الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النجار ص 136 - 137 من الطبعة الثانية). وقد كانت لهذه الأمة لغة قطعًا، وليس هناك دليل على أنها لغة أخرى غير العربية التي بقيت حية نامية متوارثة فيهم إلى عصر النبوة، ثم إلى عصرنا هذا، ثم إلى ما شاء الله، وما يدرينا لعل إبراهيم اقتبس كثيرًا من ألفاظ هذه اللغة إلى لغته حين كان يزور ابنه في مكة، ويبني معه الكعبة المقدسة بأمر ربه، ولعل جوار الأمتين وتواصلهما بالتجارة ونحوها له أثر في انتقال بعض الكلمات من إحدى اللغتين إلى الأخرى، إن لم تكونا معًا من أصل واحد، وإن لم تكن العبرية فرعًا محرفًا من اللغة العربية، ولسنا نرضى أن نجزم في هذا بشيء، ولكنا ندل على تمحل هؤلاء الناس وتحكمهم في النظريات بغير دليل ولا برهان.
المادة: أمة
الجزء: 2/ الصفحة: 632
جاء في دائرة المعارف الإسلامية بعد ذكر إطلاقات كلمة (أمة) في القرآن الكريم:
" .. وفيما عدا هذا يدل لفظ الأمة دائمًا على جماعات كبيرة، أو على الأقل على جماعات تنطوي في غيرها أكبر منها".
تعليق أحمد شاكر:
ادعى الكاتب أن كلمة "أمة" التي وردت في آيات القرآن لا يمكن تحديد معناها بالتدقيق، وهذا مما يعذر فيه؛ فإنه يبحث في لغة غير
لغته، ولن يصل إلى تحقيق ألفاظها ومعانيها، وإلَّا فأصل معنى الكلمة محدود، واختلاف المراد بها في الآيات مرجعه إلى القرائن الدالة على المعنى الذي هو داخل في المعنى الأصلي للكلمة، وهاك مثالًا لذلك؛ قول الإمام الراغب الأصفهاني في المفردات ص 21:"الأمة: كل جماعة يجمعهم أمر ما: إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد، سواء أكان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أم اختيارا، وجمعها أمم، وقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38]. أي؛ كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت، وبانية كالسرفة، ومدخرة كالنمل، ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع، وقوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: 213]. أي؛ صنفًا واحدًا وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر". ثم قال: وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120]. أي؛ قائمًا مقام جماعة في عبادة الله، نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة. وروي أنه يحشر زيد بن عمرو بن نفيل أمة واحدة".
قد يستغرب القارئ نقل نص أقوال الراغب؛ إذ إنها تقارب في الجملة ما نقله الكاتب هنا من معاني الكلمة وهذا صحيح، ولكني إنما نقلته لأدل على الفرق بين اللونين من التعبير؛ الراغب: رجل عالم مسلم كبير، فهو يكتب كتابة علمية مبنية على المعروف له من لغة العرب، مما وجده في كتب من سبقه من أئمة اللغة، ومن أقوال
المفسرين وغيرهم، وهم حفظة اللغة والدين، وكاتب هذا المقال: رجل مستشرق، أي؛ أنه يبحث في موضوع متعلق بلغة ليس له إلمام بأسرارها؛ ولذلك فهو يحاول أن يلقي في روع القارئ أن معاني هذه الكلمة في القرآن غير محددة وغير واضحة! !
نحن لا نرغم الكاتب ولا غيره أن يصدق بالإسلام، ولا أن يؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أن يعتقد أن القرآن كتاب من عند الله، ولكنا نستطيع أن نحمله على احترام الحقائق التاريخية، وعلى احترام المنطق الصحيح، بالحجة والبرهان.
لست أظن أنه هو أو غيره بمستطيع ادعاء أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن عربيًّا خالص النسب، وأنه كان في عصر لم تختلط العجمة بألسنة العرب ولغتهم، وأنه كان أفصحهم وأعلمهم باللغة، وقد أتى قومه وهم أساطين البلاغة بهذا الكتاب، وتحداهم بأقصر سورة منه أن يأتوا بمثلها، وخاطبهم بلغتهم التي كانوا بها يفخرون، فآمن منهم من آمن، وكفر من كفر، ولكنا لم نسمع أن واحدًا منهم أنكر عليه شيئًا من لغة القرآن، أو زعم أنه يضطرب في تحديد معنى الكلمات، وأنه خرج عن المعاني المعروفة عندهم للألفاظ المفردة وحدها، أو للألفاظ متحدة مع غيرها في تركيب الجمل، ولو كان شيء من هذا، لكان أهون عليهم أن يردوا به قوله من أن يقولوا:{اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]. وقد قالوا حين سمعوا القرآن يتلى عليهم: