المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالثفي بيان عدة ذرائع الشرك التي صرح علماء الحنفية بوجوب سدها - جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية - جـ ٢

[شمس الدين الأفغاني]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأولفي جهود علماء الحنفية في التحذير من الشرك

- ‌ المبحث الأول: في ذكر بعض الآيات المباركة التي تحذر من الشرك

- ‌المبحث الثانيفي ذكر بعض الأحاديث الصحيحة التي تبين عواقب الشرك الوخيمة

- ‌المبحث الثالثفي نصوص علماء الحنفية في التحذير من الشرك

- ‌الفصل الثانيفي عدة قواعد وضوابط فقهية لعلماء الحنفية

- ‌الفصل الثالثفي بيان عدة ذرائع الشرك التي صرح علماء الحنفية بوجوب سدها

- ‌القسم الأولفي عرض أمثلة لغلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين

- ‌القسم الثانيغلو القبورية في تصرفه صلى الله عليه وسلم في الكون

- ‌القسم الثالثغلو القبورية في سماعه صلى الله عليه وسلم لنداء المستغيثين به

- ‌القسم الرابعغلو القبورية في حياته صلى الله عليه وسلم البرزخية

- ‌الفصل الثانيفي غلو القبورية في بعض الأولياء خاصة

- ‌الثاني الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية

- ‌الثالثالبدوي

- ‌الفصل الثالثفي غلو القبورية في الأولياء عامة

- ‌المبحث الثانيفي التنبيه على أمر مهم

- ‌المبحث الثالثفي التنبيه على أمر أهم من الأول

- ‌القسم الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في الصالحين

- ‌ الفصل الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال الغلو إجمالا

- ‌المطلب الأولفي استدلال علماء الحنفية بالكتاب على إبطال الغلو في الصالحين

- ‌المطلب الثانيفي استدلال علماء الحنفية بالسنة على إبطال الغلو في الصالحين

- ‌المطلب الثالثفي نصوص علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في الغلو في الصالحين

- ‌الفصل الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في حياة الأموات

- ‌ المبحث الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في حياة الأموات

- ‌المبحث الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى

- ‌المبحث الثالثفي إبطال علماء الحنفية لشبهات القبورية

- ‌المبحث الثانيفي تنبيهات ثلاثة على فوائد ثلاث لشرح الكلام السابق

- ‌ الفصل الأول: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله

- ‌المطلب الأولفي استدلال علماء الحنفية ببعض الآيات على إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالثفي ذكر بعض نصوص علماء الحنفيةفي إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله

- ‌الفصل الثانيفي جهود علماء الحنفية لإبطال عقيدة القبوريةفي التصرف في الكون لغير الله سبحانه

- ‌المبحث الثالثفي نصوص علماء الحنفية ردا على عقيدة القبوريةفي زعمهم التصرف في الكون للصالحين

- ‌الفصل الثالثفي جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية

- ‌ الفصل الأول: في عرض أمثلة لعقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله

- ‌المبحث الثالثفي بيان أمثلة متفرقة لعقيدة القبوريةفي استغاثتهم بغير الله عند الكربات

- ‌لمطلب الأول: في عرض عقيدة القبورية في الاستغاثة بالأحياء الغائبين وبالأموات

- ‌المطلب الثانيفي بيان ترجيح القبورية الاستغاثة والتوسل بالأموات

- ‌المطلب الثالثفي بيان استغاثات القبورية المتفرقات

- ‌الفصل الثانيفي جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية

- ‌ المبحث الأول: في استدلال علماء الحنفية بالكتاب والسنة على إبطال عقيدة القبورية

- ‌المطلب الأولفي استدلال علماء الحنفية بعدة آيات من كتاب اللهعلى إبطال عقيدة القبورية

- ‌المطلب الثانيفي ذكر بعض الأحاديث التي استدل بها علماء الحنفية علىإبطال عقيدة القبورية

- ‌ المطلب الأول: في نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله أمر محرم

- ‌الفصل الثالثفي جهود علماء الحنفية في تحقيقهم أن القبورية أشد شركامن الوثنية الأولى

- ‌ المبحث الأول: في جهود علماء الحنفية في تحقيق أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى

الفصل: ‌الفصل الثالثفي بيان عدة ذرائع الشرك التي صرح علماء الحنفية بوجوب سدها

‌الفصل الثالث

في بيان عدة ذرائع الشرك التي صرح علماء الحنفية بوجوب سدها

لئلا يتذرع بها إلى الشرك وحماية لحمى التوحيد

كلمة بين يدي هذا الفصل:

لقد ذكرتُ في المباحث السابقة من الفصول التي مضت بعض جهود علماء الحنفية في تحقيق أن الشرك موجود في هذه الأمة وأن القبورية فرقة مشركة وثنية عباد القبور وعبدة الأوثان كما ذكرت بعض جهود علماء الحنفية في إبطال بعض شبهاتهم وقلعها وقمع أصحابها، وبينت بعض جهودهم في التحذير من الشرك، كما ذكرت عدة قواعد لهم يمكن الاستفادة منها في حماية حمى التوحيد، وأذكر في هذا الفصل جهود علماء الحنفية في حماية حمى التوحيد وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك؛ فأقول وبالله توفيقي* وعليه اعتمادي* وبه ثقتي*:

اهتمام علماء الحنفية بسد جميع ذرائع الشرك:

لقد اهتم علماء الحنفية بسد جميع ذرائع الشرك عامة، وصرحوا بوجوب سدها؛ لحماية حمى التوحيد، ولئلا يتذرع بها إلى الشرك بالله تعالى، ولهم جهود حسنة، وأقوال مهمة فيها قرة عيون الموحدين وشجى

ص: 621

في حلوق القبورية.

بل ذكروا عدة ذرائع وصرحوا بوجوب سدها لئلا يتذرع بها إلى الشرك، وحماية لحمى التوحيد؛ وفيما يلي أذكر بعض الأمثلة من تلك الذرائع مع كلام الحنفية في وجوب سدها، وهي ثلاثون ذريعة؛ فأقول- وبالله أستغيث وأستعين*؛ إذ هو المستعان المغيث وهو المعين*:

الذريعة الأولى: الغلو في الصالحين:

لقد اجتهد كثير من علماء الحنفية في سد هذه الذريعة، والتحذير منها، وصرحوا بأن الغلو في الصالحين- أعظم ذريعة على الإطلاق لعبادة الأصنام، والأوثان، والقبور، وهو السبب الأصل الرئيسي لكفر كثير من بني آدم، وشركهم، وأن كل ما يرتكبه القبورية قديما وحديثا:

من بناء القبب والمساجد على القبور، والحج إليها، والنذور لأصحابها والاستغاثة بهم واعتقاد علم الغيب والتصرف في الكون فيهم- هو بسبب الغلو في الصالحين.

هذا مجمل كلام الحنفية ومزيد التفصيل والتحقيق يكون في باب (الغلو) إن شاء الله.

الذريعة الثانية: المبالغة في تعظيم الصالحين ومحبتهم:

ص: 622

لعلماء الحنفية كلام وجهود في سد هذه الذريعة، وقد سبق شيء من ذلك في إبطال شبهة التعظيم.

وقد صرح علماء الحنفية بأن محبة الصالحين إنما هو سلوك طريقهم المستقيم.

وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) على المبالغين في تعظيم الصالحين:

(إن المبالغة في تعظيم الرسول- صلى الله عليه وسلم يحسب ما يراه كل أحد تعظيما:

حتى الحج إلى قبره صلى الله عليه وسلم، والسجود له، والطواف به، واعتقاد أنه يعلم الغيب، وأنه يعطي، ويملك لمن استغاث به من دون الله الضر والنفع، وأنه يقضي حوائج السائلين ويفرج المكروبين، وأنه يشفع فيما يشاء* ويدخل الجنة من يشاء* فدعوى المبالغة في هذا التعظيم- مبالغة في الشرك وانسلاخ من جملة الدين) .

الذريعة الثالثة: التوجه إلى غير الكعبة بقصد القربة:

قال العلامة الخجندي (1379هـ) :

(والعمل الذي أنتم- أيها المدعون- تعملونه من التوجه إلى القبر النبوي بالتواضع- هو بعينه ما يفعله عباد الأوثان

) .

وقال: (والتوجه بقصد القربة مخصوص شرعا بالكعبة خاصة؛ فمن

ص: 623

توجه إلى غيرها بقصد القربة، فقد أشرك في عبادة الله تعالى

) .

وقال: (ولا شك أن التوجه إلى شيء أو إلى جهة بقصد التقرب وحصول الثواب عبادة حق الله خاصة دون غيره؛ وهذا لا يكون إلا إلى الكعبة فقط؛ فمن توجه إلى غير الكعبة بقصد القربة فقد أشرك بعبادة الله غيره، وهذا مناف للإسلام وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فقبلة العبادة وقبلة التوجه، وقبلة الفيض والبركة، وقبلة الدعاء- إنما هي الكعبة لا غير في دين الإسلام

، فالذي يتوجه إلى القبر، ولو قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اتخذه قبلة وكعبة، وذلك عين الشرك الأكبر، وعين عبادة الأوثان) .

قلت: لكون التوجه إلى القبور بنية القربة- من وسائل الشرك- صرح علماء الحنفية بأن استقبال القبر الشريف لم يرد عن الصحابة-رضي الله عنهم بل كانوا يدعون مستقبلين القبلة؛ فعن أبي حنيفة رحمه الله:

أنه كان لا يستقبل القبر بل يستدبر ويستقبل الكعبة وقت الدعاء.

