المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل فى خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأحكام وغيرها - تهذيب الأسماء واللغات - جـ ١

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[القسم الأول: في الأسماء]

- ‌فصلاعلم أن لمعرفة أسماء الرجال، وأحوالهم، وأقوالهم، ومراتبهم، فوائد كثيرة

- ‌فصل: يتعلق بالتسمية والأسماء والكنى والألقاب

- ‌فصل فى حقيقة الصحابى والتابعى وبيان فضلهم

- ‌فصل ابتداء التاريخ

- ‌الترجمة النبوية الشريفة

- ‌فصل فى صفته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى أبناءه وبناته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى أزواجه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى مواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى خدمه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى كُتَّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى رُسُلِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى مؤذنيه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى حجه وعمرته وغزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى أخلاقه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى أفراس النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فى خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأحكام وغيرها

- ‌إمامنا، رضى الله عنه

- ‌فصل فى مولد الشافعى، رحمه الله، ووفاته

- ‌فصل فى تلخيص جملة من أحوال الشافعى

- ‌فصل فى نوادر من حكم الشافعى، رضى الله عنه، وجزيل كلامه

- ‌فصل فى أحرف من المنقولات من سخائه

- ‌فصل فى شهادة أئمة الإسلام المتقدمين فمن بعدهم للشافعى بالتقدم فى العلم

- ‌فصل فيمن روى الشافعى عنهم

- ‌فصل فى منثور من أحوال الشافعى، رحمه الله

- ‌فصل فى الإشارة إلى بعض شيوخه

- ‌فصل فى اسم صحيح البخارى، وتعريف محله

- ‌حرف الألف

- ‌باب من اسمه آدم

- ‌باب أبان

- ‌باب إبراهيم

- ‌باب إبليس

- ‌‌‌باب أبيض

- ‌باب أبي

- ‌باب أحمد

- ‌باب أسامة، وإسحاق، وأسلع، وأسلم

- ‌باب إسماعيل

- ‌باب أشيم، وأشعث، وأفلح، والأقرع، وأكيدر

- ‌باب إلياس، وامرؤ القيس، وأمية

- ‌باب أنجشة، وأنس، وأنيس

- ‌باب أوس

- ‌باب إياس، وأيمن، وأيوب

- ‌حرف الباء الموحدة

- ‌باب البراء، وبريدة، وبشر، وبشير

- ‌باب بكير، وبلال، وبهز

- ‌حرف التاء المثناة فوق

- ‌حرف الثاء المثلثة

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء المهملة

- ‌حرف الخاء المعجمة

- ‌حرف الدال المهملة

- ‌حرف الذال المعجمة

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين

- ‌باب سعد

- ‌باب سعيد

- ‌باب سفيان وسفينة

- ‌باب سلمان

- ‌باب سلمة وسليم

- ‌باب سُليم

- ‌باب سليمان

- ‌باب سمرة وسنين

- ‌باب سهل

- ‌باب سهيل

- ‌باب سويد وسيف

- ‌حرف الشين المعجمة

- ‌حرف الصاد المهملة

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء المهملة

- ‌حرف العين المهملة

- ‌باب عبد الحق، وعبد الحميد، وعبد خير، وعبد الدايم

- ‌باب عبد الرحمن

- ‌باب عبد العزيز، وعبد الكريم، وعبد المجيد

- ‌باب عبد، وعبيد، وعبيد الله وعبيدة بفتح العين، وعبيدة بالضم

- ‌باب العين والتاء المثناة فوق

- ‌باب العين والثاء المثلثة

- ‌باب عجلان، وعدي، وعرابة

- ‌باب عصام، وعطاء، وعطية

- ‌باب العين والقاف

- ‌باب العين والكاف

- ‌باب العين واللام

الفصل: ‌فصل فى خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأحكام وغيرها

بعده صلى الله عليه وسلم حتى كبرت وذهبت أسنانها، وكان يحش لها الشعير، وماتت بينبع. وروينا فى تاريخ دمشق من طرق أنها بقيت حتى قاتل عليها على بن أبى طالب، رضى الله عنه، فى خلافته الخوارج. وكان له صلى الله عليه وسلم ناقته العضباء، ويقال لها أيضًا: الجدعاء، والقصواء، هكذا روينا عن محمد بن إبراهيم التيمى، أن هذه الأسماء الثلاثة لناقة واحدة، وكذا قاله غيره، وقيل: هن ثلاث.

