الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
في جهود علماء الحنفية في التحذير من الشرك
وفي مباحث ثلاثة:
-
المبحث الأول: في ذكر بعض الآيات المباركة التي تحذر من الشرك
مع أقوال علماء الحنفية في تفسيرها.
- المبحث الثاني: في ذكر بعض الأحاديث التي تحذر من الشرك مع أقوال علماء الحنفية في شرحها.
- المبحث الثالث: في ذكر بعض نصوص علماء الحنفية في التحذير من الشرك وعواقبه الوخيمة.
المبحث الأول
في ذكر بعض الآيات الصريحة التي تحذر من الشرك مع نماذج من أقوال مفسري الحنفية في تفسيرها
إن التالي لكتاب الله والمتدبر لآياته يعلم علما يقينا:
أن القرآن الكريم كله في التوحيد ومكملاته وفي التحذير من الشرك وأسبابه؛ فالآيات في التحذير من الشرك كثيرة جدًا يصعب إحصاؤها.
ولقد اهتم علماء الحنفية بذكر كثير من الآيات التي تحذر من الشرك وذكروا أنها كثيرة جدّا، حتى قالوا: إن موضوع القرآن الكريم إنما هو التوحيد والتحذير مما يضاده وهو الشرك والكفر.
من المعلوم أن " الموضوع " في أي كتاب أو في أي علم إنما هو " المضمون " الأهم المركزي الذي يورد الأدلة لإثباته وتحقيقه والشواهد لتقريره وتصديقه والأمثلة لإيضاحه والشرح لأحواله؛ " كالكلمة والكلام " موضوع علم النحو فكل ما في علم النحو إنما يدور حول هذا الموضوع فإذا كان " موضوع القرآن الكريم ":
إنما هو " التوحيد والتحذير من الشرك " فيكون جميع ما في القرآن الكريم من الأدلة والشواهد والأمثلة والتبشير والتخويف والترغيب والترهيب والقصص وغيرها- إنما يؤتى به لتحقيق هذا الموضوع وإثباته ونقض الشبهات حوله وهذا الموضوع الذي هو مطلوب أساسي للقرآن الكريم إنما هو يتمثل في " التوحيد والتحذير من الشرك "؛ فالقرآن الكريم كله لتقرير التوحيد والتحذير من الشرك، وهذا أمر ذكره كثير من كبار علماء الحنفية:
قال الإمام ابن أبي العز (792هـ) والعلامة القاري (1014هـ) واللفظ للأول:
(وغالب سور القرآن الكريم متضمنة لنوعي التوحيد [توحيد الربوبية وغيرها من الصفات وتوحيد الألوهية] .
بل كل سورة من القرآن الكريم - فالقرآن الكريم إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله:
وهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه:
فهذا التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعة- فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن إكرام أهل توحيده وما فعل بهم في الدنيا والآخرة:
فهي جزاء توحيده؛ وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب:
فهو جزاء من خرج من حكم التوحيد؛ فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه.
وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم.
قلت: إذا كان الأمر كذلك يصعب حصر تلك الآيات الصريحة المحذرة من الشرك ولكن ما لا يدرك كله أو لا يدرك جله لا يترك بعضه.
لهذا أكتفي بذكر بعض الآيات الصريحات * في التحذير من الشركيات* مع ذكر بعض النصوص الحنفيات* في تفسير تلك الآيات* فأقول والله المستعان:
الآية الأولى: في ضرب مثل للمشرك بأنه هالك ما بعد هلاك وممزق كل ممزق.
قال الله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] .
قال الزمخشري (ت 538) والنسفي (ت 710) والمهايمي (ت 835) والعمادي (951) والبروسوي (1137) والباني بتي (1225) والميرغني (1268) والألوسي (1270) وحسين علي (1362) والمودودي (1979م) والصابوني (؟)، واللفظ للأول:
(قال: من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده نهاية؛
بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق مزقا في حواصلها؛ أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطارح البعيدة) .
الآية الثانية: في بيان أن الشرك أعظم الظلم وأظلمه وأكبر الكبائر على الإطلاق.
قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] .
