الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الرابع
غلو القبورية في حياته صلى الله عليه وسلم البرزخية
لقد غالت القبورية جميعا حتى الديوبندية ولا سيما البريلوية في حياته صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فأنكروا حياته البرزخية، وجعلوها حياة دنيوية تماما، بل أقوى منها، يصلي في قبره، حتى قالت البريلوية إنه صلى الله عليه وسلم يجامع زوجاته.
وهكذا جميع الأنبياء يصلون ويحجون، وينكحون، ويقاتلون الكفار ويأكلون ويشربون؛ وإليكم بعض نصوصهم التي قالوها جهارا دون إسرار ولا حياء من العباد* ولا من رب العباد*.
1 -
قال جميع أئمة الديوبندية وعلى رأسهم السهارنفوري (1346هـ) الذي قد شرحت بعض قبورياته: مبينا عقيدة جميع الديوبندية بلا استثناء:
(الجواب: عندنا وعند مشايخنا حضرة [صاحب] الرسالة صلى الله عليه وسلم حي في قبره الشريف، وحياته صلى الله عليه وسلم دنيوية من غير تكليف؛ وهي مختصة به صلى الله عليه وسلم، وبجميع الأنبياء صلوات الله عليهم، والشهداء؛
لا برزخية كما هي حاصلة لسائر المؤمنين؛ بل لجميع الناس؛ كما نص عليه العلامة السيوطي في رسالته:
" أبناء الأذكياء بحياة الأنبياء "، حيث قال: " قال الشيخ تقي الدين السبكي: حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا
…
"؛ فثبت بهذا أن حياته دنيوية برزخية لكونها في عالم البرزخ؛ ولشيخنا شمس الإسلام والدين محمد قاسم العلوم على
المستفيدين، - قدس الله سره العزيز-.
في هذا المبحث رسالة مستقلة دقيقة المأخذ- بديعة المسلك لم ير مثلها، قد طبعت، وشاعت في الناس، واسمها " آب حيات ": أي ماء الحياة) .
قلت: هذه كانت عقيدة الديوبندية قاطبة، وقد عرفت ما فيها من الدعوة السافرة إلى القبورية.
2 -
والآن استمع لما يقوله إمام الديوبندية على الإطلاق ذلكم النانوتوي (1297هـ)، وغيره من كبائر أئمة الديوبندية: أمثال الجنجوهي الملقب عندهم بالإمام الرباني (1323هـ) ،
والكشميري الملقب عندهم بإمام العصر (1352هـ) ، والتهانوي الملقب عندهم بحكيم الأمة (1362هـ) أمة الخرافات، والعثماني (1369هـ)، وحسين أحمد الملقب عندهم بشيخ الإسلام إسلام القبورية (1377هـ) :
إن النبي صلى الله عليه وسلم حيٌّ الآن في قبره، فهو كمن انعزل عن الناس واعتكف أربعين يوما؛ فهو حي حياة دنيوية بجسده العنصري حياة مستمرة؛ وحياة حقيقية جسمانية لا روحانية بل هي حسية جسمانية ولذا لا تورث تركته ولا تنكح أزواجه، لأنه حي فلا معنى لتوريث الأحياء، وإنه يصلي في قبره بأذان وإقامة، ولذا يسمع صلى الله عليه وسلم صلاة الناس عليه وسلامهم، وهذه عقيدة جمهور الأمة وعقيدة أهل السنة بالاتفاق، وعقيدة جميع أكابرنا وأئمتنا كما هو المذكور في المهند، خلافا للوهابية؛
فإنهم منكرون لحياته صلى الله عليه وسلم على هذه الصورة.
قلت: إن الديوبندية قد ورثوا هذه الخرافة القبورية عن شيخهم وإمامهم الذي لقبوه ببيهقي الوقت ذلكم القاضي ثناء الله الباني بتي (1225هـ) ؛ فقد صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ولذلك لم يورث ولم يتأيم أزواجه، فلا يحل نكاحهن لأحد لأجل ذلك.
