المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌أَعْلَامُ أَئِمَّةِ المُحَدِّثِين:

- ‌الإِمَامُ البُخَارِيّ

- ‌الإِمَامُ مُسْلِم

- ‌الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل

- ‌الإِمَامُ أَبُو دَاوُد

- ‌أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ

- ‌الإِمَامُ التِّرْمِذِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ مَاجَة

- ‌الإِمَامُ النَّسَائِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارِمِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَة

- ‌الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان

- ‌الإِمَامُ أَبُو يَعْلَى

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرَاني

- ‌إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه

- ‌الإِمَامُ الحُمَيْدِيّ

- ‌أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبي شَيْبَة

- ‌مَعْمَرُ بْنُ رَاشِد

- ‌أَعْلَامُ الحُفَّاظ:

- ‌عِكْرِمَةُ مَوْلىَ ابْنِ عَبّاس

- ‌عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر

- ‌أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيّ

- ‌ثَابِتٌ الْبُنَانيّ

- ‌أَبُو العَالِيَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب

- ‌مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الله

- ‌ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة

- ‌الأَعْمَش

- ‌أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي

- ‌أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عُقْدَة

- ‌أَبُو بَكْرِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الجَعَّابيّ

- ‌حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة

- ‌حَمَّادُ بْنُ زَيْد

- ‌عَمْرُو بْنُ دِينَار [

- ‌ابْنُ جُرَيْج

- ‌عَبْدُ الكَرِيمِ الجَزَرِيّ

- ‌إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ

- ‌الْفِرْيَابيّ

- ‌ عَبْدُ الْغَنيِّ المَقْدِسِيّ

- ‌سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ

- ‌يَزِيدُ بْنُ هَارُون

- ‌إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِد

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب

- ‌أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ

- ‌ابْنُ أَبي ذِئْب

- ‌الْقَعْنَبيّ

- ‌الأَشْجَعِيّ

- ‌هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ [

- ‌[ابْنُ عُلَيَّة]

- ‌غُنْدَر

- ‌مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيّ

- ‌مَكْحُولٌ الأَزْدِيّ

- ‌يحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ

- ‌الْقَوَارِيرِيّ

- ‌أَبُو كُرَيْب

- ‌خَالِدُ بْنُ الحَارِث

- ‌ابْنُ المُقْرِئ

- ‌هُشَيْمُ بْنُ بَشِير

- ‌أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش

- ‌ابْنُ لَهِيعَة

- ‌ابْنُ أَبي دَاوُد

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم

- ‌الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق

- ‌أَعْلَامُ نُقَّادِ المحَدِّثِين:

- ‌شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج

- ‌عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ

- ‌يَحْيىَ بْنُ مَعِين

- ‌أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي

- ‌أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌[ابْنُهُ]عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيّ

- ‌عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم

- ‌أَبُو حَفْصٍ الْفَلَاَّس

- ‌أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب

- ‌ابْنُ الصَّلَاحِ الصَّفَدِي

- ‌الإِمَامُ الذَّهَبيّ [

- ‌أَعْلَامُ الْفُقَهَاء:

- ‌الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة

- ‌الإِمَامُ مَالِك

- ‌الإِمَامُ الأَوْزَاعِيّ

- ‌الإِمَامُ الشَّافِعِيّ

- ‌اللَّيْثُ بْنُ سَعْد

- ‌الشَّعْبيّ

- ‌رَبِيعَةُ الرَّأْي

- ‌أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي [

- ‌أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذَكْوَان

- ‌أَعْلَامُ المُفَسِّرِين:

- ‌مُجَاهِد

- ‌قَتَادَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْقضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَالنُّحَاة:

- ‌عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌شُرَيْحٌ القَاضِي

- ‌الأَصْمَعِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْعَلَوِيِّين [الأَشْرَاف]:

- ‌جَعْفَرٌ الصَّادِق

- ‌مُوسَى الكَاظِم

- ‌أَعْلَامُ الزُّهَّاد [

- ‌أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ

- ‌عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الكُوفِيّ

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْن

- ‌محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِر

- ‌حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْح

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك

- ‌الحَسَنُ الْبَصْرِيّ

- ‌محَمَّدُ بْنُ سِيرِين

- ‌الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض

- ‌الرَّبيعُ بْنُ خُثَيْم

- ‌إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَم

- ‌مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ

- ‌ذُو النُّونِ المِصْرِيّ

- ‌وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح

- ‌مَنْصُورُ بْنُ عَمَّار

- ‌يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع

- ‌دَاوُدٌ الطَّائِيّ

- ‌صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْم

- ‌الْعَلَاءُ بْنُ زِيَاد

- ‌سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌المُعَافَى بْنُ عِمْرَان

- ‌ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيّ

- ‌ابْنُ سَمْعُون

- ‌ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ

الفصل: ‌الإمام أبو حنيفة

‌أَعْلَامُ الْفُقَهَاء:

‌الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة

هُوَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتِ التَّيْمِيُّ الكُوفِيّ 0

وُلِدَ سَنَةَ 80 هـ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 150 هـ، وَأَصْلُهُ مِنْ بِلَادِ الفُرْس 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ:

رَوَى عَن عَطَاءِ بْنِ أَبي رَبَاح، وَهُوَ أَكْبَرُ شُيُوخِهِ، وَعَنِ الشَّعْبيِّ، وَعَنْ طَاوُوس، وَعِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّار، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُز، وَعَمْرِو بْنِ دِينَار، وَنَافِعٍ مَوْلىَ ابْنِ عُمَر، وَقَتَادَة، وَعَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَد، وَحَمَّادِ بْنِ أَبي سُلَيْمَان 0

ص: 1446

وَتَفَقَّهَ عَلَى يَدَيْه، وَسِمَاكِ بْنِ حَرْب، وَعَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَة، وَأَبي الزِّنَاد، وَمحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، وَأَبي إِسْحَاقَ السَّبيعِيّ، وَمَنْصُورِ بْنِ المُعْتَمِر، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ، وَأَبي حَصِينٍ الأَسَدِيّ، وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِب، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَة، وَسَعِيدِ بْنِ مَسْرُوق، وَعَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْر، وَزِيَادِ بْنِ عِلَاقَة، وَأَبي جَعْفَرٍ البَاقِر، وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ 0

كَمَا رَوَى عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيّ [وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ] وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَهُوَ كَذَلِك 0

ص: 1447

ـ أَشْهَرُ تَلَامِذَتِه:

حَدَّثَ عَنهُ خَلْقٌ كَثِير، مِنهُم إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان / عَالِمُ خُرَاسَان، وَأَسْبَاطُ بْنُ محَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ يحْيىَ الصَّيْرَفِيُّ، وَأَيُّوبُ بْنُ هَانِئ، وَالحَارِثُ بْنُ نَبْهَان، وَالحَسَنُ بْنُ فُرَاتٍ القَزَّاز، وَابْنُهُ حَمَّادُ بْنُ أَبي حَنِيفَة، وَحَمْزَةُ الزَّيَّات [وَهُوَ مِن أَقْرَانِه]، وَخَارِجَةُ بْنُ مُصْعَب، وَدَاوُدُ الطَّائِيّ، وَزُفَرُ بْنُ الهُذَيْل التَّمِيمِيُّ الفَقِيه، وَزَيْدُ بْنُ الحُبَاب، وَسَلْمُ بْنُ سَالِمٍ البَلْخِيّ، وَسَهْلُ بْنُ مُزَاحِم، وَعَامِرُ بْنُ الفُرَات، وَعَائِذُ بْنُ حَبِيب، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئ،

ص: 1448

وَعَبْدُ الرَّزَّاق، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، وَعَتَّابُ بْنُ محَمَّد، وَعَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ القَاضِي، وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِم، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ القَاضِي، وَأَبُو قَطَنٍ عَمْرُو بْنُ الهَيْثَم، وَعِيسَى بْنُ يُونُس، وَأَبُو نُعَيْم، وَالفَضْلُ بْنُ مُوسَى، وَمحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ العَنْبَرِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ بِشْر، وَمحَمَّدُ بْنُ القَاسِمِ الأَسَدِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ مَسْرُوقٍ الكُوفِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الوَاسِطِيّ، وَمَرْوَانُ بْنُ سَالِم، وَنُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ القَاضِي، وَنُوحُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ الجَامِع، وَهُشَيْم، وَهَيَّاجُ بْنُ بِسْطَام، وَوَكِيع، وَيحْيىَ بْنُ أَيُّوبَ المِصْرِيّ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْع،

