البخارى: قال أبو نعيم: مات سنة ثمانين. وقال يحيى بن بكير: سنة إحدى وثمانين. وقال المداينى: سنة ثلاث وثمانين.

وفى طبقات الفقهاء للشيخ أبى إسحاق، عن الهيثم بن عدى: سنة ثلاث أو اثنتين وسبعين. وفى تاريخ البخارى، عن أبى حمزة، بالحاء، قال: قضينا نسكنا حين قتل ابن الزبير، ثم رجعنا إلى المدينة مع محمد ابن الحنفية، فمكث ثلاثة أيام، ثم توفى. وهذا يوافق قول الهيثم، فإن ابن الزبير قتل سنة ثلاث وسبعين، وقيل: سنة اثنتين.

(1) انظر: سير أعلام النبلاء (4/110 - 129) برقم (36) ، وطبقات ابن سعد (5/91 - 116) ، والتاريخ الكبير (1/182) ، والجرح والتعديل (8/26) ، وحلية الأولياء (3/174 - 180) ، وصفة الصفوة (2/77 - 79) ، والبداية والنهاية (9/38، 39) ، وفوات الوفيات (1/189، 190) ، والعقد الثمين (2/157) ، وتهذيب التهذيب (9/354) ، وتقريب التهذيب (2/192) ، والوافى بالوفيات (4/99 - 105) ..

ص: 88

فصل

يقال لمحمد هذا: ابن الحنفية، ويقال: محمد بن على، ويقال: محمد بن على ابن الحنفية، فيُنسب إلى أبيه وأمه جميعًا، فعلى هذا يشترط أن ينون على، ويكتب ابن الحنفية بالألف، ويكون إعرابه إعراب محمد؛ لأنه وصف لمحمد لا لعلى، ولهذا نظائر، وقد أفردتها فى جزء، منها عبد الله بن مالك ابن بحينة، مالك أبوه وبحينة أمه. وعبد الله بن أُبى ابن سلول المنافق، أُبىّ أبوه وسلول أمه. وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية مثلهما. والمقداد بن عمرو ابن الأسود، أبوه الحقيقى عمرو، وتبناه الأسود فنُسب إليه. وإسحاق ابن إبراهيم بن راهوية، فراهوية هو إبراهيم. ومثله محمد بن يزيد ابن ماجة صاحب السنن، ماجة هو يزيد، وآخرون كذلك.

21 -

محمد بن عمرو بن حزم:

تكرر فى المختصر والمهذب، هو أبو عبد الملك، ويقال: أبو سليمان، ويقال: أبو القاسم محمد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان، بفتح اللام وإسكان الواو وبذال معجمة، ابن عمرو بن عبد غنم بن مالك بن النجار الأنصارى النجارى، بالنون، المدنى. ولد فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجران، وأبوه عامل عليها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من كبار التابعين. روى عن عمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص، وأبيه. روى عنه ابنه أبو بكر. قال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث، له عقب بالمدينة وببغداد، قُتل يوم الحرة بالمدينة سنة ثلاث وستين، وكان فقيهًا، فاضلاً من صالحى المسلمين.

22 -

محمد بن عروة بن علقمة بن وقاص بن محصن الليثى المدنى:

مذكور فى المختصر. قال ابن أبى حاتم: كنيته أبو عبد الله، وفى تاريخ البخارى أن كنيته أبو الحسن، وهو من تابعى التابعين، سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، ونافعًا، وسالم ابن عبد الله، وعبد الأغر، وأباه، وآخرين. روى عنه مالك، والسفيانان، وشعبة، ويحيى

ص: 89

القطان، ويزيد بن هارون، وعبد الله بن نمير، والنضر بن شميل، وخلائق. قال يحيى القطان: هو رجل صالح. وقال عمرو بن على: توفى سنة خمس وأربعين ومائة.

23 -

محمد بن كعب القرظى (1) :

تكرر فى المختصر والمهذب، هو بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة، منسوب إلى بنى قريظة الطائفة المعروفة من اليهود. وهو تابعى جليل، من كبار التابعين وأئمتهم، وهو أبو حمزة محمد بن كعب بن سليم. وقال محمد بن سعد: محمد بن كعب بن حيان، بالمثناة، ابن سليم بن أسد المدنى. من حلفاء الأوس، وكان أبوه من سبى قريظة، سكن محمد الكوفة، ثم عاد إلى المدينة. قال قتيبة: بلغنى أنه ولد فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. سمع ابن عباس، وزيد بن أرقم، ومعاوية. وقيل: سمع ابن مسعود، ورأى ابن عمر.

