المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة) - جمهرة مقالات أحمد شاكر - جـ ٢

[أحمد شاكر]

فهرس الكتاب

- ‌مَسائلُ عِلْمِيَّةٌ

- ‌في لسان العرب

- ‌تعريب الأعلام2

- ‌من بدع القبور

- ‌موقعة الجمل

- ‌تعليق على كلام عبد الرحمن الوكيل على بدعة المحمل

- ‌فوائد شتى

- ‌العمل بالحديث الصحيح

- ‌الفقه في الدين والاجتهاد

- ‌السؤال عما لم يقع

- ‌معنى حديث: (إن الله خلق آدم على صورته)

- ‌نشوء علم الفلسفة

- ‌كتاب المهذب للذهبي

- ‌كتاب الجمع بين الصحيحين

- ‌فصل

- ‌سبب القول والفتيا بما يخالف القرآن أو السنة

- ‌الجعاظرة الجوّاظون

- ‌القول الفصل في مسَّ المرأة وعدم نقضه للوضوء

- ‌(باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة)

- ‌ولاية المرأة القضاء

- ‌ولاية المرأة القضاء - مَرَّةً أخرى

- ‌(هل تقوم في مصر حكومة دينية؟ )(وهل الحكومة القائمة تطبق المبادئ الشرعية

- ‌(حقوق المرأة أمام القضاء)

- ‌الرقص والطيب للنساء

- ‌في تعليم النساء وصلاتهن في المساجد

- ‌نظامُ الطَّلاق في الإسلامِ

- ‌نظام الطلاق في الإسلام (*)[بقية المقال المنشور في العدد السابق]

- ‌تراجم وأعلام

- ‌أستاذنا الإمام حجة الإسلام السيد محمد رشيد رضا

- ‌محمد شاكر

- ‌نابغة الشباب الأستاذ رياض محمود مفتاح

- ‌مناسبات

- ‌استقبال شهر رمضان

- ‌تحية المؤتمر العربي في قضية فلسطين

- ‌بمناسبة الإشراف على مجلة (الهدي النبوي)

