المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ - حياة التابعين

[ياسر الحمداني]

فهرس الكتاب

- ‌الْكَاتِبُ في سُطُور:

- ‌أَعْلَامُ أَئِمَّةِ المُحَدِّثِين:

- ‌الإِمَامُ البُخَارِيّ

- ‌الإِمَامُ مُسْلِم

- ‌الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل

- ‌الإِمَامُ أَبُو دَاوُد

- ‌أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ

- ‌الإِمَامُ التِّرْمِذِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ مَاجَة

- ‌الإِمَامُ النَّسَائِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارِمِيّ

- ‌الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَة

- ‌الإِمَامُ ابْنُ حِبَّان

- ‌الإِمَامُ أَبُو يَعْلَى

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرَاني

- ‌إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه

- ‌الإِمَامُ الحُمَيْدِيّ

- ‌أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبي شَيْبَة

- ‌مَعْمَرُ بْنُ رَاشِد

- ‌أَعْلَامُ الحُفَّاظ:

- ‌عِكْرِمَةُ مَوْلىَ ابْنِ عَبّاس

- ‌عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر

- ‌أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيّ

- ‌ثَابِتٌ الْبُنَانيّ

- ‌أَبُو العَالِيَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب

- ‌مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الله

- ‌ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ

- ‌سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة

- ‌الأَعْمَش

- ‌أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِي

- ‌أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عُقْدَة

- ‌أَبُو بَكْرِ بْنُ محَمَّدِ بْنِ الجَعَّابيّ

- ‌حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة

- ‌حَمَّادُ بْنُ زَيْد

- ‌عَمْرُو بْنُ دِينَار [

- ‌ابْنُ جُرَيْج

- ‌عَبْدُ الكَرِيمِ الجَزَرِيّ

- ‌إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ

- ‌الْفِرْيَابيّ

- ‌ عَبْدُ الْغَنيِّ المَقْدِسِيّ

- ‌سُلَيْمَانُ التَّيْمِيّ

- ‌يَزِيدُ بْنُ هَارُون

- ‌إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِد

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب

- ‌أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ

- ‌ابْنُ أَبي ذِئْب

- ‌الْقَعْنَبيّ

- ‌الأَشْجَعِيّ

- ‌هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ [

- ‌[ابْنُ عُلَيَّة]

- ‌غُنْدَر

- ‌مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيّ

- ‌مَكْحُولٌ الأَزْدِيّ

- ‌يحْيىَ بْنُ يحْيىَ التَّمِيمِيّ

- ‌الْقَوَارِيرِيّ

- ‌أَبُو كُرَيْب

- ‌خَالِدُ بْنُ الحَارِث

- ‌ابْنُ المُقْرِئ

- ‌هُشَيْمُ بْنُ بَشِير

- ‌أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاش

- ‌ابْنُ لَهِيعَة

- ‌ابْنُ أَبي دَاوُد

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم

- ‌الْقَاسِمُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق

- ‌أَعْلَامُ نُقَّادِ المحَدِّثِين:

- ‌شُعْبَةُ بْنُ الحَجَّاج

- ‌عَلِيُّ بْنُ المَدِينيّ

- ‌يَحْيىَ بْنُ مَعِين

- ‌أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِي

- ‌أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌[ابْنُهُ]عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي حَاتِمٍ الرَّازِي

- ‌يحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان

- ‌عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ

- ‌الإِمَامُ الدَّارَقُطْنيّ

- ‌عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم

- ‌أَبُو حَفْصٍ الْفَلَاَّس

- ‌أَبُو بَكْرٍ الخَطِيب

- ‌ابْنُ الصَّلَاحِ الصَّفَدِي

- ‌الإِمَامُ الذَّهَبيّ [

- ‌أَعْلَامُ الْفُقَهَاء:

- ‌الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَة

- ‌الإِمَامُ مَالِك

- ‌الإِمَامُ الأَوْزَاعِيّ

- ‌الإِمَامُ الشَّافِعِيّ

- ‌اللَّيْثُ بْنُ سَعْد

- ‌الشَّعْبيّ

- ‌رَبِيعَةُ الرَّأْي

- ‌أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي [

- ‌أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذَكْوَان

- ‌أَعْلَامُ المُفَسِّرِين:

- ‌مُجَاهِد

- ‌قَتَادَة

- ‌سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر

- ‌الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْقضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَالنُّحَاة:

- ‌عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌شُرَيْحٌ القَاضِي

- ‌الأَصْمَعِيّ

- ‌أَعْلَامُ الْعَلَوِيِّين [الأَشْرَاف]:

- ‌جَعْفَرٌ الصَّادِق

- ‌مُوسَى الكَاظِم

- ‌أَعْلَامُ الزُّهَّاد [

- ‌أَيُّوبُ السِّخْتِيَانيّ

- ‌عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الكُوفِيّ

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْن

- ‌محَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِر

- ‌حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْح

- ‌عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَك

- ‌الحَسَنُ الْبَصْرِيّ

- ‌محَمَّدُ بْنُ سِيرِين

- ‌الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض

- ‌الرَّبيعُ بْنُ خُثَيْم

- ‌إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَم

- ‌مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيّ

- ‌ذُو النُّونِ المِصْرِيّ

- ‌وَكِيعُ بْنُ الجَرَّاح

- ‌مَنْصُورُ بْنُ عَمَّار

- ‌يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع

- ‌دَاوُدٌ الطَّائِيّ

- ‌صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْم

- ‌الْعَلَاءُ بْنُ زِيَاد

- ‌سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز

- ‌المُعَافَى بْنُ عِمْرَان

- ‌ أَحْمَدُ بْنُ أَبي الحَوَارِيّ

- ‌ابْنُ سَمْعُون

- ‌ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ

الفصل: ‌ ‌إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ

‌إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيّ

هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشِيرٍ الْبَغْدَادِيُّ الحَرْبيّ، وُلِدَ سَنَةَ 198 هـ 0

تُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ سَنَةَ 285 هـ في أَيَّام المعْتَضِد 0

ص: 850

ـ أَشْهَرُ شُيُوخِهِ:

سَمِعَ مِنْ مُسَدَّدِ بْنِ مُسَرْهَد، وَمُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ المِنْقَرِيُّ التَِّبُوذَكِي، وَعَلِيِّ بْنِ الجَعْد [الثَّلَاثَةُ شُيوخِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه]، وَسَمِعَ مِنَ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل، وَأَبي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْر، وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْب، وَأَبي بَكْرٍ بْنِ أَبي شَيْبَة، وَأَبي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَاَّم، وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِم، وَأَبي نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَبُنْدَار، وَخَلْقٍ كَثِير 0

ص: 851

ـ أَشْهَرُ تَلَامِذَتِه:

حَدَّثَ عَنهُ أَبُو محَمَّدٍ بْنُ صَاعِد، وَأَبُو عَمْرٍو بْنُ السَّمَّاك، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّاد، وَخَلْقٌ كَثِير 0

ـ رِحْلَتُِهُ المُبَكِّرَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ عَنهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه: «طَلَبَ الْعِلْمَ وَهُوَ حَدَث» 0

ـ قَالُواْ عَن عِلْمِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَب [أَحَدُ أَئِمَّةِ النَِّحْوِ الْكِبَار]:

«مَا فَقَدْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ مِنْ مَجْلِسِ لُغَةٍ وَلَا نَحْوٍ مِن خَمْسِينَ سَنَة» 0

ص: 852

وَيُرْوَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لمَا صَنَّفَ «غَرِيبَ الحَدِيثِ» وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ كَامِلٌ في مَعْنَاهُ قَالَ ثَعْلَب: مَا لإِبْرَاهِيمَ وَغَرِيبِ الحَدِيث 00؟

رَجُلٌ مُحَدِّث، ثُمَّ حَضَرَ مَجْلِسَهُ؛ فَلَمَّا حَضَرَ المَجْلِسَ سَجَدَ ثَعْلَبٌ وَقَال: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِثْلُ هَذَا الرَّجُل» 0

