المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌أَعْلَامُ أَئِمَّةِ المُحَدِّثِين:

- ‌الإِمَامُ البُخَارِيّ

- ‌الإِمَامُ مُسْلِم

- ‌الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل

- ‌الإِمَامُ أَبُو دَاوُد

- ‌أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ

- ‌الإِمَامُ التِّرْمِذِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ مَاجَة

- ‌الإِمَامُ النَّسَائِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارِمِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَة

- ‌الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان

- ‌الإِمَامُ أَبُو يَعْلَى

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرَاني

- ‌إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه

- ‌الإِمَامُ الحُمَيْدِيّ

- ‌أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبي شَيْبَة

- ‌مَعْمَرُ بْنُ رَاشِد

- ‌أَعْلَامُ الحُفَّاظ:

- ‌عِكْرِمَةُ مَوْلىَ ابْنِ عَبّاس

- ‌عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر

- ‌أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيّ

- ‌ثَابِتٌ الْبُنَانيّ

- ‌أَبُو العَالِيَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب

- ‌مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الله

- ‌ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة

- ‌الأَعْمَش

- ‌أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي

- ‌أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عُقْدَة

- ‌أَبُو بَكْرِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الجَعَّابيّ

- ‌حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة

- ‌حَمَّادُ بْنُ زَيْد

- ‌عَمْرُو بْنُ دِينَار [

- ‌ابْنُ جُرَيْج

- ‌عَبْدُ الكَرِيمِ الجَزَرِيّ

- ‌إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ

- ‌الْفِرْيَابيّ

- ‌ عَبْدُ الْغَنيِّ المَقْدِسِيّ

- ‌سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ

- ‌يَزِيدُ بْنُ هَارُون

- ‌إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِد

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب

- ‌أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ

- ‌ابْنُ أَبي ذِئْب

- ‌الْقَعْنَبيّ

- ‌الأَشْجَعِيّ

- ‌هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ [

- ‌[ابْنُ عُلَيَّة]

- ‌غُنْدَر

- ‌مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيّ

- ‌مَكْحُولٌ الأَزْدِيّ

- ‌يحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ

- ‌الْقَوَارِيرِيّ

- ‌أَبُو كُرَيْب

- ‌خَالِدُ بْنُ الحَارِث

- ‌ابْنُ المُقْرِئ

- ‌هُشَيْمُ بْنُ بَشِير

- ‌أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش

- ‌ابْنُ لَهِيعَة

- ‌ابْنُ أَبي دَاوُد

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم

- ‌الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق

- ‌أَعْلَامُ نُقَّادِ المحَدِّثِين:

- ‌شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج

- ‌عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ

- ‌يَحْيىَ بْنُ مَعِين

- ‌أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي

- ‌أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌[ابْنُهُ]عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيّ

- ‌عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم

- ‌أَبُو حَفْصٍ الْفَلَاَّس

- ‌أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب

- ‌ابْنُ الصَّلَاحِ الصَّفَدِي

- ‌الإِمَامُ الذَّهَبيّ [

- ‌أَعْلَامُ الْفُقَهَاء:

- ‌الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة

- ‌الإِمَامُ مَالِك

- ‌الإِمَامُ الأَوْزَاعِيّ

- ‌الإِمَامُ الشَّافِعِيّ

- ‌اللَّيْثُ بْنُ سَعْد

- ‌الشَّعْبيّ

- ‌رَبِيعَةُ الرَّأْي

- ‌أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي [

- ‌أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذَكْوَان

- ‌أَعْلَامُ المُفَسِّرِين:

- ‌مُجَاهِد

- ‌قَتَادَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْقضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَالنُّحَاة:

- ‌عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌شُرَيْحٌ القَاضِي

- ‌الأَصْمَعِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْعَلَوِيِّين [الأَشْرَاف]:

- ‌جَعْفَرٌ الصَّادِق

- ‌مُوسَى الكَاظِم

- ‌أَعْلَامُ الزُّهَّاد [

- ‌أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ

- ‌عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الكُوفِيّ

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْن

- ‌محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِر

- ‌حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْح

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك

- ‌الحَسَنُ الْبَصْرِيّ

- ‌محَمَّدُ بْنُ سِيرِين

- ‌الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض

- ‌الرَّبيعُ بْنُ خُثَيْم

- ‌إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَم

- ‌مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ

- ‌ذُو النُّونِ المِصْرِيّ

- ‌وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح

- ‌مَنْصُورُ بْنُ عَمَّار

- ‌يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع

- ‌دَاوُدٌ الطَّائِيّ

- ‌صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْم

- ‌الْعَلَاءُ بْنُ زِيَاد

- ‌سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌المُعَافَى بْنُ عِمْرَان

- ‌ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيّ

- ‌ابْنُ سَمْعُون

- ‌ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ

الفصل: ‌سعيد بن جبير

‌سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر

هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ المُقْرِئُ المُفَسِّرُ الشَّهِيدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ هِشَامٍ الْوَالِبيُّ الْكُوفِيّ 0

وُلِدَ رحمه الله سَنَةَ 38 هـ في خِلَافَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 95 هـ؛ قَتَلَهُ الحَجَّاجُ أَبْعَدَهُ الله 0

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ:

كَمَا رَوَى عَن أَبي هُرَيْرَة، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر، وَأَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ، وَأَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ، عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّل، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِم، وَأَبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم 0

ص: 1759

ـ أَشْهَرُ تَلَامِذَتِه:

قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: «قَدِمَ رحمه الله أَصْبَهَانَ زَمَنَ الحَجَّاجِ أَبْعَدَهُ اللهُ وَأَخَذُواْ عَنه» 0

حَدَّثَ عَنهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَسُلَيْمَانُ الأَحْوَل، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَش، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو سِنَان، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الجَزَرِيُّ، وَعَدِيُّ بْنُ ثَابِت، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِب، وَعَمْرُو بْنُ دِينَار، وَمَالِكُ بْنُ دِينَار، وَالزُّهْرِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ وَاسِع، وَالمِنْهَالُ بْنُ عَمْرو، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، وَأَبُو حَصِينٍ الأَسَدِيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ص: 1760

ـ مَكَانَتُهُ في الْقِرَاءَاتِ وَعُلُومِ الْقُرْآنِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:

أَخَذَ الْقُرْآنَ وَالْقِرَاءَاتِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن، وَبَرَعَ في عُلُومِ الْقرْآنِ حَتىَّ أَصْبَحَ فِيهَا إِمَامَاً وَقَرَأَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ عَلَى رَأْسِهِمْ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الْعَلَاء 0

قَالَ ابْنُ شِهَاب: «كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَؤُمُّنَا، يُرَجِّعُ صَوْتَهُ بِالقُرْآن» 0

ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ أَحمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ قَال: «لَيْسَ في أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله؛ قِيلَ وَلَا طَاوُوس؟

قَالَ وَلَا طَاوُوسٌ وَلَا أَحَد» 0

ص: 1761

0

ـ خَبَرُهُ مَعَ الحَجَّاجِ أَبْعَدَهُ الله:

قَال الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «قِيَامُ الْقُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ كَانَ في سَنَةِ 82 هـ، وَمَا ظَفِرُواْ بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله إِلَاّ سَنَةَ 95 هـ، السَّنَةَ الَّتي قَلَعَ اللهُ فِيهَا الحَجَّاج» 0

أَيْ أَنَّ سَعِيدَاً ظَلَّ طَرِيدَاً شَرِيدَاً بَعِيدَاً عَن أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَة 0