وكان له حمار يقال له: عُفير، بضم العين المهملة وفتح الفاء، وذكره القاضى عياض بالغين المعجمة، واتفقوا على تغليطه فى ذلك. مات عفير فى حجة الوداع، وكان له وقت عشرون لقحة، ومائة شاة، وثلاثة أرماح، وثلاثة أفراس، وستة أسياف منها ذو الفقار، تنفله يوم بدر، وهو الذى رأى فيه الرؤيا يوم أُحُد، ودرعان، وترس، وخاتم، وقدح غليظ من خشب، وراية سوداء مربعة من نمرة، ولواء أبيض، وروى أسود.

واعلم أن أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيره وما أكرمه الله تعالى به، وما أفاضه على العالمين من آثاره صلى الله عليه وسلم غير محصورة، ولا يمكن استقصاؤها، لاسيما فى هذا الكتاب الموضوع للإشارة إلى نبذ من عيون الأسماء، وما يتعلق بها، وفيما ذكرته تنبيه على ما تركته، ولأن مقصودى تشريف الكتاب بتصدير بعض أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أوله، وقد حصل ذلك ولله الحمد، وكيف لا يشرف كتاب صدر بأحوال الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، والحبيب المجتبى، خيرة العالم، وخاتم النبيين، وإمام المتقين، وسيد المرسلين، هادى الأمة، ونبى الرحمة صلى الله عليه وسلم، وزاده فضلاً وشرفًا لديه، والحمد لله رب العالمين.

‌فصل فى خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأحكام وغيرها

وهذا فصل نفيس، وعادة

ص: 37

أصحابنا يذكرونه فى أول كتاب النكاح؛ لأن خصائصه صلى الله عليه وسلم فى النكاح أكثر من غيرها، وقد جمعتها فى الروضة مستقصًا ولله الحمد، وهذا الكتاب لا يحتمل بسطها، فأشير فيه إلى مقاصدها مختصرة إن شاء الله تعالى. قال أصحابنا: خصائصه صلى الله عليه وسلم أربعة أضرب:

الأول: ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الواجبات: قالوا: والحكمة فيه زيادة الزلفى والدرجات العلى، فلم يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض عليهم، كما صرح به الحديث الصحيح، ونقل إمام الحرمين عن بعض أصحابنا أن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل بسبعين درجة، واستأنسوا فيه بحديث، فمن هذا الضرب صلاة الضحى، ومنه الأضحية، والوتر، والتهجد، والسواد، والمشاورة.

والصحيح عند أصحابنا أنها واجبات عليه، وقيل: سُنن، والأصح عند أصحابنا أن الوتر غير التهجد، والصحيح أن التهجد نسخ وجوبه فى حقه صلى الله عليه وسلم، كما نسخ فى حق الأمة، وهذا هو المنصوص للشافعى، رحمه الله. قال تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [الإسراء: 79] ، وفى صحيح مسلم عن عائشة ما يدل عليه.

ومنه وجوب مصابرته العدو، وإن كثروا وزادوا على الضعف. ومنه قضاء دين من مات وعليه دين، لم يخلف وفاء، وقيل: كان يقضيه تكرمًا لا وجوبًا، والأصح عند أصحابنا أنه كان واجبًا. وقيل: يجب عليه صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئًا يعجبه أن يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة، ومن هذا الضرب فى النكاح أنه أوجب عليه تخيير نسائه بين مفارقته واختياره.