قال هؤلاء العلماء الحنفية الذين ذكرت أسماءهم في تفسير الآية الأولى واللفظ للمودودي (قال المودودي ما تعريبه) :
إن الظلم في الأصل معناه هضم حق آخر والمعاملة بدون الإنصاف والشرك ظلم عظيم لأن فيه استواء أشخاص لا دخل لهم في الخلق والرزق والنعم بالله سبحانه وتعالى في العبادة.
فالشرك ظلم لا يتصور بعده ظلم آخر؛ وللخالق سبحانه على عبده المخلوق حق العبادة فيعبده وحده لا شريك له ولكن المشرك يضيع حق الله فيعبد غيره؛ ثم هو في هذا الظلم يستخدم عدة من القوى التي أعطاها الله في جسمه وما سخر الله له من النعم في السماء والأرض مع أن الله وحده خالق لهذه القوى والنعم؛
فلا يستحق أحد أن يستعمل له تلك القوى والنعم دون الله الذي خلقها ثم للعبد على نفسه حق آخر وهو:
أن لا يذل نفسه ولا يبذلها في عبادة غير الله تعالى لئلا يستحق أليم عقاب الله تعالى ولكن المشرك يذل نفسه بعبادة غير الله تعالى ويوقعها في عذاب الله الأليم بسبب هذا الظلم العظيم وهكذا المشرك يمضي جميع عمره في الظلم إلى أن لا يخلو نفس من نفساته من الظلم العظيم الذي هو الشرك بالله العظيم.
الآيتان الثالثة والرابعة: في أن كل ذنب وظلم يرجى مغفرته بدون التوبة ما خلا الشرك.
قال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 116]، وقال أيضا:
قلت: هاتان الآيتان من قبيل القضايا التي قياساتها معها؛ فقد حذر الله تعالى المشركين بأنهم لا يغفر لهم بدون التوبة أبد الآبدين* وعوض العائضين* ودهر الداهرين * ثم علل ذلك بأن المشرك قد افترى على الله افتراء عظيما ما بعده افتراء وأنه ضل عن التوحيد ضلالا بعيدا ما بعده ضلال فاستحق بشركه الذي هو ظلم عظيم وذنب أكبر وافتراء أقبح
وضلال أبعد أن لا يغفر له بدون التوبة فيكون من الخالدين * في العذاب الأليم أبد الآبدين *.
هذا حاصل ما ذكره المفسرون من الحنفية في تفسير هذه الآية
…
وإليكم بعض نصوصهم:
1 -
قال الإمام أبو الليث السمرقندي (375) :
(يعني اختلق على الله كذبا عظيما ويقال: فقد أذنب ذنبا عظيما) .
2 -
وقال النسفي (710) :
(كذب كذبا عظيما استحق به عذابا أليما) .
3 -
وقال العمادي (983) :
(افترى واختلق مرتكبا إثما لا يقادر قدره ويستحقر دونه جميع الآثام فلا تتعلق به المغفرة قطعا) .
4 -
وقال المهايمي (835) :
(وكيف يغفر للمشرك بالله تعالى {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى} أي قصد {إِثْمًا عَظِيمًا} تقتضي الحكمة التعذيب عليه بأعظم الوجوه وهو التخليد في النار) .
5 -
وقال البروسوي (1137) :
" افترى واختلق مرتكبا إثما فلا تتعلق به المغفرة قطعا "
6 -
وقال الباني بتي (1225) :
" يعني ارتكب الكذب والفساد كذبا وفسادا عظيما يستحقر دونه الآثام وهذا وجه الفرق بينه وبين سائر الآثام ".
7 -
وقال الميرغني (1268) :
" وأي إثم أكبر من الشرك فإنه لا يصح معه عمل ".
8 -
وقال الآلوسي:
" استثناء مشعر بتعليل عدم غفران الشرك
…
أي ارتكب ما يستحقر دونه الآثام فلا تتعلق به المغفرة قطعا ".
9 -
وقال الأستاذ أبو الأعلى المودودي (1979م) :
" ليس القصد من هذه الآيات أن للإنسان أن يرتكب الذنوب ما خلا الشرك بل القصد منها:
أن الشرك الذي صغروا وحقروا أمره هو أعظم من جميع الذنوب بحيث أن سائر الذنوب يرجى مغفرتها ما خلا الشرك فإنه ذنب لا يغتفر أبدا؛ وقد كان أحبار اليهود يهتمون بصغار المسائل الاجتهادية التي استنبطها أئمتهم ولكنهم يستخفون بشأن الشرك ويرونه هينا بحيث أنهم لم يكونوا يتنزهون من الشرك ولا ينهون أقوامهم من الخيالات الشركية وأعمالها؛ ولا يرون بأسا في تولي المشركين أيضا ".