الذريعة الرابعة: تعظيم القبور بما لم يرد به الشرع.

وهذا هو أم الفتن التي افتتن بها القبورية وارتكبوا تحت ستاره الوثنية،

ص: 624

قال النابلسي (1143هـ) :

من تعظيم الأولياء بناء القبب على قبورهم، والستور والثياب عليها؛ لأنهم أفضل من الكعبة، وكسوة الكعبة أمر مشروع، ومن تعظيم الأولياء إيقاد القناديل والشموع، عند قبورهم، وكذا وضع اليدين على القبور والتماس البركة من مواضع روحانيات الأولياء؛ ومن تعظيمهم نذر الزيت والشمع للأولياء لتوقد عند قبورهم وكذا نذر الدراهم والدنانير للأولياء؛ وأما قول بعض المغرورين: إن هذه الأمور كلها حرام؛ لأنها وسيلة إلى الشرك بالله واعتقاد العوام التصرف في الأولياء- فهذا إهانة للأولياء؛ بل هو كفر صريح مأخوذ من فرعون.

إلى آخر ما هذى به هذا الصوفي الوثني الكذاب المضل القبوري الحنفي.

وقال الإمام البركوي (981هـ) مبينا مفاسد هذه الذريعة محققا أن هذه الذريعة أعظم سبب للوثنيين وأصل عبادة الأصنام:-وغيره من الحنفية-:

(وأعظم الفتنة بهذه الأنصاب فتنة أصحاب القبور، وهي أصل فتنة عباد الأصنام؛ كما قال السلف من الصحابة والتابعين؛ فإن الشيطان ينصب لهم قبر رجل معظم يعظمه الناس، ثم يجعله وثنا يعبد من دون الله؛

ص: 625

ثم يوحي إلي أوليائه:

أن من نهى عن عبادته واتخاذه عيدا وجعله وثنا- وقد تنقصه وهضم حقه؛ فيسعى الجاهلون في قتله وعقوبته، ويكفرونه؛ وما ذنبه إلا أنه أمر بما أمر به الله تعالى ورسوله-صلى الله عليه وسلم، ونهى عما نهى الله ورسوله) .

الذريعة الخامسة: زيارة حديثي العهد بالشرك للقبور ولو كانت على السنة.

يظهر لي من قواعد الحنفية التي ذكرتها في المبحث السابق: أن الشيء الجائز قد ينهى عنه؛ لما يترتب عليه من المفسدة، ولا شك أن الشخص إذا كان حديث العهد بالخرافات- يجب نهيه عن زيارة القبور مطلقا؛ وقد صرح علماء الحنفية بأن النبي-صلى الله عليه وسلم قد نهى المسلمين عن زيارة القبور في بدء الأمر لكونهم حديثي عهدهم بالجاهلية، فكان-صلى الله عليه وسلم يخاف عليهم وقوعهم بسبب زيارة القبور في شيء من الشرك أو وسائله؛ فسد هذه الذريعة من أصلها، ونهاهم عن زيارة القبور نهيا باتا؛ ثم لما تمكن التوحيد في قلوبهم وارتفع خشية الوقوع في بدعة أو شرك- أذن لهم في زيارة القبور ولكن مع بيان طريقها المسنونة.

قلت: بناء على هذا يمنع القبورية منعا باتا من زيارة القبور حتى

ص: 626

يتوبوا.

الذريعة السادسة: زيارة القبور على غير السنة.

لعلماء الحنفية جهود كثيرة في أن زيارة القبور على غير السنة من أعظم وسائل الشرك، ومن أعظم طرق الوثنية، ولهم في ذلك تحقيقات نافعة رفعوا بها الأستار عن أسرار القبورية وكشفوا بها عن عوارهم وبينوا أن ذلك القبورية غيروا وبدلوا طريقة الزيارة المسنونة بالزيارة الشركية البدعية.

وسيأتي بعض نصوص علماء الحنفية في مبحث زيارة القبور إن شاء الله.

الذريعة السابعة: اتخاذ القبور عيدا.

لقد عد علماء الحنفية اتخاذ القبور عيدا وانتيابها مرارا وتكرارا لا لأجل التزهيد في الدنيا وتذكير الآخرة والرغبة فيها؛ بل لأجل أمور بدعية، وشركية- ذريعة من أعظم ذرائع الشرك، وقد استدلوا على سدها بقول النبي-صلى الله عليه وسلم «لا تجعلوا قبري عيدا» .

وذكروا كثيرا من مفاسد هذه الذريعة، كل ذلك لحماية حمى التوحيد وسد ذرائع الشرك.

ص: 627

تنبيه على شبهة والجواب عنها:

لقد حرف بعض القبورية حديث: «لا تجعلوا قبري عيدا» إلى أن معناه: " لا تجعلوا قبري مثل العيد الذي يكون في السنة مرة أو مرتين، بل زوروا قبري مرارا وتكرارا كثيرا ودائما ".

ولكن علماء الحنفية قد أبطلوا هذا التحريف؛ فقد قال الإمام البركوي (981هـ) ، والعلامة شكري الآلوسي (1342هـ)، واللفظ للأول:

قال ابن القيم في إغاثته:

(لقد حرف هذه الأحاديث بعض من أخذ شبها من النصارى بالشرك، وشبها من اليهود بالتحريف؛ فقال: هذا أمر بملازمة قبره عليه الصلاة والسلام، والعكوف عنده واعتياده وقصده وانتيابه، ونهي أن يُجعل كالعيد الذي يكون في العام مرة أو مرتين؛ فكأنه قال:" لا تجعلوا قبري بمنزلة العيد الذي يكون من الحول إلى الحول؛ واقصدوه كل وقت وكل ساعة ". وهذا محادة ومناقضة لما قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلب للحقائق؛ ونسبة الرسول إلى التدليس والتلبيس؛ إذ لا ريب أن من أمر الناس بملازمة أمر واعتياده، وكثرة انتيابه بقوله:«لا تجعلوا قبري عيدا» ؛ فهو إلى التلبيس وضد البيان أقرب منه إلى الدلالة والبيان؛ فإن لم يكن هذا تنقيصا، فليس للتنقيص حقيقة فينا؛ ولا شك: أن

ص: 628

ارتكاب كل كبيرة بعد الشرك أسهل إثما وأخف عقوبة من تعاطي مثل ذلك في دينه عليه السلام وسنته؛ وهكذا غيرت ديانات الرسل [عليهم السلام]، ولولا أنه تعالى - أقام لدينه الأنصار والأعوان الذابين عنه - لجرى عليه مثل ما جرى على الأديان قبله؛ قال عليه السلام:

«يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» .

فإنه عليه السلام بين في هذا الحديث: أن الغالين يحرفون ما جاء به، وأن المبطلين ينتحلون: أن باطلهم هو ما كان عليه النبي-صلى الله عليه وسلم، وأن الجاهلين يتأولونه على غير تأويله؛ وفساد الإسلام من هؤلاء الطوائف الثلاث؛ فلو أراد رسول الله-صلى الله عليه وسلم -ما قاله هؤلاء الضالون لم ينه عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، ولم يلعن من فعل ذلك؛ فإنه عليه السلام إذا لعن من اتخذها مساجد يعبد الله فيها، فكيف يأمر بملازمتها والعكوف عندها؟، وأن يعتاد قصدها وإتيانها؟، ولا تجعل كالعيد الذي يجيء من الحول إلى الحول؛ وكيف يقول:«صلوا عليّ حيثما كنتم» - بعد قوله: «لا تجعلوا قبري»

ص: 629

«عيدا» ؟!!؛

وكيف لم يفهم أصحابه وأهل بيته من ذلك ما فهمه هؤلاء الضالون الذين جمعوا بين الشرك والتحريف؟

) .

قلت: هذا النص مشتمل على عدة أجوبة عن تحريفات هؤلاء القبورية الوثنية الجامعة بين الشرك بالله وبين التحريف لدين الله؛ وحاصل هذه الأجوبة ما يلي:

1 -

أن هذا الذي قاله هؤلاء الوثنية تحريف محض لهذا الحديث.

2 -

هذا الذي قاله هؤلاء المحرفة يصادم شريعة الإسلام.

3 -

هذا الذي قالوه في تحريف هذا الحديث يفتح باب الوثنية بمصراعيه.

4 -

هذا الذي قاله هؤلاء القبورية يناقض سياق هذا الحديث.

5 -

هذا التحريف ينفيه قوله-صلى الله عليه وسلم «وصلوا عليّ حيثما كنتم» ، وهذه الجملة من جملة هذا الحديث.

6 -

هذا الذي قاله هؤلاء الوثنية لم يفهمه أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم فهل هم أعلم منهم وأفهم بمراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟؟؟

7 -

هذا الذي قاله هؤلاء المحرفون يناقض عمل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؛ فإنهم لم ينتابوا القبر الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأكمل التسليم.

الحاصل: أن جعل القبور أعيادا من أعظم وسائل الشرك، وأنه يجب سد هذه الذريعة حماية لحمى التوحيد وسدّا لباب الوثنية.

ص: 630

الذريعة الثامنة: العكوف على القبور.

لقد صرح علماء الحنفية بأن العكوف على القبور من أعظم أسباب الوثنية ومن أبين وثنيات عباد الأوثان وأنه هو السبب الوحيد لنشأة الشرك في قوم نوح عليه السلام، وبينوا أن القبورية اعتادوا العكوف على القبور كما كان أهل الشرك السابقون يعكفون على تماثيلهم، وذكروا أن عباد القبور وصلوا في الغلو في العكوف على القبور والمجاورة لها إلى أن رجحوه على مجاورة المسجد الحرام، وخدمته، ولهم جهود في الرد على القبورية في هذا الصدد يشكرون عليها.

قلت: العكوف على القبور ظاهرة من ظواهر الوثنية، وفي معنى العكوف على القبور المراقبة عندها، والمراقبة عند القبور من أشهر سنن الديوبندية القبورية النقشبندية الماتريدية المجددية الحنفية، حتى التبليغية؛ فهذا إمام الديوبندية الشيخ خليل أحمد السهارنفوري (1346هـ) صاحب " بذل المجهود شرح سنن أبي داود "؛ ومؤلف كتاب " المهند على المفند " ذلكم الكتاب القبوري الوثني الصوفي الخرافي الذي هو عار وشنار على جميع الديوبندية حيث بين حقيقتهم- قد ذهب لزيارة قبر الخواجة معين الدين الجشتي إمام الصوفية الجشتية بمرافقة كبار الديوبندية منهم:

ص: 631

أشرف على التهانوي الملقب عند الديوبندية بـ (حكيم الأمة) المتوفى (1362هـ) .

ثم جلس للمراقبة أمام القبر واستغرق في المراقبة كأنه أغمي عليه، والناس كانوا يطوفون حول القبر ويسجدون له.

قلت: وفي معنى العكوف على القبور- زيارة القبور لأجل حصول الفيوض من القبور. والاستفاضة من القبور من أعظم عقائد القبورية عامة، ومن أهم سنن الديوبندية خاصة؛ فقد نرى كبار أئمة الديوبندية مرضى بهذا الداء العضال الذي هو طريق مستقيم إلى الوثنية؛ وإن كنت في شك من هذا فاستمع لما يقوله هذا

ص: 632

السهارنفوري إمام الديوبندية معبرا عن عقيدة جميع أئمة الديوبندية:

(السؤال الحادي عشر: هل يجوز عندكم الاشتغال بأشغال الصوفية، وبيعتهم، وهل تقولون بصحة وصول الفيوض الباطنية عن صدور الأكابر وقبورهم؟؟؟ وهل يستفيد أهل السلوك من روحانية المشائخ الأجلة أم لا؟؟؟؟ الجواب:

يستحب عندنا إذا فرغ الإنسان عن تصحيح العقائد، وتحصيل المسائل الضرورية من الشرع:

أن يبايع شيخا راسخ القدم في الشريعة، زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة، قد قطع عقبات النفس، وتمرن في المنجيات، وتبتل من المهلكات، كاملا مكملا؛ ويضع يده في يده ويحبس نظره في نظره، ويشتغل باشتغال الصوفية:

من الذكر والفكر، والفناء الكلي فيه، ويكتسب النسبة التي هي النعمة العظمى، والغنيمة الكبرى، وهي المعبر عنها بلسان الشرع:" الإحسان "

؛ وبحمد الله تعالى وحسن إنعامه نحن ومشائخنا قد دخلوا في بيعتهم واشتغلوا بأشغالهم، وتصدوا للإرشاد والتلقين- والحمد لله على ذلك-، وأما الاستعانة من روحانية المشائخ الأجلة، ووصول الفيوض

ص: 633

الباطنية من صدورهم وقبورهم؛ فيصح على الطريقة المعروفة في أهلها وخواصها، لا بما هو شائع في العوام) .

ولإمام آخر للديوبندية الملقب عندهم بشيخ الإسلام (1377هـ) ألا وهو الشيخ حسين أحمد مؤلف " الشهاب الثاقب " و " نقش الحياة " ذينكم الكتابين القبوريين الوثنيين الصوفيين الخرافيين- كلام أشد ضررا وفسادا من كلام إمامه السابق السهارنفوري (1346هـ)، فهو يقول جهارا كاشفا عن حقيقته وحقيقة الديوبندية؛ مقارنا بين الوهابية وبين الديوبندية متبرئا من عقائد الوهابية:

(إن الوهابية يعدون الأشغال الباطنية، والأعمال الصوفية، والمراقبة، والذكر والفكر والإرادة والمشيخة، وربط القلب بالشيخ، والفناء والبقاء، والخلوة، وغيرها- من اللغو والباطل والبدعة، والضلالة، ويرون أقوال أكابر الصوفية وأفعالهم- من الشرك، كما يرون الانسلاك في هذه السلاسل مكروها ومستقبحا؛ بل يعدون ذلك أشد من هذا؛ ومن ذهب إلى الديار النجدية وخالط هؤلاء، يعلم ذلك منهم، والفيوض الروحية ليس بشيء عندهم، وبعكس هؤلاء الوهابية لو نظرت إلى أصول أكابر الديوبندية علمت:

أن جميعهم كانوا منسلكين في طرق الصوفية الباطنية، والرياضة،

ص: 634

ودوام الفكر، والذكر، وهذا كله من شعارهم) إلى آخر ما شهد عليهم به لسانا وبيانا وبنانا.

وقد تقدم الشيخ أنور شاه في حصول الفيوض من القبور، وهو من أعظم أئمة الديوبند كما سبق ذلك كله.

الحاصل: أن هذه الظواهر من العكوف بالقبور، والمراقبة عندها وحصول الفيوض من القبور كلها ظواهر القبورية وهي وسائل الوثنية السافرة، فيجب سدها حماية لحمى التوحيد؛ ولئلا يتذرع بها إلى الشرك بالله عز وجل؛ وقد سبق أن فلاسفة اليونان تلامذة أرسطو - كانوا إذا وقعوا في مشكلة فلسفية- لجأوا إلى قبر شيخهم أرسطو لحصول الفيض من قبره؛ فظهر أن ظاهرة حصول الفيوض من القبور من ميراث هؤلاء الفلاسفة اليونانية الوثنية، ولذا اعترف الشاه أنور شاه الكشميري أحد أئمة الديوبندية (1352هـ) بأن الاستفاضة من القبور لم تثبت عند المحدثين، ولكنها جائزة؛ لأنها ثابتة عند الصوفية.

الذريعة التاسعة: الصلاة إلى القبور، أو عند القبور.

لعلماء الحنفية جهود قيمة وبحوث محققة في تحقيق أن الصلاة إلى القبور من أعظم أسباب الوثنية، وقد صرحوا بوجوب سد هذه الذريعة، حماية لحمى التوحيد؛ ولئلا يتذرع بها إلى عبادة غير الله عز وجل، وقد

ص: 635

ذكروا في هذا الباب تلك الأحاديث الصحيحة التي تنهى عن الصلاة إلى القبور، واستدلوا بها على منع الصلاة إلى القبور ووجوب سد هذه الذريعة.

وقد حذر علماء الحنفية من الصلاة عند القبور أو إلى القبور، ومن كل ما يتذرع به إلى الشرك؛ وعللوا ذلك بأن الشرك بالقبور المعظمة للرجال المعظمين أقرب إلى القلوب، وأسرع إلى النفوس من الشرك بالأحجار والأشجار.

وقد استدل علماء الحنفية بحديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه مرفوعا:

«لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» .

على النهي عن جميع ما ذكروه حماية لحمى التوحيد وسدّا لذرائع الشرك.

الذريعة العاشرة: الدعاء عند القبور.

لقد حقق علماء الحنفية أن زيارة القبور لأجل الدعاء عندها من

ص: 636

أعظم- ذرائع الشرك بالله ومن أعظم وسائل عبادة غير الله وطريق إلى الوثنية، وسبيل إلى جعل القبور أعيادا للمذنبين والمكروبين، فإن الشيطان يستدرج بابن آدم؛ فيزين له أن الدعاء عند القبور أقرب إلى الإجابة؛ ثم يستدرجه إلى نداء الأموات، والاستغاثة بهم عند الكربات، فلم يشرع الدعاء عند القبور؛ ولم يرد عن أحد من السلف أنه أتى إلى قبر نبي أو ولي لأجل الدعاء عنده، ولم يثبت أن الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- يقصدون قبر النبي- صلى الله عليه وسلم للدعاء عنده؛ بل لم يشرع النبي- صلى الله عليه وسلم قط لأمته:

أنه إذا كان لأحد حاجة أن يقصد قبر نبي أو ولي؛ فيدعو عنده لنفسه، على ظن: أن الدعاء عند قبره يجاب؛ بل كل هذه من وسائل الشرك التي يجب سدها، والتحذير منها، حماية لحمى التوحيد؛ ولئلا يتذرع بها إلى الشرك بالله، وعبادة غير الله تعالى، ولذلك صرح الإمام أبو حنيفة:

بأن لا يستقبل القبر عند الدعاء؛ بل يستقبل القبلة؛ ولكن القبورية خالفوا ذلك كله، فتراهم أعظم خشوعا وأكثر خوفا وأشد عبادة وتضرعا وقت الدعاء عند القبور منهم لخالق البريات في المساجد والسحر وغيره من الأوقات، فإن السنة الثابتة في زيارة القبور هي الزيارة لقصد التزهد في الدنيا وتذكر الآخرة، والاستغفار للميت، والدعاء له، ولكن أهل البدع غيروا الدين فبدلوا الدعاء للميت والإحسان إليه بدعائه نفسه أو الدعاء والاستشفاع به.

ص: 637

وبهذا كله تبين بطلان زعم القبورية عامة، والداجوي الديوبندي خاصة:

أن السؤال عند قبور الصالحين ثابت متوارث.

