المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌أَعْلَامُ أَئِمَّةِ المُحَدِّثِين:

- ‌الإِمَامُ البُخَارِيّ

- ‌الإِمَامُ مُسْلِم

- ‌الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل

- ‌الإِمَامُ أَبُو دَاوُد

- ‌أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ

- ‌الإِمَامُ التِّرْمِذِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ مَاجَة

- ‌الإِمَامُ النَّسَائِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارِمِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَة

- ‌الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان

- ‌الإِمَامُ أَبُو يَعْلَى

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرَاني

- ‌إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه

- ‌الإِمَامُ الحُمَيْدِيّ

- ‌أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبي شَيْبَة

- ‌مَعْمَرُ بْنُ رَاشِد

- ‌أَعْلَامُ الحُفَّاظ:

- ‌عِكْرِمَةُ مَوْلىَ ابْنِ عَبّاس

- ‌عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر

- ‌أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيّ

- ‌ثَابِتٌ الْبُنَانيّ

- ‌أَبُو العَالِيَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب

- ‌مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الله

- ‌ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة

- ‌الأَعْمَش

- ‌أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي

- ‌أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عُقْدَة

- ‌أَبُو بَكْرِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الجَعَّابيّ

- ‌حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة

- ‌حَمَّادُ بْنُ زَيْد

- ‌عَمْرُو بْنُ دِينَار [

- ‌ابْنُ جُرَيْج

- ‌عَبْدُ الكَرِيمِ الجَزَرِيّ

- ‌إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ

- ‌الْفِرْيَابيّ

- ‌ عَبْدُ الْغَنيِّ المَقْدِسِيّ

- ‌سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ

- ‌يَزِيدُ بْنُ هَارُون

- ‌إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِد

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب

- ‌أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ

- ‌ابْنُ أَبي ذِئْب

- ‌الْقَعْنَبيّ

- ‌الأَشْجَعِيّ

- ‌هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ [

- ‌[ابْنُ عُلَيَّة]

- ‌غُنْدَر

- ‌مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيّ

- ‌مَكْحُولٌ الأَزْدِيّ

- ‌يحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ

- ‌الْقَوَارِيرِيّ

- ‌أَبُو كُرَيْب

- ‌خَالِدُ بْنُ الحَارِث

- ‌ابْنُ المُقْرِئ

- ‌هُشَيْمُ بْنُ بَشِير

- ‌أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش

- ‌ابْنُ لَهِيعَة

- ‌ابْنُ أَبي دَاوُد

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم

- ‌الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق

- ‌أَعْلَامُ نُقَّادِ المحَدِّثِين:

- ‌شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج

- ‌عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ

- ‌يَحْيىَ بْنُ مَعِين

- ‌أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي

- ‌أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌[ابْنُهُ]عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيّ

- ‌عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم

- ‌أَبُو حَفْصٍ الْفَلَاَّس

- ‌أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب

- ‌ابْنُ الصَّلَاحِ الصَّفَدِي

- ‌الإِمَامُ الذَّهَبيّ [

- ‌أَعْلَامُ الْفُقَهَاء:

- ‌الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة

- ‌الإِمَامُ مَالِك

- ‌الإِمَامُ الأَوْزَاعِيّ

- ‌الإِمَامُ الشَّافِعِيّ

- ‌اللَّيْثُ بْنُ سَعْد

- ‌الشَّعْبيّ

- ‌رَبِيعَةُ الرَّأْي

- ‌أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي [

- ‌أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذَكْوَان

- ‌أَعْلَامُ المُفَسِّرِين:

- ‌مُجَاهِد

- ‌قَتَادَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْقضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَالنُّحَاة:

- ‌عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌شُرَيْحٌ القَاضِي

- ‌الأَصْمَعِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْعَلَوِيِّين [الأَشْرَاف]:

- ‌جَعْفَرٌ الصَّادِق

- ‌مُوسَى الكَاظِم

- ‌أَعْلَامُ الزُّهَّاد [

- ‌أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ

- ‌عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الكُوفِيّ

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْن

- ‌محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِر

- ‌حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْح

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك

- ‌الحَسَنُ الْبَصْرِيّ

- ‌محَمَّدُ بْنُ سِيرِين

- ‌الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض

- ‌الرَّبيعُ بْنُ خُثَيْم

- ‌إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَم

- ‌مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ

- ‌ذُو النُّونِ المِصْرِيّ

- ‌وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح

- ‌مَنْصُورُ بْنُ عَمَّار

- ‌يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع

- ‌دَاوُدٌ الطَّائِيّ

- ‌صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْم

- ‌الْعَلَاءُ بْنُ زِيَاد

- ‌سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌المُعَافَى بْنُ عِمْرَان

