الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر
هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ المُقْرِئُ المُفَسِّرُ الشَّهِيدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ هِشَامٍ الْوَالِبيُّ الْكُوفِيّ 0
وُلِدَ رحمه الله سَنَةَ 38 هـ في خِلَافَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 95 هـ؛ قَتَلَهُ الحَجَّاجُ أَبْعَدَهُ الله 0
ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ:
كَمَا رَوَى عَن أَبي هُرَيْرَة، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر، وَأَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ، وَأَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ، عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّل، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِم، وَأَبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم 0
ـ أَشْهَرُ تَلَامِذَتِه:
قَالَ أَبُو الشَّيْخِ: «قَدِمَ رحمه الله أَصْبَهَانَ زَمَنَ الحَجَّاجِ أَبْعَدَهُ اللهُ وَأَخَذُواْ عَنه» 0
حَدَّثَ عَنهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، وَسُلَيْمَانُ الأَحْوَل، وَسُلَيْمَانُ الأَعْمَش، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو سِنَان، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الجَزَرِيُّ، وَعَدِيُّ بْنُ ثَابِت، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِب، وَعَمْرُو بْنُ دِينَار، وَمَالِكُ بْنُ دِينَار، وَالزُّهْرِيّ، وَمحَمَّدُ بْنُ وَاسِع، وَالمِنْهَالُ بْنُ عَمْرو، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ، وَأَبُو حَصِينٍ الأَسَدِيّ، وَخَلْقٌ كَثِير 0
ـ مَكَانَتُهُ في الْقِرَاءَاتِ وَعُلُومِ الْقُرْآنِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:
أَخَذَ الْقُرْآنَ وَالْقِرَاءَاتِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن، وَبَرَعَ في عُلُومِ الْقرْآنِ حَتىَّ أَصْبَحَ فِيهَا إِمَامَاً وَقَرَأَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ عَلَى رَأْسِهِمْ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الْعَلَاء 0
قَالَ ابْنُ شِهَاب: «كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَؤُمُّنَا، يُرَجِّعُ صَوْتَهُ بِالقُرْآن» 0
ـ قَالُواْ عَنِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ أَحمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ قَال: «لَيْسَ في أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله؛ قِيلَ وَلَا طَاوُوس؟
قَالَ وَلَا طَاوُوسٌ وَلَا أَحَد» 0
حَدَّثَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَن خُصَيْفٍ قَال:
ـ قَالُواْ عَنْ مَنَاقِبِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:
رَوَى ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَن أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ قَال:
حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن أَبي سِنَانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله أَنَّهُ قَال: «لَدَغَتْني عَقْرَب؛ فَأَقْسَمَتْ عَلَيَّ أُمِّي أَن أَسْتَرْقِيَ، فَأَعْطَيْتُ الرَّاقِيَ يَدِيَ الَّتي لَمْ تُلْدَغْ وََكَرِهْتُ أَن أُحَنِّثَهَا» 0
ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبي المُغِيرَة: «كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه بَعْدَ مَا عَمِيَ إِذَا أَتَاهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَسْأَلُونَهُ رضي الله عنه يَقُول: تَسْأَلُوني وَفِيكُمْ ابْنُ أُمِّ دَهْمَاء «يَعْني سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رحمه الله» » 0
حَدَّثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَن أَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله قَال:
0
ـ خَبَرُهُ مَعَ الحَجَّاجِ أَبْعَدَهُ الله:
قَال الإِمَامُ الذَّهَبيّ: «قِيَامُ الْقُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ كَانَ في سَنَةِ 82 هـ، وَمَا ظَفِرُواْ بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله إِلَاّ سَنَةَ 95 هـ، السَّنَةَ الَّتي قَلَعَ اللهُ فِيهَا الحَجَّاج» 0
أَيْ أَنَّ سَعِيدَاً ظَلَّ طَرِيدَاً شَرِيدَاً بَعِيدَاً عَن أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَة 0
حَدَّثَ صَالِحُ بْنُ عُمَرَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبي هِنْدٍ قَال: «لَمَّا أَخَذَ الحَجَّاجُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رحمه الله قَال: مَا أُرَاني إِلَاَّ مَقْتُولاً؛
وَسَأُخْبِرُكُمْ: إِنيِّ كُنْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لي دَعَوْنَا حِينَ وَجَدْنَا حَلَاوَةَ الدُّعَاء، ثمَّ سَأَلْنَا اللهَ الشَّهَادَة؛ فَكِلَا صَاحِبيَّ رُزِقَهَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُهَا» 0
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ عَن أُمَيَّةَ بْنِ شِبْلٍ عَن عُثْمَانَ بْنِ بُوذَوَيْهِ قَال:
يَا أَبَا عَبْدِ الله، كَمْ لَكَ مُنْذُ خِفْتَ مِنَ الحَجَّاج 00؟
«كُنْتُ مَعَ وَهْبٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَوْمَ عَرَفَةَ بِنَخِيلِ ابْنِ عَامِر، فَقَالَ لَهُ وَهْب:
يَا أَبَا عَبْدِ الله، كَمْ لَكَ مُنْذُ خِفْتَ مِنَ الحَجَّاج 00؟
قَالَ: خَرَجْتُ عَنِ امْرَأَتي وَهِيَ حَامِل، فَجَاءَني الَّذِي في بَطْنِهَا وَقَدْ خَرَجَ وَجْهُه» 0
حَدَّثَ أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَن عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبي حُسَيْنٍ قَال:
«حِينَ دُعِيَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رحمه الله لِلْقَتْلِ جَعَلَ ابْنُهُ يَبْكِي؛ فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ 00؟!
مَا بَقَاءُ أَبِيكَ بَعْدَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَة» 0
عَن أَبي بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي زِيَادٍ [أَحَدُ أَصْحَابِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله] قَال:
رَوَى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَن الرَّبِيعِ بْنِ أَبي صَالِحٍ قَال: «دَخَلْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله حِينَ جِيءَ بِهِ إِلىَ الحَجَّاج؛ فَبَكَى رَجُل، فَقَالَ سَعِيدٌ رحمه الله: مَا يُبْكِيكَ 00؟!
قَال: لِمَا أَصَابَك؛ قَال: فَلَا تَبْكِ؛ كَانَ في عِلْمِ اللهِ عز وجل أَنْ يَكُونَ هَذَا، ثُمَّ تَلَا رحمه الله:
[الحَدِيد: 22]
حَدَّثَ حَامِدُ بْنُ يحْيىَ الْبَلْخِيُّ عَن أَبي مُقَاتِلٍ حَفْصٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَن عَوْنِ بْنِ أَبي شَدَّادٍ أَنَّ الحَجَّاجَ لَمْ يَزَلْ يَجِدُّ في طَلَبِهِ بِكُلِّ مَكَان، وَيَبُثُّ عَلَيْهِ الْعُيُونَ وَالأَعْوَان؛ حَتىَّ وَصَلَ إِلىَ مَكَانِهِ؛ فَوَجَّهَ إِلَيْهِ قَائِدَاً في عِشْرِينَ مِن أَعْوَانِه؛ فَلَمْ يَزَالُواْ يَتَحَسَّسُونَ وَيَتَجَسَّسُونَ حَتىَّ خَلَصُواْ إِلَيْهِ وَقَبَضُواْ عَلَيْه؛ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنىَ عَلَيْهِ وَقَامَ مَعَهُمْ، حَتىَّ انْتَهَواْ إِلىَ دَيْرِ رَاهِبٍ فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْفُرْسَانِ
أَصَبْتُمْ صَاحِبَكُمْ 00؟
قَالُواْ نَعَمْ؛ فَقَال: اصْعَدُواْ؛ فَإِنَّ اللَّبُؤَةَ وَالأَسَدَ يَأْوِيَانِ حَوْلَ الدَّيْر 0
فَفَعَلُواْ، وَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَدْخُل؛ فَقَالُواْ: مَا نَرَاكَ إِلَاَّ تُرِيدُ الهَرَبَ مِنَّا 0
قَالَ رحمه الله: لا، وَلَكِنْ لَا أَدْخُلُ مَنْزِلَ مُشْرِكٍ أَبَدَا 0
قَالُواْ: فَإِنَّا لَا نَدَعُك؛ فَإِنَّ السِّبَاعَ تَقْتُلُك 0
قَالَ لَا ضَيْر؛ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي يَصْرِفُهَا عَنيِّ وَيَجْعَلُهَا حَرَسَاً تَحْرُسُني 0
قَالُواْ: فَأَنْتَ مِنَ الأَنْبيَاءِ 00!! [يَسْتَهْزِئُون]
قَالَ رحمه الله: مَا أَنَا مِنَ الأَنْبيَاء، وَلَكِن عَبْدٌ مِن عَبِيدِ اللهِ جل جلاله مُذْنِب 0
فَأَخَذُواْ مِنهُ المَوَاثِيقَ أَلَاّ يَبرَحَ المَكَان؛ فَأَعْطَاهُمْ أَغْلَظَ الأَيْمَان؛ فَرَضُواْ بِذَلِكَ مِنهُ، فَقَالَ لَهُمْ الرَّاهِب: اصْعَدُواْ وَأَوْتِرُواْ الْقِسِّيَّ لِتُنَفِّرُواْ السِّبَاعَ عَن هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِح، فَلَمَّا صَعِدُواْ وَأَوْتَرُواْ الْقِسِّيّ؛ إِذَا هُمْ بِلَبْوَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنْ سَعِيدٍ تَحَكَّكَتْ بِهِ [أَيِ حَكَّتْ جِسْمَهَا بِهِ] وَتَمَسَّحَتْ بِهِ، ثُمَّ رَبَضَتْ
قَرِيبَاً مِنهُ، وَأَقْبَلَ الأَسَدُ فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِك 0
فَلَمَّا رَأَواْ ذَلِك؛ أَصْبَحُواْ فَنَزَلُواْ إِلَيْه، فَسَأَلَهُ الرَّاهِبُ عَنْ شَرَائِعِ دِينِهِ وَسُنَنِهِ؛ فَفَسَّرَ لَهُ سَعِيدٌ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ فَأَسْلَم، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَى سَعِيدٍ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْه، وَيُقَبِّلُونَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْه، وَيَأْخُذُونَ التُّرَابَ الَّذِي وَطِئَهُ فَيَقُولُون: يَا سَعِيد؛ حَلَّفَنَا الحَجَّاجُ بِالطَّلَاقِ وَالعَتَاقِ إِنْ نَحْنُ رَأَيْنَاكَ وَتَرَكْنَاكَ فَمُرْنَا بِمَا شِئْت 00؟
قَالَ رحمه الله: امْضُواْ لأَمْرِكُمْ؛ فَإِنيِّ لَائِذٌ بِخَالِقِي، وَلَا رَادَّ لِقَضَائِه 0
فَسَارُواْ حَتىَّ بَلَغُواْ وَاسِط؛ فَقَالَ سَعِيد: قَدْ تَحَرَّمْتُ بِكُمْ وَصَحِبْتُكُمْ، وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّ أَجَلِي قَدْ حَضَر؛ فَدَعُوني اللَّيْلَةَ آخُذْ أُهْبَةَ المَوْت، وَأَسْتَعِدَّ لِمُنْكَرٍ وَنَكِير، وَأَذْكُرْ عَذَابَ الْقَبْر، فَإِذَا أَصْبَحْتُمْ؛ فَالمِيعَادُ بَيْنَنَا المَكَانُ الَّذِي تُرِيدُون؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتُرِيدُونَ أَثَرَاً بَعْدَ عَيْن ـ
أَيْ أَتُرِيدُونَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ رَأْيَ الْعَينِ أَنْ تَطْلُبُواْ غَدَاً أَثَرَهُ بَعْدَ عَيْن ـ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ بَلَغْتُمْ مَأْمَنَكُمْ وَدَنَتْ مِنْكُمْ جَوَائِزَ الأَمِير؛ فَلَا تَعْجَزُواْ عَنهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَكَانُواْ أَقْرَبَ مِن أُوْلَئِكَ إِلىَ الخَير: يُعْطِيكُمْ مِثْلَمَا أَعْطَاكُمْ لَيْلَةَ الدَّيْر، وَيْلَكُمْ؛ أَمَا لَكُمْ عِبْرَةٌ بِمَا فَعَلَ بِهِ الأَسَد؟!
