المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌أَعْلَامُ أَئِمَّةِ المُحَدِّثِين:

- ‌الإِمَامُ البُخَارِيّ

- ‌الإِمَامُ مُسْلِم

- ‌الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل

- ‌الإِمَامُ أَبُو دَاوُد

- ‌أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ

- ‌الإِمَامُ التِّرْمِذِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ مَاجَة

- ‌الإِمَامُ النَّسَائِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارِمِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَة

- ‌الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان

- ‌الإِمَامُ أَبُو يَعْلَى

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرَاني

- ‌إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه

- ‌الإِمَامُ الحُمَيْدِيّ

- ‌أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبي شَيْبَة

- ‌مَعْمَرُ بْنُ رَاشِد

- ‌أَعْلَامُ الحُفَّاظ:

- ‌عِكْرِمَةُ مَوْلىَ ابْنِ عَبّاس

- ‌عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر

- ‌أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيّ

- ‌ثَابِتٌ الْبُنَانيّ

- ‌أَبُو العَالِيَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب

- ‌مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الله

- ‌ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة

- ‌الأَعْمَش

- ‌أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي

- ‌أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عُقْدَة

- ‌أَبُو بَكْرِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الجَعَّابيّ

- ‌حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة

- ‌حَمَّادُ بْنُ زَيْد

- ‌عَمْرُو بْنُ دِينَار [

- ‌ابْنُ جُرَيْج

- ‌عَبْدُ الكَرِيمِ الجَزَرِيّ

- ‌إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ

- ‌الْفِرْيَابيّ

- ‌ عَبْدُ الْغَنيِّ المَقْدِسِيّ

- ‌سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ

- ‌يَزِيدُ بْنُ هَارُون

- ‌إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِد

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب

- ‌أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ

- ‌ابْنُ أَبي ذِئْب

- ‌الْقَعْنَبيّ

- ‌الأَشْجَعِيّ

- ‌هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ [

- ‌[ابْنُ عُلَيَّة]

- ‌غُنْدَر

- ‌مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيّ

- ‌مَكْحُولٌ الأَزْدِيّ

- ‌يحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ

- ‌الْقَوَارِيرِيّ

- ‌أَبُو كُرَيْب

- ‌خَالِدُ بْنُ الحَارِث

- ‌ابْنُ المُقْرِئ

- ‌هُشَيْمُ بْنُ بَشِير

- ‌أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش

- ‌ابْنُ لَهِيعَة

- ‌ابْنُ أَبي دَاوُد

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم

- ‌الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق

- ‌أَعْلَامُ نُقَّادِ المحَدِّثِين:

- ‌شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج

- ‌عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ

- ‌يَحْيىَ بْنُ مَعِين

- ‌أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي

- ‌أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌[ابْنُهُ]عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيّ

- ‌عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم

- ‌أَبُو حَفْصٍ الْفَلَاَّس

- ‌أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب

- ‌ابْنُ الصَّلَاحِ الصَّفَدِي

- ‌الإِمَامُ الذَّهَبيّ [

- ‌أَعْلَامُ الْفُقَهَاء:

- ‌الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة

- ‌الإِمَامُ مَالِك

- ‌الإِمَامُ الأَوْزَاعِيّ

- ‌الإِمَامُ الشَّافِعِيّ

- ‌اللَّيْثُ بْنُ سَعْد

- ‌الشَّعْبيّ

- ‌رَبِيعَةُ الرَّأْي

- ‌أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي [

- ‌أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذَكْوَان

- ‌أَعْلَامُ المُفَسِّرِين:

- ‌مُجَاهِد

- ‌قَتَادَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْقضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَالنُّحَاة:

- ‌عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌شُرَيْحٌ القَاضِي

- ‌الأَصْمَعِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْعَلَوِيِّين [الأَشْرَاف]:

- ‌جَعْفَرٌ الصَّادِق

- ‌مُوسَى الكَاظِم

- ‌أَعْلَامُ الزُّهَّاد [

- ‌أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ

- ‌عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الكُوفِيّ

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْن

- ‌محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِر

- ‌حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْح

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك

- ‌الحَسَنُ الْبَصْرِيّ

- ‌محَمَّدُ بْنُ سِيرِين

- ‌الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض

- ‌الرَّبيعُ بْنُ خُثَيْم

- ‌إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَم

- ‌مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ

- ‌ذُو النُّونِ المِصْرِيّ

- ‌وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح

- ‌مَنْصُورُ بْنُ عَمَّار

- ‌يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع

- ‌دَاوُدٌ الطَّائِيّ

- ‌صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْم

- ‌الْعَلَاءُ بْنُ زِيَاد

- ‌سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌المُعَافَى بْنُ عِمْرَان

- ‌ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيّ

- ‌ابْنُ سَمْعُون

- ‌ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ

الفصل: ‌أبو حاتم الرازي

‌أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي

هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ النَّاقِدُ شَيْخُ المحَدِّثِينَ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي محَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ المُنْذِر بْنِ دَاوُدَ بْنِ مِهْرَان

وُلِدَ سَنَةَ 195 هـ، وَتُوُفِّيَ في شَعْبَانَ سَنَةَ 277 هـ 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ:

سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ مُوسَى وَيحْيىَ بْنَ بُكَيْر [كِلَاهُمَا كَانَ مِنْ شُيُوخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيّ]، وَقَبِيصَة، وَمحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيّ، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظ،

ص: 1257

وَعَفَّانَ بْنَ مُسْلِم، وَسَعِيدَ بْنَ أَبي مَرْيم، وَأَبَا مُسْهِرٍ الْغَسَّانيّ، وَالرَّبِيعَ المُرَادِيّ، وَأَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ، وَأَبَا زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ النَّحْوِيّ، وَبُنْدَار، وَأَبَا اليَمَان، وَأَبَا حَفْصٍ الْفَلَاَّس، وَابْنَ وَارَة، وَالأَصْمَعِيّ، وَخَلْقَاً كَثِيرَاً 0

قَالَ الخَلِيلِيُّ: قَالَ لي أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي اللَّبَّانُ الحَافِظ:

«قَدْ جَمَعْتُ مَنْ رَوَى عَنهُمْ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي فَبَلَغُواْ: قَرِيبَاً مِنْ ثَلَاثَةِ آلَاف» 0

ـ أَشْهَرُ تَلَامِذَتِه:

ص: 1258

حَدَّثَ عَنهُ وَلَدُهُ الحَافِظُ الإِمَامُ أَبُو محَمَّدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي حَاتم، وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، [شَيْخُه]، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي رَفِيقُهُ وَقَرِيبُهُ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي الدِّمَشْقِيّ، وَإِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ، وَأَحْمَدُ الرَّمَادِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبي الدُّنْيَا، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْبُخَارِيُّ فِيمَا قِيل، وَأَبُو دَاوُد، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ، وَأَبُو عَوَانَةَ الإِسْفَرَايِينيّ، وَأَبُو بِشْرٍ الدُّولَابيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ص: 1259

الْفَرْسَخ: مَسَافَةُ 5 كم، وَحِمْصُ وَالرَّقَّةُ مَدِينَتَانِ سُورِيَّتَان، وَالرَّمْلَةُ مَدِينَةٌ فِلَسْطِينِيَّة 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ الخَلِيلِيّ: سَمِعْتُ جَدِّي وَجَمَاعَةً سَمِعُواْ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانَ يَقُول:

«مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبي حَاتِم؛ فَقُلْنَا لَهُ: قَدْ رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي 00؟

قَال: مَا رَأَيْتُ أَجْمَعَ مِن أَبي حَاتِمٍ وَلَا أَفْضَلَ مِنهُ» 0

ص: 1262

قَالَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه يَقُول: «أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي وَأَبُو حَاتمٍ الرَّازِي: إِمَامَا خُرَاسَان؛ بَقَاؤُهُمَا صَلَاحٌ لِلْمُسْلِمِين، وَدَعَا لَهُمَا» 0

قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خِرَاشٍ:

«كَانَ أَبُو حَاتمٍ الرَّازِي مِن أَهْلِ الأَمَانَةِ وَالمَعْرِفَة» 0

وَقَالَ هِبَةُ الله بْنُ الحَسَنِ بْنِ مَنْصُور: «كَانَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي إِمَامَاً حَافِظَاً مُتَثَبِّتَاً، وَذَكَرَهُ في شُيُوخِ الْبُخَارِي» 0

