الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
في نصوص علماء الحنفية في التحذير من الشرك
1 -
قال الإمام محيي الدين البركوي أحد عظماء الحنفية (981) : (فإن الشرك ملزوم للتنقيص " لله تعالى " والتنقيص لازم له ضرورة شاء المشرك أو أبى؛ ولكون الشرك منقصا للربوبية اقتضى حكمته تعالى وكمال ربوبيته أن لا يغفره ويخلد صاحبه في النار؛ ولا تجد مشركا قط إلا وهو منتقص لله تعالى؛ وإن زعم أنه يعظمه؛ كما أنك لا تجد مبتدعا إلا وهو منتقص للرسول صلى الله عليه وسلم وإن زعم أنه معظم بالبدعة) .
2 -
وقال رحمه الله تعالى:
" فإن الشرك لما كان أظلم الظلم وأقبح القبائح وأنكر المنكر- كان أبغض الأشياء إلى الله تعالى وأكرهها له؛ ولذلك رتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب آخر سواه وأخبر أنه لا يغفره وأن أهله نجس ومنعهم قربان حرمه وحرّم
ذبائحهم ومناكحتهم وقطع الموالاة بينهم وبين المؤمنين وجعلهم أعداء له ولملائكته ورسله والمؤمنين؛ وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم؛ وأن يتخذوهم عبيدا؛ وهذا لأن الشرك هضم لحقوق الربوبية وتنقيص لعظمة الإلهية وسوء ظن برب العالمين فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به ولو أحسنوا الظن لوحدوه حتى توحيده ولم يرجوا شيئا من غيره؛ ولهذا أخبر سبحانه وتعالى عنهم في ثلاثة مواضع من كتابه:
أنهم ما قدروا الله حق قدره) .
3 -
وقال العلامة محمود شكري الآلوسي (1342) :
في بيان أن المشرك هو المنتقص لجناب الله تعالى وهو المسيء للظن بالله عز وجل:
(الوجه الثامن:
أنه من أعرض عن الله وقصد غيره وأعد ذلك الغير لحاجته وفاقته واستغاث به ونذر له ولاذ به فقد أساء الظن بربه؛ وأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به؛ فإن المسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس؛ فظن به ما يناقض أسماءه وصفاته؛ ولهذا توعد سبحانه وتعالى الظانين به ظن السوء بما لم يتوعد به
غيرهم؛ كما قال تعالى {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: 6] .
وقال تعالى {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 23] .
وقال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 87- 88] ؛ أي فما ظنكم أن يجازيكم إذا لقيتموه وعبدتم غيره؛ وما ظننتم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره؛ فلو ظننتم به ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم؛ وأنه المنفرد بتدبير خلقه لا يشرك فيه غيره؛ والعالم بتفاصيل الأمور فلا تخفى عليه خافية من خلقه؛ والكافي لهم وحده لا يحتاج إلى معين والرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه [لما عبدتم غيره ولما استعنتم بغيره ولما جعلتم بينه وبينكم وسائط وشفعاء] .
وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء فإنهم محتاجون إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم من الوسطاء الذين يعينونهم على قضاء حوائجهم وإلى من يسترحمهم ويستعطفهم بالشفاعة فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم؛ فأما القادر على كل شيء الغني بذاته عن كل شيء العالم بكل شيء
الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء- فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه تنقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده وظن به ظن السوء؛ وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده؛ ويمنع في العقول والفطر؛ وقبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبح؛ ويوضح هذا أن العابد معظم لمعبوده متأله له خاضع ذليل له والرب تبارك وتعالى وحده هو الذي يستحق كمال التعظيم والإجلال والتأله والخضوع والذل؛ وهذا في خالص حقه؛ فمن أقبح الظلم أن يعطى حقه لغيره ويشرك بينه وبينه فيه ولا سيما إذا كان الذي جعل شريكه في حقه هو عبده ومملوكه؛ كما قال تعالى:
{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الروم: 28] ؛ أي إذا كان أحدكم يأنف أن مملوكه شريكه في رزقه فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء فيما أنا منفرد به وهي:
الإلهية التي لا تنبغي لغيري ولا تصلح لسواي؛ فمن زعم ذلك فما قدرني حق قدري ولا عظمني حق تعظيمي ولا أفردني بما أنا منفرد به وحدي دون خلقي فما قدر الله حق قدره من عبد معه غيره كما قال تعالى
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 68] ، فما قدر من هذا شأنه وعظمته حق قدره من أشرك به في عبادته من ليس له شيء من ذلك البتة بل هو أعجز شيء وأضعفه؛ فما قدر القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل) .
ثم قال بعد كلام طويل رد فيه على الجهمية المعطلة من الماتريدية والأشعرية وغيرهم:
(فهل قدر الله حق قدره من هذا وصفه؟)، ثم قال بعد كلام:
(فهذه إشارة لطيفة إلى السر الذي لأجله كان الشرك أكبر الكبائر عند الله تعالى، وأنه لا يغفر بغير التوبة منه؛ وأنه يوجب الخلود في النار؛ وأنه ليس تحريمه وقبحه بمجرد النهي عنه؛ بل يستحيل على الله سبحانه وتعالى أن يشرع عبادة إله غيره كما يستحيل عليه ما يناقض أوصاف كماله ونعوت جلاله؛ وكيف يظن بالمنفرد بالربوبية والإلهية والعظمة والجلال أن يأذن في مشاركته في ذلك أو يرضى به؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ".
4 -
وقد بوب الإمام الدهلوي (1246) للتحذير من الشرك فقال: (باب الاجتناب عن الإشراك) ؛
ثم ذكر عدة آيات صريحات * وأحاديث صحيحات* في التحذير عن الشرك وبيان عواقبه الوخيمات* 5-6- وقال الإمام المجاهد الدهلوي (1246) والشيخ أبو الحسن الندوي واللفظ له:
(الفصل الأول في التحذير عن الشرك:
قال الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:116]، الفرق بين الشرك وسائر الذنوب:
اعلم أن هنالك أنواعا من الذنوب والآثام يقترفها الناس إذا جمحت بهم النفوس وغلبهم الهوى؛ فمنهم من لا يميز بين حلال وحرام ومنهم من يقترف سرقة أو عملا من أعمال الفسوق؛ ولكن الذي تورط في الشرك فقد أسرف وظلم ظلما مبينا؛ لأنه قد جنى جناية لا يغفرها الله " بدون التوبة "، الشرك الجلي ثورة وخروج يحرك الغيرة الإلهية:
الشرك الجلي الذي هو من آخر درجات الشرك ويكفر به الإنسان؛ يبقى صاحبه في النار خالدا مخلدا لا يخرج منها؛ ومثل ذلك أن الملك قد يعفو عن أناس من رعيته، يرتكبون سرقة وعن أناس يقطعون الطريق على قوافل؛ أو يشنون غارة ومنهم من يتكاسل عن الحراسة أو الخفارة فينام
عنها؛ ومنهم من يتخلف عن حضور مجلس الملك
…
؛ ومنهم من يتولى يوم الزحف ويتسلل عن الحرب
…
؛ ولكل جناية من هذه الجنايات عقوبات محددة عند الملك إن شاء أخذ بها وإن شاء عفا عنه.
وتقابل هذه الجنايات جنايات تنم عن الثورة على الملك والخروج عليه؛ مثلا يبايع بالملك لأمير أو وزير أو دهقان أو مرزبان؛ أو عمدة قرية أو موظف حكومي من أصحاب النباهة وأهل النبل؛ أو لكناس أو إسكاف من أهل المهن الوضيعة والطبقات السافلة فيضع له تاجا أو إكليلا ويهيئ له عرشا أو سريرا؛ أو يخلع عليه الألقاب الملوكية ويخاطبه بجلالة الملك وظل الله في الأرض
…
؛ فهذه الجناية أكبر من كل الجنايات وصاحبها لا محالة لاق جزاءه؛ وكل ملك يستهين بشأن هذه الجنايات ويغفل عن معاقبة هؤلاء المجرمين كان في ملكه وهن ونسبه العقلاء إلى قلة الغيرة وضعف الرأي وسقوط الهمة، أما مالك الملك تبارك وتعالى فهو أغير من كل غيور وأقوى من كل قوي فيجب أن يخشى بأسه ويتقي سطوته فكيف يعقل أن يتغافل عن المشركين وكيف لا يوفيهم حسابهم؛ لطف الله بالمسلمين ووقاهم آفات الشرك؛ الشرك ظلم ووضع للشيء في غير محله:
قال الله تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] .
ولقد هدت لقمان الحكمة العميقة التي أكرمه الله تعالى وخصه بها؛ إلى أفحش الظلم أن يجود الإنسان على أحد بحق غيره؛ فمن أعطى حق الله لأحد خلقه فقد عمد إلى حق أكبر كبير؛ فأعطاه أذل ذليل وكان كرجل وضع تاج الملك على مفرق إسكاف؛ وأي جور أكبر من هذا الجور وأي ظلم أفحش من هذا الظلم؟ وليعلم يقينا أن كل مخلوق كبيرا كان أو صغيرا هو أذل من إسكاف أمام عظمة الله وجلالته؛ وقد دلت الآية وشهد بها الشرع والعقل السليم أن الشرك أقبح العيوب؛ وما زال الناس يعتبرون إساءة الأدب مع كبرائهم وسادتهم- أكبر عيب وأعظم خرق؛ فلما كان تبارك وتعالى أكبر من كل كبير كانت إساءة الأدب إليه والإشراك معه عيبا ليس فوقه عيب؛ وخرقا لا يفوقه خرق؛ وقد اتفقت جميع الشرائع على المنع من الشرك والأمر بالتوحيد وهو الصراط المستقيم وطريق النجاة؛ وكل ما عداها من طرق وسبل، فهي طرق الضلال والسبل المردية
…
؛ إن الله تعالى لا يقبل إلا خالصا مخلصا ليس لأحد فيه نصيب كما
أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه وأنا منه بريء» .
وقد دل هذا الحديث على أن الله تعالى لا يقبل عملا أشرك فيه معه غيره فلا يقبل عبادة المشرك بل يتبرأ منها؛ وليس شأنه شأن الذين يأخذون نصيبهم من الشيء المشترك بينهم وبين غيرهم؛ فإنه أغنى من كل غني وأغير من كل غيور فلا يقبل إلا خالصا مخلصا ليس لأحد فيهم سهم أو نصيب "، ثم ذكرا حديث الميثاق في تفسير قوله تعالى:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172] ؛ فقالا: (وقد تبين من الحديث أنه سبق أمر الله بالتوحيد؛ والنهي عن الشرك لكل نسمة في عالم الأرواح وما بعث الرسل ونزلت الصحف إلا لتبين ذلك وتؤكده؛ وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت» .
فيجب على المسلم أن يصبر على ما يصيبه من الأذى؛ ولا ينبغي أن تحمله هذه الفتنة على وهن في الدين أو فساد في
العقيدة فيحبط بذلك عمله ويخسر بذلك دينه الذي هو ملاك أمره ورأس ماله؛ وقد دل هذا الحديث على أن من مقت الشرك ونبذ الآلهة وكره تقديم النذور والقرابين إليها؛ وحارب العادات الجاهلية والتقاليد الباطلة فأصابته خسارة في المال أو رزية في الأولاد
…
- فيجب عليه أن يصبر على ذلك ويستقيم على دينه؛ وأخرج الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «قال رجل يا رسول الله أي الذنب أكبر؟ قال: أن تدعو لله ندّا وهو خلقك» .
وقد دل على هذا الحديث أن إشراك العبد أحدا بالله تعالى في علمه المحيط وقربه من كل أحد وقدرته على كل شيء فيستغيث به ويستصرخه- أكبر الكبائر؛ لأنه ليس في إمكان أحد أن يسعف بحاجته مثله وأن يكون [علمه] :
في كل مكان لا يغيب عنه شيء.
ثم إن كان الواقع أن الله تعالى هو الذي خلقنا وربنا ونحن نقر بذلك وجب علينا أن لا ننادي إلا إياه؛ ولا نستعين إلا به،
وما لنا ولغيره؟ فمن كان من جملة عبيد ملك وصنائعه انقطع إليه كليّا؛ وأطبق عينه عن ملك ورئيس فضلا عن وضيع أو خسيس، أيجمل بنا أن نكون أقل غيرة أو أضعف وفاء من المملوك لمولاه المجازي؟ الموحد المذنب حري بأن يتوب وتدركه رحمة الله ولطفه بخلاف المشرك العابد؛ وأخرج الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: «يا ابن آدم إنك لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» .
وقد دل هذا الحديث أن الإنسان مهما أتى به من الذنوب واقترف من آثام وإن كانت تعدل ذنوب أكبر العصاة والمجرمين كفرعون وهامان ولكنه سلم عن الإشراك بدل الله سيئاته حسنات وأتاه بقراب هذه الذنوب مغفرة؛ فظهر أن الذنوب تتضاءل أمام عقيدة التوحيد؛
وأن بركتها تغشى المذنب فتمحو خطاياه؛ كما أن للشرك شؤما وظلمة تغطي على جميع الحسنات؛ وتحبط جميع العبادات؛ فكان الموحد الفاسق خير من المتقي المشرك ألف مرة؛ كما أن الوفي المقصر من الرعية كان خيرا من الثائر المتملق؛ لأن الأول نادم على تقصيره؛ والثاني معجب بخديعته ونفاقه مدل بنفسه يحسب أنه يحسن صنعا) .
* * * * *