نعم ثابت متوارث ولكن عند الوثنية فقط، كما تبين بطلان زعم الديوبندية:

أن المختار أن يستقبل الزائر القبر عند الدعاء.

الذريعة الحادية عشرة: اتخاذ القبور مساجد.

لقد حقق علماء الحنفية: أن اتخاذ القبور مساجد من أعظم وسائل الوثنية، وأنه من أصول الشرك بالله عز وجل، وأنه من أبين صنائع اليهود والنصارى- الملعونين، وأنه موجب للعنة الله تعالى والطرد من رحمته سبحانه وتعالى، وقد ذكر علماء الحنفية عدة أحاديث في التحذير من ذلك ولعن فاعله، وقالوا: إن النبي- صلى الله عليه وسلم قد حسم هذه المادة التي هي من أعظم ذرائع الشرك بلعن فاعلها والتحذير منها؛ حماية لحمى التوحيد ودرءا للمفاسد وسدّا لذرائع الشرك؛ وقد بين علماء الحنفية أيضا:

أن معنى اتخاذ القبور مساجد: هو بناء المساجد عليها، أو بناء المساجد بجوارها أو عندها، أو جعل القبور مساجد بحيث يسجد إليها

ص: 638

وتجعل أوثانا تعبد من دون الله، كل ذلك داخل في اللعن والوعيد كما صرحوا بوجوب هدم تلك المساجد المبنية على القبور؛ لأنها أشد ضررا ومفسدة من مسجد الضرار، ولعلماء الحنفية جهود في كشف أسرار القبورية وبيان مفاسد اتخاذ القبور مساجد، وقلع شبهاتهم وقمعهم وكسر جموعهم.

وبهذه التحقيقات قد قضى على تمويهات الكوثري (1371هـ)، في الدعوة إلى الوثنية بمقالته الفاجرة الماكرة بعنوان:

" بناء المساجد على القبور والصلاة إليها ".

كما قضى على تلبيسات صديقه وخليطه في كثير من بدعه ذلكم الغماري الصوفي القبوري الخرافي (1380هـ) في كتابه الوثني: " إحياء

ص: 639

المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور ".

كما قطع دابر شقيقه؛ وقلع تدليساته في كتيبه:

" إعلام الراكع الساجد بمعنى اتخاذ القبور مساجد ".

الذريعة الثانية عشرة: البناء على القبور.

هذه الذريعة أعم من السابقة؛ بأنها تشمل بناء المساجد على القبور

ص: 640

والقباب عليها، وغيرها؛ كتجصيصها ورفعها عن حدها ونحو ذلك.

ولقد حذر علماء الحنفية من البناء على القبور وصرحوا بأنه من أعظم وسائل الشرك والوثنية، وحققوا أنه من سنن اليهود والنصارى والمشركين، وأن إنفاق الأموال على ذلك إنفاق في الحرام، وصرحوا بوجوب هدم ما بني على القبور من المساجد أو غيرها من القباب ونحوها؛ فإنها أضر من مسجد الضرار، وقاموا بالرد على شبهات القبورية وقلعها وقمع أهلها، وبينوا مفاسد ذلك وعواقبها الوخيمة الوثنية وهتكوا أستارهم، وكشفوا أسرارهم، وساقوا كثيرا من الأحاديث الصحيحة في ذلك، واستدلوا بها على تحريمه ووجوب هدمه- كل ذلك حماية لحمى التوحيد وسدّا لذرائع الشرك؛ فشكر الله سعيهم ولله درهم.

وهذه المباحث القيمة التي فيها قرة عيون للموحدين وشجى في قلوب الوثنيين- قضاء على كتاب " إحياء المقبور من أدلة بناء المساجد والقباب على القبور " للغماري المذكور خاصة ومزاعم الوثنية عامة.

وللتفصيل موضع آخر.

ص: 641

الذريعة الثالثة عشر: إيقاد السرج على القبور:

لقد شدد علماء الحنفية النكير على القبورية في إيقاد الشموع والسرج على القبور وصرحوا بأن فاعل ذلك ملعون مطرود من رحمة الله تعالى؛ لأنه من أعظم وسائل الشرك بالله تعالى، ودعوة إلى عبادة غير الله عز وجل واستدلوا على ذلك بما ورد من النهي عنه؛ فصرحوا بوجوب سد هذه الذريعة حماية لحمى التوحيد، وسدّا لذرائع الشرك.

فللحنفية في هذا الصدد كلام هو قرة عيون للموحدين* وسخنة أعين للقبورية الوثنيين*.

وبذلك بطلت مزاعم القبورية كلها في إيقاد السرج والشموع على القبور للتبرك والتعظيم لروح الميت المشرقة على تراب جسده كإشراق الشمس على الأرض، إعلاما للناس: أنه ولي ليتبركوا به، ويدعوا الله عنده، فيستجاب لهم.

لأن هذا الإعلام دعوة سافرة إلى الوثنية سبحان قاسم العقول! فقد قال الشيخان: عبد القادر الأرناؤطي وبشير بن محمد عيون - وهما من الحنفية- في شرح حديث «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور»

ص: 642

«والمتخذين عليها المساجد والسرج» :

(إن إيقاد السرج على القبور وثنية لا يرضاها الإسلام) .

الذريعة الرابعة عشرة: الكتابة على القبور:

لقد صرح علماء الحنفية بمنع الكتابة على القبور وكتابة الألواح عليها، واستدلوا على ذلك بما ورد من النهي عنها.

لأن ذلك تزيين للقبور وفيه مخافة أن يكون وسيلة إلى تعظيم القبور بما لم يرد في الشرع فيفضي إلى الشرك.

الذريعة الخامسة عشرة: كل ما لم يعهد في السنة عند القبور.

ص: 643

لقد صرح علماء الحنفية بالمنع من ارتكاب كل ما لم يعهد في السنة عند القبور.

سواء كان ذلك من قبيل الأقوال أو من باب الأفعال، فلا يجوز ارتكابه عند زيارة القبور؛ لأنه داخل في " الهجر ".

وإنما تزار القبور وفق السنة النبوية على صاحبها ألف ألف تحية وتسليم؛ كل ذلك حماية لحمى التوحيد وسدّا لجميع وسائل الشرك، الذريعة السادسة عشرة: الحج إلى القبور.

هذه من أعظم ظواهر الوثنية؛ ويعبر عنها بالسفر إلى القبور، وشد الرحال إليها.

لعلماء الحنفية جهود في تحقيق أن الحج إلى القبور وشد الرحال إليها من وثنيات المشركين السابقين؛ وحققوا:

أنه يجب سد هذه الذريعة حماية لحمى التوحيد؛ ولئلا يتذرع بها إلى الوثنية.

ويما يلي نصوص علماء الحنفية إتماما للحجة وإيضاحا للمحجة:

1 -

قال الإمام البركوي (981هـ) مبينا مفاسد اتخاذ القبور مساجد وأعيادا:

(ومنها السفر إليها مع التعب الأليم والإثم العظيم؛ فإن جمهور العلماء قالوا:

ص: 644

السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة؛ لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر بها رسول رب العالمين، ولا أستحبها أحد من أئمة المسلمين فمن اعتقد ذلك قربة وطاعة- فقد خالف الإجماع، ولو سافر إليها بذلك الاعتقاد - يحرم بإجماع المسلمين؛ فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة؛ ومعلوم؛ أن أحدا لا يسافر إليها إلا لذلك؛ وقد ثبت في الصحيحين أنه عليه السلام قال:«لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا»

) .

2 -

3- وله وللإمام أحمد الرومي (1043هـ) كلام في غاية الأهمية سيأتي نصه.

4 -

وقال الإمام ولي الله الدهلوي (1176هـ) مبينا أنواع الشرك:

(ومنها الحج لغير الله، وذلك أن يقصد مواضع متبركة مختصة بشركائهم،

ص: 645

يكون الحلول بها تقربا من هؤلاء؛ فنهى الشرع عن ذلك؛ وقال النبي-صلى الله عليه وسلم: «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد»

) .

5 -

وله كلام مهم جدّا سيأتي نصه قريبا إن شاء الله تعالى.

6 -

وقال العلامة شكري الآلوسي (1343هـ) :

(إن بعض غلاة القبورية يحج إلى القبور، وإن بعضهم ذهب للحج ولكن كان منتهى قصده قبر النبي-صلى الله عليه وسلم؛ فلم يذهب إلى الكعبة، ومثله عند النبهاني وأمثاله أفضل من الحاج، ويعد عمله من الفضائل؛ وقد أفضى ببعض أئمة القبورية إلى أن قال: البيوت المحجوبة ثلاثة: الكعبة، وبيت المقدس، والصنم في الهند؛ وبعض القبورية يعرف عند مقابر الشيوخ كما يفعل بعرفة وهذا واقع في المغرب والمشرق) .

7 -

11- وقال الإمامان: البركوي (981هـ) ، والرومي (1043هـ)، والشيخان: الهندي والسورتي؛ واللفظ للأولين:

(وقد آل الأمر بهؤلاء الضالين المضلين، إلى أن شرعوا للقبور حجا وصنفوا لها مناسك؛ حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتابا وسماه:" مناسك حج المشاهد "؛ مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام؛ ولا يخفى: أن هذا مفارقة لدين الإسلام، ودخول في دين عباد

ص: 646

الأصنام؛ فانظر إلى ما بين ما شرعه النبي- عليه السلام: من النهي عما تقدم ذكره في القبور، وبين ما شرعه هؤلاء وما قصدوه: من التباين؛ ولا ريب أن في ذلك من المفاسد ما يعجز العبد عن حصره) ، ثم ذكروا بعض تلك المفاسد الوثنية.

قلت: لقد تبين بهذه التحقيقات لهؤلاء العلماء من الحنفية العارفين- حقيقة القبورية من أنهم وثنية وبطلان جميع مزاعم الديوبندية القبورية في الحج إلى القبور، ولا سيما في الحج إلى قبر النبي-صلى الله عليه وسلم: فإن هؤلاء الديوبندية قد صرحوا جهارا دون إسرار: بأن زيارة قبر سيد المرسلين عندنا وعند مشائخنا من أعظم القربات *؛ وأهم المثوبات وأنجح لنيل الدرجات قريبة من الواجبات*؛ وإن كانت بشد الرحال* وبذل المهج والأموال* والزائر ينوي وقت الارتحال زيارة قبره عليه السلام، وينوي معها زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم؛ بل الأولى ما قاله العلامة ابن الهمام:

ص: 647

إن الزائر يجرد النية لزيارة قبره-صلى الله عليه وسلم وتكون زيارة المسجد تبعا لزيارة القبر الشريف، زيادة لتعظيمه-صلى الله عليه وسلم، وكذا نقل عن العارف السامي الجامي.

أنه أفرز الزيارة عن الحج، وهو أقرب إلى مذهب المحبين؛ وأما ما قالت الوهابية:

من أن المسافر إلى المدينة لا ينوي إلا زيارة المسجد؛ استدلالا بحديث «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» فمردود؛ فإن البقعة الشريفة التي ضمت أعضاءه-صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة والعرش والكرسي؛ كما صرح به فقهاؤنا رضي الله عنهم؛ وقد صرح بهذه المسألة شيخنا العلامة شمس العلماء العاملين مولانا رشيد أحمد الجنجوهي - قدس الله سره- العزيز في رسالته " زبدة

ص: 648

المناسك "، ولشيخ مشائخنا مولانا المفتي صدر الدين الدهلوي قدس الله سره العزيز، رسالة سماها " أحسن المقال في شرح حديث لا تشدوا الرحال "، أقام فيها الطامة الكبرى على الوهابية، ومن وافقهم؛ وأتى ببراهين قاطعة وحجج ساطعة طبعت واشتهرت، إلى آخر ما قالوه بدون حياء مستندين في ذلك إلى ما ذكروه من أحاديث واهية باطلة ضعيفة في الزيارة واحتجوا بها، وقالوا:

إن الوهابية لا يعتمدون على هذه الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل خالفوها وحكموا عليها بأنها موضوعة وضعيفة.

قلت: أترك المجال للذين بغيتهم الإنصاف* وضالتهم الحق دون العاطفة والتعصب والاعتساف*- أن يحكموا على هؤلاء الديوبندية الصوفية النقشبندية الماتريدية! هل هؤلاء الديوبندية سنية سلفية * أم هم مبتدعة قبورية

ص: 649

خرافية*؟!؟

مع العلم بأن كثيرا من علماء الحنفية قد قاموا بإبطال تلك الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي-صلى الله عليه وسلم، وحكموا عليها بأنها باطلة موضوعة* فاسدة عاطلة مصنوعة*.

الذريعة السابعة عشرة: السفر إلى آثار الصالحين للتبرك بها.

لقد حذر علماء الحنفية من السفر إلى آثار الصالحين للتبرك بها سواء كان قبرا أو مسجدا غير المساجد الثلاثة، أو محلا لعبادة ولي من الأولياء، أو الطور أو شجرا أو حجرا أو نحو ذلك؛ فإن هذا من عادات أهل الجاهلية الوثنية، فيجب الامتناع منه سدّا لذرائع الشر وحماية لحمى التوحيد.

وفيما يلي بعض نصوص علماء الحنفية:

1 -

قال الإمام ولي الله الدهلوي (1176هـ) :

(قوله-صلى الله عليه وسلم: «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» .

أقول: كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم، يزورونها ويتبركون بها؛ وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى؛ فسدّ النبي-صلى الله عليه وسلم الفساد؛ لئلا يلتحق غير الشعائر بالشعائر؛ ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله تعالى؛ والحق عندي: أن القبر، ومحل عبادة ولي من أولياء الله والطور كل ذلك سواء في النهي والله أعلم) .

2 -

3- وقال الإمام البركوي - رحمه الله تعالى- (981هـ) ، والإمام

ص: 650

ولي الله الدهلوي (1176هـ)، واللفظ للأول:

(وقد أنكر الصحابة ما هو دون هذا بكثير، كما روى غير واحد عن المعرور بن سويد أنه قال: صليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في طريق مكة، صلاة الصبح فقرأ فيها:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} و {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ؛ ثم رأى الناس يذهبون مذاهب؛ فقال أين يذهب هؤلاء؟؛ فقيل: يا أمير المؤمنين! مسجد فيه صلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم؛ فهم يصلون فيه؛ فقال: " إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا؛ كانوا يتبعون آثار أنبيائهم، ويتخذونها كنائس وبيعا فمن أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل ومن لا فليمض ولا يتعمدها "

) .

وقد صرح الإمام البركوي (981هـ) والإمام أحمد الرومي (1043هـ)، والشيخان: سبحان بخش الهندي وإبراهيم السورتي،

ص: 651

وغيرهم من الحنفية بقطع كل شجرة وسدرة وإزالة كل حائط أو حجر ينتاب إليها الناس للتقرب والتبرك، حسما لمادة الفساد، وحماية لحمى التوحيد.

الذريعة الثامنة عشرة: ربط الخيط أو التميمة ونحوها لدفع الحمى أو نحوه:

لقد صرح علماء الحنفية بمنع ربط الخيط للحمى مثلا في العضد، وشدوا النكير على ذلك، قلت: إنه يجر إلى الشرك فما ظنك بما هو أعظم وسيلة إلى الشرك؟ قال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) :

(وقد اشتهر عنه صلى الله عليه وسلم: أنه منع من تعليق الأوتار، والتمائم وأمر بقطعها

، حسما لمادة الشرك، وقطعا لوسائله، وسدّا لذرائعه، وحماية للتوحيد، وصيانة لجانبه

) إلى آخر كلامه المهم.

الذريعة التاسعة عشرة: التبرك بكل ما لم يرد التبرك به.

لقد صرح علماء الحنفية بأنه يجب إزالة كل ما يسبب الفتنة، والشرك من قبر نُصِب وعُبد، أو شجر أو حجر، والمساجد المبنية على القبور،

ص: 652

وقنديل، أو سراج أو شمع على القبور، أو خرقة، أو مسمار، أو حائط، أو عين، أو عمود ونحوها؛ فالواجب هدم هذه كلها وإزالة أثرها والمبادرة إلى محوها لأنها يقصدها الناس ويعظمونها، ويرجون البرء والشفاء بها، والتبرك بها؛ وإن الفتنة قد عظمت بها واشتدت بها البلوى؛ إذ هي مبنية على معصية الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم وهي سبب للعن الله تعالى والطرد من رحمته، فهي من الكبائر، إذ هي أعظم شرا ومفسدة من مسجد الضرار، كل ذلك حماية لحمى التوحيد، وسدّا لذرائع الشرك؛ لئلا تصير هذه الأشياء أوثانا تعبد من دون الله، كما هو الواقع.

وقال الإمامان: الإمام البركوي (981هـ) ، والرومي (1043هـ)، والشيخان: الهندي والسورتي، واللفظ للأول:

(ومن عظيم كيده (أي: الشيطان) ما نصبه للناس من الأنصاب والأزلام التي هي رجس من عمل الشيطان، وقد أمر الله المؤمنين باجتنابه وعلق فلاحهم بذلك الاجتناب فقال:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] .

فالأنصاب جمع نصب بضمتين أو بالفتح والسكون؛ وهو كل ما نُصِبَ وَعُبدَ من دون الله: من شجر أو حجر، أو وثن أو قبر، قال مجاهد وقتادة وابن جريج: " كان حول البيت أحجار، وكان أهل الجاهلية يعظمون تلك الأحجار ويعبدونها ويذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها وهي ليست

ص: 653

بأصنام، وإنما الصنم ما يصور وينقش ".

وأصل اللفظ: الشيء المنصوب الذي يقصده من رآه؛ فمن الأنصاب: ما نصبه الشيطان للناس من شجرة أو عمود، أو قبر أو غير ذلك؛ فالواجب هدم ذلك كله ومحو أثره، ثم ذكروا أن عمر رضي الله عنه قطع شجرة الرضوان) .

ثم قالوا: (فما حكمه فيما عداها من هذه الأنصاب التي قد عظمت الفتنة بها واشتدت البلية بسببها؛ وأبلغ من ذلك أنه عليه السلام هدم مسجد الضرار، ففي هذا دليل على هدم ما هو أعظم فسادا؛ كالمساجد المبنية على القبور، فإن حكم الإسلام فيها:

أن تهدم كلها حتى تسوى بالأرض وكذلك القباب التي بنيت على القبور يجب هدمها لأنها أسست على معصية الرسول-صلى الله عليه وسلم؛ وكل بناء أسس على معصيته ومخالفته فهو أولى بالهدم من مسجد الضرار؛ لأنه عليه السلام نهى عن البناء على القبور ولعن المتخذين عليها المساجد؛

ص: 654

وأمر بهدم القبور المشرفة، وتسويتها بالأرض.

فيجب المبادرة والمسارعة إلى هدم ما نهى عنه ورسوله-صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله؛ وكذلك يجب إزالة كل قنديل وسراج، وشمع أوقدت على القبور؛ فإن فاعل ذلك ملعون بلعنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم؛ والله يقيم لدينه ولسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم من ينصرهما ويذب عنهما؛ قال الإمام أبو بكر الطرطوشي:

" انظروا رحمكم الله تعالى! أينما وجدتم سدرة أو شجرة، يقصدها الناس ويعظمونها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، ويضربون بها المسامر، والخرق فهي ذات أنواط، فاقطعوها ".

وقال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة - في كتاب " الحوادث والبدع ":

ص: 655

" ومن هذا القسم أيضا: ما قد عم به الابتلاء من تزيين الشيطان للعامة تخليق بعض الحيطان، والعمد، شرح مواضع مخصوصة من كل بلد يحكي لهم حاك:

أنه رأى في منامه بها أحد ممن شهر بالصلاح، والولاية، فيفعلون ذلك، ويحافظون عليه؛ مع تضييعهم فرائض الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويظنون: أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، فيعظمونها، ويرجون الشفاء لمرضاهم، وقضاء حوائجهم بالنذر لها؛ وهي بين شجر، وحجر، وحائط، وعين "؛ يقولون: إن هذا الشجر وهذا الحجر، وهذا العين يقبل النذر أي العبادة من دون الله؛ فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له ويتمسحون بذلك النصب ويستحلونه) .

الذريعة العشرون: التبرك بمقام إبراهيم:

قال الإمامان: البركوي (981هـ) ، والرومي (1043هـ)، والشيخان: الهندي والسورتي، واللفظ للأول: (ولقد أنكر السلف التمسح بحجر المقام الذي أمر الله تعالى أن يتخذ منه مصلى، كما ذكر الأزرقي في كتاب مكة عن قتادة في قوله

ص: 656

تعالى:

{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] ؛ قال: " إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا أن يمسحوه "، بل اتفق العلماء على أن لا يستلم ولا يقبل إلا الحجر الأسود؛ وأما الركن اليماني فالصحيح أنه يستلم ولا يقبل) .

قلت: فيه عبرة للقبورية ولا سيما الديوبندية.

الذريعة الحادية والعشرون: التبرك بالحجر الأسود.

لقد صرح الإمام الشاه ولي الله الدهلوي (1176هـ) الذي عظمته الديوبندية إلى حد قالوا فيه: " حجة الله على العالمين "- بأن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ".

دليل على أن الحجر الأسود إذا لا ينفع ولا يضر، وأن تقبيله على

ص: 657

خلاف القياس لمجرد التعبد لله عز وجل، لا لأجل التبرك به؛ فما ظنك بأحجار القبور وأشجارها؛ فلا يقاس عليه تقبيل غيره من الأحجار والأشجار، وفي كلام عمر رضي الله عنه إشارة إلى أن تقبيل الحجر لأجل الخوف والطمع والتعظيم فيه خوف الوقوع في الشرك؛ فلهذا نبه الناس بأنه لا يضر ولا ينفع وهذا دليل على أن الصحابة كانوا يهتمون بأمر التوحيد وحماية حماة وسد ذرائع الشرك.

وقال الإمام البدر العيني (855هـ) ، والقاري (1014هـ) ، في شرح هذا الأثر، واللفظ للأول:

(إنما قال ذلك؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام؛ فخشي عمر رضي الله عنه: أنه يظن الجهال بأن استلام الحجر هو مثل ما كانت العرب تفعله؛ فأراد عمر أن يعلم: أن استلامه لا يقصد به إلا تعظيم الله عز وجل، والوقوف عند أمر نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وأن ذلك من شعائر الحج التي أمر الله تعالى بتعظيمها، وأن استلامه مخالف لفعل الجاهلية في عبادتهم الأصنام؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى؛ فنبه عمر على مخالفة هذا الاعقتاد، وأنه لا ينبغي أن يعبد إلا من يملك الضر والنفع، وهو الله تعالى جل جلاله .

قلت: إذا لا يجوز تقبيل الحجر الأسود، واستلامه والتمسح به؛ لأجل التبرك به والاستشفاء به - فكيف يجوز التبرك بالقبور وأحجارها وأشجارها وخرقها وزيوتها، وشموعها ونحوها،؟؟ وفي ذلك عبرة للقبورية عامة والديوبندية التبليغية خاصة.!؟! فلو كان التبرك بهذه الأشياء جائزا لكان الحجر الأسود أولى وأحرى

ص: 658

وأليق؛ لأنه مسته أيدي الأنبياء والمرسلين* والصحابة والتابعين* والأولياء والصالحين* الذريعة الثانية والعشرون: التبرك بشجرة تشبه شجرة أهل الشرك.

لقد صرح علماء الحنفية بمنع التعلق بشجرة تشبه شجرة المشركين ولو كان هذا التشبه في الاسم، فضلا عن التبرك بها، والعكوف عليها؛ فإن ذلك يتسبب إلى الوثنية، وقد استدلوا على سد مثل هذه الذريعة بحديث ذات أنواط؛ فقد قال الإمامان: البركوي (981هـ)، وأحمد الرومي (1043هـ) والشيخان: الهندي، والسورتي:

(بل قد أنكر رسول الله-صلى الله عليه وسلم على الصحابة لما سألوه: أن يجعل لهم شجرة يعلقون عليها أسلحتهم، وأمتعتهم بخصوصها كما رواه البخاري في صحيحه:

عن أبي واقد الليثي أنه قال: «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم قبل حنين، ونحن حديثو عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم، وأمتعتهم، يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر! هذا كما قالت بنو إسرائيل: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} " [الأعراف: 138] ، ثم قال: " إنكم قوم تجهلون، لتركبن سنن من كان قبلكم "» ؛

ص: 659

فإذا كان اتخاذ هذه الشجرة لتعليق الأسلحة، والعكوف حولها- اتخاذ إله مع الله! مع أنهم لا يعبدونها ولا يسألونها شيئا- فما الظن بالعكوف حول القبر، والدعاء عنده، ودعاء صاحبه، والدعاء به؛ فمن له خبرة بما بعث الله به رسوله-صلى الله عليه وسلم وبما عليه أهل البدع والضلال اليوم في هذا الباب- علم أن بين السلف، وبين هؤلاء الخلوف من البعد: أبعد ما

ص: 660

بين المشرق والمغرب) .

(فما الظن بغيرها مما يقصده الناس: من شجر، أو حجر، أو قبر، ويعظمونه، ويرجون منه الشفاء، ويقولون:

إن هذا الشجر، أو هذا الحجر، أو هذا القبر، يقبل النذر الذي هو عبادة وقربة، ويتمسحون بذلك النصب ويستلمونه) .

ولعلماء الحنفية نصوص أخرى في الاستدلال بحديث ذات أنواط صرحوا فيها بوجوب قطع كل وسيلة يتذرع بها إلى الشرك ويتبرك بها، وفي ذلك عبرة للقبورية عامة، ونكال للديوبندية المتبركين بكثير مما لم ينزل به الله سلطانا، وقد اعترف القضاعي أحد أئمة القبورية بمفسدة شجرة الرضوان وقطع كل وسيلة شركية.

الذريعة الثالثة والعشرون: التبرك بشجرة ذات حادث معظم كشجرة الرضوان ونحوها.

قال الأئمة الثلاثة: البركوي (981هـ) ، وأحمد الرومي (1043هـ) والشاة ولي الله الدهلوي (1176هـ) ، والشيوخ الثلاثة، سبحان بخش

ص: 661

الهندي، وإبراهيم السورتي، ومحمد علي المظفري، واللفظ للثاني:

(فالأنصاب

، كل ما نصب وعبد من دون الله تعالى: من شجر أو حجر، أو قبر، أو غير ذلك، والواجب هدم ذلك كله ومحو شره؛ كما " أن عمر رضي الله عنه لما بلغه أن الناس يتناولون الشجر التي بويع تحتها بالنبي- عليه السلام أرسل إليها فقطعها "؛ فإذا كان عمر فعل هذا بالشجر التي بايع الصحابة رسول الله-عليه السلام وذكر الله سبحانه في القرآن حيث قال:

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] ، [فماذا] يكون حكمه فيما عداها من هذه الأنصاب التي قد عظمت الفتنة بها، واشتدت البلوى بسببها

) .

ص: 662

قلت: هذا النص لا يحتاج إلى إيضاح وتعليق، ولكن فيه عبرة للقبورية عامة، ونكال للديوبندية المتبركين بكثير مما لم ينزل الله به من سلطان!؟!

تنبيه: ليس المراد من قولي: " التبرك بشجرة ذات حادث معظم ": أن التبرك بشجرة عادية جائز؛ بل المراد: أن التبرك إذا كان بشجرة معظمة غير جائز- بل الأولى والأحرى غير جائز بشجرة عادية، وقال العلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) :

(ولا زالت الصحابة تسد ذرائع التوسل الذي ادعاه المجوزون؛ كما فعل عمر رضي الله عنه: من قطع الشجرة التي بويع تحتها رسول الله-صلى الله عليه وسلم) .

وللتهانوي (1373هـ) كلام جيد حول قطع شجرة الرضوان فراجعه.

وقد اعترف القضاعي أحد أئمة القبورية (1376هـ) بأن قطع شجرة الرضوان- كان لأجل حسم مادة الفساد، وسد الذريعة إلى الشرك.

قلت: حول صحة قطع هذه الشجرة مبحث نافع ذكرته في كتابي " الماتريدية " فيه رد على شيخنا الألباني حفظه الله تعالى فراجعه؛ فإنه مفيد للغاية.

الذريعة الرابعة والعشرون: التبرك بالقبور:

لقد صرح علماء الحنفية بمنع التبرك بالقبور،

ص: 663

مخافة وقوع الناس في الشرك الأكبر، إلى أن قالوا: إن الزائر لا يمس القبر ولا يقبله، ولا يعفر خده عليه ولا يأخذ ترابه، فضلا عن الاستغاثة بصاحب القبر؛ كل ذلك محافظة على التوحيد وحماية لحماه، وسدّا لذرائع الشرك؛ لأن كل ذلك من سنن عباد الأوثان التي يفعلونها بأوثانهم.

قلت: لقد بطلت بهذا كله مزاعم القبورية عامة، والنابلسي الحنفي القبوري (1143هـ) والكوثري الحنفي الجهمي القبوري (1371هـ) خاصة- في الدعوة إلى الوثنية والتبرك بالقبور وأهلها.

وأقول: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 13]، {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] .

الذريعة الخامسة والعشرون: التبرك والتوسل بالقبر المعظم.

ليس معنى هذا العنوان: أن التبرك والتوسل بالقبر غير المعظم يكونان جائزين؛ بل معناه: أن التبرك والتوسل بقبر معظم: لنبي؛ أو ولي أسرع إيقاعا للمتبرك، والمتوسل في الشرك؛ ولذلك قال الإمامان: البركوي (981هـ) ، وأحمد الرومي

ص: 664

(1043هـ) ، والشيخان الهندي، والسورتي، واللفظ للأول:

(وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور- هي التي أوقعت كثيرا من الأمم، إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك؛ فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بشجر أو حجر؛ ولهذا نجد كثيرا من الناس عند القبور يتضرعون، ويخشعون، ويخضعون، ويعبدون بقلوبهم عبادة- لا يفعلونها في مساجد الله تعالى، ولا في وقت السحر؛ ومنهم من سجد لها، وكثير منهم يرجون من بركة الصلاة عندها ولديها ما لا يرجون في المساجد؛ فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها....) .

قلت: من أعظم الأمثلة التي ضربها علماء الحنفية في صدد عدم جواز الشرك بالقبر المعظم والتوسل به- هو قبر دانيال النبي عليه السلام، فقد ذكر الإمام البركوي (981هـ) رحمه الله أثر أبي العالية أنه:

ص: 665

(قال: " لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرا عليه رجل ميت عند رأسه مصحف، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب؛ فدعا كعبا فنسخه بالعربية؛ فأنا أول رجل من العرب قرأته، فقرأته مثل ما أقرأ القرآن، فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ قال: سيرتكم، وأموركم، ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد؛ فقلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال عليه السلام.

ص: 666

فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال: منذ ثلاث مئة سنة.

فقلت: ما كان تغير منه شيء؟ قال: لا إلا شعيرات من قفاه؛ إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض، ولا تأكلها السباع.

فقلت: ما كان يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عنهم- أبرزوا السرير، فيمطرون!؛ فقلت: فما صنعتم به؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة؛

ص: 667

فلما كان الليل دفناه، وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس؛ فلا ينبشوه "؛ فانظر القصة! وما فعله المهاجرون والأنصار!؛ كيف سعوا في تعمية قبره؟! لئلا يفتن به الناس؛ ولم يبرزوا للدعاء عنده، والتبرك به؛ ولو ظفر به هؤلاء الخلوف*- لحاربوا عليه بالسيوف* ولعبدوه من دون الله تعالى؛ فإنهم قد اتخذوا من القبور أوثانا من لا يدانيه ولا يقاربه؛

ص: 668

وبنوا عليها الهياكل.

وأقاموا لها سدنة، وجعلوها معابد أعظم من المساجد؛ فلو كان الدعاء والصلاة عند القبور فضيلة أو سنة، أو مباحا- لنصب المهاجرون والأنصار هذا القبر علما لذلك؛ ودعوا عنده، وسنوا ذلك لمن بعدهم، ولكنهم كانوا أعلم بالله ورسوله ودينه- من هؤلاء الخلوف الذين ضلوا عن الطريق المستقيم، وكذلك التابعون لهم بإحسان راحوا على هذا السبيل؛ وقد كان عندهم من قبور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمصار عدد كثير،

ص: 669

وهو متوافرون؛ فما منهم من استغاث عند قبر أحد، ولا دعاه، ولا عابه، ولا استنصر به؛ فلو كان وقع شيء منها لنقل؛ إذ من المعلوم: أن مثل هذا ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله؛ فحينئذ يتبين: أن الدعاء عند القبور، والدعاء بأربابها لا يخلو- إما أن يكون أفضل منه في غير تلك البقعة، أو لا؛ فإن كان أفضل- كيف خفي علما وعملا على الصحابة والتابعين وتابعيهم؟!؟؛ فتكون القرون الثلاثة الفاضلة- جاهلة بهذا الفضل العظيم!؛ وتظفر به الخلوف علما وعملا!؟!؛ ولا يجوز أن يعلموه، ويزهدوا فيه- مع حرصهم على كل خير؛ لا سيما إذا ظهر لهم حاجة، فاضطروا إلى الدعاء؛

ص: 670

فإن المضطر يتشبث بكل سبب؛ وإن كان فيه كراهة ما؛ وهم كيف يكونوا مضطرين في كثير من الدعاء؟ ويعلمون فضل الدعاء عند القبور؟ ثم لم يقصدوه؟ هذا محال طبعا وشرعا؛ فتعين القسم الآخر:

الذي هو أنه لا فضل للدعاء عند القبور؛ ولا هو مشروع ولا هو مأذون فيه؛ بل هو مما شرعه عباد القبور؛ ولم يشرعه الله ولم ينزل به سلطانا؛ وقد أنكر الصحابة ما هو دون ذلك بكثير

".

وللعلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) كلام قيم مهم في الاستدلال بهذه القصة على وجوب قطع مادة الشرك وسد ذرائعه حماية لحمى

ص: 671

التوحيد؛ قطع به دابر القبورية.

وللشيخ الفنجفيري (1407هـ) كلام حول هذه القصة مفيد نقله عن شيخ الإسلام.

وقد اعترف الداجوي الديوبندي أحد أئمة القبورية في بلاد الأفغان وباكستان بأن إخفاء قبر دانيال كان لأجل خوف الافتتان.

قلت:

في هذه القصة أمر مهم فيه عبرة للقبورية ونكال للديوبندية لم أعرف أحدا نبه عليه:

وهو أن هذه القصة تدل على أن التوسل بالصالحين من الأنبياء والأولياء عند مس الحاجات* والدعاء عند إلمام الملمات * إنما كان من صنيع المشركين السابقين، حتى الفرس؛ فإن قول أبي العالية رحمه الله تعالى:

" كانت السماء إذا حبست عنهم أبرزوا السرير فيمطرون "؛ صريح في أن التوسل بالصالحين من خرافات المشركين السابقين ومن عاداتهم الشركية المتوارثة؛ التي ورثتها عنهم القبورية حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.

أقول: في هذه القصة أمر مهم آخر فيه جواب عن كثير من أكاذيب القبورية، وهو أن المشرك قد تقضى حاجته بتوسله بالقبر أو بالشجرة أو

ص: 672

بالحجر أو بالولي ونحو ذلك من الوسائل والأسباب المحرمة، ولكن هذا ليس بدليل على جواز تعاطي مثل هذه الأسباب كما سيأتي.

الذريعة السادسة والعشرون: التبرك والتوسل بجثة معظمة أو سرير لشخص صالح ونحو ذلك من الآثار.

قلت: التقرير ههنا هو بعينه ما سبق آنفا في قصة دانيال عليه السلام فلا حاجة إلى إعادته؛ فإن هؤلاء المشركين من الفرس؛ كانوا يتوسلون ويتبركون بسرير دانيال عليه السلام وإذا احتاجوا إلى المطر أبرزه توسلا منهم به إلى الله عز وجل ليغيثهم؛ ولكن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان قد أبطلوا هذا العمل الشركي حسما لمادة الشرك، وفي ذلك عبرة أيما عبرة! الذريعة السابعة والعشرون: القبر المشرف:

وهو من أعظم وسائل الشرك التي أمرنا بإزالتها حماية لحمى التوحيد وسدّا لذرائع الشرك؛ فقد قال الإمام البركوي (981هـ) رحمه الله مبينا وجوب إزالة القبور المشرفة وهدمها حتى تستوي بالأرض لئلا يتذرع بها إلى الشرك:

(وأمر صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة وتسويتها بالأرض؛ فيجب المبادرة والمسارعة إلى هدم ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قلت: يشير إلى حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

ص: 673

" «ألا أبعثك على ما بعثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته» ".

وقد استدل بهذا الحديث كثير من علماء الحنفية على هدم القبور المشرفة وطمس التماثيل والصور حماية لحمى التوحيد وسدًّا لوسائل الشرك وحباله.

الذريعة الثامنة والعشرون: عبادة الله تعالى في مكان يعبد فيه لغير الله تعالى.

