الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في تنبيهات ثلاثة على فوائد ثلاث لشرح الكلام السابق
التنبيه الأول: أن قوله: (وقد رد الله عليهم في عدة مواضع من كتابه الحكيم) .
يشير به إلى تلك الآيات التي رد الله تعالى فيها على المشركين السابقين المنكرين للرسل.
حيث كانوا يزعمون أن الرسول لا يكون بشرا، 1- كما قال تعالى:{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} [هود:27] .
2 -
وقال سبحانه: {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم: 10]، 3- وقال جل وعلا:{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 94] .
4 -
وقال عز وجل: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبياء: 3] .
5 -
وقال جل جلاله: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [المؤمنون: 24]، 6- وقال تباركت أسماؤه:{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ}
…
{مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [المؤمنون: 34- 35] .
7 -
وقال جلت صفاته: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: 47] .
8 -
وقال جل مجده: {قَالُوا....* مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}
…
[الشعراء: 153-154] .
9 -
وقال سبحانه: {قَالُوا
…
* وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}
…
[الشعراء: 185- 186] .
10 -
وقال تعالى: {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [يس: 15] .
11 -
وقال سبحانه: {فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} [القمر: 24] .
12 -
وقال جل وعلا {فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: 6] .
وغيرها من الآيات؛ وفيها دليل على أن عقيدة إنكار كون النبي صلى الله عليه وسلم بشرا هي بعينها عقيدة المشركين السابقين؛ فالبريلوية ومن على شاكلتهم من القبورية الغلاة في الحقيقة خلف لهؤلاء السلف من كبار الكفار المشركين الذين كانوا منكرين لبشرية الرسل، ويعتقدون أن الرسل ليسوا من جنس البشر!!!
التنبيه الثاني: أن قوله: (لأنه إنكار لعدة نصوص قرآنية) يشير به إلى تلك الآيات التي بين الله تعالى فيها للمشركين أن الرسل إنما هم بشر مثلكم- في أنهم من بني آدم، وأنهم رجال، وأنهم معروفون بالنسب فيكم،
يأتي عليهم مثل ما يأتي على بني آدم من عوارض البشرية، كالنسيان، والعجز، والمرض، والجوع، والعطش، والزواج، والذرية، ونحو ذلك؛ غير أن الله تعالى أكرمهم بالرسالة، وفضلهم، ومنّ عليهم، وجعلهم هداة للأمم؛ 1- كما قال سبحانه وتعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف: 109] .
2 -
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] ،
3 -
وقال جل وعلا: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11] ،
4 -
وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [النحل: 43] ،
5 -
وقال سبحانه: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء:93] ،
6 -
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110، وفصلت: 6] ،
7 -
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ
…
* وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} [الأنبياء: 7- 8] ،
8 -
وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] ؛
وهذا في الجواب عن شبهة المشركين وقولهم فيما حكاه الله عنهم:
{مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] ،
وغيرها من الآيات الكريمات التي تدل على أن جميع الرسل عليهم السلام وعلى رأسهم أبو القاسم محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بشر، وأنهم في العوارض البشرية مثل سائر الناس، وأن لهم آباء وأبناء وأزواج، ومأكل ومشرب، وحوائج بشرية، وأنهم مركبون من اللحم والشحم والعظام.
التنبيه الثالث: أن هذه الآيات براهين باهرة، وسلاطين قاهرة على سفاهة البريلوية وغيرهم من القبورية - الذين يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نور لا بشر، وأنه لا ظل له؛ ومعنى ذلك أنه كان نورا حسيا شفافا كالزجاج، وتدل هذه الآيات أيضا على أن هؤلاء القبورية في اعتقادهم هذا على اعتقاد المشركين السابقين، وبينهم جميعا قدر مشترك في هذه العقيدة؛ وهو أن المشركين السابقين وهؤلاء القبورية يرون المنافاة بين البشرية والرسالة، هذا هو القدر المشترك، ولكن ههنا فارق بين المشركين السابقين وبين هؤلاء القبورية، وهو أن المشركين السابقين كانوا يشاهدون بشرية الرسل فلم يمكن إنكار بشريتهم؛ لأن إنكار الحس والمشاهدة لا يصدر إلا من مجنون.
ولكن أنكروا رسالتهم، لأن رسالتهم لم تكن من الأمور المحسوسة؛ فقالوا: أنتم بشر، فكيف تدعون الرسالة؟!؟ أما هؤلاء القبورية-
فهم يؤمنون برسالة الرسل؛ لأنهم منتسبون إلى الإسلام، والإيمان بالرسل من ضروريات هذا الدين؛ بحيث لم يشتبه على أحد من الرجال والنساء، ولكنهم لما لم يشاهدوا بشريتهم، وكانوا من الغلاة في التعظيم- أنكروا بشرية الرسل عليهم السلام، فهذا هو الفارق بين هؤلاء القبورية وبين الوثنية الأولى، وإلا فهم جميعا مشتركون في القدر المشترك من أصل هذه العقيدة الفاسدة، وهو زعم المنافاة بين البشرية والرسالة.
وبعد هذا ننتقل إلى الباب السادس؛ لنعرف جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة علم الغيب، والتصرف في الكون لغير الله