- ‌ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيّ

- ‌ابْنُ سَمْعُون

- ‌ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ

الفصل: ‌ عبد الغني المقدسي

الحَافِظُ‌

‌ عَبْدُ الْغَنيِّ المَقْدِسِيّ

هُوَ الإِمَامُ الْكَبِيرُ الحَافِظُ الْقُدْوَةُ الْعَابِدُ المجَاهِدُ الآمِرُ بِالمَعْرُوفِ النَّاهِي عَنِ المُنْكَرِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو محَمَّدٍ عَبْدُ الْغَنيِّ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُرُورِ بْنِ رَافِعِ بْنِ حَسَنِ بْنِ جَعْفَرٍ المَقْدِسِيُّ الدُِّمَشْقِيّ 0

وُلِدَ سَنَةَ 541 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 600 هـ 0

ص: 878

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ:

سَمِعَ أَبَا الْفَتْحِ ابْنَ الْبَطِّيّ، وَأَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ الْفَرَّاء، وَالشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ الجِيلَانيّ، وَهِبَةَ اللهِ بْنَ هِلَالٍ الدَّقَّاق، وَأَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي المَقْدِسِيّ، وَالحَافِظَ أَبَا طَاهِرٍ السِّلَفِيَّ وَكَتَبَ عَنهُ نَحْوَاً مِن أَلْفِ جُزْءٍ، وَأَبَا المَعَالي بْنَ صَابر، وَالحَافِظَ أَبَا مُوسَى المَدِينيّ، وَأَبَا الْفَضْلِ الطُّوسِيّ 0

ص: 879

ـ أَشْهَرُ تَلَامِذَتِه:

حَدَّثَ عَنهُ ابْنُ خَالِهِ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ ابْنُ قُدَامَةَ صَاحِبُ المُغْني، وَالحَافِظُ عِزُّ الدِّينِ محَمَّد، وَالحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ [ابْنُ بِنْتِ خَالِ صَاحِبِ التَّرْجَمَة]، وَالحَافِظُ أَبُو مُوسَى عَبْدُ الله، والفَقِيهُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَوْلَادُه، وَالشِّهَابُ الْقُوصِيّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الْقَلَانسِيّ، وَآخَرُون

ص: 880

0

قَالَ عَنهُ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «رَحَلَ إِلىَ بَغْدَادَ مرَّتين، وَإِلىَ مِصْرَ مرَّتين، سَافرَ إِلىَ بَغْدَادَ هُوَ وَابْنُ خَالِهِ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ في أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ، فَكَانَا يَخْرُجَانِ مَعَاً، وَيَذْهَبُ أَحدُهُمَا في صُحْبَة رفِيقِهِ إِلىَ دَرْسِهِ وَسَمَاعِهِ، وَخوَّفَهُمَا النَّاسُ مِن أَهْلِ بَغْدَاد، وَكَانَ الحَافِظُ مَيْلُهُ إِلىَ الحَدِيثِ وَالمُوَفَّقُ يُرِيدُ الْفِقْه، فَتفقَّهَ الحَافِظُ وَسَمِعَ المُوَفَّقُ مَعَهُ الْكَثِير، فَلَمَّا رَآهُمَا الْعُقَلَاءُ عَلَى التَّصَوُّنِ وَقِلَّةِ

ص: 883

المُخَالَطَةِ أَحَبُّوهُمَا وَأَحْسَنُواْ إِلَيهُمَا، وَحصَّلَا عِلْمَاً جَمَّاً، فَأَقَامَا بِبَغْدَادَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِين، وَنَزَلَا أَوَّلاً عِنْد الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِر، فَأَحْسَنَ إِلَيهِمَا، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ قُدُومِهِمَا بخَمْسِينَ لَيْلَةً، ثمَّ اشْتَغَلَا بِالفِقْهِ وَالاِخْتِلَافِ عَلَى مُوسَى بْنِ المَدِينيّ، وَرَحَلَ الحَافِظُ إِلىَ السِّلَفِيِّ فَأَقَامَ مُدَّةً، ثُمَّ سَافرَ إِلىَ أَصْبَهَانَ فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً وَحَصَّلَ الْكتُبَ الجيِّدَة» 0

ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ بِالرِّجَالِ وَبَصَرِهِ بِعِلَلِ الحَدِيث:

ص: 884

قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ الْوَاعِظُ في كِتَابِهِ «مِرَآة الزَّمَان» : «ضَعُفَ بَصَرُهُ مِنْ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ وَالمُطَالَعَة، وَكَانَ أَوْحَدَ زَمَانِهِ في عِلْمِ الحَدِيث» 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: كَانَ شَيْخُنَا الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ لَا يَكَادُ يُسْأَلُ عَن حَدِيثٍ إِلَاَّ ذَكَرَهُ وَبَيَّنَهُ، وَذَكَرَ صِحَّتَهُ أَوْ سَقَمَه، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ إِلَاَّ قَال: هُوَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانيّ، وَيَذْكُرُ نَسَبَهُ؛ فَكَانَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ في الحَدِيث» 0

ص: 885

ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: وَسَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ ظَفَرٍ يَقُول:

«رَأَيْتُ الحَافِظَ عَبْدِ الْغَنيِّ عَلَى المِنْبَرِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُونَ لَهُ: اقْرَأْ لَنَا مِن غَيْرِ كِتَاب؛ فَيَقْرَأُ أَحَادِيثَ بِأَسَانِيدِهَا مِن حِفْظِه» 0

ص: 887

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: وَسَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ ظَفَرٍ يَقُول:

«قَالَ رَجُلٌ لِلْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيّ: رَجُلٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّكَ تَحْفَظُ مِاْئَةَ أَلْفِ حَدِيث؛ فَقَال: لَوْ قَالَ أَكْثَرَ لَصَدَق» 00 أَيْ لَوْ قَالَ أَكْثَرَ مِنْ مِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ لَكَانَ صَادِقَاً 0

قَالَ رَبِيعةُ الصَّنْعَانيّ: «حَضَرْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوسَى المَدِينيّ، وَهَذَا الحَافِظَ عَبْدَ الْغَنيّ؛ فَرَأَيْتُ عَبْدَ الْغَنيِّ أَحْفَظَ مِنهُ» 0

ص: 888

ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِه:

كِتَابُ «المِصْبَاحِ في عُيونِ الأَحَادِيثِ الصِّحَاح» مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحَادِيثِ «الصَّحِيحَيْن» ، فَهُوَ مُسْتخرَجٌ عَلَيْهِمَا بِأَسَانِيدِه 0 في ثَمَانيَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءَاً وَ «نِهَايَةِ المُرَادِ في السُّنَن» نَحْوُ مِاْئَتيْ جُزْءٍ لَمْ يُبَيِّضْهُ وَ «اليَوَاقِيت 0 مُجَلَّد» وَ «تُحْفَة الطَّالبينَ في الجِهَادِ وَالمُجَاهِدِينَ 0 مُجَلَّد» وَ «فَضَائِل خَيْرِ الْبرِيَّةِ 0 أَرْبَعَةُ أَجْزَاء» وَ «الرَّوْضَة 0 مُجَلَّد» وَ «التَّهجُّد 0 جُزْآن» وَ «الْفَرَج 0 جُزْآن» وَ «الصِّلَات إِلىَ الأَمْوَات 0 جُزْآن» وَ «

ص: 889

وَأَشْيَاءَ كَثِيرَةً جِدَّاً مَا تَمَّتْ، وَالجَمِيعُ بِأَسَانِيدِهِ، بِخَطِّهِ المَلِيحِ الشَّدِيدِ السُّرْعَة وَ «الأَحْكَامِ الْكُبْرَى 0 مُجَلَّد» وَ «الصُّغْرَى 0 مُجَيْلِيد» وَ «دُرَرُ الأَثر 0 مُجَلَّد» وَ «السَّيرَة 0 جُزْءٌ كَبِير» وَ «الأَدْعِيَة الصَّحيحَة 0 جُزْء» وَ «تَبِيينُ الإِصَابَةِ لأَوهَامٍ حصلَتْ لأَبي نُعَيْمٍ في مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ 0 جُزْآن» يَدُلَاّنِ عَلَى بَرَاعَتِهِ وَحِفْظِهِ وَ «الْكَمَالُ في مَعْرِفَةِ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّة» في أَرْبَعَةِ أَسْفَار، يَرْوِي فِيهَا بِأَسَانِيدِه» 0

ص: 892

ـ ثَنَاءُ الإِمَامِ الذَّهَبيِّ عَلَيْه:

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رحمه الله: «لَمْ يَزَلْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ وَيَسْمَعُ وَيَكْتُبُ وَيَسْهَرُ وَيَدْأَب، وَيَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنَهَى عَنِ المُنْكَر، وَيَتَّقِي اللهَ وَيَتَعَبَّد، وَيَصُومُ وَيَتَهَجَّد، وَيَنْشُرُ الْعِلْمَ إِلىَ أَنْ مَات»

ـ قَالُواْ عَن هِمَّتِهِ الْعَالِيَةِ في نَشْرِ عُلُومِ الحَدِيث:

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ محَمَّدٍ الحَافِظَ يَقُول:

ص: 893

«مَا رَأَيْتُ الحَدِيثَ في الشَّامِ كُلِّهِ إِلَاَّ بِبَرَكَةِ الحَافِظ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ سَأَلتُهُ يَقُول: أَوَّلَ مَا سَمِعْتُ عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيّ، وَهُوَ الَّذِي حَرَّضَني» 0