وروى عن جابر بن عبد الله، وأنس، وأبى ذر، وأبى هريرة، والبراء، والمغيرة، وعبد الله بن يزيد الخطمى، وكعب بن عجرة الصحابيين، رضى الله عنهم. وروى عنه جماعات من كبار التابعين وصغارهم، منهم عمرو بن دينار، وأبو سهيل، ومحمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم، وخلائق. واتفقوا على أنه ثقة.

قال ابن سعد: كان ثقة، عالمًا، كثير الحديث، ورعًا. قال أبو نعيم، وابن أبى شيبة، والترمذى: توفى سنة ثمان ومائة. وقال عمرو بن على، والواقدى: سنة سبع عشرة ومائة. وقيل: سنة عشرين.

24 -

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى (2) :

أبو بكر القريشى الزهرى المدنى. سكن الشام، وكان بأيلة، ويقولون تارة: الزهرى، وتارة: ابن شهاب، ينسبونه إلى جد جده، وقد تكرر فى المختصر، والمهذب، والروضة، وهو تابعى صغير، سمع أنس بن مالك، وسهل بن سعد، والسائب بن يزيد، وشبيبًا أبا جميلة، وعبد الرحمن بن أزهر، وربيعة بن عباد، بكسر العين وتخفيف الباء، ومحمود بن الربيع، وعبد الله بن ثعلبة بن صغير، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وأبا أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، وأبا الطفيل، ورجلاً من بلى له صحبة، وهؤلاء كلهم صحابة. ورأى ابن عمر، وسمع

(1) انظر: الجرح والتعديل (8/67) ، وتاريخ ابن معين (2/536) ، والثقات لابن حبان (5/351) ، وحلية الأولياء (3/212 - 221) ، وسير أعلام النبلاء (5/65 - 68) برقم (23) ، والبداية والنهاية (9/257) ، والتاريخ الكبير (1/216) .

(2)

انظر: التاريخ الكبير (1/220) ، والجرح والتعديل (8/71) ، والأغانى (4/48) ، والوافى بالوفيات (5/24 - 26) ، ووفيات الأعيان (4/177) ، وميزان الاعتدال (4/40) ، وتهذيب التهذيب (9/445) ، وتقريب التهذيب (2/207) ..

ص: 90

خلائق من كبار التابعين وائمتهم. روى عنه خلائق من كبار التابعين وصغارهم، ومن أتباع التابعين، ومن شيوخه.

وروينا بالإسناد الصحيح عن عمرو بن دينار، قال: ما رأيت أنص للحديث من الزهرى، وما رأيت أحدًا الدينار والدرهم أهون عنده منه، إن كانت الدنانير والدراهم عنده بمنزلة البعر. وروينا عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، قال: قلت لأبى: بم فاقكم الزهرى؟ قال: كان يأتى المجالس من صدورها ولا يأتيها من خلفها، ولا يبقى فى المجلس شابًا إلا سأله، ولا كهلاً إلا سأله، ثم يأتى الدار من دور الأنصار، فلا يبقى فيها شابًا إلا سأله، ولا كهلاً إلا سأله، ولا فتى إلا سأله، ولا عجوزًا إلا سالها، ولا كهلة إلا سألها، حتى يحاول ربات الحجال. وروينا عن الليث بن سعد، قال: ما رأيت عالمًا أجمع من ابن شهاب، ولا أكثر علمًا منه.

قال البخارى: قال على ابن المدينى: للزهرى نحو ألفى حديث. وقال أحمد بن الفرات: ليس فيهم أجود مسندًا من الزهرى. وقال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية: أصح الأسانيد مطلقًا الزهرى، عن سالم، عن أبيه. وقال أبو بكر بن أبى شيبة: أصحها الزهرى، عن على بن الحسين، عن أبيه، عن على. وقال على بن المدينى، وعمرو بن على القلاس، وغيرهما: أصحها محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن على.