وقال بعض أصحابنا: كان هذا التخيير مستحبًا، والصحيح وجوبه، فلما خيرهن اخترنه والدار الآخرة، فحرم عليه التزوج عليهن والتبدل بهن مكافأة لهن على حسن صنيعهن، قال الله تعالى:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] ، ثم نسخ لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بترك التزوج عليهن، فقال تعالى:{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَاّتِى آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] الآية. واختلف أصحابنا هل حرم طلاقهن بعد الاختيار؟ فالأصح أنه لم يحرم وإنما حرم التبدل، وهو غير مجرد الطلاق.

ص: 38

الضرب الثانى: ما اختص به من المحرمات عليه: ليكون الأجر فى اجتنابه أكثر، وهو قسمان:

أحدهما: فى غير النكاح: فمنه الشعر، والخط، ومنه الزكاة، وفى صدقة التطوع قولان للشافعى، أصحهما أنها كانت محرمة عليه، وأما الأكل متكئًا، وأكل الثوم والبصل والكرات، فكانت مكروهة له غير محرمة فى الأصح. وقال بعض أصحابنا: محرمات، وكان يحرم عليه إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يلقى العدو ويقاتل، وقيل: كان مكروهًا، والصحيح عند أصحابنا تحريمه.

وقال بعض أصحابنا تفريعًا على هذا: إنه كان إذا شرع فى تطوع لزمه إتمامه، وهذا ضعيف، وكان يحرم عليه مد العين إلى ما متع به الناس من زهرة الدنيا، وحرم عليه خائنة الأعين، وهى الإيماء برأس أو يد أو غيرهما إلى مباح من قتل أو ضرب أو نحوها، على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال، وكان لا يصلى أولاً على من مات وعليه دين ولا وفاء له، ويأذن لأصحابه فى الصلاة عليه. واختلف أصحابنا هل كان يحرم عليه الصلاة أم لا؟ ثم نسخ ذلك، وكان يصلى عليه، ويوفى دينه من عنده.

القسم الثانى: فى النكاح: فمنه إمساك من كرهت نكاحه، والصحيح عند أصحابنا تحريمه. وقال بعضهم: كان لا يفارقها تكرمًا. ومنه نكاح الكتابية، والأصح عند أصحابنا أنه كان محرمًا عليه، وبه قال ابن سريج، وأبو سعيد الأصطخرى، والقاضى أبو حامد المروروذى.

وقال أبو إسحاق المروزى: ليس بحرام، ويجرى الوجهان فى التسرى بالأمة الكتابية ونكاح الأمة المسلمة، لكن الأصح فى التسرى بالكتابية الحل، وفى نكاح الأمة المسلمة التحريم، وأما الأمة الكتابية، فقطع الجمهور بأن نكاحها كان محرمًا عليه، وطرد الحناطى الوجهين، وفرع الأصحاب هنا تفريعات لا أراها لاثقة بهذا الكتاب.

الضرب الثالث: التخفيفات والمباحات: وما أبيح له صلى الله عليه وسلم دون غيره نوعان:

أحدهما: لا يتعلق بالنكاح: فمنه الوصال فى الصوم، واصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة من جارية وغيرها، ويقال لذلك المختار: الصفى والصفية، وجمعها

ص: 39

صفايا. ومن خمس الخمس فى الفىء والغنيمة، وأربعة أخماس الفىء، ودخول مكة بلا إحرام، وإباحة القتال فيها ساعة دخلها يوم الفتح، وله أن يقضى بعلمه وفى غيره خلاف، ويحكم لنفسه وولده، ويشهد لنفسه وولده، ويقبل شهادة من يشهد له، ويحيى الموات لنفسه، ولا ينتقض وضوئه بالنوم مضطجعًا. وذكر بعض أصحابنا فى انتقاض وضوئه بلمس المرأة وجهين، والمشهور الانتقاض. وفى إباحة مكثه فى المسجد مع الجنابة وجهان لأصحابنا، قال أبو العباس بن القاص فى التلخيص: يباح، وقال القفال وغيره: لا يباح، وغَلَّط إمام الحرمين وغيره صاحب التلخيص فى الإباحة.