حَدَّثَ صَالِحُ بْنُ عُمَرَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبي هِنْدٍ قَال: «لَمَّا أَخَذَ الحَجَّاجُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رحمه الله قَال: مَا أُرَاني إِلَاَّ مَقْتُولاً؛

ص: 1765

وَسَأُخْبِرُكُمْ: إِنيِّ كُنْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لي دَعَوْنَا حِينَ وَجَدْنَا حَلَاوَةَ الدُّعَاء، ثمَّ سَأَلْنَا اللهَ الشَّهَادَة؛ فَكِلَا صَاحِبيَّ رُزِقَهَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُهَا» 0

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ عَن أُمَيَّةَ بْنِ شِبْلٍ عَن عُثْمَانَ بْنِ بُوذَوَيْهِ قَال:

يَا أَبَا عَبْدِ الله، كَمْ لَكَ مُنْذُ خِفْتَ مِنَ الحَجَّاج 00؟

«كُنْتُ مَعَ وَهْبٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَوْمَ عَرَفَةَ بِنَخِيلِ ابْنِ عَامِر، فَقَالَ لَهُ وَهْب:

ص: 1766

يَا أَبَا عَبْدِ الله، كَمْ لَكَ مُنْذُ خِفْتَ مِنَ الحَجَّاج 00؟

قَالَ: خَرَجْتُ عَنِ امْرَأَتي وَهِيَ حَامِل، فَجَاءَني الَّذِي في بَطْنِهَا وَقَدْ خَرَجَ وَجْهُه» 0

حَدَّثَ أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَن عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبي حُسَيْنٍ قَال:

«حِينَ دُعِيَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رحمه الله لِلْقَتْلِ جَعَلَ ابْنُهُ يَبْكِي؛ فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ 00؟!

مَا بَقَاءُ أَبِيكَ بَعْدَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَة» 0

ص: 1767

رَوَى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَن الرَّبِيعِ بْنِ أَبي صَالِحٍ قَال: «دَخَلْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله حِينَ جِيءَ بِهِ إِلىَ الحَجَّاج؛ فَبَكَى رَجُل، فَقَالَ سَعِيدٌ رحمه الله: مَا يُبْكِيكَ 00؟!

قَال: لِمَا أَصَابَك؛ قَال: فَلَا تَبْكِ؛ كَانَ في عِلْمِ اللهِ عز وجل أَنْ يَكُونَ هَذَا، ثُمَّ تَلَا رحمه الله:

{مَا أَصَابَكَ مِنْ مُصِيبَةٍ في الأَرْضِ وَلَا في أَنْفُسِكُمْ إِلَاَّ في كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}

[الحَدِيد: 22]

ص: 1769

حَدَّثَ حَامِدُ بْنُ يحْيىَ الْبَلْخِيُّ عَن أَبي مُقَاتِلٍ حَفْصٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَن عَوْنِ بْنِ أَبي شَدَّادٍ أَنَّ الحَجَّاجَ لَمْ يَزَلْ يَجِدُّ في طَلَبِهِ بِكُلِّ مَكَان، وَيَبُثُّ عَلَيْهِ الْعُيُونَ وَالأَعْوَان؛ حَتىَّ وَصَلَ إِلىَ مَكَانِهِ؛ فَوَجَّهَ إِلَيْهِ قَائِدَاً في عِشْرِينَ مِن أَعْوَانِه؛ فَلَمْ يَزَالُواْ يَتَحَسَّسُونَ وَيَتَجَسَّسُونَ حَتىَّ خَلَصُواْ إِلَيْهِ وَقَبَضُواْ عَلَيْه؛ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنىَ عَلَيْهِ وَقَامَ مَعَهُمْ، حَتىَّ انْتَهَواْ إِلىَ دَيْرِ رَاهِبٍ فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْفُرْسَانِ

ص: 1770

أَصَبْتُمْ صَاحِبَكُمْ 00؟

قَالُواْ نَعَمْ؛ فَقَال: اصْعَدُواْ؛ فَإِنَّ اللَّبُؤَةَ وَالأَسَدَ يَأْوِيَانِ حَوْلَ الدَّيْر 0

