المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثانيفي عدة قواعد وضوابط فقهية لعلماء الحنفية - جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية - جـ ٢

[شمس الدين الأفغاني]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأولفي جهود علماء الحنفية في التحذير من الشرك

- ‌ المبحث الأول: في ذكر بعض الآيات المباركة التي تحذر من الشرك

- ‌المبحث الثانيفي ذكر بعض الأحاديث الصحيحة التي تبين عواقب الشرك الوخيمة

- ‌المبحث الثالثفي نصوص علماء الحنفية في التحذير من الشرك

- ‌الفصل الثانيفي عدة قواعد وضوابط فقهية لعلماء الحنفية

- ‌الفصل الثالثفي بيان عدة ذرائع الشرك التي صرح علماء الحنفية بوجوب سدها

- ‌القسم الأولفي عرض أمثلة لغلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين

- ‌القسم الثانيغلو القبورية في تصرفه صلى الله عليه وسلم في الكون

- ‌القسم الثالثغلو القبورية في سماعه صلى الله عليه وسلم لنداء المستغيثين به

- ‌القسم الرابعغلو القبورية في حياته صلى الله عليه وسلم البرزخية

- ‌الفصل الثانيفي غلو القبورية في بعض الأولياء خاصة

- ‌الثاني الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية

- ‌الثالثالبدوي

- ‌الفصل الثالثفي غلو القبورية في الأولياء عامة

- ‌المبحث الثانيفي التنبيه على أمر مهم

- ‌المبحث الثالثفي التنبيه على أمر أهم من الأول

- ‌القسم الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في الصالحين

- ‌ الفصل الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال الغلو إجمالا

- ‌المطلب الأولفي استدلال علماء الحنفية بالكتاب على إبطال الغلو في الصالحين

- ‌المطلب الثانيفي استدلال علماء الحنفية بالسنة على إبطال الغلو في الصالحين

- ‌المطلب الثالثفي نصوص علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في الغلو في الصالحين

- ‌الفصل الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في حياة الأموات

- ‌ المبحث الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في حياة الأموات

- ‌المبحث الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى

- ‌المبحث الثالثفي إبطال علماء الحنفية لشبهات القبورية

- ‌المبحث الثانيفي تنبيهات ثلاثة على فوائد ثلاث لشرح الكلام السابق

- ‌ الفصل الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله

- ‌المطلب الأولفي استدلال علماء الحنفية ببعض الآيات على إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالثفي ذكر بعض نصوص علماء الحنفيةفي إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله

- ‌الفصل الثانيفي جهود علماء الحنفية لإبطال عقيدة القبوريةفي التصرف في الكون لغير الله سبحانه

- ‌المبحث الثالثفي نصوص علماء الحنفية ردا على عقيدة القبوريةفي زعمهم التصرف في الكون للصالحين

- ‌الفصل الثالثفي جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية

- ‌ الفصل الأول: في عرض أمثلة لعقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله

- ‌المبحث الثالثفي بيان أمثلة متفرقة لعقيدة القبوريةفي استغاثتهم بغير الله عند الكربات

- ‌لمطلب الأول: في عرض عقيدة القبورية في الاستغاثة بالأحياء الغائبين وبالأموات

- ‌المطلب الثانيفي بيان ترجيح القبورية الاستغاثة والتوسل بالأموات

- ‌المطلب الثالثفي بيان استغاثات القبورية المتفرقات

- ‌الفصل الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية

- ‌ المبحث الأول: في استدلال علماء الحنفية بالكتاب والسنة على إبطال عقيدة القبورية

- ‌المطلب الأولفي استدلال علماء الحنفية بعدة آيات من كتاب اللهعلى إبطال عقيدة القبورية

- ‌المطلب الثانيفي ذكر بعض الأحاديث التي استدل بها علماء الحنفية علىإبطال عقيدة القبورية

- ‌ المطلب الأول: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله أمر محرم

- ‌الفصل الثالثفي جهود علماء الحنفية في تحقيقهم أن القبورية أشد شركامن الوثنية الأولى

- ‌ المبحث الأول: في جهود علماء الحنفية في تحقيق أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى

الفصل: ‌الفصل الثانيفي عدة قواعد وضوابط فقهية لعلماء الحنفية

‌الفصل الثاني

في عدة قواعد وضوابط فقهية لعلماء الحنفية

يستفاد منها في حماية حمى التوحيد وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك

كلمة بين يدي هذا الفصل:

لقد جرت عادة الإنسان على حفظ الأشياء الثمينة من الضياع ودل على ذلك النقل الصحيح* والعقل الصريح*.

وكلما كان الشيء أثمن وأغلى* وأنفع وأعظم وأعلى* كان التدبير لحفظه وحمايته أشد وأمتن وأكثر* وأدق وأحكم وأوفر*.

ولما كان شأن التوحيد بتلك المكانة التي ذكرت نبذة منها من أنه الغاية من خلق الجن والإنس ولأجل تحقيقه أرسلت الرسل وللدعوة إليه أنزلت الكتب، وهو أعظم ما يحبه الله ويرضاه؛ وهو الغاية العظمى* والمقصد الأسمى * والهدف الأسنى*

ص: 601

وكان الشرك بعكس ذلك أعظم ما يكرهه الله ويبغضه ويحبط به الأعمال ويخلد صاحبه في النار- استحكم تحذير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من الشرك ومن كل ما يخل بالتوحيد، أو يكون سببا في الوقوع في ما يضاد التوحيد من الشرك فأوجب الله ورسوله حماية حمى التوحيد وسد كل ذريعة تفضي إلى الشرك؛ ونهى الله ورسوله عن كل ما يضاد التوحيد من الشرك ووسائله.

ولما كان الأمر كما وصفت- سعى أئمة السنة* وأساطين هذه الأمة* سعيا حثيثا وشمروا عن ساق الجد والجهد في التحذير من كل ما يكون سببا للشرك من قريب أو بعيد؛ فحموا حمى التوحيد وسددوا جميع ما يضاده من الشرك وذرائعه.

ولعلماء الحنفية رحمهم الله تعالى أيضا جهود في هذا السبيل فلهم قواعد عامة يمكن الاستفادة منها في هذا الباب من سد ذرائع الشرك.

كما أن لهم أقوال خاصة في التحذير من وسائل الشرك بالله تعالى وفي كل ذلك عبرة للقبورية عامة والحنفية منهم خاصة.

القاعدة الأولى:

1 -

" درء المفاسد أولى من جلب المنافع ".

2 -

" دفع المضرة أولى من جلب المنفعة ".

ص: 602

أقول: حاصل كلام علماء الحنفية في ضوء هذه القاعدة المهمة:

أن الأفعال التي لا تخلو من بعض المنافع ينظر في ارتكابها إلى مضارها.

ويجب اجتنابها لأجل مضارها وإن كانت مشتملة على بعض المنافع فكيف إذا لم يكن في فعلها منفعة؟ بل يكون ارتكابها محض الضرر وخالص الشر.

فزيارة القبور على الطريقة القبورية التي سيأتي شرحها وتوسلهم المتضمن للاستغاثة بالذوات والاستعانة منهم ونحو ذلك؛ كل ذلك يجب اجتنابها لما في ذلك من المفاسد ما لا يخفى.

القاعدة الثانية:

" اختيار أهون البليتين ".

ولهم في ذلك عدة نصوص:

1 -

" الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ".

2 -

" المبتلى بين الشرَّين يتعين عليه أهونهما ".

3 -

" يختار أهون الشرين ".

4 -

" إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب

ص: 603

أخفهما ".

5 -

" إذا اجتمع للمضطر محرمان كل منهما لا يباح بدون الضرورة وجب تقديم أخفهما مفسدة وأقلهما ضررا لأن الزيادة لا ضرورة إليها فلا يباح ".

6 -

ونحوها " إن المبتلى في أمرين يختار أهونهما ".

7 -

" دفع الضرر العام واجب بإثبات الضرر الخاص ".

8 -

" ويتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ".

هذه القواعد الثمان ترجع إلى قاعدة واحدة:

وهي: اختيار أهون البليتين إذا ابتلي الإنسان بين الشرين كل ذلك لدفع الشر الأكبر.

فلو فرضنا أن هدم القباب والمساجد التي بنيت على القبور ونحوها فيه شيء من الشر- وهو إهدار الأبنية وما قد يتوهمه بعض الناس أن فيه إهانة للقبور- فبقاؤها على حالها وانتياب الناس إليها أفواجا بقصد الاستغاثة بأصحابها ونحوها من المفاسد العظمى * والبلايا الكبرى* التي هي إما شرك صراح * وكفر بواح* أو موصلة إلى الشرك الصريح * والكفر القبيح* وضرر أشد ومفسدة أعظم فلا بد من هدمها وإزالتها وتسوية تلك القبور * درءا لتلك الأضرار والشرور*.

ص: 604

القاعدة الثالثة:

" يتحتم ترك الحلال خشية الوقوع في الحرام ".

1 -

" إذا اجتمع حظر وإباحة غُلّب جانب الحظر ".

2 -

" إذا اجتمع ما يوجب الحل والحرمة في ذات واحدة ترجح الحرمة ".

3 -

" إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام ".

4 -

" ما اجتمع محرم ومبيح إلا غلب المحرم ".

5 -

" الأصل الإباحة والحظر مقدم ".

6 -

" وعند الاجتماع يغلب الحظر ".

7 -

" إذا تحقق المعارضة رجح جانب الحرمة على الحل ".

8 -

" وإذا تعارض الدليلان

- قدم التحريم ".

قلت: هذه النصوص الثمانية حاصلها:

أن الترجيح للحرام؛

ص: 605

ومعناه: إذا تردد الأمر بين الحلال والحرام- تعين تركه خشية الوقوع في الحرام.

وقد فرع على هذه القاعدة علماء الحنفية أن أفاعيل القبورية من توسلاتهم وزياراتهم معرضة لهم للوقوع في الشرك الصريح فتحتم عليهم التجنب منها.

هذا لو فرضنا أن زيارتهم وتوسلاتهم مترددة بين الحظر والإباحة مع أن توسلاتهم وزياراتهم متضمنة للشرك الصريح* والكفر القبيح* والبدع الظلماء* والمنكرات الشنعاء*.

القاعدة الرابعة:

إذا تردد الأمر بين كونه سنة وبين كونه بدعة فتركه محتم.

هذه القاعدة من أعظم القواعد التي بنى عليها علماء الحنفية مسائل كثيرة وجعلوها أصلا أصيلا وفرعوا عليه فروعا عديدة.

1 -

قال ابن نجيم الملقب بأبي حنيفة الثاني (970هـ) :

" ما تردد بين بدعة وواجب اصطلاحي فإنه يترك كالسنة ".

2 -

4- وقال العلامة أحمد الرومي (1043هـ) والشيخ سبحان بخش الهندي والشيخ محمد إبراهيم السورتي؛ واللفظ للأول:

(قال ابن الهمام:

ص: 606

وما تردد بين البدعة والسنة يتركه؛ لأن ترك البدعة لازم وأداء السنة غير لازم؛ وفي الخلاصة: مسألة تدل على أن البدعة أشد ضررا من ترك الواجب

ثم عللوا ذلك بأن المعاصي يتاب عنها والبدعة لا يتاب عنها؛ لأن صاحب المعاصي يعلم أنه مرتكب المعصية فيرجى له التوبة والاستغفال وأما صاحب البدعة فيعتقد أنه في طاعة الله وعبادته فلا يتوب ولا يستغفر وهذا ما يريده إبليس فإن إبليس قصم ظهر بني آدم بالمعاصي وهم قصموا ظهره بالتوبة فاحتال عليهم إبليس فأحدث لهم البدع التي لا يتوبون منها) .

5 -

قال العلامة اللكنوي:

" والأمر إذا دار بين الكراهة والإباحة ينبغي الإفتاء بالمنع لأن دفع مضرة أولى من جلب منفعة ".

التفريع:

6 -

قال شيخ القرآن الفنجفيري ردّا على بدع القبورية بعدما فصل القول في تحقيق هذه القاعدة وطول النفس فيها:

التفريع:

فالبدعات المروجة في ديارنا كلها متروكة بهذا الأصل؛ وحجة المبتدعة بشيوع الفعل أو بعمل الشيوخ داحضة على أن المحققين من العلماء صرحوا في كتبهم على ذمها.

ص: 607

كالميلاد وحيلة الإسقاط الوس والختمات للموتى أو على القبور

؛ وفي الشامي (ص210) :

" ترك الشيء من لدن الصحابة إلى الآن حجة واتباع المنقول واجب ".

القاعدة الخامسة:

" متابعة النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون في الفعل كذلك تكون في الترك ".

هذه قاعدة مهمة بنى عليها علماء الحنفية كثيرا من المسائل؛ وأصل أصيل فرعوا عليه عدة فروع، وميزوا بذلك بين كثير من البدع من السنن.

1 -

4- قال العلامة الملا علي القاري (1014هـ) والشيخ عبد الحق محدث الحنفية في الهند (1052هـ) .

والعلامة محمد عابد السندي أحد كبار علماء الحنفية (1257هـ) ؛ والشيخ قطب الدين الدهلوي (1289هـ)، واللفظ للأول:

ص: 608

(والمتابعة كما تكون في الفعل تكون في الترك أيضا.

فمن واظب على فعل لم يفعله الشارع فهو مبتدع) .

5 -

7- وقال الإمام أحمد الرومي (1043هـ) والشيخ سبحان بخش الهندي والشيخ محمد إبراهيم السورتي.

واللفظ للأول:

(وأما ما كان المقتضي لفعله في عهده صلى الله عليه وسلم موجودا من غير وجود المانع منه؛ ومع ذلك لم يفعله صلى الله عليه وسلم؛ فإحداثه تغيير لدين الله تعالى؛ إذ لو كان فيه مصلحة لفعله صلى الله عليه وسلم أو حثّ عليه؛ ولما لم يفعله صلى الله عليه وسلم ولم يحث عليه- علم أنه ليس فيه مصلحة بل هو بدعة قبيحة سيئة؛ مثاله: الأذان في العيدين؛ فإنه لما أحدثه بعض السلاطين أنكره العلماء وحكموا بكراهيته؛ فلو لم يكن كونه بدعة دليلا على كراهيته؛ لقيل: " هذا ذكر الله تعالى ودعاء الخلق إلى عبادة الله تعالى؛ فيقاس على أذان الجمعة "؛ أو يدخل في العمومات التي من جملتها قوله تعالى:

{اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:41] ،

ص: 609

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33]، لكن لم يقولوا ذلك؛ بل قالوا: " كما أن فعل ما فعله صلى الله عليه وسلم كان سنة كذلك ترك ما تركه صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي وعدم المانع منه كان سنة أيضا؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بالأذان في الجمعة دون العيدين كان ترك الأذان فيهما سنة؛ وليس لأحد أن يزيده ويقول:

" هذا زيادة العمل الصالح لا يضر زيادته "؛ فيقال له: " هكذا تغيرت أديان الرسل وتبدلت شرائعهم، فإن الزيادة في الدين لو جازت؛ لجاز أن يصلي الفجر أربع ركعات والظهر ست ركعات؛ ويقال: " هذا زيادة عمل صالح لا يضر زيادته "؛ لكن ليس لأحد أن يقول ذلك؛ لأن ما يبديه المبتدع من المصلحة والفضيلة؛ إذا كان ثابتا في عصره صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يفعله صلى الله عليه وسلم فيكون ترك مثل هذا الفعل سنة مقدمة على كل عموم وقياس؛ فمن عمل به مع اعتقاده أنه غير مشروع في الدين؛ يكون فاسقا غير مبتدع؛ وإن عمل به مع اعتقاده أنه مشروع في الدين؛ يكون فاسقا ومبتدعا؛ لأن الفسق أعم من البدعة؛ فكل بدعة فسق من غير عكس؛

ص: 610

وكذلك قيل: " البدعة شر من الفسق؛ فإن من يفعل البدعة فهو يتنقص الرسول " صلى الله عليه وسلم "، وإن كان في زعمه أنه يعظمه بالبدعة؛ حيث يزعم أنها خير من السنة وأولى بالصواب؛ فيكون مشاقا لله ولرسوله " صلى الله عليه وسلم "؛ لاستحسانه ما كرهه الشرع ونهى عنه؛ وهو الإحداث في الدين؛ وإنه تعالى قد شرع لعباده من العبادات ما فيه كفاية لهم؛ وأكمل دينهم وأتم عليهم نعمته كما أخبر به في كتابه الكريم.

8 -

وقال شيخ القرآن الفنجفيري:

(الأصل الثالث في الاتباع) .

والاتباع كما يكون في الفعل كذلك يكون في الترك؛ لأنه قد ثبت أن عدم النقل يدل على الكراهة؛ وأن ما لا دليل عليه فهو مردود

؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحداث في الدين

؛ واعلم أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون في الفعل تكون في الترك؛ وكما نتقرب إلى الله تعالى بفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كذلك نتقرب إلى الله تعالى بترك ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم فالفاعل لما ترك كالتارك لما فعل؛ والكلام مفروض في ترك شيء لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مانع منه وتوفرت الدواعي على فعله؛

ص: 611

وذلك كتركه الأذان للعيدين والغسل لكل صلاة وصلاة ليلة النصف من شعبان والأذان للتراويح والدعاء بعد السنن بهيئة الاجتماع والختم للموتى؛ وقد ثبت أن أكبر الكبائر التقول على الله تعالى.

9 -

وقال: (وقال الإمام ابن تيمية: فأما الفعل الذي لم يشرعه هو لنا؛ ولا أمرنا به ولا فعله فعلا سن لنا أن نتأسى به فيه- فهذا ليس من العبادات والقرب فاتخاذ هذا قربة مخالفة له صلى الله عليه وسلم مجموعة الرسائل 5\98-) .

وقال أيضا:

(وقال الحافظ ابن القيم:

فإن تركه صلى الله عليه وسلم سنة كما أن فعله سنة؛ فإذا استحببنا فعل ما تركه، كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ولا فرق

) .

ص: 612

10 -

وقال شيخ القرآن الفنجفيري:

(التفريع على هذه القاعدة:

هذه القاعدة ينفعك في رد جميع ما أحدثوه من البدعات وألفت النفوس بها منذ قرون متطاولة؛ مثل الدعاء بعد السنة بهيئة الاجتماع وتقسيم الفدايا في القبور؛ وتداول الأيدي بها والدعاء بعد الجنازة [بهيئة اجتماعية] والذكر أمام الجنازة والذكر الجهري فيما لم ينقل عن الشارع ونهيقهم في السحور؛ على رأس المنبر.

وعلى أبواب المساجد: " الصلاة رحمكم الله ".

وخلف المشائخ في السكك؛ والصلاة المسماة بالقضاء العمري، وصلاة الرغائب،

ص: 613

وتخصيص الأيام والليالي بعبادة؛ كقراءة سورة الملك ليلة الجمعة والتصدق فيه.

والقوالي والعرس والميلاد) .

11 -

وقال أيضا:

(ويتفرع على ذلك القيام بالمولد واتخاذ الموسم والعرس للمقبور) .

ثم قال: (

وكل هدي النبي قد رجح

فما أبيح افعل ودع ما لم يبح

) .

القاعدة السادسة:

عدم النقل يدل على العدم كما يدل على الكراهة والبدعة.

هذه القاعدة من أهم القواعد التي ذكرها علماء الحنفية للتمييز بين الأمور البدعية والسنية؛ فقد صرحوا بأن الشيء إذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم فهو دليل كونه بدعة في الدين؛ فإن قيل: عدم النقل لا يستلزم العدم، لجواز وقوعه وعدم نقله.

قلنا: لقد أجاب علماء الحنفية بأن هذا لا يمكن؛ لأنه لو وقع ولو مرة واحدة،

ص: 614

لا بد من أن ينقل إلينا؛ لأنه من أمور الدين وقد تكفل الله تعالى ذلك؛ فلما لم ينقل إلينا ذلك- دل على أنه لم يقع ولم يفعله النبي محمد صلى الله عليه وسلم فليس من الدين في شيء بل بدعة ضلالة.

وإليك بعض نصوص علماء الحنفية:

1 -

قال الإمام ابن الهمام (861هـ) :

(نفي المدرك الشرعي يكفي لنفي الحكم الشرعي) .

3 -

وقال المولوي (1098هـ) :

(والمراد بالحكم: الحكم الشرعي، ولا يكون ذلك إلا ثابتا بدليل شرعي) .

3 -

وقال:

(فعدم فعله يدل على الكراهية) .

4 -

وقال ابن عابدين (1252هـ) :

(فما لم يوقف على دليل المشروعية لا يحل فعله بل يكره "

ثم نقل ذلك عن كثير من كتب الحنفية) .

5 -

وقال الإمام الأكمل البابرتي (786هـ) في تحقيق أن عدم النقل دليل على العدم:

ص: 615

(ولنا أنه لم ينقل، وذلك دليل على أنه لم يفعل) .

6 -

وقال شيخ القرآن الفنجفيري (1407 هـ) :

(وفي العناية: وعدم النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على عدم فعله) .

7 -

وقال شيخ القرآن الفنجفيري:

(قال الإمام الحافظ ابن القيم: أما نقلهم لتركه صلى الله عليه وسلم فهو نوعان:

أحدهما: تصريحهم بأنه تركه كذا وكذا؛ والثاني: عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله؛ فحيث لم ينقل منهم واحد منهم البتة ولا حدّث به في مجمع أبدا- علم أنه لم يكن؛ وهكذا: كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة؛ وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين) ؛ ثم ذكر الأمثلة وقال:

(ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه صغير ولا كبير، ولا رجل ولا امرأة البتة وهو مواظب عليه هذه المواظبة لا يحل

ص: 616

بها يوما واحدا) ؛ ثم مثّل وقال: (ومن ههنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة؛ فإن تركه صلى الله عليه وسلم سنة كما أن فعله سنة؛ فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ولا فرق، فإن قيل: من أين لهم أنه لم يفعله، وعدم النقل لا يستلزم عدم الفعل؟ فهذا استدلال بعيد جدّا عن معرفة هديه، وسنته، وما كان عليه، ولو صح السؤال وقيل:

لاستحب لنا الأذان للتراويح، انتهى بتصرف) .

التفريع:

قال شيخ القرآن الفنجفيري:

(وقد ابتدعوا بدعا في دين الله ليس لهم بذلك برهان، وحجة من الكتاب والسنة، إلا اتباع الظن، أو ألفة العوائد، كالمشركين أو أتباع المشايخ الذين مضوا عليها {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} ، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} .

ص: 617

وهذه القاعدة تنفعك في ردّ جميع ما أحدثوه من البدعات، وألفت النفوس بها منذ قرون متطاولة) .

ثم ذكر شيخ القرآن عدة مسائل في التفريع على هذه القاعدة.

الحاصل: أن هذه القاعدة الحنفية تقلع جميع بدع القبورية وشركياتهم* كما تقطع أدبارهم وتستأصل جميع توسلاتهم واستغاثاتهم وشبهاتهم* القاعدة السابعة:

" الأمور بمقاصدها "، أو " العبرة للمقصود لا للتبع "، أو " العبرة للمقاصد دون الصور ".

هذه القاعدة من أهم قواعد الحنفية التي ذكروها وفرعوا عدة أحكام عليها، وقالوا:" إنما يبنى اللفظ على المقصود لا على ظاهر اللفظ ".

قلت: لما كان قصد القبورية من زياراتهم للقبور الطواف بها* وأكل ترابها* والتمسح والتبرك بها * والنذر لهم- كان ذلك شركا صريحا، وإن تستروا بستار التوسل، والكرامة،

ص: 618

والولاية، والزيارة.

قال شيخ القرآن الفنجفيري في الرد على المبتدعة والقبورية:

(وها أنا في زمان تبدلت الشريعة* وجعلوا العبادة ذريعة للمعيشة* ووضعوا الألفاظ الصحيحة للنية الردية* فاستحلوا الرشوة باسم الهدية* والقتل بالرهبة، والزنى بالنكاح، والربا بالمنافع، والمغني بالحادي، والمطرب بالقوال، والمداهن بالمصلح، والخداعة بالسياسة، والكتمان بالمصلحة، والشرك بالله العظيم بتعظيم الأولياء الكرام، والعبادة للقبور والشيوخ بالتعظيم لهم، والجحد لصفات الله تعالى بالتنزيه، وإثبات الصفات له تعالى بالتجسم، والبدعة بالسنة، فبدلوا دين الله تعالى وشرائعه، وحرفوا الكلم عن مواضعه، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]

) .

قلت: رحمة الله وبركاته على هذا الشيخ، فقد بين لنا حقيقة الجهمية المتكلمين من الماتريدية الحنفية والأشعرية الكلابية؛ كما بين لنا حقيقة القبورية الوثنية، الذين يجوزون التعطيل والوثنية بأسماء براقة خدعة وسترا للتعطيل والوثنية.

ص: 619

وبعد هذا ننتقل إلى الفصل الآتي لنعرف جهود علماء الحنفية في حماية حمى التوحيد، وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك..

وربنا الرحمن المستعان * وبه الثقة وعليه التكلان*.

* * * * *

ص: 620