فَنَظَرُواْ إِلىَ سَعِيدٍ وَقَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَشَعِثَ رَأْسُهُ وَاغْبَرَّ لَوْنُهُ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ لَقُوهُ وَصَحِبُوه؛ فَقَالُواْ: يَا خَيْرَ أَهْلِ الأَرْض؛ لَيْتَنَا لَمْ نَعْرِفْكَ وَلَمْ نُسَرَّحْ إِلَيْك، الْوَيْلُ لَنَا وَيْلاً طَوِيلاً، كَيْفَ ابْتُلِينَا بِك، اعْذِرْنَا عِنْدَ خَالِقِنَا يَوْمَ الحَشْرِ الأَكْبَر؛ فَإِنَّهُ الْقَاضِي الأَكْبَرُ وَالعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُور؛ قَالَ رحمه الله: مَا أَعْذَرَني لَكُمْ وَأَرْضَاني لِمَا سَبَقَ مِن عِلْمِ اللهِ فِيّ 0
فَلَمَّا فَرَغُواْ مِنَ الْبُكَاءِ وَالمُجَاوَبَةِ قَالَ كَفِيلُه: أَسْأَلُكَ بِاللهِ إِلَاّ زَوَّدْتَنَا مِنْ دُعَائِكَ وَكَلَامِك؛ فَإِنَّا لَنْ نَلْقَى مِثْلَكَ أَبَدَاً؛ فَفَعَلَ ذَلِك؛ فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَمِدْرَعَتَهُ وَكِسَاءهُ، وَهُمْ مُحْتَفُونَ اللَّيْلَ كُلَّهُ يُنَادُونَ بِالوَيْلِ وَاللَّهْف 0
فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ جَاءَهُمْ سَعِيدٌ فَقَرَعَ الْبَاب؛ فَنَزَلُواْ وَبَكَوْاْ مَعَهُ وَذَهَبُواْ بِهِ إِلىَ الحَجَّاجِ، وَمَعَهُ آخَر؛ فَدَخَلَا، فَقَالَ الحَجَّاج: أَتَيْتُمُوني بِسَعِيدِ بْنِ
جُبَيْر 00؟
قَالُواْ نَعَمْ، وَعَايَنَّا مِنهُ الْعَجَب؛ فَصَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنهُمْ وَقَال: أَدْخِلُوهُ عَلَيّ 0
فَخَرَجَ قَائِدُهُمْ إِلىَ سَعِيدٍ فَقَالَ لَه: أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَام 0
ثُمَّ قَالَ لَهُ الحَجَّاجُ بَعْدَ كَلَامٍ جَرَى فِيه؛ مَا يَنُمُّ عَنْ تَشَفِّيه: اخْتَرْ أَيَّ قِتْلَةٍ تُرِيدُ أَن أَقْتُلَك 00؟
قَال: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا حَجَّاج؛ فَوَاللهِ مَا تَقْتُلُني قِتْلَةً إِلَاَّ قَتَلْتُكَ في الآخِرَةِ قَتْلَةً مِثْلَهَا وَشَرَّاً مِنهَا 0
قَال: فَتُرِيدُ أَن أَعْفُوَ عَنْكَ 00؟
قَالَ رحمه الله: إِنْ كَانَ الْعَفْو؛ فَمِنَ الله، وَأَمَّا أَنْتَ فَلَا بَرَاءةَ لَكَ وَلَا عُذْر 0
قَال: اذْهبُواْ بِهِ فَاقْتُلُوه 0
فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَابِ رحمه الله ضَحِك؛ فَأُخْبِرَ الحَجَّاجُ بِذَلِك؛ فَأَمَرَهُمْ بِرَدِّهِ؛ فَقَال:
مَا أَضْحَكَكَ 00؟
قَالَ رحمه الله: عَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِكَ عَلَى اللهِ وَحِلْمِهِ عَنْك 00!!