ـ ثَنَاءُ الأَئِمَّهِ عَلَيْه، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنيُّ: «إِبْرَاهِيمُ إِمَامٌ بَارِعٌ في كُلِّ عِلْمٍ، صَدُوق» 0

ص: 853

رَوَى المُخْلِصُ عَن أَبِيهِ قَال: سُئِلَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي عَالِمُ الْعِرَاقِ عَن إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَال: جَبَلٌ نُفِخَ فِيهِ الرُّوح» 0

قَالَ الحُسَيْنُ بْنُ فَهْمٍ الحَافِظ: لَا تَرَى عَيْنَاكَ مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ إِمَامِ الدُّنْيَا؛ لَقَدْ رَأَيْتُ وَجَالَسْتُ الْعُلَمَاء؛ فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَكْمَلَ مِنهُ» 0

قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ محَمَّدَ بْنَ صَالِحٍ الْقَاضِي يَقُول:

ص: 854

قَالَ الْقِفْطِيُّ في «تَارِيخِ النُّحَاة» : كَانَ إِبْرَاهِيم الحَرْبيُّ رَأْسَاً في الزُّهْدِ، عَارِفَاً بالمذَاهب، بَصِيرَاً بِالحديث، حَافِظَاً لَه، له في اللُّغَة كِتَاب «غَرِيب الحَدِيث» ، وَهُوَ مِن أَنْفَسِ الْكُتُب وَأَكْبَرُهَا في هَذَا النَّوْع» 0

ـ قَالُواْ عَنْ تَوَاضُعِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه:

قَالَ ابْنُ بَشْكُوَالٍ في أَخْبَار إِبْرَاهِيم الحَرْبيّ: نَقَلْتُ مِنْ كِتَاب ابْنِ عَتَّاب: كَانَ إِبْرَاهِيم الحَرْبيُّ رَجُلاً صَالحَاً مِن أَهْلِ الْعِلْم؛ بَلَغَهُ أَنَّ قَوْمَاً مِنَ الَّذِينَ كَانُواْ

ص: 856

يُجَالِسُونَهُ يُفَضِّلُونَهُ عَلَى أَحْمَد؛ فَوَقَّفَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَقَرُّواْ بِه؛ فَقَال: ظَلَمْتُمُوني بِتَفْضِيلِكُمْ لي عَلَى رَجُلٍ لَا أُشْبِهُهُ وَلَا أَلحَقُ بِهِ في حَال مِن أَحْوَالِه؛ فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَا أَسْمَعْتُكُمْ شَيْئَاً مِنَ الْعِلْمِ أَبَدَاً؛ فَلَا تَأَتُوني بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا»

ـ قَالُواْ عَنْ زُهْدِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَه:

قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ عَن إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ فَقَال:

ص: 857

كَانَ يُقَاس بِأَحْمَدَ بْن حَنْبَلٍ رحمه الله في زُهْدِهِ وَعِلْمِهِ وَوَرَعِه» 0

قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبيُّ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُ وَرَفَعَ ذِكْرَه:

«أَقَمْتُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، كُلَّ لَيْلَةٍ إِذَا أَوَيْتُ إِلىَ فِرَاشِي: لَوْ أَعْطَيْتُ رَغِيفَيَّ جَارَتي لَاحْتَجْتُ إِلَيْهِمَا»

قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيّ يَقُول:

«مَا كُنَّا نَعْرِفُ مِن هَذِهِ الأَطْبِخَةِ شَيْئَاً، كُنْتُ أَجِيء مِن عَشِيٍّ إِلىَ عَشِيٍّ وَقَدْ هَيَأَتْ لي أُمِّي باذِنْجَانَةً مَشْوِيَّةً أَوْ لُعْقَةَ بُنّ

ص: 858

[أَيْ دُهْن]، أَوْ باقَةَ فُجْل» 0

قِيلَ إِنَّ المعتضد نَفَّذَ إِلىَ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ عَشْرَةَ آلَاف؛ فَرَدَّهَا، ثُمَّ سَيَّرَ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَلْفَ دِينَارٍ فَرَدَّهَا» 0

