الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأول
في عرض أمثلة لغلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين
وفيه فصول ثلاثة:
- الفصل الأول: في بيان غلوهم في رسول الله.
- الفصل الثاني: في بيان غلوهم في بعض الأولياء خاصة.
- الفصل الثالث: في بيان غلوهم في الأولياء عامة.
القسم الأول
في عرض نماذج من غلو القبورية في الصالحين بل الطالحين
لقد غالت القبورية في تعظيم الصالحين* بل الطالحين* ومحبتهم ورفعهم فوق منزلتهم- كدأب الوثنية الأولى، بل أشد- فاعتقدوا فيهم عجائب من العلم بالمغيبات* وأثبتوا لهم غرائب من التصرفات في الكون، وغير ذلك من الصفات *؛ بحيث جعلوهم آلهة يعبدونهم خصوصا عند الكربات * وإلمام الملمات، لدفع المضرات، وجلب الخيرات* بل جعلوهم أربابا لهذا الكون يتصرفون فيه كيف يشاؤون* يدمرون ويعمرون، يمنعون ويعطون، يعلمون ويسمعون كما يريدون* كل ذلك تمهيدا للاستغاثة بهم عند الملمات* طلبا لحاجات ورفعا لمضرات* وفيما يلي بعض الأمثلة لغلو القبورية في الصالحين*، ووصفهم إياهم بصفات رب العالمين*:
ويقتضي هذا القسم أن يشتمل على فصول ثلاثة:
الفصل الأول: في بيان غلو القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الفصل الثاني: في غلوهم في بعض الأولياء خاصة.
الفصل الثالث: في غلوهم في الأولياء عامة.
*********
الفصل الأول
في بيان غلو القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفيه خمسة أقسام من الغلو:
- القسم الأول: في علم الغيب له صلى الله عليه وسلم.
- القسم الثاني: في التصرف في الكون له صلى الله عليه وسلم.
- القسم الثالث: في سماع أصوات المستغيثين به صلى الله عليه وسلم.
- القسم الرابع: في حياته صلى الله عليه وسلم حياة دنيوية في البرزخ.
- القسم الخامس: في جعلهم إياه صلى الله عليه وسلم نورا لا بشرا.
كلمة بين يدي هذا الفصل
لقد غالت القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطروه بعدة أنواع من الغلو وأصناف من الإطراء - أجملها في خمسة أقسام:
- القسم الأول: غلوهم في علم الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
- القسم الثاني: غلوهم في تصرفه صلى الله عليه وسلم في الكون.
- القسم الثالث: غلوهم في سماعه صلى الله عليه وسلم لأصوات المستغيثين به صلى الله عليه وسلم.
- القسم الرابع: غلوهم في حياته صلى الله عليه وسلم البرزخية بجعلها دنيوية.
القسم الخامس: غلوهم من ناحية جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نورا لا بشرا.
القسم الأول
غلو القبورية في علم الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
لقد غالت القبورية في علم الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فوصفوه بأنه عالم بجميع ما كان وما يكون أزلا وأبدا، وأنه يعلم جميع ما في اللوح المحفوظ؛ بل هذا بعض علومه صلى الله عليه وسلم؟ وأنه صلى الله عليه وسلم يعلم ما في الضمائر والقلوب من الأسرار، وأنه لا تخفى عليه خافية، وأنه لا يخرج من علمه شيء، والكلام ههنا في عدة أنواع:
النوع الأول: علم ما كان وما يكون:
تعتقد القبورية أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم جميع ما كان وما يكون من المخلوقات والموجودات أزلا وأبدا لا تخفى عليه منها خافية، وهذه العقيدة من أعظم عقائد البريلوية خاصة، صراحة.
وتوجد عند غيرهم أيضا، وقالوا:إن الله تعالى أعطى المصطفى صلى الله عليه وسلم علم الأولين والآخرين، وعلم ما كان وما يكون وعلم ما في السماوات وما في الأرض؛ فمن اعتقد هذا فهو مؤمن ومن لم يعتقد هذا فهو كافر خارج عن دائرة الإسلام.
النوع الثاني: علم جميع ما في اللوح والقلم وزيادة:
تعتقد القبورية: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم جميع ما في اللوح والقلم، وأن هذا العلم جزء من بحر علومه صلى الله عليه وسلم، قلت: وأول من عرفته قال بهذه الخرافة- هو البوصيري (694هـ) ؛ حيث قال:
فإن من جودك الدنيا وضرتها
…
ومن علومك علم اللوح والقلم
وتبعه الكوثرية وزادت عليهم البريلوية: أن علم اللوح والقلم سطر من سطور علمه صلى الله عليه وسلم ونهر من بحور علمه بل ذرة منها.
النوع الثالث: علمه صلى الله عليه وسلم محيط بجميع الكون.
لم يحجب عن روح رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، فهو المطلع على عرشه، وعلوه وسفله ودنياه وآخرته وناره وجنته؛ فعلمه محيط بجميع المعلومات الغيبية الملكوتية.
النوع الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم يعلم علم جميع علوم المخلوقين من الأولين والآخرين والجن والإنس والملائكة وغيرهم من العالمين.
قلت: يدخل في ذلك علوم السحرة والكهنة والمغنين والمطربين والشعراء والعشاق، والمعشوقات والماجنين والشياطين والكافرين والمنجمين والمهندسين والفلاحين والصناعيين والبنائين وغيرهم؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم جميع علوم هؤلاء أجمعين عند هؤلاء القبورية الخرقاء * الوثنية الحمقاء *؟!؟
النوع الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم جميع المخلوقات وجميع أحوالهم تماما وكمالا في الماضي والحال والمستقبل، فلا تخفى عليه خافية.
النوع السادس: علمه بخفيات الأمور وضمائر القلوب.
قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لو وضع يده على حيوان- لعلم الحاضر والغائب؛ فما ظنك بالولي الذي وضع عليه النبي صلى الله عليه وسلم يده -؟! ألا يصير عالما بالشاهد والغائب، والذي يعلم أحوال قلوب الجمادات والحيوانات- ألا يعلم أحوال قلوب عشاقه؟!؟
تنبيه مهم: أقدم من عرفته ممن ارتكب هذه الخرافة الوثنية باهتمام وتفصيل الدعوة السافرة إليها- هو ابن الحاج (737هـ) ، فقد قال في بيان آداب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وشد الرحال إليه للاستغاثة به: (فصل: وأما في زيارة سيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه- فكل ما ذكر يزيد عليه أضعافه أعني في الانكسار والذل والمسكنة؛ لأنه الشافع المشفع الذي لا ترد شفاعته، ولا يخيب من قصده،
ولا من نزل بساحته، ولا من استعان به أو استغاث به؛ إذ أنه عليه الصلاة والسلام قطب دائرة الكمال، وعروس المملكة
…
؛ فمن توسل به، أو استغاث به أو طلب حوائجه منه فلا يرد، ولا يخيب
…
؛
وقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم: " إن الزائر يشعر نفسه بأنه واقف بين يديه عليه الصلاة والسلام، كما هو في حياته؛ إذ لا فرق بين موته وحياته "؛ أعني في مشاهدته لأمته، ومعرفته بأحوالهم ونياتهم، وعزائمهم، وخواطرهم، وذلك عنده جلي، لا خفاء فيه
…
) إلى آخر خرافاته.
وقد تبعه في هذه الخرافات جمع من القبورية؛ فنقلوا كلامه هذا بنصه وفصه، واستدلوا به وعدوه رطبا جنيّا* ونعمة غير مرتقبة وغنيمة باردة ولحما طريّا* منهم القسطلاني (923هـ) .
فقد وقع في طامتين:
الأولى: خرافة قبورية.
والثانية: خيانة علمية حيث نقل كلامه بالنص والفص بدون العزو إليه.
ومنهم الزرقاني (1122 هـ) ، ومنهم النبهاني (1350 هـ) وغيرهم من القبورية ولا سيما البريلوية، والكوثرية.
النوع السابع: قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر في كل مكان وزمان وهو يشاهد العالم كله من المدينة.
لا تستقر نطفة في فرج أنثى إلا ينظر إليها.
وقولهم: إن السماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى جميع الناس في زمان واحد وفي جميع الأقطار المتباعدة بدون أي إشكال كما قيل:
كالشمس في كبد السماء وضوؤها
…
يغشى البلاد مشارقا ومغاربا
روح النبي صلى الله عليه وسلم حاضر في بيوت أهل الإسلام، وإن القطب يملأ الكون ويكون حاضرا وناظرا وشاهدا في كل مكان في الكون فما بالك برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقالوا: كل ما يحدث في الكون من المشرق إلى المغرب ومن السماء إلى الأرض حتى قبل إبراهيم بآلاف السنين فهو صلى الله عليه وسلم يعلمه ويراه حيث إنه موجود في كل مكان وزمان.
النوع الثامن: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الأمور الخمسة: وقت الساعة، وقت نزول الغيث، وما في الأرحام، وأوقات موت الأنفس، وأين تموت.
ولم يكن يعلم علوم هذه الأمور الخمسة فحسب، بل كان يعطي علوم هذه الخمسة من يشاء من خدمه.
النوع التاسع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم علم كل شيء ويعلم كل شيء، لأن الله تعالى قال:{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
قالوا: إن ضمير " هو " يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم بكل شيء عليم.
وقد أعطي صلى الله عليه وسلم علم كل شيء قبل أن يفارق الدنيا.
النوع العاشر: أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم القرآن قبل ولادته لأنه كان يعلم جميع ما في اللوح المحفوظ.