ص: 1263

ـ قَالَ عَنِهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاق: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي لأَبي:

«رُبَّمَا أَشُكُّ في شَيْءٍ أَوْ يَتَخَالَجُني في حَدِيث؛ فَإِلىَ أَن أَلْتَقِي مَعَكَ لَا أَجِدُ مَنْ يَشْفِيني مِنهُ؛ قَالَ لَهُ أَبي: وَكَذَلِكَ أَمْرِي» 0

ص: 1264

ـ قَالُواْ عَنْ تَمَكُّنِهِ في مَعْرِفَةِ الحَدِيث: قَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتم: سَمِعْتُ أَبي رحمه الله يَقُول: قَدِمَ محَمَّدُ بْنُ يحْيىَ الذُّهْلِيُّ الرَّيّ؛ فَأَلقَيْتُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حَدِيثَاً مِن حَدِيثِ الزُّهْرِيّ؛ فَلَمْ يَعْرِفْ مِنهَا إِلَاَّ ثَلَاثَةَ أَحَادِيث، وَسَائِرُ ذَلِكَ لَمْ تَكُن عِنْدَهُ وَلَمْ يَعْرِفْهَا» 0

ص: 1266

وَقَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ في أَوَّلِ كِتَابِ «الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ» لَه:

«سَمِعْتُ أَبي يَقُول: جَاءني رَجُلٌ مِنْ أَجِلَاّءِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَهْلِ الْفَهْمِ مِنهُمْ، وَمَعَهُ دَفْتَر، فَعَرَضَهُ عَلَيَّ، فَقُلْتُ في بَعْضِه: هَذَا حَدِيثٌ خَطَأ، قَدْ دَخَلَ لِصَاحِبِهِ حَدِيثٌ في حَدِيث، وَهَذَا بَاطِل، وَهَذَا مُنْكَر، وَسَائِرُ ذَلِكَ صِحَاح؛ فَقَالَ لي: مِنَ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَاكَ خَطَأ، وَذَاكَ بَاطِلٌ وَذَاكَ كَذِب 00؟

أَأَخْبَرَكَ رَاوِي هَذَا الْكِتَابِ بِأَنيِّ غَلِطْتُ، أَوْ بِأَنيِّ كَذَبْتُ في حَدِيثِ كَذَا 00؟

ص: 1267

قُلْتُ لَا، مَا أَدْرِي غَيرَ أَنيِّ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ خَطَأٌ، وَأَنَّ هَذَا بَاطِل؛ فَقَال: تَدَّعِي الْغَيْب؟

قُلْتُ: مَا هَذَا ادِّعَاءُ غَيْب؛ قَال: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْت 00؟

قُلْتُ: سَلْ عَمَّا قُلْتُ مَنْ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا، فَإِنِ اتَّفَقْنَا عَلِمْتَ أَنَّا لَمْ نُجَازِفْ وَلَمْ نَقُلْهُ إِلَاَّ بِفَهْم؛ قَال: وَيَقُولُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي كَقَوْلِك 00؟!

ص: 1268

قُلْتُ: نَعْم؛ قَال: هَذَا عَجَب؛ فَكَتَبَ في دَفْتَرِهِ أَلْفَاظِي في تِلْكَ الأَحَادِيث، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ بَعْدُ وَقَدْ كَتَبَ أَلْفَاظَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي في تِلْكَ الأَحَادِيث، فَقَال: مَا قُلْتَ إِنَّهُ كَذِب: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: هُوَ بَاطِل؛ قُلْتُ: الْكَذِبُ وَالبَاطِلُ وَاحِد، وَمَا قُلْتَ إِنَّهُ مُنْكَرٌ قَال: هُوَ مُنْكَر، كَمَا قُلْت، وَمَا قُلْتَ إِنَّهُ صَحِيحٌ قَال: هُوَ صَحِيح، ثمَّ قَال: مَا أَعْجَبَ هَذَا تَتَّفَقَان مِن غَيْر مُوَاطَأَةٍ فِيمَا بَيْنَكُمَا [أَيْ دُونَمَا