لقد صرح علماء الحنفية بمنع عبادة الله تعالى في موضع يعبد فيه لغير الله تعالى، وصرحوا بوجوب الاحتراز من ذلك؛ لئلا يتذرع إلى عبادة غير الله تعالى؛ فكيف بالتبرك بما لم يشرع في الشرع التبرك به؟! وكيف بعبادة غير الله سبحانه وتعالى؟! فمن عبد الله تعالى من صلاة أو ذبح أو نذر ونحوها في موضع يعبد فيه لغير الله تعالى من سجدة أو ذبح أو نذر أو استغاثة ونحوها- فقد وقع في نوع من التشبه بالمشركين وتكثير سوادهم على أقل

ص: 674

تقدير؛ وإن كانت نيته خالصة لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ولكن لما كان هذا الموضع خاصّا بعبادة غير الله تعالى؛ لا يجوز للمسلم أن يعبد الله تعالى فيه حماية لحمى التوحيد وسدّا لذرائع الشرك.

قال العلامة شكري الآلوسي (1342) محذرا من ارتكاب مثل هذه الصنائع حسما لمادة الفساد* وحماية لتوحيد رب العباد*:

(وقد اشتهر عنه صلى الله عليه وسلم:

أنه منع من تعليق الأوتار والتمائم وأمر بقطعها.

وبعث رسوله بذلك؛ كما في السنن وغيرها.

ص: 675

قال: " من تعلق شيئا وكل إليه ".

بل نهى عن قول الرجل: " ما شاء الله وشئت "، وقال لمن قال ذلك:«أجعلتني لله ندّا» .

ومنع من التبرك بالأشجار والأحجار)

ص: 676

ثم ذكر رحمه الله تعالى حديث ذات أنواط، ثم قال:

(ونهى عن الصلاة عند القبور وإن لم يقصدها المصلي.

ولعن من فعل ذلك، وأخبر أنهم شرار الخلق عند الله تعالى.

ونهى عن الذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله.

حسما لمادة الشرك وقطعا لوسائله وسدّا لذرائعه وحماية للتوحيد وصيانة لجنابه؛ فمن المستحيل شرعا وفطرة وعقلا:

أن تأتي هذه الشريعة المطهرة الكاملة وغيرها؛ بإباحة دعاء الموتى والغائبين [في الكربات] *؛ والاستعانة بهم في الملمات المهمات*؛ كقول النصراني: " يا والدة المسيح! اشفعي لنا إلى الله "؛ أو: " يا عيسى أعطني كذا وافعل بي كذا "؛ وكذلك قول القائل [الرافضي القبوري] : " يا علي يا حسين يا عباس

ص: 677

أو يا عبد القادر أو يا عيدروس، أو يا بدوي، أو يا فلان وفلان! أعطني كذا أو أجرني من كذا أو أنا في حسبك ".

ونحو ذلك من الألفاظ الشركية التي تتضمن العدل بالله تعالى والتسوية به تعالى وتقدس؛ فهذا لا تأتي شريعة ولا رسالة بإباحته قط؛ بل هو من شعب الشرك الظاهرة الموجبة للخلود في النار*؛ ومقت العزيز الغفار* وقد نص على ذلك شيخ الإسلام حتى ذكره ابن حجر في الإعلام، مقررا له؛

ص: 678

وتأويل الجاهلين* والميل إلى شبه المبطلين * هو الذي أوقع هؤلاء وأسلافهم الماضين* من أهل الكتاب والأميين * في الشرك برب العالمين * فبعضهم يستدل على شركه بالخوارق والكرامات *وبعضهم برؤيا المنامات * وبعضهم بالقياس على السوالف والعادات *وبعضهم بقول من يحسن الظن به؛ وكل هذه الأشياء ليست من الشرع من شيء؛ وعند رهبان النصارى وعباد الصليب والكواكب من هذا الضرب شيء كثير

".

الذريعة التاسعة والعشرون: الصلاة في المقبرة؛ لقد كره علماء الحنفية الصلاة في المقبرة.

وعللوا الكراهة بأن في ذلك خوف الوقوع في الشرك لأنه قد يتذرع بها إلى الشرك؛ فيجب حسم هذه المادة حماية لحمى التوحيد وسدّا لذريعة الشرك؛ قال الإمامان: البركوي (981هـ) والرومي (1043هـ)، والشيخان السورتي والهندي:

(فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها؛ وإن لم يقصد الصلاة عندها؛ وإذا قصد الرجل الصلاة عند المقبرة متبركا بالصلاة عند تلك البقعة؛

ص: 679

فهذا عين المحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وابتداع دين لم يأذن به الله تعالى؛ فإن العبادات مبناها على الاستنان والاتباع *؛ لا على الهوى والابتداع *؛ فإن المسلمين أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين نبيهم:

أن الصلاة عند المقبرة منهي عنها

" إلى آخر الكلام الطيب الذي رد على مزاعم كثير من المحرفين المبطلين) .

قلت: هؤلاء العلماء من الحنفية يشيرون إلى أحاديث النهي عن الصلاة في المقبرة؛ منها حديث أبي سعيد مرفوعا:

«الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة» .

وحديث ابن عمرو مرفوعا: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا» .

أقول: الحاصل: أنه لا يجوز ارتكاب أي قول أو عمل يتسببان إلى أدنى ذريعة إلى الشرك ويخلان بحماية حمى التوحيد والإضرار بجانبه.

ص: 680

الذريعة الثلاثون: الصلاة عند غروب الشمس وعند طلوعها واستوائها.

لقد كره علماء الحنفية الصلاة عند طلوع الشمس واستوائها وغروبها.

وعللوا ذلك بأن فيها تشبها بالمشركين عباد الشمس؛ فيجب سد هذه الذريعة حماية لحمى التوحيد وسدا لذريعة الشرك.

قال الإمامان البركوي (981هـ) والرومي (1043هـ)، والشيخان الهندي والسورتي:

(فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها؛ حتى نهى عن الصلاة

، وقت طلوع الشمس وغروبها ووقت استوائها؛ فنهى أمته عن الصلاة وإن لم يقصد ما قصده المشركون) .

قلت: هؤلاء العلماء من الحنفية يشيرون إلى أحاديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس واستوائها وغروبها؛ منها: حديث ابن عمر مرفوعا:

«لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإنها تطلع بقرني شيطان» .

وحديث عقبة بن عامر أنه قال:

«ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها؛ أو أن نقبر»

ص: 681

«فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» .

أقول: الحاصل أن علماء الحنفية قد اجتهدوا في سد جميع ذرائع الشرك سواء كانت بالواسطة أو بدون واسطة مباشرة؛ وذلك حماية لحمى التوحيد وحفظا لجنابه وقطعا لمادة الفساد؛ وفي ذلك عبرة للقبورية عامة وللديوبندية خاصة.

وبعد أن عرفنا جهود علماء الحنفية في التحذير من الشرك وسد جميع ذرائعه حماية لحمى التوحيد- ننتقل إلى الباب الآتي لنعرف حقيقة غلو القبورية في الصالحين، ونطّلع على شركياتهم وكفرياتهم؛ من وصفهم الصالحين بل الطالحين بصفات الله تعالى من الألوهية والربوبية وعلم الغيب والتصرف في الكون والسمع والطاعة والبصر المطلقين والإحياء والإماتة وغيرها من صفات الله عز وجل، كما نعرف جهود علماء الحنفية في إبطالها وقلع شبهات القبورية وقطع دابرهم.

فنقول وبربنا الرحمن المستعان نستعين * إذ هو المستغاث المغيث المعين*

ص: 682

الباب الخامس

في بيان غلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين من اعتقاد علم الغيب لهم والتصرف في الكون لهم ووصفهم بصفات رب العالمين

وفيه قسمان:

- القسم الأول: في عرض أمثلة لغلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين.

- القسم الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال القبورية في الصالحين.

ص: 683

كلمة بين يدي هذا الباب

لقد بينت في الأبواب السابقة وفصولها ومباحثها ومطالبها جهود علماء الحنفية في أهمية العقيدة عامة، وأهمية توحيد العبادة خاصة، وتحقيق أن توحيد الألوهية غير توحيد الربوبية، وتعريف التوحيد، والعبادة، وبيان أركانها، وأنواعها، وشروط صحتها، وتعريف الشرك وبيان أنواعه، وتاريخ القبورية ونشأتهم وانتشارهم في شرق الأرض ومغربها وتحقيق أن الشرك موجود في القبورية، وأنهم على طريقة الوثنية الأولى؛ وأنهم وثنية عباد القبور، وعبدة الأنصاب، وأهل الشرك.

كما ذكرت مساعي علماء الحنفية في حماية حمى التوحيد، وسد جميع ذرائع الشرك ووسائله، وسقت نصوصهم لإبطال عقائد القبورية في ذلك كله وقطع دابرهم وقلع شبهاتهم التي تتعلق بالتوحيد والشرك وقمع جموعهم وكسر جنودهم ونصر أهل التوحيد بحمد الله تعالى.

ص: 685

ولما كان أصل سبب ضلال هؤلاء القبورية خاصة والوثنية عامة- هو الغلو في الصالحين، ورفعهم فوق منزلتهم، واعتقادهم فيهم علم الغيب، والتصرف في الكون- أردت أن أسوق في القسم الأول من هذا الباب عدة أمثلة من غلو القبورية في الصالحين، واعتقادهم فيهم علم الغيب، والتصرف في الكون، ثم أذكر جهود علماء الحنفية في إبطال ذلك كله في القسم الثاني من هذا الباب، والأبواب الآتية؛ فأقول * بربي أستعين وأحول * وبه أثق وأصول*:

* * * * *

ص: 686