الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل
وُلِدَ في رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ 164 هـ، وَتُوُفِّيَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ سَنَةَ 241 هـ 0
ـ قَالُواْ عَنْ نَسَبِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
هُوَ الإِمَامُ الْفَقِيهُ المحَدِّثُ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَسَدِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ عَوْفٍ الذُّهْلِيُّ الشَّيْبَانيُّ المَرْوَزِيُّ الْبَغْدَادِيّ 0
وَنِسْبَتُهُ الَّتي يَنْبَغِي أَنْ يُلَقَّبَ بِهَا: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الذُّهْلِيّ 0
حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ عَن أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي قَال:
«إِنَّ أَحْمَدَ أَصْلَه بَصْرِيّ» 0
ـ نُبْذَةٌ عَنْ نَشْأَتِهِ وَزَوْجَاتِهِ وَآلِ بَيْتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
رَوَى أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ في كِتَابِهِ «أَخْلَاقِ أَحْمَد» عَنْ زُهَيْرِ بْنِ صَالِحٍ قَال:
«تَزَوَّجَ جَدِّي عَبَّاسَةَ بِنْتَ الْفَضْل، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا غَيْرُ أَبي» 0
كَانَ محَمَّدٌ وَالِدُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مِن أَجْنَادِ مَرْو، مَاتَ شَابَّاً لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَة؛ فَنَشَأَ الإِمَامُ أَحْمَدُ يَتِيمَاً فَوَلِيَتْهُ أُمُّه، وَقِيلَ إِنَّ أُمَّهُ تَحَوَّلَتْ مِنْ مَرْوَ وَهِيَ حَامِلٌ بِه 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ رحمه الله قَال: «مَا تَزَوَّجْتُ إِلَاَّ بَعْدَ الأَرْبَعِين» 0
قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَل: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رحمه الله يَقُول: «تَزَوَّجْتُ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً؛ فَرَزَقَ اللهُ خَيْرَاً كَثِيرَاً» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوذِيَّ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ رحمه الله أَنَّهُ ذَكَرَ أَهْلَهُ فَتَرَحَّمَ عَلَيْهَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَال:
وَقَالَ زُهَيْر: «لَمَّا تُوُفِّيَتْ أُمُّ عَبْدِ الله؛ اشْتَرَى جَدِّي «حُسْن» ، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْنَب، وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ تَوْأَمَاً، وَمَاتَا بِالقُرْبِ مِنْ وِلَادَتِهِمَا، ثُمَّ وَلَدَتِ الحَسَنَ وَمحَمَّدَاً، فَعَاشَا نَحْوَ الأَرْبَعِين، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهُمَا سَعِيدَاً» 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ قَال: «سَمِعْتُ حُسْنَ أُمَّ وَلَدِ أَبي عَبْدِ اللهِ تَقُول: قُلْتُ لِمَوْلَايَ: اصْرِفْ
فَرْدَ خَلْخَالي؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: وَتَطِيبُ نَفْسُك 00؟
قُلْتُ: نَعَمْ؛ فَبِيعَ بِثَمَانيَةِ دَنَانِيرَ وَنِصْف، وَفَرَّقَهَا وَقْتَ حَمْلِي؛ وَكَانَ إِذَا لَمْ يَكُن عِنْدَهُ شَيْء، فَرِحَ يَوْمَهُ، وَقَالَ يَوْمَاً: أُرِيد أَحْتَجِمُ، وَمَا مَعَهُ شَيْءٌ، فَبِعْتُ نَصِيفَاً مِن غَزْلٍ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَاشتَرَيْتُ لَحمَاً بِنِصْفٍ، وَأَعْطَى الحَجَّامَ دِرْهَمَاً؛ قَالَتْ: وَاشْتَرَيْتُ طِيبَاً بِدِرْهَم، وَلَمَّا خَرَجَ إِلىَ سُرَّ مَنْ رَأَى، كُنْتُ قَدْ غَزَلْتُ غَزلاً لَيِّنَاً، وَعَمِلْتُ ثَوبَاً
حَسَنَاً، فَلَمَّا قَدِمَ، أَخْرَجتُه إِلَيْهِ، وَكُنْتُ قَدْ أُعْطِيْتُ كِرَاءَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمَاً مِنَ الْغَلَّة، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَال: مَا أُرِيدُهُ؛ قُلْتُ: يَا مَوْلَايَ؛ عِنْدِي غَيْرُ هَذَا؛ فَدَفَعْتُ الثَّوْبَ إِلىَ فُورَانَ [مِنْ تَلَامِذَةِ أَحْمَد]، فَبَاعَهَ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمَاً، وَغَزَلْتُ ثَوْبَاً كَبِيرَاً فَقَال: لَا تَقْطَعِيهِ، دَعِيه؛ فَكَانَ كَفَنَهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0
وَكَانَ صَالِحٌ أَكْبرَ وَلَدِ الإِمَامِ أَحْمَد؛ فَوَلِيَ قَضَاءَ أَصْبَهَان، وَمَاتَ بهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِاْئَتَين، عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّينَ سَنَة 0
قَالَ أَبُو وَلِيدٍ الطَّيَالِسِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ المحَدِّثِين:
وَأَمَّا الْوَلَدُ الثَّاني: فَالحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَد، رَاوِيَةُ أَبِيه، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّة، مَاتَ سَنَةَ تِسْعِينَ
وَمائَتَين، عَنْ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَة، وَلَهُ تَرْجَمَةٌ أَفْرَدْتُهَا 0
وَأَمَّا الْوَلَدُ الثَّالِث: فَهُوَ سَعِيدُ بْنُ أَحْمَد، وُلِدَ لأَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسِينَ يَوْمَاً، فَكَبِرَ وَتَفَقَّهَ وَمَاتَ قَبْلَ أَخِيهِ عَبْدِ الله، وَأَمَّا حَسَنٌ وَمحَمَّدٌ وَزَيْنَب؛ فَلَمْ يَبْلُغْنَا شَيْءٌ مِن أَحْوَالِهِمْ 0
قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه:
«مَكَثَ أَبي بِالعَسْكَرِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمَاً، وَرَأَيْتُ مَآقِيَهُ دَخَلَتَا في حَدَقَتَيْه» 0
ـ شَيْءٌ عَن أَحْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في بَيْتِهِ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ:
ـ قَالُواْ عَنْ صِفَاتِهِ الشَّكْلِيَّةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
قَالَ ابْنُ ذَرِيحٍ الْعُكْبَرِيّ:
قَال عَنهُ محَمَّدُ بْنُ عَبَّاسٍ النَّحْوِيّ: «رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ حَسَنَ الْوَجْه، رَبْعَةً [أَيْ وَسَطَاً]، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ خِضَابَاً لَيْسَ بِالقَاني [أَيْ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ الحُمْرَة]، في لِحْيَتِه شَعَرَاتٌ سُود، وَرَأَيْتُ ثِيَابَهُ غِلَاظَاً بِيضَاً، وَرَأَيْتُهُ مُعْتَمَّاً وَعَلَيْهِ إِزَار» 0
ـ شَيْءٌ عَنْ مَلْبَسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ:
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: «مَا رَأَيْتُ ثَوْبَاً أَنْقَى وَلَا أَشَدَّ بَيَاضَاً مِنْ ثَوْبِ أَحْمَد» 0
ـ بَعْضُ شَمَائِلِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
«كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رحمه الله شَدِيدَ الحَيَاء، كَرِيمَ الأَخْلَاق، يُعْجِبُهُ السَّخَاء» 0
وَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ:
حَدَّثَ ابْنُ المُنَادِي عَنْ جَدِّهِ أَبي جَعْفَرٍ قَال: «كَانَ أَحْمَدُ مِن أَحْيىَ النَّاسِ وَأَكْرَمِهِمْ وَأَحْسَنِهِمْ عِشْرَةً وَأَدَبَاً، كَثِيرَ الإِطْرَاق، لَا يُسْمَعُ مِنهُ إِلَاَّ المُذَاكَرَةُ لِلْحَدِيث، وَذِكْرُ الصَّالِحِينَ في وَقَارٍ وَسُكُون، وَلَفْظٍ حَسَن، وَإِذَا لَقِيَهُ إِنْسَانٌ بَشَّ بِهِ وَأَقْبَلَ عَلَيْه» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوذِيَّ قَال: «كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رحمه الله لَا يَجْهَل، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ حَلُمَ وَاحْتَمَلَ وَيَقُول: يَكْفِي الله، وَلَمْ يَكُنْ بِالحَقُودِ وَلَا الْعَجُول، كَثِيرَ التَّوَاضُع، حَسَنَ الخُلُق، دَائِمَ الْبِشْر، لَيِّنَ الجَانِب، لَيْسَ بِفَظّ، وَكَانَ يحِبُّ في اللهِ وَيُبْغِضُ في الله، وَإِذَا كَانَ أَمْرٌ مِنَ الدِّينِ اشْتَدَّ لَهُ غَضَبُه، وَكَانَ يَحْتَمِلُ الأَذَى مِنَ الجِيرَان» 0
حَدَّثَ حَنْبَلٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَن أَحَدِ أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ وَالمَذَاهِبِ الخَبِيثَة؟
فَأَخْبَرَ بِمَذْهَبِهِ وَحَذَّرَ مِنهُ؛ فَانْدَفَعَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ محَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الخُتَّلِيُّ عَلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ فَقَال:
وَاللهِ لأَرُدَّنَّكَ إِلىَ مَحْبِسِكَ وَلأَدُقَّنَّ أَضْلَاعَك 00000 في كَلَامٍ كَثِير؛ فَقَالَ لي أَبُو عَبْدِ اللهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: لَا تُكَلِّمْه وَلَا تُجِبْه، وَأَخَذَ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَعْلَيْهِ وَقَامَ فَدَخَلَ وَقَال: مُرِ السُّكَانَ أَنْ لَا يُكلِّمُوهُ وَلَا يَرُدُّواْ
عَلَيْه؛ فَمَا زَالَ يَصِيح، ثمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ هَذَا الخُتَّلِيُّ إِلىَ شُعَيْبٍ قَاضِي بَغْدَاد؛ فَقَالَ لَهُ: يَا عَدُوَّ الله؛ وَثبْتَ عَلَى أَحْمَدَ بِالأَمْس، فَنَهَرَهُ وَطَرَدَه»
أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
«لَمْ أَرَ الْفَقِيرَ في مَجْلِسٍ أَعَزَّ مِنهُ في مَجْلِسِ أَحْمَدَ، كَانَ مَائِلاً إِلَيْهِمْ، مُقَصِّرَاً عَن أَهْلِ الدُّنْيَا، وَكَانَ فِيهِ حِلْمٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْعَجُول، وَكَانَ كَثِيرَ التَّوَاضُع، تَعْلُوهُ السَّكِينَةُ وَالوَقَار، وَإِذَا جَلَسَ في
مَجْلِسِهِ بَعْدَ الْعصرِ لِلْفُتْيَا: لَا يَتَكَلَّمُ حَتىَّ يُسْأَل، وَإِذَا خَرَجَ إِلىَ مَسْجِدِهِ لَمْ يَتَصَدَّرْ» 0
قَالَ ابْنُ بَطَّة: سَمِعْتُ النَّجَّادَ يَقُول: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بْنَ المُطَّوِّعِيِّ يَقُول:
اخْتَلَفْتُ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ ثِنْتيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ يَقْرَأُ «المُسْنَدَ» عَلَى أَوْلَادِهِ، فَمَا كَتَبْتُ عَنهُ حَدِيثَاً وَاحِدَاً، إِنَّمَا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلىَ هَدْيِهِ وَأَخْلَاقِه» 0
عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ أَبِيهِ قَال: «كَانَ يَجْتَمِعُ في مجْلِسِ أَحْمَدَ زُهَاءُ خَمْسَةِ آلَافٍ أَوْ يَزِيدُون، نَحْوَ خَمْسِمِاْئَةٍ يَكْتُبُون، وَالبَاقُونَ يَتَعلَّمُونَ مِنهُ حُسْنَ الأَدَبِ وَالسَّمْت»
قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيّ: «يُقَال: لَمْ يَكُن أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَشْبَهَ هَدْيَاً وَسَمتَاً وَدَلاًَّ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ أَشبَهَ النَّاسِ بِهِ عَلْقَمَة، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِعَلْقَمَةَ إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيّ، وَكَانَ
أَشْبَهَهُمْ بَإِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِر، وَأَشْبَهَ النَّاسِ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ، وَأَشْبَهَ النَّاسِ بِهِ وَكِيع، وَأَشْبَهَ النَّاسِ بوَكِيعٍ فِيمَا قَالَهُ محَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الجَمَّالُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل» 0
ـ وَقَارُهُ وَرَزَانَتُه عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَكَيْفَ كَانَ رَجُلاً مَهِيبَاً:
قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كَانَ مَهِيبَاً في ذَاتِ الله، حَتىَّ لَقَالَ أَبُو عُبَيْد:
مَا هِبْتُ أَحَدَاً في مَسْأَلَةٍ؛ مَا هِبْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل» 0
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: قَالَ لي أَبُو عُبَيْد: «يَا أَبَا الحَسَن؛ قَدْ جَالَسْتُ أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِي وَمحَمَّدَ بْنَ الحَسَن، وَيحْيىَ بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّان، مَا هِبْتُ أَحَدَاً مَا هِبْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل»
حَدَّثَ الكُدَيْمِيُّ قَال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ قَال: قَالَ لي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
وَقَالَ عُلْوَانُ بْنُ الحُسَيْن: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ قَال:
«سُئِلَ أَبي: لِمَ لَا تَصْحَبُ النَّاس 00؟
قَال: لِوَحْشَةِ الْفِرَاق» 00 أَيْ آُوثِرُ الْبِعَاد؛ لِيَبْقَى الْوِدَاد 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْوَاسِطِيِّينَ يَقُول:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: أَخْبَرَني محَمَّدُ بْنُ الحُسَيْن قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال:
ـ رِحْلَتُهُ في طَلَبِ الْعِلْم رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
طَلَبَ الْعِلْمَ رحمه الله وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، في الْعَامِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَالِكٌ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْد 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رحمه الله: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «كُنْتُ أُبَكِّرُ في الحَدِيث»
وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رحمه الله: سَمِعْتُ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:
«رُبَّمَا أَرَدْتُ الْبُكُورَ في الحَدِيث؛ فَتَأْخُذُ أُمِّي بِثَوْبي وَتَقُول: حَتىَّ يُؤَذِّنَ المُؤَذِّن» 00 أَيْ لِلْفَجْر
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ لي أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول:
«مَاتَ هُشَيْمٌ وَلِي عِشْرُونَ سَنَةً، فَخَرَجْتُ وَكُنْت أُذَاكِرُ وَكِيعَاً بِحَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ رُبَّمَا ذَكَرَ عَشْرَةَ أَحَادِيثَ فَأَحْفَظُهَا؛ فَإِذَا قَامَ
قَالُواْ لي أَمْلِهَا عَلَيْنَا فَأُمْلِيهَا عَلَيْهِمْ» 0
حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاقُ عَن صَالحِ بْنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:
«قَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ في سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِين؛ وَفِيهَا أَوَّلُ سَمَاعِي مِن هُشَيْم، فَذَهَبْتُ إِلىَ مَجْلِسِ ابْنِ المُبَارَكِ فَقَالُواْ: قَدْ خَرَجَ إِلىَ طَرَسُوس، وَكَتَبْتُ عَن هُشَيْمٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَاف، ثُمَّ مَاتَ هُشَيْمٌ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، أَحْفَظُ مَا سَمِعْتُ مِنهُ، فَخَرَجْتُ إِلىَ الْكُوفَةِ
سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانين، وَأَوَّلُ رَحَلَاتي إِلىَ الْبَصْرَةِ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِين، وَخَرَجْتُ إِلىَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ سنَةَ سَبْع، فَقَدِمْنَا وَقَدْ مَاتَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَحَجَجْتُ خَمْسَ حِجَج، مِنهَا ثَلَاثٌ رَاجِلاً، أَنْفَقْتُ في إِحْدَاهَا ثَلَاثِينَ دِرْهَمَاً، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي خَمْسُونَ دِرْهَمَاً، لَخَرَجْتُ إِلىَ جَرِيرٍ بِالرَّيّ، وَكَتَبْتُ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ في أَلْوَاح، وَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَكَانَ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً» 0
قَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ رحمه الله: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول:
«أَوَّلُ مَا طَلبْتُ: اخْتَلَفْتُ إِلىَ أَبي يُوسُفَ الْقَاضِي» 00 صَاحِبِ أَبي حَنِيفَة 0
قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رحمه الله:
كَتَبَ أَبي عَن أَبي يُوسُفَ وَمحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الْكُتُب، وَكَانَ يحْفَظُهَا» 0
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَتَبْنَا عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نحْوَ عَشْرَةِ آلَاف، وَكَتَبْنَا حَدِيثَ غُنْدَرٍ عَلَى الْوَجْه؛ أَعْطَانَا الْكُتُبَ فَكُنَّا نَنْسَخُ
مِنهَا» 0
قَالَ أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيّ: لَمَّا قَدِمَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِن عِنْدِ عَبْدِ الرَّزَّاق؛ رَأَيْتُ بِهِ شُحُوبَاً بِمَكَّة، وَقَدْ تَبَيَّنَ عَلَيْهِ النَّصَبُ وَالتَّعَب، فَكَلَّمْتُهُ فَقَال: هَيِّنٌ فِيمَا اسْتَفَدْنَا مِن عَبْدِ الرَّزَّاق» 0
ـ قَالُواْ عَنْ تَدْوِينِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيّ:
حَدَّثَ أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال:
«نَحْنُ كَتَبْنَا الحَدِيثَ مِنْ سِتَّةِ وُجُوهٍ وَسَبْعَةٍ لَمْ نَضْبِطْهُ، فَكَيْفَ يَضْبِطُهُ مَنْ كَتَبَهُ مِن وَجْهٍ وَاحِد؟
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ:
سَمِعَ مِن إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَلِيلاً، وَمِن هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَكْثَرَ وَجَوَّد، وَوَكِيعٍ فَأَكْثَرَ عَنهُ، وَغُنْدَر، وَيحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ فَبَالَغَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مَهْدِيّ، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيد، وَعَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ، وَأَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة، وَجَمَاعَةٍ أَقْرَانِه، وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ الهِلَالِيّ، وَالقَاضِي أَبي يُوسُف، وَيُوسُفَ بْنِ المَاجَشُون، وَخَالِدِ بْنِ الحَارِث، وَحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الجُعْفِيّ، وَأَبي بَكْرٍ بْنِ عَيَّاش، وَأَبي خَالِدٍ الأَحْمَر، وَعَبِيدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ الحَذَّاء، وَابْنِ عُلَيَّة، وَعَبْدِ الرَّزَّاق، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُون، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، وَمحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ
الشَّافِعِيّ، وَأَبي نُعَيْم، وَيحْيىَ بْنِ آدَم، وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِم، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاث، وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَأَبي النَّضْر، وَمحَمَّدِ بْنِ فُضَيْل، وَالوَلِيدِ بْنِ مُسْلِم، وَمَخْلَدِ بْنِ يَزِيدَ الحَرَّانيِّ، وَمِن عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ، وَأَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئ، وَمحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الحَرَّانيّ، وَبِشْرِ بْنِ المُفَضَّل، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِث، وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْب، وَعَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَان، وَخَلَائِق 0
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في «مُسْنِدِهِ» عَنْ قُتَيْبَةَ كَثِيرَاً»
ـ أَشْهَرُ تَلَامِذَتِه:
حَدَّثَ عَنهُ مِنْ شُيُوخِهِ: عَبْدُ الرَّزَّاق، وَعَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ، وَوَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح، وَيحْيىَ بْنُ آدَم، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، وَالإِمَامُ الشَّافِعِيّ، لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ، بَلْ كَانَ يَقُولُ حَدَّثَني الثِّقَة 0
وَحَدَّثَ عَنهُ مِنَ الأَئِمَّةِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ بِجُملَةٍ وَافِرَة، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَة، وَحَدَّثَ عَنهُ وَلَدَاهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ الله، وَابْنُ عَمِّهِ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاق، وَيحْيىَ بْنُ مَعِين، وَعَبَّاسٌ الدُّورِيّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي، وَأَبُو حَاتمٍ الرَّازِي، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَإِسْحَاقُ الْكَوْسَج، وَأَحْمَدُ بْنُ الْفُرَات، وَمحَمَّدُ بْنُ يحْيىَ الذُّهْلِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، وَأَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ الأَبَّار، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيّ، وَمُوسَى بْنُ هَارُون، وَالحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ 0
ـ قَالُواْ عَن حِفْظِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
قَالَ الإِمَامُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: «كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيث» 0
[مِنْ كِتَابِ تَهْذِيبِ الْكَمَال]
قَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ قَال:
«قَالَ لي أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: أَبُوكَ يَحْفَظُ أَلفَ أَلفِ حَدِيث؛ فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يُدْرِيك 00؟
قَال: ذَاكَرْتُهُ» 0
قَالَ الحُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ أَبُو مَعِينٍ الرَّازِي: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول:
قَالَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاق: سَأَلْتُ أَبي عَن عَلِيِّ بْنِ المَدِينيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيُّهُمَا أَحْفَظ؟
فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
كَانَا في الحِفْظِ مُتَقَارِبَين، وَكَانَ أَحْمَدُ أَفْقَه، إِذَا رَأَيْتَ مَنْ يُحِبُّ أَحْمَد؛ فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّة»
قَالَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاق: قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَا زُرْعَةَ، أَأَنْتَ أَحْفَظُ أَمْ أَحْمَد؟
قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: بَلْ أَحْمَد؛ قُلْتُ: كَيْفَ عَلِمْت 00؟
قَال: وَجَدْتُ كُتُبَه، لَيْسَ في أَوَائِلِ الأَجْزَاءِ أَسْمَاءُ الَّذِينَ حَدَّثُوه، فَكَانَ يحْفَظُ كُلَّ جُزءٍ مِمَّنْ سَمِعَهُ، وَأَنَا لَا أَقْدِرُ عَلَى هَذَا» 0
قَالَ حَسَنُ بْنُ مُنَبِّه: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل: سَمِعْتُ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:
«خَالَفَ وَكِيعٌ ابْنَ مَهْدِيٍّ في نَحْوٍ مِنْ سِتِّينَ حَدِيثَاً مِن حَدِيثِ سُفْيَان» 00 أَيِ الثَّوْرِيّ 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَال: قَالَ لي أَبي:
قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَبَّاس: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ رحمه الله ذَكَرَ أَصْحَابَ الحَدِيثِ فَقَال: «أَعْلَمُهُمْ بِحَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: قَالَ لي أَبُو عَبْدِ اللهِ رحمه الله: كُنَّا عِنْد يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، فَوَهِمَ في شَيْء؛ فَكَلَّمتُه؛ فَأَخْرَجَ كِتَابَهُ فَوَجَدَهُ كَمَا قُلْتُ؛ فَغَيَّرَهُ؛ فَكَانَ إِذَا جَلَسَ يَقُول: يَا ابْنَ حَنْبَل؛ ادْنُ، يَا ابْنَ حَنْبَل؛ ادْنُ هَا هُنَا، وَمَرِضْتُ فَعَادَني»
0
ـ قَالُواْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِعِلَلِ الحَدِيثِ وَبَصَرِهِ بِالرِّجَالِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ يَاسِينَ الْبَلَدِيُّ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ أَبي أُوَيْسٍ وَقِيلَ لَهُ:
وَقَالَ عَمْرٌو النَّاقِد: «إِذَا وَافَقَني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى حَدِيثٍ؛ لَا أُبَالِي مَن خَالَفَني»
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَمَّاسٍ: سَأَْلنَا وَكِيعَاً عَن خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ فَقَال:
«نَهَاني أَحْمَدُ أَن أُحَدِّثَ عَنهُ» 00 قَالَ هَذَا وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ أَحْمَد 0
قَالَ أَبُو يحْيىَ النَّاقِد: كُنَّا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَرْعَرَةَ؛ فَذَكَرُواْ يَعْلَى بْنَ عَاصِم؛ فَقَالَ رَجُل:
«أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُه؛ فَقَالَ رَجُل: وَمَا يَضُرُّهُ إِذَا كَانَ ثِقَةً 00؟
فَقَالَ ابْنُ عَرْعَرَة: وَاللهِ لَوْ تَكَلَّمَ أَحْمَدُ في عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ لَضَرَّهُمَا» 0
حَدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه قَال: «قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ إِذَا صَحَّ عِنْدَكُمُ الحَدِيثُ فَأَخْبِرُونَا حَتىَّ نَرْجِعَ إِلَيْه، أَنْتُم أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيحٌ، فَأَعْلِمْني حَتىَّ أَذهبَ إِلَيْهِ كُوفِيَّاً كَانَ أَوْ بَصْرِيَّاً أَوْ شَامِيَّاً»
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مُعَلِّقَاً:
«لَمْ يَحْتَجْ إِلىَ أَنْ يَقُولَ أَوْ مِصْرِيَّاً؛ لأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ بحَدِيثِ مِصْرَ مِنهُ» 0
ـ قَالُواْ عَنْ سَعَةِ عِلْمِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
قَالَ عَنهُ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ: «رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَأَنَّ اللهَ جَمَعَ لَهُ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِين»
وَقَالَ آخَر: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَعْلَمَ بِفِقْهِ الحَدِيثِ وَمَعَانيهِ مِن أَحْمَد» 0
وَعَن عَبْدِ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقِ أَنَّهُ قَال: «لَمَّا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6702، وَالأَلْبَانيُّ في شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ بِرَقْم: 218، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَد]
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاق: رَدَدْنَاهُ إِلىَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِه» 0
ـ قَالُواْ عَنْ بَصَرِهِ بِالتَّفْسِير رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَة: «سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:
«كُنْتُ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَيحْيىَ بْنَ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَنَتَذَاكَر؛ فَأَقُول: مَا فِقْهُهُ 00؟
مَا تَفْسِيرُهُ 00؟
فَيَسْكُتُونَ إِلَاَّ أَحْمَد» 0
ـ قَالُواْ عَنْ فِقْهِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
قَالَ صَالِحُ بْنُ محَمَّدٍ [جَزَرَة]: «أَفْقَهُ مَن أَدْرَكْتُ في الحَدِيث: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: «كَانَ أَحْمَدُ قَدْ كَتَبَ كُتُبَ الرَّأْيِ وَحَفِظَهَا، ثمَّ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا»
حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيَّ وَذكرَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: «هُوَ عِنْدِي أَفْضَلُ وَأَفْقَهُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0
قَالَ محَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانيّ: سَمِعْتُ أَبَا ثَوْرٍ الْفَقِيهَ يَقُول:
«أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَفْقَهُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ» 0
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي حَاتِم: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي أَنَّهُ سُئِلَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
«اخْتِيَارُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ قَوْلُ الشَّافِعِيّ 00؟
قَال: بَلِ اخْتِيَارُ أَحْمَدَ فَإِسْحَاق» 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَال: حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ قَال: حَدَّثَني بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ أَبي عَبْدِ اللهِ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ يحْيىَ بْنِ آدَم، فَيَتَشَاغَلُونَ عَنِ الحَدِيثِ بِمُنَاظَرَةِ أَحْمَدَ يحْيىَ بْنَ آدَمَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمَا، وَيَرْتَفِعُ الصَّوْتُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ يحْيىَ بْنُ آدَمَ وَاحِدَ أَهْلِ زَمَانِهِ في الْفِقْه»
ـ إِحْيَاؤُهُ لِلسُّنَّةِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَيْضَاً:
«لَوْلَا أَحْمَد؛ لأَحْدَثُواْ في الدِّين» 0
قِيلَ لأَبي مُسْهِرٍ الْغَسَّانيّ: «تَعْرِفُ مَنْ يحْفَظُ عَلَى الأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا 00؟
قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
شَابٌّ في نَاحِيَةِ المَشْرِق» 0 [يَعْني أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه]
قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَلَف:
أَيْ مِن أَصْحَابِ الأَهْوَاء: كَالْقَدَرِيَّةِ وَالجَهْمِيَّةِ وَالخَوَارِج 0
ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَيْضَاً: «أَحْمَدُ إِمَامُ الدُّنْيَا» 0
وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَيْضَاً: «لَوْلَا الثَّوْرِيُّ لَمَاتَ الْوَرَع، وَلَوْلَا أَحْمَد؛ لأَحْدَثُواْ في الدِّين، أَحْمَدُ إِمَامُ الدُّنْيَا» 0
قَالَ عَنهُ الإِمَامُ عَبْدُ الرَّزَّاق:
«مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَفقَهَ وَلَا أَوْرَعَ مِن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل» 0
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً:
«قَالَ هَذَا؛ وَقَدْ رَأَى مِثْلَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ جُرَيْج» 0
وَقَالَ عَنهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
«مَا قَدِمَ الْكُوفَةَ مِثْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل» 0
وَقَالَ عَنهُ الحَافِظُ الهَيْثَمُ بْنُ جَمِيل:
«إِن عَاشَ أَحْمَد؛ سَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ زَمَانِه»
وَقَالَ عَنهُ أَبُو خَيْثَمَة: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَد، وَلَا أَشَدَّ مِنهُ قَلْبَاً» 0
قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ محَمَّدٍ الخَلَاَّل: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ عَن خُضْرٍ المَرُّوذِيِّ بِطَرَسُوسَ قَال: «سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال: سَمِعْتُ يحْيىَ بْنَ آدَمَ يَقُول: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِمَامُنَا» 0
وَقَالَ عَنهُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيّ: «أَحْمَدُ: أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ» 0
قَالَ عَنهُ الأَثْرَم: «لَيْسَ في شَرْقٍ وَلَا غَرْبٍ مِثْلُه» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْوَارَّقَ يَقُول:
«أَبُو عَبْدِ اللهِ إِمَامُنَا، وَهُوَ مِنَ الرَّاسِخِينَ في الْعِلْم» 0
قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ محَمَّدٍ الخَلَاَّل: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَمَّاسٍ قَال: سَمِعْتُ وَكِيعَاً وَحَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ يَقُولَان: مَا قَدِمَ الْكُوفَةَ مِثْلُ ذَاكَ الْفَتىَ» 00 يَعْنِيَانِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه 0
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَم: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الحَارِثِ يَقُول:
وَرُوِيَ عَن أَبي عَبْدِ اللهِ الْبُوشَنْجِيِّ أَنَّهُ قَال:
قَالَ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ الحَلَبيّ: سَمِعْتُ أَبَا هَمَّامٍ السَّكُونيَّ يَقُول:
«مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0
قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ: «عَالِمُ وَقْتِهِ: سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ في زَمَانِهِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ في زَمَانِهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ في زَمَانِهِ» 0
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: «إِنيِّ لأَتَدَيَّنُ بِذِكْرِ أَحْمَد؛ مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنهُ» 0
أَيْ لأَتَعَبَّدُ بِذِكْرِهِ؛ لأَنَّهُ لَا يُذْكَرُ اسْمُهُ إِلَاّ ذُكِرَتِ السُّنَّةُ وَذُكِرَ الزُّهْدُ وَالْوَرَع 0
وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد [أَحَدُ شُيُوخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه]:
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ شَاذَان: قَالَ لي محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيّ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيُّ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: وَاللهِ لَوْ رَأَى ابْنُ عُيَيْنَةَ أَبَاكَ لَقَامَ إِلَيْه» 0
حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيِّ عَنِ الهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ شَرِيكٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:
قَالَ شُجَاعُ بْنُ مَخْلَد: سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:
ـ دِفَاعُهُمْ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: «بُلِينَا بِقَوْمٍ جُهَّال، يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عُلَمَاء، فَإذَا ذَكَرْنَا فَضَائِلَ أَبي عَبْدِ الله: يُخْرِجُهُمُ الحَسَدُ إِلىَ أَنْ يَقُولَ بَعْضُهُمْ فِيمَا أَخْبَرَني ثِقَةٌ عَنهُ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَبِيُّهُمْ» 0
قَالَ ابْنُ عَقِيل: «مِن عَجِيبِ مَا سَمِعْتُهُ عَن هَؤُلَاءِ الأَحدَاثِ الجُهَّالِ أَنَّهُمْ يَقُولُون:
«أَحْمَدُ لَيْسَ بِفَقِيه، لَكِنَّهُ مُحَدِّث» 0
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ المُقْرِئ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ الْكَرَابيْسِيَّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «مَثَلُ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه [أَيْ يَذْكُرُونَهُ بِسُوء]: مَثَلُ قَوْمٍ يَجِيئُونَ إِلىَ أَبي قُبَيْسٍ [جَبَلٌ بمَكَّة] يُرِيدُونَ أَنْ يَهْدِمُوهُ بِالمَعَاوِل» 0
ـ ثَنَاءُ عَلِيِّ بْنَ المَدِينيِّ [شَيْخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ]:
قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:
«أَعَزَّ اللهُ الدِّينَ بِالصِّدِّيقِ يَوْمَ الرِّدَّة، وَبِأَحْمَدَ يَوْمِ المحْنَة»
قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ [شَيْخُ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ] عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال: «أَمَرَني سَيِّدِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَاَّ مِنْ كِتَاب» 0
قَالَ محَمَّدُ بْنُ عَبْدُوَيْه: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ المَدِينيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:
«أَحْمَدُ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في زَمَانِه» 00 هَذَا؛ رَغْمَ أَنَّ سَعِيدَاً مَاتَ شَهِيدَاً 0
ـ ثَنَاءُ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَلَيْه:
وَرَوَى عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَنَّهُ قَال:
«مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَد» 0
وَقَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ رحمه الله:
«أَرَادُواْ أَن أَكُونَ مِثْلَ أَحْمَدَ، وَاللهِ لَا أَكُونُ مِثْلَهُ أَبَدَا» 0
ـ ثَنَاءُ الإِمَامَ النَّسَائِيِّ عَلَيْه:
وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ النَّسَائِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
«جَمَعَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ المَعْرِفَةَ بِالحَدِيثِ وَالفِقْهِ وَالوَرَعَ وَالزُّهْدَ وَالصَّبر»
ـ ثَنَاءُ الإِمَامَ الذَّهَبيِّ عَلَيْه:
قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رحمه الله: «وَاللهِ لَقَدْ بَلَغَ في الْفِقْهِ خَاصَّةً رُتْبَةَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْد، وَمَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَبي يُوسُفَ الْقَاضِي، وَفي الزُّهْدِ وَالوَرَع: رُتْبَةَ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاض، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَم، وَفي الحِفْظ: رُتْبَةَ شُعْبَة، وَيَحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّان، وَعَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ، وَلَكِنَّ الجَاهِلَ لَا يَعْلَمُ رُتْبَةَ نَفْسِه؛ فَكَيْفَ يَعْرِفُ رُتْبَةَ غَيْرِه» 0
ـ ثَنَاءُ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ عَلَيْه:
قَالَ حَرْمَلَة: سَمِعْتُ الإِمَامَ الشَّافِعِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:
حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ عَن أَبِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال:
«مَا رَأَى الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0
ـ ثَنَاءُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَلَيْه:
قَالَ مُهَنىَّ بْنُ يحْيىَ: قَدْ رَأَيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيعَاً، وَبَقِيَّةَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاق، وَضَمْرَة، وَالنَّاس؛ مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَجْمَعَ مِن أَحْمَدَ في عِلْمِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِه 000، وَذَكَرَ أَشْيَاء» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
«قُلْتُ لأَحْمَد: أَكَانَ أُغْمِيَ عَلَيْكَ أَوْ غُشِي عَلَيْكَ عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة؟
قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ نَعَمْ، في دِهْلِيزِهِ، زَحَمَني النَّاسُ، فَأُغْمِيَ عَلَيّ؛ فَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَوْمَئِذٍ: كَيْفَ أُحَدِّثُ وَقَدْ مَاتَ خَيْرُ النَّاس» 00؟
ـ ثَنَاءُ يحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَلَيْه:
قَالَ الْقَوَارِيرِيّ: قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان: «مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ هَذَيْن: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَيحْيىَ بْنِ مَعِينٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0
قَالَ الْقَوَارِيرِيّ: قَالَ يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان:
ـ قَالُواْ في المُفَاضَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
وَقَالَ عَنهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي:
حَدَّثَ ابْنُ سَلْمٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ: أَكَانَ أَحْمَدُ أَكْثرَ حَدِيثَاً أَمْ إِسْحَاق؟
قَال: بَلْ أَحْمَدُ أَكْثَرُ حَدِيثَاً وَأَوْرَع، أَحْمَدُ فَاقَ أَهْلَ زَمَانِِهِ» 0
ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه:
قَالَ يحْيىَ بْنُ مَعِينٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ رحمه الله؛ صَحِبْنَاهُ خَمْسِينَ سَنَة؛ فَمَا افْتَخَرَ عَلَيْنَا بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الخَيْر» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكرَ أَخْلَاقَ الْوَرِعينَ ثُمَّ قَال:
«أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لَا يَمْقُتَنَا؛ أَيْنَ نَحْنُ مِن هَؤُلَاء» 00؟
قَالَ محَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ هَارُون:
«رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رحمه الله إِذَا مَشَى في الطَّرِيق: يَكْرَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ أَحَد» 0
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاج: سَمِعْتُ فَتْحَ بْنَ نُوحٍ قَال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُول:
«أَشْتَهِي مَا لَا يَكُون: أَشْتَهِي مَكَانَاً لَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاس» 0
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: «قَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: رَأَيْتُ الخَلوَةَ أَرْوَحَ لِقَلْبي» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: أَدْخلْتُ إِبْرَاهِيمَ الحُصْرِيَّ عَلَى أَبي عَبْدِ اللهِ وَكَانَ رَجُلاً صَالحَاً فَقَال:
إِنَّ أُمِّي رَأَتْ لَكَ مَنَامَاً، هُوَ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَتِ الجَنَّة؛ فَقَال: يَا أَخِي، إِنَّ سَهْلَ بْنَ سَلَامَةَ كَانَ النَّاسُ يُخْبرُونَهُ بمِثْلِ هَذَا وَخَرَجَ إِلىَ سَفْكِ الدِّمَاء، ثمَّ قَالَ رحمه الله: الرُّؤْيَا تَسُرُّ المُؤْمِنَ وَلَا تَغُرُّه»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ المُنْذِرِ قَال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ قَال:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال:
حَدَّثَنَا أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَذُكِرَ عِنْدَهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَالَ [أَيِ الإِمَامُ أَحْمَد]:
«مَا اسْتفَادَ مِنَّا أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَفَدْنَا مِنهُ» 0
حَدَّثَ ابْنُ المُنَادِي عَنْ جَدِّهِ أَبي جَعْفَرٍ قَال:
ـ قَالُواْ عَنْ نُبْلِ أَخْلَاقِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَه:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ الْوَرَّاق:
«كُنْتُ في مَجْلِسِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: مِن أَيْنَ أَقْبَلْتُمْ 00؟
قُلْنَا: مِنْ مَجْلِسِ أَبي كُرَيْب؛ فَقَال: اكْتُبُواْ عَنهُ؛ فَإِنَّه شَيْخٌ صَالِح؛ فَقُلْنَا: إِنَّه يَطْعُنُ عَلَيْك؟!
فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَه: فَأَيُّ شَيْءٍ حِيلَتي؛ شَيْخٌ صَالِحٌ قَدْ بُلِيَ بي» 0
ـ قَالُواْ عَنْ تَقْدِيرِ الأَئِمَّةِ لَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّان: مَا رَأَيْتُ يَزِيدَ لأَحَدٍ أَشَدَّ تَعْظِيمَاً مِنهُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، وَلَا أَكْرَمَ أَحَدَاً مِثْلَه؛ كَانَ يُقْعِدُهُ إِلىَ جَنْبِهِ، وَيُوَقِّرُهُ وَلَا يُمَازِحُه» 0
حَدَّثَ الْعَبَّاسُ بْنُ محَمَّدٍ الخَلَاَّلُ عَن أَبي بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ الْقَطَّانِ قَال:
«رَأَيْتُ أَبي مُكْرِمَاً لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل؛ لَقَدْ بَذَلَ لَهُ كُتُبَهُ أَوْ حَدِيثَه» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ قَال: رَأَيْتُ كَثِيرَاً مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ وَبَني هَاشِمٍ وَقُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ يُقَبِّلُونَ أَبي؛ بَعْضُهُمْ يدَهُ، وَبَعْضُهُمْ رَأْسَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ تَعْظِيمَاً: لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُونَهُ بِأَحَدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ غَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَهُ يَشْتَهِي ذَلِك» 0
ـ حُبُّ النَّاسِ لَهُ، وَتَقْدِيرُهُمْ لَهُ:
وَأَحَبَِّهُ النَّاسُ حُبَّاً جَمَّاً وَتَعَصَّبُواْ لَهُ؛ حَتىَّ أَنَّ شَيْخَ الإِسْلَامِ الإِمَامَ الحَافِظَ أَبَا إِسْمَاعِيلَ الهَرَوِيَّ كَانَ يُنْشِدُ عَلَى مِنْبَرِهِ:
أَنَا حَنْبَلِيٌّ مَا حَييْتُ وَإِن أَمُتْ
…
فَوَصِيَّتي لِلنَّاسِ أَنْ يَتَحَنْبَلُواْ
قَالَ المُزَنيُّ: قَالَ لي الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
«رَأَيْتَ بِبَغْدَادَ شَابَّاً؛ إِذَا قَالَ «حَدَّثَنَا» ؛ قَالَ النَّاسُ كُلُّهُمْ: صَدَقَ؛ قُلْتُ: وَمَن هُوَ 00؟!
قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0
عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ أَبِيهِ قَال: «كَانَ يَجْتَمِعُ في مجْلِسِ أَحْمَدَ زُهَاءُ خَمْسَةِ آلَافٍ أَوْ يَزِيدُون، نَحْوَ خَمْسِمِاْئَةٍ يَكْتُبُون، وَالبَاقُونَ يَتَعلَّمُونَ مِنهُ حُسْنَ الأَدَبِ وَالسَّمْت»
ـ قَالُواْ عَن حُسْنِ عِبَادَتِهِ لله، رحمه الله:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: «كَانَ أَبي رحمه الله يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ سُبْعَاً، وَكَانَ يَنَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً بَعْدَ الْعِشَاء، ثُمَّ يَقُومُ إِلىَ الصَّبَاحِ يُصَلِّي وَيَدْعُو» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُومُ لوِرْدِهِ قَرِيبَاً مِنْ نِصْفِ اللَّيْل، حَتىَّ يُقَارِبَ السَّحَر، وَرَأَيْتُه يَرْكَعُ فِيمَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالْعِشَاء» 0
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه:
قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رُبَّمَا سَمِعْتُ أَبي في السَّحَرِ يَدْعُو لأَقْوامٍ بِأَسْمَائِهِمْ، وَكَانَ يُكْثِرُ الدُّعَاءَ وَيُخْفِيه، وَيُصَلِّي بَينَ الْعِشَاءَيْن؛ فَإِذَا صَلَّى عِشَاءَ الآخِرَةِ رَكعَ رَكَعَاتٍ صَالِحَةً، ثمَّ يُوترُ، وَينَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً، ثمَّ يَقُومُ فيُصَلِّي، وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ ليِّنَةً، حَتىَّ رُبَّمَا لَمْ أَفْهَمْ بَعْضَهَا، وَكَانَ يَصُومُ وَيُدْمِنُ، ثُمَّ يُفْطرُ مَا شَاءَ الله، وَلَا يَتْرُكُ صَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ وَالأَيَّامِ الْبِيض، فَلَمَّا رَجَعَ
مِنَ الْعَسْكَرِ أَدْمَنَ الصَّوْمَ إِلىَ أَنْ مَات» 00 الْعَسْكَر: مَدِينَةٌ بِالأَهْوَازِ جَنُوبَ الْعِرَاق
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: «قَالَ ليَ الْقَاضِي محَمَّدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيّ:
قَالَ لي أَحْمَد: أَبُوكَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِينَ أَدْعُو لَهُمْ سَحَرَاً» 0
قَالَ عَبْدُ اللهِ رحمه الله: خَرَجَ أَبي إِلىَ طَرَسُوسَ مَاشِيَاً [أَيْ مِنْ بَغْدَادَ إِلىَ جَنُوبِ تُرْكِيَا مَاشِيَاً]
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رحمه الله يَقُول:
«حَجَجْتُ عَلَى قَدَمَيَّ حَجَّتَين، وَكَفَاني إِلىَ مَكَّةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمَاً» 0
ـ قَالُواْ عَنْ صَلَاحِهِ وَتَقْوَاه، رحمه الله:
قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَأَيْتُ أَبي حَرَّجَ عَلَى النَّملِ أَنْ يُخْرَجُواْ مِنْ دَارِهِ» 0
قَالَ رَجُلٌ خُرَسَانيّ:
وَقَالَ عَنهُ محَمَّدُ بْنُ يحْيىَ الذُّهْلِيّ: «جَعَلْتُ أَحْمَدَ إِمَامَاً فِيمَا بَيْني وَبَيْنَ الله» 0
أَيْ كُلُّ مَا عَجَزْتُ عَنْ الاِجْتِهَادِ فِيه: قَلَّدْتُ فِيه: هَذَا الْفَقِيه 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: قَالَ لي أَبُو عَبْدِ اللهِ رحمه الله:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ سُفْيَان: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عِصَامٍ الْبَيْهَقِيَّ يَقُول:
ـ قَالُواْ عَن خَوْفِهِ مِنَ الله، رحمه الله:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: بَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ في مَرَضِ المَوْتِ دَمَاً عَبِيطَاً [أَيْ غَلِيظَاً كَأَنَِّهُ مُوشِكٌ عَلَى التَّجَلُّط]؛ فَأَرَيْتُهُ الطَّبِيب؛ فَقَال: هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الْغَمُّ أَوِ الخَوْفُ جَوْفَه» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رحمه الله يَقُول:
«الخَوْفُ مَنَعَني أَكْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَمَا اشْتَهَيْتُه» 0
ـ زُهْدُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مَعَ الْفَقْرِ وَرِقَّةِ الحَال:
وَقَالَ عَنهُ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَتْ مجَالِسُ أَحْمَدَ رحمه الله مَجَالِسَ الآخِرَة: لَا يُذْكَرُ فِيهَا شَيْءٌ مِن أَمْرِ الدُّنْيَا، مَا رَأَيْتُهُ ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطّ» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: «كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ خَنَقَتْهُ الْعَبرَة، وَكَانَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول: الخَوْفُ يَمْنَعُني أَكْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَاب، وَإِذَا ذَكَرْتُ المَوْتَ هَانَ عَلَيَّ كُلُّ أَمْرِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ دُونَ طَعَام [أَيْ طَعَامُ الأَغْنِيَاءِ يُشْبِعُ وَطَعَامُنَا يُشْبِع، كِلَاهُمَا طَعَام] وَلِباسٌ دُونَ لِباس [أَيْ وَهَذَا لِبَاسٌ وَهَذَا لِبَاس]، وَإِنَّهَا أَيَّامٌ قَلَائِل» 0
وَقَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ أَيْضاً رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه:
«كُنَّا رُبَّمَا اشْتَرَيْنَا الشَّيْءَ فَنَسْتُرُهُ مِنهُ لِئَلَاَّ يُوَبِّخَنَا عَلَيْه» 0
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئ: أَخْبَرَني يُوسُفُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَال: حَدَّثَني ابْنُ جَبَلَةَ قَال: «كُنْتُ عَلَى بَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله وَالبَابُ مُجَاف [أَيْ مَرْدُود]، وَأُمُّ وَلَدِهِ تُكَلِّمُهُ وَتَقُول: أَنَا مَعَكَ في ضِيق، وَأَهْلُ صَالِحٍ يَأْكُلُونَ وَيَفْعَلُون؛ وَهُوَ يَقُول: قُولِي خَيرَاً؛ وَخَرَجَ الصَّبيُّ مَعَهُ؛ فَبَكَى؛ فَقَالَ لَهُ:
مَا تُرِيد 00؟
قَالَ زَبِيب؛ قَال: اذْهَبْ، خُذْ مِنَ الْبَقَّال» 0
قَالَ أَبُو نُعَيْم: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ محَمَّدٍ قَال: حَدَّثَنَا شَاكِرُ بْنُ جَعْفَرٍ قَال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ محَمَّدٍ التُّسْتَرِيَّ يَقُول: ذَكَرُواْ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مَا طَعِمَ فِيهَا؛ فَبَعَثَ إِلىَ صَدِيقٍ لَهُ فَاقْتَرَضَ مِنهُ دَقِيقَاً، فَجَهَّزُوهُ بِسُرْعَةٍ؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: كَيْفَ ذَا 00؟
قَالُواْ: تَنُّورُ صَالِحٍ مُسْجَر؛ فَخَبَزْنَا فِيه؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: ارْفَعُواْ؛ وَأَمَرَ بِسَدِّ بَابٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَالِح؛ قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ شَارِحَاً السَّبَبَ في ذَلِك: لِكَوْنِهِ أَخَذَ جَائِزَةَ المُتَوَكِّل» 0
رَوَى الخُلْدِيُّ عَن أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ قَال: قَالَ ليَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رحمه الله:
«دَخَلَ عَلَيَّ أَبي يَعُودُني في مَرَضِي؛ فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ؛ عِنْدَنَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَبَرُّنَا بِهِ المُتَوَكِّل؛ أَفَأَحُجُّ مِنهُ 00؟
قَالَ نَعَمْ؛ قُلْتُ: فَإذَا كَانَ هَذَا عِنْدَكَ هَكَذَا، فَلِمَ لَا تَأْخُذُ مِنهُ 00؟
قَال: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي حَرَام، وَلَكِنْ تَنَزَّهْتُ عَنهُ» 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال: أَخْبَرَنَا محَمَّدُ بْنُ أَبي هَارُونَ قَال: حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ قَال:
«أُخْبِرْتُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لأَبي عَبْدِ اللهِ رحمه الله: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ الأَمِينَ سَأَلَني أَنَّ أَلْتَمِسَ لَهُ قَاضِيَاً لِلْيَمَن، وَأَنْت تُحِبُّ الخُرُوجَ إِلىَ عَبْدِ الرَّزَّاق [وَكَانَ بِالْيَمَن]؛ فَقَدْ نِلْتَ حَاجَتَك، وَتَقْضِي
بِالحَقّ؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لِلإِمَامِ الشَّافِعِيّ: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ إِنْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْكَ ثَانيَةً، لَمْ تَرَني عِنْدَك»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «رَأَيْتُ طَبِيبَاً نَصْرَانيَّاً خَرَجَ مِن عِنْدِ أَحْمَدَ وَمَعَهُ رَاهِبٌ؛ فَسَأَلْتُهُ [أَيْ سَأَلَ الطَّبِيبَ] فَقَال: إِنَّهُ سَأَلَني أَنْ يَجِيءَ مَعِي لِيَرَى أَبَا عَبْدِ الله، وَأَدْخَلْتُ نَصْرَانيَّاً عَلَى أَبي عَبْدِ اللهِ فَقَالَ لَهُ: إِنيِّ لأَشْتَهِي أَن أَرَاك مُنْذُ سِنِين، مَا بَقَاؤُكَ صلَاحٌ لِلإِسْلَامِ
وَحْدَهُمْ، بَلْ لِلْخَلقِ جَمِيعَاً، وَلَيْسَ مِن أَصْحَابنَا أَحَدٌ إِلَاَّ وَقَدْ رَضِيَ بِك؛ فَقَال: يَا أَبَا بَكْر، إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ؛ فَمَا يَنْفَعُهُ كَلَامُ النَّاس» 0
ـ عِفَّتُهُ وَعِزَّةُ نَفْسِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيّ:
حَدَّثَ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ قَال: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَرْبرِيُّ قَال: «حُمِلَ إِلىَ الحَسَنِ الجَرَوِيِّ مِيرَاثُهُ مِنْ مِصْرَ مِاْئَةَ أَلْفِ دِينَار؛ فَأَتَى أَحْمَدَ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِينَار؛ فَمَا قَبِلَهَا» 0
قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ الله رحمه الله: سَمِعْتُ فُورَانَ [أَحَدَ تَلَامِذَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ] يَقُول:
«مَرضَ أَبُو عَبْدِ الله؛ فَعَادَهُ النَّاس، وَعَادَهُ عَلِيُّ بْنُ الجَعْد؛ فَتَرَكَ عِنْدَ رَأْسِهِ صُرَّةً؛ فَقُلْتُ لَهُ عَنهَا فَقَال: مَا رَأَيْتُ، اذْهَبْ
فَرُدَّهَا إِلَيْه» 0
قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رحمه الله: قُلْتُ لأَبي: بَلَغَني أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ عَرَضَ عَلَيْكَ دَنَانِير 00؟
قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: نَعَمْ، وَأَعْطَاني يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ خَمْسَمِاْئَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ أَقبَلْ» 0
قَالَ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَال: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ يَقُول:
«لَمَّا خَرَجَ أَحْمَدُ إِلىَ عَبْدِ الرَّزَّاق: انْقَطَعَتْ بِهِ النَّفقَة؛ فَأَكْرَى نَفْسَهُ لَدَى بَعْضِ الجَمَّالِينَ إِلىَ أَنْ وَافَى صَنْعَاء، وَعَرَضَ عَلَيْهِ
أَصْحَابُه المُوَاسَاةَ فَلَمْ يَأْخُذْ» 0
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ بَكْرَانَ بْنَ أَحْمَدَ الحَنْظَلِيَّ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ عَن أَبِيهِ قَال:
قَدِمْتُ صَنْعَاء، أَنَا وَيحْيىَ بْنُ مَعِينٍ، فَمَضَيْتُ إِلىَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ في قَريَتِهِ، وَتَخَلَّف يحْيىَ، فَلَمَّا ذَهَبْتُ أَدُقُّ الْبَابَ، قَالَ لي بَقَّالٌ تُجَاهَ دَارِهِ: مَهْ؛ لَا تَدُقَّ فَإِنَّ الشَّيْخَ يُهَاب [أَيْ فَظٌّ غَلِيظ]؛ فَجَلَسْتُ حَتىَّ إِذَا كَانَ قَبْلَ المَغْرِبِ خَرَج؛ فَوَثَبْتُ إِلَيْهِ وَفي يَدِي أَحَادِيثُ انْتَقَيْتُهَا، فَسَلَّمْتُ
وَقُلْتُ: حَدِّثْني بِهَذِهِ رَحِمَكَ اللهُ فَإِنيِّ رَجُلٌ غَرِيب؛ قَال: وَمَن أَنْتَ وَزَبَرَني 00؟
قُلْتُ: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل؛ فَتَقَاصَرَ [أَيْ خَفَّفَ مِن حِدَّتِهِ]، وَضَمَّني إِلَيْهِ وَقَال: بِاللهِ أَنْتَ أَبُو عَبْدِ الله 00؟
ثُمَّ أَخَذَ الأَحَادِيثَ وَجَعَلَ يَقْرَؤُهَا حَتىَّ أَظْلَم» 00 أَيْ دَخَلَ عَلَيْهِ اللَّيْل 0
حَدَّثَ شَيْخُ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيُّ عَن أَبي يَعْقُوبَ عَنْ زَاهِرِ بْنِ أَحْمَدَ قَال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُبَشِّرٍ قَال: سَمِعْتُ الرَّمَادِيَّ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ
الرَّزَّاقِ وَذَكَرَ الإِمَامَ أَحْمَد؛ فَدَمَعَتْ عَينُهُ وَقَال: قَدِمَ وَبَلَغَني أَنَّ نَفَقَتَهُ نَفِدَتْ؛ فَأَخَذْتُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَعَرَضتُهَا عَلَيْه؛ فَتَبَسَّمَ وَقَال: يَا أَبَا بَكْر، لَوْ قَبِلْتُ شَيْئَاً مِنَ النَّاسِ، قَبِلْتُ مِنْكَ، وَلَمْ يَقْبَلْ مِنيِّ شَيْئَاً» 0
أَتَاهُ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَحْضُرُ مَعَهُ مجْلِسَ ابْنِ عُيَيْنَةَ رحمه الله فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ قَائِلاً:
«سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُل 00؟
فَقَال: لَا، ثُمَّ قَال: ادْخُلْ؛ فَدَخَلْتُ، وَإِذَا عَلَيْهِ قِطْعَةُ لِبْدٍ خَلِق [أَيْ كِلِيمٍ قَدِيم]، فَقُلْتُ: لِمَ حَجَبْتَني 00؟
فَقَال: حَتىَّ اسْتَتَرْت؛ فَقُلْتُ: مَا شَأْنُك 00؟
قَال: سُرِقَتْ ثِيَابي؛ قَال: فَبَادَرْتُ إِلىَ مَنْزِلِي، فَجِئْتُهُ بِمِاْئَةِ دِرْهَم، فَعَرَضتُهَا عَلَيْه؛ فَامْتَنَعَ، فَقُلْتُ: قَرْضَاً؛ فَأَبَى، حَتىَّ بَلَغْتُ عِشْرِينَ دِرْهَمَاً؛ وَيَأْبَى؛ فَقُمْتُ وَقُلْتُ: مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَك؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: ارْجِعْ؛ فَرَجَعْتُ، فَقَال: أَلَيْسَ قَدْ
سَمِعْتَ مَعِيَ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَة؟
قُلْتُ: بَلَى؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: تُحِبُّ أَن أَنْسَخَهُ لَك 00؟
قُلْتُ: نَعَمْ؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: اشْتَرِ لي وَرَقَاً؛ فَكَتَبَ بِدَرَاهِم؛ اكْتَسَى مِنهَا ثَوْبَيْن» 0
قَالَ صَالحُ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قُلْتُ لأَبي:
«بَلَغَني أَنَّ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ أُعْطِيَ أَلْفَ دِينَار؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه:
يَا بُنيَّ 00 (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ({طه/131}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: حَدَّثَني إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي الحَارِثِ قَال:
«مَرَّ بِنَا الإِمَامُ أَحْمَد؛ فَقُلْنَا لإِنْسَان: اتْبَعْهُ وَانْظُرْ أَيْنَ يَذْهَب؛ فَقَال: جَاءَ إِلىَ حَنَّكٍ المَرْوَزِيِّ، فَمَا كَانَ إِلَاَّ سَاعَةً حَتىَّ خَرَج؛ فَقُلْتُ لِحَنَّكٍ بَعْد: جَاءَكَ أَبُو عَبْدِ الله 00؟
قَال: هُوَ صَدِيقٌ لي، اسْتَقْرَضَ مِنيِّ مائَتيْ دِرْهَم، فَجَاءَني بِهَا، فَقُلْتُ: مَا نَوَيْتُ أَخْذَهَا؛ فَقَال: وَأَنَا مَا نَويْتُ إِلَاَّ أَن أَرُدَّهَا إِلَيْك
» 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل عَن أَبي غَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ قَال: حَدَّثَني صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ قَال:
«جَاءَتَني حُسْنُ فَقَالَتْ: قَدْ جَاءَ رَجُلٌ بِتِلِّيسَةٍ فِيهَا فَاكِهَةٌ يَابسَةٌ وَبِكِتَاب؛ فَقُمْتُ فَقَرَأْتُ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيه: يَا أَبَا عَبْدِ الله، أَبْضَعْتُ لَكَ بِضَاعَةً إِلىَ سَمَرْقَنْد، فَرَبِحْت؛ فَبَعَثْتُ بِذَلِكَ إِلَيْكَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَفَاكِهَةً أَنَا لَقَطْتُهَا مِنْ بُسْتَاني وَرِثْتُهُ مِن أَبي؛ قَال: فَجَمَعْتُ الصِّبْيَانَ وَدَخَلْنَا، فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَا
تَرِقُّ لي مِن أَكْلِ الزَّكَاة 00؟!