فَفَعَلُواْ، وَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَدْخُل؛ فَقَالُواْ: مَا نَرَاكَ إِلَاَّ تُرِيدُ الهَرَبَ مِنَّا 0

قَالَ رحمه الله: لا، وَلَكِنْ لَا أَدْخُلُ مَنْزِلَ مُشْرِكٍ أَبَدَا 0

قَالُواْ: فَإِنَّا لَا نَدَعُك؛ فَإِنَّ السِّبَاعَ تَقْتُلُك 0

قَالَ لَا ضَيْر؛ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي يَصْرِفُهَا عَنيِّ وَيَجْعَلُهَا حَرَسَاً تَحْرُسُني 0

قَالُواْ: فَأَنْتَ مِنَ الأَنْبيَاءِ 00!! [يَسْتَهْزِئُون]

ص: 1771

قَالَ رحمه الله: مَا أَنَا مِنَ الأَنْبيَاء، وَلَكِن عَبْدٌ مِن عَبِيدِ اللهِ جل جلاله مُذْنِب 0

فَأَخَذُواْ مِنهُ المَوَاثِيقَ أَلَاّ يَبرَحَ المَكَان؛ فَأَعْطَاهُمْ أَغْلَظَ الأَيْمَان؛ فَرَضُواْ بِذَلِكَ مِنهُ، فَقَالَ لَهُمْ الرَّاهِب: اصْعَدُواْ وَأَوْتِرُواْ الْقِسِّيَّ لِتُنَفِّرُواْ السِّبَاعَ عَن هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِح، فَلَمَّا صَعِدُواْ وَأَوْتَرُواْ الْقِسِّيّ؛ إِذَا هُمْ بِلَبْوَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنْ سَعِيدٍ تَحَكَّكَتْ بِهِ [أَيِ حَكَّتْ جِسْمَهَا بِهِ] وَتَمَسَّحَتْ بِهِ، ثُمَّ رَبَضَتْ

ص: 1772

قَرِيبَاً مِنهُ، وَأَقْبَلَ الأَسَدُ فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِك 0

فَلَمَّا رَأَواْ ذَلِك؛ أَصْبَحُواْ فَنَزَلُواْ إِلَيْه، فَسَأَلَهُ الرَّاهِبُ عَنْ شَرَائِعِ دِينِهِ وَسُنَنِهِ؛ فَفَسَّرَ لَهُ سَعِيدٌ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ فَأَسْلَم، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَى سَعِيدٍ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْه، وَيُقَبِّلُونَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْه، وَيَأْخُذُونَ التُّرَابَ الَّذِي وَطِئَهُ فَيَقُولُون: يَا سَعِيد؛ حَلَّفَنَا الحَجَّاجُ بِالطَّلَاقِ وَالعَتَاقِ إِنْ نَحْنُ رَأَيْنَاكَ وَتَرَكْنَاكَ فَمُرْنَا بِمَا شِئْت 00؟

ص: 1773

قَالَ رحمه الله: امْضُواْ لأَمْرِكُمْ؛ فَإِنيِّ لَائِذٌ بِخَالِقِي، وَلَا رَادَّ لِقَضَائِه 0

فَسَارُواْ حَتىَّ بَلَغُواْ وَاسِط؛ فَقَالَ سَعِيد: قَدْ تَحَرَّمْتُ بِكُمْ وَصَحِبْتُكُمْ، وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّ أَجَلِي قَدْ حَضَر؛ فَدَعُوني اللَّيْلَةَ آخُذْ أُهْبَةَ المَوْت، وَأَسْتَعِدَّ لِمُنْكَرٍ وَنَكِير، وَأَذْكُرْ عَذَابَ الْقَبْر، فَإِذَا أَصْبَحْتُمْ؛ فَالمِيعَادُ بَيْنَنَا المَكَانُ الَّذِي تُرِيدُون؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتُرِيدُونَ أَثَرَاً بَعْدَ عَيْن ـ