وقد يحتج للإباحة بحديث عطية، عن أبى سعيد، قال النبى صلى الله عليه وسلم:"يا على، لا يحل لأحد يجنب فى هذا المسجد غيرى وغيرك"(1) . قال الترمذى: حديث حسن. وقد يعترض على هذا الحديث بأن عطية ضعيف عند الجمهور، ويجاب بأن الترمذى حكم بأنه حسن، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه. وأبيح له أخذ الطعام والشراب من مالكيهما المحتاج إليهما إذا احتاج هو صلى الله عليه وسلم إليهما، ويجب على صاحبهما البذل له صلى الله عليه وسلم، وصيانة مهجته صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى:{النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] . واعلم أن معظم هذه المباحاة لم يفعلها صلى الله عليه وسلم، وإن كانت مباحة له، والله أعلم.

النوع الثانى: متعلق بالنكاح: فمنه إباحة تسع نسوة، والصحيح جواز الزيادة له صلى الله عليه وسلم. ومنه انعقاد نكاحه بلفظ الهبة على الأصح، والأصح انحصار طلاقه فى الثلاث، وقيل: لا ينحصر، وإذا عقد نكاحه بلفظ الهبة لا يجب مهر بالعقد، ولا بالدخول بخلاف غيره. ومنه انعقاد نكاحه بلا ولى ولا شهود، وفى حال الإحرام على الصحيح فى الجميع، وإذا رغب فى نكاح امرأة خلية لزمها الإجابة على الصحيح، ويحرم على غيره خطبتها. وفى وجوب القسم بين أزواجه وإمائه وجهان.

قال الأصطخرى: لا يجب، فيكون من الخصائص. وقال آخرون: يجب، فليس منها. وبنى الأصحاب أكثر هذه المسائل ونظائرها على أصل عندهم، وهو أن نكاحه صلى الله عليه وسلم هل هو كالنكاح فى حقنا أم كالتسرى؟. وأعتق صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، فقيل: أعتقها وشرط أن ينكحها،

(1) أخرجه الترمذى (5/639، رقم 3727) وقال: حسن غريب. وأبو يعلى (2/311، رقم 1042) ، والبيهقى (7/65، رقم 13181) .

ص: 40

فلزمه الوفاء بخلاف غيره. وقيل: جعل نفس العتق صداقًا، وصح ذلك بخلاف غيره، وقيل: أعتقها بلا عوض، وتزوجها بلا مهر لا فى الحال ولا فيما بعد، وهذا أصح، وذكر الأصحاب فى هذا النوع أشياء كثيرة جدًا حذفتها.

الضرب الرابع: ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الفضائل والإكرام: فمنه أن أزواجه اللائى توفى عنهن محرمات على غيره أبدًا، وفيمن فارقها فى الحياة أوجه أصحها تحريمها، وهو نص الشافعى، رحمه الله، فى أحكام القرآن، وبه قال أبو على بن أبى هريرة؛ لقوله تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، والثانى: يحل، والثالث: يحرم التى دخل بها فقط. فإذا قلنا بالتحريم، ففى أمة يفارقها بوفاة أو غيرها بعد الدخول وجهان. ومنه أن أزواجه أمهات المؤمنين، سواء من توفيت تحته ومن توفى عنها، وذلك فى تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن، وتحريم حقوقهن لا فى النظر والخلوة، وتحريم بناتهن وإخواتهن، فلا يقال: بناتهن أخوات المؤمنين، ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين، ولا إخوتهن وأخواتهن أخوال وخالات المؤمنين.

وقال بعض أصحابنا: يطلق اسم الإخوة على بناتهن، واسم الخؤولة على إخوتهن وأخواتهن، وهذا ظاهر نص الشافعى، رحمه الله، فى مختصر المزنى. وهل كن أمهات المؤمنات؟ فيه وجهان صحابنا، أصحهما: لا، بل هن أمهات المؤمنين دون المؤمنات، وهو المنقول عن عائشة، رضى الله عنها، بناء على المذهب المختار لأهل الأصول أن النساء لا يدخلن فى ضمير الرجال.