- ‌لا علاج لأدواء المسلمين إلا أن يكونوا مسلمين

- ‌في الإسراء والمعراج

- ‌أهم تعقبات الشيخ أحمد محمد شاكر على دائرة المعارف

- ‌المادة: أسامة بن زيد بن حارثة

- ‌المادة: استحسان

- ‌المادة: استسقاء

- ‌المادة: استصحاب

- ‌المادة: إسماعيل

- ‌المادة: الأشعث

- ‌المادة: أضحى

- ‌المادة: اقتباس

- ‌المادة: إقرار

- ‌المادة: الله

- ‌المادة: إمام

- ‌المادة: أمة

- ‌المادة: أمة

- ‌المادة: أم الولد

- ‌المادة: أم الولد

- ‌المادة: أم الولد

- ‌المادة: أم الولد

- ‌المادة: أم الولد

- ‌المادة: أمي

- ‌المادة: إنجيل

- ‌المادة: أنس بن مالك

- ‌المادة: الأنصار

- ‌المادة: أهل البيت

- ‌المادة: أهل الحديث

- ‌المادة: أهل الحق

- ‌المادة: أهل الصُّفة

- ‌‌‌المادة: بحيرا

- ‌المادة: بحيرا

- ‌المادة: براق

- ‌المادة: برزخ

- ‌المادة: برصيصا

- ‌المادة: برنك سَبِل

- ‌المادة: بُسر

- ‌المادة: بسملة

- ‌المادة: بعل

- ‌المادة: البغوي

- ‌المادة: البغوي

- ‌المادة: بئر معونة

- ‌المادة: البيهقي

- ‌المادة: تابع

- ‌المادة: تأويل

- ‌المادة: التجارة

- ‌المادة: التجارة

- ‌‌‌المادة: الترمذي

- ‌المادة: الترمذي

- ‌المادة: تسنيم

- ‌المادة: التشريق

- ‌المادة: التشريق

- ‌‌‌المادة: التقليد

- ‌المادة: التقليد

- ‌المادة: التقليد

- ‌المادة: التقليد

- ‌المادة: التقية

- ‌المادة: التلبية

- ‌المادة: تميم الداري

- ‌المادة: الجاهلية

- ‌المادة: جبريل

- ‌المادة: الجمرة

- ‌المادة: الجمعة

- ‌المادة: الجن

- ‌المادة: الجنة

- ‌المادة: الجهاد

- ‌المادة: جهنم

- ‌المادة: الحديبية

- ‌المادة: الحديث

- ‌المادة: الحسن بن علي

- ‌المادة: الحسن بن علي بن أبي طالب

- ‌المادة: الحسين بن علي

- ‌المادة: حفصة

- ‌المادة: حمزة بن عبد المطلب

- ‌المادة: خديجة

- ‌المادة: الخطبة

- ‌المادة: الزهري

- ‌المادة: تعليق

- ‌المادة: سروال

- ‌المادة: السعي

الفصل: ‌(باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة)

‌القول الفصل في مسَّ المرأة وعدم نقضه للوضوء

(*)

يقوم الأستاذ الشيخ أحمد محمَّد شاكر الآن بخدمة جامع الترمذي خدمة جليلة، بمراجعته على عدة نسخ خطية، وضبط أحاديثه، والكلام على أسانيدها ورجالها، وبيان مزال أقدام بعض المتقدمين في تلك الأسانيد والرجال، بما تطمئن إليه نفس طالب العلم، ويسر به مبتغي الدين الصحيح. وقد تولت المطبعة الحلبية لأصحابها أولاد المرحوم السيد مصطفى الحلبي طبع ذلك على ورق جيد وبحرف جميل.

وإني لمتصل بالأخ الشيخ أحمد اتصالًا جسميًّا وروحيًّا بأواصرَ أهمها وأقواها: الحبُّ في الله، والرغبة في خدمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتعاون على ذلك ونتساعد عليه أبدًا، وكم له من بحوث موفقة غاية التوفيق والسداد في كتابته على الترمذي وغيره.

فما راقني جدًّا وأحببت أن أتعجل النفع به لإخواني قراء "الهدي النبوي" بحث نقض الوضوء من مس المرأة، الذي كثر القول فيه، واشتد حرج كثير من الناس به، وهو تعليق على قول الترمذي:

(باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة)

حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان

(*) مجلة الهدي النبوي، السنة الأولى، العدد السادس، رمضان 1356 هـ.

ص: 575

وأبو عمار قالوا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبَّل بعضَ نسائِه، ثُمَّ خرَج إلى الصلاةِ ولم يَتَوَضَّأْ". قال: قلت: من هي إلَّا أنت؟ فضحكت.

قال الأستاذ: رواه أبو داود (1، 70) عن عثمان بن أبي شيبة، وابن ماجه (1، 93) عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمَّد والطبري في التفسير (5، 67) عن أبي كريب، وأحمد في المسند (6، 210) كلهم عن وكيع عن الأعمش بهذا الإسناد، ورواه الدارقطني (ص 50) من طريق أبي هشام الرفاعي وحاجب بن سليمان ويوسف بن موسى، كلهم عن وكيع عن الأعمش، ورواه الطبري عن إسماعيل بن موسى السدي عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش، ورواه الدارقطني (ص 51) من طريق إسماعيل بن موسى أيضًا، ورواه كذلك من طريق محمَّد بن الحجاج عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش، ورواه (ص 50) من طريق علي بن هاشم وأبي يحيى الحماني عن الأعمش. وكل هذه الروايات لم يذكر فيها نسب عروة: إلَّا في رواية أحمد وابن ماجه؛ فإن فيهما "عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير" وهذا حديث صحيح لا علة له، وقد علله بعضهم بما لا يطعن في صحته، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.

قال الترمذي: وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، قالوا: ليس في القبلة وضوء.

ص: 576

وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: في القبلة وضوء. وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين.

وإنما ترك أصحابنا - أي أهل الحديث - حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؛ لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد.

قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: ضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث جدًّا، وقال: هو شبه لا شيء.