قلت: لقد صدق الأستاذ المودودي - رحمه الله تعالى - في التحذير
من الشرك وغفلة أحبار اليهود في الاستهانة بشأن الشرك واهتمامهم بصغار الأمور وتعصبهم لآراء أئمتهم؛ فلقد تبعهم في هذا علماء السوء المبتدعة المقلدة المتعصبة الذين اتخذوا أئمتهم في التشريع من التحريم والتحليل أربابا يقدمون أقوالهم وآراءهم الاجتهادية الفقهية على صريح الكتاب والسنة ويتعصبون لهم كأنهم أنبياء أرسلوا إليهم ووصلوا في طاعتهم إلى حد عبدوهم من دون الله؛ فترى هؤلاء المتعصبة المقلدة ولا سيما بعض من ينسب إلى الحنفية منهم: كالكوثرية والديوبندية يبغضون السنة أشد البغض؛ فرفع اليدين عندهم أشد من وقع السيوف والتأمين بالجهر أشد من الرصاصة في قلوبهم؛ فأخلوا بتوحيد العبادة ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فإلى الله المشتكى وإليه الملتجى.
الآية الخامسة: في بيان أنه لا يجوز الاستغفار للمشرك بعد موته لأن الله تعالى لا يغفر للمشرك فلا يجوز الاستغفار له إذ ليس له إلا النار.
قال عز من قائل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113]، قال الأستاذ أبو الأعلى المودودي (1979م) :
(إن الاستغفار لأي شخص مذنب يتضمن لأمرين:
(1)
أن للمستغفر شفقة ورحمة ومحبة لهذا المذنب.
(2)
أن ذنبه قابل للمغفرة.
وهذان الأمران لا يتحققان إلا في عبد وفى بتوحيد الله ولكنه ارتكب ذنبا دون الشرك، ولكن المشرك الذي هو باغ على الله بالعلانية، فالمحبة له وعد إجرامه قابلا للمغفرة- باطل أصلا؛ بل محبتنا له وعد شركه قابلا للمغفرة- يجعلان وفاءنا بالتوحيد مشوها؛ فلو أقدمنا للاستغفار للمشرك لمجرد أنه من أهل قرابتنا- لكان معناه أن القرابة عندنا أحق وأثمن من توحيد ربنا وتعظيمه والوفاء بحقه وأن محبتنا لله ولدينه ليس إلا سطحيا لم تخالط شيئا بشاشة قلوبنا ولم تصل إلى أعماقها؛ وبهذا كله تبين أن الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربى لا ينبغي أن يصدر عن عبد وحد الله عز وجل لأن ذلك خلاف الوفاء بالتوحيد ومناف للإيمان؛ ويجب علينا أن نحب من يحبه الله وأن نعادي من عادى الله؛ ثم في الآية نكتة لطيفة وهي:
أن الله تعالى لم يقل " لا تستغفروا للمشركين "بل قال " ما كان للنبي
…
" أي لا ينبغي الاستغفار لهم فليس هذا يزين بكم.
فأفاد هذا الأسلوب:
أنكم لو امتنعتم عن الاستغفار لهم بعد المنع -
فهذا ليس فيه كبير عمل؛ بل الكمال في أن تمتنعوا عما لا يليق بكم ولا يزين لكم؛ بحيث يكون محرك محبتكم لله ووفاءكم له - مثيرا لشعوركم وإحساسكم - على أن لا تحبوا المشرك الباغي على الله، وأن لا تعدوا إجرامه قابلا للمغفرة.
الآية السادسة: في بيان أن جميع أعمال الشرك حابطة وهباء منثورا.
قال جل جلاله:
ولقد ذكر الله تعالى ثمانية عشر من أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام.
ثم قال: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 83-88] .
قال الزمخشري (538هـ) والنسفي (710هـ) :
واللفظ للأول: ( {وَلَوْ أَشْرَكُوا} مع فضلهم وتقدمهم وما رفع لهم من الدرجات لكانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم، كما قال تعالى وتقدس: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ) .
