المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌أَعْلَامُ أَئِمَّةِ المُحَدِّثِين:

- ‌الإِمَامُ البُخَارِيّ

- ‌الإِمَامُ مُسْلِم

- ‌الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل

- ‌الإِمَامُ أَبُو دَاوُد

- ‌أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ

- ‌الإِمَامُ التِّرْمِذِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ مَاجَة

- ‌الإِمَامُ النَّسَائِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارِمِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَة

- ‌الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان

- ‌الإِمَامُ أَبُو يَعْلَى

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرَاني

- ‌إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه

- ‌الإِمَامُ الحُمَيْدِيّ

- ‌أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبي شَيْبَة

- ‌مَعْمَرُ بْنُ رَاشِد

- ‌أَعْلَامُ الحُفَّاظ:

- ‌عِكْرِمَةُ مَوْلىَ ابْنِ عَبّاس

- ‌عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر

- ‌أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيّ

- ‌ثَابِتٌ الْبُنَانيّ

- ‌أَبُو العَالِيَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب

- ‌مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الله

- ‌ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة

- ‌الأَعْمَش

- ‌أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي

- ‌أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عُقْدَة

- ‌أَبُو بَكْرِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الجَعَّابيّ

- ‌حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة

- ‌حَمَّادُ بْنُ زَيْد

- ‌عَمْرُو بْنُ دِينَار [

- ‌ابْنُ جُرَيْج

- ‌عَبْدُ الكَرِيمِ الجَزَرِيّ

- ‌إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ

- ‌الْفِرْيَابيّ

- ‌ عَبْدُ الْغَنيِّ المَقْدِسِيّ

- ‌سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ

- ‌يَزِيدُ بْنُ هَارُون

- ‌إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِد

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب

- ‌أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ

- ‌ابْنُ أَبي ذِئْب

- ‌الْقَعْنَبيّ

- ‌الأَشْجَعِيّ

- ‌هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ [

- ‌[ابْنُ عُلَيَّة]

- ‌غُنْدَر

- ‌مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيّ

- ‌مَكْحُولٌ الأَزْدِيّ

- ‌يحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ

- ‌الْقَوَارِيرِيّ

- ‌أَبُو كُرَيْب

- ‌خَالِدُ بْنُ الحَارِث

- ‌ابْنُ المُقْرِئ

- ‌هُشَيْمُ بْنُ بَشِير

- ‌أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش

- ‌ابْنُ لَهِيعَة

- ‌ابْنُ أَبي دَاوُد

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم

- ‌الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق

- ‌أَعْلَامُ نُقَّادِ المحَدِّثِين:

- ‌شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج

- ‌عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ

- ‌يَحْيىَ بْنُ مَعِين

- ‌أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي

- ‌أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌[ابْنُهُ]عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيّ

- ‌عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم

- ‌أَبُو حَفْصٍ الْفَلَاَّس

- ‌أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب

- ‌ابْنُ الصَّلَاحِ الصَّفَدِي

- ‌الإِمَامُ الذَّهَبيّ [

- ‌أَعْلَامُ الْفُقَهَاء:

- ‌الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة

- ‌الإِمَامُ مَالِك

- ‌الإِمَامُ الأَوْزَاعِيّ

- ‌الإِمَامُ الشَّافِعِيّ

- ‌اللَّيْثُ بْنُ سَعْد

- ‌الشَّعْبيّ

- ‌رَبِيعَةُ الرَّأْي

- ‌أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي [

- ‌أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذَكْوَان

- ‌أَعْلَامُ المُفَسِّرِين:

- ‌مُجَاهِد

- ‌قَتَادَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْقضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَالنُّحَاة:

- ‌عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌شُرَيْحٌ القَاضِي

- ‌الأَصْمَعِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْعَلَوِيِّين [الأَشْرَاف]:

- ‌جَعْفَرٌ الصَّادِق

- ‌مُوسَى الكَاظِم

- ‌أَعْلَامُ الزُّهَّاد [

- ‌أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ

- ‌عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الكُوفِيّ

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْن

- ‌محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِر

- ‌حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْح

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك

- ‌الحَسَنُ الْبَصْرِيّ

- ‌محَمَّدُ بْنُ سِيرِين

- ‌الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض

- ‌الرَّبيعُ بْنُ خُثَيْم

- ‌إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَم

- ‌مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ

- ‌ذُو النُّونِ المِصْرِيّ

- ‌وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح

- ‌مَنْصُورُ بْنُ عَمَّار

- ‌يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع

- ‌دَاوُدٌ الطَّائِيّ

- ‌صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْم

- ‌الْعَلَاءُ بْنُ زِيَاد

- ‌سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌المُعَافَى بْنُ عِمْرَان

- ‌ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيّ

- ‌ابْنُ سَمْعُون

- ‌ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ

الفصل: ‌الفضيل بن عياض

‌الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض

هُوَ الإِمَامُ الْقُدْوَةُ الثَّبْتُ الزَّاهِدُ الْعَابِدُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ بِشْرٍ التَّمِيمِيُّ الخُرَاسَانيّ

وُلِدَ: بِسَمَرْقَنْدَ، وَنَشَأَ بِأَبِيوَرْد، وَارْتَحَلَ في طَلَبِ الْعِلْم 0

وُلِدَ سَنَةَ 107 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 187 هـ 0

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ يَعِيشُ مِنْ صِلَةِ ابْنِ المُبَارَكِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَنَحْوِهِ مِن أَهْلِ الخَيْر، وَيَمْتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ المُلُوك» 0

ص: 2112

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ:

حَدَّثَ عَنْ شُيُوخِ الكُوفَةِ كَمَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ، وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِب، وَصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْم، وَأَبي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانيّ، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّان، وَابْنِ أَبي لَيْلَى، وَمُجَالِد، وَجَعْفَرٍ الصَّادِق، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيل، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَالحِجَازِيِّين 0

ص: 2113

ـ أَشْهَرُ تَلَامِذَتِه:

حَدَّثَ عَنهُ ابْنُ المُبَارَك، وَيحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، وَالأَصْمَعِيّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاق، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُس، وَيحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب، وَمُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَد، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ المِقْدَام، وَالحُمَيْدِيّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَرْدَوَيْه، وَابْنُ قُدَامَةَ المِصِّيصِيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ص: 2114

ـ قَالُواْ عَنْ تَوْثِيقِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ عَنهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كُوفِيٌّ ثِقَة، رَجُلٌ صَالِحٌ مُتَعَبِّد» 0

وَقَالَ عَنهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَِّازِي: «صَدُوق» 0

وَقَالَ عَنهُ الدَّارَقُطْنيّ: «ثِقَة» 0

وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيّ: «ثِقَةٌ مَأْمُون، رَجُلٌ صَالِح» 0

حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ محَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَال: «فُضَيْلٌ ثِقَة»

ص: 2115

ـ تَقْدِيرُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ لَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَث:

«رَأَيْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يُقَبِّلُ يَدَ الْفُضَيْلِ مَرَّتَيْن» 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، وَتَوْثِيقُهُمْ لَه:

قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل: «سَمِعْتُ الرَّشِيدَ يَقُول:

«مَا رَأَيْتُ في الْعُلَمَاءِ أَهْيَبَ مِنْ مَالِك، وَلَا أَوْرَعَ مِنَ الْفُضَيْل» 0

ص: 2116

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ عَنِ الهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ شَرِيكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «لَمْ يَزَلْ لِكُلِّ قَوْمٍ حُجَّةٌ في أَهْلِ زَمَانِهِمْ، وَإِنَّ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ حُجَّةٌ لأَهْلِ زَمَانِه» 0

ـ ثَنَاءُ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رحمه الله عَلَيْه:

حَدَّثَ أَبُو وَهْبٍ محَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «رَأَيْتُ أَعَبْدَ النَّاسِ: عَبْدَ الْعَزِيز بْنَ أَبي رَوَّاد، وَأَورَعَ النَّاسِ: الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاض» 0

حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَمَّاسٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنَ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاض» 0

ص: 2117

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ الصَّائِغُ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «إِنَّ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ صَدَقَ اللهَ جَلَّ وَعَلَا؛ فَأَجْرَى الحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِه» 0

حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَفَّانَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «مَا بَقِيَ في الحِجَازِ أَحَدٌ مِنَ الأَبْدَالِ إِلَاَّ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، وَابْنُهُ عَلِيّ»

ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ الحُسَيْنُ بْنُ زِيَادٍ المَرْوَزِيُّ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رحمه الله أَنَّهُ قَال:

«لَوْ حَلَفْتُ أَنيِّ مُرَاءٍ، كَانَ أَيْسَرَ عِنْدِي مِن أَن أَحْلِفَ أَنيِّ لَسْتُ بِمُرَاءٍ»

ص: 2118

ـ قَالُواْ عَنِ خَوْفِهِ مِنَ اللهِ عز وجل:

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَث: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً كَانَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا في صَدْرِهِ أَعْظَمَ مِنَ الْفُضَيْل؛ كَانَ إِذَا ذَكَرَ اللهَ جَلَّ وَعَلَا أَوْ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَوْ سَمِعَ الْقُرْآن: ظَهَرَ بِهِ الخَوْفُ وَالحُزْنُ وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَبَكَى، حَتىَّ يَرْحَمَهُ مَنْ يحْضُرُهُ، وَكَانَ دَائِمَ الحُزْن، شَدِيدَ الْفِكرَة، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً يُرِيدُ اللهَ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِه، وَأَخْذِهِ وَعَطَائِه، وَمَنعِهِ وَبَذْلِه، وَبُغْضِهِ وَحُبِّه، وَخِصَالِهِ كُلِّهَا غَيرَه؛ كُنَّا إِذَا خَرَجْنَا مَعَهُ في جَنَازَة: لَا يَزَالُ يَعِظُ وَيُذَكِّرُ وَيَبْكِي 00 كَأَنَّهُ مُوَدِّعٌ أَصْحَابَهُ ذَاهِبٌ إِلى الآخِرَة 00 حَتىَّ يَبْلُغَ المَقَابِر، فَيَجْلِسُ مَكَانَهُ بَيْنَ المَوْتىَ مِنَ الحُزْنِ وَالبُكَاء؛ حَتىَّ يَقُومَ وَكَأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الآخِرَةِ يُخْبِرُ عَنهَا» 0

ص: 2120

ـ قَالُواْ عَنِ خُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ مِن خَشْيَةِ الله:

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

«إِذَا نَظَرْتُ إِلىَ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: جَدَّدَ لِيَ الحُزْن، وَمَقَتُّ نَفْسِي، ثُمَّ بَكَى رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0

قَالَ سَهْلُ بْنُ رَاهَوَيْه: «قُلْتُ لِسُفْيَانَ ِبْنِ عُيَيْنَة: أَلَا تَرَى إِلىَ الْفُضَيْلِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لَا تَكَادُ تَجِفُّ لَهُ دَمْعَة 00؟

قَالَ سُفْيَانُ ِبْنُ عُيَيْنَة: إِذَا قَرِحَ الْقَلْب: نَدِيَتِ الْعَيْنَان» 0

ص: 2121

ـ مَوَاعِظُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لِطَلَبَةِ الحَدِيث:

رَأَى الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَوْمَاً مِن أَصْحَابِ الحَدِيثِ يَمْزَحُونَ وَيَضْحَكُون؛ فَنَادَاهُمْ: مَهْلاً يَا وَرثَةَ الأَنْبيَاءِ مَهْلاً؛ إِنَّكُمْ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ» 0

حَدَّثَ المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ عَن إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْفُضَيْلِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لَه: «لَوْ أَنَّكَ طَلَبتَ مِنيِّ الدَّنَانيرَ، كَانَ أَيْسَرَ عَلَيَّ مِن أَنْ تَطلُبَ مِنيِّ الحَدِيث؛ فَقُلْتُ: لَوْ حَدَّثْتَني بِأَحَادِيثَ فَوَائِدَ لَيْسَتْ عِنْدِي، كَانَ أَحَبَّ إِليَّ مِن أَنْ تهَبَ لي عَدَدَهَا دَنَانِير؛ قَالَ: إِنَّكَ مَفْتُون،

ص: 2122

وَاللهِ لَوْ عَمِلْتَ بمَا سَمِعْتَ لَكَانَ لَكَ في ذَلِكَ شُغُلٌ عَمَّا لم تَسْمَعْ؛ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ مِهْرَانَ يَقُول: إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْكَ طَعَامٌ تَأْكُلُه، فَتَأْخُذُ اللُّقمَةَ، فَتَرْمِي بِهَا خَلْفَ ظَهْرِكَ، مَتىَ تَشْبَع» 00؟