وقال البغوى من أصحابنا: ويقال للنبى صلى الله عليه وسلم: أبو المؤمنين والمؤمنات. ونقل الواحدى عن بعض أصحابنا أنه لا يقال ذلك؛ لقوله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] . قال: ونص الشافعى، رضى الله عنه، على جوازه، أى أبوهم فى الحرمة.

قال: ومعنى الآية: ليس أحد من رجالكم ولد صلبه. وفى الحديث الصحيح فى سنن أبى داود وغيره، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"إنما أنا لكم مثل الوالد"(1)، قيل: فى الشفقة، وقيل: فى ألا يستحيوا من سؤالى عما يحتاجون إليه من أمر العورات وغيرها، وقيل: فى ذلك كله وغيره، وقد أوضحت ذلك كله فى كتاب الاستطابة من شرح

(1) أخرجه الشافعى (1/13) ، وابن حبان (4/288، رقم 1440) ، والبيهقى (1/91، رقم 435) .

ص: 41

المهذب.

ومنه تفضيل نسائه صلى الله عليه وسلم على سائر النساء، وجعل ثوابهن وعقابهن ضعفين، وتحريم سؤالهن إلا من وراء حجاب، ويجوز فى غيرهن مشافهة. وأفضل أزواجه خديجة وعائشة. قال أبو سعد المتولى: واختلف أصحابنا أيتهما أفضل. ومنه فى غير النكاح أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وخير الخلائق أجمعين، وأمته أفضل الأمم، وأصحابه خير القرون، وأمته معصومة من الاجتماع على ضلالة، وشريعته مؤبدة وناسخة لجميع الشرائع، وكتابه معجزة محفوظ عن التحريف والتبديل، وهو حجة على الناس بعد وفاته، ومعجزات سائر الأنبياء انقرضت، ونُصر بالرعب مسيرة شهر، وجعلت له الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلت له الغنائم، وأعطى الشفاعة والمقام المحمود، وأرسل إلى الناس كافة، وهو سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع، وأول من يقرع باب الجنة.

وهو أكثر الأنبياء تبعًا، وأُعطى جوامع الكلم، وصفوف أمته فى الصلاة كصفوف الملائكة، وكان لا ينام قلبه، ويرى من وراء ظهره كما يرى من قدامه، ولا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوته، ولا أن يناديه من وراء الحجرات، ولا أن يناديه باسمه فيقول: يا محمد، بل يقول: يا نبى الله، يا رسول الله، ويخاطبه المصلى بقوله: السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته، ولو خاطب آدميًا غيره بطلت صلاته، ويلزم المصلى إذا دعاه أن يجيبه وهو فى الصلاة، ولا تبطل صلاته، وكان بوله ودمه يتبرك بهما، وكان شعره طاهرًا، وإن حكمنا بنجاسة شعر الأمة، واختلف أصحابنا فى طهارة دمه وبوله وسائر الفضلات، وكانت الهدية حلالاً له بخلاف غيره من ولاة الأمور، فلا تحل له هدية رعاياهم على تفصيل مشهور، ولا يجوز الجنون على الأنبياء، ويجوز عليهم الإغماء؛ لأنه مرض بخلاف الجنون، واختلفوا فى جواز الاحتلام، والأشهر امتناعه.

وفاته صلى الله عليه وسلم ركعتان بعد الظهر فقضاهما بعد العصر، وواظب عليهما بعد العصر، وفى اختصاصه بهذه الملازمة والمداومة وجهان لأصحابنا أصحهما وأشهرهما الاختصاص. وقال صلى الله عليه وسلم:"لا تسموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى"(1) ، وفى جواز التكنى بأبى القاسم خلاف

(1) أخرجه ابن سعد (1/107) .