فَأَمَرَ بِالنِّطْعِ فَبُسِطَ وَقَالَ اقْتُلُوه 0
فَقَالَ رحمه الله: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفَاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِين}
{الأَنعَام/79}
قَالَ أَبْعَدَهُ الله: شُدُّواْ بِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَة 0
قَالَ رحمه الله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} {البَقَرَة/115}
قَالَ أَبْعَدَهُ الله: كُبُّوهُ لِوَجْهِه 0
قَالَ رحمه الله: {مِنهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} {طَهَ/55}
قَالَ أَبْعَدَهُ الله: اذْبَحُوه 0
قَالَ رحمه الله: إِنيِّ أَشْهَدُ وَأُحَاجُّ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ محَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، خُذْهَا مِنيِّ حَتىَّ تَلْقَاني يَوْمَ
الْقِيَامَة، ثمَّ دَعَا اللهَ سَعِيدٌ وَقَال: اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْهُ عَلَى أَحَدٍ يَقْتُلُهُ بَعْدِي، فَذُبِحَ عَلَى النَّطْع 0
حَدَّثَ هَارُونُ الحَمَّالُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ المَخْزُومِيِّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ يحْيىَ بْنِ سَعِيد، عَنْ كَاتِبِ الحَجَّاجِ قَال: كُنْتُ أَكْتُبُ لِلْحَجَّاجِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ يَسْتَخِفُّني وَيَسْتَحْسِنُ كِتَابَتي، وَأَدْخُلُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْن، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا قَتَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَهُوَ في قُبَّةٍ لَهُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَاب، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مِمَّا
يَلِي ظَهْرَهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُول: مَا لي وَلِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، فَخَرَجْتُ رُوَيْدَاً وَعَلِمْتُ أَنَّهُ إِن عَلِمَ بي قَتَلَني [لأَنَّهُ اطَّلَعَ مِنهُ عَلَى لحْظَةِ ضَعْفٍ قَدْ يُفْشِيهَا] فَلَمْ يَنْشَبْ قَلِيلاً حَتىَّ مَات 0
حَدَّثَ خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَن أَبِيهِ قَال:
قَالَ الإِمَامُ مَالِك: «لَمَّا قُتِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رحمه الله خَرَجَ مِنهُ دَمٌ كَثِيرٌ حَتىَّ رَاعَ الحَجَّاج؛ فَدَعَا طَبِيبَاً فَقَالَ لَه: مَا بَالُ دَمِ هَذَا كَثِير 00؟
قَال: إِن أَمَّنْتَني أَخْبَرْتُك؛ فَأَمَّنَهُ فَقَال: قَتَلْتَهُ وَنَفْسُهُ مَعَه» 00 أَيْ غَيرَ هَائِبِ المَوْت 0
بِسْمِ اللهِ الرَِّحْمَنِ الرَِّحِيم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّة {27} ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة {28} فَادْخُلِي في عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتي} {الفَجْر}