وَرَوَى المُخْلِصُ عَن أَبِيهِ أَنَّ المُعْتَضِدَ بَعَثَ إِلىَ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ بِمَالٍ؛ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ أَوْحَشَ رَدٍّ وَقَال: رُدَّهَا إِلىَ مِن أَخَذَتهَا مِنهُ وَهُوَ محْتَاجٌ إِلىَ فِلْس» 0

ص: 859

وَقِيلَ: إِنَّ المُعْتَضِدَ لَمَّا نَفَّذَ إِلىَ الحَرْبيَّ بِالعَشْرَةِ آلَافٍ فَرَدَّهَا قِيلَ لَهُ: فَرِّقْهَا؛ فَأَبَى، ثُمَّ لمَا مَرِضَ سَيَّرَ إِلَيْهِ المُعْتَضِدُ أَلْفَ دِينَارٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَخَاصَمَتْهُ بِنْتُهُ فَقَال:

أَتخْشَينَ إِذَا مِتُّ الْفَقْر 00؟

قَالَتْ: نَعَم؛ قَال: في تِلْكَ الزَّاويَة: اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ جُزْءٍ حَدِيثيَةٍ وَلُغَويَّةٍ وَغَيْر ذَلِكَ كَتَبْتُهَا بخَطِّي، فَبِيعِي مِنهَا كُلَّ يَوْمٍ جُزءَاً بِدِرْهَمٍ وَأَنْفِقِيه» 0

ـ قَالُواْ عَنْ وَرَعِهِ وَتَقْوَاه، وَمُرَاقَبَتِهِ لله:

ص: 860

وَرَوَى أَبُو الْفَضْلِ عُبَيْدِ اللهِ الزُّهْرِيِّ عَن أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيِّ قَال:

«مَا أَنْشَدْتُ بَيْتَاً قَطُّ إِلَاَّ قَرَأْتُ بَعْدَهُ «قُلْ هُوَ الله أَحَد» ثَلَاثَاً» 0

قَالَ أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيّ: سَمِعْتُ أَبَا طَاهِرٍ المُخْلِصَ قَال: سَمِعْتُ أَبي قَال: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ وَكَانَ وَعَدَنَا أَنْ يُمِلَّ عَلَيْنَا مَسْأَلَةً في الاِسْمِ وَالمُسَمَّى، وَكَانَ يجْتَمِعُ في مَجْلِسِهِ ثَلَاثُونَ أَلْفَ مِحْبرَة، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مُقِلاًَّ، وَكَانَتْ لَهُ غُرْفَةٌ يَصْعَدُ

ص: 861

فَيُشْرِفُ مِنهَا عَلَى النَّاس، فِيهَا كُوَّةٌ إِلىَ الشَّارع، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَشْرَفَ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُمْ:

قَدْ كُنْتُ وَعَدْتُكُمْ أَن أُمْلِي عَلَيْكُمْ في الاِسْمِ وَالمُسَمَّى، ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْني في الْكَلَامِ فِيهَا إِمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ، فرَأَيْتُ الْكَلَامَ فِيهِ بِدْعَة؛ فَقَامَ النَّاسُ وَانْصَرَفُواْ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَتَاهُ رَجُل، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ لَا يَقْعُدُ إِلَاَّ وَحْدَه، فَسَأَلَهُ عَن هَذِهِ المَسْأَلَةِ فَقَال: أَلَمْ تحْضُرْ مجْلِسَنَا بِالأَمْس؟

ص: 862

قَالَ بَلَى، فَقَال: أَتَعْرِفُ الْعِلْمَ كُلَّه 00؟

قَالَ لَا؛ قَال: فَاجْعَلْ هَذَا مِمَّا لَمْ تَعْرِفْ» 0

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بِالإِسْنَاد: مَا انْتَفَعْتُ مِن عِلْمِي قَطُّ إِلَاَّ بِنِصْفِ حَبَّة، وَقَفْتُ عَلَى إِنْسَان، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ قِطْعَةً أَشْتَرِي حَاجَةً؛ فَأَصَابَ فِيهَا دَانقَاً، إِلَاَّ نِصْفَ حَبَّة، فَسَأَلَني عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَبْتُهُ، ثُمَّ قَالَ لِلغُلَام: أَعْطِ أَبَا إِسْحَاق بِدَانِقٍ وَلَا تحُطُّهُ بِنِصْفِ حَبَّة» 0