ـ يَوْمٌ مِن أَيَّامِ الحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «كَانَ لَا يُضيِّعُ شَيْئَاً مِنْ زَمَانِهِ بِلَا فَائِدَة، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْفَجْر، وَيُلَقِّنُ الْقُرْآن، وَرُبَّمَا أَقْرَأَ شَيْئَاً مِنَ الحَدِيثِ تَلْقِينَاً، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي ثَلَاثَمِاْئَةِ رَكْعَة

ص: 894

00 بِالفَاتِحَةِ وَالمُعَوِّذَتَين 00 إِلىَ قَبْلِ الظُّهْر، وَيَنَامُ نَوْمَةً، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْر، وَيَشْتَغِلُ إِمَّا بِالتَّسْمِيع أَوْ بِالنَّسْخِ إِلىَ المَغْرِب، فَإِنْ كَانَ صَائِمَاً أَفْطَرَ، وَإِلَاَّ صَلَّى مِنَ المَغْرِبِ إِلىَ الْعِشَاء، وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ وَيَنَامُ إِلىَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَه، ثُمَّ يَقُومُ كَأَنَّ إِنْسَانَاً يُوقِظُه، فَيُصَلِّي لَحْظَةً ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي إِلىَ قُرْبِ الْفَجْر، وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَوْ ثَمَانِيَاً في اللَّيْلِ وَيَقُول: مَا تَطِيبُ ليَ

ص: 895

الصَّلَاةُ إِلَاَّ مَا دَامَتْ أَعْضَائِي رَطْبَةً، ثُمَّ يَنَامُ نَوْمَةً يَسِيرَةً إِلىَ الْفَجْر، وَهَذَا دَأْبُه» 0

ـ قَالُواْ عَنْ صَلَاحِهِ وَتَقْوَاه، وَخُشُوعِهِ في الصَّلَاة، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ لله:

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ محْمُودَ بْنَ سَلَامَةَ التَّاجِرَ الحَرَّانيَّ يَقُول:

«كَانَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ نَازِلاً عِنْدِي بِأَصْبَهَان، فَمَا كَانَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَاَّ قَلِيلاً، بَلْ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ وَيَبْكِي» 00!!

ص: 896

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُول: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِنَا يَقُول: إِنَّ الحَافِظَ سُئِلَ: لِمَ لَا تَقْرَأُ مِن غَيْرِ كِتَاب 00؟

قَال: أَخَافُ الْعُجْب» 0

ـ حِلْمُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: «وَكُنَّا أَحْدَاثَاً نَكْتُبُ الحَدِيثَ حَوْلَهُ، فَضَحِكْنَا مِنْ شَيْءٍ وَطَالَ ضَحِكُنَا؛ فَتَبَسَّمَ وَلَمْ يَحْرَدْ عَلَيْنَا»

ص: 898

قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: «وَلَمَّا وَصَلَ إِلىَ مِصْرَ كُنَّا بِهَا، فَكَانَ إِذَا خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ لَا نَقْدِرُ نَمْشِي مَعَهُ مِنْ كَثْرَةِ الخَلْق، يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَيَجْتَمِعُونَ حَوْلَه» 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «سَمِعْتُ محْمُودَ بْنَ سَلَامَةَ الحَرَّانيَّ بِأَصْبَهَانَ يَقُول:

«كَانَ يَصْطَفُّ النَّاسُ في السُّوقِ يَنْظُرُونَ إِلَيْه، وَلَوْ أَقَامَ بِأَصْبَهَانَ مُدَّةً وَأَرَادَ أَنْ يَمْلِكَهَا لَمَلَكَهَا»

ـ قَالُواْ عَنْ بِرِّهِ بِطَلَبَةِ الْعِلْمِ وَإِحْسَانِهِ إِلىَ المُسْلِمِين:

ص: 900

«بَعَثَ الأَفْضَلُ ابْنَ صَلَاحِ الدِّينِ إِلىَ الحَافِظِ بِنَفَقَةٍ وَقَمْحٍ كَثِير، فَفَرَّقَهُ كُلَّه» 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْعِرَاقِيَّ قَال: حَدَّثَني مَنْصُورٌ الْغَضَارِيُّ قَال: «شَاهَدْتُ الحَافِظَ في الْغَلَاءِ بِمِصْرَ وَهُوَ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُؤْثِرُ بِعَشَائِهِ وَيَطْوِي، وَرَأَيْتُهُ يَوْمَاً قَدْ أُهدِيَ إِلَيْهِ مِشْمِشٌ؛ فَكَانَ يُفَرِّقُهُ وَهُوَ يَقُول:

ص: 903

(لَنْ تَنَالُواْ البِرَّ حَتىَّ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيم ({آلِ عِمْرَان}