ثُمَّ كَشَفَ عَنْ رَأْسِ الصِّبْيَةِ وَبَكَيْتُ؛ فَقَال: مِن أَيْنَ عَلِمْت 00؟
دَعْ حَتىَّ أَسْتخِيرَ اللهَ اللَّيْلَة؛ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ رحمه الله: اسْتَخَرْتُ اللهَ فَعَزَمَ لي أَنْ لَا آخُذَهَا، وَفَتَحَ التَّلِّيسَةَ فَفَرَّقهَا عَلَى الصِّبْيَان، وَكَانَ عِنْدَهُ ثَوْبٌ عُشَارِيّ؛ فَبَعَثَ بِهِ إِلىَ الرَّجُلِ وَرَدَّ المَال»
أَيْ أَعْطَاهُ الثّوْبَ مَكَانَ الْفَاكِهَةِ الَّتي أَخَذَهَا، أَمَّا المَالُ فَلَمْ يَأْخُذْهُ 0
ـ كَيْفَ كَانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَحْتَمِلُ الجُوعَ الشَّدِيدَ وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئَا:
حَدَّثَ أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانيُّ قَال: «كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُصَلِّي بِعَبْدِ الرَّزَّاقِ فَسَهَا؛ فَسَأَلَ عَنهُ عَبْدُ الرَّزَّاق؛ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ شَيْئَاً» 0
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الخَالِق: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رحمه الله:
«كُنَّا نَخْرُجُ إِلىَ اللِّقَاط» 0
وَكَذَا حَدَّثَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّرَسُوسِيُّ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ لِللِّقَاط 00
أَيْ يَخْرُجُ ضِمْنَ الأَنْفَار؛ الَّتي تخْرُجُ في جَمْعِ المحَاصِيلِ وَالثُِّمَار 0
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ قَال:
قَالَ صَالح: «وَكَانَ رُبَّمَا أَخَذَ الْقَدُومَ وَخَرَجَ إِلىَ دَار السكَّان، يَعْمَلُ الشَّيْءَ بِيَدِه»
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الدِّينَوَرِيّ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ الحَدَّادُ قَال: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا ضَاقَ بِهِ الأَمْرُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنَ الحَاكَةِ فَسَوَّى لَهُمْ؛ فَلَمَّا كَانَ أَيَّامَ المحْنَةِ وَصُرِفَ إِلىَ بَيْتِهِ: حُمِلَ إِلَيْهِ مَالٌ فَرَدَّهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلىَ رَغِيف؛ فَجَعَلَ عَمُّهُ إِسْحَاقُ يَحْسُبُ مَا يَرُدّ؛ فَإِذَا هُوَ نَحْوُ خَمْسِمِاْئَةِ أَلْف؛ فَقَال: يَا عمّ؛ لَوْ طَلَبْنَاهُ لَمْ يَأْتِنَا، وَإِنَّمَا أَتَانَا لَمَّا تَرَكْنَاه» 0
رَوَى الخُلْدِيُّ عَن أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ قَال: قَالَ ليَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رحمه الله: «دَخَلَ عَلَيَّ أَبي يَعُودُني في مَرَضِي؛ فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ؛ عِنْدَنَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَبَرُّنَا بِهِ المُتَوَكِّل؛ أَفَأَحُجُّ مِنهُ 00؟
قَالَ نَعَمْ؛ قُلْتُ: فَإذَا كَانَ هَذَا عِنْدَكَ هَكَذَا، فَلِمَ لَا تَأْخُذُ مِنهُ 00؟
قَال: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي حَرَام، وَلَكِنْ تَنَزَّهْتُ عَنهُ» 0
قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: قَالَ لي أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَانَتْ أُمُّكَ في الْغَلَاءِ تَغْزِلُ غَزْلاً رَقِيقَاً، فَتَبِيعُ الأَسْتَارَ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ نَحْوِهِ؛ فَكَانَ ذَلِكَ قُوتَنَا» 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ فَقَال:
ـ خَبَرُ المحْنَة:
قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:
«أَعَزَّ اللهُ الدِّينَ بِالصِّدِّيقِ يَوْمَ الرِّدَّة، وَبِأَحْمَدَ يَوْمِ المِحْنَة» 0
قَالَ نَصْرُ بْنُ أَبي نَصْرٍ الطُّوسِيُّ قَال: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ خُشَيْشٍ قَال:
سَمِعْتُ أَبَا الحَدِيدِ الصُّوفِيَّ بِمِصْرَ عَنِ أَبِيهِ عَنِ المُزَنيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال:
ـ مِحْنَةُ المَأْمُون:
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رحمه الله: «كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَة، وَدِينُهُمْ قَائِمَاً في خِلَافَةِ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما؛ فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ قُفْلُ بَابِ
الْفِتْنَةِ عُمَرُ رضي الله عنه وَانْكَسَرَ الْبَاب: قَامَ رُؤُوسُ الشَّرِّ عَلَى الشَّهِيدِ عُثْمَانَ حَتىَّ ذُبِحَ صَبرَاً؛ وَتَفرَّقتِ الْكَلِمَة، وَتَمَّتْ وَقعَةُ الجَمَل، ثُمَّ وَقعَةُ صِفِّين؛ فَظَهَرَتِ الخَوَارِج، وَكُفِّرَتْ سَادَةَ الصَّحَابَة، ثمَّ ظَهَرَتِ الرَّوَافِضُ وَالنَّوَاصِب، وَفي آخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ ظَهَرَتِ الْقَدَرِيَّة، ثُمَّ ظَهَرَتِ المُعْتَزِلَةُ بِالبَصْرَةِ وَالجَهْمِيَّة، وَالمُجَسِّمَةُ بِخُرَاسَانَ في أَثْنَاء عَصْرِ التَّابِعِين، مَعَ ظُهُورِ السُّنَّةِ وَأَهْلِهَا إِلىَ بَعْدِ المائَتَين؛
فَظَهَرَ الخَلِيفَةُ المَأْمُونُ وَكَانَ ذَكِيَّاً مُتَكَلِّمَاً، لَهُ نَظَرٌ في المَعْقُول؛ فَاسْتَجْلَبَ كُتُبَ الأَوَائِلِ وَعَرَّبَ الْفَلْسَفَةَ اليُونَانِيَّة، وَقَامَ في ذَلِكَ وَقَعَد، وَأَدْنىَ وَأَقْصَى، وَرَفَعَتِ الجَهْمِيَّةُ وَالمُعْتَزِلَةُ رُؤُوسَهَا، بَلْ وَالشِّيعَةُ أَيْضَاً، وَآلَ بِهِ الحَالُ أَن حَمَلَ الأُمَّةَ عَلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآن، وَامْتَحَنَ في ذَلِكَ الْعُلَمَاء؛ فَلَمْ يُمْهَلْ، وَهَلَكَ لِعَامِهِ هَذَا 00
وَخَلَّى بَعْدَهُ شَرَّاً وَبَلَاءً في الدِّين؛ فَإِنَّ الأُمَّةَ مَا زَالتْ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ كَلَامُ اللهِ جل جلاله وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُه، لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ ذَلِك، حَتىَّ نَبَغَ لهَؤُلَاءِ الضُّلَاّلِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللهِ مَخْلُوقٌ مَجْعُول، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أُضِيفَ إِلىَ اللهِ عز وجل إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ، كَبَيْتِ الله، وَنَاقَةُ الله؛ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْعُلَمَاء، وَلَمْ تَكُنِ الجَهْمِيَّةُ يُظْهِرُونَ في دَوْلَةِ المَهْدِيِّ وَالرَّشِيدِ وَالأَمِين؛ فَلَمَّا وَلِيَ المَأْمُونُ
وَكَانَ مِنهُمْ أَظْهَرَ مَقَالَتَهُمْ» 0
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ محَمَّدِ بْنِ نُوحٍ قَال: إِنَّ الرَّشِيدَ قَال: بَلَغَني أَنَّ بِشْرَ بْنَ غِيَاثٍ المَرِيسِيَّ يَقُول: الْقُرْآنُ مَخْلُوق؛ فَلِلِّهِ عَلَيَّ إِن أَظْفَرَني بِهِ لأَقْتُلَنَّه؛ قَالَ الدَّوْرَقِيّ:
فَكَانَ مُتَوَارِيَاً أَيَّامَ الرَّشِيد؛ فَلَمَّا مَاتَ الرَّشِيدُ ظَهَرَ وَأَظْهَرَ المَقَالَة، وَدَعَا إِلىَ الضَّلَالَة» 0
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيّ: «خَالَطَه قَوْمٌ مِنَ المُعْتَزِلَةِ فَحَسَّنُواْ لَهُ الْقَوْلَ بِخَلقِ الْقُرْآن، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ وَيُرَاقِبُ سَائِرَ الشُّيُوخ، ثُمَّ قَوِيَ عَزْمُهُ وَامْتَحَنَ النَّاس» 0
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمّ: أَخْبَرَنَا يحْيىَ بْنُ أَبي طَالِبٍ قَال: أَخْبَرَني الحَسَنُ بْنُ شَاذَانَ قَال:
حَدَّثَني ابْنُ عَرْعَرَةَ قَال: حَدَّثَني ابْنُ أَكْثَمَ قَال: قَالَ لَنَا المَأْمُون: لَوْلَا مَكَانُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ لأَظهرْتُ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوق؛ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِه: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ وَمَنْ يَزِيدُ حَتىَّ يُتَّقَى؟
قَال: وَيْحَك؛ إِنيِّ أَخَافُ إِن أَظْهَرْتُهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَيَخْتلِفَ النَّاسُ وَتَكُونَ فِتْنَة، وَأَنَا أَكْرَهُ الْفِتْنَة؛ فَقَالَ الرَّجُل: فَأَنَا أَخْبُرُ ذَلِكَ مِنهُ؛ قَالَ لَهُ: نَعَمْ؛ فَخَرَجَ إِلىَ وَاسِط، فَجَاءَ إِلىَ يَزِيدَ وَقَال: يَا أَبَا خَالِد؛ إِنَّ
أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَك: إِنيِّ أُرِيدُ أَن أُظْهِرَ خَلْقَ الْقُرْآن؛ فَقَال: كَذَبْتَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِين، أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ لَا يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لَا يَعْرِفُونَهُ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقَاً، فَاقعُدْ؛ فَإذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ في المَجْلِسِ فَقُلْ؛ فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْغَدُ، اجْتَمَعُواْ، فَقَامَ فَقَالَ كَمَقَالَتِهِ؛ فَقَالَ يَزِيد: كَذَبْتَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِين، إِنَّه لَا يحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لَا يَعْرِفُونَهُ وَمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَد؛ فَقَدِمَ وَقَال: يَا
أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ كُنْتُ 000 وَقَصَّ عَلَيْه؛ قَالَ وَيْحَكَ يُلْعَبُ بِك» 0
قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «امْتُحِنَ الْقَوْم، وَوُجِّهَ بِمَنِ امْتَنَعَ إِلىَ الحَبْس؛ فَأَجَابَ الْقَوْمُ جَمِيعَاً غَيرَ أَرْبَعَة: أَبي، وَمحَمَّدُ بْنُ نُوح، وَالقَوَارِيرِيّ، وَالحَسَنُ بْنُ حَمَّاد، ثُمَّ أَجَابَ هَذَانِ وَبَقِيَ أَبي وَمحَمَّدٌ في الحَبْسِ أَيَّامَاً، ثمَّ جَاءَ كِتَابٌ مِنْ طَرَسُوسَ بِحَمْلهِمَا مُقَيَّدَيْنِ زَمِيلَين»
قَال الإِمَامُ الطَّبَرَانيّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ قَال: حَدَّثَني أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ قَال:
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَام: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوبَ قَال: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ محَمَّدٍ الخَفَّافُ قَال:
«سَمِعْتُ ابْنَ أَبي أُسَامَةَ يَقُول:
حُكِيَ لَنَا أَنَّ أَحْمَدَ قِيلَ لَهُ أَيَّامَ المِحْنَة: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ أَوَلَا تَرَى الحَقَّ كَيْفَ ظَهرَ عَلَيْهِ الْبَاطِل؟
قَال: كَلَاَّ، إِنَّ ظُهُورَ الْبَاطِلِ عَلَى الحَقِّ أَنْ تَنْتَقِلَ الْقُلُوبُ مِنَ الهُدَى إِلىَ الضَّلَالَة، وَقُلُوبُنَا بَعْدُ لَازمَةٌ لِلْحقّ» 0
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيَّ يَقُول:
«لَمَّا حُمِلَ أَحْمَدُ إِلىَ المَأْمُون: أُخْبِرْتُ؛ فَعَبَرْتُ الْفُرَات، فَإذَا هُوَ جَالِسٌ في الخَان، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَال: يَا أَبَا جَعْفَر، تَعَنَّيْت؛ فَقُلْتُ: يَا هَذَا، أَنْتَ اليَوْمَ رَأْس، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِك، فَوَاللهِ لَئِن أَجَبْتَ إِلىَ خَلْقِ الْقُرْآنِ لَيُجِيبَنَّ خَلْق، وَإِن أَنْتَ لَمْ تُجِبْ لَيَمْتَنِعَنَّ خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ كَثِير، وَمَعَ هَذَا: فَإِنَّ الرَّجُلَ إِنْ لَمْ يَقْتُلْكَ فَإِنَّكَ تَمُوْت، لَابُدَّ مِنَ المَوْت؛ فَاتَّقِ اللهَ وَلَا تُجِبْ؛ فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَبْكِي
وَيَقُول: مَا شَاءَ اللهُ كَان، ثمَّ قَال: يَا أَبَا جَعْفَر؛ أَعِدْ عَلَيَّ؛ فَأَعَدْتُ عَلَيْه؛ وَهُوَ يَقُول: مَا شَاءَ اللهُ كَان» 0
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيّ: «جَعَلُواْ يُذَاكِرُونَ أَبَا عَبْدِ اللهِ بِالرَّقَّةِ في التَّقِيَّةِ وَمَا رُوِيَ فِيهَا؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: كَيْفَ تَصْنَعُونَ بحَدِيثِ خَبَّاب: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ يُنْشَرُ أَحَدُهُمْ بِالمِنْشَارِ لَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِه» 00 فَأَيِسْنَا مِنهُ، وَقَال: لَسْتُ أُبالِي بِالحَبْس؛ مَا هُوَ
وَمَنْزِلِي إِلَاَّ وَاحِد، وَلَا قَتْلاً بِالسَّيْف؛ إِنَّمَا أَخَافُ فِتْنَةَ السَّوْط؛ فَسَمِعَهُ بَعْضُ أَهْل الحَبْسِ فَقَال: لَا عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ فَمَا هُوَ إِلَاَّ سَوْطَان، ثمَّ لَا تَدْرِي أَيْنَ يَقَعُ الْبَاقِي، فَكَأَنَّهُ سُرِّي عَنهُ» 0
ـ مِحْنَةُ المُعْتَصِم:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيّ:
«حَدَّثَني مَن أَثِقُ بِهِ عَنْ محَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُصْعَبٍ [وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَاحِبُ شُرطَةِ المُعْتَصِمِ خِلَافَةً لأَخِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ] قَال: مَا
رَأَيْتُ أَحَدَاً لَمْ يُدَاخِلِ السُّلْطَانَ وَلَا خَالَطَ المُلُوكَ أَثْبَتَ قَلْبَاً مِن أَحْمَدَ يَوْمَئِذٍ، مَا نَحْنُ في عَيْنِهِ إِلَاَّ كَأَمْثَالِ الذُّبَاب» 0
قَالَ ابْنُهُ صَالِح: حُمِلَ أَبي وَمحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ مِنْ بَغْدَادَ مُقَيَّدَيْن؛ فَصِرْنَا مَعَهُمَا إِلىَ الأَنْبَار؛ فَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ الأَحْوَلُ أَبي: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ إِن عُرِضْتَ عَلَى السَّيْفِ تُجِيب 00؟
قَال: لَا؛ ثُمَّ سُيِّرَا؛ فَسَمِعْتُ أَبي يَقُول: سِرْنَا إِلىَ الرَّحْبَة، وَرَحَلْنَا مِنهَا في جَوْفِ اللَّيْل، فَعَرَضَ لَنَا رَجُلٌ فَقَال: أَيُّكُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل 00؟
فَقِيلَ لَهُ: هَذَا؛ فَقَالَ لِلْجمَّال: عَلَى رِسْلِك، ثُمَّ قَال: يَا هَذَا، مَا عَلَيْكَ أَنْ تُقْتَلَ هَا هُنَا، وَتَدْخُلَ الجَنَّة 00؟
ثمَّ قَال: أَسْتوْدِعُكَ الله، وَمَضَى؛ فَسَأَلْتُ عَنهُ، فَقِيلَ لي: هَذَا رَجُلٌ مِن الْعَرَبِ مِنْ رَبِيعَةَ يَعْمَلُ الشَّعْرَ في الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ جَابِرُ بْنُ عَامِر، يُذْكَرُ بِخَيْر» 00 أَيْ
حَسَنُ السِّيرَة، محمُودُ السَّرِيرَة
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الله قَال: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل: «مَا سَمِعْتُ كَلِمَةً مُنْذُ وَقعْتُ في هَذَا الأَمْرِ أَقوَى مِنْ كَلِمَةِ أَعْرَابيٍّ كَلَّمني بِهَا في رَحْبَةِ طَوْق: قَالَ يَا أَحْمَد؛ إِنْ يَقْتُلْكَ الحَقُّ مُتَّ شَهِيدَاً، وَإِن عِشْتَ عِشْتَ حَمِيدَاً؛ فَقَوَّى قَلْبي» 0
قَالَ ابْنُهُ صَالِح: قَالَ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لَمَّا صَدَرَ أَبي وَمحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمَا إِلىَ طَرَسُوس، رُدَّا في أَقْيَادِهِمَا؛ فَلَمَّا صَارَ إِلىَ الرَّقَّةِ حُمِلَا في سَفِينَة، فَلَمَّا وَصَلَا إِلىَ عَانَةَ تُوُفِّيَ محَمَّدٌ وَفُكَّ قَيْدُه، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبي، قَالَ حَنْبَل: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً عَلَى حدَاثَةِ سِنِّهِ وَقدْرِ عِلْمِهِ أَقْوَمَ
بِأَمْرِ اللهِ عز وجل مِنْ محَمَّدِ بْنِ نُوح، إِنيِّ لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ خُتِمَ لَهُ بِخَيْر؛ قَالَ لي ذَاتَ يَوْم: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ الله الله؛ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلِي؛ أَنْتَ رَجُلٌ يُقْتَدَى بِك؛ قَدْ مَدَّ الخَلْقُ أَعْنَاقَهُمْ إِلَيْكَ لِمَا يَكُونُ مِنْك؛ فَاتَّقِ اللهَ وَاثْبُتْ لأَمْرِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، فَمَاتَ وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَدَفَنْتُهُ بِعَانَة» 00 عَانَة: بَلْدَةٌ عَلَى الْفُرَاتِ بِشَمَالِ الْعِرَاق 0
قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «صَارَ أَبي إِلىَ بَغْدَادَ مُقَيَّدَاً، فَمَكَثَ بِاليَاسِرِيَّة أَيَّامَاً، ثُمَّ حُبِسَ في دَارٍ اكْتُرِيَتْ عِنْدَ دَارِ عُمَارَة، ثُمَّ حُوِّلَ إِلىَ حَبْسِ الْعَامَّةِ في دَربِ المَوْصِليَّة 00
قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: كُنْتُ أُصلِّي بأَهْلِ السِّجْنِ وَأَنَا مُقَيَّد؛ فَلَمَّا كَانَ في رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعَ عَشَرَةَ [بَعْدَ مَوْتِ المَأْمُونِ بأَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرَاً] حُوِّلْتُ إِلىَ دَارِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَالي بَغْدَاد» 0
قَالَ حَنْبَل: حُبِسَ أَبُو عَبْدِ اللهِ في دَارِ عُمَارَةَ بِبَغْدَادَ في إِصْطَبْلِ الأَمِيرِ محَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيم، أَخِي إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيم، وَكَانَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ في حَبْسٍ ضَيِّق، وَمَرِضَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ في رَمَضَان، فَحُوِّلَ بَعْدَ قَلِيلٍ إِلىَ سِجْنِ الْعَامَّة، فَمَكَثَ في السِّجْنِ نحْوَاً مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرَاً، وَكُنَّا نَأْتِيه، فَقَرَأَ عَلَيَّ كِتَابَ «الإِرْجَاءِ» وَغَيْرَهُ في الحَبْس، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي بِهِمْ في الْقَيْد» 0
قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «قَالَ أَبي: كَانَ يُوجَّهُ إِلَيَّ كلَّ يَوْمٍ بِرَجُلَيْن، أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رَبَاح، وَالآخرُ أَبُو شُعَيْبٍ الحجَّام؛ فَلَا يَزَالَانِ يُنَاظِرَانِني؛ حَتىَّ إِذَا قَامَا؛ دُعِيَ بِقَيْدٍ فَزِيدَ في قُيُودِي؛ فَصَارَ في رِجْلِيَّ أَرْبَعَةُ أَقْيَاد؛ فَلَمَّا كَانَ في اليَوْمِ الثَّالِث: دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلَان، فَنَاظرَني أَحَدُهُمَا؛ فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَقُولُ في عِلْمِ الله 00؟
قَالَ مَخْلُوق؛ فَقُلْتُ: كَفَرْتَ بِالله؛ قَالَ الرَّسُولُ الَّذِي كَانَ يَحْضرُ مِنْ قَبْلِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيم: إِنَّ هَذَا رَسُولُ أَمِيرِ المُؤْمِنِين؛ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ كَفر، فَلَمَّا كَانَ في اللَّيْلَةِ الرَّابِعَة، وَجَّهَ المُعْتَصِمُ إِلىَ إِسْحَاقَ فَأَمَرَهُ بِحَمْلِي إِلَيْه؛ فَأُدْخِلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَقَال: يَا أَحْمَد، إِنَّهَا وَاللهِ نَفْسُك، إِنَّه لَا يَقْتُلُكَ بِالسَّيْف، إٍِنَّهُ قَدْ آلَى إِنْ لَمْ تُجبْه أَنْ يَضْرِبَكَ ضَربَاً بَعْدَ ضَرب، وَأَنْ يَقْتُلَكَ في مَوْضِعٍ
لَا يُرَى فِيهِ شَمسٌ وَلَا قَمَر، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنَا عَرَبِيَّاً (
أَفيَكُونُ مَجْعُولاً إِلَاَّ مَخْلُوقَاً 00؟
فَقُلْتُ: فَقَدْ قَالَ جل جلاله: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول ({الْفِيل/5} أَفَخَلَقَهُمْ؟ أَمْ صَيَّرَهُمْ؟
وَهَذِهِ عِدَّةُ آيَاتٍ تُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الإِمَامُ أَحْمَد:
وَقَالَ تَعَالىَ: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَاّنَا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ نجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِين ({فُصِّلَت/29}
وَقَالَ تَعَالىَ: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَنْ نجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يحْكُمُون ({الجَاثِيَة/21}
وَقَالَ تَعَالىَ: (وَقَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورَا ({الفُرْقَان/23}
وَقَالَ تَعَالىَ: (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ({الفُرْقَان/37}
وَقَالَ تَعَالىَ: (وَظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور ({سَبَأ/19}
وَقَالَ تَعَالىَ: (فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْدَاً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِين ({الصَّافَّات/98}
وَقَالَ تَعَالىَ: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِين ({الأَنْبِيَاء/73}
فَسَكَت؛ فَلَمَّا صِرْنَا إِلىَ المَوْضِعِ المَعْرُوفِ بِبَابِ الْبُسْتَان: أُخْرِجْتُ، وَجِيءَ بِدَابَّة؛ فَأُرْكِبْتُ وَعَلَيَّ الأَقْيَاد، مَا مَعِي مَنْ يُمْسِكُني، فَكِدْتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَن أَخِرَّ عَلَى وَجْهِي لِثِقَلِ الْقُيود، فَجِيءَ بي إِلىَ دَارِ المُعْتَصِم؛ فَأُدْخِلْتُ حُجْرَةً، ثمَّ أُدْخِلْتُ بَيْتَاً، وَأُقْفِلَ الْبَابُ عَليَّ في جَوْفِ اللَّيْلِ وَلَا سِرَاج؛ فَأَرَدْتُ الْوضُوء؛ فَمَدَدْتُ يَدِي؛ فَإذَا أَنَا بَإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطسْتٌ مَوْضُوع، فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْت، فلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَخْرَجْتُ
تِكَّتي [أَيْ حَبْلَ سِرْوَالي]، وَشَدَدْتُ بِهَا الأَقْيَادَ أَحْمِلُهَا [أَيْ بَدَلاً مِنْ جَرِّهَا وَهِيَ مِن حَدِيدٍ ثَقِيل] وَعَطَفْتُ سَرَاويلِي، فَجَاءَ رَسُولُ المُعْتَصِمِ فَقَال:
أَجِبْ؛ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدْخَلَني عَلَيْه، وَالتِّكَّةُ في يَدِي أَحْمِلُ بِهَا الأَقْيَاد، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبي دُوَادَ حَاضِر، وَقَدْ جَمَعَ خَلْقَاً كَثِيرَاً مِن أَصْحَابِهِ؛ فَقَالَ لي المُعْتَصِم: ادْنُه 00 ادْنُه؛ فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِيني حَتىَّ قَرُبْتُ مِنهُ، ثمَّ قَال: اجْلِسْ؛ فَجَلَسْتُ وَقَدْ أَثْقَلَتْني
الأَقْيَاد، فَمَكَثْتُ قَلِيلاً، ثُمَّ قُلْتُ: أَتَأْذَنُ في الْكَلَام 00؟
قَالَ تَكَلَّمْ؛ فَقُلْتُ: إِلىَ مَا دَعَا اللهُ وَرَسُولُه 00؟
فَسَكَتَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَال: إِلىَ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَاَّ الله؛ فَقُلْتُ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَاَّ الله؛
ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ جَدَّك ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُول: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوهُ عَنِ الإِيمَان 00؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَان» 00؟
قَالُواْ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَاَّ اللهُ وَأَنَّ محَمَّدَاً رَسُولُ الله، وَإِقَامُ الصَّلَاة، وَإِيتَاءُ الزَّكَاة، وَأَنَّ تُعْطُواْ الخُمُسَ مِنَ المَغْنَم» 0
فَقَالَ المُعْتَصِم: لَوْلَا أَنيِّ وَجَدْتُكَ في يَدِ مَنْ كَانَ قَبْلِي: مَا عَرَضْتُ لَك، ثُمَّ قَال:
يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاق؛ أَلَمْ آمُرْكَ بِرَفْعِ المِحْنَة 00؟
فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ إِنَّ في هَذَا لَفَرَجَاً لِلْمُسْلِمِين؛ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوه، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَلِّمْه؛ فَقَال: مَا تَقُولُ في الْقُرْآن 00؟
قُلْتُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ في عِلْمِ الله 00؟
فَسَكَتَ، فَقَالَ لي بَعْضُهُمْ: أَلَيْسَ قَالَ اللهُ تَعَالىَ: (اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء ([الرَّعْد/16}
وَالقُرْآنُ أَلَيْسَ شَيْئَاً 00؟
فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ عز وجل: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ ({الأَحقَاف/25} فَدَمَّرتْ إِلَاَّ مَا أَرَادَ الله 00؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَث ({الأَنْبيَاء/2} أَفَيَكُونُ مُحْدَثٌ إِلَاَّ مَخْلُوقَاً 00؟
فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ جل جلاله: (ص، وَالقُرْآنِ ذِي الذِّكْر ({ص/1}
فَالذِّكرُ هُوَ الْقُرْآن، وَتِلْكَ لَيْسَ فِيهَا أَلِفٌ وَلَام 00 [أَيْ لَيْسَتْ مُعَرَّفَة]
وَذَكرَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الذِّكْرَ» 0
فَقُلْتُ: هَذَا خَطأٌ، حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ:«إِنَّ اللهَ كَتَبَ الذِّكْرَ» 0
وَاحتجُواْ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه:
فَقُلْتُ: إِنَّمَا وَقَعَ الخَلْقُ عَلَى الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالسَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَلَمْ يَقَعْ عَلَى الْقُرْآن؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيثُ خَبَّابٍ: «يَا هَنَتَاهُ، تَقَرَّبْ إِلىَ اللهِ بِمَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَتَقَّربَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ» 00 فَقُلْتُ: هَكَذَا هُو، قَالَ صَالِح: وَجَعَلَ ابْنُ أَبي دُوَادَ يَنْظُرُ إِلىَ أَبي كَالمُغْضَب
قَالَ أَبي: وَكَانَ يَتَكَلَّمُ هَذَا؛ فَأَرُدُّ عَلَيْه، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا؛ فَأَرُدُّ عَلَيْه، فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنهُمْ اعْتَرَضَ ابْنُ أَبي دُوَادَ فَيَقُول: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، هُوَ وَاللهِ ضَالٌّ مُضِلٌّ مُبْتَدِع؛ فَيَقُولُ المُعْتَصِم: كَلِّمُوهُ وَنَاظِرُوه؛ فَيُكلِّمُني هَذَا فَأَردُّ عَلَيْه، وَيُكَلُّمُني هَذَا فَأَردُّ عَلَيْه، فَإِذَا انْقَطَعُواْ يَقُولُ المُعْتَصِم: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ مَا تَقُول 00؟
فَأَقُول: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ أَعْطُوني شَيْئَاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتىَّ أَقُولَ بِهِ؛ فَيَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ أَبي دُوَاد: أَنْتَ لَا تَقُولُ إِلَاَّ مَا في الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّة 00؟
فَقُلْتُ لَهُ: تَأَوَّلْتَ تَأْوِيلاً فَأَنْتَ أَعْلَم، وَمَا تَأَوَّلْتُ مَا يُحْبَسُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَيَّدُ عَلَيْه» 0
أَيْ: وَمَا قُلْتُ مَا يَسْتَوْجِبُ الْقَيْدَ وَالحَبْس 0
قَالَ حَنْبَل: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: «لَقَدِ احْتَجُّواْ عَلَيَّ بِشَيْءٍ مَا يَضِيقُ بِهِ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَاني: أَنْكَرُواْ الآثَار، وَمَا ظَنَنْتُهُمْ عَلَى هَذَا حَتىَّ سَمِعْتُه، وَجَعَلُواْ يَرُوغُون: يَقُولُ الخَصْمُ كَذَا وَكَذَا، فَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ مِنَ القُرْآنِ بِقَولِه تَعَالى: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِر (
أَفَهَذَا مُنْكَرٌ عِنْدَكُمْ؟ [فَإِنَّ المَفْهُومَ مِنْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام أَنَّهُ دَعَاهُمْ لِمَنْ يَسْمَعُ وَيُبْصِر]
فَقَالُواْ: شَبَّهَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين 00 شَبَّه» 00!!
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: «قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ? إِنَّهُ كَانَ سَمِيعَاً بَصِيرَاً ?