بل قالوا: إن الأولياء لا يموتون، ولكن ينقلون من دار الفناء إلى دار البقاء فما ظنك بالأنبياء عليهم السلام.
قلت: هذه كانت خلاصة عقيدة الديوبندية وغلوهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البرزخ؛ وهذا من البراهين القاطعة على أنهم قبورية خرافية إلا من رحم ربك منهم.
ما امتازت به البريلوية:
لقد امتازت البريلوية بشيء لم أجده عند الديوبندية وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم
يجامع أزواجه أيضا؛ فقد قال أحمد رضا خان الأفغاني إمام البريلوية الوثنية (1340هـ) :
إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم في القبر حياة دنيوية، وقد طرأ عليه الموت لآن واحد (ثانية أو أقل) تحقيقا للوعد، ثم أعيدت إليه الحياة فورا، كما هي كانت في الدنيا، ولذا تربت عليها أحكام الدنيا كعدم توريث التركة وعدم حل نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم وعدم طروء العدة عليهن، بل قال سيدي محمد بن عبد الباقي الزرقاني:
إن الأنبياء عليهم السلام تعرض عليهم أزواجهم فهم يبيتون معهن، ويجامعونهن في قبورهم، وإنهم يصلون ويحجون.
لطيفة: لقد رد أحد الديوبندية على البريلوية فقال: إن القول بجماع الأنبياء بأزواجهم توهين واستخفاف بهم وبهن.
فأجابه: أحد البريلوية بجواب معقول أفحم ذلك الديوبندي، بل أسكت الديوبندية جميعا؛ حيث قال: إذا كانت حياة الأنبياء حياة دنيوية جسمانية حسية حقيقية- فأي مانع من استلذاذ الأنبياء بهذه النعمة العظيمة، كما كانوا يجامعون أزواجهم في حياتهم الدنيوية فأي توهين في ذلك!؟!
أقول: القول بخرافة جماع الأنبياء عليهم السلام في قبورهم أزواجهم يوجد عند القبورية قبل الديوبندية؛ فقد قال بهذه الخرافة الزرقاني (1122هـ) كما شهد عليه خلفه أحمد رضا خان الأفغاني إمام البريلوية الوثنية (1340هـ) كما سمعته آنفا، وقال بها علوي بن أحمد بن الحسن الحداد الحضرمي (1232هـ) ، وابن جرجيس الحنفي إمام القبورية البغدادية العراقية (1299هـ) ، وغيرهما من القبورية، وهذا نصهم: (أما الأنبياء- فلأنهم أحياء في قبورهم- يأكلون ويشربون، ويصلون ويحجون؛ بل ينكحون؛ كما وردت بذلك الأخبار؛ وتكون الاستغاثة معجزة منهم؛ والشهداء أيضا أحياء عند ربهم، شوهدوا نهارا جهارا، يقاتلون الكفار
…
) .
الحاصل: أن القبورية يعتقدون أن العارفين لا يموتون.
وقالوا: إن الحياة البرزخية أقوى من الحياة الدنيوية؛ بل الحياة الدنيوية موت بالنسبة إلى الحياة البرزخية؛ فهم يقتدرون على السمع والبصر* والعلم والاقتدار على النفع
والضر*.
هكذا ترى القبورية والوثنية يجعلون عقيدة حياة الأنبياء والشهداء بل الأولياء عامة- تمهيدا لجواز الاستغاثة بهم عند الملمات؛ حيث قالوا: إنهم إذا كانوا أحياء في قبورهم حياة حقيقية حسية فأي مانع من الاستغاثة بهم.
