الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك أنكر أبو إسحاق الزجاج حرفًا من قراءة حمزة في قوله تعالى في سورة الكهف (آية 97): {فَمَا اسْطَاعُوا} . إذا قرأها بتشديد الطاء كما في النشر وغيره من كتب القراءات، قال في لسان العرب (10: 112): "وكان حمزة الزيات يقرأ (فَمَا اسْطَّاعُوا) بإدغام الطاء والجمع بين ساكنين. وقال أبو إسحاق الزجاج: من قرأ بهذه القراءة فهو لاحن مخطئ، زعم ذلك الخليل ويونس وسيبويه وجميع من يقول بقولهم".
ولذلك كله لا نرى علينا بأسًا أن نقول: إن قراءة من قرأ بحذف البسملة بين السور في الوصل قراءة غير صحيحة؛ إذ هي تخالف رسم المصحف فتفقد أهم شرط من شروط صحة القراءة، وأن البسملة آية كل سورة في أولها سوى براءة، على ما ثبت لنا تواترًا صحيحًا قطعيًّا من رسم المصحف.
المادة: بعل
الجزء: 3/ الصفحة: 695
تعليق أحمد شاكر على مادة (بعل):
بنى كاتب هذا المقال بحثه على نقطتين: معنى كلمة "بعل" بمعنى الزوج أو المالك أو السيد، ومعناها على أن تكون اسمًا لصنم معين، أو لامرأة كان قوم إلياس النبي يعبدونها.
وبث في ثنايا مقاله ما اعتاد المستشرقون أن يبثوه في أبحاثهم:
من إرجاع كثير من الكلمات العربية، وخصوصًا ما يتعلق منها بالقرآن والسنة إلى اللغات الأخرى، كالعبرية ونحوها، ومن محاولة إقناع القارئ بأن هذا القرآن إنما أخذ من التوراة والإنجيل، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم درس كتب الأمم السابقة، واصطنع منها هذا الكتاب، حتى ليكادون يخرجون به في نظرهم عن عروبته وفصاحته، اتباعًا لهواهم، وانتصارًا لرأيهم، وتنفيذًا لخطط موضوعة معروفة عنهم.
وقد رددت على إخوان له من قبل - في التعليق على بعض مواد هذه الدائرة - في مادتي "أمة" و"أمي"(في المجلد الثاني ص 631 و 645 - 648) وفي مادة "إنجيل"(في المجلد الثالث ص 18 - 33).
وقد ادعى الكاتب هنا - فيما رجحه - "أن محمدًا قصد ببَعْل: بَعَل، كما سمعها في قصة من قصص التوراة"! !
وهذه دعوى عريضة كبيرة، تحتاج إلى قوائم من فولاذ تقف عليها، ولكنا نراهم بنوها على قوائم من ثلج أو ملح، وأسسوها على شفا جرف هارٍ. وفيما كتبنا فيما مضى الكفاية في نقضها.
ومما يؤسف له حقًّا أن المفسرين نقلت إليهم أخبار من الإسرائيليات عن قوم كان لهم صنم اسمه "البعل" فيما يزعمون، فرأوا أن يذكروها عند تفسير آيات سورة الصافات، التي يقول فيها النبي إلياس لقومه:{أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)} [الصافات: 124، 125]. وليس لهذه الأخبار أصل من الكتاب ولا من السنة، ونقل إليهم أيضًا - مما لا أصل له - أن "بعل" اسم امرأة
كانوا يعبدونها. فذكروا هذين القولين، على أنهما مما نقل في معنى "بعلًا" في الآية! !
وممن صنع ذلك الطبري - إمام المفسرين - ولكنه قال عقب ذلك: "وللبعل في كلام العرب أوجه: يقولون لرب الشيء: هو بعله. يقال: هذا بعل هذه الدار. يعني ربها، ويقولون لزوج المرأة: بعلها. ويقولون لما كان من الغروس والزروع مستغنيًا بماء السماء ولم يكن سقيًا: هو بعل، وهو العذى".
والعارف بكتاب الطبري وطريقته في التفسير يجزم من صنيعه في تفسير الآية، أنه لم يرض إلا القول الأخير، وإن لم يرد الروايتين الأخريين ردًّا صريحًا.
والبخاري - إمام أهل الحديث - لما ذكر هذه الآية في كتاب التفسير من صحيحه، قال:"بَعْلا: ربًّا". ولم يقل غير هذا، ولم يشر إلى الروايات الإسرائيلية (انظر فتح الباري ج 8 ص 417 طبعة بولاق سنة 1301 هـ) وقد أصاب.
وأما كلمة "بعل" فإنها عربية أصيلة ليس فيها شية من العجمة، وإن ادعى كاتب المقال أنها سامية، وأنها "بَعَل" وسنذكر الأدلة على ذلك قوية واضحة إن شاء الله.