قال الأستاذ - روى الدارقطني (ص 51) عن أبي بكر النيسابوري عن عبد الرحمن بن بشر قال: "سمعت يحيى بن سعيد يقول - وذكر له حديث الأعمش عن حبيب عن عروة - فقال: أما إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا، زعم أن حبيبًا لم يسمع من عروة شيئًا". ثم روى عن محمَّد بن مخلد عن صالح بن أحمد عن علي بن المديني قال: "سمعت يحيى - وذكر عنده حديثا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة: تصلي وإن قطر الدم على الحصير. وفي القُبلة - قال يحيى: احك عني أنهما شبه لا شيء". وقال أبو داود في السنن: قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين - يعني حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة - قال يحيى: احك عني أنهما شبه لا شيء".

ص: 577

قال الترمذي: وسمعت محمَّد بن إسماعيل يُضَعِّف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة.

قال الأستاذ: قال أبو داود: "وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني". يعني لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء، قال أبو داود "وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثًا صحيحًا" والحديث الذي يشير إليه أبو داود رواه الترمذي في الدعوات (2، 261 طبعة بولاق، و 2، 186 طبعة الهند) وقال: "هذا حديث حسن غريب". قال: سمعت محمدًا يقول: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئًا".

وهذا يدل أولًا على أن عروة في هذا الإسناد هو عروة بن الزبير، كما صرح بذلك في رواية أحمد وابن ماجه، خلافًا لمن وَهِمَ فزعم أن عروة هنا هو عروة المزني؛ لما روى أبو داود من طريق عبد الرحمن بن مغراء، قال "ثنا الأعمش قال: ثنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة بهذا الحديث". وهذا ضعيف؛ لأن عبد الرحمن بن مغراء وإن كان من أهل الصدق إلَّا أن فيه ضعفًا، وقد أنكر عليه ابن المديني أحاديث يرويها عن الأعمش لا يتابعه عليها الثقات. وقال الحاكم أبو أحمد: "حدث بأحاديث لا يتابع عليها". وقد خالفه في روايته هنا الثقات من أصحاب الأعمش الحفاظ كما بينا في أسانيد الحديث.

ويدل كلام أبي داود ثانيًا على أنه يرى صحة رواية حبيب عن

ص: 578

عروة، ويؤيده أن حبيب بن أبي ثابت لم يعرف بالتدليس، بل هو ثقة حجة، وقد أدرك كثيرًا من الصحابة وسمع منهم، كابن عمر وابن عباس وأنس، وابن عمر مات سنة 74 وابن عباس سنة 68، وهما أقدم وفاة من عروة فقد توفي بعد التسعين، وحبيب مات سنة 119، وعمره 73 سنة أو أكثر.

وقال الزيلعي في نصب الراية (1، 38): "وقد مال أبو عمر بن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث، فقال: صححه الكوفيون، وثبتوه لرواية الثقات من أئمة الحديث له، وحبيب لا ينكر لقاؤه عروة؛ لروايته عمن هو أكبر من عروة وأقدم موتًا. وقال في موضع آخر: لا شك أنه أدرك عروة". انتهى.

وإنما صرح من صرح من العلماء بأنه لم يسمع هذا الحديث عن عروة، تقليدًا لسفيان الثوري، وموافقة للبخاري في مذهبه.

وقد تبين مما مضى أن سفيان أرسل الكلمة إرسالًا من غير دليل يؤيدها، وأن أبا داود خالفه وأثبت صحة رواية حبيب عن عروة، والبخاري شرطه في الرواية معروف، وهو شرط شديد خالفه فيه أكثر أهل العلم.

ومع كل هذا فإن حبيبًا لم ينفرد برواية هذا الحديث، وقد تابعه عليه هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير، فروى الدارقطني (ص 50): "حدثنا أبو بكر النيسابوري نا حاجب بن سليمان نا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض

ص: 579

نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، ثم ضحكت". قال الدارقطني:"تفرد به حاجب عن وكيع، ووهم فيه، والصواب عن وكيع بهذا الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم. وحاجب لم يكن له كتاب، إنما كان يحدث من حفظه" وهذا إسناد صحيح لا مطعن فيه؛ فإن النيسابوري إمام مشهور، وحاجب بن سليمان المنبجي (بفتح الميم وإسكان النون وكسر الباء الموحدة) ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه النسائي وقال:(ثقة). ولم يطعن فيه أحد من الأئمة إلا كلمة الدارقطني هذه؛ وهو تحكم منه بلا دليل، وحكم على الراوي بالخطأ من غير حجة؛ فإن المعنيين مختلفان: بعض الرواة روى في قبلة الصائم، وبعضهم روى في قبلة المتوضئ؛ فهما حديثان لا يعلل أحدهما بالآخر.

