الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق أحمد شاكر:
هذا غلط من الأستاذ المستشرق بروكلمان ويظهر أنه سها عن النقل؛ إذ إن شرح ابن حجر الهيثمي على مشكاة المصابيح مجلد واحد، فقط واسمه (فتح الاله في شرح المشكاة)، وهو مخطوط بدار الكتب المصرية (رقم 354 حديث) ولم يطبع قط فيما نعلم، لا في مصر ولا في غيرها، وأما المطبوع في مصر سنة 1309 في خمسة مجلدات فهو (مرقاة المفاتيح لمشكاة المصابيح) تأليف العلامة ملا علي بن سلطان محمد الهروي القارئ المتوفى بمكة في شوال سنة 1014 هـ (فبراير سنة 1606 م) وهو شرح نفيس معروف، وقد أدرك العلامة بروكلمان غلطه هذا فأصلحه في الملحق الأخير لكتابه في تاريخ آداب العرب الصادر في العام الماضي، وقد أطلعني عليه بعض الإخوان العارفين باللغة الألمانية.
المادة: بئر معونة
الجزء: 4/ الصفحة: 387
جاء في دائرة المعارف الإسلامية:
"والحق أن أمامنا سرية حدثت بالفعل كما يستدل من كِتاب "المغازي"، وكما هو مؤكد من دراسة المصادر دراسة مقارنة. ولم تكن هناك حاجة تتطلب 70 قارئًا لتحفيظ القرآن، بل لا شك في أنه لم يكن في المدينة حينئذ مثل هذا العدد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأحوال لا يرسل سوى قارئ أو اثنين فقط (الأغاني ج 6 ص 19، 9 إلخ)
وقد اخترع المحدثون هذه القضية لتغطية حملة خانها التوفيق ولإثبات كثرة عدد القراء وشدة قدمهم وإصباغ القداسة عليهم
…
وحدثت هذه الوقعة في صفر من العام الرابع للهجرة أو في الشهر الثالث والستين للهجرة بعد وقعة أحد بأربعة عشر شهرًا. ويقال إنه نزلت آية أخرى علاوة على الآية 163 من سورة آل عمران لتهدئة الخواطر الثائرة في المدينة ثم نسيت أو نسخت من القرآن. وهذه الآية نصها: (بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه) ".
تعليق أحمد شاكر:
قصة سرية بئر معونة معروفة في كتب السير والمغازي والتاريخ والحديث. وهي أن رعلًا وذكوان وعصية طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مددًا يقاتلون به قومهم، وادعوا أنهم أسلموا، فأرسل إليهم رسول الله سبعين رجلًا فغدروا بهم وقتلوهم، وأن رسول الله مكث شهرًا يقنت في صلاة الصبح يدعو على رعل وذكوان وعصية الذين عصوا الله ورسوله، وأن الله أنزل في شأنهم قرآنًا يتلى، وأن الآية التي نزلت في شأنهم نسخت تلاوتها.
ومن العجب أن يصور (الأب لامنس) كاتب المقال خيالًا يزعمه: (أن المحدثين اخترعوا قصة القراء لتغطية حملة خانها التوفيق، ولإثبات كثرة عدد القراء وشدة قدمهم وإسباغ القداسة عليهم)، وأن الآية التي نزلت ثم نسخت نزلت (لتهدئة الخواطر الثائرة في المدينة) .. وليس بالمحدثين من حاجة إلى اختراع
الأكاذيب - في زعمه - لتغطية حملة خانها التوفيق، فإن المسلمين كانوا يحاربون المشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وكانوا ينتصرون، كما كان ينتصر عليهم عدوهم في بعض المواقع، فلم يخونوا التاريخ، ولم يخترعوا نصرًا موهومًا، كما نرى في غيرهم من الأمم، بل كانوا صادقي الرواية، مؤدي الأمانة على وجهها، وقد هزموا أو هزم بعضهم في غزوة أحد وفي غزوة حنين، ولم يخفوا ذلك، بل أنزل الله في شأن ذلك قرآنًا يتلى إلى اليوم، فما الحاجة بعد هذا إلى اختراع قصة لستر حملة خانها التوفيق؟ !