ص: 1269

اتِّصَالٍ بَيْنَكُمَا]؛ قُلْتُ: فَعِنْدَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّا لَمْ نُجَازِفْ، وَأَنَّا قُلْنَا بِعِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ قَدْ أُوتِينَاه، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ: أَنَّ دِينَارَاً بَهْرَجَاً [أَيْ زَائِفَاً] يُحْمَلُ إِلىَ النَّاقِدِ فَيَقُول: هَذَا بَهْرَج؛ فَإِنْ قِيلَ لَهُ: مِن أَيْنَ قُلْتَ إِنَّ هَذَا بَهْرَج 00؟

هَلْ كُنْتَ حَاضِرَاً حِينَ بُهْرِجَ هَذَا الدِّينَار 00؟

قَال لَا، وإِنْ قِيلَ: أَخْبَرَكَ الَّذِي بَهْرَجَهُ 00؟

قَالَ لَا، قِيلَ: فَمَن أَيْنَ قُلْتَ 00؟

ص: 1270

قَال: عِلْمَاً رُزِقْتُه؛ وَكَذَلِكَ نَحْنُ رُزِقْنَا مَعْرِفَةَ ذَلِك» 0

ـ بَعْضُ مَا رَآه [رحمه الله] في طَلَبِ الْعِلْمِ مِنَ المُعَانَاة:

قَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتم: سَمِعْتُ أَبي يَقُول: بَقِيْتُ في سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، ثَمَانيَةَ أَشْهُرٍ بِالبَصْرَة، وَكَانَ في نَفْسِي أَن أُقِيمَ سَنَةً؛ فَانْقَطَعَتْ نَفَقَتي؛ فَجَعَلْتُ أَبِيعُ ثِيَابي حَتىَّ نَفِدَتْ، وَبَقِيتُ بِلَا نَفَقَة، وَمَضَيْتُ أَطُوفُ مَعَ صَدِيقٍ لي إِلىَ المَشْيَخَةِ وَأَسْمَعُ إِلىَ المَسَاء، فَانْصَرَفَ رَفِيقِي، وَرجَعْتُ إِلىَ بَيْتي،

ص: 1271

فَجَعَلْتُ أَشْرَبُ المَاءَ مِنَ الجُوع، ثُمَّ أَصْبَحْتُ، فَغَدَا عَلَيَّ رَفِيقِي، فَجَعَلْتُ أَطُوفُ مَعَهُ في سَمَاعِ الحَدِيثِ عَلَى جُوعٍ شَدِيد، وَانْصَرَفْتُ جَائِعَاً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَا عَلَيَّ فَقَال: مُرَّ بِنَا إِلىَ المَشَايِخ؛ قُلْتُ: أَنَا ضَعِيفٌ لَا يُمْكِنُني؛ قَال: مَا ضَعَّفَك 00؟

قُلْتُ: لَا أَكْتُمُكُ أَمْرِي، قَدْ مَضَى يَوْمَانِ مَا طَعِمْتُ فِيهِمَا شَيْئَاً؛ فَقَال: قَدْ بَقِيَ مَعِيَ دِينَار؛ فَنِصْفُهُ لَك، وَنَجْعَلُ النِّصْفَ الآخَرَ في الْكِرَاء» 0

ص: 1272

قَالَ ابْنُهُ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِم: سَمِعْتُ أَبي يَقُول: خَرَجْنَا مِنَ المَدِينَةِ إِلىَ الجَعْفَرِيِّةَ وَرَكِبْنَا الْبَحْر، فَهَاجَتِ الرِّيحُ في وَجُوهِنَا، فَبَقِينَا في الْبَحْرِ ثَلَاثَةَ أَشْهُر، حَتىَّ ضَاقتْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الحَنَاجِر، وَفَنيَ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ المَاءِ وَالطَّعَام، حَتىَّ وَصَلْنَا إِلىَ الْبَرِّ فَنَزَلْنَا، فَمَشَيْنَا يَوْمَاً لَمْ نَأْكلْ وَلَمْ نَشْرَبْ، وَيَوْمَاً آخَرَ كَمِثْلِه، وَيَوْمَاً ثَالِثَاً كَمِثْلِه، حَتىَّ إِذَا أَمْسَيْنَا صَلَّيْنَا وَأَلْقَيْنَا بِأَنْفُسِنَا حَيْثُ كُنَّا