فَوَضَعَ إِصْبَعَةَ الدُّعَاءِ عَلَى عَيْنَيْهِ وَإِبْهَامَيْهِ عَلَى أُذُنَيْه» 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الإِمَامِ مُسْلِم، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِرَقْم: 63]
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيّ: حَدَّثَني بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ أَبي دُوَادَ أَقْبَلَ عَلَى أَحْمَدَ يُكَلِّمُهُ؛ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْه؛ حَتىَّ قَالَ المُعْتَصِم: يَا أَحْمَد؛ أَلَا تُكَلِّمُ أَبَا عَبْدِ الله؟
فَقُلْتُ: لَسْتُ أَعْرِفُهُ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ فَأُكَلِّمَه» 00 الإِمَامُ أَحْمَدُ لَيْسَ مِن أَهْلِ الْعِلْم؛ أَبْعَدَكَ الله
قَالَ ابْنُهُ صَالِح: «وَجَعَلَ ابْنُ أَبي دُوَادَ يَقُول: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ وَاللهِ لَئِن أَجَابَك، لَهُوَ أَحَبُّ إِليَّ مِن أَلْفِ دِينَارٍ وَمِاْئَةِ أَلْفِ دِينَار 000 فَيَعُدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَعُدّ؛ فَقَال:
لَئِن أَجَابَني لأُطْلِقَنَّ عَنهُ بِيَدِي، وَلأَرْكَبَنَّ إِلَيْهِ بِجُنْدِي، وَلأَطَأَنَّ عَقِبَه [أَيْ أَقْتَدِي بِهِ وَأَسْتَشِيرُه]
ثُمَّ قَال: يَا أَحْمَد، وَاللهِ إِنيِّ عَلَيْكَ لَشَفِيق، وَإِنيِّ لأُشْفِقُ عَلَيْكَ شَفَقَتي عَلَى ابْنيَ هَارُون 00 مَا تَقُول 00؟
فَأَقُول: أَعْطُوني شَيْئَاً مِنْ كِتَابِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم 0
فَلَمَّا طَالَ المَجْلِسُ: ضَجِرَ وَقَال: قُومُواْ، وَحَبَسَني عِنْدَه، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ يُكَلِّمُني، يَقُول: وَيْحَكَ أَجِبْني؛ فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: وَيْحَكَ أَلَمْ تَكنْ تَأْتِينَا؟ [أَيْ تَطْلُبُ الْعِلْمَ بَينَ يَدَيّ]
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ لِلْخَلِيفَةِ المُعْتَصِم: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ أَعْرِفُهُ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَة، يَرَى طَاعتَكَ وَالحَجَّ وَالجِهَادَ مَعَك
؛ فَيَقُول: وَاللهِ إِنَّهُ لَعَالِم، وَإِنَّهُ لَفَقِيه، وَمَا يَسُوءُني أَنْ يَكُونَ مَعِي يَرُدُّ عَنيِّ أَهْلَ المِلَل، ثُمَّ قَال: مَا كُنْتَ تَعْرِفُ صَالِحَاً الرَّشِيدِيّ 00؟
قُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ بِهِ؛ قَال: كَانَ مُؤَدِّبي، وَكَانَ في ذَلِكَ المَوْضِعِ جَالِسَاً، وَأَشَارَ إِلىَ نَاحِيَةٍ مِنَ الدَّار، فَسَأَلَني عَنِ الْقُرْآن؛ فَخَالَفَني؛ فَأَمَرْتُ بِهِ فُوُطِئَ وَسُحِب؛ يَا أَحْمَد؛ أَجِبْني إِلىَ شَيْءٍ لَكَ فِيهِ أَدْنىَ فَرَجٍ حَتىَّ أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي؛ قُلْتُ: أَعْطُوني شَيْئَاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ
سُنَّةِ رَسُولِه؛ فَطَالَ المَجْلِس، وَقَامَ الخَلِيفَةُ وَرُدِدْتُ إِلىَ المَوْضِع، فلَمَّا كَانَ بَعْدَ المَغْرِبِ وَجَّهَ إِلَيَّ رَجُلَيْنِ مِن أَصْحَابِ ابْنِ أَبي دَاوُد، يَبِيتَانِ عِنْدِي وَيُنَاظرَانِني وَيُقِيمَانِ مَعِي، حَتىَّ إِذَا كَانَ وَقْتُ الإِفْطَارِ جِيءَ بِالطَّعَام، وَيَجْتَهِدَانِ بي أَن أُفْطِرَ فَلَا أَفْعَل، وَوجَّهَ المُعْتَصِمُ إِلَيَّ ابْنَ أَبي دُوَادَ في اللَّيْلِ فَقَال: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مَا تَقُول 00؟
فَأَرُدُّ عَلَيْهِ نَحْوَاً مِمَّا كُنْتُ أَرُدّ؛ فَقَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: وَاللهِ لَقَدْ كَتَبَ اسْمَكَ في السَّبْعَة: يحْيىَ بْنِ مَعِينٍ وَغَيْرِه؛ فَمَحَوْتُهُ، وَلَقَدْ سَاءَني أَخْذُهُمْ إِيَّاك، ثُمَّ يَقُول: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرْبَاً بَعْدَ ضَرْب، وَأَنْ يُلْقِيَكَ في مَوْضِعٍ لَا تَرَى فِيهِ الشَّمْس، وَيَقُول [أَيِ المُعْتَصِم]:
إِن أَجَابَني جِئْتُ إِلَيْهِ حَتىَّ أُطْلِقَ عَنهُ بِيَدِي، ثمَّ انْصَرَف، فَلَمَّا أَصبَحْنَا؛ جَاءَ رَسُولُهُ فَأَخَذَ بِيَدِي حَتىَّ ذَهَبَ بي إِلَيْه؛
فَقَالَ لَهُمْ: نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوه؛ فَجَعَلُواْ يُنَاظِرُونَني فَأَردُّ عَلَيْهِمْ؛ فَإذَا جَاؤُواْ بِشَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ مِمَّا لَيْسَ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّة قُلْتُ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا؛ فَيَقُولُون: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِذَا تَوَجَّهَتْ لَهُ الحجَّةُ عَلَيْنَا ثَبَتَ، وَإِذَا كَلَّمْنَاهُ بِشَيْءٍ يَقُولُ لَا أَدْرِي مَا هَذَا؛ فَقَالَ نَاظِرُوه؛ فَقَالَ رَجُل: يَا أَحْمَد؛ أَرَاكَ تَذْكُرُ الحَدِيثَ وَتَنْتَحِلُه [أَيْ تَدَّعِيه]؛ فَقُلْتُ: مَا تَقُولُ في قَوْلِهِ:
(يُوصِيكُمُ اللهُ في أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن ({النِّسَاء/11} 00؟
قَال: خصَّ اللهُ بِهَا المُؤْمِنِين؛ قُلْتُ: مَا تَقُولُ إِنْ كَانَ قَاتلاً أَوْ عَبدَاً 00؟ [الحُكْمُ يَخْتَلِف]
فَسَكَتَ، وَإِنَّمَا احْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ بِهَذَا؛ لأَنَّهُمْ كَانُواْ يَحْتَجُّونَ بِظَاهِرِ الْقُرْآن 0
فحَيْثُ قَالَ لي: أَرَاكَ تَنْتَحِلُ الحَدِيثَ احْتَجَجْتُ بِشَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ عَامٍّ خَصَّصَتْهُ السُّنَّة: فَالسُّنَّةُ خَصَّصَتِ الْقَاتِلَ وَالعبد؛ فَأَخْرَجَتْهُمَا مِنَ الْعُمُوم، فَلَمْ يَزَالُواْ كَذَلِكَ إِلىَ قُرْبِ
الزَّوَال، فَلَمَّا ضَجِرَ قَالَ قُومُواْ، ثُمَّ خَلَا بي وَبعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاق، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُني، ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ وَرُدِدْتُ إِلىَ المَوْضِع، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، قُلْتُ: خَلِيقٌ أَنْ يحْدُثَ غَدَاً مِن أَمْرِي شَيْء؛ فَقُلْتُ لِلْمُوكَّلِ بي: أُرِيدُ خَيْطَاً؛ فَجَاءَني بخَيْطٍ فَشَدَدْتُ بِهِ الأَقْيَادَ وَرَدَدْتُ التِّكَّةَ إِلىَ سَرَاويلِي مَخَافَةَ أَنْ يحْدُثَ مِن أَمْرِي شَيْءٌ فَأَتَعَرَّى، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أُدْخِلْتُ إِلىَ الدَّار؛ فَإذَا هِيَ غَاصَّةٌ [أَيْ
بِالنَّاس]، فَجَعَلْتُ أُدْخَلُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلىَ مَوْضِع، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السُّيُوف، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السِّيَاطُ وَغَيْرُ ذَلِك، وَلَمْ يَكُنْ في اليَومِينِ المَاضِيَينِ كَبِيرُ أَحَدٍ مِن هَؤُلَاء؛ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ اقْعُدْ، ثمَّ قَال: نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوه؛ فَجَعَلُواْ يُنَاظِرُونَني، يَتَكَلَّمُ هَذَا فَأَرُدُّ عَلَيْه، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا فَأَرُدُّ عَلَيْه، وَجَعَلَ صَوْتي يَعْلُو أَصْوَاتَهُمْ، فَجَعَلَ بَعْضُ مَن هُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي يُومِئُ إِلَيَّ بِيَدِهِ؛ فَلَمَّا طَالَ المَجْلِسُ نَحَّاني،
ثُمَّ خَلَا بِهِمْ، ثُمَّ نَحَّاهُمْ وَردَّني إِلىَ عِنْدِهِ وَقَال: وَيْحَكَ يَا أَحْمَد؛ أَجِبْني حَتىَّ أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي؛ فرددْتُ عَلَيْهِ نَحْوَ ردِّي؛ فَقَال: عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ 000 وَذَكَرَ اللَّعْنَ خُذُوه، اسْحَبُوه، خَلِّعُوه؛ فَسُحِبْتُ وَخُلِّعْت؛ قَال: وَقَدْ كَانَ صَارَ إِلَيَّ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في كُمِّ قَمِيصِي؛ فَوَجَّهَ إِلَيَّ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُول: مَا هَذَا المَصْرُور 00؟
قُلْتُ شَعْرٌ مِنْ شَعَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَعَى بَعْضُهُمْ لِيُخَرِّقَ الْقمِيصَ عَنيِّ؛ فَقَالَ المُعْتَصِم:
لَا تَخَرِّقُوه؛ فَنُزِعَ؛ فَظَننْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا دُرِئَ عَنِ الْقمِيصِ الخَرْقُ بِالشَّعَر، وَجَلَسَ المُعْتَصِمُ عَلَى كُرْسِيٍّ ثمَّ قَال: الْعُقَابَينِ وَالسِّيَاط؛ فَجِيءَ بِالعُقَابَينِ فَمُدَّتْ يَدَاي، فَقَالَ بَعْضُ مَن حَضَرَ خَلْفِي: خُذْ نَاتِئَ الخَشبَتَينِ بِيَدَيْكَ وَشُدَّ عَلَيْهِمَا؛ فَلَمْ أَفْهَمْ مَا قَال؛ فَتَخَلَّعَتْ يَدَاي» 0
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيّ: ذَكَرُواْ أَنَّ المُعْتَصِمَ أَلَانَ في أَمْرِ أَحْمَدَ لَمَّا عُلِّقَ في الْعُقَابَين، وَرَأَى ثبَاتَهُ وَتَصْمِيمَهُ وَصَلَابَتَه، حَتىَّ أَغْرَاهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبي دُوَادَ وَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنْ تَرَكْتَهُ قِيلَ قَدْ تَرَكَ مَذْهَبَ المَأْمُونِ وَسَخِطَ قَوْلَه؛ فَهَاجَهُ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبِهِ» 0
وَقَالَ ابْنُهُ صَالِح: «قَالَ أَبي: وَلَمَّا جِيءَ بِالسِّيَاطِ نَظَرَ إِلَيْهَا المُعْتَصِمُ فَقَال: ائْتُوني بِغَيْرِهَا، ثمَّ قَالَ لِلْجَلَاَّدِينَ
تَقَدَّمُواْ؛ فَجَعَلَ يَتَقَدَّمُ إِلَيَّ الرَّجُلُ مِنهُمْ فيَضْرِبُني سَوْطَين؛ فَيَقُولُ لَهُ: شُدَّ قَطَعَ اللهُ يَدَك، ثُمَّ يَتَنَحَّى وَيَتَقَدَّمُ آخَرُ فَيَضْرِبُني سَوْطَين، وَهُوَ يَقُولُ في كُلِّ ذَلِكَ شُدّ، قَطَعَ اللهُ يَدَك؛ فَلَمَّا ضُربْتُ سَبْعَةَ عَشَرَ سَوْطَاً قَامَ إِلَيَّ المُعْتَصِمُ فَقَال: يَا أَحْمَد، عَلَامَ تَقْتُلُ نَفْسَك؟
إِنيِّ وَاللهِ عَلَيْكَ لَشَفِيق؛ وَجَعَلَ عُجَيْفٌ يَنخَسُني بِقَائِمَةِ سَيْفِهِ وَيَقُول: أَتُرِيدُ أَنْ تَغْلِبَ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ؟
وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُول: وَيْلَك؛ إِمَامُكَ عَلَى رَأْسِكَ قَائِم، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ دَمُهُ في عُنُقِي، اقْتُلْهُ؛ فَأَقُول: أَعْطُوني شَيْئَاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ أَقُولُ بِهِ؛ فَرَجَعَ وَجَلَسَ وَقَالَ لِلْجلَاَّد: تَقَدَّمْ وَأَوْجِعْ قَطَعَ اللهُ يَدَك، ثمَّ قَامَ الثَّانيَةَ وَجَعَلَ يَقُولُ وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ أَجِبْني؛ فَجَعَلُواْ يُقْبِلُونَ عَلَيَّ وَيَقُولُون: يَا أَحْمَد؛ إِمَامُكَ عَلَى رَأْسِكَ قَائِم، وَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُول: مَنْ صَنَعَ مِن
أَصْحَابِكَ في هَذَا الأَمْرِ مَا تَصْنَع 00؟
وَالمُعْتَصِمُ يَقُول: أَجِبْني إِلىَ شَيْءٍ لَكَ فِيهِ أَدْنىَ فَرَجٍ حَتىَّ أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي، ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لِلْجَلَاَّد: تَقَدَّمْ؛ فَجَعَلَ يَضْرِبُني سَوْطَينِ وَيَتَنَحَّى، وَهُوَ في خِلَالِ ذَلِكَ يَقُول: شُدَّ قَطَعَ اللهُ يَدَك؛ فَذَهَبَ عَقْلِي، ثمَّ أَفَقْتُ بَعْد، فَإِذَا الأَقْيَادُ قَدْ أُطْلِقَتْ عَنيِّ؛ فَقَالَ لي رَجُلٌ مِمَّن حَضَر: كَبَبْنَاكَ عَلَى وَجْهِكَ وَطَرَحْنَا عَلَى ظَهْرِكَ بَارِيَّةً [أَيْ حَصِيرَاً] وَدُسْنَاك؛ قَالَ أَبي: فَمَا شَعَرْتُ بِذَلِك
، وَأَتَوْني بِسَوِيقٍ وَقَالُواْ: اشْرَبْ وَتَقَيَّأْ؛ فَقُلْتُ لَا أُفْطِر، ثُمَّ جِيءَ بي إِلىَ دَارِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيم؛ فَحَضَرْتُ الظُّهْر، فَتَقَدَّمَ ابْنُ سَمَاعَةَ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لي: صَلَّيْتَ وَالدَّمُ يَسِيلُ في ثَوْبِك 00؟
قُلْتُ: قَدْ صَلَّى عُمَرُ رضي الله عنه وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمَاً، قَالَ صَالِح: ثمَّ خُلِّيَ عَنهُ فَصَارَ إِلىَ مَنْزِلِه، وَكَانَ مُكْثُهُ في السِّجْنِ مُنْذُ أُخِذَ إِلىَ أَنْ ضُرِبَ وَخُلِّيَ عَنهُ ثَمَانيَةً وَعِشْرِينَ شَهْرَاً 0
قَالَ صَالِح: وَلَقَدْ حَدَّثَني أَحَدُ الرَّجلَينِ اللَّذيْنِ كَانَا مَعَهُ فَقَال: يَا ابْنَ أَخِي؛ رَحْمَةُ اللهِ عَلَى أَبي عَبْدِ الله؛ وَاللهِ ما رَأَيْتُ أَحَدَاً يُشْبِهُهُ، وَلَقَدْ جَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ في وَقْتِ مَا يُوَجَّهُ إِلَيْنَا بِالطَّعَام: يَا أَبَا عَبْدِ الله، أَنْتَ صَائِمٌ وَأَنْتَ في مَوْضِعِ تَفِئَة [أَيْ قَرِيبٍ مِنَ الْقُدُومِ عَلَى الله]، وَلَقَدْ عَطِشَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَالَ لِصَاحِبِ الشَّرَاب: نَاوِلْني؛ فَنَاوَلَهُ قَدَحَاً فِيهِ مَاءٌ وثَلْج؛ فَأَخَذَهُ وَنَظَرَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ وَلَمْ
يَشْرَبْ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى الجُوعِ وَالعطشِ وَهُوَ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الهَوْل،
قَالَ صَالِح: فَكُنْتُ أَلْتَمِسُ وَأَحْتَالُ أَن أُوَصِّلَ إِلَيْهِ طعَامَاً أَوْ رَغِيفَاً في تِلْكَ الأَيَّامِ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَأَخْبَرَني رَجُلٌ حَضَرَهُ أَنَّهُ تَفَقَّدَهُ في الأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ يُنَاظِرُونَهُ؛ فَمَا لَحَنَ في كَلِمَة؛ فَقَال: مَا ظَننْتُ أَنَّ أَحَدَاً يَكُونُ في مِثْلِ شَجَاعَتِهِ وَشِدَّةِ قَلْبِه 0
قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رحمه الله يَقُول:
«ذَهَبَ عَقْلِي مِرَارَاً؛ فَكَانَ إِذَا رُفِعَ عَنيِّ الضَّرْبُ رَجَعَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَإِذَا اسْتَرْخَيْتُ وَسَقَطْتُ رُفِعَ الضَّرْب، أَصَابَني ذَلِكَ مِرَارَاً، وَرَأَيْتُ المُعْتَصِمَ قَاعِدَاً في الشَّمْسِ بِغَيْرِ مِظَلَّة؛ فَسَمِعْتُهُ وَقَد أَفَقْتُ يَقُولُ لاِبْنِ أَبي دُوَاد: لَقَدِ ارْتَكَبْتُ إِثْمَاً في أَمْرِ هَذَا الرَّجُل؛ فَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، إِنَّهُ وَاللهِ كَافِرٌ مُشْرِك، قَدْ أَشْرَكَ مِن غَيْرِ وَجْه؛ فَلَا يَزَالُ بِهِ حَتىَّ يَصْرِفَهُ عَمَّا يُرِيد، وَقَدْ كَانَ أَرَادَ تَخْلِيَتي بِلَا ضَرْب
؛ فَلَمْ يَدَعْهُ وَلَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم» 0
عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: «مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ عَمَلاً، فَأَرَادَ اللهُ بِهِ خَيرَاً: جَعَلَ لَهُ وَزِيرَاً صَالِحَاً، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَه، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَه» 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 6596، 489، وَفي سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 4204]
عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
[رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: 7198 / فَتْح]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: «مَا مِنْ وَالٍ إِلَاّ وَلَهُ بِطَانَتَان: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ المُنْكَر، وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالاً ـ أَيْ لَا تُقَصِّرُ في تَضْلِيلِهِ ـ فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهَا فَقَدْ وُقِيَ، وَهُوَ مِنَ الَّتي تَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنهُمَا» 0
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلْبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ النَّسَائِيِّ بِرَقْم: 4201، وَالأُسْتَاذ وَحُسَيْن سَلِيم أَسَد في مُسْنَدِ الإِمَامِ أَبي يَعْلَى بِرَقْم: 6000]
قَالَ حَنْبَل: بَلَغَني أَنَّ المُعْتَصِمَ قَالَ لَاِبْنِ أَبي دُوَادَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ أَبُو عَبْدِ الله: كَمْ ضُرِبَ؟
قَال: أَرْبَعَةً أَوْ نَيِّفَاً وَثَلَاثِينَ سَوْطَاً» 0
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الأَسَدِيُّ قَال:
«لَمَّا حُملَ أَحْمَدُ لِيُضْرَب: جَاؤُواْ إِلىَ بِشْرِ بْنِ الحَارِثِ وَقَالُواْ: قَدْ وَجبَ عَلَيْكَ أَنْ تَتَكَلَّم؛ فَقَال: أَتُرِيدُونَ مِنيِّ أَقُومَ مَقَامَ الأَنْبِيَاء؛ لَيْسَ ذَا عِنْدِي، حَفِظَ اللهُ أَحْمَدَ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ
وَمِن خَلْفِه»
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ المُثَنىَّ صَاحِبُ بِشْرٍ قَال:
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: قِيلَ لي: اكْتُبْ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ وَيُخَلَّى سَبِيلُك؛ فَقُلْتُ:
هَاتُواْ، قَالُواْ: اكْتُبْ: اللهُ قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ؛ فَكَتَبْت؛ فَقَالُواْ: اكْتُبْ: كُلُّ شَيْءٍ دُونَ اللهِ مَخْلُوق؛ قُلْتُ: أَمَّا هَذِهِ فَلَا، وَرَمَيْتُ بِالقَلَم» 0
قَالَ أَبُو الْفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
«قُلْتُ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بَيْنَ الْعُقَابَين: يَا أُسْتَاذ؛ قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: (لَا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ ({النِّسَاء}
قَالَ رحمه الله: يَا مَرُّوذِيّ؛ اخْرُجْ وَانْظُرْ؛ فَخَرَجْتُ إِلىَ رَحْبَةِ دَارِ الخِلَافَة؛ فَرَأَيْتُ خَلْقَاً لَا يُحْصِيهِمْ إِلَاَّ الله، وَالصُّحُفُ في أَيْدِيهِمْ، وَالأَقْلَامُ وَالمَحَابِر، فَقَالَ لَهُمُ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: مَاذَا تَعْمَلُون؟
قَالُواْ: نَنْظُرُ مَا يَقُولُ أَحْمَدُ فَنَكْتُبُه؛ فَدَخَلَ فَأَخْبَرَهُ؛ فَقَال: يَا مَرُّوذِيُّ أُضِلُّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ»؟
قَالَ حَنْبَل: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رحمه الله: قَالَ بُرْغُوثُ [يَوْمَ المِحْنَة]: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، هُوَ كَافِرٌ حلَالُ الدَّم، اضْرِبْ عُنُقَه، وَدَمُهُ في عُنُقِي، وَقَالَ شُعَيْبٌ كَذَلِكَ أَيْضَاً؛ فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَيْهِمَا، قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: لَمْ يَكُنْ في الْقَوْمِ أَشَدُّ تَكْفِيرَاً لي مِنهُمَا، وَأَمَّا ابْنُ سِمَاعَةَ فَقَال:
يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنَّه مِن أَهْلِ بَيْتِ شَرَفٍ ولَهُمْ قَدَم، وَلَعَلَّهُ يَصِيرُ إِلىَ الَّذِي عَلَيْهِ أَمِيرُ المُؤْمِنِين، فَكَأَنَّه رقَّ
عِنْدَهَا، وَكَانَ إِذَا كَلَّمَني ابْنُ أَبي دُوَادَ لَمْ أَلْتَفِتْ إِلىَ كَلَامِه، وَإِذَا كلَّمَني أَبُو إِسْحَاقَ أَلَنْتُ لَهُ الْقَوْل؛ فَقَالَ في اليَوْمِ الثَّالِث: أَجِبْني يَا أَحْمَد، فَإِنَّهُ بَلَغَني أَنَّكَ تحِبُّ الرِّئَاسَة؛ وَذَلِكَ لَمَّا أَوْغَرُواْ قَلْبَه عَلَيّ، وَجَعَلَ بَرْغُوثُ يَقُول: قَالَ الجَبْرِيُّ كَذَا وَكَذَا [يَقْصِدُ لَعَنَهُ اللهُ الإِمَامَ أَحْمَد] 00 كَلَامٌ هُوَ الْكُفْرُ بِالله، فَجَعَلْتُ أَقُولُ مَا أَدْرِي مَا هَذَا، إِلَاَّ أَنيِّ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ لَا شِبْهَ لَهُ وَلَا عِدْل،
وَهُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، فَسَكَتَ أَخْزَاهُ الله، ثُمَّ قَالَ ليَ المُعْتَصِم: يَا أَحْمَد؛ إِنيِّ لأُشْفِقُ عَلَيْكَ شَفَقَتي عَلَى ابْني هَارُون؛ فَأَجِبْني، وَاللهِ لَودِدْتُ أَنيِّ لَمْ أَكُن عَرَفْتُكَ يَا أَحْمَد؛ اللهَ اللهَ في دَمِك؛ فلَمَّا كَانَ في آخِرِ ذَلِكَ قَال: لَعَنَكَ الله؛ لَقَدْ طَمِعْتُ أَنْ تُجِيبَني، ثمَّ قَال: خُذُوهُ وَاسْحَبُوه [أَيْ عَلَى الْعَرُوسَة]؛ فَأُخِذْتُ ثُمَّ خُلِّعْت، وَجِيءَ بِعُقَابَيْنِ وَأَسْيَاط، وَكَانَ مَعِي شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ صُيِّرْتُ
بَيْنَ الْعُقَابين؛ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، اللهَ اللهَ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:
يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فِيمَ تَسْتَحِلُّ دَمِي 00؟!
اللهَ اللهَ لَا تَلْقَ اللهَ وَبَيْني وَبَيْنَكَ مُطَالَبَة، اذْكُرْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وُقُوفَكَ بَينَ يَدَيِ اللهِ عز وجل كَوُقُوفي بَيْن يَدَيْك، وَرَاقِبِ اللهَ جل جلاله؛ فَكَأَنَّهُ أَمْسَك؛ فَخَافَ ابْنُ أَبي دُوَادَ
أَنْ يَكُونَ مِنهُ عَطْفٌ أَوْ رَأْفَةٌ فَقَال: إِنَّه كَافِرٌ بِاللهِ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ضَالٌّ مُضِلّ» 00!!
حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الحَارِثِ الْعُبَادِيُّ قَال: قَال أَبُو محَمَّدٍ الطُّفَاوِيّ:
«أَخْبِرْني بِمَا صَنعُواْ بِك 00؟
قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لَمَّا ضُربْتُ بِالسِّيَاط: جَعَلْتُ أَذْكُرُ كَلَامَ الأَعْرَابيّ، ثمَّ جَاءَ ذَاكَ الطَّوِيلُ اللِّحْيَةِ [يَعْني عُجَيفَاً] فَضَرَبَني بِقَائِمِ السَّيْف، ثمَّ جَاءَ ذَاكَ فَقُلْتُ: قَدْ جَاءَ الْفَرَج 000 يَضْرِبُ عُنُقِي فَأَسْتَرِيح؛ فَقَال لَهُ ابْن سَمَاعَة: يَا
أَمِيرَ المُؤْمِنِين، اضْرِبْ عُنُقَهُ وَدمُهُ في رَقَبَتي؛ فَقَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد:
لَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّهُ إِنْ قُتلَ أَوْ مَاتَ في دَارِكَ قَالَ النَّاس: صَبَرَ حَتىَّ قُتِلَ فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ إِمَامَاً وَثَبَتُواْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْه، وَلَكِن أَطْلِقْهُ السَّاعَة؛ فَإِنْ مَاتَ خَارجَاً مِنْ مَنْزِلِكَ شَكَّ النَّاسُ في أَمْرِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَجَابَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يُجِبْ» 0
حَدَّثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الجَرَوِيِّ قَال:
«دَخَلْتُ أَنَا وَالحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ عَلَى أَحْمَدَ حِدْثَانَ ضَرْبِهِ؛ فَقَالَ لَنَا: ضُربْتُ فَسَقَطْتُ، وَسَمِعْتُ ذَاكَ [يَعْني ابْنَ أَبي دُوَادَ] يَقُول: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ هُوَ وَاللهِ ضَالٌّ مُضِلّ؛ فَقَالَ لَهُ الحَارِث: أَخْبَرَني يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُعِيَ بِهِ حَتىَّ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ وَعُلِّقَتْ كُتُبُهُ في عُنُقِه، ثمَّ قَالَ الإِمَامُ مَالِك: وَقَدْ ضُرِبَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وَحُلِقَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ، وَضُرِبَ أَبُو الزِّنَاد، وَضُرِبَ محَمَّدُ
بْنُ المُنْكَدِرِ وَأَصْحَابٌ لَهُ في حَمَّامٍ بِالسِّيَاط، وَمَا ذكرَ مَالِكٌ نَفْسَهُ، فَأُعْجِبَ أَحْمَدُ بِقَوْلِ الحَارِثِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا» 0
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَان: «ضَربَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ مَالِكَاً تِسْعِينَ سَوْطَاً سنَةَ 147 هـ»
وَرُوِيَ عَنْ محَمَّدِ بْنِ أَبي سَمِينَةَ عَنْ شَابَاصَ التَّائِبِ قَال:
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: «سَمِعْتُ أَبي يَقُول: أَتيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بِثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ نَحْوِهَا؛ فَجَرَى ذِكْرُ الضَّرْبِ فَقُلْتُ لَهُ: ذَهَبَ عَنْكَ أَلَمُ الضَّرب 00؟
فَأَخْرَجَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَدَيْه، وَقبضَ كُوعَيْهِ اليَمِينَ وَاليسَارَ وَقَال: هَذَا: كَأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ خُلِعَا» 0
حَدَّثَ ابْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاقُ عَن أَبي زُرْعَةَ الرَّازِي أَنَّ المُعْتَصِمَ حِينَ خَشِيَ مِنْ ثَوْرَةِ الْعَامَّةِ غَضَبَاً عَلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ مِنَ التَّلَفِ أَخْرَجَهُ
لِلنَّاسِ وَقَال: انْظُرُواْ إِلَيْه؛ أَلَيْسَ هُوَ صَحِيحَ الْبَدَن؟
قَالُواْ: نَعَمْ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي: وَلَوْلَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لكُنْتُ أَخَافُ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ لَا يُقَامُ لَه؛
فَلَمَّا قَالَ قَدْ سَلَّمْتُه إِلَيْكُمْ صَحِيحَ الْبَدَنِ هَدأَ النَّاسُ وَسَكَنُواْ، وَلَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ عَامَّةُ بَغْدَادَ رُبَّمَا عَجِزَ عَنهُمْ» 0
قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل:
«لَمَّا أَمْرَ المُعْتَصِمُ بِتَخْلِيَةِ أَبي عَبْدِ الله: خَلَعَ عَلَيْهِ مُبَطَّنَةً وَقَمِيصَاً وَطَيْلَسَانَاً، وَقَلَنْسُوَةً وَخُفَّاً،
فَبَينَا نَحْنُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَالنَّاسُ في المَيدَانِ وَالدُّرُوبِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ غُلَّقَتِ الأَسْوَاق؛ إِذْ خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى دَابَّةٍ مِنْ دَارِ المُعْتَصِمِ في تِلْكَ الثِّيَاب، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبي دُوَادَ عَنْ يَمِينِه، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالي بَغْدَادَ عَنْ يسَارِه، فَلَمَّا صَارَ في الدِّهْلِيزِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ قَالَ لَهُمُ ابْنُ أَبي دُوَاد: اكْشِفُواْ رَأْسَهُ، وَبَعَثَ إِلىَ وَالِدِي وَإِلىَ جِيرَانِنَا وَمَشَايِخِ المَحَالِّ فَجُمِعُواْ وَأُدْخِلُواْ عَلَيْه، فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَإِنْ كَانَ فِيكُمْ مَنْ يَعْرِفُهُ؛ وَإِلَاَّ فَلْيَعْرِفْه» 00 قَالَ هَذَا تَهْدِئَةً لِلنَّاس 0
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاق: قَالَ أَبُو الْفَضْلِ صَالِح: «خُلِّيَ عَنهُ فَصَارَ إِلىَ المَنْزِل، وَوُجِّهَ إِلىَ المَطْبَق [كَالمُسْتَشْفَى]، فَجِيءَ بِرَجُلٍ مِمَّنْ يُبْصِرُ الضَّرْبَ وَالْعِلَاجَ فَنَظَر إِلىَ ضَرْبِهِ فَقَال:
قَدْ رَأَيْتُ مَنْ ضُربَ أَلْفَ سَوْط؛ مَا رَأَيْتُ ضَرْبَاً مِثْلَ هَذَا؛ لَقَدْ جُرَّ عَلَيْهِ مِن خَلْفِهِ وَمِنْ قُدَّامِهِ، ثُمَّ أَخَذَ مِيلاً [أَيْ عُودَاً]، فَأَدْخَلَهُ في بَعْضِ تِلْكَ الجِرَاحَاتِ [لِيَسْبُرَ غَوْرَهَا، وَلِيَعْرِفَ هَلْ هِيَ جِرَاحَاتٌ سَطْحِيَّةٌ أَمْ عَمِيقَة]،
فَنَظَر إِلَيْهِ فَقَال: لَمْ يُنْقَبْ 00؟
وَجَعَلَ يَأْتِيهِ بِالمَرَاهِمِ يُعَالِجُه، وَكَانَ قَدْ أَصَابَ وَجْهَهُ غَيْرُ ضَرْبَة، وَمَكَثَ مُنْكَبَّاً عَلَى وَجْهِه مَا شَاءَ الله، ثمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا شَيْئَاً أُرِيدُ أَن أَقْطَعَه؛ فَجَاءَ بحَدِيدَةٍ فَجَعَلَ يُعلِّقُ اللَّحْمَ بِهَا فَيَقْطَعُهُ بِسِكِّينٍ مَعَهُ، وَهُوَ صَابرٌ لِذَلِكَ يَجْهَرُ بحَمْدِ اللهِ في ذَلِك، فَبَرَأَ مِنهُ، وَلَمْ يَزَلْ يَتَوَجَّعُ مِنْ مَوَاضِعَ مِنهُ، وَكَانَ أَثَرُ الضَّرْبِ بَيِّنَاً في ظَهْرِه إِلىَ أَنْ تُوُفِّيَ، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ
يَوْمَاً فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَني أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَيْكَ فَقَالَ اجْعَلْني في حِلٍّ إذْ لَمْ أَقُمْ بِنُصْرَتِكَ فَقُلْتَ: لَا أَجْعَلُ أَحَدَاً في حِلّ؛ فَتَبَسَّمَ أَبي وَسَكَتَ، وَسَمِعْتُ أَبي يَقُول: لَقَدْ جَعَلْتُ المَيِّتَ في حِلٍّ مِنْ ضَرْبِهِ إِيَّاي [أَيِ المُعْتَصِم] ثمَّ قَال: مَرَرْتُ بِهَذِه الآيَة: (فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله ({الشُّورَى/40}
فَنَظَرْتُ في تَفْسِيرِهَا؛ فَإذَا هُوَ مَا أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ قَال:
أَخْبَرَني مَنْ سَمِعَ الحَسَنَ يَقُول: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَثَتِ الأُمَمُ كُلُّهَا بَينَ يَدَيِ اللهِ رَبِّ الْعَالِمِين، ثُمَّ نُودِيَ أَنْ لَا يَقُومَ إِلَاَّ مَن أَجْرُه عَلَى الله؛ فَلَا يَقُومُ إِلَاَّ مَن عَفَا في الدُّنْيَا» 0
فَجَعَلْتُ المَيِّتَ في حِلّ، ثُمَّ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: وَمَا عَلَى رَجُلٍ أَنْ لَا يُعَذِّبَ اللهُ أَحَدَاً بِسَبِبِه» 0
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بْنُ المُنَادِي: حَدَّثَني جَدِّي أَبُو جَعْفَرٍ قَال:
«لَقِيْتُ أَبَا عَبْدِ الله؛ فرَأَيْتُ في يَدَيْهِ مِجْمَرَةً يُسخِّنُ خِرْقَةً، ثمَّ يَجْعَلُهَا عَلَى جَنْبِهِ مِنَ الضَّرْب، فَقَال: يَا أَبَا جَعْفَر؛ مَا كَانَ في الْقَوْمِ أَرَأَفُ بي مِنَ المُعْتَصِم» 00 المِجْمَرَة: الَّتي يُوضَعُ فِيهَا الجَمْر
قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: «لَمَّا أَرَدْنَا عِلَاجَهُ؛ خِفْنَا أَنْ يَدُسَّ ابْنُ أَبي دُوَادَ إِلىَ المُعَالِجِ فَيُلْقِيَ في دَوَائِهِ سُمَّاً؛ فَعَمِلْنَا الدَّوَاءَ وَالمَرْهَمَ عِنْدنَا فَكَانَ في بَرْنِيَّةٍ؛ فَإِذَا دَاوَاهُ رَفَعْنَاهَا، وَكَانَ إِذَا أَصَابَهُ الْبَرْدُ
ضَرَبَ عَلَيْه» 00 أَيْ آلَمَهُ 0
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَني أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ قَال:
قَالَ حَنْبَل: «سَمِعْتُهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: كُلُّ مَنْ ذَكَرَني فَفِي حِلٍّ؛ إِلَاَّ مُبْتَدِعَاً، وَقَدْ جَعَلْتُ أَبَا إِسْحَاقَ [يَعْني الخَلِيفَةَ المُعْتَصِمَ] في حِلٍّ؛ رَأَيْتُ اللهَ
عَزَّ وَجَلَّ يَقُول: (وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُم ({النُّور/22} وَأَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ بِالعَفْوِ في قِصَّةِ مِسْطَح، وَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ اللهُ ذِكْرَه: وَمَا يَنْفَعُكَ أَنْ يُعَذِّبَ اللهُ أَخَاكَ المُسْلِمَ بِسَبَبِك» 00؟!
ـ مِحْنَةُ الْوَاثِق:
قَالَ حَنْبَل: «لَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ أَنْ بَرِئَ مِنَ الضَّرْبِ يَحْضُرُ الجُمُعَةَ وَالجَمَاعَةَ وَيُحَدِّثُ وَيُفْتي حَتىَّ مَاتَ المُعْتَصِمُ وَوَلِيَ ابْنُهُ الْوَاثِق؛
فَأَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ مِنَ المِحْنَةِ وَالمَيْلِ إِلىَ أَحْمَدَ بْنِ أَبي دُوَادَ وَأَصْحَابِه؛ فَلَمَّا اشْتَدَّ الأَمْرُ عَلَى أَهْلِ بَغْدَاد، وَأَظْهَرَتِ الْقُضَاةُ المِحْنَةَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَفُرِّقَ بَيْنَ فَضْلٍ الأَنْمَاطِيِّ وَبَيْنَ امْرَأَتِه، وَبَيْنَ أَبي صَالِحٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِه، كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَشْهَدُ الجُمُعَةَ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ إِذَا رَجَعَ وَيَقُول: تُؤْتىَ الجُمُعَةُ لِفَضْلِهَا، وَالصَّلَاةُ تُعَادُ خَلْفَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ المَقَالَة؛ فَجَاءَ نَفرٌ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ فَقَالُواْ: هَذَا
الأَمْرُ قَدْ فَشَا وَتفَاقم، وَنَحْنُ نَخَافُهُ عَلَى أَكْثَرَ مِن هَذَا، وَذَكَرُواْ ابْنَ أَبي دُوَادَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَأَنَّهُ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ المُعَلِّمِينَ بِتَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ في المكَاتِبِ الْقُرْآنُ كَذَا وَكَذَا، فَنَحْنُ لَا نَرْضَى بِإِمَارَتِه؛ فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْر، فَبَيْنَمَا نَحْنُ في أَيَّامِ الْوَاثِقِ إِذْ جَاءَ يَعْقُوبُ لَيْلاً بِرِسَالَةِ الأَمِيرِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ يَقُولُ لَكَ الأَمِير: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ ذَكَرَك؛ فَلَا
يَجْتَمِعَنَّ إِلَيْكَ أَحَد، وَلَا تُسَاكِنيِّ بِأَرْضٍ وَلَا مَدينَةٍ أَنَا فِيهَا؛ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ مِن أَرْضِ الله؛ فَاخْتَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ بَقِيَّةَ حَيَاةِ الْوَاثِق، وَكَانَتْ تِلْكَ فِتْنَةً، وَقُتِلَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيّ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُخْتَفِيَاً في الْبَيْتِ لَا يَخْرُجُ إِلىَ صَلَاةٍ وَلَا إِلىَ غَيْرِهَا حَتىَّ هَلَكَ الْوَاثِق» 0
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئ: «اخْتَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدِي ثَلَاثَاً ثمَّ قَال: اطْلُبْ لي مَوْضِعَاً؛ قُلْتُ: لَا آمَنُ عَلَيْك 00 قَالَ
افْعَلْ؛ فَإِذَا فَعَلْتَ أَفَدْتُك؛ فَطَلَبْتُ لَهُ مَوْضِعَاً، فَلَمَّا خَرَجَ قَال: اخْتَفَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الْغَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَحَوَّل» 00
عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه؛ حَتىَّ في هُرُوبِهِ يَقْتَدِي بمَحْبُوبِهِ صلى الله عليه وسلم 0
كَتَبَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الجَعْدِ قَاضِي بَغْدَادَ إِلىَ ابْنِ أَبي دُوَاد:
قَالَ ابْنُهُ صَالِح: «وَجَّهَ إِسْحَاقُ إِلىَ أَبي: الْزَمْ بَيْتَكَ وَلَا تَخْرجْ إِلىَ جَمَاعَةٍ وَلَا جُمُعَة، وَإِلَاَّ نَزَلَ بِكَ مَا نَزَلَ بِكَ أَيَّامَ المُعْتَصِم» 0
ـ قِصَّتُهُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَأَثَابَ صَبرَهُ مَعَ الخَلِيفَةِ المُتَوَكِّل:
قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: «وَلِيَ المُتَوَكِّلُ جَعْفَرٌ، فَأَظْهَرَ السُّنَّةَ وَفَرَّجَ عَنِ النَّاس، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُنَا وَيُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ في أَيَّامِ المُتَوَكِّل» 0
قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل:
«إِنَّ المُتَوَكِّلَ ذَكَرَهُ، وَكَتَبَ إِلىَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ في إِخْرَاجِهِ إِلَيْه؛ فَجَاءَ رَسُولُ إِسْحَاقَ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ يَأْمُرُهُ بِالحُضُور؛ فَمَضَى أَبُو عَبْدِ اللهِ ثمَّ رَجَع، فَسَأَلَهُ أَبي عَمَّا دُعِيَ لَهُ 00؟
فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَرَأَ عَلَيَّ كِتَابَ جَعْفَرٍ يَأْمُرُني بِالخُرُوجِ إِلىَ الْعَسكر [بِسُرَّ مَنْ رَأَى]
وَقَالَ لي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم: مَا تَقُولُ في الْقُرْآن 00؟
فَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ نَهَى عَن هَذَا؛ فَقَالَ لي: لَا تُعْلِمْ أَحَدَاً أَنيِّ سَأَلْتُكَ عَنِ الْقُرْآن؛ فَقُلْتُ لَهُ: مَسْأَلَةُ مُسْتَرْشِدٍ أَوْ مَسْأَلَةُ مُتَعَنِّت 00؟
قَال: بَلْ مُسْتَرْشِد؛ قُلْتُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوق» 0
قَالَ صَالحُ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: قَالَ أَبي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَالَ لي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم: اجعَلْني في حِلٍّ مِن حُضُورِي ضَرْبَك؛ فَقُلْتُ: قَدْ جَعَلْتُ كُلَّ مَن حَضَرَني في حِلّ، وَقَالَ لي: مِن أَيْنَ قُلْتَ:
إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ 00؟
فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: (أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْر ({الأَعْرَاف/54}
فَفَرَّقَ بَيْنَ الخَلْقِ وَالأَمْر؛ فَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم: الأَمْرُ مَخْلُوق؛ ثمَّ قَال: يَا سُبْحَانَ الله؛ أَمَخْلُوقٌ يَخْلُقُ خَلْقَاً 00؟! [أَيْ إِنْ كَانَتْ «كُنْ» مَخْلُوقَةً؛ أَمَخْلُوقٌ يَخْلُقُ خَلْقَاً] 00؟!
ثُمَّ قَالَ لي [أَيْ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ لِلإِمَامِ أَحْمَد]: عَمَّنْ تَحْكِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوق 00؟
قُلْتُ: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محَمَّدٍ قَال: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوق» 0
قَالَ حَنْبَل: لَمْ يَكُن عِنْدَ أَبي عَبْدِ اللهِ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ أَوْ يُنْفِقُهُ، وَكَانَتْ عِنْدِي مِاْئَةُ دِرْهَم؛ فَأَتَيْتُ بِهَا أَبي؛ فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْه، فَأَصْلَحَ بِهَا مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاكْتَرَى وَخَرَج، وَلَمْ يَمْضِ إِلىَ محَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَا سَلَّمَ عَلَيْه؛ فَكَتَبَ بِذَلِكَ محَمَّدٌ إِلىَ أَبِيه؛ فَحَقَدَهَا إِسْحَاقُ عَلَيْهِ وَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنَّ أَحْمَدَ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ
وَلَمْ يَأْتِ مَولَاكَ محَمَّدَاً؛ فَقَالَ المُتَوَكِّلُ: يُرَدُّ وَلَوْ وَطِئَ بِسَاطِي، وَكَانَ أَحْمَدُ قَدْ بَلَغَ بُصْرَى [مَدِينَةٌ جَنُوبَ سُورِيَّةَ قُرْبَ الأُرْدُن]؛ فَرُدَّ، فَرَجَعَ وَامْتَنَعَ مِنَ الحَدِيثِ إِلَاَّ لِوَلَدِهِ وَلَنَا، وَرُبَّمَا قَرَأَ عَلَيْنَا في مَنْزِلِنَا، ثُمَّ إِنَّ رَافِعَاً رَفَعَ إِلىَ المُتَوَكِّلِ: إِنَّ أَحْمَدَ رَبَّصَ عَلَوِيَّاً في مَنْزِلِهِ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُبَايِعَ عَلَيْه، وَلَمْ يَكُن عِنْدنَا عِلم؛ فَبَينَا نحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ نِيَامٌ في الصَّيْف؛ سَمِعْنَا الجَلَبَةَ
وَرَأَيْنَا النِّيرَانَ في دَارِ أَبي عَبْدِ الله؛ فَأَسْرَعْنَا، وَإِذَا بِهِ قَاعِدٌ في إِزَار، وَمُظَفَّرُ بْنُ الْكَلْبيِّ صَاحِبُ الخَبَرِ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُمْ؛ فَقَرَأَ صَاحِبُ الخَبَرِ كِتَابَ المُتَوَكِّل: «وَرَدَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ أَنَّ عِندَكُمْ عَلَوِيَّاً رَبَّصْتَهُ لِتُبَايِعَ لَهُ وَتُظْهِرَهُ 00000 في كَلَامٍ طَوِيل، ثُمَّ قَالَ لَهُ مُظَفَّر: مَا تَقُول 00؟
قَال: مَا أَعْرِفُ مِن هَذَا شَيْئَاً، وَإِنيِّ لأَرَى لَهُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ في عُسْرِي وَيُسْرِي وَمَنْشَطِي وَمَكْرَهِي وَأَثَرَةٍ عَلَيّ، وَإِنيِّ
لأَدْعُو اللهَ لَهُ بِالتَّسْدِيدِ وَالتَّوْفِيقِ في اللَّيْلِ وَالنَّهَار 00000 في كَلَامٍ كَثِير؛ فَقَالَ مُظَفَّر: قَدْ أَمَرَني أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَن أُحَلِّفَك؛ فَأَحْلَفَهُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثَاً أَنَّ مَا عِنْدَهُ طِلْبَةَ أَمِيرِ المُؤْمِنِين، ثُمَّ فَتَّشواْ مَنْزِلَ أَبي عَبْدِ اللهِ وَالسَّرْبَ وَالغُرَفَ وَالسُّطُوح، وَفَتَّشُواْ تَابُوتَ الْكُتُب، وَفَتَّشُواْ النِّسَاءَ وَالمَنَازِل؛ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئَاً؛ فَوَلَّواْ مُدْبِرِين، وَرَدَّ اللهُ كَيْدَ الخَائِنِين، وَكُتِبَ بِذَلِكَ إِلىَ المُتَوَكِّل؛ فَوَقَعَ ذَلِكَ
مِنهُ مَوْقِعَاً حَسَنَاً، وَعَلِمَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَكْذُوبٌ عَلَيْه، وَكَانَ الَّذِي دَسَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِن أَهْلِ الْبِدَع، وَلَمْ يَمُتْ حَتىَّ بَيَّنَ اللهُ أَمْرَهُ لِلْمُسْلِمِين: وَهُوَ ابْنُ الثَّلْجِيّ»
وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى لاِبْنِ الْكَلْبيّ: «أُرِيدُ أَن أُفتِّشَ مَنْزِلَكَ وَمَنْزِلَ ابْنِك؛ فَقَامَ مُظَفَّرٌ وَابْنُ الْكَلْبيِّ وَامْرَأَتَانِ مَعَهُمَا؛ فَفَتَّشواْ، وَدَلَّوْاْ شَمْعَةً في الْبِئْرِ وَنَظَرُواْ فِيهَا، ثُمَّ خَرَجُواْ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْن: وَرَدَ كِتَابُ عَلِيِّ بْنِ الجَهْم:
إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ بَرَاءتُك 000» 0
فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ رحمه الله وَقَال: مَا لي إِلَيْهِ حَاجَة؛ فَقَال: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ اقْبَلْ مِن أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ مَا أَمَرَكَ بِه؛ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكَ عِنْدَه، فَإِنَّكَ إِنْ رَدَدْتَهُ خِفْتُ أَنْ يَظُنَّ بِكَ سُوءَاً؛ فَحِينَئِذٍ قَبِلهَا، فَلَمَّا خَرَجَ قَال: يَا أَبَا عَلِيّ؛ قُلْتُ لَبَّيْك؛ قَال: ارْفَعْ هَذِهِ الْبَدْرَةَ وَضَعْهَا تَحْتَهَا أَيْ تَحْتَ الْبَغْلَة، ثُمَّ تَمَلْمَلَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عَلَى فِرَاشِهِ فَمَا نَامَ حَتىَّ دَعَا بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ فَكَتَبُواْ مَنْ يَعْرِفُونَ مِن أَهْلِ
البِرِّ وَالصَّلَاحِ مِنْ فُقَرَاءِ طَلَبَةِ الْعِلْم؛ فَفَرَّقهَا كُلَّهَا مَا بَيْنَ الخَمْسِينَ إِلىَ الماْئَةِ وَالماْئَتَيْن؛ فَمَا بَقِيَ في الْكِيسِ دِرْهَم، فلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِك، مَاتَ الأَمِيرُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُهُ محَمَّد، ثمَّ وَلِيَ بَغْدَادَ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاق؛ فَجَاءَ رَسُولٌ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ فَذَهَبَ إِلَيْه، فَقَرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ المُتَوَكِّل، وَقَالَ لَه: يَأْمرُكَ بِالخُرُوج [يَعْني: إِلىَ سَامَرَّاء]؛ فَقَالَ رحمه الله: أَنَا شَيْخٌ ضَعِيفٌ عَليل؛ فَكَتَبَ لَهُ بِذَلِك
ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ يَرُدُّ عَلَيْه؛ فَوَرَدَ جَوَابُ الْكِتَاب: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَأْمُرُهُ بِالخُرُوج؛ فَوجَّهَ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ أَجْنَادَاً فَبَاتُواْ عَلَى بَابِنَا أَيَّامَاً، حَتىَّ تَهَيَّأَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لِلْخُرُوج، فَخَرَجَ وَمَعَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ وَأَبي» 0
ـ زُهْدُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مَعَ الْغِنى وَكَثْرَةِ المَال:
قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: أَخْبَرَني أَبي إِسْحَاقُ رحمه الله قَال:
«دَخلْنَا إِلىَ الْعَسْكَر؛ فَإِذَا نَحْنُ بِمَوْكِبٍ عَظِيمٍ مُقْبِل؛ فَلَمَّا حَاذَى بِنَا قَالُواْ: هَذَا وَصِيف، وَإِذَا بِفَارِسٍ قَدْ أَقْبَلَ فَقَالَ لأَبي عَبْدِ الله: الأَمِيرُ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَك: إِنَّ اللهَ قَدْ أَمْكَنَكَ مِن عَدُوِّكَ [يَقْصِدُ ابْنَ أَبي دُوَاد] وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ يَقْبَلُ مِنْك؛ فَلَا تَدَعْ شَيْئَاً إِلَاَّ تَكَلَّمْتَ بِه؛ فَمَا رَدَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئَاً، وَجَعَلْتُ أَنَا أَدْعُو لأَمِيرِ المُؤْمِنِين، وَدَعَوْتُ لِوَصِيف، وَمَضَيْنَا فَأُنْزِلْنَا في دَارِ
إِيتَاخ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَبُو عَبْدِ الله؛ فَسَأَلَ بَعْدُ لِمَن هَذِهِ الدَّار 00؟
قَالُواْ: هَذِهِ دَارُ إِيتَاخ؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: حَوِّلُوني، اكْتَرُواْ لي دَارَاً؛ قَالُواْ: هَذِهِ دَارٌ أَنْزَلَكَهَا أَمِيرُ المُؤْمِنِين؛ قَال: لَا أَبِيْتُ هَا هُنَا، وَلَمْ يَزَلْ حَتىَّ اكْتَرَيْنَا لَهُ دَارَاً، وَكَانَتْ تَأْتِينَا في كُلِّ يَوْمٍ مَائِدَةٌ فِيهَا أَلْوَانٌ يَأْمُرُ بِهَا المُتَوَكِّل، وَالثَّلْجُ وَالفَاكِهَةُ وَغَيْرُ ذَلِك؛ فَمَا ذَاقَ مِنهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئَاً وَلَا نَظَرَ إِلَيْهَا، وَكَانَ
نَفَقَةُ المَائِدَةِ في اليَوْم: مِاْئَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمَاً، وَكَانَ يحْيىَ بْنُ خَاقَانَ وَابْنُهُ عُبَيْدُ الله، وَعَلِيُّ بْنُ الجَهْمِ يخْتَلِفُونَ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ بِرَسَائِلِ المُتَوَكِّل، وَدَامتِ الْعِلَّةُ بِأَبي عَبْدِ اللهِ وَضَعُفَ ضَعْفَاً شَدِيدَاً، وَكَانَ يُوَاصِلُ الصِّيَام، وَمَكَثَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَب، فَفِي الثَّامِنِ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُطْفَأ [أَيْ يَمُوت]، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ يُوَاصِلُ سَبْعَةً، وَهَذَا لَكَ اليَوْمَ
ثَمَانيَةُ أَيَّام؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: إِنيِّ مُطِيق؛ قُلْتُ: بِحَقِّي عَلَيْك؛ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَإِنيِّ أَفْعَل؛ فَأَتَيْتُهُ بِسَوِيق، فَشَرِب، وَوجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ بِمَالٍ عَظِيمٍ فَرَدَّهُ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ يحْيىَ بْنِ خَاقَان: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَدْفَعَهَا إِلىَ وَلَدِكَ وَأَهْلِك؛ قَال: هُمْ مُسْتَغْنُون؛ فَرَدَّهَا عَلَيْه، فَأَخَذَهَا عُبَيْدُ اللهِ فَقَسَّمَهَا عَلَى وَلَدِه، ثُمَّ أَجْرَى المُتَوَكِّلُ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ في كُلِّ شَهْرٍ
أَرْبَعَةَ آلَاف، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِنَّهُمْ في كِفَايَة، وَلَيْسَتْ بِهِمْ حَاجَة؛ فَبَعَثَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّل: إِنَّمَا هَذَا لِوَلَدِك؛ فَمَا لَكَ وَلِهَذَا 00؟
فَأَمْسَكَ أَبُو عَبْدِ الله؛ فَلَمْ يَزَلْ يُجْرَى عَلَيْنَا حَتىَّ مَاتَ المُتَوَكِّل، وَجَرَى بَيْنَ أَبي عَبْدِ اللهِ وَبَيْنَ أَبي كَلَامٌ كَثِير: قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ الله: يَا عَمّ؛ مَا بَقِيَ مِن أَعْمَارِنَا، كَأَنَّكَ بِالأَمْرِ قَدْ نَزَل؛ فَاللهَ اللهَ؛ فَإِنَّ أَوْلَادَنَا إِنَّمَا يُرِِيدُونَ أَنْ يَأْكُلُواْ بِنَا، وَإِنَّمَا هِيَ
أَيَّامٌ قَلَائِل، وَإِنَّ هَذِهِ فِتْنَة؛ قَالَ أَبي لأَبي عَبْدِ الله: أَرْجُو أَنْ يُؤَمِّنَكَ اللهُ مِمَّا تَحْذَر؛ قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: كَيْفَ وَأَنْتُمْ لَا تَتْرُكُونَ طَعَامَهُمْ وَلَا جَوَائِزَهُمْ 00؟
لَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَتَرَكُوكُمْ؛ مَاذَا نَنْتَظِر 00؟
إِنَّمَا هُوَ المَوْت؛ فَإِمَّا إِلىَ جنَّةٍ وَإِمَّا إِلىَ نَار، فَطُوبىَ لِمَنْ قَدِمَ عَلَى خَيْر؛ فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرْتَ مَا جَاءَكَ مِن هَذَا المَالِ مِن غَيْرِ إِشْرَافِ نَفْسٍ وَلَا مَسْأَلَةٍ أَنْ تَأْخُذَه 00؟
قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَدْ أَخذْتُ مَرَّةً بِلَا إِشرَافِ نَفْس؛ فَالثَّانيَة؛ وَالثَّالِثَة 00؟
أَلَمْ تَسْتَشْرِفْ نَفْسُك 00؟
قُلْتُ: أَفَلَمْ يَأْخُذِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما 00؟
فَقَال: مَا هَذَا وَذَاك، وَقَال: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا المَالَ يُؤْخَذُ مِنْ وَجْهِه، وَلَا يَكُونُ فِيهِ ظُلْمٌ وَلَا حَيْف، لَمْ أُبالِ» 0
قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه: قَدِمَ المُتَوَكِّلُ فَنَزَلَ الشَّمَّاسِيَّة؛ يُرِيدُ المَدَائِن؛ فَقَالَ لي أَبي: أُحِبُّ أَنْ لَا تَذْهَبَ
إِلَيْهِمْ تُنَبِّهُ عَلَيّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمٍ أَنَا قَاعِدٌ، وَكَانَ يَوْمَاً مَطيرَاً، فَإذَا بِيَحْيىَ بْنِ خَاقَانَ قَدْ جَاءَ في مَوْكِبٍ عَظِيمٍ وَالمَطَرُ عَلَيْه، فَقَالَ لي: سُبْحَانَ الله؛ لَمْ تَصِرْ إِلَيْنَا حَتىَّ تُبْلِغَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ السَّلَامَ عَنْ شَيْخِكَ حَتىَّ وَجَّهَ بي، ثُمَّ نَزَلَ خَارِجَ الزُّقَاق؛ فَجَهِدْتُ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الدَّابَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَجَعَلَ يَخُوضَ المَطَر، فَلَمَّا وَصلَ نَزَعَ جُرْمُوقَهُ وَدَخَلَ [أَيْ خُفَّهُ]، وَأَبي في الزَّاويَةِ عَلَيْهِ كسَاء، فَسَلَّمَ
عَلَيْهِ وَقبَّلَ جَبْهَتَهُ، وَسَاءَلَهُ عَن حَالِهِ وَقَال: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَك: كَيْفَ أَنْتَ في نَفْسِك، وَكَيْفَ حَالُك 00؟
وَقَدْ أَنِسْتُ بِقُرْبِك، وَيَسْأَلُكَ أَنْ تَدْعُوَ لَهُ؛ فَقَالَ رحمه الله: مَا يَأْتي عَلَيَّ يَوْمٌ إِلَاَّ وَأَنَا أَدْعُو اللهَ لَهُ، ثُمَّ قَال: قَدْ وَجَّهَ مَعِي أَلْفَ دِينَارٍ تُفرِّقُهَا عَلَى أَهْلِ الحَاجَة؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا أَبَا زَكَرِيَّا؛ أَنَا في بَيْتٍ مُنْقَطِع، وَقَدْ أَعْفَاني مِنْ كُلِّ مَا أَكْرَه، وَهَذَا مِمَّا أَكْرَه؛
فَقَال: يَا أَبَا عَبْدِ الله، الخُلَفَاءُ لَا يَحْتَمِلُونَ هَذَا؛ فَقَال: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، تَلَطَّفْ في ذَلِك، وَدَعَا لَهُ، فَقَامَ يَحْيىَ، فَلَمَّا صَارَ إِلىَ الْبَابِ رَجَعَ وَقَال: هَكَذَا لَوْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بَعْضُ إِخْوَانِكَ كُنْتَ تَفْعَل 00؟
قَال: نَعَمْ؛ قَالَ صَالِح: فَلَمَّا صِرْنَا إِلىَ الدِّهْلِيزِ قَال: أَمَرَني أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَدْفَعُهَا إِلَيْكَ تُفَرِّقهَا؛ فَقُلْتُ: تَكُونُ عِنْدَكَ إِلىَ أَنْ تَمْضِيَ هَذِهِ الأَيَّام» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: حَدَّثَني محَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوذِيَّ حَدَّثهُمْ فَقَال:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: «أَنْبَهَني أَبُو عَبْدِ اللهِ رحمه الله لَيْلَةً وَكَانَ قَدْ وَاصَلَ الصِّيَامَ فَقَال: هُوَ ذَا يُدَارُ بي مِنَ الجُوع [أَيْ أَصَابَني دُوَار؛ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَام]؛ فَأَطْعِمْني شَيْئَاً؛
فَجِئْتُهُ بِأَقَلَّ مِنْ رَغِيف؛ فَأَكَلَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَال: لَوْلَا أَنيِّ أَخَافُ الْعَوْنَ عَلَى نَفْسِي مَا أَكَلْت، وَكَانَ يَقُومُ إِلىَ المَخْرَجِ فَيَقْعُدُ يَسْتَريحُ مِنَ الجُوع، حَتىَّ إِنْ كُنْتُ لأَبُلُّ الخِرْقَةَ؛ فَيُلْقِيهَا عَلَى وَجْهِهِ لِتَرْجِعَ نَفْسُهُ إِلَيْهِ، حَتىَّ إِنَّهُ أَوْصَى مِنَ الضَّعْفِ مِن غَيْرِ مَرَض» 0
ـ عَوْدَتُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِلىَ مَوْطِنِه:
قَالَ حَنْبَل: «وَلَمَّا طَالَتْ عِلَّةُ أَبي عَبْدِ اللهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ كَانَ المُتَوَكِّلُ يَبْعَثُ بِابْنِ مَاسَوَيْه الطَّبِيب، فَيَصِفُ لَهُ الأَدْوِيَةَ فَلَا يَتَعَالَج، وَيَدْخُلُ ابْنُ مَاسَوَيْهِ عَلَيْهِ فَيَقُول: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ لَيْسَتْ بِأَحْمَدَ عِلَّة، إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ وَالعِبَادَة؛ فَيَسْكُتُ المُتَوَكِّل، وَبَلَغَ أُمَّ المُتَوَكِّلِ خَبَرُ أَبي عَبْدِ الله؛ فَقَالَتْ لاِِبْنِهَا: أَشْتَهِي أَن أَرَى هَذَا الرَّجُل؛ فَوَجَّهَ المُتَوَكِّلُ إِلىَ أَبي عَبْدِ اللهِ
يَسْأَلُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى ابْنِهِ المُعْتَزِّ وَيَدْعُوَ لَهُ وَيُسَلِّمَ عَلَيْه، وَيَجْعَلَهُ في حِجْرِهِ؛ فَامْتَنَعَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، ثمَّ أَجَابَ رحمه الله رَجَاءَ أَنْ يُطْلَقَ وَيَنحَدِرَ إِلىَ بَغْدَاد؛ فَوَجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ خِلْعَةً وَأَتَوْهُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا؛ فَامْتَنَعَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ وَكَانَتْ عَلَيْهِ مِيثَرَةُ نُمُور، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ بَغْلٌ لِتَاجِرٍ فَرَكِبَهُ، وَجَلَسَ المُتَوَكِّلُ مَعَ أُمِّهِ في مَجْلِسٍ مِنَ المَكَان، وَعَلَى المَجْلِسِ سِتْرٌ رَقِيق، فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ
اللهِ عَلَى المُعْتَزّ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ وَأُمُّهُ؛ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: يَا بُنيَّ، اللهَ اللهَ في هَذَا الرَّجُل؛ فَلَيْسَ هَذَا مِمَّنْ يُرِيدُ مَا عِنْدَكُمْ، وَلَا المَصْلَحَةُ أَنْ تَحْبِسَه عَنْ مَنْزِلِهِ؛ فَأْئْذَنْ لَهُ لِيَذْهَب، وَدَامَتْ عِلَّةُ أَبي عَبْدِ اللهِ رحمه الله، وَبَلَغَ المُتَوَكِّلَ مَا هُوَ فِيه، وَكَلَّمَهُ يحْيىَ بْنُ خَاقَانَ أَيْضَاً، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ لَا يُرِيدُ الدُّنْيَا؛ فَأَذِنَ لَهُ في الاِنْصِرَاف؛ فَجَاءَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ يحْيىَ وَقْتَ الْعَصْرِ فَقَال:
إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ أَذِنَ لَكَ في الرُّجُوعِ إِلىَ بَغْدَاد؛ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله: اطْلُبُواْ لي زَوْرَقَاً أَنحَدِرِ السَّاعَة؛ فَطَلَبُواْ لَهُ زَوْرَقَاً فَانْحَدَرَ لِوَقْتِِهِ»
قَالَ حَنْبَل: «فَمَا عَلِمْنَا بِقُدُومِهِ حَتىَّ قِيلَ: إِنَّهُ قَدْ وَافَى؛ فَاسْتَقْبَلْتُهُ بِنَاحِيَةِ الْقَطِيعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الزَّوْرَقِ، فَمَشَيْتُ مَعَهُ، فَقَالَ لي: تَقَدَّمْ لَا يَرَاكَ النَّاسُ فَيَعْرِفُونَني، فَتَقَدَّمْتُهُ؛ فَلَمَّا وَصَلَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى قَفَاهُ مِنَ التَّعَبِ
وَالإِعْيَاء، وَكَانَ رُبَّمَا اسْتَعَارَ الشَّيْءَ مِنْ مَنْزِلِنَا وَمَنْزِلِ وَلَدِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَيْنَا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ مَا صَارَ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِك، حَتىَّ لَقَدْ وُصِفَ لَهُ في عِلَّتِهِ قَرْعَةٌ تُشْوَى، فَعَلِمَ أَنَّهَا شُوِيَتْ في تَنُّورِ صَالِحٍ فَلَمْ يَسْتَعمِلْهَا، وَمِثلُ هَذَا كَثِير»
ـ رِوَايَاتُ ابْنِهِ صَالِحٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه:
ذَكَرَ صَالِحٌ قِصَّةَ خُرُوجِ أَبِيهِ إِلىَ الْعَسْكَرِ وَرُجُوعِهِ وَتَفْتِيشِ بُيُوتِهِمْ عَلَى الْعَلَوِيِّ وَخَبرَ البَدرَة، وَأَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ بَكَى وَقَال: سَلِمْتُ مِنهُمْ حَتىَّ إِذَا كُنْتُ في آخِرِ عُمُرِي بُلِيْتُ بِهِمْ، عَزمْتُ عَلَيْكَ أَنْ تُفرِّقَهَا غَدَاً، فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءَهُ حَسَنُ بْنُ الْبَزَّارِ فَقَال: جِئني يَا صَالحُ بِمِيزَان، وَجِّهُواْ إِلىَ أَبْنَاءِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار، وَإِلىَ فُلَانٍ وَفُلَان، حَتىَّ فَرَّقَ الجَمِيعَ وَنَحْنُ في حَالٍ اللهُ بِهَا عَلِيم؛ فَكَتَبَ صَاحِبُ الْبَرِيد:
إِنَّه تَصدَّقَ بِالكُلِّ في يَوْمِهِ، حَتىَّ بِالكِيس 00!!