وأما ما رضيه قلمه لنفسه مما يقول فيه: (وكانت خطة النبي تقتضيه التدخل في مثل هذه الأمور الدنيوية). وما يريد أن يشير إليه في ذلك، مما يفهمه القارئ النبيه، فليس لنا إلا أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بدين رهبانية، بل جاء بدين لمعاملة الإنسان مع نفسه ومع ربه ومع الخلق، وجاء بدين يحض أتباعه على الجهاد وعلى العزة، وعلى العمل للدنيا وللآخرة، فإن كان هذا لا يرضي الأب لامنس فلسنا نستطيع أن نرضيه.
وأما ما ورد في القصة أن السبعين كانوا من القراء وزعمه أن (لا شك في أنه لم يكن في المدينة حينئذ مثل هذا العدد) فإنه جرى فيه على طريقته وطريقة إخوانه في رد الأحاديث الصحيحة والأخبار المتواترة المتعلقة بالإسلام، وليس قوله في هذا إلّا تعرضًا لما لا يعلم، أو جحدًا لما يعلم ويوقن بصحته.
والمحدثون الذين يرميهم الأب لامنس وغيره باختراع الأحاديث، هم الذين ابتكروا أدق الطرق العلمية العقلية لنقد الأخبار المنقولة، وإثبات الصحيح منها ونفي الباطل، ومن درس آثارهم وعلومهم وفقه ما ارتضوه من ذلك أيقن في نفسه بصحة ما نقول.
ومن إبداع الأب لامنس في الإيهام أن يقول: (وكان النبي في مثل هذه الأحوال لا يرسل سوى قارئ أو اثنين فقط، الأغاني جـ 6، ص 19، 9
…
إلخ). كأنه وضع يده على نص في الأغاني بما يزعم! ! وليس في الأمر شيء من هذا، إنما يريد أن يضع في ذهن قارئ مقاله صحة ما يرمي إليه بأنه أشار إلى مستند عظيم من كتب المسلمين! وهو يعلم أن أكثر قارئيه من الإفرنج ليس بيدهم كتاب الأغاني. وقد رجعنا إلى الموضع الذي أشار إليه في الأغاني فلم نجد شيئًا، بل وجدنا في (جـ 6، ص 89 وما بعدها من طبعة الساسي) وهي توافق (ص 92 وما بعدها من طبعة بولاق) أخبار أبي سفيان بن حرب، وفي أثنائها خبر إرسال النبي صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل ملك الروم. فظننت أن في هذا الموضع خطأ مطبعيًّا في (دائرة المعارف) في الطبعة الإنجليزية فطلبت إلى إخواني مترجميها أن يرجعوا إلى الطبعة الفرنسية منها، فوجدوه فيها (الأغاني جـ 4، ص 19، 9
…
إلخ). فرجعت إلى الجزء الرابع فوجدت فيه (ص 17 - 33) قصة غزوة بدر! ولا أزال أعجب من أمر الأب لامنس في الإشارة إلى هذه المواضع، ولا أدري ماذا يريد أن يستدل به منها؟
وأما القول الذي يشير فيه من أن الآية 163 من سورة آل عمران تشير إلى ذلك فإن الآية المشار إليها هي قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} . وهي الآية 169 من السورة على عد المصحف المطبوع بأمر المغفور له الملك فؤاد الأول، فإن هناك رواية رواها الطبري في تفسيره، أنها نزلت في أهل بئر معونة، والصحيح أنها نزلت في قتلى أحد. وهو القول المعتمد عند أهل العلم.
في قتلى أحد. وهو القول المعتمد عند أهل العلم.
مصادر أخرى للبحث:
تاريخ الطبري (جـ 3، ص 33 - 36 طبعة الحسينية بمصر).
تفسير الطبري (جـ 4، ص 114 - 115 طبعة بولاق).
تاريخ ابن كثير (جـ 4، ص 71 - 74).
تفسير ابن كثير (جـ 2، ص 288 - 294 طبعة المنار بمصر).
سيرة ابن سيد الناس (جـ 2، ص 43 - 48).
سيرة ابن هشام (جـ 3، ص 184 - 191 طبعة التجارية بمصر).
الدر المنثور للسيوطي (جـ 2، ص 94 - 97)
أسباب النزول للسيوطي (ص 54).
فتح الباري شرح البخاري (ج 7، ص 290 - 301 طبعة بولاق).