وقد تابع أبو أويس وكيعًا على روايته عن هشام عن أبيه، فروى الدارقطني عن الحسين بن إسماعيل عن علي بن عبد العزيز الوراق:"نا عاصم بن علي نا أبو أويس حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها بلغها قولُ ابن عمر: "في القبلة الوضوء". فقالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبَّل وهو صائم ثم لا يتوضأ". ثم علله الدارقطني بعلة غريبة فقال: لا أعلم حدث به عن عاصم بن علي هكذا غير علي ابن عبد العزيز!

أما علي بن عبد العزيز فهو الحافظ أبو الحسن البغوي شيخ الحرم ومصنف المسند عاش بضعًا وتسعين سنة، ومات سنة 286 وهو ثقة حجة، وقال الدارقطني:(ثقة مأمون). وانظر تذكرة

ص: 580

الحفاظ (2، 178) ومثل هذا يقبل منه ما ينفرد بروايته، بل ينظر فيما يخالفه فيه غيره من الثقات فلعله يكون أحفظ منهم وأرجح رواية. وأما عاصم بن علي بن عاصم الواسطي، فإنه شيخ البخاري، قال أحمد:"ما أصح حديثه عن شعبة والمسعودي". وقال المروزي: قلت لأحمد: إن يحيى بن معين يقول: "كل عاصم في الدنيا ضعيف". قال: "ما أعلم في عاصم بن علي إلَّا خيرًا، كان حديثه صحيحًا". انظر مقدمة الفتح (ص 410 طبعة بولاق)، وقال الذهبي في الميزان:"هو كما قال فيه المتعنت أبو حاتم: صدوق". وقال أيضًا: "كان من أئمة السنة، قوالًا بالحق، احتج به البخاري". ومات عاصم هذا سنة 221 وكان في عشرة التسعين.

وأما أبو أويس فهو عبد الله بن عبد الله بن أويس، وهو ابن عم مالك بن أنس وزوج أخته، وكان ثقة صدوقًا، في حفظه شيء. قال ابن عبد البر:"لا يحكي عنه أحد جرحه في دينه وأمانته، وإنما عابوه بسوء حفظه، وأنه يخالف في بعض حديثه". وهو هنا لم يخالف أحدًا، وإنما وافق وكيعًا في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه؛ فرواه عنه مثله، ووافقه أيضًا في أن الحديث عن عروة: وكيع عن حبيب بن أبي ثابت.

وقد جاء الحديث بإسناد آخر صحيح عن عائشة؛ قال ابن التركماني في الجوهر النقي (1، 125) "قال أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن صبيح حدثنا محمَّد بن موسى

ص: 581

ابن أعين حدثنا أبي عن عبد الكريم الجزري عن عطاء عن عائشة؛ أنه عليه السلام كان يقبِّل بعض نسائه ولا يتوضأ. وعبد الكريم روى عنه مالك في الموطأ، وأخرج له الشيخان وغيرهما، ووثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم. وموسى بن أعين مشهور، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم، وأخرج له مسلم، وابنه مشهور، روى له البخاري. وإسماعيل روى عنه النسائي، ووثقه أبو عوانة الإسفرائيني، وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه، وذكره ابن حبان في الثقات. وأخرج الدارقطني هذا الحديث من وجه آخر عن عبد الكريم، وقال عبد الحق - بعد ذكره لهذا الحديث من جهة البزار -: لا أعلم له علة توجب تركه، ولا أعلم فيه مع ما تقدم أكثر من قول ابن معين: حديث عبد الكريم عن عطاء حديث رديء؛ لأنه غير محفوظ، وانفراد الثقة بالحديث لا يضره". وانظر نصب الراية للزيلعي (1، 38) فقد نقل هذا الكلام كله نصًّا، وهذا هو التحقيق الصحيح في تعليل الأحاديث من غير عصبية لمذهب ولا تقليد لأحد.