قَالَ صَالِح: وَدَخَلْنَا الْعَسْكَر، ثمَّ جَاءَ في إِثْرِنَا وَصِيفٌ يُرِيدُ الدَّار، وَوَجَّهَ إِلىَ أَبي يَحْيىَ بْنِ هَرْثَمَة، فَقَال: يُقْرِئُكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَك: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُشْمِتْ بِكَ أَهْلَ الْبِدَع، قَدْ عَلِمتَ حَالَ ابْنِ أَبي دُوَادَ [أَيْ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ فَسَادِ الاِعْتِقَاد]، فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَكَلَّمَ فِيهِ بِمَا يَجِبُ لله، وَمَضَى يحْيىَ وَأُنْزِلَ أَبي في دَارِ إِيتَاخ، فَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ الجَهْمِ
فَقَال: قَدْ أَمَرَ لَكُمْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ بِعَشْرَةِ آلَافٍ مَكَانَ الَّتي فَرَّقَهَا، وَأَنْ لَا يَعْلَمَ شَيْخُكُمْ بِذَلِكَ فَيَغْتَمّ» 0
وَزَادَ صَالِحٌ في رِوَايَتِهِ أَيْضَاً فَقَال: «أَخْبَرَني بَعْضُ الخَدَمِ أَنَّ المُتَوَكِّلَ كَانَ قَاعِدَاً وَرَاءَ السِّتْر؛ فَقَالَ لأُمِّهِ: يَا أُمَّه، قَدْ أَنَارَتِ الدَّار، قَالَ صَالِح: فَلَمَّا جَاءَ نَزَعَ الثِّيَابَ وَجَعَلَ يَبْكِي، وَقَال: سَلِمْتُ مِن هَؤُلَاءِ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَة، حَتىَّ إِذَا كَانَ في آخِرِ عُمُرِي بُلِيْتُ بِهِمْ، مَا أَحْسَبُني سَلِمْتُ مِنْ
دُخُولي عَلَى هَذَا الْغُلَام؛ فَكَيْفَ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيَّ نُصْحُه 00؟
يَا صَالِح؛ وَجِّهْ بِهَذِهِ الثِّيَابِ إِلىَ بَغْدَادَ لِتُبَاعَ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا، وَلَا يَشْتَرِي أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنهَا شَيْئَاً، وَجَعَلَتْ رُسُلُ المُتَوَكِّلِ تَأْتِيهِ يَسْأَلُونَه عَن خَبَرِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَيَرْجِعُونَ فَيَقُولُون: هُوَ ضَعِيف، وَفي خِلَالِ ذَلِكَ يَقُولُون: يَا أَبَا عَبْدِ الله؛ لَا بُدَّ مِن أَنْ يَرَاك، وَجَاءَهُ يَعْقُوبُ فَقَال: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مُشْتَاقٌ إِلَيْكَ وَيَقُول: انْظُرْ يَوْمَاً تَسِيرُ فِيهِ
حَتىَّ أُعَرِّفَه؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: ذَاكَ إِلَيْكُمْ؛ فَقَال: يَوْمُ الأَربِعَاء» 0
ـ كَيْفَ أَلْقَى اللهُ جَلَّ وَعَلَا محَبَّتَهُ في قَلْبِ المُتَوَكِّلِ رَغْمَ زُهْدِهِ في دِينَارِهِ وَجِوَارِهِ:
قَالَ ابْنُهُ صَالِح: «كَانَ يخْتِمُ الْقُرْآنَ مِنْ جُمُعَةٍ إِلىَ جُمُعَة، وَإِذَا خَتَمَ دَعَا وَنحْنُ نُؤَمِّن، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ الجُمُعَة: وَجَّهَ إِلَيَّ وَإِلىَ أَخِي، فَلَمَّا خَتَمَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ: جَعَلَ يَدْعُو وَنحْنُ نُؤَمِّن، ثمَّ قَال: وَاللهِ لَقَدْ تَمنَّيْتُ المَوْتَ في الأَمْرِ الَّذِي
كَان [أَيِ المحْنَة]، وَإِنيِّ لأَتَمَنىَّ المَوْتَ في هَذَا وَذَاك، [أَيْ أَتَمَنىَّ المَوْتَ هَرَبَاً مِنَ المُقَابَلَة؛ كَمَا كُنْتُ أَتَمَنَّاهُ خَوْفَ المحْنَة] إِنَّ هَذَا فِتْنَةُ الدُّنْيا، وَذَاكَ فِتنَةُ الدِّين، ثمَّ جَعَل عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَضُمُّ أَصَابِعَهُ وَيَقُول: لَوْ كَانَتْ نَفْسِي في يَدِي لأَرْسَلْتُهَا 00 ثُمَّ يَفْتَحُ أَصَابِعَه، وَكَانَ المُتَوَكِّلُ يُكْثِرُ السُّؤَالَ عَنهُ، وَفي خِلَالِ ذَلِكَ يَأْمُرُ لَنَا بِالمَالِ وَيَقُول: لَا يَعْلَمْ شَيْخُهُمْ فَيَغْتَمّ؛ مَا يُرِيدُ مِنهُمْ 00؟ إِنْ كَانَ هُوَ
لَا يُرِيدُ الدُّنْيَا، فَلِمَ يَمْنَعُهُمْ 00؟
وَقَالُواْ لِلْمُتَوَكِّل: إِنَّه لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِكَ وَلَا يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِك، وَيُحرِّمُ الَّذِي تَشْرَب 00؟!
فَقَالَ غَفَرَ اللهُ لَه: لَوْ نُشِرَ المُعْتَصِمُ وَقَالَ لي فِيهِ شَيْئَاً: لَمْ أَقْبَلْ مِنهُ» 0
قَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ أَيْضَاً: ثمَّ انحدرْتُ إِلىَ بَغْدَادَ وَخَلَّفْتُ عَبْدَ اللهِ عِنْدَه، فَإذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ قَدِمَ؛ فَقُلْتُ: مَا لَكَ 00؟
قَال: أَمَرَني أَن أَنْحَدِرَ وَقَال: قُلْ لِصَالِح: لَا تَخْرُجْ؛ فَأَنْتُمْ كُنْتُمْ آفَتي، وَاللهِ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِن أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت: مَا أَخْرَجْتُ وَاحِدَاً مِنْكُمْ مَعِي، لَولَاكُمْ لِمَنْ كانتْ تُوضَعُ هَذِهِ المَائِدَة، وَتُفْرَشُ الْفُرُش، وَتُجْرَى الأُجُور 00؟
قَالَ صَالِح: فَلَمَّا سَافَرْنَا: رُفِعَتِ المَائِدَةُ وَالفُرُشُ وَكُلُّ مَا أُقِيمَ لَنَا» 0
وَقَالَ صَالِح: بَعَثَ المُتَوَكِّلُ إِلىَ أَبي بِأَلْفِ دِينَارٍ لِيُقَسِّمَهَا؛ فَجَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ الجَهْمِ في جَوْفِ اللَّيْل، ثمَّ جَاءَ عُبَيْدُ
اللهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَقَال: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَدْ أَذِنَ لَكَ وَأَمْرَ لَكَ بِهَذَا؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: قَدْ أَعْفَاني أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مِمَّا أَكْرَه؛ فَكَتَبَ إِلىَ محَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ في بِرِّهِ وَتَعَاهُدِه، فَقَدِمَ عَلَيْنَا ثمَّ قَال: يَا صَالِح؛ قُلْتُ لَبَّيْك؛ قَال: أُحِبُّ أَنْ تَدَعَ هَذَا الرِّزْقَ فَإِنَّمَا تَأْخُذُونَهُ بِسَبَبي؛ فَسَكَتَ؛ فَقَالَ مَا لَك 00؟
قُلْتُ: أَكْرَهُ أَن أُعْطِيَكَ بِلِسَاني وَأُخَالِفَ إِلىَ غَيْرِه، وَلَيْسَ في الْقَوْمِ أَكْثَرُ عِيَالاً مِنيِّ، وَلَا أَعْذَر، وَقَدْ كُنْتُ أَشْكُو إِلَيْك؛ فَهَجَرَنَا أَبي وَسَدَّ الأَبْوَابَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَتَحَامَى مَنَازِلَنَا [أَي تَجَنَّبَهَا]، ثُمَّ أُخْبِرَ بِأَخْذِ عَمِّهِ؛ فَقَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: نَافَقْتَني وَكَذَبْتَني، ثمَّ هَجَرَهُ وَتَرَكَ الصَّلَاةَ في المَسْجَد، وَخَرَجَ إِلىَ مَسْجِدٍ آخَرَ يُصَلِّي فِيه، ثمَّ إِنَّ الخَبَرَ بَلَغَ المُتَوَكِّلَ فَأَمَرَ بحَمْلِ مَا اجْتَمَعَ لَهُمْ مِن عَشْرَةِ
أَشْهُرٍ إِلَيْهِمْ؛ فَكَانَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَم، وَإِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أُخْبِرَ بِذَلِكَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ؛ فَسَكَتَ قَلِيلاً وَأَطْرَقَ، ثمَّ قَال: مَا حِيلَتي إِن أَرَدْتُ أَمْرَاً، وَأَرَادَ اللهُ أَمْرَاً 00؟
قَالَ صَالِح: وَكَانَ رَسُولُ المُتَوَكِّلِ يَأْتي أَبي يُبْلِغُهُ السَّلَامَ وَيَسْأَلُهُ عَن حَالِهِ» 0
ـ شَتَّانَ بَينَ سُؤَالِ المُتَوَكِّلِ وَسُؤَالِ الْوَاثِق:
حَدَّثَ أَبُو نُعَيْمٍ قَال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ قَال:
«كَتبَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ يحْيىَ بْنِ خَاقَانَ إِلىَ أَبي يُخبرُه أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَمَرني أَن أَكْتُبَ إِلَيْكَ أَسْأَلَكَ عَنِ الْقُرْآن، لَا مَسْأَلَةَ امْتِحَان، لَكِنْ مَسْأَلَةَ مَعْرِفَةٍ وَتَبْصِرَة؛ فَأَمْلَى عَلَيَّ أَبي: إِلىَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ يحْيىَ بْنِ خَاقَان: «بِسْمِ اللهِ الرَِّحْمَنِ الرَِّحِيم 00 أَحْسَنَ اللهُ عَاقِبَتَكَ أَبَا الحَسَنِ في الأُمُورِ كُلِّهَا، وَدَفَعَ عَنْكَ المَكَارِهَ بِرَحْمَتِه، قَدْ كَتبْتُ إِلَيْكَ رَضِيَ اللهُ عَنْكَ بِالَّذِي سَأَلَ عَنهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ بِأَمْرِ الْقُرْآنِ
بِمَا حَضَرَني، وَإِنيِّ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيمَ تَوفيقَ أَمِيرِ المُؤْمِنِين؛ فَقَدْ كَانَ النَّاسُ في خَوضٍ مِنَ الْبَاطِلِ وَاخْتِلَافٍ شَدِيد؛ حَتىَّ أَفْضَتِ الخِلَافَةُ إِلىَ أَمِيرِ المُؤْمِنِين؛ فَنَفَى اللهُ بِهِ كُلَّ بِدعَة، وَانجَلَى عَنِ النَّاسِ مَا كَانُواْ فِيهِ مِنَ الذُّلِّ وَضِيقِ المحَابِس؛ فَصَرَفَ اللهُ ذَلِكَ كُلَّه، وَذُهِبَ بِهِ بِأَمِيرِ المُؤْمِنِين، وَوَقَعَ ذَلِكَ مِنَ المُسْلِمِينَ مَوْقِعَاً عَظِيمَاً، وَدَعَوُاْ اللهَ لأَمِيرِ المُؤْمِنِين، وَأَسأَلُ اللهَ أَنْ يَسْتَجِيبَ في أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ
صَالِحَ الدُّعَاء، وَأَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ لأَمِيرِ المُؤْمِنِين، وَأَنْ يَزِيدَ في نِيَّتِه، وَأَنْ يُعِينَه عَلَى مَا هُوَ عَلَيْه؛ فَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَال: لَا تَضْرِبُواْ كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْض، فَإِنَّهُ يُوقِعُ الشَّكَّ في قُلُوبِكُمْ»
ثُمَّ ذَكَرَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عِدَّةَ أَحَادِيثَ في شَأْنِ الاِخْتِلَافِ وَالنِّزَاعِ في الْقُرْآن، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَن أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ وَأَهْلِ الْكَلَام، وَنَقَلَ رحمه الله بَعْضَ مَا قَالَهُ أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ مِنَ التَّحْذِيرَاتِ مِنهُمْ وَمِنْ
مجَالَسَتِهِمْ
قَالَ أَبُو قِلَابَة: «لَا تُجَالِسُواْ أَهْلَ الأَهوَاء؛ فَإِنيِّ لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ في ضَلَالَتِهِمْ، وَيُلَبِّسُواْ عَلَيْكُمْ بَعْضَ مَا تَعْرِفُون» 0
وَقَالَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ الْبِدَعِ لأَيُّوبَ السِّخْتِيَانيّ: يَا أَبَا بَكْر، أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ 00؟
فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ: لَا، وَلَا نِصْفَ كَلِمَة» 0
ثمَّ بَدَأَ رحمه الله يَتَكَلَّمُ عَنْ قَضِيَّةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ في تحَفُّظٍ شَدِيد، بِكَلَامٍ لَيْسَ فِيهِ جَدِيد، عَمَّا قَالَهُ في المُنَاظَرَه، إِلَاّ أَنَّهُ قَالَ آخِرَه:
قَالَ جَلَّ وَعَلَا: (الرَّحْمَن {1} عَلَّمَ الْقُرْآن {2} خَلَقَ الإِنْسَان {3} عَلَّمَهُ الْبَيَان ({الرَّحْمن}
فَأَخْبَرَ جل جلاله أَنَّ الْقُرْآنَ مِن عِلْمِه، ثُمَّ فَسَّرَ بِذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَوْلَهُ تَعَالىَ:
(وَلَئِن اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ، مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير (
{البَقَرَة/120}
فَفِي الآيَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي جَاءهُ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْقُرْآن» 0
ـ عَقِيدَتُهُ وَمَذْهَبُهُ وَكَلَامُهُ في الإِيمَانِيَّاتِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
قَالَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ السُّنَن: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول:
حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ زُورَانَ عَن أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ قَال:
«إِنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّة، وَتَمَسُّكٌ بِالسُّنَّة، وَالإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُص، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَالأَعْمَالَ شَرَائِعُ فَهُوَ جَهْمِيّ، وَمَنْ لَمْ يَرَ الاِسْتِثْنَاءَ في الإِيمَانِ فَهُوَ مُرْجِئ [أَيْ وَصَفَ كُلَّ أَحَدٍ بِأَنَّهُ مُؤْمِن: وَلَمْ يَسْتَثْنِ السَّارِقَ وَالْقَاتِلَ وَالمُفْتَرِي] وَالزِّنىَ وَالسَّرِقَةُ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالشِّرْك:
كُلُّهَا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ مِن غَيرِ أَنْ يَكُونَ لأَحَدٍ عَلَى اللهِ حُجَّة، وَاللهُ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ، وَالكُرْسِيُّ مَوْضِعُ قَدَمَيه، وَلِلْعَرْشِ حَمَلَة، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَلْفَاظَنَا بِالقُرْآنِ وَتلَاوَتَنَا لَهُ مَخْلُوقَةٌ وَأَنَّ القُرْآنَ كَلَامُ اللهِ فَهُوَ جَهْمِيّ، وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ فَهُوَ مِثْلُه» 0
قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ الأَحَادِيثِ الَّتي تُرْوَى عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:
فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: نُؤْمِنُ بِهَا وَنُصَدِّقُ بِهَا وَلَا نَرُدُّ شَيْئَاً مِنهَا؛ إِذَا كَانَتْ أَسَانيْدَ صَحِيحَةً، وَلَا نَرُدُّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ؛ لِعِلْمِنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الحَقّ» 0
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم الْبَغَوِيّ: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول:
«مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِر» 00 وَرَوَى ذَلِكَ أَيْضَاً سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَد
وَقَالَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيّ: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول:
«مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ فَهُوَ كَافِر» 0
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الحَسَنِ السَّرَّاج:
«سَأَلْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ عَمَّنْ يَقُولُ لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوق 00؟
فَقَالَ رحمه الله: جَهْمِيّ» 0
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «الَّذِي اسْتَقَرَّ الحَالُ عَلَيْهِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ يَقُول:
مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِع، وَأَنَّهُ قَال: مَنْ قَال: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيّ؛ فَكَانَ رحمه الله لَا يَقُولُ هَذَا وَلَا ذَاك، وَرُبَّمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال:
مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوقٌ يُرِيدُ بِهِ الْقُرْآنَ فَهُوَ جَهْمِيّ» 0
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زَنْجُويَةَ: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: اللَّفظيَّةُ شَرٌّ مِنَ الجَهْمِيَّة»
وَقَالَ ابْنُهُ صَالِح: سَمِعْتُ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: «أَخْبرْتُ أَبَا عَبْدِ الله رحمه الله أَنَّ أَبَا شُعَيْبٍ السُّوسِيَّ الرَّقِّيَّ، فَرَّقَ بَيْنَ ابْنَتِهِ وَزَوْجِهَا لَمَّا وَقَفَ في الْقُرْآنِ فَقَال: أَحْسَنَ عَافَاهُ اللهُ وَجَعَلَ يَدْعُو لَهُ» 0
قَالَ الحَكَمُ بْنُ مَعْبَد: «حَدَّثَني أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ قَال: قُلْتُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله:
مَا تَقُولُ في هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوق 00؟
فَرَأَيْتُهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ اسْتَوَى وَاجْتَمَعَ وَقَال: هَذَا شرٌّ مِنْ قَوْلِ الجَهْمِيَّة؛ مَنْ زَعَمَ هَذَا، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ جِبْرِيلَ تَكَلَّمَ بِمَخْلُوق، وَجَاءَ إِلىَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَخْلُوق» 0
وَكَانَ أَوَّلَ مَن أَحْدَثَ الْقَوْلَ بِالتَّلَفُّظِ وَالمَلْفُوظِ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيّ 00
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: «وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا ابْتَدَعَهُ الْكَرَابيْسِيُّ وَحَرَّرَهُ في مَسْأَلَةِ التَّلَفُّظِ وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ هُوَ حَقّ، لَكِن أَبَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ لِئَلَاَّ يُتَذَرَّعَ بِهِ إِلىَ الْقَوْلِ بخَلْقِ الْقُرْآن، فَسُدَّ الْبَاب»
قَالَ الحَاكِم: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمّ قَال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ الصَّغَانيَّ قَال:
سَمِعْتُ فُورَانَ صَاحِبَ أَحْمَدَ يَقُول: قُلْتُ: فَاللَّفظيَّةُ تَعُدُّهُمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ في جُمْلَةِ الجَهْمِيَّة؟
فَقَال: لَا، الجَهْمِيَّةُ الَّذِينَ قَالُواْ: الْقُرْآنُ مَخْلُوق» 0
قَالَ ابْنُهُ صَالِح: سَمِعْتُ أَبي رحمه الله يَقُول: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللهِ مَخْلُوقَةٌ فَقَدْ كَفَر»
ـ إِفْحَامُ ابْنِ أَبي دُوَاد، كَفَى اللهُ الْعِبَاد، شَرَّ أَمْثَالِهِ في كُلِّ وَاد:
حَدَّثَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ يحْيىَ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَسْبَاطٍ قَال:
«حُمِلَ شَيْخٌ مُقَيَّدٌ فَأُدْخِلَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ أَبي دُوَادَ [الَّذِي ابْتَدَعَ فِتْنَةَ خَلْقِ الْقُرْآنِ وَتَوَلىَّ كِبرَهَا] فَقَالَ لاِبْنِ أَبي دُوَادَ بحُضُورِ الْوَاثِق: أَخْبِرْني عَمَّا دَعَوْتمُ النَّاسَ إِلَيْه: أَعَلِمَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا دَعَا إِلَيْهِ أَمْ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ 00؟
قَال: بَلْ عَلِمَهُ؛ قَالَ الشَّيْخ: فَكَانَ يَسَعُهُ أَنْ لَا يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَيْهِ وَأَنْتُم لَا يَسَعُكُمْ 00؟
فَبُهِتُواْ؛ وَضَحِكَ الْوَاثِقُ وَقَامَ قَابِضَاً عَلَى فَمِهِ، فَدَخَلَ غُرْفَةً وَمَدَّ رِجْلَيْهِ وَقَال:
أَمْرٌ وَسِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم السُّكُوتُ عَنهُ أَلَا يَسَعُنَا 00؟!
ثُمَّ أَمَرَ بِالشَّيْخِ أَنْ يُعْطَى ثَلَاثَمِاْئَةِ دِينَار، وَأَنْ يُرَدَّ إِلىَ بَلَدِهِ» 0
حَدَّثَ طَاهِرُ بْنُ خَلَفٍ عَنِ المُهْتَدِي بِاللهِ بْنِ الْوَاثِقِ قَال:
«كَانَ أَبي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً أَحْضَرَنَا؛ فَأُتي بِشَيْخٍ مَخْضُوبٍ مُقَيَّد؛ فَقَالَ أَبي: ائِذَنُواْ لأَحْمَدَ بْنِ أَبي دُوَادَ وَأَصْحَابِه
؛ وَأُدْخِلَ الشَّيْخُ فَقَال: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَقَال: لَا سَلَّمَ اللهُ عَلَيْك، قَال: بِئْسَ مَا أَدَّبَكَ مُؤَدِّبُك، قَالَ جَلَّ وَعَلَا:
? وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحَيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنهَا أَوْ رُدُّوهَا ? {النِّسَاء/ 86}
فَقَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: الرَّجُلُ مُتَكَلِّم؛ قَالَ الْوَاثِق: كَلِّمْه؛ فَقَال: يَا شَيْخ؛ مَا تَقُولُ في الْقُرْآن؟
قَالَ لَمْ تُنْصِفْني وَليَ السُّؤَال، قَال: سَلْ؛ قَال: مَا تَقُولُ أَنْت 00؟
قَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: مَخْلُوق؛ قَالَ الشَّيْخ: هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالخُلَفَاءُ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوه 00؟
فَقَال: شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوه؛ قَالَ الشَّيْخ: سُبْحَانَ الله؛ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوهُ وَعَلِمْتَهُ أَنْت 00؟
فَخَجِلَ وَقَالَ أَقِلْني؛ قَالَ الشَّيْخ: المَسْأَلَةُ بِحَالِهَا: مَا تَقُولُ في الْقُرْآن 00؟
قَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: مَخْلُوق؛ قَالَ الشَّيْخ: شَيْءٌ عَلِمَهُ رَسُولُ الله 00؟
قَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: عَلِمَهُ؛ قَالَ الشَّيْخ: أَعَلِمَهُ وَلَمْ يَدْعُ النَّاسَ إِلَيْه 00؟
قَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: نَعَمْ؛ قَالَ الشَّيْخ: فَوَسِعَهُ ذَلِك 00؟
قَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: نَعَمْ؛ قَالَ الشَّيْخ: أَفَلَا وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُ، وَوَسِعَ الخُلَفَاءَ بَعْدَه 00؟
فَقَامَ الْوَاثِقُ فَدَخَلَ الخَلْوَةَ وَاسْتَلقَى وَهُوَ يَقُول:
شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ وَلَا عَلِيّ؛ عَلِمْتَهُ أَنْتَ 00؟!
سُبْحَانَ الله؛ عَرَفُوهُ وَلَمْ يَدْعُواْ إِلَيْهِ النَّاس؛ فَهَلَاَّ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُمْ 00؟!
ثمَّ أَمْرَ بِرَفْعِ قَيْدِ الشَّيْخِ وَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعِمِاْئَةِ دِينَار، وَسَقَطَ مِن عَيْنِهِ ابْنُ أَبي دُوَادَ وَلَمْ يَمْتَحِنْ بَعْدَهَا أَحَدَاً» 0
حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ الحَدَّادُ عَن أَحْمَدَ بْنِ المُمْتَنِعِ عَنْ صَالحِ بْنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيِّ قَال:
«حَضَرْتُ المُهْتَدِي بِاللهِ وَقَدْ جَلَسَ وَالرِّقَاعُ تُقْرَأُ عَلَيْه، وَيَأْمُرُ بِالتَّوقِيعِ عَلَيْهَا، فَسَرَّني ذَلِك، وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْه؛
فَفَطِنَ لِذَلِكَ وَنَظَرَ إِلَيَّ؛ فَغَضَضْتُ عَنهُ؛ فَقَالَ لي: في نَفْسِكَ شَيْءٌ تُحِبُّ أَنْ تَقُولَه، فَلَمَّا انْفَضَّ المَجْلِسُ أُدخِلْتُ مَجْلِسَهُ فَقَال: تَقُولُ مَا دَارَ في نَفْسِكَ أَوْ أَقُولُهُ لَك؟
قُلْتُ: الَّذِي تَرَاهُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَقَال: لَقَدِ اسْتَحسَنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا فَقُلْتُ في نَفْسِك: أَيُّ خَلِيفَةٍ خَلِيفَتُنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوق 00؟
فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيم، ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَفْسُ هَلْ تَمُوتِينَ قَبْلَ أَجَلِك 00؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ فَأَطْرَقَ بُرْهَةً ثمَّ قَال: اسْمَعْ، فَوَاللهِ لَتَسْمَعَنَّ الحَقّ؛ فَسُرِّيَ عَنيِّ، فَقَال: مَا زِلْتُ أَقُولُ «الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ» صَدْرَاً مِن أَيَّامِ الْوَاثِقِ حَتىَّ جِيءَ لَهُ بِشَيْخٍ مِن أَذَنَة ـ مِنْ مَوَاني تُرْكِيَا بجَنُوبِهَا أَقْصَى يمِينِ المُتَوَسِّط، بِالْقُرْبِ مِن حُدُودِهَا مَعَ سُورِيَّة ـ فَأُدْخِلَ مُقَيَّدَاً، وَهُوَ شَيْخٌ جَمِيلٌ حَسَنُ الشَّيْبَة، فَرَأَيْتُ الْوَاثِقَ اسْتَحْيَا مِنهُ وَرَقَّ لَهُ، فَمَا زَالَ يُدْنِيهِ حَتىَّ قَرُبَ مِنهُ، وَجَلَسَ؛
فَقَالَ لَهُ الْوَاثِق: نَاظِرِ ابْنَ أَبي دُوَاد؛ قَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنَّهُ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَة؛ فَغَضِبَ الْوَاثِقُ وَقَالَ لَه: أَبُو عَبْدِ اللهِ يَضْعُفُ عَنْ مُنَاظَرَتِكَ أَنْتَ 00؟
قَال: هَوِّن عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَائْذَنْ لي، وَاحْفَظْ عَلَيَّ وَعَلَيْه، ثُمَّ قَال: يَا أَحْمَد، أَخْبِرْني عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ، هِيَ مَقَالَةٌ وَاجِبَةٌ دَاخِلَةٌ في عَقْدِ الدِّينِ فَلَا يَكُونُ الدِّينُ كَامِلاً حَتىَّ تُقَال 00؟
قَال: نَعَمْ؛ قَال: فَأَخْبِرْني عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَعَثَهُ الله: هَلْ سَتَرَ شَيْئَاً مِمَّا أُمِرَ بِهِ؟
قَال: لَا؛ قَال: فَدَعَا إِلىَ مَقَالَتِكَ هَذِهِ 00؟
فَسَكَتَ؛ فَقَالَ الشَّيْخ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين 00 [وَاحِدَة]؛ قَالَ الْوَاثِق: [وَاحِدَة]
ثُمَّ قَال: أَخْبِرْني عَنِ اللهِ تبارك وتعالى حِينَ قَالَ: ? اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ? {المَائِدَة/3}
أَكَانَ اللهُ هُوَ الصَّادِقُ في إِكْمَالِ دِينِنَا أَوْ أَنْتَ الصَّادِقُ في نُقْصَانِهِ حَتىَّ يَكْمُلَ بِمَقَالَتِك 00؟
فَسَكَتَ أَحْمَد؛ فَقَالَ الشَّيْخ: [اثْنَتَانِ] يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ قَالَ نَعَمْ؛ فَقَال: أَخْبِرْني عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ: أَعَلِمَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ جَهِلَهَا 00؟
قَال: عَلِمَهَا؛ قَالَ فَدَعَا إِلَيْهَا 00؟
فَسَكَت؛ قَالَ الشَّيْخ: [ثَلَاثَة]
ثُمَّ قَال: فَاَتَّسَعَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمْسِكَ عَنهَا، وَلَمْ يُطَالِبْ أُمَّتَهُ بِهَا 00؟
قَال: نَعَمْ، قَالَ الشَّيْخ: وَاتَّسَعَ ذَلِكَ لأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيّ 00؟
قَالَ نَعَمْ؛ فَأَعْرَضَ الشَّيْخُ عَنهُ وَقَال: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ قَدْ قَدَّمْتُ الْقَوْلَ بِأَنَّ أَحْمَدَ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَة، يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين؛ إِنْ لَمْ يتَّسِعْ لَكَ الإِمْسَاكُ عَن هَذِهِ المَقَالَةِ الَّتي زَعَمَ هَذَا أَنَّهُ اتَّسَعَ لِلنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم الإِمْسَاكُ عَنهَا: فَلَا وَسَّعَ اللهُ عَلَيْك 0
قَالَ الْوَاثِق: نَعَمْ، كَذَا هُوَ، اقْطَعُواْ قَيْدَ الشَّيْخ، فَلَمَّا قَطَعُوه: ضَرَبَ بِيَدِهِ، فَأَخَذَهُ؛ فَقَالَ لَهُ الْوَاثِق: لِمَ أَخَذْتَهُ 00؟
قَال: لأَنيِّ نَوَيْتُ أَن أُوصِيَ أَنْ يُجْعَلَ مَعِيَ في كَفَني لأُخَاصِمَ هَذَا [أَيِ ابْنَ أَبي دُوَاد] بِهِ عِنْدَ الله، ثُمَّ بَكَى، فَبَكَى الْوَاثِقُ وَبَكَيْنَا، ثُمَّ سَأَلَهُ الْوَاثِقُ أَنْ يُحَالَّه [أَيْ يُسَامحَهُ وَيجْعَلَهُ في حِلّ]، وَأَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ؛ فَقَالَ الشَّيْخ: لَا
حَاجَةَ لي بِهَا؛ ثمَّ قَالَ المُهْتَدِي: فَرَجَعْتُ عَن هَذِهِ المَقَالَة، وَأَظُنُّ الْوَاثِقَ رَجَعَ عَنهَا يَوْمَئِذٍ» 0
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيرَازِيِّ الحَافِظ:
عَجِبتُ وَاللهِ لِهَؤُلَاءِ الجُهَلَاء؛ قَالُواْ فِيمَا نَقَلَ عَنهُمُ الإِمَامُ الذَّهَبيّ: تَعَالىَ اللهُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ مُتَكَلِّم؛ فَوَصَفُوهُ بِأَقْبَحَ مِنْ ذَلِك، أَلَا لَا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إِلَاّ هَالِك، هَلَكَ ثُمَّ هَلَكَ
المُتَنَطِّعُون 00
إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون 0
اللَّهُمَّ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ المِسْكِينَةَ بِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَة؛ أَقَلُّهَا كَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ وَمُصْعَبِ بْنِ عُمَير
وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في الحَدِيثِ أَقَلُّهَا مِن كَالإِمَامِ أَحْمَدَ وَالإِمَامِ البُْخَارِيّ 0
وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في الْفِقْهِ أَقَلُّهَا مِن كَالإِمَامِ أَبي حَنِيفَةَ وَالإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وََرَبِيعَةَ وَالشَّعْبيِّ وَأَبي الزِّنَاد
وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في الجُودِ الْعِلْمِ أَقَلُّهَا مِن كَالإِمَامِ ابْنِ المُبَارَكِ وَالإِمَامِ اللَّيْثِ ابْنِ سَعْد 0
وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في في الْفِكْرِ وَالتَّبَحُّرِ أَقَلُّهَا مِن كَالإِمَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ وَالإِمَامِ ابْنِ كَثِير 0
وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في التَّفْسِيرِ أَقَلُّهَا كَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ ومجَاهِدٍ وَالإِمَامَينِ الطَّبرِيِّ والْقُرْطُبيّ
وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في نَقْدِ الرِّجَالِ وَعِلَلِ الحَدِيثِ أَقَلُّهَا مِن كَأَبي زُرْعَةَ الرَّازِي وَأَبي حَاتمٍ الرَّازِي، وَشُعْبَةَ وَيحْيىَ بْنِ مَعِين، وَيَحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ، وَعَلِيِّ بْنِ المَدِينيّ 0
وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في الزُّهْدِ أَقَلُّهَا كَوَكِيعٍ وَالثَّوْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ قَيْسٍ وَابْنِ عَوْنٍ وَالسِّخْتِيَانيّ 0
وَبِأَلْفِ قَبِيلَةٍ نَبِيلَةٍ في سَعَةِ التَّصْنِيفِ أَقَلُّهَا كَالإِمَامِ الذَّهَبيِّ وَالإِمَامِ السُّيُوطِيّ 0
{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون} {إِبْرَاهِيم}
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الرَّازِي: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبٍ قَال: سَمِعْتُ المِسْعَرِيَّ محَمَّدَ بْنَ وَهْبٍ قَال: كُنْتُ مُؤَدِّبَاً لِلْمُتَوَكِّل؛ فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ أَدْنَاني، وَكَانَ يَسْأَلُني وَأُجِيبُهُ عَلَى مَذْهَبِ الحَدِيثِ وَالعِلْم، وَإِنَّهُ جلَسَ لِلْخَاصَّةِ يَوْمَاً، ثمَّ قَامَ حَتىَّ دَخَلَ بَيْتَاً لَهُ مِنْ قَوَارِير؛ سَقْفُهُ وَحِيطَانُهُ وَأَرْضُه، وَقَدْ أُجْرِيَ لَهُ
المَاءُ فِيهِ يَتَقَّلبُ فِيه؛ فَمَنْ دَخَلَهُ فَكَأَنَّهُ في جَوفِ المَاءِ جَالِس، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِه الْفَتْحُ بْنُ خَاقَان، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ يَحْيىَ بْنِ خَاقَان، وَعَنْ يَسَارِهِ بُغَا الْكَبِير، وَوَصِيف، وَأَنَا وَاقف؛ إِذ ضَحِكَ؛ فَأَرمَّ الْقَوْمُ [أَيْ صَمَتُواْ]، فَقَال:
أَلَا تَسْأَلوني مِن مَا ضَحِكْت 00؟
إِنيِّ ذَاتَ يَوْمٍ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ الْوَاثِق، وَقَدْ قَعَدَ لِلْخَاصَّة، ثمَّ دَخَلَ هُنَا، وَرُمْتُ الدُّخُولَ فَمُنِعْت، وَوَقَفْتُ حَيْثُ ذَاكَ الخَادِمُ وَاقِفٌ وَعِنْدَهُ ابْنُ أَبي دُوَاد، وَابْنُ
الزَّيَّات، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم؛ فَقَالَ الْوَاثِق: لَقَدْ فكَّرْتُ فِيمَا دَعوْتُ إِلَيْهِ النَّاسَ مِن أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوق، وَسُرْعَةِ إِجَابَةِ مَن أَجَابَنَا وَشِدَّةِ خِلَافِ مَن خَالَفَنَا مَعَ الضَّرْبِ وَالسَّيْف؛ فَوَجَدْتُ مَن أَجَابَنَا رَغِبَ فِيمَا في أَيْدِينَا، وَوَجَدْتُ مَن خَالَفَنَا مَنَعَهُ دِينُهُ وَوَرَعُه؛ فَدَخَلَ قَلْبي مِنْ ذَلِكَ شَكّ؛ حَتىَّ هَمَمْتُ بِتَرْكِ ذَلِك؛ فَقَالَ ابْنُ أَبي دُوَاد: اللهَ اللهَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَنْ تُمِيتَ سُنَّةً قَدْ أَحْيَيْتَهَا، وَأْنْ تُبْطِلَ دِينَاً
قَدْ أَقْمْتَه؛ ثُمَّ أَطْرَقُواْ، وَخَافَ ابْنُ أَبي دُوَادَ فَقَال: وَاللهِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي تَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ لَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللهُ لأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِه، وَبَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ، وَلَكِنَّ النَّاسَ عَمُواْ عَنْ قَبُولِه؛ قَالَ الْوَاثِق: فَبَاهَلُوني عَلَى ذَلِك [أَيْ خَادَعُوني وَأَضَلُّوني]؛ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبي دُوَاد: ضَرَبَهُ اللهُ بِالفَالِجِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ حَقَّاً [أَيْ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ]، وَقَالَ ابْنُ الزَّيَّات: وَهُوَ فَسَمَّرَ
اللهُ بَدَنَه بِمَسَامِيرَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ حَقَّاً بِأَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوق، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيم: وَهُوَ؛ فَأَنْتَنَ اللهُ رِيحَهُ في الدُّنْيَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ حَقَّاً، وَقَالَ نجَاح: وَهُوَ؛ فَقَتَلَهُ اللهُ في أَضْيَقِ مَحْبِس، وَقَالَ إِيتَاخ: وَهُوَ؛ فَغَرَّقَهُ الله، فَقَالَ الْوَاثِق: وَهُوَ فَأَحْرَقَ اللهُ بَدَنَهُ بِالنَّارِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُولُ حَقَّاً مِن أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوق، فَأَضْحَكُ أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ أَحَدٌ
مِنهُمْ يَوْمَئِذٍ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ إِلَاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ: أَمَّا ابْنُ أَبي دُوَادَ، فَقَدْ ضَربَهُ اللهُ بِالفَالِج، وَأَمَّا ابْنُ الزَّيَّات: فَأَنَا أَقْعَدْتُهُ في تَنُّورٍِ مِن حَدِيدٍ وَسَمَّرْتُ بَدَنَهُ بِمَسَامِير، وَأَمَّا إِسْحَاق: فَأَقْبَلَ يَعْرَقُ في مَرَضِهِ عَرَقَاً مُنْتِنَاً حَتىَّ هَرَبَ مِنهُ الحمِيمُ وَالقَرِيب، وَأَمَّا نَجَاح: فَأَنَا بَنَيْتُ عَلَيْهِ بَيْتَاً ذِرَاعَاً في ذِرَاعَيْنِ حَتىَّ مَات، وَأَمَّا إِيتَاخ: فَكتبْتُ إِلىَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَقَدْ رَجَعَ مِنَ الحَجِّ فَقيَّدَهُ
وَغرَّقَهُ، وَأَمَّا الْوَاثِق: فَذَكَرَ المُتَوَكِّلُ عَنهُ مِنْ سُوءِ المَصْرَع: شَيْئَاً مِنهُ الْقَلْبُ يَفْزَع، وَالنَّفْسُ تَجْزَع: فَابْتُلِيَ بِمَرَضٍ وَصَفَ لَهُ الأَطِبَّاءُ كَيَّ جِسْمِهِ بِالنَّارِ لِيَذْهَبَ مَا في جَوْفِهِ؛ فَزَادَتْ عَلَيْهِ النَّارُ فَقَتَلَتْهُ كَمَا اخْتَارَ في الدُّعَاءِ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ مخْلُوقَاً كَمَا ادَّعَى؛ فَسُبْحَانَ مَنْ شَفَا صُدُورَنَا في أُوْلَئِكَ الأَوْغَاد 00 (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَاد (» 0
ـ قَالُواْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِهِ، التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ المَفْقُود:
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيّ: كَانَ الإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَرَى وَضْعَ الْكُتُب، وَيَنْهَى عَنْ كِتَابَةِ كَلَامِهِ وَمَسَائِلِه، وَلَوْ رَأَى ذَلِكَ لَكَانَتْ لَهُ تَصَانيْفُ كَثِيرَة، وَصَنَّفَ «المُسْنَدَ» وَهُوَ ثَلَاثُونَ أَلْفَ حَدِيث، وَكَانَ يَقُولُ لَاِبْنِهِ عَبْدِ الله: احْتَفِظْ بِهَذَا «المُسْنَدِ» ؛ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِلنَّاسِ إِمَامَا، وَ «التَّفْسِير»: وَهُوَ مِاْئَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَاً [أَيْ أثَرَاً]، وَ «النَّاسِخَ وَالمَنْسُوخ» ، وَ «التَّارِيخ» ، وَ «حَدِيثَ شُعْبَةَ» ، وَ «المُقَدَّمَ وَالمُؤَخَّرَ في
الْقُرْآن»، وَ «جَوَابَاتِ الْقُرْآن» ، وَ «المَنَاسِكَ» الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ، وَأَشْيَاءَ أُخَر» 0
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُضِيفَاً: «وَكِتَابَ «الإِيمَان» ، وَكِتَابَ «الأَشْرِبَة» ، وَرَأَيْتُ لَهُ وَرَقَةً مِنْ كِتَابِ «الْفَرَائِض» ، وَذَكَرَ «تَفْسِيرَ أَحْمَدَ» أَبُو الحُسَينِ بْنُ المُنَادِي فَقَالَ في «تَارِيخِه»:
لَمْ يكُن أَحَدٌ أَرْوَى في الدُّنْيَا عَنِ أَبِيهِ مِن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَد؛ لأَنَّه سَمِعَ مِنهُ «المُسْنَدَ» وَهُوَ ثَلَاثُونَ أَلْفَاً، وَ «التَّفْسِير» وَهُوَ مِاْئَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَاً، سَمِعَ ثُلُثَيْه، وَالبَاقِي رِوَايَة» 0
ـ مُسْنَدُ الإِمَامِ أَحْمَد:
قَالَ ابْنُ السَّمَّاك: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال:
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: «لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِه» 0
[النُّكَتُ لاِبْنِ بَهَادِرَ الزَّرْكَشِيّ]
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ مُعَلِّقَاً: «فِيهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ مِمَّا يَسُوغُ نَقْلُهَا وَلَا يجِبُ الاِِحْتِجَاجُ بِهَا، وَفِيهِ أَحَادِيثُ مَعْدُودَةٌ شِبْهُ مَوْضُوعَة، وَلَكِنَّهَا قَطْرَةٌ في بحر، وَفي المُسْنَدِ زِيَادَاتٌ جَمَّةٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَد» 0
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ أَيْضَاً: وَلَهُ [يَعْني: أَبَا عَبْدِ الله] مِنَ المُصَنَّفَاتِ: كِتَابُ «نَفْيِ التَّشْبِيه» مُجَلَّدَة، وَكِتَابُ «الإِمَامَةِ» مُجَلَّدَةٌ صَغِيرَة، وَكِتَابُ «الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ» ثَلَاثَةُ أَجْزَاء،
وَكِتَابُ «الزُّهْدِ» مُجَلَّدٌ كَبِير، وَكِتَابُ «الرِّسَالَة» في الصَّلَاة 0
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ عَنْ كِتَابِ «الرِّسَالَةِ» هَذَا: «هُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى الإِمَامِ رحمه الله»
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَكِتَابُ «فَضَائِلِ الصَّحَابَة» مُجَلَّدَة» 0
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «فِيهِ زِيَادَاتٌ لاِبْنِهِ ِعَبْدِ الله، وَلأَبي بَكْرٍ الْقَطِيعِيِّ صَاحِبِه» 0
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «هَذَا خِلَافَ مَا نَقَلَهُ عَنهُ أُمَمٌ مِنْ تَلَامِذَتِهِ مِن أَقْوَالِهِ وَفَتَاوِيه، وَقَدْ جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ مَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَفَتَاوِيهِ وَكَلَامِه في الْعِلَلِ وَالرِّجَالِ وَالسُّنَّةِ وَالفُرُوع؛ حَتىَّ حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُوصَفُ كَثْرَةً، وَشَرَّقَ وَغَرَّبَ في تَحْصِيلِهِ، وَكَتَبَ عَنْ نَحْوِ مِاْئَةِ رَجُلٍ مِن أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَد، ثُمَّ كَتَبَ كَثِيرَاً مِنْ ذَلِكَ عَنِ أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِ
أَصْحَابِهِ، وَبَعْضُهُ عَنْ رَجُلٍ عَن آخَرَ عَن آخَرَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، ثُمَّ أَخَذَ في تَرْتِيبِ ذَلِكَ وَتَهْذِيبِهِ وَتَبْوِيبِِهِ؛ وَعَمِلَ كِتَابَ «الْعِلْم» ، وَكِتَابَ «الْعِلَل» ، وَكِتَابَ «السُّنَّة» ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ في ثَلَاثِ مُجَلَّدَات، وَيَرْوِي في غُضُونِ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ الْعَالِيَةِ عِنْدَهُ عَن أَقرَانِ أَحْمَدَ مِن أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيع، وَبَقِيَّةَ مِمَّا يُشْهَدُ لَهُ بِالإِمَامَةِ وَالتَّقَدُّم، وَأَلَّفَ كِتَابَ «الجَامِعِ» في بِضْعَةَ
عَشَرَ مُجَلَّدَةً أَوْ أَكْثَر» 0
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ في كِتَابِ «أَخْلَاقِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ» : لَمْ يَكُن أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ عُنِيَ بمَسَائِلِ أَبي عَبْدِ اللهِ قَطُّ مَا عُنِيْتُ بِهَا أَنَا، وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ، كَانَ يَقُولُ لي:«إِنَّه لَمْ يُعْنَ أَحَدٌ بِمَسَائِلِ أَبي عَبْدِ اللهِ مَا عُنِيتَ بِهَا أَنْت، إِلَاَّ رَجُلٌ بِهَمْدَانَ يُقَالُ لَهُ مَتَّوَيْه، وَاسْمُهُ محَمَّدُ بْنُ أَبي عَبْدِ الله؛ جَمَعَ سَبْعِينَ جُزءَاً كِبَارَاً» ، وَمَوْلِدُ
الخَلَاَّلِ كَانَ في حَيَاةِ الإِمَامِ أَحْمَد، يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ وَهُوَ صَبيّ» 0
ـ كِتَابُ الزُّهْد:
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ السِّمْسَارِ عَن إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ دَعَاهُ لِيَقْرَأَ عَلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ كِتَابِ الزُّهْد [مِنْ لِلإِمَامِ أَحْمَد] قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئ:
«فَبَكَّرْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ لأُمِّ وَلَدِهِ: أَعْطِيني حَصِيرَاً وَمِخَدَّةً، وَبَسَطْتُ في الدِّهْلِيز؛ فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ وَمَعَهُ الْكُتُبُ وَالمِحْبرَة؛ فَقَال: مَا هَذَا 00؟
فَقُلْتُ: لِنَجْلِسَ عَلَيْه؛ فَقَال: ارْفَعْهُ؛ فَإِنَّ الزُّهْدَ لَا يَحْسُنُ إِلَاَّ بِالزُّهْد؛ فَرَفَعْتُهُ وَجَلَسْنَا عَلَى التُّرَاب»
ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:
قَالَ ابْنُ عَدِيّ: قَالَ الجُرْجَانيّ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ رَجَاءَ قَال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُول:
«طَلَبُ إِسْنَادِ الْعُلُوِّ مِنَ السُّنَّة» 0
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله: «صَحَّ مِنَ الحَدِيثِ سَبْعُمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَكَسْر»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: قُلْتُ لأَحْمَد: كَيْفَ أَصْبَحْت 00؟
قَال: كَيْفَ أَصْبَحَ مَنْ رَبُّهُ يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ الْفَرَائِض، وَنَبِيُّهُ يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ السُّنَّة، وَالمَلَكَانِ يُطَالِبَانِهِ بِتَصْحِيحِ الْعَمَل، وَنَفْسُهُ تُطَالِبُهُ بِهَوَاهَا، وَإِبْلِيسُ يُطَالِبُهُ بِالفَحْشَاء، وَمَلَكُ المَوْتِ يُرَاقِبُ قَبْضَ رُوحِهِ، وَعِيَالُهُ يُطَالِبُونَهُ بِالنَّفَقَة» 00؟
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رحمه الله يَقُول:
«مَنْ تَعَاطَى الْكَلَامَ لَا يُفْلِح، مَنْ تَعَاطَى الْكَلَامَ لَمْ يَخْلُ مِن أَنْ يَتَجَهَّم» 0
قَالَ ابْنُ عَمِّهِ حَنْبَل: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ رحمه الله يَقُول: «مَن أَحَبَّ الْكَلَامَ لَمْ يُفْلِحْ؛ لأَنَّهُ يَؤُولُ أَمْرُهُمْ إِلىَ حَيْرَة، عَلَيْكُمْ بِالسُّنَّةِ وَالحَدِيث، وَإِيَّاكُمْ وَالخَوْضَ في الجِدَالِ وَالمِرَاء 00
أَدْرَكْنَا النَّاسَ وَمَا يَعْرِفُونَ هَذَا الْكَلَام، عَاقِبَةُ الْكَلَامِ لَا تَؤُولُ إِلىَ خَيْر» 0
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُونيّ: «قَالَ ليَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: يَا أَبَا الحَسَن؛ إِيَّاكَ أَنْ تَتَكلَّمَ في مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيهَا إِمَام» 0
نَهَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ نَهَى عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِنَ العُلَمَاءِ في الفُرُوعِ وَقَال: لَا تُقَلِّدْ دِينَك الرِّجَال؛ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُواْ أَنْ يَغْلَطُواْ» 0 [الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِشَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَة]
وَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «لَا تُقَلِّدْني وَلَا مَالِكَاً وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الشَّافِعِيّ» 0
[الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِشَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَة]
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأَدَمِيّ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ قَال: سَمِعْتُ الإِمَامَ أَحْمَدَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «مَنْ ردَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلكَةٍ»
حَدَّثَ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَرَّاقُ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ قَال:
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ محَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ قَال: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقُلْت: ادْعُ اللهَ لَنَا؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ لَنَا عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا نُحِبّ، فَاجْعَلْنَا لَكَ عَلَى مَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ إِنَا نَسأَلُكَ بِالقُدْرَةِ الَّتي قُلْتَ لِلسَّموَاتِ وَالأَرْض:
{ائْتِيَا طَوْعَاً أَوْ كَرْهَاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين} {فُصِّلَت/11}
اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِمَرْضَاتِك، اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ إِلَاَّ إِلَيْك، وَمِنَ الذُّلِّ إِلَاَّ لَك» 0
ـ بَعْضُ فَتَاوَاه؛ رحمه الله:
قَالَ الحَاكِم: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ قَال: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ المُسَيَّبِ قَال: سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بْنَ يحْيىَ الضَّرِيرَ يَقُول: قُلْتُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل: كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ الحَدِيثِ حَتىَّ يَكُونَ مُفْتِيَاً 00؟ يَكْفِيهِ مِاْئَةُ أَلْف 00؟
قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: لَا 00000 إِلىَ أَنْ قُلْتُ: فَيَكْفِيهِ خَمْسُمِاْئَةِ أَلْفِ حَدِيث 00؟
قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَرْجُو» 0
قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ: «سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ المُسْلِمِ يَقُولُ لِلنَّصْرَانيِّ «أَكْرَمَكَ الله» 0
قَالَ نَعَمْ؛ يَنوِي بِهَا الإِسْلَام» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: «سُئِلَ رحمه الله عَنِ الْقِرَاءَةِ بِالأَلحَانِ فَقَال: هَذِهِ بِدْعَةٌ لَا تُسْمَع»
الْيَوْمَ المُقْرِئُ لَا يُعْتَرَفُ بِهِ في الإِذَاعَةِ وَالتِّلِيفِزْيُون وَالنَّقَابَةِ وَالجِهَاتِ الرَّسْمِيَّة: إِلَاّ إِذَا كَانَ حَاصِلاً عَلَى إِجَازَةٍ بِدِرَاسَةِ المَقَامَاتِ مِنَ المَعَاهِدِ المُوسِيقِيَّة 0
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رحمه الله: «ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ سَأَلَ أَبَاهُ عَمَّنْ يَلْمَسُ رُمَّانَةَ مِنْبَرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَمَسُّ الحُجْرَةَ النَّبَوِيَّة؛ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسَاً» 0
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْه:
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الْعُكْبَرِيّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ يَقُول:
التَّابِعُونَ كُلُّهُمْ، وَآخِرُهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ عِنْدِي أَجَلُّهُمْ يَقُولُون:
قَالَ مُوسَى بْنُ هَارُون: سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: أَيْنَ نَطْلُبُ الْبُدَلَاء 00؟
فَسَكَتَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ ثُمَّ قَال: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِن أَصْحَابِ الحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي» 0
قَالَ حَنْبَل: قُلْتُ لأَبي عَبْدِ الله: إِنيِّ أَجِدُ بَلَّةً بَعْدَ الْوُضُوء؛ فَقَال: ضَعْ يَدَكَ في سَفْلَتِك، وَاسْلُتْ مَا ثَمَّ [أَيْ ذَلِكَ الْبَلَل] حَتىَّ يَنْزِل، وَتَتَرَدَّدْ قَلِيلاً ـ أَيْ تَخْطُو خُطْوَات ـ وَالْهُ عَنهُ، وَلَا تَجْعَلْ ذَلِكَ مِن هَمِّك؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيَاطِين» 0
قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيل: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ قَال: «مَضَيْتُ مَعَ أَبي يَوْمَ جُمُعَةٍ إِلىَ الجَامِع؛ فَوَافَقْنَا النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُواْ؛ فَدَخَلَ إِلىَ المَسْجَدِ وَكَانَ مَعَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئ؛ فَتَقَدَّمَ أَبي فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ أَرْبَعَاً، وَقَالَ غَفَرَ اللهُ لَهُ: قَدْ فَعَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ بعَلْقَمَةَ وَالأَسْوَد» 0
قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ محَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيل: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ قَال: «كَانَ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ إِذَا دَخَلَ مَقْبَرَةً: خَلَعَ نَعْلَيهِ وَأَمْسَكَهُمَا بِيَدِه» 0
عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
«لأَن أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْف: أَحَبُّ إِليَّ مِن أَن أَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ امْرِئٍ مُسْلِم، وَمَا أُبَالي وَسْطَ القُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتي أَمْ وَسْطَ السُّوق» 0 [قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في السِّيَر: إِسْنَادُهُ صَالح 0 صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في أَحْكَامِ الجَنَائِزِ وَفي سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَة]
عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
«لأَنْ يَطَأَ الرَّجِلُ عَلَى جَمْرَة: خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَطَأَ عَلَى قَبر» 0 [صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في «الجَامِعِ» بِرَقْم: (9175/ 5044)، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَة]
ـ خَبرُ مَرَضِهِ وَوَفَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ:
قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رحمه الله: سَمِعْتُ أَبي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَقُول:
كَأَنَّهُ قَدْ حَسَدَ نَفْسَهُ؛ أَوْ كَأَنَّ اللهَ جل جلاله لَمْ يَقْبِضْهُ إِلَيْه؛ إِلَاّ بَعْدَمَا رَأَى مِنهُ اسْتِطَالَتَهُ وَمَلَالَتَه 0
وَقَالَ ابْنُهُ صَالِح:
لَمَّا كَانَ أَوَّلُ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مَنْ سَنَةِ 241 هـ: حُمَّ أَبي لَيْلَةَ الأَربِعَاء، وَبَاتَ وَهُوَ مَحْمُوم، يَتَنَفَّسُ تَنَفُّسَاً شَدِيدَاً، ثُمَّ أَرَادَ الْقِيَامَ فَقَال: خُذْ بِيَدِي؛ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ؛ فَلَمَّا صَارَ إِلىَ الخَلَاء:
ضَعُفَ وَتَوَكَّأَ عَلَيّ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ غَيْرُ مُتَطَبِّبٍ كُلُّهُمْ مُسْلِمُون؛ فَوَصَفَ لَهُ مُتَطَبِّبٌ قَرْعَةً تُشْوَى، وَيُسْقَى مَاءَهَا، وَهَذَا كَانَ يَوْمَ الثُّلَاثَاء، فَقَال: يَا صَالِح؛ قُلْتُ: لَبَّيْك؛ قَال: لَا تُشْوَى في مَنْزِلِكَ وَلَا في مَنْزِلِ أَخِيك، وَصَارَ الْفَتْحُ بْنُ سَهْلٍ إِلىَ الْبَابِ لِيَعُودَه، فَحَجَبْتُهُ، وَأَتىَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ الجَعْدِ فَحَبَسْتُه، وَكَثُرَ النَّاس؛ فَقَال: فَمَا تَرَى 00؟
قُلْتُ: تَأْذَنُ لَهُمْ فَيَدْعُونَ لَك؛ قَال: أَسْتَخِيرُ الله؛ فَجَعَلُواْ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجَاً؛ حَتىَّ تَمْتَلِئَ الدَّار؛ فَيَسْأَلُونَهُ وَيَدْعُونَ لَهُ وَيَخْرُجُون، وَيَدْخُلُ فَوجٌ، وَكَثُرَ النَّاس، وَامْتَلأَ الشَّارِع، وَأَغْلَقْنَا بَابَ الزُّقَاق، وَجَاءَ جَارٌ لَنَا قَدْ خَضَبَ؛ فَقَالَ أَبي: إِنيِّ لأَرَى الرَّجُلَ يُحْيِي شَيْئَاً مِنَ السُّنَّةِ فَأَفْرَحُ بِه؛ فَقَالَ لي: وَجِّهْ فَاشْتَرِ تَمْرَاً، وَكَفِّرْ عَنيِّ كَفَّارَةَ يَمِين؛ وَقَال: اقْرَأْ عَلَيَّ الْوَصِيَّة؛
فَقَرَأْتُهَا؛ فَأَقَرَّهَا، وكُنْت أَنَامُ إِلىَ جَنْبِهِ؛ حَتىَّ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً أُنَاوِلُه، وَجَعَلَ يُحرِّكُ لِسَانَهُ، وَلَمْ يَئِنَّ إِلَاَّ في اللَّيْلَةِ الَّتي تُوُفِّيَ فِيهَا، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي قَائِمَاً، أُمْسِكُهُ فَيَرْكَعُ وَأُمْسِكُهُ فَيَسْجُد، وَأَرْفَعُهُ في رُكُوعِه، وَاجْتَمَعتْ عَلَيْهِ أَوجَاعُ الحُصْر [أَيِ احْتِبَاسُ الْبَوْلُ أَوِ الْغَائِط]، وَلَمْ يَزَلْ عَقْلُهُ ثَابِتَاً؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ لَاِثْنَتيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ لِسَاعَتَينِ مِنَ النَّهَارِ تُوُفِّي» 0
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيّ: «مَرِضَ الإِمَامُ أَحْمَدُ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ رُبَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجَاً، يُسَلِّمُونَ وَيَرُدُّ بِيَدِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه، وَتَسَامَعَ النَّاسُ وَكَثُرُواْ، حَتىَّ أُغْلِقَ بَابُ الزُّقَاق؛ فَمَلأَ النَّاسُ الشَّوَارعَ وَالمَسَاجِد؛ حَتىَّ تَعَطَّلَ بَعْضُ الْبَاعَة، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ رُبَّمَا تَسَلَّق، وَجَاءَهُ حَاجِبُ ابْنِ طَاهِرٍ فَقَال: إِنَّ الأَمِيرَ يُقْرِئُكَ السَّلَام، وَهُوَ يَشْتَهِي أَنْ يَرَاك؛ فَقَال: هَذَا مِمَّا أَكْرَه، وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ قَد أَعْفَاني مِمَّا أَكْرَه،
وَأَصْحَابُ الخَبَرِ يَكْتُبُونَ بِخَبَرِهِ إِلىَ الْعَسْكَر، وَالبَرِيدُ يَخْتَلِفُ كُلَّ يَوْم، وَجَاءَ بَنُو هَاشِمٍ فَدَخلُواْ عَلَيْه، وَجَعَلُواْ يَبْكُونَ عَلَيْه، وَجَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ شَيْخٌ فَقَال: اذْكُرْ وُقُوفَكَ بَيْنَ يَدَيِ الله؛ فَشَهِقَ أَبُو عَبْدِ اللهِ وَسَالَتْ دُمُوعُهُ، فلَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ قَال: ادْعُواْ لِيَ الصِّبْيَانَ بِلِسَانٍ ثَقِيل؛ فَجَعَلُواْ يَنْضَمُّونَ إِلَيْه، وَجَعَلَ يَشُمُّهُمْ وَيَمْسَحُ رُؤُوسَهُمْ وَعَينُهُ تَدْمَعُ، وَأَدْخَلْتُ تَحْتَهُ الطَّسْتَ، فَرَأَيْتُ بَولَهُ دَمَاً عَبِِيطَاً؛ فَقُلْتُ لِلطَّبِيبِ فَقَال: هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الحُزْنُ وَالغَمُّ جَوْفَه، وَاشْتَدَّتْ عِلَّتُهُ يَوْمَ الخَمِيس، وَوَضَّأْتُهُ فَقَال: خَلِّلِ الأَصَابِع، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ ثَقُلَ، وَقُبِضَ صَدْرَ النَّهَار، فَصَاحَ النَّاسُ وَعَلَتِ الأَصْوَاْتُ بِالْبُكَاء؛ حَتىَّ كَأَنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَجَّتْ، وَامْتَلأَتِ السِّكَكُ وَالشَّوَارِع» 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ قَال:
«أُخْرِجَتِ الجَنَازَةُ بَعْد مُنْصَرَفِ النَّاسِ مِنَ الجُمُعَة» 0
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:
[صَحَّحَهُ الْعَلَاّمَة أَحْمَد شَاكِر في المُسْنَدِ بِرَقْم: 6646، وَحَسَّنَهُ الْعَلَاّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ بِرَقْم: 1074]
قَالَ صَالِحُ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:
قَالَ صَالِحُ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:
قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ الله: «صَلَّى علَى أَبي محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاهِرٍ غَلَبَنَا عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْه، وَقَدْ كُنَّا صَلَّيْنَا عَلَيْهِ نَحْنُ وَالهَاشَمِيُّونَ في الدَّار» 0
وَقَالَ ابْنُهُ صَالِح: وَجَّهَ ابْنُ طَاهِرٍ إِلَيَّ: مَنْ يُصَلِّي عَلَى أَبي عَبْدِ الله 00؟
قُلْتُ: أَنَا، فَلَمَّا صِرْنَا إِلىَ الصَّحْرَاء: إِذَا بِابْنِ طَاهِرٍ وَاقِف، فَخَطَا إِلَيْنَا خُطُوَاتٍ وَعَزَّانَا، وَوُضَعَ السَّرِير؛ فَلَمَّا انْتَظَرْتُ هُنَيَّةً، تَقَدَّمْتُ، وَجَعَلْنَا نُسَوِّي الصُّفُوف؛ فَجَاءَني ابْنُ طَاهِرٍ، فَقَبَضَ هَذَا عَلَى يَدِي، وَمحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَلَى يَدِي وَقَالُواْ: الأَمِير؛ فَمَانَعْتُهُمْ؛ فَنَحَّيَاني وَصَلَّى هُوَ، وَلَمْ يَعلَمِ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ في الْغَدِ،
عَلِمُواْ، فَجَعَلُواْ يَجِيئُونَ، وَيُصَلُّونَ عَلَى الْقَبْر، وَمَكَثَ النَّاسُ مَا شَاءَ اللهُ يَأْتُونَ فَيُصَلُّونَ عَلَى الْقَبْر» 0
ـ بَلَغَ حِفْظُهُ أَلْفَ أَلْف؛ فَبَلَغَتْ جِنَازَتُهُ أَلْفَ أَلْف 00!!