وَقَدْ فُتح لَهُ بِكَثِيرٍ مِنَ الذَّهَبِ وَغَيْرِهِ؛ فَمَا كَانَ يَتْرُكُ شَيْئَاً حَتىَّ قَالَ ليَ ابْنُهُ أَبُو الْفَتْحِ يَوْمَاً: وَالِدِي يُعْطِي النَّاسَ الْكَثِيرَ وَنَحْنُ لَا يَبْعَثُ إِلَيْنَا بِشَيْء» 0

ـ قَالُواْ عَنْ جِهَادِهِ في الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة:

ص: 904

قَالَ ابْنُ خَالِهِ المُوَفَّقُ صَاحِبُ المُغْني: «كَانَ الحَافِظ لَا يَصْبِرُ عَن إِنْكَار المُنْكَرِ إِذَا رَآهُ»

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ:

«كَانَ لَا يَرَى مُنْكرَاً إِلَاَّ غَيَّرَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، وَكَانَ لَا تَأْخُذُهُ في اللهِ لَوْمَةُ لَائِم» 0

قَالَ ابْنُ خَالِهِ المُوَفَّقُ رحمه الله: «كُنَّا مرَّة أَنْكَرْنَا عَلَى قَوْمٍ وَأَرَقْنَا خَمْرَهُمْ، وَتَضَارَبْنَا، فَسَمِعَ خَالِي أَبُو عُمَرَ، فَضَاقَ صَدْرُه، وَخَاصَمَنَا، فَلَمَّا جِئْنَا إِلىَ الحَافِظِ طَيَّبَ قُلُوبَنَا وَصَوَّبَ فِعْلَنَا

ص: 905

وَتَلَا: ? وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك ?»

وَقَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ نَصْرَ بْنَ رِضْوَانَ المُقْرِئَ يَقُول:

«رَأَيْتُهُ مَرَّةً يُهْرِيقُ خَمْرَاً، فَجَبَذَ صَاحِبُ الخَمْرِ السَّيْفَ فَلَمْ يَخَفْ مِنهُ، وَأَخَذَهُ مَنْ يَدِهِ وَكَانَ قَوِيَّاً في بَدَنِه، وَكَثِيرَاً مَا كَانَ بِدِمَشْقَ يُنْكِرُ وَيَكْسِرُ الطَّنَابِيرَ وَالشَّبَّابَات» 00 أَيِ الطَّبْل 0

ص: 906

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يحْكِي عَنِ الأَمِيرِ دِرْبَاسَ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ الحَافِظِ إِلىَ المَلِكِ الْعَادِل، فَلَمَّا قَضَى المَلِكُ كَلَامَهُ مَعَ الحَافِظِ جَعَلَ يَتَكَلَّمُ في أَمْرِ مَارْدِينَ وَحِصَارِهَا [حِصْنٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ بِتُرْكِيَا آنَذَاك]، فَسَمِعَ الحَافِظُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَال: أَيْشْ هَذَا، وَأَنْتَ بَعْدُ تُرِيدُ قِتَالَ المُسْلِمِين، مَا تَشْكُرُ اللهَ فِيمَا أَعْطَاك، أَمَا 000؟! أَمَا 000؟!

قَال: فَمَا أَعَادَ السُّلْطَانُ وَلَا أَبْدَى 0

ص: 907

ثُمَّ قَامَ الحَافِظُ وَقُمْتُ مَعَه، فَقُلْتُ: أَيْشْ هَذَا 00؟ نَحْنُ كُنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ مِن هَذَا، ثمَّ تَعْمَلُ هَذَا الْعَمَل 00؟

قَال: أَنَا إِذَا رَأَيْتُ شَيْئَاً لَا أَقْدِرُ أَن أَصْبِر» 0

قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: «سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بْنَ أَحْمَدَ الطَّحَّانَ يَقُول: كَانَ بَعْضُ أَوْلَادِ صَلَاحِ الدِّينِ قَدْ عُمِلَتْ لَهُمْ طَنَابِير، وَكَانُواْ في بُسْتَانٍ يَشْرَبُون، فَلَقِيَ الحَافِظُ الطَّنَابِيرَ فَكَسَّرَهَا، قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيّ: فَلَمَّا كُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ الهَادِي عِنْد حَمَّامِ

ص: 908

كَافُور: إِذَا قَوْمٌ كَثِيرٌ مَعَهُمْ عِصِيّ، فَخِفْتُ المَشْيَ وَجَعَلْتُ أَقُول: حَسْبيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل، فَلَمَّا صِرْتُ عَلَى الجِسْرِ لحِقُواْ صَاحِبي فَقَال: أَنَا مَا كَسَرْتُ لَكُمْ شَيْئَاً، هَذَا هُوَ الَّذِي كَسَر؛ قَال: فَإِذَا فَارِسٌ يَرْكُضُ، فَتَرَجَّلَ وَقبَّلَ يَدِي وَقَال: الصِّبْيَانُ مَا عَرَفُوك، وَكَانَ قَدْ وَضَع الله لَهُ هَيْبَةً في النُّفُوس» 0