وقال أبو السعود العمادي (951هـ) والألوسي (1270هـ) واللفظ للثاني:
( {وَلَوْ أَشْرَكُوا} أي [أولئك الأنبياء والرسل] المذكورون، {لَحَبِطَ} أي لبطل وسقط عنهم مع فضلهم وعلو شأنهم {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي ثواب أعمالهم الصالحة؛ فكيف بمن عداهم وهم هم وأعمالهم أعمالهم) .
وقال البروسوي (1137هـ) والباني بتي (1225هـ) والصابوني واللفظ للأول:
(أي ولو أشرك هؤلاء الأنبياء مع فضلهم وعلو شأنهم {لَحَبِطَ عَنْهُمْ} أي بطل وذهب {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من الأعمال المرضية الصالحة فكيف بمن عداهم؟ وهذا غاية التوبيخ والترهيب للعوام والخواص) .
وقال الشيخ حسين علي (1362) : (الضمير في قوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا} يرجع إلى جميع هؤلاء الأنبياء والمرسلين الذين سبق ذكرهم صراحة أو كناية؛ فصدور الشرك من الأنبياء محال، ولكن لو فرض ذلك المحال وأشركوا بالله لضاع جميع أعمالهم الصالحة، والقصد من هذا التعبير بيان غاية شناعة الشرك ونهاية قباحته) .
وقال الأستاذ المودودي رحمه الله (1979م) :
(يعني لا قرار للعمل الصالح البتة مع الشرك؛
فالذي أشرك بالله وعمل أعمالا كثيرة وظن أنها صالحة ونافعة له فهو ليس بمستحق لأجرها، وأن حياته تمضي كلها في خسران على خسران) .
الآية السابعة: في بيان أن المشرك قد حرمت عليه الجنة أبد الآبدين* ومخلد في النار دهر الداهرين* قال عز من قائل:
قال الزمخشري (538هـ) والنسفي (710هـ) والعمادي (951هـ) والبروسوي (1137هـ) والباني بتي (1225هـ) والألوسي (1270هـ) واللفظ للأخير:
(إنه أي الشأن {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ} أي شيء في عبادته سبحانه أو فيما يختص به من الصفات والأفعال؛ كنسبة علم الغيب وإحياء الموتى بالذات إلى عيسى عليه الصلاة والسلام [أو إلى غيره] .
{فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} لأنها دار الموحدين والمراد يمنع دخولها كما يمنع المحرم عليه من المحرم.
{وَمَأْوَاهُ النَّارُ} فإنها معدة للمشركين؛ وهذا بيان لابتلائهم بالعقاب * أثر بيان حرمانهم الثواب *؛ ولا يخفى ما في هذه الجملة من الإشارة إلى قوة المقتضي؛
لإدخاله النار) .
الآية الثامنة: في بيان أن المشرك نجس؛ قال جل من قائل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] .
قال العلامة الآلوسي (1270هـ) مفتي الحنفية ببغداد:
( {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} أخبر عنهم بالمصدر للمبالغة كأنهم " عين النجاسة ". أو المراد: (ذو نجس) لخبث بواطنهم وفساد عقائدهم؛ أو لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس
…
؛ ويجوز أن يكون (نجس) صفة مشبهة؛ وإليه ذهب الجوهري.
ولا بد حينئذ من تقدير " موصوف " مفرد لفظا مجموع معنى؛ ليصح الإخبار به عن الجمع:
أي " جنس نجس " ونحوه) .
ثم ذكر أن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن أعيانهم طاهرة، ثم قال:
(وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير ".
قال: " وإلى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما مال الإمام الرازي ".
وهو الذي يقتضيه ظاهر الآية ولا يعدل عنه إلا بدليل منفصل؛ قيل: " على ذلك فلا يحل الشرب في أوانيهم ولا مؤاكلتهم ولا لبس ثيابهم "؛ ولكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف خلافه.
واحتمال كونه قبل نزول الآية -فهو منسوخ- بعيد والاحتياط لا يخفى "، ثم قال:
( {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} تفريع على نجاستهم؛ والمراد النهي عن الدخول إلا أنه نهى عن القرب للمبالغة) .
قلت: وعلى هذا المنوال فسر الآية كثير من مفسري الحنفية.
الحاصل: أن هذه الآيات تحذر من الشرك غاية التحذير لعواقبه الوخيمة.
* * *