ـ قَالُواْ عَنْ بَعْضِ كَرَامَاتِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

ص: 863

ويُروَى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الحَرْبيَّ لَمَّا دَخَلَ عَلَى إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي، بَادَرَ أَبُو عُمَرَ محَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَاضِي إِلىَ نَعْلِهِ فَأَخَذَهَا فَمَسَحَهَا مِنَ الْغُبَار؛ فَدَعَا لَهُ وَقَال: أَعَزَّكَ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَة، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ رُؤِيَ في النَّوْمِ فَقِيلَ لَه: مَا فَعَلَ اللهُ بِك 00؟

قَال: أَعَزَّني في الدُّنْيَا وَالآخِرَة؛ بِدَعْوَةِ الرَّجُلِ الصَّالِح» 0

ص: 864

قَالَ المَسْعُودِيّ: كَانَتْ وَفَاةُ الحَرْبيِّ المُحَدِّثِ الْفَقِيهِ في الجَانِبِ الْغَرْبيّ، وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُونَ سَنَة، وَكَانَ صَدُوقَاً عَالِمَاً فَصِيحَاً، جَوَّادَاً عَفِيفَاً زَاهِدَاً عَابِدَاً نَاسِكَاً، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ ضَاحِكَ السِّنّ، ظَرِيفَ الطَّبْع، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ تكبُّرٌ وَلَا تَجَبُّر، رُبَّمَا مَزَحَ مَعَ أَصْدِقَائِهِ بِمَا يُسْتَحْسَنُ مِنهُ وَيُسْتَقْبَحُ مِن غَيْره، وَكَانَ شَيْخَ الْبَغْدَادِيِّينَ في وَقْتِه، وَظَرِيفَهُمْ وَزَاهِدَهُمْ وَنَاسِكَهُمْ، وَمُسْنَدَهُمْ في الحَدِيث، وَكَانَ يَتَفَقَّهُ لأَهْلِ الْعِرَاق، وَكَانَ لَهُ مَجْلِسٌ في الجَامِعِ الْغربيِّ يَوْمَ الجُمُعَة، أَخْبَرَني إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ قَال: كُنْتُ أَجْلِسُ في حَلْقَةِ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيّ، وَكَانَ يَجْلِسُ إِلَيْنَا غُلَامَانِ في نهَايَةِ الحُسَنِ وَالجَمَالِ مِنَ الصُّورَةِ وَالبِزَّة [أَيِ الهَيْئَةِ وَالثِّيَاب]،

ص: 865

وَكَأَنَّهُمَا رُوحٌ في جَسَد، إِنْ قَامَا قَامَا مَعَاً، وَإِن حَضَرَا حضَرَا مَعَاً، فَلَمَّا كَانَ في بَعْضِ الجُمَعِ حَضَرَ أَحَدُهُمَا وقَدْ بَانَ الاِصْفِرَارُ في وِجْهِهِ وَالَانْكِسَارُ في عَيْنَيه، فَلَمَّا كَانَتِ الجُمُعَةُ الثَّانِيَةُ حَضَرَ الْغَائِبُ وَلَمْ يحْضُرِ الَّذِي حَضَرَ مِنهُمَا في الجُمُعَة الأُولىَ، وَإِذِ الصُّفْرَةُ وَالَانْكِسَارُ بَيِّنٌ في لَوْنِهِ؛ فَقُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لِلْفِرَاقِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لِلأُلْفَةِ الجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا؛ فَلَمْ يَزَالَا يَتَسَابَقَانِ في كُلِّ جُمُعَةٍ إِلىَ الحَلْقَة؛ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إِلىَ الحَلْقَةِ لَمْ يَجْلِسِ الآخَر؛ فَلَمَّا كَانَ في بَعْضِ الجُمَعِ حَضَرَ أَحَدُهُمَا، فَجَلَسَ إِلَيْنَا، ثمَّ جَاءَ الآخَرُ فَأَشْرَفَ عَلَى الحَلْقَة، فَوَجَدَ صَاحِبَهُ قَدْ سَبَق، وَإِذَا المَسْبُوقُ قَدْ أَخَذَتْهُ الْعَبْرَة، فَتَبَيَّنْتُ ذَلِكَ مِنهُ في دَائِرَةِ عَيْنَيْه، وَإِذَا في يُسْرَاهُ رِقَاعٌ صِغَارٌ مَكْتُوبَة، فَقَبَضَ بِيَمِينِهِ رُقْعَةً مِنهَا وَحَذَفَ بِهَا في وَسْطِ الحَلْقَة،