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ ابْنَ الطَّحَّانِ، قَال:

ص: 909

«كَانُواْ في دَوْلَةِ الأَفْضَلِ جَعَلُواْ المَلَاهِيَ عِنْد الدَّرَج [أَيْ عَلَى مَدَاخِلِ الْقُصُور]، فَجَاءَ الحَافِظُ فَكَسَّرَ شَيْئَاً كَثِيرَاً، ثُمَّ صَعِدَ يَقْرَأُ الحَدِيث، فَجَاءَ رَسُولُ الْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِالمَشْيِ إِلَيْهِ لِيُنَاظِرَهُ في الدُّفِّ وَالشَّبَّابَة؛ فَقَال: ذَاكَ عِنْدِي حَرَام، وَلَا أَمْشِي إِلَيْه، ثُمَّ قرَأَ الحَدِيث؛ فَعَادَ الرَّسُولُ، فَقَال: لَا بُدَّ مِنَ المَشْيِ إِلَيْه، أَنْتَ قَدْ بَطَّلْتَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ عَلَى السُّلْطَان؛ فَقَالَ الحَافِظ: ضَرَبَ الله رَقَبَتَهُ وَرَقَبَةَ

ص: 910

السُّلْطَان؛ فَمَضَى الرَّسُولُ وَخِفْنَا، فَمَا جَاءَ أَحَد» 0

ـ محْنَةُ الإِمَامِ الحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة:

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «كَانُواْ قَدْ أَوْغَرُواْ عَلَيْهِ صَدْرَ الْعَادِلِ وَتَكَلَّمُواْ فِيه، وَكَانَ بَعْضُهُمْ أَرْسَلَ إِلىَ الْعَادِلِ يَبْذُُلُ في قَتْلِ الحَافِظِ خَمْسَةَ آلَافِ دِينَار» 0

ص: 911

قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ محْمُودَ بْنَ سَلَامَةَ الحَرَّانيَّ يَقُول: «كَثُرَ المُخَالفُونَ عَلَى الحَافِظِ وَنَالُواْ مِنهُ، حَتىَّ عَزَمَ المَلِكُ الْكَامِلُ عَلَى إِخْرَاجِهِ، وَاعْتُقِلَ في دَارِهِ أُسْبُوعَاً» 0

كَمَا فُعِلَ بِالإِمَامِ أَحْمَدَ عِنْدَمَا اعْتُقِلَ بِدَارِ المُعْتَصِم؛ لَيْتَهُ سَأَلَ اللهَ مَنْزِلَةَ الإِمَامِ أَحْمَدَ لَا حَالَه

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا محَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الجَبَّارِ قَال:

ص: 912

«نَقِمُواْ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ في الْقُرْآنِ «كَلَامُ اللهِ غَيْرَ مَخْلُوق» ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَات؛ فَقَالَ وَالِي الْقَلْعَةِ الصَّارِمُ بَرْغَش: كُلُّ هَؤُلَاءِ عَلَى ضلَالَةٍ وَأَنْتَ عَلَى حَقّ 00؟

قَالَ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِكَسْرِ مِنْبَرِهِ، وَخَرَجَ الحَافِظُ إِلىَ بَعْلَبَكّ [مَدِينَةٌ بِشَرْقِ لُبْنَان]، ثمَّ سَافَرَ إِلىَ مِصْر؛ فَأَفْتىَ فُقَهَاءُ مِصْرَ بِإِبَاحَةِ دَمِهِ، وَقَالُواْ: يُفْسِدُ عَقَائِدَ النَّاس، وَيَذْكُرَ التَّجْسِيم؛ فَكَتَبَ الْوَزِيرُ بِنَفْيِهِ إِلىَ المَغْرِب، فَمَاتَ الحَافِظُ قَبْلَ وُصُولِ

ص: 914

الْكِتَاب» 0

وَقَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ محْمُودَ بْنَ سَلَامَةَ الحَرَّانيَّ الأَصْبَهَانيَّ يَقُول:

«مَا أَخْرَجْنَا الحَافِظَ مِن أَصْبَهَانَ إِلَاَّ في إِزَار، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْتَ الخُجَنْدِيِّ كَانُواْ أَشَاعِرَةً يَتَعَصَّبُونَ لأَبي نُعَيْم، وَكَانُواْ رُؤَسَاءَ الْبَلَد» 0

قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ الإِمَام عَبْد اللهِ بْن أَبي الحَسَنِ الجُبَّائِيّ بِأَصْبَهَانَ يَقُول:

ص: 915

«أَخَذَ أَبُو نُعَيْمٍ عَلَى ابْنِ مَنْدَةَ أَشْيَاءَ في كِتَابِ «الصَّحَابَة» ؛ فَكَانَ الحَافِظُ أَبُو مُوسَى المَدِينيُّ يَشْتَهِي أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أَبي نُعَيْمٍ في كِتَابِهِ الَّذِي في الصَّحَابَة؛ فَمَا كَانَ يَجْسُرُ عَلَى ذَلِك؛ لاِتِّصَالِ أَبي نُعَيْمٍ بِرُؤَسَاءَ الْبَلَد، فَلَمَّا قَدِمَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ أَشَارَ إِلَيْهِ بِذَلِك؛ فَأَخَذَ عَلَى أَبي نُعَيْمٍ نَحْوَاً مِنْ مِاْئَتَيْنِ وَتِسْعِينَ مَوْضِعَاً، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ الصَّدْرُ الخُجَنْدِيُّ طَلَبَ عَبْدَ الْغَنيِّ وَأَرَادَ إِهْلَاكَهُ فَاخْتَفَى»

ص: 916

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ محْمُودَ بْنَ سَلَامَةَ الحَرَّانيَّ الأَصْبَهَانيَّ يَقُول:

«سَمِعْتُ الحَافِظَ يَقُول: كُنَّا بِالمَوْصِلِ نَسْمَعُ «الضُّعَفَاء» لأَبي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيّ، فَأَخَذَني أَهْل المَوْصِل وَحَبَسُوني، وَأَرَادُواْ قَتْلِي مِن أَجْلِ ذِكْرِ شَيْءٍ فِيه، فَجَاءَني رَجُلٌ طَوِيلٌ مَعَهُ سَيْف، فَقُلْتُ: يَقْتُلُني وَأَسْترِيح، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئَاً، ثُمَّ أَطْلَقُوني، فَقَلَعَ ابْنُ الْبَرْنيِّ الْوَاعِظُ الْكَرَّاسَ الَّذِي فِيهِ ذَلِكَ الشَّيْء، فَأَرْسَلُواْ وَفَتَّشُواْ الْكِتَابَ

ص: 917

فَلَمْ يَجِدُواْ شَيْئَاً، فَهَذَا سَبَبُ خَلَاصِه» 0

ـ إِنْصَافُ الأَئِمَّةِ لَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْغَنيِّ قَال: حَدَّثَني الشُّجَاعُ بْنُ أَبي زَكَرِيَّا الأَمِيرَ قَال: «قَالَ لي المَلِكُ الْكَامِلُ يَوْمَاً: هَا هُنَا فَقِيهٌ قَالُواْ إِنَّهُ كَافِر؛ فَقُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ، قَالَ بَلَى، هُوَ مُحَدِّث؛ قُلْتُ: لَعَلَّهُ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيّ 00؟

ص: 918

قَال: هَذَا هُو؛ فَقُلْتُ: أَيُّهَا المَلِك، الْعُلَمَاءُ أَحَدُهُمْ يَطْلُبُ الآخِرَة، وَآخَرُ يَطْلُبُ الدُّنْيَا 00

وَأَنْتَ هُنَا بَابُ الدُّنْيَا، فَهَذَا الرَّجُلُ جَاءَ إِلَيْكَ أَوْ تَشَفَّعَ يَطْلُبُ شَيْئَاً 00؟

قَالَ لَا؛ قُلْتُ: فَوَاللهِ هَؤُلَاءِ يَحْسُدُونَهُ؛ فَهَلْ في هَذِهِ الْبِلَادِ أَرْفَعُ مِنْك 00؟

قَالَ لَا؛ قُلْتُ: هَذَا الرَّجُلُ أَرْفَعُ الْعُلَمَاءِ كَمَا أَنْتَ أَرْفَعُ النَّاس؛ قَالَ المَلِكُ الْكَامِل: جَزَاكَ اللهُ خَيرَاً كَمَا عَرَّفْتَني، ثُمَّ بَعَثْتُ رُقْعَةً إِلَيْهِ أُوصِيهِ بِهِ؛ فَطَلَبَني؛

ص: 919

فَجِئْتُ، وَإِذَا عِنْدَهُ شَيْخُ الشُّيُوخِ ابْنُ حَمُّوَيْه، وَعِزُّ الدِّينِ الزِّنجَارِيّ؛ فَقَالَ ليَ السُّلْطَان: نحْنُ في أَمْرِ الحَافِظ؛ فَقَال: أَيُّهَا المَلِك؛ الْقَوْمُ يَحْسُدُونَهُ، وَهَذَا الشَّيْخُ بَيْنَنَا يَعْني: شَيْخَ الشُّيُوخِ ابْنَ حَمُّوَيْه؛ فَحَلَّفْتُهُ:

هَلْ سَمِعْتَ مِنَ الحَافِظِ كَلَامَاً يُخْرِجُ عَنِ الإِسْلَام 00؟

فَقَال: لَا وَاللهِ، مَا سَمِعْتُ مِنهُ إِلَاَّ كُلَّ جَمِيل» 0

ـ تَقْدِيرُ الخَلِيفَةِ الْعَادِلِ نُورِ الدِّينِ لَهُ وَخَوْفُهُ مِنه:

ص: 920

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ فَضَائِلَ بْنَ محَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُرُورٍ المَقْدِسِيَّ يَقُول:

«ذَكَرُواْ أَنَّ الْعَادِلَ [أَيْ نُورُ الدِّينِ] قَال: مَا خِفْتُ مِن أَحَدٍ مَا خِفْتُ مِن هَذَا؛ فَقُلْنَا: أَيُّهَا المَلِك هَذَا رَجُلٌ فَقِيه، قَال: لَمَّا دَخَلَ مَا خُيِّلَ إِلَيَّ إِلَاَّ أَنَّهُ سَبُع» 0

ـ بَعْضُ كَرَامَاتِه، في حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَبَعْضُ مَنْ رَآهُ في مَنَامَاتِهِ:

ص: 922

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى ابْنَ الحَافِظِ يَقُول: حَدَّثَني أَبُو محَمَّدٍ أَخُو اليَاسَمِينيِّ قَال: كُنْتُ يَوْمَاً عِنْدَ وَالِدك، فَقُلْتُ في نَفْسِي: أَشْتَهِي لَوْ أَنَّ الحَافِظ يُعْطِيني ثَوْبه حَتىَّ أُكَفَّنَ فِيه، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْقِيَامَ خَلَعَ ثَوْبَهُ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ وَأَعْطَانِيه، وَبَقِيَ الثَّوْبُ عِنْدَنَا، كُلُّ مَنْ مَرِضَ تَرَكَوهُ عَلَيْهِ فَيُعَافَى» 0

ص: 923

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: «رَأَيْتُ في النَّوْمِ بِمَرْوَ كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ بَيْنَ يَدَيِ الحَافِظِ عَبْدِ الْغَنيِّ يَقْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ جُزْء، وَكَانَ الحَافِظُ يَرُدُّ عَلَيْه» 0

أَيْ يُرَاجِعُهُ وَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ في بَعْضِ المَسَائِلِ وَالْعِلَل 0

قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى ابْنَ الحَافِظِ يَقُول: حَدَّثَني هِبَةُ اللهِ بْنُ حَيْدَرَةَ قَال:

«لَمَّا خَرَجْتُ لِلصَّلَاةِ عَلَى الحَافِظِ لَقِيَني رَجُلٌ فَقَال:

ص: 924

أَنَا غَرِيبٌ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ كَأَنيِّ في أَرْضٍ بِهَا قَوْمٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيض، فَقُلْتُ: مَا هَؤُلَاء 00؟!

قِيل: مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ نَزَلُواْ لِمَوْتِ الحَافِظ» 0

قَالَ الضِّيَاءُ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ المَقْدِسِيّ الأَمِينَ يَقُول: رَأَيْتُ كَأَنيِّ بمَسْجِدِ الدَّيْرِ وَفِيهِ رِجَالٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيض؛ وَقَعَ في نَفْسِي أَنَّهُمْ مَلَائِكَة، فَدَخَلَ الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه؛ فَقَالُواْ بِأَجْمَعهِمْ: نَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّكَ مِن أَهْلِ اليَمِين 00

مَرَّتَينِ أَوْ ثَلَاثَاً» 0

ص: 925

قَالَ ضِيَاءُ الدِّينِ المَقْدِسِيّ: سَمِعْتُ الْفَقِيهَ أَحْمَدَ بْنَ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْغَنيِّ يَقُول:

((رَأَيْتُ أَخَاكَ الْكَمَالَ عَبْدَ الرَّحِيمِ في النَّوْمِ فَقُلْتُ: يَا فُلَان؛ أَيْنَ أَنْت 00؟

قَالَ رحمه الله: في جَنَّةِ عَدْن؛ فَقُلْتُ: أَيُّمَا أَفْضَل: الحَافِظُ أَوِ الشَّيْخُ أَبُو عُمَر [ابْنُ قُدَامَةَ المَقْدِسِيُّ صَاحِبُ المُغْني]؛ فَقَال: مَا أَدْرِي، أَمَّا الحَافِظُ فُكُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ يُنْصَبُ لَهُ كُرْسِيٌّ تَحْتَ الْعَرْشِ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيث، وَيُنْثَرُ عَلَيْهِ الدُّرُّ وَالجَوْهَر، وَهَذَا نَصِيبي مِنهُ، وَكَانَ في كُمِّهِ شَيْء)) 0

ص: 926