قال الراغب الأصفهاني في غريب القرآن (54): "بعل: البعل هو الذكر من الزوجين، قال الله عز وجل:{وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72]. وجمعه بعولة، نحو فحل وفحولة، قال تعالى:
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228]. ولما تُصُوِّرَ من الرجل الاستعلاء على المرأة، فجعل سائسها والقائمَ عليها، كما قال تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]. سمّى باسمه كلُّ مسْتَعْلٍ على غيره، فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله بعلًا [يعني أنهم جعلوه اسمًا نكرة لما يعبدون، كقولهم "صنم" ونحوه فلم يعتبره الراغب علمًا على صنم بعينه، وهو الصواب]. لاعتقادهم ذلك فيه، في نحو قوله تعالى:{أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)} [الصافات: 125]. ويقال: أتانا بعل هذه الدابة. أي المستعلي عليها. وقيل للأرض المستعلية على غيرها: بعلٌ. ولفحل النخل: بعل. تشبيها بالبعل من الرجال. ولما عظم حتى يشرب بعروقه: بعلْ، لاستعلائه. قال صلى الله عليه وسلم:"فيما سُقى بعلًا العشر". ولما كانت وطأة العالي على المستولي عليه مستثقَلَةً في النفس قيل: أصبح فلان بعلًا على أهله، أي؛ ثقيلًا لعلوه عليهم. وبني من لفظ البعل: المباعلة والبعال، كناية عن الجماع، وَبَعَل الرجلُ يَبْعَلُ بعولةً واستبعل، فهو بعل ومستبعِل إذا صار بعلًا. واستبعل النخل: عظم. وتصُوَّرَ من البعل الذي هو النخل قيامه في مكانه فقيل: بَعِلَ فلان بأمره: إذا دُهش وثبت مكانه ثبوت النخل في مقرّه، وذلك كقولهم: ما هو إلا شجر، فيمن لا يَبرحُ".
وهذا النص عند الراغب يجمع معاني هذا الحرف، وهو أدق النصوص؛ لأنه يردها كلها إلى معنى واحد، تفرعت عنه المعاني الأخر، وهو من دلائل عروبة الكلمة، فإنا إذا وجدنا العرب استعملوا
كلمة، ثم أكثروا من تصريفها والاشتقاق منها، والانتقال من معانيها إلى أنواع مختلفة باختلاف الأوزان، وانتقلوا بها إلى معاني تشبه أن تكون بينها وبين المعنى الأول علاقة علمنا أن الكلمة أصيلة عندهم، ومن لغتهم، فإذا وجدناهم خرجوا من هذا إلى تقليب حروفها بالتقديم والتأخير، واستعملوا تقاليب المادة أو أكثرها، بإعادة معنى جديد في كل تغيير منها كان في ذلك اليقين والجزم، وارتفعت كل شبهة في أنها عربية.
وقد صنع العرب في هذا الحرف كل ذلك، فاشتقوا من مادة "بعل" ما نقلناه عن الراغب وغيره، ثم استعملوا تقاليبها كلها:
قدّموا اللام على العين، فقالوا "بَلِعَ" الشيء بَلْعًا، وابتلعه ابتلاعًا، وقالوا: رجل "بُلَع" كثير الأكل. إلى آخر هذه المادة.
ثم قدّموا العين على الباء، فقالوا: رجل "عَبْلٌ" إذا كان غليظًا، والمصدر "العبالة" و"العبولة"، وهكذا.
ثم أخروا الباء بعد العين واللام، فقالوا:"العُلْبُ" وجمعه "عُلُوب" وهو الأثر في الجسد، واشتقوا منه فعلًا، وقالوا:"العلبة": و"استعلب" الجلدُ: إذا غلظ، وغير ذلك.
ثم أخّروا الباء بعد اللام والعين، فقالوا:"لَعِبَ" ومشتقاتها.
ثم قدّموا اللام قبل الباء والعين فقالوا: "ذَهَبَ به ضَبْعًا لَبْعًا". أي؛ باطلًا.
فها هي الصور العقلية كلها في تقليب هذه الحروف الثلاثة (ب ع ل) بالتقديم والتأخير، استعملها العرب جميعًا، وإذا ذهبنا نبحث فيما يخرج منها بتغيير بعض الحروف بما يقاربها في المخرج كما إذا أبدلنا من الباء فاء مثلًا وجدنا الصور الستة فيها مستعملة كلها:(فعل، فلع، عفل، لفع، لعف، علف).
وكذلك إذا وضعنا بدل العين حاء، وجدنا تقاليب المادة مستعملة كلها:(بحل، بلح، حبل، لبح، لحب، حلب). وكذلك إذا وضعنا الفاء والحاء بدل الباء والعين: (فحل، فلح، حفل، لفح، لحف، حلف).