ص: 42

أوضحته فى الروضة، وفى كتاب الأذكار. وقال صلى الله عليه وسلم:"كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سببى ونسبى"(1)، قيل: معناه أن أمته ينسبون إليه يوم القيامة، وأمم سائر الأنبياء لا تنسب إليهم، وقيل: يُنتفع يومئذ بالانتساب إليه ولا يُنتفع بسائر الأنساب. قال أصحابنا: ومن أستهان أو زنى بحضرته كفر، كذا قالوه، وفى الزنا نظر.

قال ابن القاص، والقفال، والمروزى: ومن الخصائص أنه صلى الله عليه وسلم يؤخذ عن الدنيا عند تلقى الوحى، ولا يسقط عنه الصلاة ولا غيرها. ومنه أن من رآه فى المنام فقد رآه حقًا، فإن الشيطان لا يتمثل بصورته، ولكن لا يعمل بما يسمعه الراءى منه فى المنام فيما يتعلق بالأحكام إن خالف ما استقر فى الشرع؛ لعدم ضبط الرائى، لا للشك فى الرؤية؛ لأن الخبر لا يُقبل إلا من ضابط مطلف، والنائم بخلافه. ومنها أن الأرض لا تأكل لحوم الأنبياء للحديث المشهور.

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "إن كذبًا علىَّ ليس ككذب على أحد"(2)

) ، قال أصحابنا وغيرهم: فتعمد الكذب عليه من الكبائر، فإن استحله المتعمد كفر، وإلا فهو كسائر الكبائر لا يكفر بها. وقال الشيخ أبو محمد الجوينى والد إمام الحرمين: يكفر بذلك، والصواب الأول، وبه قطع الجمهور، والله أعلم.

واعلم أن هذا الضرب لا ينحصر، ولكن نبهنا بما ذكرناه على ما سواه، ولنختم الفصل بكلامين:

أحدهما: قال إمام الحرمين: قال المحققون: ذكر الخلاف فى مسائل الخصائص خبط لا فائدة فيه، فإنه لا يتعلق به حكم ناجز تمس الحاجة إليه، وإنما يجرى الخلاف فيما لا نجد بُدًا من إثبات حكم فيه، فإن الأقيسة لا مجال لها، والأحكام الخاصة تتبع فيها النصوص، وما لا نص فيه فالخلاف فيه هجوم على الغيب من غير فائدة.

الكلام الثانى: قال الصيمرى: منع أبو على بن خيران الكلام فى الخصائص؛ لأنه أمر انقضى. قال: وقال سائر أصحابنا: لا بأس به، وهو الصحيح؛ لما فيه من زيادة العلم، هذا كلام الأصحاب، والصواب الجزم بجواز ذلك، بل باستحبابه، ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيدًا إن لم يمنع منه إجماع؛ لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتًا فى الصحيح فعمل به أخذًا بأصل التأسى، فوجب بيانها

(1) حديث ابن عباس: أخرجه الطبرانى (11/243، رقم 11621) .

حديث عمر: أخرجه الطبرانى فى الأوسط (5/376، رقم 5606) ، والبيهقى (7/64، رقم 13172) ، والضياء (1/197، رقم 101)، وقال: إسناده حسن. وأخرجه أيضًا: الطبرانى= = (3/45، رقم 2634) ، وأبو نعيم (7/314)، وقال: غريب. والديلمى (3/255، رقم 4755) .

حديث المسور: أخرجه الطبرانى (20/27، رقم 33) .

(2)

حديث المغيرة بن شعبة: أخرجه أحمد (4/245، رقم 18165) ، والبخارى (1/434، رقم 1229) ، ومسلم (1/10، رقم 4) .

حديث سعيد بن زيد: أخرجه البزار (4/100، رقم 1276) وأبو يعلى (2/257، رقم 966) قال الهيثمى (1/143) : رواه البزار، وأبو يعلى، وله عندهما إسنادان أحدهما رجاله موثقون. والبغوى (3/64، رقم 965) ، والضياء (3/286، رقم 1087) .

ص: 43