وقال يحيى بن معين: أصحها الأعمش، عن إبراهيم النخعى، عن علقمة، عن ابن مسعود. وقال البخارى: أصحها مالك، عن نافع، عن ابن عمر. فعلى هذا قال أبو منصور عبد القاهر التميمى: أصحها الشافعى، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ لإجماع أهل الحديث على أن الشافعى أجل أصحاب مالك، رضى الله عنهم أجمعين. والمختار أنه لا يجزم لإسناد أنه أصحها على الإطلاق لعسر ذلك.

وقال الشافعى، رحمه الله: لولا الزهرى لذهبت السنن من المدينة. ومناقبه والثناء عليه وعلى حفظه أكثر من أن يحصر.

وقال البخارى فى التاريخ: قال لى إبراهيم بن المنذر، عن معن، عن ابن أخى الزهرى أنه أخذ القرآن فى ثمانين ليلة، وهذا إسناد فى نهاية من الصحة، ومعناه أن الزهرى حفظ القرآن فى ثمانين ليلة. وبإسناده الصحيح عن

ص: 91

أيوب السختيانى، قال: ما رأيت أعلم من الزعرى، فقيل له: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أعلم من الزهرى. قال البخارى: وقال لنا عبد الله بن صالح: حدثنا الليث، عن الزهرى، قال: ما استودعت حفظى شيئًا فخاننى.

وبإسناده الصحيح عن سعد بن إبراهيم، قال: ما أرى أحدًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع ما جمع الزهرى. وقال مالك: حدثنى الزهرى بحديث فيه طول، قلت: أعد ما كنت تحب أن يعاد عليك، فقال: لا، قلت: اكتب، فكتب. قال: توفى ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، ودفن بقرية له بأطراف الشام يقال لها: شغبدا، بشين مفتوحة، وغين ساكنة معجمتين، وبباء موحدة مفتوحة، ثم دال مهملة مفتوحة مخففة.

25 -

محمد بن مسلمة الصحابى، رضى الله عنه:

تكرر فى المختصر فى السير، وذكره فى المهذب فى الفرائض، هو أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سعيد محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدى ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى الحارثى المدنى. شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا والمشاهد كلها، وقيل: استخلفه النبى صلى الله عليه وسلم على المدينة فى غزوة تبوك.

روى عنه جماعة من الصحابة جابر بن عبد الله، والمغيرة، والمسور بن مخرمة، وسهل ابن أبى خيثمة، رضى الله عنهم، وجماعات من التابعين. اعتزال الفتنة، وأقام بالربذة، وتوفى بالمدينة فى صفر سنة ثلاث وأربعين. وقيل: سبع وأربعين، وهو ابن تسع وسبعين.

قال محمد بن إسحاق، وموسى بن عقبة: محمد بن مسلمة هو الذى قتل مرحبا اليهودى بخيبر. قال ابن عبد البر: الصحيح أن قالته على بن أبى طالب. وقال الشافعى فى مختصر المزنى فى أول كتاب السير: إن النبى صلى الله عليه وسلم أعطى محمد بن مسلمة سلب مرحب يوم خيبر، وهذا دليل على أنه قاتله. قال ابن الأثير: قيل: إن محمد بن مسلمة هو قاتل مرحب. قال: والصحيح الذى عليه أكثر أهل السير والحديث أن عليًا هو قاتله، خلف عشرة بنين وست بنات.

26 -

محمد بن نصر:

من أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور فى الروضة فى

ص: 92

الوصية فى ركن الصيغة، وفى كتاب الصداق فى باب تشطره فى مسألة من أصدقها حليًا فكسرته. هو الإمام البارع العلامة فى فنون العلم، أبو عبد الله محمد بن نصر المروزى الفقيه الشافعى.

روينا فى تاريخ بغداد عن الخطيب، قال: محمد بن نصر المروزى، أبو عبد الله الفقيه، صاحب التصانيف الكثيرة، والكتب الجمة، ولد ببغداد، ونشأ بنيسابور، ورحل إلى سائر الأمصار فى طلب العلم، واستوطن سمرقند.

وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم فى الأحكام. روى الحديث عن عبدان، وصدقة بن الفضل، ويحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهوية، وأبى قدامة السرخسى، وهدبة بن خالد، بالموحدة، ومحمد بن بشار، وابن المثنى، وإبراهيم بن المنذر، وغيرهم من أهل خراسان، والعراق، والحجاز، والشام، ومصر. روى عنه ابنه إسماعيل، وأبو على البلخى، وعثمان بن جعفر بن اللبان، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم، وغيرهم.

ثم روى الخطيب، عن محمد بن نصر، قال: ولدت سنة اثنتين ومائتين قبل وقاة الشافعى بسنتين، قال: وكان أبى مروزيًا. ثم روى عن القفال الشاشى، قال: سمعت أبا بكر الصيرفى يقول: لو لم يصنف محمد بن نصر إلا كتاب القسامة لكان من أفقه الناس، فكيف وقد صَنَّف كتبًا سواه. وعن محمد بن عبد الحكم، قال: كان محمد بن نصر عندنا بمصر إمامًا، فكيف بخراسان. وعن أبى بكر أحمد بن إسحاق، قال: ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر، ولقد بلغنى أن زنبورًا قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك. قلت: هذا محمول على دم يسير، بحيث يعفى عنه ولا يبطل الصلاة.

أخبرنى أبو محمد الأنبارى، أخبرنا الحرستانى، أخبرنا أبو الفتح نصر الله، أخبرنا أبو الفتح نصر المقدسى، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد الفراتى، قال: سمعت جدى أبا عمرو الفراتى يقول: سمعت أبا منصور محمد بن أحمد بن حمشاد يقول: سمعت الأستاذ أبا الوليد حسان بن محمد القريشى يقول: سمعت أبا الفضل البلعمى يقول: دخل محمد ابن نصر المروزى، رحمه الله، على إسماعيل بن أحمد والى خراسان، فقام له وبجله وأبلغ فى تعظيمه وإجلاله، فلما خرج

ص: 93

عاتبه أخوه إسحاق بن أحمد على ذلك، فقال له إسماعيل: إنما قمت له إجلالاً لإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن إسماعيل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام، فقال له: قمت لمحمد بن نصر إجلالاً لإخبارى لا جرم، ثبت ملكك، وملك بنيك لإجلالك له، وذهب ملك أخيك إسحاق وملك بنيه لاستخفافه بمحمد بن نصر، فبقى ملك إسماعيل وبنيه أكثر من مائة وعشرين سنة.

وذكر الشيخ أبو إسحاق فى طبقات الفقهاء، عن محمد بن نصر، قال: كتبت الحديث بضعًا وعشرين سنة، وسمعت قولاً ومسائل ولم يكن لى حسن رأى فى الشافعى، فبينا أنا قاعد فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أغفيت، فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأى أبى حنيفة؟ فقال: لا، فقلت: رأى مالك؟ فقال: اكتب ما وافق حديثى، قلت: أكتب رأى الشافعى؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان، وقال: لا تقول رأى الشافعى، ليس بالرأى، بل هو رد على من خالف سنتى، قال: فخرجت فى أثر هذه الرؤيا إلى مصر، وكتبت كتب الشافعى.

توفى محمد بن نصر، رحمه الله، بسمرقند سنة أربع وتسعين ومائتين، وكانت لحيته بيضاء، وكان من أحسن الناس صورة، وله اختيارات غريبة مخالفة للمذهب، ظهر له دلائلها منها ما حكيته عنه فى الروضة أنه قال: يكفى فى صحة الوصية الإشهاد عليه بأن هذا الكتاب خطى وما فيه وصيتى، وإن لم يعلم الشاهد ما فيه. كذا نقله عنه إمام الحرمين والمتولى. وحكى أبو الحسن العبادى عنه أنه يكفى الكتاب بلا شهادة، والمشهور أنه لابد من الإشهاد، ومعرفة الشاهدين المشهود به، والله أعلم.

27 -

محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ:

مذكور فى المختصر فى باب الساعات التى نهى عن الصلاة فيها. وفى المهذب فى خيار الشرط، وفى الحجر. هو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن حبان، بفتح الحاء باتفاق العلماء، ابن منقذ بن عمرو، ويقال: عطية بدل عمرو بن خنساء، بفتح الخاء المعجمة ثم نون ساكنة، ابن مبذول، بالذال المعجمة، ابن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصارى النجارى، بالجيم، المازنى المدنى.

تابعى

ص: 94