وهكذا مما لو تتبعناه تفصيلًا طال الأمر جدًّا، فليس من المعقول بعد هذا أن يكون في كلمة "بعل" أية شبهة من العجمة، والنقول التي فيها أن الكلمة بمعنى "الرب" لغة أهل اليمن لا تنافي هذا، فاليمنية عربية، وكثير من الألفاظ التي تفردت باستعمالها عرفت قبل الإسلام في مضر، وقليل منها لم يعرفه سائر العرب، ثم عُرف بعد وكلها لغة واحدة.
هذا إلى أني أذهب إلى ما ذهب إليه الشافعي وأبو عُبَيْدةَ: أنه ليس في القرآن كلمة واحدة غير عربية، حاشا الأعلام. وأنصر هذا القول وأجزم بأنه الحق، وإن خالفتُ فيه كثير من الأصوليين واللغويين.
قال الشافعي في [كتاب الرسالة](في الفقرات 131 - 136، ص 41 - 42 من طبعة الحلبي بتصحيحي):
"فالواجب على العالمين أَلَّا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك
أولى به، وأقرب من السلامة له، إن شاء الله. فقال قائل منهم: إن في القرآن عربيًّا وأعجميًّا. والقرآن يدل على أن ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، وَوَجَدَ قائل هذا القول مَن قَبِلَ ذلك منه، تقليدًا له، وتركًا للمسألة له عن حجته، ومسألة غيره ممن خالفه، وبالتقليد أَغْفَلَ مَن أغفل منهم، والله يغفر لنا ولهم".
وبعد أن أقام الحجة لقوله، ورد قول مخالفيه، اعتذر عن بدء كتابه بهذا البحث، وقال (في الفقرة 170، ص 50):
"فكان تنبيه العامة على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة: نصيحة للمسلمين، والنصيحة لهم فرض لا ينبغي تركه، وإدْراكُ نافلة خيرٍ لا يَدَعُها إلَّا مَن سَفِهَ نفسَهُ، وتَرَكَ موضعَ حظّه، وكان يجمع مع النصيحة لهم قيامًا بإيضاح حَق، وكان القيام بالحق ونصيحة المسلمين من طاعة الله، وطاعة الله جامعة للخير".
وقال أبو عبيدة، فيما نقله عنه أبو منصور الجواليقي في [كتاب المعرَّب] (ص 4 من طبعة ليزج سنة 1867):
"من زعم أن في القرآن لسانًا سوى العربية فقد أعظَمَ على الله القول".
ولعلي أُوَفَّق لتفصيل الحجج لما ذهبت إليه، في مقدمة [كتاب الرسالة] إن شاء الله، وأسأل الله التيسير والعون.
بقيت الشبهة التي أثارها كاتب المقال، من أن في اللغة السامية
كلمة "بَعَل" بمعنى مالك الشيء، وأن في سفر الملوك إطلاق هذه الكلمة على صنم.
أما ما في سفر الملوك، فإن الذي يبدو لي أن الكلمة لم تكن علمًا على صنم معين، وإنما كانت في الكلام مرادًا بها التنكير أيضًا، على قدر ما فهمت مما في الكلام من ضعف العبارة وسوء الترجمة.
وأما وجود الكلمة في اللغة السامية، فإنه لا يدل إلى نقلها منها إلى العربية.
وليس اشتراك أصل مادة في لغتين متجاورتين متقاربتين كالسريانية مع العربية، أو كالعبرية مع العربية: بدالّ على أن إحداهما أخذت الكلمة من الأخرى، إلا إذا ثبت يقينًا أن إحدى اللغتين أقدم من الأخرى وأسبق. والسريانية من اللغات القديمة، وكانت لغة إبراهيم النبي عليه السلام، ولم يثبت من وجه قاطع أنها أقدم من العربية، حتى يكون ما فيها من المتفق مع العربية أصلًا له.
وقد قلنا شيئًا من هذا المعنى فيما مضى من الدائرة (في المجلد الثاني، ص 631) ثم وجدنا الآن بحثًا فيه جيدًا للحافظ الكبير العلامة ابن حزم في (كتاب الإحكام في أصول الأحكام ج 1، ص 31 - 32) قال:
"إن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينًا أن السريانية والعبرانية والعربية، التي هي لغة مضر وربيعة - لا لغة حمير - لغة واحدة،
تبدلت بتبدل مساكن أهلها، فحدث فيها جَرْسٌ كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نَغْمة أهل القيروان، ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي، ومن الخراساني إذا رام نغمتهما. "ونحن نجد من سمع لغة أهل فحْص البَلوُّط، وهي على ليلة واحدة من قرطبة، كاد أن يقول إنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة. وهكذا في كثير من البلاد، فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبديلًا لا يخفى على من تأمله، ونحن نجد العامة قد بدلت الألفاظ في اللغة العربية تبديلًا، وهو في البعد من أصل تلك الكلمة كلغة أخرى ولا فرق، فنجدهم يقولون في العنب: العِينب، وفي السوط أَسْطَوْط، وفي ثلاثة دنانير، ثلاثدًّا. وإذا تعرب البربري فأراد أن يقول الشجرة قال: السجرة. وإذا تعرب الجِلِّيقي أبدل من العين والحاء هاء، فيقول: مهمد. إذا أراد أن يقول محمد. ومثل هذا كثير، فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافهما إنما هو من نحو ما ذكرنا، من تبديل ألفاظ الناس، على طول الأزمان، واختلاف البلدان، ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل".
