المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المطلب الأول: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله أمر محرم - جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية - جـ ٢

[شمس الدين الأفغاني]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأولفي جهود علماء الحنفية في التحذير من الشرك

- ‌ المبحث الأول: في ذكر بعض الآيات المباركة التي تحذر من الشرك

- ‌المبحث الثانيفي ذكر بعض الأحاديث الصحيحة التي تبين عواقب الشرك الوخيمة

- ‌المبحث الثالثفي نصوص علماء الحنفية في التحذير من الشرك

- ‌الفصل الثانيفي عدة قواعد وضوابط فقهية لعلماء الحنفية

- ‌الفصل الثالثفي بيان عدة ذرائع الشرك التي صرح علماء الحنفية بوجوب سدها

- ‌القسم الأولفي عرض أمثلة لغلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين

- ‌القسم الثانيغلو القبورية في تصرفه صلى الله عليه وسلم في الكون

- ‌القسم الثالثغلو القبورية في سماعه صلى الله عليه وسلم لنداء المستغيثين به

- ‌القسم الرابعغلو القبورية في حياته صلى الله عليه وسلم البرزخية

- ‌الفصل الثانيفي غلو القبورية في بعض الأولياء خاصة

- ‌الثاني الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية

- ‌الثالثالبدوي

- ‌الفصل الثالثفي غلو القبورية في الأولياء عامة

- ‌المبحث الثانيفي التنبيه على أمر مهم

- ‌المبحث الثالثفي التنبيه على أمر أهم من الأول

- ‌القسم الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في الصالحين

- ‌ الفصل الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال الغلو إجمالا

- ‌المطلب الأولفي استدلال علماء الحنفية بالكتاب على إبطال الغلو في الصالحين

- ‌المطلب الثانيفي استدلال علماء الحنفية بالسنة على إبطال الغلو في الصالحين

- ‌المطلب الثالثفي نصوص علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في الغلو في الصالحين

- ‌الفصل الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في حياة الأموات

- ‌ المبحث الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في حياة الأموات

- ‌المبحث الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى

- ‌المبحث الثالثفي إبطال علماء الحنفية لشبهات القبورية

- ‌المبحث الثانيفي تنبيهات ثلاثة على فوائد ثلاث لشرح الكلام السابق

- ‌ الفصل الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله

- ‌المطلب الأولفي استدلال علماء الحنفية ببعض الآيات على إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالثفي ذكر بعض نصوص علماء الحنفيةفي إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله

- ‌الفصل الثانيفي جهود علماء الحنفية لإبطال عقيدة القبوريةفي التصرف في الكون لغير الله سبحانه

- ‌المبحث الثالثفي نصوص علماء الحنفية ردا على عقيدة القبوريةفي زعمهم التصرف في الكون للصالحين

- ‌الفصل الثالثفي جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية

- ‌ الفصل الأول: في عرض أمثلة لعقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله

- ‌المبحث الثالثفي بيان أمثلة متفرقة لعقيدة القبوريةفي استغاثتهم بغير الله عند الكربات

- ‌لمطلب الأول: في عرض عقيدة القبورية في الاستغاثة بالأحياء الغائبين وبالأموات

- ‌المطلب الثانيفي بيان ترجيح القبورية الاستغاثة والتوسل بالأموات

- ‌المطلب الثالثفي بيان استغاثات القبورية المتفرقات

- ‌الفصل الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية

- ‌ المبحث الأول: في استدلال علماء الحنفية بالكتاب والسنة على إبطال عقيدة القبورية

- ‌المطلب الأولفي استدلال علماء الحنفية بعدة آيات من كتاب اللهعلى إبطال عقيدة القبورية

- ‌المطلب الثانيفي ذكر بعض الأحاديث التي استدل بها علماء الحنفية علىإبطال عقيدة القبورية

- ‌ المطلب الأول: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله أمر محرم

- ‌الفصل الثالثفي جهود علماء الحنفية في تحقيقهم أن القبورية أشد شركامن الوثنية الأولى

- ‌ المبحث الأول: في جهود علماء الحنفية في تحقيق أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى

الفصل: ‌ المطلب الأول: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله أمر محرم

المبحث الثاني

في نصوص علماء الحنفية في تحقيق أن الاستغاثة بغير

الله فيما لا يقدر عليه إلا الله أمر محرم في دين الله، بل

إشراك بالله، بل أم لعدة أنواع من الإشراك بالله تعالى

وفيه مطالب ثلاثة:

-‌

‌ المطلب الأول: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله أمر محرم

في دين الله تعالى.

- المطلب الثاني: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله إشراك بالله سبحانه.

- المطلب الثالث: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله أم لعدة أنواع من الإشراك بالله جل وعلا.

ص: 1117

كلمة بين يدي هذا البحث

لقد سبق في المبحث السابق بيان بعض جهود علماء الحنفية في استدلالهم بعدة آياتٍ قرآنيةٍ، وأحاديث نبويةٍ، على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بالأموات عند الكربات، وتبين أن ذلك من أعظم أنواع الإشراك بالله سبحانه وتعالى، وأذكر في هذا المبحث بعض نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى: أمرٌ محرم في شرع الله، بل إشراك بالله، بل أمُّ الإشراك به تعالى، وبناء على ذلك تقتضي طبيعة هذا المبحث أن يكون مشتملا على مطالب ثلاثة، فأقول وبربي أستغيث وأستعين* إذ هو وحده المستعان وهو وحده المعين*:

ص: 1119

المطلب الأول

في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله

فيما لا يقدر عليه إلا الله أمر محرم في شرع الله

ومحذور في دين الله

لقد حذر علماء الحنفية، ولا سيما أئمتهم القدامى أمثال: الإمام أبي حنيفة (150هـ) ، والإمام أبي يوسف (182هـ)، والإمام محمد (189هـ) :

الأئمة الثلاثة للحنفية على الإطلاق، وكذا الإمام أبو جعفر الطحاوي (321هـ) ، وغيرهم- من دعاء غير الله، والاستغاثة بغيره سبحانه، فيما لا يقدر عليه إلا هو تعالى، ولهم في ذلك نصوص قاطعة للنزاع، كما هي قاطعة لدابر القبورية، ولا سيما الحنفية منهم، وقالعة لشبهاتهم، وفيما يلي بعض نصوصهم التي فيها عبرة للمعتبرين* ونكال وتنكيل للمعاندين المستكبرين*

1 -

نص الإمام أبي حنيفة (150هـ) فيما رواه عنه الإمام أبو يوسف (182هـ) ، وعنه الإمام بشر بن الوليد (238هـ) ، ونقله كثير من علماء

ص: 1121

الحنفية وأقروه، مستدلين به على منع الاستغاثة بغير الله سبحانه.

للإمام أبي حنيفة رحمه الله مقالة مهمة، تقطع دابر القبورية المستغيثين بالأموات* لدفع الملمات، وجلب المنافع والخيرات* معرضين عن الاستغاثة برب البريات، وخالق الكائنات* وهي مقالة قد حمى بها الإمامُ أبو حنيفة حمى التوحيد من كل شرك، ووسائله، وسد بها جميع الذرائع الموصلة إلى ما يناقض التوحيد:

توحيد الأنبياء والمرسلين* على ما فهمه خيار هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الدين* وهي مقالة سارت بها الركبان * واشتهرت واستفاضت عند علماء الحنفية بحيث لم يختلف في صحتها اثنان* ولم يناطح فيها كبشان* وهي مقالة فيها قرة عيون للموحدين السنيين* وسخنة أعين للمشركين والقبوريين* وشجى في حلوق المستغيثين بغير الله من الأموات والغائبين* وهذه المقالة الحنفية لها أهمية عظيمة في باب توحيد الألوهية* كما أن للمقالة المالكية أهمية عظيمة في باب توحيد الصفات الإلهية*

ص: 1122

فكما أن المقالة المالكية قطع بها الإمامُ مالك دابرَ كل جهميّ، وفرخه من كل ماتريديّ وأشعريّ* كذلك المقالة الحنفية قد قطع بها الإمام أبو حنيفة دابرَ كل مشركٍ وثنيٍّ، وفرخه من كل صوفيّ وقبوريّ* فالمقالة المالكية هي قولة الإمام مالك (179هـ) : (الاستواء معلوم، والكيف مجهول

) .

وأما المقالة الحنفية الحنيفية: فهي قولة الإمام أبي حنيفة (150هـ) ونصها:

(لا ينبغي لأحد أن يدعو الله تعالى إلاّ به، وأكره أن يقول [المرء] : أسألك بمعاقد العز من عرشك، وأكره أن يقول: وبحق أنبيائك، ورسلك، وبحق البيت الحرام) .

2 -

4- وقد رواها الإمام القدوري (428هـ) عن الإمام بشر بن الوليد (238هـ) : أنه قال: سمعت أبا يوسف (182هـ) يقول: قال أبو

ص: 1123

حنيفة (150هـ) :

(لاينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به

) فذكرها بتمامها في كتابه الذي شرح به مختصر الإمام الكرخي (340هـ) .

5 -

10- ونقلها عن شرح الإمام القدوري (428هـ) لمختصر الإمام الكرخي (340هـ) - كثير من كبار علماء الحنفية، مستدلين بها على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بالأموات عند الكربات، فحققوا بها أن القبورية مخالفون لشرع الله، كما أنهم مخالفون لأئمة هذه الأمة في المعتقد، ولا سيما أئمة الحنفية، وبهذه المقالة قد اجتثوا جميع شبهات القبورية في الاستغاثة بغير الله من أصلها، واستأصلوا جميع مزاعمهم في التوسل الباطل من جذورها.

ص: 1124

11 -

لفظ آخر لمقالة الإمام أبي حنيفة (150هـ) رحمه الله 12- فيما رواه عند الإمام أبو يوسف (182هـ) رحمه الله.

13 -

فقد قال الإمام الحصكفي (1088هـ) :

14 -

15- (وفي التتار خانية معزيا للمنتقى، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة، [أنه قال] :

لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه، المأمور به:

ما استفيد من قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}

ص: 1125

(الأعراف: 180) - وكره قوله: بحق رسلك، وأنبيائك، وأوليائك، أو بحق البيت..) .

16 -

20- ونقله عن العلاء الحصكفي آخرون من الحنفية.

21 -

وقال الإمام ابن عابدين الشامي (1252هـ) في شرح كلام الإمام أبي حنيفة:

(" إلا به ": أي بذاته، وصفاته، وأسمائه) .

22 -

وتبعه العلامة الرستمي فنقل قوله وأقره، ثم قال في الرد على القبورية عامة والقبورية من الحنفية خاصة:

(فعلم من هذا القول [أي قول أبي حنيفة] حصر التوسل الأسمى في الأدعية في أسماء الله تعالى وصفاته.

والحال أن هؤلاء المقلدين يتركون قول إمامهم، ويتبعون أهواءهم

ص: 1126

بغير علم فضلوا وأضلوا) .

23 -

ولشيخنا الفاضل العلامة الأديب، جامع المعقول والمنقول، أحد أفاضل الحنفية المنصفين، والرادين على القبورية، كلام مهم في الاستدلال بمقالة الإمام أبي حنيفة، ونقل أقوال علماء الحنفية- يقطع دابر القبورية، ولا سيما الحنفية منهم.

24 -

32- وقد ذكر هذه المسألة عدة من كبار علماء الحنفية غير من ذكر وأقروها.

ص: 1127

33 -

36- وقال الإمام البركوي (981هـ) .

وتبعه العلامتان: شكري الآلوسي (1342هـ) ، والرباطي، واللفظ للأول:

(قال ابن بلدجي، في شرح المختار:

" ويكره أن يدعو الله إلاّ به، فلا يقول: أسألك بفلان، أو بملائكتك، أو بأنبيائك، ونحو ذلك؛ لأنه لا حق للمخلوق على خالقه [وجوبا أوجبه عليه غيره] ،

ص: 1128

أو يقول في دعائه: أسالك بمعقد العز من عرشك

، وما يقول فيه أبو حنيفة وأصحابه:

" أكره كذا "- هو حرام عند محمد، وعند أبي حنيفة، وأبي يوسف: هو إلى الحرام أقرب* وجانب التحريم عليه أغلب *) .

قلت: هذا النص هو في الحقيقة نص أبي حنيفة، وصاحبيه السابق، وهو يدل دلالة قاطعة على بطلان استغاثات القبورية وتوسلاتهم البدعية؛ كقولهم: "بفلان، أو ببركة فلان، أو بحرمة فلان، أو بحق فلان، أو بطفيل فلان، أو بخاطر فلان، أو لأجل فلان، أو بجاه فلان، أو شيئا لله، ونحو ذلك من العبارات* فضلا عن قولهم في ندائهم الأموات*:

يا فلان اشفع لي، أو اشفني، أو اقض حاجتي، أو أغثني، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو أنا تحت نظرك، أو أنا تحت ظلك، أو لا تحرمني، أو لا تطردني، ونحو ذلك من الاستغاثات بالأموات* عند إلمام الملمات، ونزول الكربات* التي هي وثنيات صريحات* تحت ستار التوسل والكرامات*

37 -

40- قول الأئمة الثلاثة للحنفية * فيما قاله الإمام الطحاوي أحد كبار أئمة الحنفية* لقد ألف الإمام الطحاوي (321هـ) كتابه المعروف في عقيدة

ص: 1129

أهل السنة والجماعة، وصرح في أوله بأن هذه العقيدة- عقيدة الأئمة الثلاثة، وقولهم جميعا، جاء في أوله النص الآتي:

(هذا ما رواه الإمام أبو جعفر الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، رضوان الله عليهم أجمعين* وما يعتقدون من أصول الدين* ويدينون به لرب العالمين*) .

قال رحمه الله تعالى في أهمية دعاء الله والاستغاثة به وحده لا شريك له: (والله تعالى يستجيب الدعوات * ويقضي الحاجات* ويملك كل شيء، ولا يملكه شيء *، ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين* ومن استغنى عن الله طرفة عين*- فقد كفر، وصار من أهل الحين*) .

قلت: هذا النص واضح في معناه، قاطع لدابر القبورية الذين يقولون بدون

ص: 1130

حياء من العباد، ورب العباد:

إن المضطر ينبغي له أن يستغيث بالأموات عند الكربات* لأن الولي أسرع إجابة من الله تعالى في دفع المضرات، وجلب الخيرات* إلى آخر هذيانهم الكفري الإلحادي الذي ذكرتُ أمثلة منه في ترجيحهم الاستغاثة بالأموات * على الاستغاثة برب البريات*؛ لأن هذا النص مشتمل على عدة من الأمور المهمات * التي تبطل جميع مزاعم القبورية في استغاثتهم بالأموات*:

الأول: أن الله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات، فبطل كفر هؤلاء القبورية: أن الولي أسرع إجابة من الله.

الثاني: أن الله يملك كل شيء، وقادر على كل شيء، فهو المالك المطلق، والغني القادر المطلق، وحده لا شريك له.

فبطلت خرافات القبورية في زعمهم التصرف في الكون للأولياء.

الثالث: أنه لا غنى لأحد عن الله تعالى طرفة عين.

فبطل بذلك زعم القبورية في دعوة العباد إلى الاستغاثة بالعباد ولا سيما الأموات.

الرابع: حكم هؤلاء المستغيثين المستكبرين عن الاستغاثة بالله، المعرضين عنها، الراغبين في الاستغاثة بالأموات، الداعين إليها:

وهو أنهم قد ارتكبوا كفرا بواحا، وشركا صراحا.

هذا هو حكم الأئمة الحنفية القدامى على مثل هؤلاء القبورية الوثنية المرجحين للاستغاثة بالأموات* على الاستغاثة بخالق الكائنات*، والمعتقدين فيهم العلم بالمغيبات* وسماع أصوات الاستغاثات*

ص: 1131

والتصرف في الكون، وغير ذلك من الخرافات والشركيات*.

41 -

46- ولقد شرح هذه العقيدة كثير من كبار علماء الحنفية، ولهم كلام مهم في شرح قول الإمام الطحاوي المذكور- الذي هو في الأصل قول للأئمة الثلاثة للحنفية على الإطلاق، ويطول المقام أن أسوق كلام كل واحد من هؤلاء الشراح في شرح هذا القول الفيصل؛ لذلك أود أن أذكر حاصل مجموع كلام هؤلاء الحنفية * وهم ستة أعلام، ليكون ذلك إجهازا على هؤلاء الجرحى القبورية *:

قالوا:إن الله تعالى أمر عبادة بالدعاء، ووعد بالإجابة، فرغب العباد إلى دعائه وحده لا شريك له؛ لأن الله سبحانه حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يدعهما صفرا؛ فالله سبحانه وتعالى قد أكد وأمر عباده أن يدعوه وحده عند الكربات، وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تؤكد هذا المطلوب، وتوجبه على العباد، ليدعوا رب العباد عند الكربات، لا غيره من المخلوقات؛ لأن الله تعالى هو وحده يملك كل شيء، فلا يتعذر عليه شيء، ولا يصعب عليه إعطاء شيء؛ ثم هو حيي، كريم، رحيم، جواد، وهاب، يعطي، ويجيب، وقادر على قضاء الحوائج، وهو موصوف بكمال الرحمة، وقادر على كل شيء؛ فلا تلحقه مشقة في قضاء حاجات المحتاجين، ولا غنى لأحد من المسلمين والكافرين عن الله تعالى طرفة عين؛ فإن المشركين أيضا محتاجون إلى الله تعالى،

ص: 1132

فقد كانوا إذا مسهم الضر في البحر لم يكونوا يدعون إلا الله سبحانه وحده لا يشركون معه غيره، فهؤلاء الكفار قد فهموا هذه النكتة المهمة، فكانوا يعتقدون أنه لا غنى لأحد عنه سبحانه عند الكربات؛ ولأجل أن كل ما سوى الله مفتقر إليه، وأنه هو الغني وحده- قد ندب الله سبحانه إلى دعائه، ورغبهم في أن يسألوه حوائجهم وحده لا شريك له، لأن ذلك يتضمن عدة من المطالب العالية، والصفات الكمالية، وهي الوجود، والغنى، والسمع، والعلم، والكرم، والرحمة، والقدرة، لأن المعدوم، والفقير، والأصم، والبخيل، والقاسي، والعاجز- لا يُدْعَوْنَ، فالله سبحانه وتعالى يفرح بدعاء عبده وسؤاله منه، وإظهار تضرعه إليه، فمن لم يسأل الله عند الكربات* ولم يدعه عند الملمات* يكرهه ويغضب عليه، بخلاف ابن آدم، كما قيل:

الله يغضب إن تركت سؤاله

وبُنيُّ آدم حين يسأل يغضب

فمن رأى نفسه مستغنيا عن الله طرفة عين، معرضا عنه، مستغيثا بغيره تعالى- فقد كفر، ويكون مخلدا في النار، فأي هلاك أشد من هذا!!!؛ لأن من لا يدعو الله تعالى- فهو لا يعرفه، وإن ادعى أنه يعرفه؛ لأنه وإن أقر به- فقد نقض إقراره بترك دعائه وسؤاله عند الكربات* وعدوله إلى غيره سبحانه من المخلوقات*.

ص: 1133

قلت: هذا الكلام لا يحتاج إلى أي تعليق فهو واضح في معناه وقاطع لدابر القبورية.

47 -

49- وقال الإمام الآلوسي محمود المفسر، مفتي الحنفية ببغداد (1270هـ) ، وتبعه ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) ، والعلامة الخجندي (1379هـ)، واللفظ للأول: (وتحقيق الكلام في هذا المقام: أن الاستغاثة بمخلوق، وجعله وسيلة بمعنى طلب الدعاء منه- لا شك في جوازه إن كان المطلوب منه حيا

؛ وأما إذا كان المطلوب منه ميتا أو غائبا- فلا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من السلف

؛ ولم يرد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم وهم أحرص الخلق على كل خير-: أنه طلب من ميت شيئا

) .

ص: 1134

المطلب الثاني

في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله تعالى

فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه إشراك بالله عز وجل

لقد سبق نصوص علماء الحنفية وأئمتهم القدامى على أن الاستغاثة بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله - أمر محرم في شرع الله، وينافي دين الله عز وجل، ويناقض توحيده جل وعلا.

وأذكر في هذا المطلب عدة نصوص لعلماء الحنفية- على أن الاستغاثة بغير الله- ليست محرمة في دين الله فحسب، بل هي شرك، من أقبح أنواع الشرك بالله.

وإليكم بعض تلك النصوص على سبيل المثال* لتكون فيها عبرة ونكال للقبورية الضّلال، أهل الإضلال*:

1 -

4- سبق في كلام الإمام الطحاوي، وهو في الحقيقة كلام للأئمة الثلاثة للحنفية على الإطلاق: أبي حنيفة، وصاحبيه أبي يوسف، ومحمد - رحمهم الله تعالى- قولهم:(ومن استغنى عن الله طرفة عين * فقد كفر، وصار من أهل الحين*) .

ص: 1135

قلت: هذا النص ينطبق تماما على القبورية الذين يزعمون أن الاستغاثة بالله تعالى تضر المكروب المضطر، وتؤخر قضاء حاجته؛ لأن الله تعالى لا يهمه أمر المضطر المكروب الملهوف، بخلاف الولي، فإنه أسرع إجابة من الله تعالى، وإنه يهتم بأمر المضطرين أكثر من الله تعالى.

فهؤلاء الوثنية هم في الحقيقة مستغنون عن الله تعالى، المستكبرون عن دعائه وحده، المعرضون عن الاستغاثة به عند الكربات* الراغبون في الاستغاثة بالأموات* المرجحون للاستغاثة بالأموات* على الاستغاثة برب البريات* فهؤلاء قد ارتكبوا كفرا بواحا* وأمرا إمْرًا نُكرا إدّا، وشركا صراحا*

5 -

7- وقال الإمام الفتني الملقب عند الكوثري، والكوثرية، بملك المحدثين وهو أحد الأئمة الحنفية الكبار (986هـ) - في صدد الرد على القبورية، وتبعه بعض علماء الحنفية، واللفظ للأول:

(فإن منهم من قصد بزيارة قبور الأنبياء والصلحاء: أن يصلي عند قبورهم، ويدعو عندها، ويسألهم الحوائج، وهذا لا يجوز [لأن ذلك من العبادة] فإن العبادة، وطلب الحوائج، والاستعانة، حق لله وحده) .

قلت: هذا النص المهم لهذا الإمام العظيم المبجل عند الحنفية، والملك

ص: 1136

للمحدثين عند الكوثري، أحد أئمة القبورية، والجهمية الماتريدية، ولا سيما الكوثرية (1371هـ) - دالّ على أن الاستغاثة بغير الله شرك بالله، إذ هي من قبيل العبادة لغير الله تعالى.

8 -

11- وقال الإمامان: البركوي (981هـ) ، وأحمد الرومي (1043هـ) ، وتبعه آخران من الحنفية، واللفظ للأول:

(إن فتنة الشرك بالصلاة فيها [أي عند القبور] ، ومشابهة عبادة الأوائل- أعظم بكثير من مضرة الصلاة بعد العصر، والفجر

؛ فكيف بهذه الذريعة التي كثيرا ما تدعو صاحبها إلى الشرك بدعاء الموتى وطلب الحوائج منهم) .

قلت: هذا النص صريح في أن الاستغاثة بالموتى وطلب الحوائج منهم ودعائهم، شرك بالله عز وجل، فدل على أن القبورية مرتكبون للشرك الأكبر، بالله جل وعلا.

12 -

وقال الإمام البركوي (981هـ) رحمه الله أيضا- مبينا مخازي القبورية وفضائحهم وقلبهم دين التوحيد إلى دين الشرك:

(فقلب هؤلاء الأمر، وعكسوا الدين، وجعلوا المقصودَ بالزيارة الشرك بالميت، ودعاءَه، وسؤاله الحوائجَ، واستنزال البركات منه، ونحو ذلك، فصاروا مسيئين إلى أنفسهم، وإلى الميت) .

قلت:

هذا النص لهذا الإمام صريح في أن الاستغاثة بالأموات عند

ص: 1137

الملمات، إشراك بخالق الكائنات، وأن القبورية بزيارتهم الوثنية- للشرك مرتكبون * وإلى أنفسهم، وإلى الميت مسيئون* 13-17- وقال الإمامان: البركوي (981هـ) ، وأحمد الرومي (1043هـ)، وتبعهما الشيخان: سبحان بخش الهندي، وإبراهيم السورتي، والعلامة محمود شكري الآلوسي (1342هـ)، في بيان المفاسد الشركية بسبب جعل القبور أعيادا:

واللفظ للأول:

(إن غلاة متخذيها عيدا إذا رأوها من موضع بعيد ينزلون* من الدواب ويضعون الجباه على الأرض ويقيلون* ويكشفون الرؤوس وينادون من مكان بعيد* ويستغيثون بمن لا يبدي ولا يعيد* ويرفعون الأصوات بالضجيج* ويرون أنهم قد زادوا في الربح على الحجيج* حتى إذا وصلوا إليها يصلون عندها ركعتين* ويرون أنهم قد أحرزوا من الأجر أجر من صلى إلى القبلتين* فتراهم حول القبور سجدا يبتغون فضلا من الميت ورضوانا* وقد ملأوا أكفهم خيبة وخسرانا* فلغير الله تعالى، بل للشيطان ما يراق هناك من العبرات* ويرتفع من الأصوات* ويطلب من الميت الحاجات* ويسأل من تفريج الكربات* وإغناء ذوي الفاقات * ومعافاة أولي العاهات والبليات*) .

قلت: هذا النص الفصيح البليغ الذي يثير عواطف أهل التوحيد، ويشن

ص: 1138

الغارة على أهل الشرك- يدل دلالة قطعية على أن حج القبورية إلى القبور* ودعاء من في القبور* والاستغاثة بهم- من أعظم أنواع الشرك بالله جل وعلا؛ لأن كل ذلك من أعظم أنواع العبادة لله عز وجل، فصرفها لغير الله من أعظم أنواع الإشراك بالله عز وجل.

فهذا النص من قبيل القضايا التي قياساتها معها كما قيل:

وتسعدني في غمرة بعد غمرة

سبوح لها منها عليها شواهد

18 -

22- وقال البركوي رحمه الله تعالى، والإمام أحمد الرومي، والشيخ سبحان بخش الهندي، والشيخ السورتي، والعلامة الخجندي، كاشفين الأستار عن أسرار القبورية واستغاثتهم الشركية، ومقارنين للقبورية بالوثنية، واللفظ للأول:

(وأمّا الزيارة البدعية:

فزيارة القبور لأجل الصلاة عندها، والطواف بها، وتقبيلها، واستلامها، وتعفير الخدود عليها، وأخذ ترابها، ودعاء أصحابها، والاستعانة بهم، وسؤالهم النصر، والرزق والعافية، والولد، وقضاء الديون، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفان، وغير ذلك من الحاجات التي كان عبّاد الأوثان يسألونها من أوثانهم- فليس شيئا من ذلك مشروعا باتفاق أئمة الدين؛ إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من الصحابة، والتابعين، وسائر أئمة الدين، بل أصل هذه الزيارة البدعية الشركية مأخوذة عن عباد الأصنام) .

ص: 1139

23 -

ثم طوّل البركوي رحمه الله النّفَسَ في تحقيق مقارنة القبورية بالوثنية الأولى.

قلت: هذا النص يدل دلالة قاطعة على أن الاستغاثة بالأموات* من أعظم أنواع الإشرك برب البريات* وأنها من دين الوثنية الأولى * وجاهلية من الجاهلية الجهلاء الحمقاء*.

24 -

25- قول ابن الرومي في شرح المختار في بيان أن استغاثة القبورية شرك، على ما قاله العلامة الخجندي:

(وقال ابن الرومي في شرح المختار: " قد قرّر الشيطان في عقول الجهال: أن الإقسام على الله بالولي، والدعاء به، أبلغ في تعظيمه، وأنجح لقضاء حوائجه، فأوقعهم بذلك في الشرك "..) .

26 -

30- قول جمع من كبار علماء الحنفية:

أولهم الإمام صنع الله الحلبي (1120هـ) ، وتبعه آخرون- محققين أن الاستغاثة بالأموات* عند الكربات* إشراك برب الكائنات* وأن القبورية في ذلك على طريقة الوثنية الأولى- في كلام طويل مهم قد سبق فلا حاجة إلى إعادته.

ص: 1140

31 -

وقال الإمام ولي الله الدهلوي الملقب عند الحنفية " بحجة الله على العالمين "(1176هـ) .

في بيان شركيات القبوريين، وأن استغاثتهم بغير الله تعالى شرك به سبحانه وتعالى:

(وأمّا الإشراك بالله استعانة- فحده: أن يطلب حاجة عالما بأن فيه قدرة إنجاحها من صرف الإرادة النافذة: كالشفاء من المرض، والإحياء، والإماتة، والرزق، وخلق الولد، وغيرها مما يتضمنه أسماء الله تعالى، والإشراك بالله تعالى دعاء:

فحده: أن يذكر غير الله تعالى، عالما بأنّ فعله ذلك نافع في معاده، أو قربه إلى الله تعالى، كما يذكرون شيوخهم إذا أصبحوا) .

32 -

وقال رحمه الله محققا أن القبورية باستغاثتهم بالأموات* مثل الوثنية الأولى عبدة العزى واللات*:

(كل من ذهب إلى بلدة أجمير، أو إلى قبر سالار

ص: 1141

مسعود، أو ما ضاهاها: لأجل حاجة يطلبها، فإنه آثم إثما أكبر من القتل والزنى، ليس مثله إلا مثل من كان يعيد المصنوعات، أو مثل من كان يدعو اللات والعزى) .

قلت: هذا النص، لهذا الإمام، يقطع دابر القبورية المستغيثين بالأموات* فقد حكم عليهم هذا الإمام الهمام، بأنهم في استغاثاتهم وثنية كعباد اللات والمصنوعات*

33 -

وقال رحمه الله في الرد على القبورية المستغيثين بالأموات* معرضين عن الاستغاثة برب البريات*، مبينا أن استغاثتهم بغير الله إشراك بخالق البريات*: (يا أيها الناس ما لكم أشركتم بالله ما لم ينزل به سلطانا، اتخذ أهل كل بلد من أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [يستغيثون بهم، معرضين عن الله] ، أتعلمون أن الله بعيد عنكم [حتى أعرضتم عنه] ؟!؟، وأنّ هؤلاء [الأموات أو الأحياء الغائبين] أقربُ إليكم منه؟؟؟ [حتى اخترتموهم للاستغاثة بهم عند الملمات!!!] ،

ص: 1142

كلا، إن الحق العلي الكبير، مع كونه منزها غاية التنزيه، تدلى إلى خلقه، فما من أحد يقول: يا ربي يا ربي، إلا وهو يقول بإزائه: يا عبدي) .

34 -

وقال رحمه الله في الرد على القبورية مبينا أن طلب الحوائج من الأموات كفر يناقض الإسلام، وكلمة التوحيد:

(واعلم أن طلب الحوائج من الموتى، عالما بأنه سبب لإنجاحها- كفر يجب الاحتراز عنه، تُحرِّمه هذه الكلمةُ [كلمة التوحيد] ، والناس [القبورية] اليوم فيها منهمكون) .

35 -

36- ونقله آخرون من الحنفية مستدلين به رادين به على القبورية، حاكمين على أن الاستغاثة بغير الله كفر وشرك.

37 -

42- وقال رحمه الله مبينا عقائد المشركين الأولين وأنواع إشراكهم بالله تعالى، ذاكرا منها الاستغاثة بغير الله، محققا أنها شرك بالله، وتبعه في هذا التحقيق عدة من كبار علماء الحنفية، واللفظ له:

(ومنها [أي من أنواع شرك المشركين الأولين] : أنهم كانوا يستعينون بغير الله في حوائجهم من: شفاء المريض، وغناء الفقير، وينذرون لهم، يتوقعون إنجاح مقاصدهم بتلك النذور، ويتلون أسماءهم رجاء بركتها:

ص: 1143

فأنزل الله تعالى عليهم أن يقولوا في صلاتهم: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، وقال تعالى:{فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، وليس المراد من " الدعاء ":" العبادة". كما قاله بعض المفسرين، بل هو الاستعانة كقوله تعالى:{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام: 41] ..) .

43 -

45- وقال رحمه الله، وتبعه بعض الحنفية، مبينا أن أوراد القبورية التي فيها استغاثتهم بالأموات- هي أوراد شركية:

(الأوراد الشركية من علامات القبورية، أنهم يعتقدون في مشائخهم،أنهم يعلمون أسرارهم، وينادونهم عند الكربات، فيقول بعضهم: يا بهاء الدين مفرج الكربات، وبعضهم يستغيثون لبسط الرزق: يا نظام الدين أولياء واهب الرزق، وبعضهم يقولون- قياما وقعودا- عند الكربات: يا شيخ عبد القادر

ص: 1144

الجيلاني شيئا لله) .

46 -

49- وقال القاضي ثناء الله الباني بتي الملقب عند الحنفية ببيهقي الوقت (1225هـ) وتبعه كثير من علماء الحنفية، منهم الشيخ الجنجوهي (1323هـ)، مبينا أن استغاثات القبورية بالأموات شرك بالله تعالى وكفر به:

(لا يجوز عبادة غير الله، ولا استعانة من غيره تعالى، لأن ذلك من حق الله تعالى وحده، كما قال سبحانه بصيغة الحصر:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فلا يجوز النداء للأولياء، لأنه من العبادة [العبادة لغير الله شرك] ، كما لا يجوز الانحناء إلى القبور، ولا الطواف بها، لأن الطواف لا يكون إلا بالكعبة، ولأن الطواف كالصلاة، فلا تجوز لغير الله، ولا يجوز أيضا دعاء الأنبياء والأولياء في الكربات* سواء كانوا من الأحياء أو من الأموات * لأن الدعاء من العبادة بصريح الكتاب والسنة، ولكن بعض الجهال يقولون عند الكربات:" يا شيخ عبد القادر الجيلاني شيئا لله "، ويقول بعضهم:" يا خواجة شمس الدين الباني بتي شيئا لله "، فهذا لا يجوز، بل هو شرك، وكفر؛ لأن الله تعالى قال:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

ص: 1145

[الأعراف: 194] ، فالذين يدعونهم القبورية- هم عباد مثلهم، لا قدرة لهم على النفع والضر وإنجاح الحوائج.

فإن قال قائل من هؤلاء القبورية:

إن هذه الآية نزلت في حق الكفار، وهم كانوا يدعون الأصنام، أما نحن فلا ندعوا الأصنام. بل ندعوا أولياء الله تعالى.

فالجواب:

أن لفظ من دون الله بمعنى " غير الله "- لفظ عام، فالعبرة لعموم اللفظ، لا لخصوص النزول، فيدخل فيه: الأنبياء، والأولياء، وكل ما سوى الله تعالى، فلا يجوز نداء غير الله عند الكربات.

سواء كان من الأصنام، أو الأحياء، أو الأموات*) .

50 -

ولقد عد الإمام الشاه عبد القادر، أحد كبار علماء الحنفية الملقب عندهم بالإمام الكبير (1230هـ) - عدةَ أنواع للشرك ذكر منها الاستغاثة بغير الله.

51 -

53- وقال الإمام الشاه عبد العزيز الملقب عند الحنفية بسراج الهند (1239هـ) وتبعه آخرون من الحنفية مبينين أن الاستغاثة بغير الله

ص: 1146

شرك من أفعال المشركين:

(إن بعض المشركين [القبورية] يدعون غير الله لدفع البليات) .

54 -

55- وقال الإمام المجاهد الشاه إسماعيل الدهلوي (1246هـ) حفيد الإمام ولي الله الدهلوي (1176هـ) ، وتبعه الشيخ أبو الحسن الندوي، مبيِّنين أن الشرك بالاستغاثة بأهل القبور قد عم وطمّ، واللفظ للثاني:

(استفحال فتنة الشرك والجهالة في الناس:

اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر، وأصبح التوحيد غريبا

؛

مظاهر الشرك:

ومن المشاهد اليوم أن كثيرا من الناس يستغيثون بالمشايخ، والأنبياء، والأئمة، والشهداء، والملائكة، والجنيات، عند الشدائد، فينادونها بأسمائها، ويصرخون بأسمائها، ويسألون عنها قضاء الحاجات وتحقيق المطالب

) .

56 -

75- وقالا- واللفظ للثاني أيضا- في المقارنة بين القبورية وبين الوثنية الأولى:

(حقيقة شرك أهل الجاهلية وضلالهم

؛

ص: 1147

فما كان كفرهم وشركهم إلا نداءهم لآلهتهم، والنذور التي كانوا ينذرونها

؛ واتخاذهم لهم شفعاء ووكلاء، فمن عامل أحدا بما عامل به الكفار آلهتهم- وإن كان يقر بأنه عبد ومخلوق- كان هو، وأبو جهل في الشرك بمنزلة سواء) .

58 -

وللإمام الشاه محمد إسحاق الدهلوي (1262هـ) تحقيق مهم في أن الاستغاثة بالأموات* من أعظم أنواع الإشراك بخالق الكائنات*

59 -

60- وقال الإمام محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (1270هـ) ، وتبعه ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) ، محققا تحريم استغاثة هؤلاء المفرطين* وأنه من الذنوب العظائم، ومن أفعال الملعونين المشركين* المعرضين عن الاستغاثة برب العالمين* المستغيثين بالأموات المحتاجين العاجزين الغافلين عن إغاثة هؤلاء المستغيثين *:

(والناس قد أفرطوا اليوم في الإقسام على الله، فأقسموا عليه عزّ شأنه بمن ليس في العير ولا في النفير* وليس عنده من الجاه قدر قطمير* وأعظم من ذلك أنهم يطلبون من أصحاب القبور* نحو إشفاء

ص: 1148

المريض وإغناء الفقير* ورد الضالة وتيسير كل عسير * وتوحي إليهم شياطينهم خبر: " إذا أعيتكم الأمور..... إلخ ".

وهو حديث مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه، لم يروه أحد من العلماء، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم: عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن على ذلك، فكيف يتصور منه عليه الصلاة والسلام الأمر بالاستغاثة من أصحابها؟!؟ سبحانك! هذا بهتان عظيم!!!!) .

61 -

66- وقال الإمام محمود الآلوسي، مفتي الحنفية ببغداد (1270هـ) - أيضا- وتبعه ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ)، وآخرون من الحنفية:

مبينين أن القبورية بارتكاب شركهم بالاستغاثة بالأموات على طريقة الوثنية الأولى: (وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا}

إلخ [الحج: 73]- إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى؛ حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله تعالى

؛ ولا يخفى أنهم....- أشبه بعبدة الأوثان القائلين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]

؛ وكل ذلك باطل لا أصل له في الكتاب والسنة* وكلام سلف الأمة*

ص: 1149

وقد أفسد هؤلاء [القبورية] على الناس دينهم، وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة من اليهود والنصارى، وكذا لأهل الملل والنِحل والدهرية، نسأل الله تعالى العفو والعافية) .

67 -

69- وقال العلامتان نعمان الآلوسي (1317هـ) ، وابن أخيه شكري الآلوسي (1342هـ) عن شيخ الإسلام (728هـ)، في تحقيق أن الاستغاثة بالأموات* من أعظم الإشراك برب البريات * وأنها من أعظم أسباب دمار البلاد* وأعظم موجبات غضب الله القهار على العباد* المستغيثين بالأموات* عند إلمام الملمات * [والكلام في الأصل لشيخ الإسلام (728هـ) ] :

(ونحن نعلم بالضرورة أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام- لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدا من الأموات: لا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرها، كما أنه [عليه السلام] لم يشرع لأمته السجود لميت، ولا إلى ميت، ونحو ذلك، وأن ذلك من الشرك الذي حرّمه الله تعالى ورسوله [صلى الله عليه وسلم] ، لكن لغلبة الجهل، وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين- لم يمكن تكفيرهم بذلك، حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول [صلى الله عليه وسلم] مما يخالفه، ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطن

ص: 1150

بها، وقال:" هذا أصل دين الإسلام "، وكان بعض أكابر الشيوخ من أصحابنا يقول:" هذا أعظم ما بينته لنا "، لعلمه بأن هذا أصل دين الإسلام، وكان هذا وأمثاله يدعون الأموات، ويسألونهم، ويستجيرون بهم، ويتضرعون إليهم، وربما كان ما يفعلونه أعظم؛ لأنهم إنما يقصدون الميت في ضرورة نزلت بهم، فيدعون دعاء المضطر راجين قضاء حاجاتهم بدعائه، أو الدعاء به، أو الدعاء عند قبره، بخلاف عبادتهم لله تعالى؛ فإنهم يفعلونها في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف، حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام [التتار] لما قدم دِمَشق الشام:

خرجوا [أي القبورية] يستغيثون بالموتى عند القبور، يرجون عندها كشف الضر، وقال بعض الشعراء [القبورية] " كامل ":

يا خائفين من التتر

لوذوا بقبر أبي عمر

أو قال:

عوذوا بقبر أبي عمر

ينجيكم من الضرر

فقلت لهم: هؤلاء الذين تستغيثون بهم، لو كانوا معكم [أحياء] في القتال، لانهزموا [ولانهزمتم معهم أيضا، لأنكم تشركون بالله بالاستغاثة

ص: 1151

بهم] ، ولهذا كان أهل المعرفة بالدين، والمكاشفة [أي العارفون للواقع] ، لم يقاتلوا في تلك المرة، لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله تعالى به، ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولما يحصل بذلك من الشر، والفساد، وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا، ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا

؛ [لأن هذا القتال كان تحت قيادة القبورية وإمرتهم وتحت رايتهم] ، فلما كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناس بإخلاص الدين [أي التوحيد] لله تعالى، والاستغاثة به، وأنهم لا يستغيثون إلا به، لا يستغيثون بملك مقرب، ولا نبي مرسل، فلما أصلح الناس أمورهم، وصدقوا في الاستغاثة بربهم عز وجل نصرهم على عدوهم نصرا عزيزا لم يتقدم نظيره، ولا انهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك!!!، لما صح من توحيد الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يكن قبل ذلك؛ فإن الله ينصر رسله {وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} .

انتهى باقتصار) .

ص: 1152

قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة!!! وما أشبه كارثة أفغانستان بكارثة الشام!!! فإن الله تعالى لم يسلط عليها الدمار والشنار!! إلا لأسباب أعظمها الإشراك بالله، وعبادة القبور وأهلها، ولما كان قتالهم مشوبا بالشرك وعبادة القبور، وقتل أهل التوحيد والسنة- حصل ما حصل بعد قتال طويل، ودمار مستطير، وسيل دماء جرار، فهل من مدكر!؟! وإن كنا لا نعني بذلك الطعن في الجهاد* فكل يبعث على نيته يوم المعاد*

70 -

وقال العلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) رحمه الله، في الرد على القبورية والتحذير من الاستغاثة بالأموات* وتحقيق أنه إشراك بخالق البريات*:

(ومما يفتى به في هذا المقام* ما أنشد فيه لنفسه مفتي مصرنا مدينة السلام* وهو قوله " بسيط ":

لا تدع في حاجة بازا ولا أسدا

الله ربك لا تشرك به أحدا

وهو كلام يترشح منه التوحيد * ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد*) .

71 -

72- وقال العلامتان: نعمان الآلوسي (1317هـ) ،

ص: 1153

والخجندي (1379هـ) في بيان أن استغاثة القبورية شرك من قبيل عبادة الأصنام:

(إن الدعاء لغيره تعالى سواء كان المدعو حيا [غائبا] أو ميتا، وسواء كان من الأنبياء عليهم السلام، أو غيرهم:

بأن يقال: يا سيدي فلان أغثني، أو أنا مستجير بك، أو نحو ذلك؛ فهذا شرك بالله تعالى، وهو مثل عبادة الأصنام في القرون الماضية.....) .

73 -

74- وقال الأديب الناثر* والشاعر المجيد الماهر* إلطاف حسين الحالي (1333هـ) ، وتبعه الأستاذ أبو الأعلى المودودي (1979م)، في بيان أن القبورية باستغاثتهم بالأموات* مرتكبون للشرك الأكبر بخالق الكائنات: (هل يعقل؟.؟ أن من عبد الصنم يكون كافرا* وأن من اتخذ لله ولدا يكون كافرا* وأن من سجد للنار يكون كافرا* وأن من رأى التصرف في الكواكب يكون كافرا*!!! ولكن القبورية الذين ينتمون إلى الإسلام قد فتحت لهم الطرق

ص: 1154

كلها، وهم أحرار في أن يعبدوا من شاءوا من دون الله، وهم مع ذلك لا يكفرون؟.؟ وفي أن يرفعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزلة الله تعالى، وهم مع ذلك لا يكفرون؟.؟ وفي أن يرفعوا الأئمة فوق منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في التحليل والتحريم، ومع ذلك لا يكفرون؟.؟ وفي أن ينذروا للقبور نذورا، وهم مع ذلك لا يكفرون؟.؟ وفي أن يستغيثوا بالشهداء، ويطلبوا منهم الحاجات، وهم مع ذلك لا يكفرون؟.؟ سبحان الله!!! لا يكفرون؟.؟ ، ولا يقع الخلل في توحيدهم؟.؟ ولا يختل إسلامهم؟.؟، ولا يذهب إيمانهم؟.؟) .

75 -

وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) ، كاشفا حال ابن جرجيس العراقي الحنفي الوثني (1299هـ)، مبينا أن الاستغاثة بالأموات* إشراك برب الكائنات * حاكما على القبورية * بأنهم على طريقة الوثنية*:

(وحقيقة حال هذا العراقي مصادمة ما في القرآن من النهي عن دعوة غير الله [فوق الأسباب] ، والقرآن ينهى عن دعوة كل ما سوى الله [فيما لا يقدر عليه إلا الله]، وهذا [العراقي] يقول: يجوز أو يستحب أن يدعى، أو يستغاث مع الله غيره، وليس عنده إلا تشكيك، وتخميش، وتغير على التوحيد * ونصرة الشرك والتنديد*

ص: 1155

ولا يخفى أن جل شرك المشركين في حق من عبدوه مع الله تعالى - إنما هو بدعائه وسؤاله قضاء حاجاتهم * وتفريج كرباتهم *) .

76 -

وقال رحمه الله في كلام شواظ من النار* أرسله على القبورية الأغمار* مبينا أن استغاثتهم بالأموات* إشراك برب البريات كاشفا الأستار عن بعض الأسرار* لبعض أئمة القبورية المضلين الأشرار* حاكما عليهم بأنهم فسقة زنادقة فجار* فأنى لهم أن يكونوا من أولياء الله الأخيار الأبرار*: (وليس كل من ادعى أنه صوفي يسلم له الزهد والورع، ولا سيما صوفية هذا العصر، فإنهم ذئاب* عليهم من جلود الشياه ثياب *!!!! كما نسمع عن شيخ مبتدعة الرفاعية في دار السلطنة - فإنه فاق على إبليس في مكره، وحيله، وخبثه، وزندقته،

ص: 1156

كما نسمع عن شيخ القادرية في بغداد ممن ينتمي إلى الكيلاني ويرشدون الناس، وعندهم خاتم كبير يختمون به ما يعطون لمن يسلك عليهم مكتوب فيه:

" * لا إله إلا الله* عبد القادر شيئا لله* "، وقد كفروا بذلك، كما ذكر فقهاء السادة الحنفية، ففي منظومة ابن وهبان:

" * (بدر ويش در ويشان) كفر بعضهم * كذا قول شيء لله بعض يكفر* " والنقيب أولاده وسائر أفراد عائلتهم- هم أعظم الناس بلاء على الأمة، ليست معصية في الدنيا إلا وقد

ص: 1157

استباحوها، وكبيرهم النقيب * بل الذيب* - هو بريد الشر على العراق وهم أرفاض زنادقة، يسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علنا، ويشربون الخمور، ويتعاطون كل منكر، وعسى الله يعين على إفراد كتاب ينبسط فيه أحوال هؤلاء الزنادقة تحذيرا للمسلمين منهم هؤلاء شيوخ صوفية عصرنا، والأمر لله، وابن حجر [الهيتمي القبوري] إن عظم أمثال هؤلاء الفجرة- فهو لا شك من أعداء الله) .

77 -

وله رحمه الله كلام آخر من هذا القبيل في بيان فضائح القبورية، ولا سيما الصوفية منهم، وتحقيق أن استغاثتهم بالأموات* من أعظم الإشراك والوثنيات*

78 -

وقال رحمه الله أيضا- بعد تحقيق مهم في وجوب سد ذرائع الشرك، وحماية حمى التوحيد بذكر عدة أمثلة- مبينا أن الاستغاثة بالأموات عند الكربات* من أعظم الإشراك بخالق الكائنات*:

(

، فمن المستحيل شرعا، وفطرة، وعقلا:

أن تأتي هذه الشريعةُ المطهرةُ الكاملةُ، وغيرُها- بإباحة دعاء الموتى والغائبين [عند الكربات*] والاستغاثة بهم من الملمات والمهمات* كقول النصراني:" يا والدة المسيح اشفعي لنا إلى الإله ".

أو: " يا عيسى، أعطني كذا "، أو:" افعل بي كذا "، وكذلك قول القائل [القبوري] : " يا علي، أو ياحسين، أو يا

ص: 1158

عباس، أو يا عبد القادر، أو يا عيدروس، أو يا بدوي، أو يا فلان، ونحو ذلك من الألفاظ الشركية التي تتضمن العدل بالله، والتسوية به تعالى وتقدس؛ فهذا لا تأتي شريعة، ولا رسالة بإباحته قط، بل هو من شعب الشرك الظاهرة الموجبة للخلود في النار* ومقت العزيز الغفار* وقد نص على ذلك مشايخ الإسلام* حتى ذكره ابن حجر في الأعلام * مقررا له) .

