الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحية المؤتمر العربي في قضية فلسطين
(*)(1)
يا حماة الحمى، وقادة الإسلام وزعماء المسلمين.
لو كنتُ شاعرًا لنَظَمْتُ في تحية ضيوفنا العظماء الكرام قلائد الدرر، ولو كنتُ خطيبًا لنثرتُ بين أيديهم بدائعَ الزُّهورِ، واعترافي بعجزي أبلغ الأعذار.
وإنما مثلت أمامكم أداء لغرض، وقيامًا بواجب، وكم كنت أتمنى أن يقوم في مقامي هذا والدي الأستاذ الشيخ محمد شاكر وكيل الأزهر سابقًا، وما حبسه عن ذلك إلا المرض، فقد ألزمه الفراش منذ بضع سنين، ولولا هذا لسمعتم صوته يجلجل في أنحاء العالم الإسلامي، انتصارًا للمظلومين، ودفاعًا عن فلسطين.
وإني أتشرف أن أرحب بنواب الأمم الإسلامية وممثليها باسمه واسم إخوانه الذين جاهدوا معه في الصفوف الأولى لهذه النهضة.
وما يكون لي أن أتحدث إليكم في السياسة وأنتم هداتها وأساطينها، ولو بدا لي هذا لأقعدني الخجل والعجز، ولكني أتحدث إليكم بكلمة موجزة في شأن قضية المسلمين من الواجهة العلمية الدينية.
(*) مجلة الهدي النبوي، السنة الثانية، العدد الثامن عشر، رمضان 1357 هـ.
(1)
ألقاها صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل العلامة الشيخ أحمد شاكر القاضي الشرعي في حفلة الشاي التي أقامتها للمؤتمرين جمعية الشبان المسلمين بناديها).
لقد ألقى الإنكليز الحديد والنار على فلسطين، حماية لقضية خاسرة، وانتصارًا لأمة لا تقوم لها قائمة، ولن تكون لها دولة.
كُلُّكُم مسلم أو عربي، والمسلم يؤمن بالله وبرسوله وبالقرآن الذي نزل على رسوله، والمَسيحِيُّ العربي يصدق بنبوة محمد، ويعرف أن البشائر التي في القرآن بشائر صدق، وأن آياته كلها حق.
والله تعالى يقول في شأن هؤلاء اليهود: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} . آل عمران: 112.
ويقول في شأنهم: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64].
ثم الله يحكم عليهم حكمًا أبديًّا {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} [الأعراف: 167، 168].
أيها السادة: هذه صواعق من الله تنصبّ على رؤوس أعدائكم، وعلى رؤوس حملتهم، هذا وعد الله لكم بنصركم عليهم، والله منجز وعده، وحسب أعدائكم عهد بلفور، وهو وقومه واليهود أعجز من أن يفوا بعهده، بل هم أعجز من أن يخلفوه؛ لأن الله هو الذي يتولى إخلافه بأيديكم وأيدي أعدائكم.
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد 35].
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} [آل عمران: 139].
أيها السادة قد أكون أصغر سنًّا من أكثركم، وأظنني أقلكم جميعًا علمًا ومعرفة، ولكني أطمع في تواضعكم إذا قمت في حضرتكم بواجب النصيحة للمسلمين ليكون ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.
إنكم تمثلون أمة الإسلام، أمة واحدة عربية، لا تفرق بينها فوارق الجنسية، فالأعجمي المسلم عربي الدين واللسان، والعربي عربي مسلمًا كان أو مسيحيًّا وسِمة هذه الأمة عند الله العزة {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} . [سورة المنافقون 8]، إنكم تناوؤون أمة قد ضربها الله بالذل والصغار، وضمن لكم النصر عليهم وإن استنصروا بسائر أمم الأرض:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} فلا تعطوهم من أنفسكم ما لا مطمع لهم فيه وإن بلغوا أسباب السماء.
إن هؤلاء الأذلاء كتب الله عليهم الجلاء، فقد أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة وأرباضها، ثم جلاهم الفاروق من الحجاز، ثم سكت عنهم المسلمون، بل حموهم حين رأوهم مضطهدين مستضعفين، فلما عادوا سيرتهم من البغي والعدوان، أعادهم الله سيرتهم من الجلاء، فجلاهم الألمان والطليان عن بلادهم، وستكون عاقبة أمرهم - إن شاء الله - أن يجليهم المسلمون عن كل بلاد الإسلام.
إن أوربة لم تتمكن من دول الإسلام في فترة ضعفهم إلا حين أرهبتهم بغول التعصب، حتى صار كل مسلم يتخاذل عن دينه وعن
شريعته، خشية أن يُتهم بالتعصب، ثم ألقت بينهم بدعة القوميات، لتفتنهم عن وَحْدَتهم وقُوَّتِهم.
وإني ليُلقى في رَوْعي أن سيكون مؤتمركم هذا فاتحة لعشرات من أمثاله، تبنون فيهما حصن الإسلام، وتذودون عن حوضه، حتى تعود هذه الأمة أمة واحدة، كما أمرها الله ولا تخافوا تهمة التعصب التي يريدون أن يصلوا من ورائها إلى ما يسمونه (حقوق الأقليات) فما كان المسلمون يومًا معتدين ولا ظالمين، وإن كلمة (حقوق الأقليات) لها ما بعدها، من تغلغل النفوذ الأجنبي في كل شأن من شؤون المسلمين.
ولقد قال الزعيم الخطير، صاحب المعالي محمد على علوية باشا، بالأمس بالمؤتمر كلمة خالدة أرجو أن تكون على ذكر منا دائما. قال:(وليعلم اليهود أنهم إذا فرحوا اليوم بظفر يستند إلى حراب غيرهم فإنهم سيندمون لا محالة يوم تغيب هذه الحراب عنهم، وأحداث الدهر كثيرة، والفرص آتية لا ريب فيها، ومن أنذر فقد أعذر).
وإني أعتقد أن هذه الكلمة مما يلهم الله بعض عباده؛ فهي عبرة لمن شاء أن يعتبر، وهي نذير لمن أراد أن يتدبر النذر. وأستغفر الله لي ولكم.