قلت: أشهر سلف القبورية في جعل الحياة البرزخية كالحياة الدنيوية تمهيدا لجواز الاستغاثة بالأموات- هو السبكي (756هـ) ؛ فقد أفرد لهذه الخرافة الباب التاسع، وجعل الفصل الأول في حياة الأنبياء عليهم السلام، والفصل الثاني في حياة الشهداء، والفصل الثالث في حياة سائر الموتى وسماعهم، وتبعه القبورية بعده إلى يومنا هذا؛ فهم يرددون صدى هذا السبكي ويبوبون في كتبهم ويعقدون فصولا في حياة الأنبياء والشهداء وكذا الأموات عامة؛ لجواز الاستغاثة بالأموات* عند إلمام الملمات* فيجعلون حياة الأموات* دليلا على جواز الاستغاثة بهم عند الكربات*.
القسم الخامس
غلو القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية جعلهم إياه نورا لا بشرا وجعلهم إياه شفافا لا ظل له
لقد غالت القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قديما وحديثا؛ فزعموا أنه صلى الله عليه وسلم نور، ولم يكن له ظل في شمس ولا قمر؛ وعلل كثير منهم بأن الأنوار شفافة لا ظل لها.
ولا سيما البريلوية فإنهم قد غالوا في هذا الباب* إلى حد خرقوا للهيبة الحجاب فأتوا بأعجب العجاب*؛ فلإمام البريلوية أحمد رضا خان الأفغاني (1340هـ) عدة كتب في كون النبي صلى الله عليه وسلم نورا لا بشرا ولا ظليلا، وجعله شفافا عديم الظل:
1 -
صلاة الصفا في نور المصطفى صلى الله عليه وسلم.
2 -
قمر التمام في نفي الظل عن سيد الأنام صلى الله عليه وسلم.
3 -
نفي الفيء عمن أنار بنوره كل شيء.
4 -
هدي الحيران* في نفي الفيء عن سيد الأكوان صلى الله عليه وسلم.
وكلامهم في هذا الصدد يرمي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم جزء من الله تعالى وأنه صلى الله عليه وسلم مظهر لصفات الله تعالى، 1- قال أحمد رضا خان الأفغاني إمام البريلوية (1340هـ) :
(اللهم لك الحمد يا نور * يا نور النور * يا نور قبل كل نور * ونور بعد كل نور * يا من له النور * وبه النور * ومنه النور * وإليه النور * وهو النور *!
2 -
صل وسلم وبارك على نورك المنير الذي خلقته من نورك! وخلقت من نوره الخلق جميعا؛ وعلى أشعة أنواره* وآله وأصحابه نجومه وأقماره*) .
2 -
وقال: (الحمد لله الذي خلق قبل الأشياء نور نبينا من نوره * وفتق الأنوار جميعا من لمعات ظهوره *؛ فهو صلى الله عليه وسلم نور الأنوار* ومهد جميع الشموس والأقمار*) .
3 -
ويخاطب البريلوي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله إنك نور * وكل عضو من أعضائك نور* أنت عين النور*.
4 -
وقالوا جهارا دون إسرار: إن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الرسل ليسوا بشرا؛
وإن القول ببشرية الرسل من دأب الكفار.
5 -
وقالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس عين الله ولا هو غير الله، بل هو مظهر صفات الله، محيي الأرواح، منه خلق الجن ومنه الإنس، ومنه ظهر العرش والكرسي، ومنه حواء ومنه آدم عليه السلام.
6 -
والملائكة شرر تلك الأنوار.
7 -
قلت: لقد اطلعت على قصيدة لأحمد رضا خان الأفغاني إمام البريلوية (1340هـ) سماها " قصيدة النور "، وهي في ديوانه الذي سماه حدائق بخشش (حدائق الهبة)، وهي (59) بيتا؛ وموضوع هذه العقيدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نور وكله نور وجميع أعضائه نور، وأنه لا ظل له؛ لأن النور لا يوجد له ظل.
8 -
وقال البريلوي الأفغاني (1340هـ) : إن ظل النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع على الأرض لأنه كان نورا فكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا يرى له الظل، والأنوار لا ظل لها؛ لأنها شفافة لطيفة لا تحجب.
9 -
وكان صلى الله عليه وسلم يُرى في الظلمة كما يُرى في الضوء.