ص: 866

وَانْسَابَ في النَّاسِ مُسْتَخْفِيَاً، وَأَنَا أَرْمُقُهُ، وَكَانَ ثمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ حَرْبَوَيْه؛ فَنَشَرَ الرُّقْعَةَ وَقَرَأَهَا؛ فَإِذَا فِيهَا دُعَاءٌ أَنْ يُدْعَى لِصَاحِبِهَا مَرِيضَاً كَانَ أَوْ غَيْرَ ذَلِك، وَيُؤَمِّنَ عَلَى الدُّعَاءِ مِن حَضَرَ؛ فَقَالَ الشَّيْخ: اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وَأَلِّفْ قُلُوبَهُمَا، وَاجْعَلْ ذَلِكَ فِيمَا يُقرِّبُ مِنْك؛ وَأَمَّنَ الحَاضِرُونَ عَلَى دُعَائِه، ثُمَّ طَوَى الرُّقْعَةَ وَحَذَفَني بِهَا، فَتَأَمَّلْتُ مَا فِيهَا؛ فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ:

عَفَا الله عَن عَبْدٍ أَعَانَ بِدَعْوَةٍ

لِخِلَّيْنِ كَانَا دَائِمِينِ عَلَى الْوُدِّ

إِلىَ أَنْ وَشَى وَاشِي الهَوَى بِنَمِيمَةٍ

إِلىَ ذَاكَ مِن هَذَا فَحَالَا عَنِ الْعهْدِ

ص: 867

فلَمَّا كَانَ في الجُمُعَة الثَّانيَةِ حَضَرَا جَمِيعَاً؛ وَإِذَا الاِصْفِرَارُ وَالاِنْكِسَارُ قَدْ زَال؛ فَقُلْتُ لاِبْنِ حَرْبَوَيْه: إِنيِّ أَرَى الدَّعْوَةَ قَدْ أُجِيبَتْ، وَأَنَّ دُعَاءَ الشَّيْخِ كَانَ عَلَى التَّمَام، فَلَمَّا كَانَ في تِلْكَ السَّنَةِ كُنْتُ فِيمَن حَجَّ؛ فَكَأَنيِّ أَنْظُرُ إِلىَ الْغُلَامَينِ مُحْرِمَيْنِ بَيْنَ مِنىً وَعَرَفَة، فَلَمْ أَزَلْ أَرَاهُمَا مُتَآلِفَينِ إِلىَ أَنْ تَكَهَّلَا» 0

ص: 868

ـ مِن أَقْوَالِهِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْه:

قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّمِيمِيّ الحَنْبَلِيّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الْعَتَكِيُّ قَال:

سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الحَرْبيَّ يَقُولُ لجَمَاعَة عِنْدَهُ: «مِنْ تَعُدُّونَ الْغَرِيبَ في زمَانِكُمْ 00؟

فَقَالَ رَجُل: الْغَرِيبُ مِنْ نَأْى عَنْ وَطَنِه، وَقَالَ آخِر: الْغَرِيبُ مِنْ فَارَقَ أَحْبَابَه؛ فَقَالَ إِبْرَاهِيم: الْغَرِيبُ في زَمَانِنَا: رَجُلٌ صَالِحٌ عَاشَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالحِين؛ إِن أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ آزَرُوه، وَإِنْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ أَعَانُوه، وَإِنِ احْتَاجَ إِلىَ سَبَبٍ مِنَ الدُّنْيَا مَانُوه، ثُمَّ مَاتُواْ وَتَرَكُوه» 0 [مَانُوه: أَيْ مَوَّنُوه]

ص: 869