وقد جاءت متابعات أخرى وشواهد لهذا الحديث بعضها صحيح، وبعضها يقارب الصحيح، وأكثرها لا مطعن فيه إلَّا احتمال الخطأ من بعض الرواة، أو ادعاءه عليهم، وتضافرهم على الرواية يرفع الاحتمال، وينقض الادعاء، وانظرها في الدارقطني (ص 49 - 52) ونصب الراية (1، 37 - 39) ومن أحسنها ما رواه أحمد في المسند (6، 62): "ثنا محمَّد بن فضيل ثنا الحجاج عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ

ص: 582

ثم يقبل، ويصلي ولا يتوضأ". ورواه ابن ماجه (1، 94) عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن محمَّد بن فضيل، ورواه الدارقطني من طريق عباد بن العوام عن حجاج بإسناده، ورواه الطبري في التفسير (5، 67) عن أبي كريب عن حفص بن غياث عن حجاج عن عمرو عن زينب مرفوعًا، ولم يذكر فيه عائشة، والراوي قد يرسل الحديث وقد يصله، وإسناد أحمد وابن ماجه والدارقطني إسناد حسن، وقد أعله أبو حاتم وأبو زرعة؛ بأن "الحجاج يدلس في حديثه عن الضعفاء، ولا يحتج بحديثه" نقله ابن أبي حاتم في العلل (رقم 109)، وأعله الدارقطني؛ بأن "زينب هذه مجهولة، ولا تقوم بها حجة".

أما الحجاج بن أرطاة فإنه عندنا ثقة، ولا نطرح من حديثه إلا ما ثبت أنه دلسه أو أخطأ فيه، ومع هذا فإنه لم ينفرد به عن عمرو بن شعيب؛ فإن الدارقطني رواه بنحوه من طريق الأوزاعي "نا عمرو بن شعيب".

وأما زينب السهمية فهي زينب بنت محمَّد بن عبد الله بن عمرو ابن العاص، تفرد عنها ابن أخيها عمرو بن شعيب، وليس هذا بطارح روايتها بتة، فقد قال الذهبي في آخر الميزان:(فصل في النسوة المجهولات، وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها). كأنه يذهب إلى أن الجهالة بهن تجعلهن من المستورات المقبولات، إذا روى عنهن ثقة.

وهذا الإسناد بكل حال ليس أصل الباب، ولكنه شاهد جيد، أو متابعة حسنة لحديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة.

ص: 583

قال الترمذي: وقد روى عن إبراهيم التيمي عن عائشة؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ". وهذا لا يصح أيضًا، ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعًا من عائشة.

قال الأستاذ: حديث إبراهيم التيمي عن عائشة رواه أحمد (6، 210) وأبو داود (1، 69) والنسائي (1، 39) والدارقطني (ص 51) كلهم من طريق الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة.

قال أبو داود: "هو مرسل، وإبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئًا". وقال النسائي: "ليس في هذا الباب أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلًا". وقال الدارقطني: "لم يروه عن إبراهيم التيمي غير أبي روق عطية بن الحرث، ولا نعلم حدث به عنه غير الثوري وأبي حنيفة، واختلف فيه فأسنده الثوري عن عائشة، وأسنده أبو حنيفة عن حفصة، وكلاهما أرسله، وإبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة ولا من حفصة، ولا أدرك زمانهما، وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة فوصل إسناده، واختلف عنه في لفظه فقال عثمان بن أبي شيبة عنه بهذا الإسناد: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم. وقال عنه غير عثمان: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ".

ومن عجب أن الدارقطني بعد هذا وصل الحديث بإسنادين عن الثوري، ثم بإسناد عن أبي حنيفة، ثم وصل رواية عثمان بن أبي شيبة في قبلة الصائم من طريق معاوية عن الثوري، ثم لم بسند الرواية التي

ص: 584

علقها عن (غير عثمان) عن معاوية بن هشام حتى يتبين لنا إسنادها، ولعله يكون إسنادًا صحيحًا إلى معاوية بن هشام! فترك الحديث معلقًا، فلم يمكن الحكم عليه بشيء، وليس هذا من صنيع المنصفين، وقد بحثت عن هذا الإسناد الذي أشار إليه وعلقه فلم أجده.

وأبو روق عطية بن الحرث، قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات. ومعاوية بن هشام الذي نقل الدارقطني أنه وصل الحديث، وثَّقه أبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات. ومن هذا يتبين أن رواية إبراهيم التيمي عن عائشة هنا لها أصل، وليست من الضعيف الذي يعرض عنه.