ص: 1449

وَيَزِيدُ بْنُ هَارُون، وَيُونُسُ بْنُ بُكَيْر، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيّ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّاغَانيّ، وَأَبُو يُوسُفَ القَاضِي 0

قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ خَزَّازَاً يَبيعُ الخَزّ 0 [الخَزّ: هُوَ الحَرِير، وَالخَزَّاز: هُوَ بَائِعُ الخَزّ]

ص: 1450

وَقَدْ وُلِدَ أَبُوهُ ثَابِتٌ عَلَى الإِسْلَام، مِنْ نَسَا [مَدِينَةٌ بخُرَاسَان: بِشَرْقِ إِيرَان]

وَقِيلَ بَلْ مِنْ تِرْمِذ [بَلَدِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيّ]، وَقِيلَ بَلْ مِنْ بَابِل، وَقِيلَ ثَابِتٌ وَالِدُهُ مِن الأَنْبَار 0

وُلدَ جَدِّي في سَنَةِ ثَمَانيْنَ، وَذَهَبَ ثَابِتٌ إِلىَ عَلِيّ [لَعَلَّهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيّ / شَيْخُ الإِمَامِ البُخَارِيّ] ذَهَبَ إِلَيْهِ بِأَبي حَنِيفَةَ وَهُوَ صَغِير؛ فَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ فِيهِ وَفي ذُرِّيَتِِهِ؛ وَنَحْنُ نَرْجُو مِنَ اللهِ أَنْ يَكُونَ اسْتَجَابَ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ

ص: 1451

فِينَا 0

ضَرَبَه ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى القَضَاء؛ فَأَبىَ أَنْ يَكُونَ قَاضِيَاً رحمه الله 0

ـ قِصَّتُهُ مَعَ الْفِقْه:

قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة: «كُنْتُ أَنْظُرُ في الْكَلَام [أَيْ في الْفَلْسَفَة] حَتىَّ بَلَغْتُ فِيهِ مَبْلَغَاً يُشَارُ إِلَيَّ فِيهِ بِالأَصَابِع، وَكُنَّا نَجلِسُ بِالقُرْبِ مِن حَلْقَةِ حَمَّادِ بْنِ أَبي سُلَيْمَان، فَجَاءتْني امْرَأَةٌ يَوْمَاً فَقَالَتْ لي: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ أَمَةٌ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّة [أَيْ عَلَى السُّنَّةِ] كَمْ يُطَلَّقُهَا 00؟

ص: 1452

فَلَمْ أَدرِ مَا أَقُول؛ فَأَمَرْتُهَا أَنْ تَسْأَلَ حَمَّادَاً ثُمَّ تَرْجِعَ تُخْبِرَني؛ فَسَأَلْتُهُ فَقَال: يُطَلِّقُهَا وَهِيَ طَاهِرٌ مِنَ الحَيْضِ وَالجِمَاعِ تَطْلِيقَةً، ثمَّ يَتْرُكُهَا حَتىَّ تحِيضَ حَيْضَتَين، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ فَقَدْ حَلَّتْ لِلأَزْوَاج، فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْني؛ فَقُلْتُ: لَا حَاجَةَ لي في الكَلَام؛ وَأَخَذْتُ نَعْلِي فَجَلَسْتُ إِلىَ حَمَّاد، فَكُنْتُ أَسْمَعُ مَسَائِلَهُ فَأَحْفَظُ قَوْلَهُ، ثُمَّ يُعِيدُهَا مِنَ الغَدِ فَأَقْرَأُهَا وَيُخْطِئُ أَصْحَابُه؛ فَقَال: لَا يَجْلِسْ في صَدْرِ الحَلْقَةِ

ص: 1453

بِحِذَائِي غَيْرُ أَبي حَنِيفَة؛ فَصَحِبْتُهُ عَشْرَ سِنِين، ثُمَّ نَازَعَتْني نَفْسِي الطَّلَبَ لِلرِّئَاسَة؛ فَأَحْبَبْتُ أَن أَعتَزِلَه وَأَجلِسَ في حَلْقَةٍ لِنَفْسِي، فَخَرَجْتُ يَوْمَاً بِالعَشِيِّ وَعَزْمِي أَن أَفْعَل، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَن أَعتَزِلَه، فَجَاءهُ تِلْكَ اللَّيلَةَ نَعْيُ قَرَابَةٍ لَهُ قَدْ مَاتَ بِالبَصْرَةِ وَتَرَكَ مَالاً وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُه؛ فَأَمَرَني أَن أَجْلِسَ مَكَانَهُ، فَمَا هُوَ إِلَاَّ أَن خَرَجَ حَتىَّ وَرَدَتْ عَلَيَّ مَسَائِلُ لَمْ أَسْمَعْهَا مِنهُ، فَكُنْتُ أُجِيبُ