ـ مَوَاعِظُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لِلدُّعَاةِ وَالْعُلَمَاء:

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ الأَنْطَاكِيِّ قَال:

«اجْتَمَعَ الْفُضَيْلُ وَالثَّوْرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا فَتَذَاكَرَا؛ فَرَقَّ سُفْيَانُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَال:

أَرْجُو أَنْ يَكُونَ هَذَا المَجْلِسُ عَلَيْنَا رَحْمَةً وَبَرَكَةً؛ فَقَالَ لَهُ الْفُضَيْل: لَكِنيِّ يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ أَخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ أَضَرَّ

ص: 2123

عَلَيْنَا مِنهُ؛ أَلَسْتَ تَخَلَّصْتَ إِلىَ أَحْسَنِ حَدِيثِكَ، وَتَخَلَّصْتُ أَنَا إِلىَ أَحْسَنِ حَدِيثِي 00 فَتَزَيَّنْتَ لي وَتَزَيَّنْتُ لَك 00؟

فَبَكَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَال: أَحْيَيْتَني أَحْيَاكَ الله» 0

حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَن عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَال:

«بَلَغَ الْفُضَيْلَ أَنَّ حَرِيزَاً يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَهُ؛ فَأَقفَلَ الْبَابَ مِن خَارِج؛ فَجَاءَ فَرَأَى الْبَابَ مُقْفَلاً؛ فَرَجَعَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: حَرِيز؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

ص: 2124

مَا يَصْنَعُ بي؛ يُظْهِرُ لي مَحَاسِنَ كَلَامِهِ، وَأُظْهِرُ لَهُ مَحَاسِنَ كَلَامِي؛ فَلَا يَتَزَيَّنُ لي وَلَا أَتَزَيَّنُ لَهُ خَيْرٌ لَنَا جَمِيعَاً» 00!!

وَذَلِكَ أَنَّ قُطُوفَ المَوَاعِظِ لَيْسَتْ فَاكِهَةً تُلْقِيهَا لِلنَّاسِ في محَاضَرَة، وَلَكِنَّهَا تَذْكِرَة، وَزَادٌ إِلىَ الآخِرَة

ـ مَوَاعِظُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لِلْخَلِيفَةِ هَارُونَ الرَّشِيد:

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيُّ عَنِ الخَلِيفَةِ المَأْمُونِ أَنَّهُ قَالَ له: «قَالَ لي الرَّشِيد:

ص: 2125

«مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لي: فَرِّغْ قَلْبَكَ لِلْحُزنِ وَالخَوْفِ حَتىَّ يَسْكُنَاهُ فَيَقْطَعَاكَ عَنِ المَعَاصِي وَيُبَاعِدَاكَ مِنَ النَّار» 0

حَدَّثَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْبَارِيِّ عَنِ الْفُضَيْلِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«لَمَّا قَدِمَ هَارُونُ الرَّشِيدِ إِلىَ مَكَّة: قَعَدَ في الحِجْرِ هُوَ وَوَلَدُهُ وَقَوْمٌ مِنَ الهَاشِمِيِّين، وَأَحضَرُواْ المَشَايِخ، فَبَعَثَوْاْ إِلَيَّ؛ فَأَرَدْتُ أَنْ لَا أَذهَب

ص: 2126

؛ فَاسْتَشَرْتُ جَارِي فَقَال: اذْهبْ؛ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ تَعِظَه، فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛ فَرَدَّ عَلَيَّ، وَقَالَ اقعُدْ، ثمَّ قَال: إِنَّمَا دَعَونَاكَ لِتُحَدِّثنَا بِشَيْءٍ وَتَعِظَنَا؛ فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا حَسَنَ الْوَجْه، حِسَابُ الخَلْقِ كُلِّهُمْ عَلَيْك؛ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَشْهَق، فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي، حَتىَّ جَاءَ الخَدَمُ فَحَمَلُوني وَأَخْرَجُوني، وَقَال: اذْهَبْ بِسَلَام» 0

ص: 2127

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ سَعْدَانَ الحَرَّانيُّ عَن أَبي عُمَرَ النَّحْوِيِّ الجَرْمِيِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ قَال:

«حَجَّ الخَلِيفَةُ هَارُونُ الرَّشِيدُ فَقَالَ لي: وَيْحَكَ قَدْ حَكَّ في نَفْسِي شَيْءٌ، فَانْظُرْ لي رَجُلاً أَسْأَلُه؟

فَقُلْتُ: هَا هُنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة؛ فَقَال: امْضِ بِنَا إِلَيْه، فَأَتَيْنَاه، فَقَرَعْتُ بَابَهُ فَقَال: مَنْ ذَا؟

فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَخَرَجَ مُسْرِعَاً فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَوْ أَرْسَلتَ إِلَيَّ، أَتَيْتُك 0

ص: 2128

فَحَكَى لَهُ الرَّشِيدُ عَمَّا أَقْدَمَه؛ فَحَدَّثَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة سَاعَةً، ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّشِيد: عَلَيْكَ دَين؟

قَالَ نَعَمْ؛ فَقَالَ لي: اقْضِ دَيْنَه، فَلَمَّا خَرَجْنَا قَال: مَا أَغْنىَ عَنيِّ صَاحِبُكَ شَيْئَاً؛ قُلْتُ: هَا هُنَا عَبْدُ الرَّزَّاق؛ قَال: امْضِ بِنَا إِلَيْه؛ فَأَتَيْنَاه، فَقَرَعْتُ الْبَاب؛ فَخَرَجَ وَحَادَثَه سَاعَةً، ثمَّ قَالَ لَهُ:

عَلَيْكَ دَين 00؟

ص: 2129

قَالَ نَعَمْ؛ قَال: أَبَا عَبَّاسٍ؛ اقْضِ دَيْنَه، فَلَمَّا خَرَجْنَا قَال: مَا أَغْنىَ عَنيِّ صَاحِبُك شَيْئَاً؛ انْظُرْ لي رَجُلاً أَسْأَلُه؛ قُلْتُ: هَا هُنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض؛ قَال: امْضِ بِنَا إِلَيْه؛ فَأَتَيْنَاه، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَتْلُو آيَةً يُرَدِّدُهَا؛ فَقَال: اقْرَعِ الْبَاب؛ فَقَرَعْتُ؛ فَقَال: مَن هَذَا 00؟

قُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ المُؤْمِنِين 0

قَال: مَا لي وَلأَمِيرِ المُؤْمِنِين 00؟

ص: 2130

قُلْتُ: سُبْحَانَ الله؛ أَمَا عَلَيْكَ طَاعَة 00؟ [أَيْ أَيْنَ مَا أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ مِنْ طَاعَةِ أُوْلي الأَمْر]

فَنَزَلَ فَفَتَحَ الْبَاب، ثُمَّ ارْتَقَى إِلىَ الْغُرفَةِ فَأَطْفَأَ السِّرَاج، ثُمَّ الْتَجَأَ إِلىَ زَاوِيَةٍ؛ فَدَخَلْنَا؛ فَجَعَلْنَا نَجُولُ عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا، فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُونَ إِلَيْهِ قَبْلِي، فَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

ص: 2131

يَا لهَا مِنْ كَفٍّ مَا أَلْيَنَهَا إِنْ نجَتْ غَدَاً مِن عَذَابِ الله؛ فَقُلْتُ في نَفْسِي: لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلَامٍ نَقِيّ؛ مِنْ قَلْبٍ تَقِيّ 00 فَحَكَى لَهُ الرَّشِيدُ عَمَّا أَقْدَمَه؛ فَقَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لَمَّا وَلِيَ الخِلَافَة؛ دَعَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ الله، وَمحَمَّدَ بْنَ كَعْب، وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَة؛ فَقَالَ لَهُمْ:«إِنيِّ قَدِ ابْتُلِيْتُ بِهَذَا الْبَلَاء؛ فَأَشِيرُواْ عَلَيّ» 00؟

ص: 2132

فَعَدَّ الخِلَافَةَ بَلَاءً، وَعَدَدْتَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ نِعمَةً 00!!

فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِن أَرَدْتَ النَّجَاةَ فَصُمِ الدُّنْيَا، وَلْيَكُن إِفْطَارُكَ مِنهَا المَوْت 0

وَقَالَ لَهُ محَمَّدُ بْنُ كَعْب رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِن أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِن عَذَابِ الله، فَلْيَكُنْ كَبِيرُ المُسْلِمِينَ عِنْدَك أَبَاً، وَأَوْسَطُهُمْ أَخَاً، وَأَصْغَرُهُمْ وَلدَاً؛ فَوَقِّرْ أَبَاكَ وَأَكْرِمْ أَخَاكَ وَتَحَنَّن عَلَى وَلَدِك 0

ص: 2133

وَقَالَ لَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِن أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِن عَذَابِ الله؛ فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك، وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِك، ثُمَّ مُتْ إِذَا شِئْت 0

وَإِنيِّ أَقُولُ لَكَ هَذَا، وَإِنيِّ أَخَافُ عَلَيْكَ أَشَدَّ الخَوْفِ يَوْمَاً تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَام؛ فَهَلْ مَعَكَ رَحِمَكَ اللهُ مَنْ يُشِيرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا 00؟

فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدَاً حَتىَّ غُشِيَ عَلَيْه؛ فَقُلْتُ لَهُ: ارْفُقْ بِأَمِيرِ المُؤْمِنِين 00

ص: 2134

فَقَال: يَا ابْنَ أُمِّ الرَّبِيع؛ تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ وَأَرْفُقُ بِهِ أَنَا 0

ثُمَّ أَفَاقَ الرَّشِيدُ فَقَالَ لَهُ زِدْني رَحِمَكَ الله؛ قَال: بَلَغَني أَنَّ عَامِلاً لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ شُكِيَ لَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا أَخِي؛ أُذَكِّرُكَ طُولَ سَهِرِ أَهْلِ النَّارِ في النَّار، مَعَ خُلُودِ الأَبَد، وَإِيَّاكَ أَنْ يُنْصَرَفَ بِكَ مِن عِنْدِ اللهِ فَيَكُونَ آخِرَ الْعَهدِ وَانقِطَاعَ الرَّجَاء 00 [أَيْ يُؤْمَرُ بِكَ إِلىَ النَّار]

ص: 2135

فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَى الْبِلَادَ حَتىَّ قَدِمَ عَلَيْه؛ فَقَالَ لَهُ عُمَر: مَا أَقْدَمَك 00؟

قَال: خَلَعْتَ قَلْبي بِكِتَابِك، لَا أَعُودُ إِلىَ وِلَايَةٍ حَتىَّ أَلْقَى الله؛ فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدَاً 0

فَقَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلَيْهِ فَقَال أَمِّرْني؛ فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:

ص: 2136

«إِنَّ الإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَة؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَكُونَ أَمِيرَاً فَافْعَلْ» 0

فَبَكَى هَارُونُ، وَقَال: زِدْني؛ قَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا حَسَنَ الْوَجْه؛ أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللهُ عَن هَذَا الخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَة؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الْوَجْهَ مِنَ النَّارِ فَافْعَلْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمسِيَ وَفي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِك، فَإِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:

ص: 2137

«مَن أَصْبَحَ لَهُمْ غَاشَّاً، لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّة» 0

فَبَكَى هَارُونُ الرَّشِيد، ثُمَّ قَالَ لَه: عَلَيْكَ دَين 00؟

قَالَ نَعَمْ: دَينٌ لِرَبيِّ لَمْ يُحَاسِبْني عَلَيْه؛ فَالوَيْلُ لي إِنْ سَاءَلَني، وَالوَيلُ لي إِنْ نَاقَشَني 0

قَال: إِنَّمَا أَعْني مِنْ دَينِ الْعِبَاد 00؟

قَال: إِنَّ رَبِّي لَمْ يَأْمُرْني بِهَذَا، أَمَرَني أَن أَصْدُقَ وَعْدَه، وَأُطِيعَ أَمْرَه، فَقَالَ عز وجل:

ص: 2138

(وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُون {56} مَا أُرِيدُ مِنهُمْ مِن رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُون {57} إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِين ({الذَّارِيَات}

فَقَال: هَذِهِ أَلفُ دِينَار، خُذْهَا فَأَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِك، وَتَقَوَّ بِهَا عَلَى عِبَادَةِ رَبِّك 00