قال الترمذي: وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء.

قال الأستاذ: أما هذا الباب (باب ترك الوضوء من القبلة) فقد صح فيه شيء، وهو حديث عائشة من الطرق التي وضحناها وصححناها، ومن طرق أخرى أشرنا إليها.

وأما أصل الباب ومرجع الخلاف فهو هل يجب الوضوء من مس المرأة؟ ذهب بعض الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الفقهاء والمحدثين إلى الوجوب، وذهب بعض الصحابة ومن بعدهم إلى عدم الوجوب، وهو الصحيح الراجح.

وأصل الخلاف فيه تفسير اللمس من قوله تعالى في سورة المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ

ص: 585

جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}. [آية 6] ، وكذلك في قوله تعالى في سورة النساء {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [آية 43]. على القراءتين في الآيتين، فقد قرأهما حمزة والكسائي وخلف [لمستم] بغير ألف، وقرأها باقي القراء العشرة [لامستم] بالألف.

قال ابن رشد في بداية المجتهد (1، 29) وسبب اختلافهم في هذه المسألة اشتراك اسم اللمس في كلام العرب: فإن العرب تطلقه مرة على اللمس الذي هو باليد، ومرة تكني به عن الجماع، فذهب قوم إلى أن اللمس الموجب للطهارة في آية الوضوء هو الجماع في قوله تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . وذهب آخرون إلى أنه اللمس باليد.

ثم قال: "وقد احتج من أوجب الوضوء من المس باليد بأن اللمس ينطلق حقيقة على اللمس باليد، وينطلق مجازًا على الجماع، وأنه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز فالأولى أن يحمل على الحقيقة، حتى يدل الدليل على المجاز، ولأولئك أن يقولوا: إن المجاز إذا أكثر استعماله كان أدل على المجاز منه على الحقيقة، كالحال في اسم الغائط الذي هو أدل على الحدث - الذي هو فيه مجاز - منه على المطمئن من الأرض، الذي هو فيه حقيقة. والذي أعتقده أن اللمس وإن كانت دلالته على المعنيين بالسواء أو قريبًا من السواء، أنه أظهر عندي في الجماع وإن كان مجازًا؛ لأن الله قد كنَّى

ص: 586

بالمباشرة والمس عن الجماع، وهما في معنى المس، وعلى هذا التأويل في الآية يحتج بها في إجازة التيمم للجنب دون تقدير تقديم فيها ولا تأخير، على ما سيأتي بعد، وترتفع المعارضة التي بين الآثار والآية على التأويل الآخر - يريد ابن رشد بالآثار هنا حديث عائشة في القبلة - وأما من فهم من الآية اللمسين معًا فضعيف؛ فإن العرب إذا خاطبت بالاسم المشترك إنما تقصد به معنى واحدًا من المعاني التي يدل عليها الاسم، لا جميع المعاني التي يدل عليها، وهذا بين بنفسه في كلامهم".

وهذا الذي قاله ابن رشد تحقيق دقيق، وبحث واضح نفيس؛ فإن سياق الآيتين لا يدل إلَّا على أن المراد المكنى عنه فقط، وكذلك قال الطبري في التفسير بعد حكاية القولين:"وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني الله بقوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}. الجماع دون غيره من معاني اللمس؛ لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قبَّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ".

والقائمون على نصرة القول بأن اللمس ينقض، والتعصب له، والذب عنه، من الفقهاء والمحدثين: هم علماء الشافعية، والشافعي نفسه رضي الله عنه ذهب إلى هذا المذهب وقال به، ولكنه - فيما يبدوا لي من كلامه - يفسر الآية بذلك على شيء من الحذر، وكأنه يتحرج من الجزم به؛ إذ لم يصل إليه حديث صحيح في الباب، فإنه قال في الأم (1، 12) بعد ذكر آية المائدة: "فأشبه أن يكون

ص: 587

أوجب الوضوء من الغائط وأوجبه من الملامسة، وإنما ذكرها موصولة بالغائط بعد ذكر الجنابة، فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد، والقبله غير الجنابة؛ أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن عبد الله عن أبيه قال: قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء. قال الشافعي: وبلغنا عن ابن مسعود قريب من معنى قول ابن عمر".