ص: 1273

، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ جَعَلْنَا نَمْشِي عَلَى قَدْرِ طَاقَتِنَا، وَكُنَّا ثَلَاثَةَ أَنْفُس: شَيْخٌ نَيْسَابُورِيّ، وَأَبُو زُهَيْرٍ المَرُّوذِيّ، فَسَقَطَ الشَّيْخُ مَغْشِيَّاً عَلَيْه؛ فَجِئْنَا نُحَرِّكُهُ وَهُوَ لَا يَعْقِل؛ فَتَرَكْنَاهُ وَمَشَيْنَا قَدْرَ فَرْسَخ؛ فَضَعُفْتُ وَسَقَطْتُ مَغْشِيَّاً عَلِيّ، وَمَضَى صَاحِبي يَمْشِي؛ فَبَصُرَ مِنْ بُعْدٍ بِقَوْمٍ قَرَّبُواْ سَفِينَتَهُمْ مِنَ الْبِرِّ وَنَزَلُواْ عَلَى بِئْرِ مُوسَى؛ فَلَمَّا عَايَنَهُمْ لَوَّحَ بِثَوْبِهِ إِلَيْهِمْ؛ فَجَاؤُوهُ مَعَهُمُ مَاءٌ في

ص: 1274

إِدْاوَة؛ فَسَقَوْهُ وَأَخَذُواْ بِيَدِهِ؛ فَقَالَ لَهُمْ: الحَقُواْ رَفِيقَيْنِ لي؛ فَمَا شَعَرْتُ إِلَاَّ بِرَجُلٍ يَصُبُّ المَاءَ عَلَى وَجْهِي؛ فَفَتَّحْتُ عَيْنيَّ فَقُلْتُ: اسْقِني؛ فَصَبَّ مِنَ المَاءِ في مَشْربَةٍ قَلِيلاً؛ فَشَرِبْتُ وَرَجَعَتْ إِليَّ نَفْسِي، ثُمَّ سَقَاني قَلِيلاً وَأَخَذَ بِيَدِي، فَقُلْتُ: وَرَائِي شَيْخٌ مُلْقَىً، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِي، وَأَنَا أَمشِي وَأَجُرُّ رِجْلَيَّ؛ حَتىَّ إِذَا بَلَغْتُ سَفِينَتَهُمْ، أَتَوْاْ بِالشَّيْخِ وَأَحْسَنُواْ إِليْنَا؛ فَبَقِينَا أَيَّامَاً

ص: 1275

حَتىَّ رَجَعَتْ إِلَيْنَا أَنْفُسُنَا، ثمَّ كَتَبُواْ لَنَا كِتَابَاً إِلىَ وَالي مَدِينَةٍ يُقَالُ لهَا رَايَة، وَزَوَّدُونَا مِنَ الْكَعْكِ وَالسَّوِيقِ وَالمَاء، فَلَمْ نَزَلْ نَمْشِي حَتىَّ نَفِدَ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ المَاءِ وَالقُوت، فَجَعَلْنَا نَمْشِي جِيَاعَاً عَلَى شَطِّ الْبَحْر، حَتىَّ عَنَّتْ لَنَا سُلَحْفَاةٌ مِثْلُ التُّرْس، فَعَمَدْنَا إِلىَ حَجَرٍ كَبِيرٍ فَضَرَبْنَا عَلَى ظَهْرِهَا فَانْفَلَقَ، فَإِذَا فِيهَا مِثْلُ صُفْرَةِ الْبَيْض؛ فَتَحَسَّيْنَاهُ حَتىَّ سَكَنَ عَنَّا الجُوعَ ثُمَّ وَصَلْنَا إِلىَ المَدِينَةِ وَأَوْصَلْنَا الْكِتَابَ إِلىَ عَامِلِهَا، فَأَنْزَلَنَا في دَارِهِ، فَكَانَ يُقَدِّمُ لَنَا كُلَّ يَوْمٍ الْقَرْعَ وَيَقُولُ لخَادِمِهِ: هَاتي لَهُمْ اليَقْطِينَ المُبَارَكِ، فَيُقَدِّمُهُ مَعَ الخُبْزِ أَيَّامَاً؛ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنَّا: أَلَا تَدْعُو بِاللَّحْمِ المَشْؤُوم 00؟! فَسَمِعَ صَاحِبُ الدَّار؛ فَأَتَانَا بَعْدَ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ» 0

ص: 1276