ص: 1774

أَيْ أَتُرِيدُونَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ رَأْيَ الْعَينِ أَنْ تَطْلُبُواْ غَدَاً أَثَرَهُ بَعْدَ عَيْن ـ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ بَلَغْتُمْ مَأْمَنَكُمْ وَدَنَتْ مِنْكُمْ جَوَائِزَ الأَمِير؛ فَلَا تَعْجَزُواْ عَنهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَكَانُواْ أَقْرَبَ مِن أُوْلَئِكَ إِلىَ الخَير: يُعْطِيكُمْ مِثْلَمَا أَعْطَاكُمْ لَيْلَةَ الدَّيْر، وَيْلَكُمْ؛ أَمَا لَكُمْ عِبْرَةٌ بِمَا فَعَلَ بِهِ الأَسَد؟!

ص: 1775

فَنَظَرُواْ إِلىَ سَعِيدٍ وَقَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَشَعِثَ رَأْسُهُ وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ لَقُوهُ وَصَحِبُوه؛ فَقَالُواْ: يَا خَيْرَ أَهْلِ الأَرْض؛ لَيْتَنَا لَمْ نَعْرِفْكَ وَلَمْ نُسَرَّحْ إِلَيْك، الْوَيْلُ لَنَا وَيْلاً طَوِيلاً، كَيْفَ ابْتُلِينَا بِك، اعْذِرْنَا عِنْدَ خَالِقِنَا يَوْمَ الحَشْرِ الأَكْبَر؛ فَإِنَّهُ الْقَاضِي الأَكْبَرُ وَالعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُور؛ قَالَ رحمه الله: مَا أَعْذَرَني لَكُمْ وَأَرْضَاني لِمَا سَبَقَ مِن عِلْمِ اللهِ فِيّ 0

ص: 1776

فَلَمَّا فَرَغُواْ مِنَ الْبُكَاءِ وَالمُجَاوَبَةِ قَالَ كَفِيلُه: أَسْأَلُكَ بِاللهِ إِلَاّ زَوَّدْتَنَا مِنْ دُعَائِكَ وَكَلَامِك؛ فَإِنَّا لَنْ نَلْقَى مِثْلَكَ أَبَدَاً؛ فَفَعَلَ ذَلِك؛ فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءهُ، وَهُمْ مُحْتَفُونَ اللَّيْلَ كُلَّهُ يُنَادُونَ بِالوَيْلِ وَاللَّهْف 0

فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ جَاءَهُمْ سَعِيدٌ فَقَرَعَ الْبَاب؛ فَنَزَلُواْ وَبَكَوْاْ مَعَهُ وَذَهَبُواْ بِهِ إِلىَ الحَجَّاجِ، وَمَعَهُ آخَر؛ فَدَخَلَا، فَقَالَ الحَجَّاج: أَتَيْتُمُوني بِسَعِيدِ بْنِ

ص: 1777

جُبَيْر 00؟

قَالُواْ نَعَمْ، وَعَايَنَّا مِنهُ الْعَجَب؛ فَصَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنهُمْ وَقَال: أَدْخِلُوهُ عَلَيّ 0

فَخَرَجَ قَائِدُهُمْ إِلىَ سَعِيدٍ فَقَالَ لَه: أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَام 0

ثُمَّ قَالَ لَهُ الحَجَّاجُ بَعْدَ كَلَامٍ جَرَى فِيه؛ مَا يَنُمُّ عَنْ تَشَفِّيه: اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيدُ أَن أَقْتُلَك 00؟

قَال: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاج؛ فَوَاللهِ مَا تَقْتُلُني قِتْلَةً إِلَاَّ قَتَلْتُكَ في الآخِرَةِ قَتْلَةً مِثْلَهَا وَشَرَّاً مِنهَا 0