ص: 1454

وَأَكْتُبُ جَوَابي، فَغَابَ شَهْرَيْن، ثُمَّ قَدِمَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ المَسَائِل، وَكَانَتْ نَحْوَاً مِنْ سِتِّينَ مَسْأَلَة، فَوَافَقَني في أَرْبَعِينَ، وَخَالَفَني في عِشْرِين، فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَلَاَّ أُفَارِقَه حَتىَّ يَمُوت» 0

وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَن أَبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَال: «قَدِمْتُ البَصْرَة؛ فَظَنَنْتُ أَنيِّ لَا أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلَاَّ أَجَبْتُ فِيه؛ فَسَأَلُوني عَن أَشْيَاءَ لَمْ يَكُن عِنْدِي فِيهَا جَوَاب؛ فَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَلَاَّ أُفَارِقَ حَمَّادَاً حَتىَّ يَمُوت؛ فَصَحِبْتُهُ ثَمَانيَ

ص: 1455

عَشْرَةَ سَنَة» 0

ـ قَالُواْ عَنْ مَكَانَةِ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَة:

قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِين: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ثِقَةً في الحَدِيث» 0

وَقَالَ شَيْخُ المُحَدِّثِينَ الإِمَامُ الحَافِظ / عَلِيُّ بْنُ عَاصِم:

«لَوْ وُزِنَ عِلْمُ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ بِعِلْمِ أَهْلِ زَمَانِهِ لَرَجَحَ عَلَيْهِم» 0

حَدَّثَ أَبُو وَهْبٍ محَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:

«أَفْقَهُ النَّاسِ أَبُو حَنِيفَة، مَا رَأَيْتُ في الْفِقْهِ مِثْلَه» 0

ص: 1456

وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ أَيْضَاً: «أَبُو حَنِيفَةَ أَفْقَهُ النَّاس» 0

وَسُئِلَ ابْنُ المُبَارَك: مَالِكٌ أَفْقَهُ أَوْ أَبُو حَنِيفَةَ 00؟

قَالَ أَبُو حَنِيفَة» 0

قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: «قِيلَ لِمَالِك: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا حَنِيفَةَ 00؟

قَالَ نَعَمْ: رَأَيْتُ رَجُلاً؛ لَوْ كَلَّمَكَ في هَذِهِ السَّارِيَةِ أَنْ يَجْعَلَهَا ذَهَبَاً؛ لَقَامَ بِحُجَّتِِه» 0

وَسُئِلَ الأَعْمَشُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَال:

«إِنَّمَا يُحْسِنُ هَذَا النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الخَزَّاز، وَأَظُنُّهُ بُورِكَ لَهُ في عِلْمِه» 0

ص: 1457

وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيّ: «النَّاسُ في الْفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبي حَنِيفَة» 0

أَيْ نَسَجُواْ عَلَى مِنوَالِه، وَسَارُواْ عَلَى مِثَالِه 0

وَقَالَ الخُرَيْبيّ: «مَا يَقَعُ في أَبي حَنِيفَةَ إِلَاَّ حَاسِدٌ أَوْ جَاهِل» 0

ـ قَالُواْ عَنْ شَمَائِلِه:

وَقَالَ عَنهُ شَرِيك: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ طَوِيلَ الصَّمْتِ كَثِيرَ العَقْل» 0

وَقَالَ عَنهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك:

«مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَوْقَرَ في مَجْلِسِهِ وَلَا أَحْسَنَ سَمْتَاً وَحِلْمَاً مِن أَبي حَنِيفَة» 0

ص: 1458

وَقَالَ عَنهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُون: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَحْلَمَ مِن أَبي حَنِيفَة» 0

ـ وَرَعُ الإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ وَصَلَاحِه:

قَالَ المُثَنَّى بْنُ رَجَاء: «جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى نَفْسِهِ إِن حَلَفَ بِاللهِ صَادِقَاً أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَار، وَكَانَ إِذَا أَنفَقَ عَلَى عِيَالِهِ نَفَقَةً تَصَدَّقَ بِمِثْلِهَا» 0

وَقَالَ عَنهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبيل: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُسَمَّى الوَتِد؛ لِكَثْرَةِ صَلَاتِه» 0

قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي [صَاحِبُ أَبي حَنِيفَة]:

ص: 1459

«فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى الغَدَاةَ إِلَاَّ بِوُضُوءِ عِشَاءِ الآخِرَة، وَكَانَ يَخْتِمُ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ السَّحَر» 0

وَقَالَ عَنهُ أَسَدُ بْنُ عَمْرو: «إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ صَلَّى العِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِوُضُوءٍ أَرْبَعِينَ سَنَة»

يُرْوَى عَنهُ أَنَّهُ خَتَمَ القُرْآنَ سَبْعَةَ آلَافِ مَرَّة» 0

عَنِ القَاسِمِ بْنِ مَعْنٍ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَامَ لَيْلَةً يُرَدِّدُ قَوْلَه تَعَالى:

(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرّ ({القَمَرُ/46}

وَيَبْكِي وَيَتَضَرَّعُ إِلىَ الفَجْر» 0

ص: 1461

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ كُمَيْتٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ لأَبي حَنِيفَة: «اتَّقِ الله؛ فَانْتَفَضَ وَاصفَرَّ وَأَطرَقَ وَقَال: جَزَاكَ اللهَ خَيْرَاً؛ مَا أَحْوَجَ النَّاسَ كُلَّ وَقْتٍ إِلىَ مَنْ يَقُولُ لَهُمْ مِثْلَ هَذَا» 0

ـ إِكْرَاهُهُ عَلَى تَوَليِّ الْقَضَاء، وَمَا لَقِيَهُ في ذَلِكَ مِنَ الْبَلاء:

وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهُ ضُرِبَ غَيْرَ مَرَّةٍ عَلَى أَنْ يَلِيَ القَضَاءَ فَلَمْ يُجِبْ» 0

ص: 1462

وَقَالَ الفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّيْمَرِيّ: «لَمْ يَقْبَلِ الْعَهْدَ بِالقَضَاء؛ فَضُرِبَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَحُبِسَ وَمَاتَ في السِّجْن» 0

دَعَا المَنْصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ إِلىَ القَضَاءِ فَامْتَنَع؛ فَقَال: أَتَرْغَبُ عَمَّا نحْنُ فِيهِ؟

فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: لَا أَصْلُح؛ قَالَ كَذَبْت؛ قَال: فَقَدْ حَكَمَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيَّ أَنيِّ لَا أَصْلُح؛ فَإِنْ كُنْتُ كَاذِبَاً فَلَا أَصْلُح، وَإِنْ كُنْتُ صَادِقَاً؛ فَقَدْ أَخْبَرتُكُمْ أَنيِّ لَا أَصْلُح؛ فَحَبَسَهُ» 0

وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الوَلِيدِ في رِوَايَةٍ أُخْرَى: «طَلَبَ المَنْصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ فَأَرَادَه عَلَى القَضَاء، وَحَلَفَ لَيَلِيَنّ، فَأَبَى وَحَلَفَ إِنيِّ لَا أَفْعَل؛ فَقَالَ حَاجِبُهُ الرَّبيع: تَرَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَحْلِفُ وَأَنْتَ تَحْلِف 00؟

ص: 1463

قَال: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَى كَفَّارَةِ يَمِينِه أَقْدَرُ مِنيِّ؛ فَأَمَرَ بِهِ إِلىَ السِّجْن، فَمَاتَ فِيهِ بِبَغْدَاد» 0

وَرُوِيَ أَنَّ المَنْصُورَ قَالَ لَهُ كَذَبْت، بَلْ تَصْلُح؛ فَقَال: كَيْفَ يحِلُّ أَنْ تُوَلِّيَ مَنْ يَكْذِب؟!

وَقِيل: إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَلِيَ لَهُ فَقَضَى قَضِيَّةً وَاحِدَةً، وَبَقِيَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ اشْتَكَى سِتَّةَ أَيَّامٍ وَتُوُفِّيَ» 0

ص: 1464