فهذا التعبير من الشافعي، وهو دقيق العبارة، ولا يلقى الكلام جزافا، ولا يرسل القول إرسالًا، يقول:(فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد). قد نفهم منه الحذر والتردد؛ لأنه لم يجد عنده في الباب حديثًا مرفوعًا صحيحًا، وإنما وجد أثرًا صحيحًا عن ابن عمر، ووجد نحوه عن ابن مسعود، ووجد الآية تحتمل معنى قولهما؛ فاحتاط لذلك وفسر الآية على ما يوافق ما لديه من الأثر عن الصحابة.

ومما يؤيد ما ذهبتُ إليه في معنى كلام الشافعي؛ أن ابن رشد بعد أن نقل حديث حبيب عن عروة عن عائشة [المذكور في هذا الباب] نقل عن ابن عبد البر؛ أنه مال إلى تصحيحه، وأنه قال: وروي هذا الحديث أيضًا من طريق معبد بن نباتة، وقال الشافعي: إن ثبت حديث معبد بن نباتة في القبلة لم أر فيها ولا في اللمس وضوءًا.

وأن الحافظ ابن حجر في التلخيص (ص 44) نقل نحو ذلك عن الشافعي فقال: قال الشافعي: روى معبد بن نباتة عن محمَّد بن عمرو ابن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل ولا يتوضأ. وقال: لا

ص: 588

أعرف حال معبد؛ فإن كان ثقة فالحجة فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذا نقل مشرقي، وقبله نقل مغربي، كلاهما عن الشافعي، أنه لو صح عنده حديث عائشة لذهب إليه ولم يقل بنقض الوضوء من اللمس، وهو يدل على أنه يرى أن تفسير اللمس بما فسره به ليس على سبيل الجزم والقطع، أما نحن وقد أثبتنا صحة الحديث فلا ينبغي لنا أن نتردد في تفسير الآية التفسير الصحيح، أن اللمس كناية عن الجماع، ويجب علينا أن نأخذ بالحديث الصحيح، أن القبلة - وهي أقوى من اللمس المجرد - لا تنقض الوضوء.

وهذا الحافظ البيهقي، وهو ناصر مذهب الشافعي، وهو المتعصب له حقًّا؛ يذكر بعض أسانيد حديث عائشة، ويعللها بما يراه علة لها، ثم يقول: والحديث الصحيح عن عائشة في قبلة الصائم، فحمله الضعفاء من الرواة على ترك الوضوء منها، ولو صح إسناده لقلنا به إن شاء الله تعالى. فهو أيضًا لا يقطع بأن المراد باللمس في الآية المعنى الحقيقي للكلمة؛ لأنه يصرح بأنه لو صح حديث عائشة لقال به، ولو قال به لاضطره ذلك إلى تفسير اللمس بالمعنى المجازي الصحيح في تفسيرها.

(فائدة) ورد في الباب أيضًا حديثان صحيحان:

الأول رواه الشيخان وغيرهما من طريق مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة قالت: "كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، وإذا قام

ص: 589

بسطتهما. قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح". [فتح الباري 1، 413، 485] و (مسلم 1، 145) قال الحافظ ابن حجر: "وقد استدل بقولها غمزني على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، وتعقب باحتمال الحائل، أو بالخصوصية".

ومن البين الواضح أن هذا التعقب لا قيمة له، بل هو باطل؛ لأن الخصوصية لا تثبت إلَّا بدليل صريح، واحتمال الحائل لا يفكر فيه إلَّا متعصب!

الحديث الثاني رواه النسائي (1: 38) من طريق الليث بن سعد عن ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يوتر مَسَّنِي برجله". قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (ص 48): "إسناده صحيح، واستدل به على أن اللمس في الآية الجماع؛ لأنه مسها في الصلاة واستمر". وهذا منه إنصاف بعد التعسف الذي نقلناه عنه.

(فائدة أخرى) حديث معبد بن نباته الذي أشار إليه الشافعي فيما نقله عنه ابن عبد البر وابن حجر، لم أجده بعد طول البحث والتتبع، وكذلك لم أجد ترجمة لمعبد هذا، ولعلنا نوفق إلى ذلك في موضع آخر إن شاء الله.

* * *

ص: 590