قَال: فَتُرِيدُ أَن أَعْفُوَ عَنْكَ 00؟

ص: 1778

قَالَ رحمه الله: إِنْ كَانَ الْعَفْو؛ فَمِنَ الله، وَأَمَّا أَنْتَ فَلَا بَرَاءةَ لَكَ وَلَا عُذْر 0

قَال: اذْهبُواْ بِهِ فَاقْتُلُوه 0

فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَابِ رحمه الله ضَحِك؛ فَأُخْبِرَ الحَجَّاجُ بِذَلِك؛ فَأَمَرَهُمْ بِرَدِّهِ؛ فَقَال:

مَا أَضْحَكَكَ 00؟

قَالَ رحمه الله: عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللهِ وَحِلْمِهِ عَنْك 00!!

فَأَمَرَ بِالنِّطْعِ فَبُسِطَ وَقَالَ اقْتُلُوه 0

فَقَالَ رحمه الله: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفَاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِين}

ص: 1779

{الأَنعَام/79}

قَالَ أَبْعَدَهُ الله: شُدُّواْ بِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَة 0

قَالَ رحمه الله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} {البَقَرَة/115}

قَالَ أَبْعَدَهُ الله: كُبُّوهُ لِوَجْهِه 0

قَالَ رحمه الله: {مِنهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} {طَهَ/55}

قَالَ أَبْعَدَهُ الله: اذْبَحُوه 0

قَالَ رحمه الله: إِنيِّ أَشْهَدُ وَأُحَاجُّ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ محَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، خُذْهَا مِنيِّ حَتىَّ تَلْقَاني يَوْمَ

ص: 1780

الْقِيَامَة، ثمَّ دَعَا اللهَ سَعِيدٌ وَقَال: اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ بَعْدِي، فَذُبِحَ عَلَى النَّطْع 0

حَدَّثَ هَارُونُ الحَمَّالُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ المَخْزُومِيِّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيد، عَنْ كَاتِبِ الحَجَّاجِ قَال: كُنْتُ أَكْتُبُ لِلْحَجَّاجِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ يَسْتَخِفُّني وَيَسْتَحْسِنُ كِتَابَتي، وَأَدْخُلُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْن، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا قَتَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَهُوَ في قُبَّةٍ لَهُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَاب، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مِمَّا

ص: 1781

يَلِي ظَهْرَهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُول: مَا لي وَلِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، فَخَرَجْتُ رُوَيْدَاً وَعَلِمْتُ أَنَّهُ إِن عَلِمَ بي قَتَلَني [لأَنَّهُ اطَّلَعَ مِنهُ عَلَى لحْظَةِ ضَعْفٍ قَدْ يُفْشِيهَا] فَلَمْ يَنْشَبْ قَلِيلاً حَتىَّ مَات 0

حَدَّثَ خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَن أَبِيهِ قَال:

«شَهِدْتُ مَقْتَلَ سَعِيد، فَلَمَّا بَانَ رَأْسُهُ قَال: لَا إِلَهَ إِلَاَّ الله، لَا إِلَهَ إِلَاَّ الله، وَلَمْ يُتِمَّ الثَّالِثَة» 0

ص: 1782

قَالَ الإِمَامُ مَالِك: «لَمَّا قُتِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رحمه الله خَرَجَ مِنهُ دَمٌ كَثِيرٌ حَتىَّ رَاعَ الحَجَّاج؛ فَدَعَا طَبِيبَاً فَقَالَ لَه: مَا بَالُ دَمِ هَذَا كَثِير 00؟

قَال: إِن أَمَّنْتَني أَخْبَرْتُك؛ فَأَمَّنَهُ فَقَال: قَتَلْتَهُ وَنَفْسُهُ مَعَه» 00 أَيْ غَيرَ هَائِبِ المَوْت 0

بِسْمِ اللهِ الرَِّحْمَنِ الرَِّحِيم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّة {27} ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة {28} فَادْخُلِي في عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتي} {الفَجْر}

ص: 1783