وهذا ما قال ابن حزم، وهو قوي جدًّا، وواضح معقول، لا تنقضه أوهام الواهمين، ولا أهواء ذوي الأغراض، وقد وافقناه في أساس نظريته فيما كتبناه تعليقًا على مادة "أمة".
ولكن ابن حزم بعد ذلك انتهى إلى نتيجة لا نوافقه عليها، إذ لم
يقم عليها دليل صحيح، فإنه قال:"وإذ قد تيقنا ذلك فالسريانية أصل للعربية وللعبرانية معًا، والمستفيض أن أول من تكلم بهذه العربية إسماعيل عليه السلام، فهي لغة ولده، والعبرانية لغة إسحاق ولغة ولده، والسريانية بلا شك هي كانت لغة إبراهيم - صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم - بنقل الاستفاضة الموجبة لصحة العلم، فالسريانية أصل لهما".
ووجه نقدنا لابن حزم: أن إسحاق بن إبراهيم، فمن البعيد جدًّا أن تكون له لغة خاصة غير لغة أبيه، وإلا فبماذا كانا يتخاطبان ويتفاهمان! وليس من السهل اعتقاد أن إسحاق اخترع لغة أخرى لنفسه بجوار لغته التي نشأ عليها، إنما المعقول أن تكون العبرانية لغة نشأت عن السريانية على توالي الأزمان في بني إسرائيل بعد أن هاجر إبراهيم من العراق إلى الشأم، ثم تطورت مع تجاور الأمم وتغاير اللهجات، حتى صارت لغة قائمة بنفسها.
وأما الشأن في إسماعيل فشيء آخر: المعقول أيضًا أن لغته كانت لغة أبيه السريانية، ونزح به أبوه إلى مكة فأسكنه بين أمة موجودة - كانت في ذلك - هي الأمة العربية، وقد كانت لها لغة تتفاهم بها ولا بد، ومن الظاهر جدًّا أن تكون هي اللغة العربية، الباقية فيهم إلى اليوم وإلى ما شاء الله.
وليس من المستساغ ادعاء أن قد كانت لهذه الأمة لغة غير لغتها المعروفة، ثم تنوسيت ودرست، ونشؤوا على لغة غيرها؛ لأنه لم
يأت بذلك خبر، ولا قام عليه دليل.
ثم بماذا كان يخاطب إسماعيل هؤلاء الناس الذين نزل بجوارهم؟ أيعقل أن يخترع لغة ثم يفرضها عليهم فرضًا، حتى يدعوا لغتهم إليها؟ ! أظن أن المعقول المفهوم أن يتعلم هو لغتهم؛ إذ صار بجوارهم، وواحدًا منهم، وكان طفلًا رضيعًا، ثم أصهر إليهم، وولد فيهم، وبقي ببلدهم إلى أن مات، ثم كان ولده منهم.
فإن لم تكن العربية أقدم من السريانية، فإنها على الأقل كانت بجوارها معروفة لقوم معروفين، ويحتمل جدًّا أن تكونا متقاربتين، وأن يكون الخلاف بينهما قليلًا كالخلاف بين اللهجات المتعددة في اللغة الواحدة، حتى كان ميسورًا لإبراهيم وإسماعيل وهاجر أن يَفْهَموا العرب ويُفْهِموهم، أما أن تكون العربية فرعًا من السريانية أو العبرية فلا.
والذي شَبَّه على ابن حزم في هذا أنه سمع أخبارًا سماها "مستفيضة" أن أول من تكلم بهذه العربية إسماعيل، وليس لهذا أصل صحيح، بل ورد فيه أثر رواه الحاكم في المستدرك (ج 2، ص 552 - 553) عن ابن عباس، وهو أثر ضعيف الإسناد جدًّا، والثابت الصحيح ينفيه، ففي صحيح البخاري (ج 6 ص 285 - 286) حديث لابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة إبراهيم وإسماعيل، وفيه: أن إسماعيل وهاجر بقيا وحدهما بجوار زمزم، حتى مرت بهم رفقة من جرهم، وأنهم استأذنوها في النزول عندها فأذنت، ثم قال في