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقَ يَقُول:
«مَا بَلَغَنَا أَنَّ جَمْعَاً في الجَاهِلِيَّةِ وَلَا الإِسْلَامِ مِثْلُهُ؛ حَتىَّ بَلَغَنَا أَنَّ المَوْضِعَ مُسِحَ وَحُزِرَ عَلَى الصَّحِيح؛ فَإذَا هُوَ نَحْوٌ مِن أَلْفِ أَلْف، وَحَزرْنَا حَوْلَ الْقُبُورِ نَحْوَاً مِنْ سِتِّينَ أَلفَ
امْرَأَة، وَفَتَحَ النَّاسُ أَبوَابَ المَنَازِل في الشَّوَارِعِ وَالدُّرُوبِ يُنَادُونَ مَن أَرَادَ الْوُضُوء» 0
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ الخُرَاسَانيُّ عَنْ بُنَانَ بْنِ أَحْمَدَ الْقَصَبَانيِّ أَنَّهُ قَال:
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ النَّيْسَابُورِيّ: حَدَّثَني فَتْحُ بْنُ الحَجَّاجِ قَال: «سَمِعْتُ في دَارِ ابْنِ طَاهِرٍ الأَمِيرِ أَنَّ الأَمِيرَ بَعَثَ عِشْرِينَ رَجُلاً، فَحَزَرُواْ كَمْ صَلَّى عَلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه؛ فَحَزَرُواْ؛ فَبَلَغَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانِينَ أَلْفَاً، سِوَى مَنْ كَانَ في السُّفُن»
أَيْ في الطَّرِيق 0
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ يَقُول: «بَلَغَني أَنَّ المُتَوَكِّلَ أَمَرَ أَنْ يُمسَحَ المَوْضِعُ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ النَّاسُ حَيْثُ صُلِّيَ عَلَى أَحْمَدَ، فَبَلَغَ مَقَامَ أَلفَيْ أَلْفٍ وَخَمْسَِمِاْئَةِ أَلْف»
لَمْ أَقْرَأْ فِيمَا فَرَأْتُ عَن أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا الْعَدَدِ مِنَ المُسْلِمِين؛ إِلَاّ محَمَّدُ بْنُ أَسْلَم: فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ أَلْفُ أَلفٍ مِنَ النَّاس، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَلْفُ أَلفٍ وَمِاْئَةُ أَلْفٍ، يَقُولُ صَالِحُهُمْ وَطَالِحُهُمْ: لَمْ نَعْرِفْ لِهَذَا الرَّجُلِ نَظِيرَاً» 00
فَقَدْ كَانَ أَيْضَاً عَابِدَاً زَاهِدَاً
قَالَ السُّلَمِيّ: «حَضَرْتُ جِنَازَةَ أَبي الْفَتْحِ الْقَوَّاسِ مَعَ الدَّارَقُطْنيّ؛ فَلَمَّا نَظَرَ إِلىَ الجَمعِ قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَهْلٍ بْنَ زِيَادٍ يَقُول: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَحْمَدَ يَقُول: سَمِعْتُ أَبي يَقُول:
«قُولُواْ لأَهْلِ الْبِدَع: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يَوْمُ الجنَائِز» 0
وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ رحمه الله: قَالَ أَبي عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه: أَخْرِجْ حَدِيثَ الأَنِين؛ فَقَرَأْتُهُ عَلَيْه؛ فَمَا سُمِعَ لَهُ أَنِينٌ حَتىَّ مَات» 0
قَالَ صَالِح: «جَعَلَ أَبي يُحَرِّكُ لِسَانَهُ إِلىَ أَنْ تُوُفِّيَ» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: سَمِعْتُ ابْنَ أَبي صَالِحٍ الْقَنْطَرِيَّ يَقُول:
«شَهِدْتُ المَوْسِمَ أَرْبَعِينَ عَامَاً، فَمَا رَأَيْتُ جَمْعَاً قَطُّ مِثْلَ هَذَا» 00
أَيْ مَشْهَدَ جِنَازَةِ أَبي عَبْدِ الله قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوذِيَّ رحمه الله يَقُولُ عَن عَلِيِّ بْنِ مَهْرُوَيْهِ عَن خَالَتِهِ قَالَتْ: مَا صَلَّوْا بِبَغْدَادَ في مَسْجِدٍ الْعَصْرَ يَوْمَ وَفَاةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ حِصْنٍ قَال:
حَدَّثَ ظُفَرُ عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَن أَحْمَدَ بْنِ الْوَرَّاقِ عَن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ محَمَّدٍ قَال:
«أَسْلَمْ يَوْمَ مَاتَ عَشْرَةُ آلَافٍ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوس» 0
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الْفَتَاوَى عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة:
ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَاتِه:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل: «اسْتَأْذَنَ دَاوُدُ عَلَى أَبي؛ فَقَال: مَن هَذَا؟ دَاوُد؟ لَا جَبَرَ وِدُّ اللهِ قَلْبَه، وَدَوَّدَ اللهُ قَبْرَه؛ فَمَاتَ مُدَوَّدَاً» 0
[الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِشَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَة]
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذِيُّ رحمه الله: قَدِمَ رَجُلٌ مِن طَرَسُوسَ فَقَال: كُنَّا في بِلَادِ الرُّومِ في الْغَزْوِ إِذْ هَدَأَ اللَّيْلُ رَفَعُواْ أَصْوَاتَهُمْ بِالدُّعَاء: ادعُواْ لأَبي عَبْدِ الله، وَكُنَّا نَمُدُّ المِنْجَنِيق، وَنَرْمِي عَن أَبي عَبْدِ الله، وَلَقَدْ رُمِيَ عَنهُ بحَجَرٍ، وَالعِلْجُ عَلَى الحِصْنِ مُتَتَرِّسٌ بَدَرَقَة؛ فَذَهَبَتْ بِرَأْسِهِ وَبَالدَّرَقَة»
وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبي فَزَارَةَ جَارُنَا فَقَال:
كَانَتْ أُمِّي مُقْعَدَةً مِنْ نَحْوِ عِشْرِينَ سَنَة؛ فَقَالَتْ لي يَوْمَاً: اذهَبْ إِلىَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَسَلْهُ أَنْ يَدعُوَ لي؛ فَأَتَيْتُ فَدَقَقْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ في دِهْلِيزِهِ فَقَال: مَن هَذَا 00؟
قُلْتُ: رَجُلٌ سَأَلَتْني أُمِّي وَهِيَ مُقْعَدَةٌ أَن أَسْأَلكَ الدُّعَاء؛ فَسَمِعْتُ كَلَامَهُ كَلَامَ رَجُلٍ مُغْضَبٍ فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: نَحْنُ أَحْوَجُ أَنْ تَدْعُوَ اللهَ لَنَا؛ فَوَلَّيْتُ مُنْصَرِفَاً؛ فَخَرَجَتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ: قَدْ تَرَكْتُهُ يَدْعُو لَهَا؛ فَجِئْتُ إِلىَ بَيْتِنَا وَدَقَقْتُ الْبَاب؛ فَخَرَجَتْ أُمِّي عَلَى رِجْلَيْهَا تَمْشِي» 0
[قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاء: هَذِهِ الْوَاقعَةُ نَقَلَهَا ثِقَتَانِ عَن عَبَّاسٍ الدُّورِيّ]
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ رحمه الله: «وَلَمَّا وَقَعَ الْغَرَقُ بِبَغْدَادَ في سَنَةِ 554 هـ وَغَرِقتْ كُتُبي، سَلِمَ لي مُجَلَّدٌ فِيهِ وَرَقتَانِ بِخَطِّ الإِمَام» 0
حَدَّثَ ابْنُ شَاذَانَ قَال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَال: حَدَّثَتْني فَاطِمَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ قَالَتْ:
«وَقَعَ الحَرِيقُ في بَيْتِ أَخِي صَالح ـ وَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِفَتَاةٍ فَحَمَلُواْ إِلَيْهِ جِهَازَاً شَبِيهَاً بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِينَار ـ فَأَكَلَتْهُ النَّار؛ فَجَعَلَ صَالِحٌ يَقُول «مَا غَمَّني مَا ذَهَبَ إِلَاَّ ثَوْبٌ لأَبي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ أَتَبَرَّكُ بِهِ وَأُصَلِّي فِيه» فَطُفِئَ الحَرِيقُ وَدَخَلُواْ؛ فَوَجَدُواْ الثَّوْبَ عَلَى سَريرٍ قَدْ أَكَلَتِ النَّارُ مَا حَوْلَهُ وَسَلِمَ» 0
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «وَكَذَا اسْتَفَاضَ وَثَبَتَ أَنَّ الْغَرَقَ الْكَائِنَ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَسَبْعِمِاْئَةٍ بِبَغْدَادَ عَامَ عَلَى المَقَابِرِ حَوْلَ مَقْبَرَةِ الإِمَامِ أَحْمَد، وَأَنَّ المَاءَ دَخَلَ في الدِّهْلِيزِ عُلُوَّ ذِرَاع، وَوَقَفَ بِقُدْرَةِ اللهِ فَلَمْ يَصِلْ إِلى الْقَبر، وَبَقِيَتِ الحُصُرُ حَوْلَ قَبْرِ الإِمَامِ بِغُبارِهَا؛ وَكَانَ ذَلِكَ آيَةً»
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال: «حَدَّثَني أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ محْمُودٍ قَال:
«كُنْتُ في الْبَحْرِ مُقْبِلاً مِنْ نَاحِيَةِ السِّنْدِ في اللَّيْل؛ فَإِذَا هَاتِفٌ يَقُول: مَاتَ الْعَبْدُ الصَّالِح؛ فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ مَعَنَا: مَن هَذَا 00؟
قَال: هَذَا مِنْ صَالِحِي الجِنّ، وَمَاتَ أَحْمَدُ تِلْكَ اللَّيْلَة» 0
ـ بَعْضُ مَا رُؤِيَ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ مِنَ المَنَامَاتِ الحَسَنَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه:
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاقُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: سَمِعْتُ أَبي رحمه الله يَقُول:
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتمٍ الْوَرَّاقُ رحمه الله: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى يَقُول:
«رَأَيْتُ رَجُلاً مِن أَهْلِ الحَدِيثِ تُوُفِّيَ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟
قَال: غَفَرَ لي، فَقُلْتُ: بِالله 00؟
قَالَ بِاللهِ إِنَّه غَفَرَ لي؛ فَقُلْتُ: بِمَاذَا غَفَرَ اللهُ لَك 00؟
قَال: بِمَحَبَّتي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل» 0
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق:
«حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَن أَخِي أَبي عَقِيلٍ قَال:
«رَأَيْتُ شَابَّاً تُوُفِّيَ بِقَزْوِينَ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّك؟
قَال: غَفَرَ لي، وَرَأَيْتُهُ مُسْتَعجِلاً؛ فَسَأَلْتُهُ 00؟!
فَقَال: لأَنَّ أَهْلَ السَّمَوَاتِ قَدِ اشْتُغِلُواْ بِعَقْدِ الأَلْوِيَةِ لاِسْتِقْبَالِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، وَأَنَا أُرِيدُ اسْتِقبَالَهُ؛ وَكَانَ أَحْمَدُ تُوُفِّيَ تِلْكَ الأَيَّام» 0
قَالَ محَمَّدُ بْنُ أَبي حَاتِمٍ الْوَرَّاق: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَال: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بْنُ خَالُوَيْهِ قَال: رَأَيْتُ السِّنْدِيَّ في النَّوْمِ فَقُلْتُ: مَا حَالُكَ 00؟
قَال: أَنَا بِخَيْر، لَكِنِ اشْتُغِلُواْ عَنيِّ بِمَجِيءِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه» 0
حَدَّثَ يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَهْمَانَ عَن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ قَال:
حَدَّثَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ النَّهَاوَنْدِيُّ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَن أَبِيهِ قَال: «رَأَيْتُ رَبَّ الْعِزَّةِ جل جلاله في المَنَام؛ فَقُلْتُ: يَا رَبّ، مَا أَفْضَلَ مَا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيْك المُتَقَرِّبُون 00؟
قَالَ جَلَّ وَعَلَا: بِكَلَامِي يَا أَحْمَد؛ قُلْتُ: يَا رَبّ، بِفَهْمٍ أَوْ بِغَيْرِ فَهْم 00؟
قَال: بِفَهْمٍ وَبِغَيْرِ فَهْم» 0
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ في الفَتَاوَى:
«قَدْ يَرَى المُؤْمِنُ رَبَّهُ في المَنَامِ في صُوَرٍ مُتَنَوِّعَةٍ عَلَى قَدْرِ إيمَانِهِ وَيَقِينِهِ؛ فَإِذَا كَانَ إيمَانُهُ صَحِيحًا لَمْ يَرَهُ إلَاّ في صُورَةٍ حَسَنَة، وَإِذَا كَانَ في إيمَانِهِ نَقْصٌ رَأَى مَا يُشْبِهُ إيمَانَهُ، وَرُؤْيَا المَنَامِ لَهَا حُكْمٌ غَيْرُ رُؤْيَا الحَقِيقَةِ في اليَقَظَة، وَلَهَا تَعْبِيرٌ وَتَأْوِيل؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الأَمْثَالِ المَضْرُوبَةِ لِلْحَقَائِق،
وَقَدْ يحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ في الْيَقَظَةِ أَيْضَاً مِنَ الرُّؤْيَا نَظِيرُ مَا يحْصُلُ لِلنَّائِمِ في المَنَام: فَيَرَى بِقَلْبِهِ مِثْلَ مَا يَرَى النَّائِم، وَقَدْ يَتَجَلَّى لَهُ مِنْ الحَقَائِقِ مَا يَشْهَدُهُ بِقَلْبِهِ، فَهَذَا كُلُّهُ يَقَعُ في الدُّنْيَا، وَرُبَّمَا غَلَبَ عَلَى أَحَدِهِمْ مَا يَشْهَدُهُ قَلْبُهُ، وَتَجْمَعُهُ حَوَاسُّهُ؛ فَيَظُنُّ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ؛ حَتىَّ يَسْتَيْقِظَ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ مَنَامٌ وَرُبَّمَا عَلِمَ في المَنَامِ أَنَّهُ مَنَام» 0
[الفَتَاوَى الكُبرَى لِشَيْخِ الإِسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَة]
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ محَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ عَن عَزْرَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَطَالُوْتَ بْنِ لُقْمَانَ قَالَا: «سَمِعْنَا زَكَرِيَّا بْنَ يحْيىَ السِّمْسَارَ يَقُول: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ في المَنَامِ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مُرَصَّعٌ بِالجَوْهَر؛ قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟
قَال: غَفَرَ لي وَأَدْنَاني، وَتَوَّجَني بِيَدِهِ بِهَذَا التَّاج، وَقَالَ لي جَلَّ وَعَلَا:
هَذَا؛ بِقَولِكَ «الْقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوق» » 0
زَادَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ خَفِيفٍ الصُّوفِيُّ عَن أَبي الْقَاسِمِ الْقَصْرِيِّ عَنِ الإِمَامِ ابْنِ خُزَيْمَةَ قَال: «وَتَوَّجَني وَأَلْبَسَني جل جلاله نَعْلَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَقَال: يَا أَحْمَد؛ هَذَا بِقَوْلِكَ الْقُرْآنُ كَلَامِي» 0
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ الأَنْصَارِيّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ بَاخَرْزَ وَهِيَ مِنْ نَوَاحِي نَيْسَابُورَ يَقُول: «رَأَيْتُ كأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَى فَرَسٍ بِهِ مِنَ الحُسْنِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيم، وَمُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا لَا يَتَقَدَّمَنَّهُ اليَوْمَ أَحَد؛ قُلْتُ: مَن هَذَا 00؟
قَالُواْ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه» 0
وَجَاءَ في «مَنَاقِبِ أَحْمَدَ» لِشَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَة:
«عَن عَلِيِّ بْنِ المُوَفَّقِ قَال: «رَأَيْتُ كَأَنيِّ دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَإِذَا بِثَلَاثَة: رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى مَائِدَةٍ؛ قَدْ وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكَيْن: فَمَلَكٌ يُطْعِمُهُ، وَمَلَكٌ يَسْقِيه، وَآخَرُ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ يَنْظُرُ في وُجُوهِ قَوْمٍ فَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّة، وَآخَرُ وَاقِفٌ في وَسَطِ الجَنَّةِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلىَ الْعَرْش؛ يَنْظُرُ إِلىَ الرَّبِّ تبارك وتعالى؛ فَقُلْتُ لِرُضْوَان: مَن هَؤُلَاء 00؟
قَال: الأَوَّل: بِشْرٌ الحَافِي؛ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ جَائِعٌ عَطْشَان 00!!
وَالوَاقِفُ في الْوَسَط: هُوَ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ؛ عَبَدَ اللهَ شَوْقَاً لِلنَّظَرِ إِلَيْه؛ فَأُعْطِيَهُ 00!!
وَالوَاقِفُ في بَابِ الجَنَّة: فَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل؛ أُمِرَ أَنْ يَنْظُرَ في وُجُوهِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُدْخِلَهُمُ الجَنَّة» 0
وَذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلَامِ بِإِسْنَادٍ طَوِيلٍ عَنْ محَمَّدِ بْنِ يحْيىَ الرَّمْلِيِّ قَاضِي دِمَشْقَ قَال: «دَخَلْتُ الْعِرَاقَ وَالحِجَاز، وَكَتَبْت، فَمِنْ كَثْرَةِ الاِخْتِلَافِ لَمْ أَدْرِ بِأَيِّهَا آخُذ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اهْدِني؛ فَنِمْتُ؛ فَرَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلىَ الْكَعْبَة، وَعَنْ يَمِينِهِ الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَهُوَ يَبْتَسِمُ إِلَيْهِمَا؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله؛ بِمَ آخُذ 00؟
فَأَوْمَأَ إِلىَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَقَال:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّة} {الأَنْعَام/89}
أَيْ عَلَى أَمْثَالِ هَؤلَاءِ تَنْزِلُ الْكُتُبُ وَالحِكْمَةُ وَالنُّبُوَّة 0
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَال: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَال: كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ في مَسْجِدِهِ، وَهُوَ يَقْرَأُ كِتَابَ «الأَشْرِبَةِ» إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَال:
مَنْ فِيكُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل 00؟
فَقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: أَنَا أَحْمَد؛ فَقَال: أَتَيْتُكَ مِن أَرْبَعِمِاْئَةِ فَرْسَخٍ بَرَّاً وَبَحْرَاً: كُنْتُ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَاني آتٍ فَقَال: إِنيِّ أَنَا الخَضِر؛
فَرُحْ إِلىَ بَغْدَادَ وَسَلْ عَن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَاكِنَ الْعَرْشِ وَالمَلَائِكَةَ الَّذِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ رَاضُونَ عَنْكَ بِمَا صَبَّرْتَ بِهِ نَفْسَك؛ فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَد:
مَا شَاءَ الله، لَا قُوَّةَ إِلَاَّ بِالله؛ ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُل: أَلَكَ حَاجَة 00؟
قَالَ لَا، إِنَّمَا جِئْتُكَ لِهَذَا، فَوَدَّعَهُ وَانْصَرَف» 0
حَدَّثَ الإِمَامُ الطَّبَرَانيُّ عَن أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الأَبَّارِ عَن حُبَيْشِ بْنِ أَبي الْوَرْدِ قَال: «رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ فَقُلْتُ: يَا نَبيَّ الله؛ مَا بَالُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل 00؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: سَيَأْتِيكَ مُوسَى عليه السلام فَسَلْه، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عليه السلام؛ فَسَأَلْتُهُ؟
فَقَال: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بُلِيَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاء؛ فَوُجِدَ صَادِقَاً؛ فَأُلْحِقَ بِالصِّدِّيقِين» 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال:
«حَدَّثَنَا أَبُو يحْيىَ النَّاقِدُ عَن حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ قَال:
«رَأَيْتُ عَمَّاً لي في المَنَام، كَانَ قَدْ كَتَبَ عَن هُشَيْمٍ، فَسَأَلْتُهُ عَن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله فَقَال:
ذَاكَ مِن أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه» 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال:
«حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي قُرَّةَ قَال: رَأَيْتُ في النَّوْمِ كَأَنيِّ دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا قَصْرٌ مِنْ فِضَّة، فَانْفَتَحَ بَابُهُ، فَخَرَجَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ نُور، فَقَالَ لي: قَدْ جِئْت 00؟
قُلْتُ: نَعَمْ» 0
وَهَذِهِ المَنَامَات: قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا أَوْرَدَهُ الذَّهَبيُّ وَابْنُ الجَوْزِيِّ وَابْنُ البَنَّاء
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: «حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ عَن عُبَيْدِ بْنِ شَرِيكٍ قَال: مَاتَ مُخَنَّثٌ؛ فَرُئِيَ في النَّوْمِ فَقَال: قَدْ غُفِرَ لي؛ دُفِنَ عِنْدَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل؛ فَغُفِرَ لأَهْلِ الْقُبُور» 0
حَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّلُ قَال: أَخْبَرَني عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِالرَّقَّةِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ السِّنْجَارِيِّ عَنِ الأَثْرَمِ قَال: «سَمِعْتُ أَبَا محَمَّدٍ فُورَانَ يَقُول: رَأَى إِنْسَانٌ رُؤْيَا فَقَال:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: إِلىَ مَا صِرْت 00؟
قَال: أَنَا مَعَ الْعَشْرَة [أَيِ المُبَشَّرِين]، قُلْتُ: أَنْتَ عَاشِرُ الْقَوْم 00؟
قَالَ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ: لَا، أَنَا حَادِي عَشَر» 0
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلَاَّل: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَال: حَدَّثَنَا محَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْوَزَّانُ قَال: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَذْرَمِيُّ قَال: حَدَّثَنَا بُنْدَارُ بْنُ بَشَّارٍ قَال:
«رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: إِلىَ مَا صِرْتَ 00؟
قَال: إِلىَ أَكْثَرَ مِمَّا أَمَّلْت؛ فَقُلْتُ: مَا هَذَا في كُمِّك 00؟
قَال: دُرٌّ وَيَاقُوت، قَدِمَتْ عَلَيْنَا رُوحُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه؛ فَأَمَرَ اللهُ أَنْ يُنْثَرَ عَلَيْهِ ذَلِك، فَهَذَا نَصِيبي» 0