الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
في ذكر بعض الأحاديث التي استدل بها علماء الحنفية على
إبطال عقيدة القبورية
من نداءهم غير الله تعالى من الأحياء
الغائبين والأموات واستعانتهم بهم عند إلمام الملمات
لقد استدل علماء الحنفية في صدد ردّهم على عقائد القبورية، واستغاثتهم بغير الله تعالى بعدة أحاديث، أذكر منها ما يلي:
الحديث الأول:
أقول: لقد استدل بهذا الحديث المبارك علماء الحنفية على إبطال عقيدة القبورية من استغاثتهم بغير الله تعالى.
وقد تقدم تقرير الاستدلال به، وتخريجه، وتصحيحه، والردّ على
خيانات الكوثري، وقدحه في هذا الحديث. كل ذلك بنصوص علماء الحنفية، فلا حاجة إلى الإعادة.
الحديث الثاني:
عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال:«يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدِكم، يا عبادي، كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أُطْعِمْكم. يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوت فاستكسوني أكْسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم» . الحديث.
وقد استدل به علماء الحنفية في صدد الرد على القبورية على إبطال استغاثتهم بغير الله عند الملمات.
والحديث واضح في أن الله يأمر عباده بأن يدعوه في جميع الملمات والكربات وحده لا شريك له.
الحديث الثالث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من»
وقد استدل علماء الحنفية بهذا الحديث في الرد على القبورية على إبطال نداء غير الله تعالى عند الكربات والملمات.
قال العلامة الآلوسي في شرح هذا الحديث:
هذا الحديث أصل الدين، ولكن القبورية الغلاة الذين يستحبون الاستغاثة بغير الله، ويجعلون الوسائط بينهم وبين الله- يهدمون هذا الأصل، ويسدون بابه؛ فهم بضد هذا الحديث- يستغيثون بالأنبياء والصالحين [بل الطالحين] *ويرغبون إليهم في الحاجات الطالبين والسائلين * وضرورات المضطرين * من خلق الله أجمعين *.
الحديث الرابع:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «استعن بالله ولا تعجز» . الحديث. قال الشيخ الرستمي: " ففي هذا الحديث أمر للعباد بأن يستعينوا بالله في كل ما أصابهم من شيء ".
الحديث الخامس:
عن جابر بن سليم قال: «قلت: " أنت رسول الله "؟»
«قال: " أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته ردّها عليك "» .
ولقد استدل علماء الحنفية بهذا الحديث على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله تعالى، والحديث واضح في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله سبحانه هو وحده المستعان، وهو وحده يُدعى، وهو وحده يُنادى عند البليات، والكربات.
قلت: هذا الحديث وأمثاله من النصوص تدلّ دلالة قاطعة على أنّ الله تعالى هو وحده يردّ الضالة، وأنّه هو وحده يستغاث به عند الكربة، وأنه هو وحده المستعان لا شريك له، فتبا لهؤلاء القبورية الذين يرجحون الاستغاثة بالأموات على الاستغاثة بالله، ويقولون: الولي أسرع إجابة من الله! أو يقولون: الولي الفلاني يرد الضالة، كما ذكرناه فيما ذكرنا من خرافاتهم.
الحديث السادس:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «قال رجل: يا رسول»
«الله: " أي الذنب أكبر عند الله؟ " قال: " أن تدعوا لله ندا وهو خلقك "
…
؛ فأنزل الله تعالى تصديقها:
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} » [الفرقان:68] .
قلت: الحديث صريح في أن دعاء غير الله تعالى ما وراء الأسباب شرك أكبر، وهو أكبر الذنب على الإطلاق.، ولقد استدل علماء الحنفية به في الرد على القبورية على أنّ نداء غير الله تعالى من الأحياء الغائبين أو الأموات عند البلايا والكربات شرك بالله تعالى.
وقال القاري: " أن تدعو لله ندا، أي أن تجعل نظيرا لله في دعائك، وعبادتك ".
وقال الكاندلوي: " أكبر الذنوب أن تدعو لله ندا شريكا مع علمك بأنه لم يخلقك أحد غيره، ولم يقدر على أن يدفع عنك السوء والمكاره غيره، بل لله عليك الإنعام بما لا تقدر على عدّه ".
الحديث السابع:
قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من لم يسأل الله يغضب عليه» .
وفي لفظ: «من لم يسأل الله غضب الله عليه» .
وفي لفظ: «من لم يسأله يغضب عليه» .
وفي لفظ: «من لم يدع الله سبحانه غضب عليه» .
قلت: هذا الحديث أقل أحواله أنه حسن.
وقد استدل به كثير من علماء الحنفية على أهمية دعاء الله تعالى وحده عند الكربات ونزول الملمات، وذكروا في معناه قول القائل:
"
الرب يغضب إن تركت سؤاله
…
وبُنيّ آدم حين يُسْأل يغضب
"
قال الشيخ فضل الله الجيلاني الحنفي (1979م) في شرح هذا الحديث، مبينا أهمية دعاء الله تعالى، ووجوب الالتجاء إليه عند
الكربات: " فيه دليل على أنّ دعاء العبد ربّه من أهم ما يجب عليه من حق الله تعالى، وأعظم ما فرض، لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه ".
الحديث الثامن:
قول النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث سلمان رضي الله عنه:
«إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا» .
وفي لفظ: «إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفرا- أو قال: خائبتين-» .
وفي لفظ: «إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما خائبتين» .
وفي لفظ: «إن الله حيي كريم يستحيي من عبده أن يبسط إليه يديه ثم يردهما خائبتين» .
وفي لفظ: «إن الله عز وجل يستحيي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله»
«فيهما خيرا فيردهما خائبتين» ) .
أقول: لقد استدل كثير من علماء الحنفية بهذا الحديث على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله تعالى من الأحياء الغائبين، والأموات عند نزول النوازل وإلمام الملمات.
ولا شك أن هذا الحديث صريح في معناه، وهو يحرك همم المكروبين، ويرغبهم في الاستغاثة بالله سبحانه وتعالى، ويزيدهم رجاء، ويبشرهم بكشف الكربات، ويثير عواطف المضطرين، ويبين أن الله تعالى حيي كريم، رحيم، رؤوف، يستحي من عبده إذا استغاث به أن لا يغيثه.
الحديث التاسع:
قوله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» .
وسيأتي تحقيقه وتخريجه، وتقرير استدلال علماء الحنفية به على إبطال عقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله سبحانه وتعالى إن شاء الله عز وجل.
وبعد أن ذكرت استدلال علماء الحنفية بهذه الآيات والأحاديث - على إبطال عقيدة القبورية في الاستغاثة بغير الله عند الكربات- انتقل إلى المبحث الآتي لأذكر بعض جهود علماء الحنفية ونصوصهم على أن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك بالله؛ بل أمّ لعدة أنواع من الشرك به سبحانه، وتحقيقهم أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى، وأنهم أشد خوفا وأكثر خضوعا وأعظم عبادة للأموات منهم لخالق البريات.