ص: 1159

79 -

قال الشيخ الجوهر - وهو من كبار مشاهير علماء الحنفية المعاصرة- عن شيخ الإسلام (728هـ)، في تحقيق أن الاستغاثة بالغائبين والأموات* من أعظم أنواع الشرك برب البريات*:

(فهذه أنواع من خطاب الملائكة، والأنبياء، والصالحين بعد موتهم عند قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم- هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب، وفي مبتدعة أهل الكتاب، والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات، ما لم يأذن به الله تعالى:

[قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] ، فإن دعاء الملائكة، والأنبياء بعد موتهم، وفي مغيبهم، وسؤالهم، والاستغاثة بهم، والاستشفاع بهم في هذه الحال، ونصب تماثيلهم، بمعنى طلب الشفاعة منهم- هو من الدين الذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولا، ولا أنزل به كتابا] ، وليس هو واجبا، ولا مستحبا باتفاق المسلمين* ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين* لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين* [وإن كان ذلك مما يفعله كثير من الناس ممن له عبادة وزهد، ويذكرون حكايات ومنامات] ،

ص: 1160

فهذا كله من الشيطان، [وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميت، والاستشفاع به، والاستغاثة به، أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصالحين* فهذا كله ليس بمشروع، ولا واجب، ولا مستحب باتفاق أئمة المسلمين* ومن تعبد بعبادة ليست واجبة، ولا مستحبة، وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعة سيئة، لا بدعة حسنة، باتفاق أئمة الدين] .

قلت: هذا النص لا يحتاج إلى تعليق، فهو واضح، ونص على أن الاستغاثة بالغائبين والأموات * من أعظم أنواع الشرك بخالق الكائنات*

ص: 1161

والآن ننتقل إلى المطلب الثالث لنعرف على لسان علماء الحنفية أن هذه الاستغاثة ليست شركا بالله فحسب، بل هي أم لعدة أنواع من الشرك بالله.

ص: 1162

المطلب الثالث

في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله

فيما لا يقدر عليه إلا الله أم لعدة أنواع من الشرك بالله

لقد صرح علماء الحنفية أن الاستغاثة بغير الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلا الله ليست بإشراك بالله سبحانه فحسب، بل هي أمّ لعدة أنواع من الإشراك بالله تعالى، وإليكم تحقيق ذلك على لسان علماء الحنفية وشهادتهم:

1 -

قال جمع من علماء الحنفية: إن الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه - متضمنة لثلاثة أنواع من الشرك الصريح-:

الأول: اعتقاد المستغيث أن المستغاث يعلم الغيب، وإلا لما دعاه البتة.

الثاني: اعتقاد المستغيث أن المستغاث يسمع صوته ونداءه، وإلا لما هتف باسمه.

الثالث: اعتقاد المستغيث أن المستغاث يقدر على قضاء حاجته، من دفع المضرات، وجلب الخيرات* وإلاّ لما ناداه عند الكربات وإلمام الملمات*

ص: 1163

وقد سبق في البابين (الخامس، والسادس) أن هذه العقائد كلها شركية وثنية.

11 -

12- قال الإمام محمود الآلوسي - مفتي الحنفية ببغداد (1270هـ) ، وتبعه ابنه العلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) ، والعلامة الأديب الرباطي، واللفظ للأول:

(إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم: مثل: يا سيدي فلان، أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء، واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك، وقد عده أناس من العلماء شركا، وإن لا يكنه [على سبيل فرض المحال]- فهو قريب منه، و [الحق أنه أمّ أنواع الإشراك، لأنني لا أرى أحدا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد [عقائدَ ثلاثا:][الأولى] : أن المدعو الحي الغائب، أو الميت المغيب يعلم الغيب، و [الثانية أنه] يسمع النداء.

و [الثالثة أنه] يقدر بالذات، أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى.

وإلا لما دعاه * ولا فتح فاه*

ص: 1164

{وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} .

فالحزم التجنب عن ذلك، وعدم الطلب إلا من الله تعالى، القوي الغني، الفعال لما يريد) .

13 -

14- وقال شارح مختصر القدري على ما قاله العلامة الخجندي (1379هـ) في بيان أن استغاثة القبورية ليست من الشرك فحسب، بل أمّ الشركيات، ومتضمنة لعدة أنواع من الشرك:

(وها أنا أذكر لك نصوص المذهب الحنفي عن الكتب المعتبرة، والفتاوى المشهورة:

ففي شرح القدوري: " أن من يدعو غائبا أو ميتا عند غير القبور، وقال: يا سيدي فلان ادع الله تعالى في حاجتي فلانة، زاعما أنه يعلم الغيب ويسمع كلامه في كل زمان ومكان* ويشفع له في كل حين وآن* فهذا شرك صريح، فإن علم الغيب من الصفات المختصة بالله تعالى.

وكذا إذا قال عند قبر نبي، أو صالح:

يا سيدي فلان، اشف مريضي أو اكشف عني كربتي، وغير ذلك- فهو شرك جلي، إذ نداءُ غير الله تعالى طالبا بذلك دفع شر، أو طلب

ص: 1165

نفع فيما لا يقدر عليه الغير دعاءٌ، والدعاء عبادة، وعبادة غير الله شرك، وهذا أعم من أن يعتقد فيهم: أنهم مؤثرون بالذات، أو أعطاهم الله تعالى التصرفات في تلك الأمور، أو أنهم أبواب الحاجة إلى الله تعالى، وشفعاؤه، ووسائله، وفيه اعتقاد علم الغيب لذلك المدعو، وهو شرك، نسأل الله الحفظ والعصمة عن الشرك والكفر والضلال) .

15 -

16- وقال الإمام المجاهد إسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله الدهلوي (1246هـ) ، والشيخ أبو الحسن الندوي، واللفظ للثاني- مُحَقّقين: أن الاستغاثة بالأموات متضمنة لأنواعٍ أخرى من الشرك:

(نداء الأموات من بعيد، أو من قريب، للدعاء - إشراك في العلم.

وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: 5] ، وقد دلت هذه الآية على أن المشركين قد أمعنوا في السفاهة، فقد عدلوا عن القادر العليم [السميع] إلى أناس - لا يسمعون دعاءهم، وإن سمعوا ما استجابوا، وهم لا يقدرون على شيء

؛ وقد يكتفي بعض الناس فيقولون:

" يا سيدنا: ادع الله لنا، يقضي حاجاتنا "

ص: 1166

ويظنون أنهم ما أشركوا، فإنهم ما طلبوا منهم قضاء الحاجة، [أي أنهم لم يقولوا: اقض حاجتنا] ، وإنما طلبوا منهم الدعاء [أي الشفاعة] وهذا باطل؛ فإنهم وإن لم يشركوا عن طلب قضاء الحاجة- فإنهم أشركوا عن طريق النداء، فقد ظنوا: أنهم يسمعون نداءهم

؛ مع أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}

) .

قلت: هذا النص مشتمل على أن الاستغاثة بالأموات- متضمنة للشرك في العلم، وللشرك في السماع، وللشرك في التصرف.

16 -

وللإمام الشاه محمد إسحاق الدهلوي (1262هـ) تحقيق حقيق بالقبول في الرد على القبورية، حاصله:

أن الاستغاثة بالأموات * متضمنة لعدة أنواع من الإشراك برب البريات* كالشرك في العلم، والشرك في التصرف، والشرك في السماع.

أقول: بعدما عرفنا: أن الاستغاثة بالغائبين والأموات* شرك بل أمَّ

ص: 1167

لعدة أنواع من الإشراك برب البريات*

ننتقل إلى الفصل الآتي؛ لنطلع على تحقيق الحنفية: أن القبورية- أعظم شركا من الوثنية الأولى، وأعظم عبادة للأموات* منهم لخالق الكائنات* في باب الاستغاثات*

ص: 1168