فَقَال: سُبْحَانَ الله 00 أَنَا أَدُلُّكَ عَلَى طَرِيقِ النَّجَاة، وَأَنْتَ تُكَافِئُني بِمِثْلِ هَذَا، سَلَّمَكَ الله،

ص: 2139

ثمَّ صَمَتَ، فَلَمْ يُكَلِّمْنَا، فَخَرَجْنَا، فَقَالَ هَارُون: أَبَا عَبَّاس؛ إِذَا دَلَلْتَني فَدُلَّني عَلَى مِثْلِ هَذَا، هَذَا سَيِّدُ المُسْلِمِين، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ فَقَالَتْ: قَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الضِّيق؛ فَلَو قَبِلْتَ هَذَا المَال 00؟

قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ: كَمَثَلِ قَوْمٍ لَهُمْ بَعِيرٌ يَأْكُلُونَ مِنْ كَسْبِهِ؛ فَلَمَّا كَبِرَ نحَرُوهُ فَأَكَلُواْ لَحْمَه، فَلَمَّا سَمِعَ هَارُونُ هَذَا الْكَلَامَ قَال: نَدْخُلُ فَعَسَى أَنْ يَقْبَلَ المَال 0

ص: 2140

فَلَمَّا عَلِمَ الْفُضَيْلُ خَرَجَ فَجَلَسَ في السَّطحِ عَلَى بَابِ الْغُرفَة [أَيْ لِيَنْظُرَ هَلِ انْصَرَفَا أَمْ سَمِعَاهَا] فَجَاءَ هَارُونُ فَجَلَسَ إِلىَ جَنْبِهِ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ فَلَا يُجِيبُه، فَبَيْنَا نحْنُ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا هَذَا؛ قَدْ آذَيْتَ الشَّيْخَ مُنْذُ اللَّيْلَة؛ فَانْصَرِفْ؛ فَانْصَرَفْنَا» 0

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

ص: 2141

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدَوَيْهِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: «تَرْكُ الْعَمْلِ مِن أَجْلِ النَّاسِ رِيَاء، وَالعَمْلُ مِن أَجْلِ النَّاسِ شِرْك، وَالإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَكَ اللهُ عز وجل مِنهُمَا» 0

قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ المُتَّقِينَ حَتىَّ يَأْمَنَهُ عَدُوُّه» 0

حَدَّثَ فَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

ص: 2142

«وَاللهِ مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُؤْذِيَ كَلْبَاً وَلَا خِنْزِيرَاً بِغَيْرِ حَقّ؛ فَكَيْفَ تُؤْذِي مُسْلِمَاً» 00؟

قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «بِقَدْرِ مَا يَصْغُرُ الذَّنْبُ عِنْدَك: يَعْظُمُ عِنْدَ اللهِ عز وجل، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَك: يَصغُرُ عِنْدَ الله عز وجل» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَرْدَوَيْه: عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

ص: 2143

حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«رَهْبَةُ الْعَبْدِ مِنَ الله: عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ بِالله، وَزُهْدُهُ في الدُّنْيَا عَلَى: قَدْرِ رَغْبَتِهِ في الآخِرَة، وَمَن عَمِلَ بمَا عَلِم: اسْتَغنىَ عَمَّا لَا يَعْلَم، وَمَن عَمِلَ بمَا عَلِم: وَفَّقَهُ اللهُ عز وجل لِعِلْمِ ماَ لَا يَعْلَم»

حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

ص: 2145

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«وَاسَوْأَتَاهُ وَاللهِ مِنْكَ وَإِن عَفَوْت» 0

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ عَن أَبي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ عَنِ الْفُضَيْلِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَن أَعِيشَ كَلْبَاً وَأَمُوتَ كَلْبَاً وَلَا أَرَى يَوْمَ الْقِيَامَة؛ لَاخْتَرْتُ ذَلِك» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

ص: 2147

[الإِمَامُ مُسْلِمٌ في كِتَابِ الجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَاب: الأَمْرِ بحُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ عز وجل عِنْدَ المَوْت بِرَقْم: 2877]

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«وَعِزَّتِهِ جَلَّ وَعَلَا: لَوْ أَدْخَلَني النَّارَ مَا أَيِسْت» 0

حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

ص: 2149

«بَلَغَني أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِيمَا مَضَى: كَانُواْ إِذَا تَعَلَّمُواْ عَمِلُواْ، وَإِذَا عَمِلُواْ شُغِلُواْ، وَإِذَا شُغِلُواْ فُقِدُواْ، وَإِذَا فُقِدُواْ طُلِبُواْ، فَإِذَا طُلِبُواْ هَرَبُواْ» 0

قَالَ الأَصْمَعِيّ: «نَظرَ الْفُضَيْلُ إِلىَ رَجُلٍ يَشْكُو إِلىَ رَجُلٍ فَقَالَ لِلشَّاكِي:

يَا هَذَا؛ تَشْكُو مَنْ يَرْحَمُكَ إِلىَ مَنْ لَا يَرْحَمُك» 00؟

حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

ص: 2150

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«إِنَّهُمَا عَالِمَان: فَعَالِمُ الدُّنْيَا عِلْمُهُ مَنْشُور، وَعَالِمُ الآخِرَةِ عِلْمُهُ مَسْتُور، احْذَرُواْ عَالِمَ الدُّنْيَا، الْعُلَمَاءُ كَثِير، وَالحُكمَاءُ قَلِيل» 0

حَدَّثَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«لَوْ أَنَّ لي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً مَا جَعَلْتُهَا إِلَاَّ في الإِمَام؛ فَصَلَاحُ الإِمَامِ صَلَاحُ الْبِلَادِ وَالعِبَاد» 0

ص: 2153

حَدَّثَ فَيْضُ بْنُ وَثِيقٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَكُونَ مُحَدِّثَاً، وَلَا قَارِئَاً، وَلَا مُتَكَلِّمَاً؛ فَافْعَلْ؛ إِنْ كُنْتَ بَلِيغَاً قَالُواْ: مَا أَبْلَغَهُ وَأَحْسَنَ حَدِيثَه أَوْ مَا أَحْسَنَ صَوْتَهُ؛ فَيُعْجِبُكَ ذَلِكَ فَتَنْتَفِخ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَلِيغَاً وَلَا حَسَنَ الصَّوت، قَالُواْ: لَيْسَ يُحْسِنُ يُحَدِّثُ، وَلَيْسَ صَوْتُهُ بِحَسَنٍ، فَيُحْزِنُكَ ذَلِك، وَيَشُقُّ عَلَيْك؛ فَتكُونَ مُرَائِيَاً، وَإِذَا جَلَسْتَ فَتَكَلَّمْتَ؛ فَلَمْ

ص: 2154

حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خُبَيْقٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: «تَبَاعَدْ مِنَ الْقُرَّاء، فَإِنَّهُمْ إِن أَحَبُّوكَ مَدَحُوكَ بِمَا لَيْسَ فِيك، وَإِن غَضِبُواْ: شَهِدُواْ عَلَيْكَ، وَقُبِلَ مِنهُمْ» 0

حَدَّثَ فَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ وَقَدْ سَأَلَهُ: يَا أَبَا عَلِيّ [كُنيَةُ الْفُضَيْل] مَا الخَلَاصُ مِمَّا نَحْنُ فِيه 00؟

ص: 2157

قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَخْبِرْني، مَن أَطَاعَ اللهَ عز وجل: هَلْ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ أَحَد 00؟ [أَيْ ذُنُوبُ أَحَد]

قَالَ لَا؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: فَمَنْ يَعْصِي اللهَ عز وجل: هَلْ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ أَحَد 00؟

قَال لَا؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: هُوَ الخَلَاص، إِن أَرَدْتَ الخَلَاص» 0

ـ نَمَاذِجُ مِنْ شِعْرِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: «كُنَّا جُلُوسَاً عِنْد الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، فَقُلْنَا لَهُ: كَمْ سِنُّك 00؟

فَقَالَ بِتَصَرُّف:

ص: 2158

بَلَغْتُ الثَّمَانِينَ أَوْ جُزْتُهَا

فَمَاذَا أُؤَمِّلُ أَوْ أَنْتَظِرْ

عَلَتْني السِّنُونَ فَأَبْلَيْنَني

فَقَلَّ الْكَلَامُ وَكَلَّ الْبَصَرْ

ـ حَالُهُ عَلَى فِرَاشِ المَرَض رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ في مَرَضِهِ:

«ارْحَمْني بِحُبيِّ إِيَّاك» 0

ص: 2159