الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
في استدلال علماء الحنفية بالكتاب على إبطال الغلو في الصالحين
لقد استدل علماء الحنفية بعدة آيات من آي الذكر الحكيم على إبطال الغلو في الصالحين، أكتفي بذكر آيتين منها مع تفسير الحنفية:
الآية الأولى: قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} [النساء: 171] .
الآية الثانية: قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77] .
قد استدل علماء الحنفية بهاتين الآيتين على إبطال الغلو في الصالحين وتقرير استدلالهم هو: أن الله تعالى قد بين: أن النصارى قد ضلوا بسبب أنهم قد غلوا في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام.
حيث إنهم رفعوه فوق منزلته البشرية العبدية الرسولية إلى درجة الألوهية.
وأن اليهود قد ضلوا وأضلوا كثيرا من الناس عن التوحيد بسبب غلوهم في الدين وتجاوزهم الحدود في الشرع.
وفيما يلي بعض نصوص علماء الحنفية في تقرير استدلالهم بهاتين الآيتين:
1 -
قال الإمام أبو الليث السمرقندي (375هـ) في تفسير الآية الأولى:
(قال بعض أهل اللغة: " الغلو " مجاوزة القدر في الظلم، ويقال:" الغلو " أن تجاوز ما حد لك
…
، يعني: لا تفرطوا في دينكم، فإن دين الله بين المقصر والمغالي، وغلا في القول: إذا تجاوز الحد) .
ثم ذم رحمه الله النصارى بسبب غلوهم في عيسى عليه السلام.
2 -
وقال رحمه الله في تفسير الآية الثانية:
(يقول: لا تجاوزوا الحد، و" الغلو " هو الإفراط، والاعتداء، ويقال: لا تتعمقوا..) .
3 -
6- وقال الزمخشري (538 هـ) ، والنسفي (710 هـ) ، والعمادي (983 هـ) ، والألوسي (1270 هـ)، واللفظ للأخير:
( {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} : أي لا تتجاوزوا الحد، وهو نهي للنصارى عن رفع عيسى عليه الصلاة والسلام عن رتبة الرسالة إلى ما تقولوا في حقه من العظمة، وكذا عن رفع أمه عن رتبة الصديقية إلى ما تنحلوه لها عليها السلام، ونهي لليهود- على تقدير دخولهم في الخطاب- عن وصفهم له عليه السلام، وكذا لأمة عن الرتبة العلية إلى ما افتروه من الباطل والكلام
الشنيع، وذكرهم بعنوان أهل الكتاب، للإيمان إلى أن في كتابهم ما ينهاهم عن الغلو في دينهم، {غَيْرَ الْحَقِّ} : نصب على أنه صفة مصدر محذوف: " أي غلو غير الحق "، وتوصيفه به للتوكيد، فإن الغلو لا يكون إلا غير الحق على ما قاله الراغب..) .
7 -
وقال البروسوي (1137 هـ) في تفسير الآية الأولى:
(أي لا تجاوزوا الحد في دينكم بالإفراط في رفع شأن عيسى وادعاء ألوهيته، والغلو: مجاوزة الحد.
واعلم: أن الغلو والمبالغة في الدين والمذهب حتى يجاوز حده غير مرضي، كما أن كثيرا من هذه الأمة غلوا في مذهبهم.
فمن ذلك مذهب الغلاة من الشيعة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حتى ادعوا ألوهيته
…
) .
قلت: هذه كانت نصوص لهؤلاء العلماء من الحنفية في تفسير هاتين الآيتين، وهي كما ترى رد على اليهود والنصارى وإبطال لغلوهم.
كذلك رد على القبورية وإبطال لغلوهم في الصالحين ووصفهم بصفات رب العالمين.
وقد استدل كثير من علماء الحنفية بهاتين الآيتين وغيرهما على ذم الغلو وإبطال عقيدة القبورية في الغلو في الصالحين، وصرحوا بأن الغلو في الصالحين من أعظم أسباب الكفر والشرك وعبادة غير الله.