المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأديار القديمة في الشام: - خطط الشام - جـ ٦

[محمد كرد علي]

فهرس الكتاب

- ‌البيع والكنائس والأديرة

- ‌بيوت العبادة عند الأقدمين:

- ‌منشأ الأديار والبيع:

- ‌أعظم الكنائس وأقدمها:

- ‌مبدأ هدم الكنائس:

- ‌كنائس دمشق:

- ‌كنائس حلب:

- ‌الكنائس والبيع في القدس:

- ‌كنائس فلسطين:

- ‌كنائس الأردن:

- ‌كنائس لبنان:

- ‌عمل الرهبان والراهبات العظيم:

- ‌الأديار القديمة في الشام:

- ‌المساجد والجوامع

- ‌في أول الفتح:

- ‌مساجد حلب:

- ‌جوامع عمالة حلب:

- ‌مساجد الساحل وجوامعه:

- ‌جوامع المدن الداخلية:

- ‌جوامع العاصمة وضواحيها:

- ‌المدارس

- ‌نشأة المدارس

- ‌دور القرآن بدمشق:

- ‌دور الحديث بدمشق:

- ‌مدارس الشافعية بدمشق:

- ‌مدارس الحنفية بدمشق:

- ‌مدارس المالكية بدمشق:

- ‌مدارس الحنابلة بدمشق:

- ‌المدارس الحديثة:

- ‌مدارس الطب بدمشق:

- ‌مدارس حلب:

- ‌مدارس القدس:

- ‌بقية مدارس القطر:

- ‌الخوانق والربط والزوايا

- ‌خوانق دمشق:

- ‌رباطات دمشق:

- ‌زوايا دمشق:

- ‌خوانق حلب وربطها وزواياها:

- ‌ربط القدس وزواياها:

- ‌الربط والزوايا في المدن الصغرى:

- ‌مراقد العظماء وخوانق:

- ‌المستشفيات والبيمارستانات

- ‌مستشفيات دمشق:

- ‌مستشفيات حلب:

- ‌بقيه المستشفيات:

- ‌لهفة على المدارس وغيرها:

- ‌دور الآثار

- ‌المتاحف والعرب:

- ‌نشأة علم الآثار:

- ‌البعثات الأثرية الغربية:

- ‌آثارنا وآثار جيراننا:

- ‌تأسيس دور الآثار:

- ‌متحف دمشق:

- ‌متاحف بيروت والسويداء وحلب وطرطوس والقدس

- ‌وعمان:

- ‌دور الكتب

- ‌نشأة الكتب:

- ‌نشأة الخزائن والعناية بحفظها:

- ‌مصائب الكتب ودورها:

- ‌خزائن اليوم وأهم ما حوت:

- ‌الأديان والمذاهب

- ‌أديان القدماء:

- ‌اليهودية:

- ‌السامرة:

- ‌الأرثوذكسية:

- ‌الكثلكة:

- ‌المارونية:

- ‌البروتستانتية:

- ‌أصل السنة:

- ‌الشيعة:

- ‌الباطنية:

- ‌الإسماعيلية:

- ‌النصيرية أو العلوية:

- ‌الدروز:

- ‌البابية:

- ‌الأخلاق والعادات

- ‌عادات الدمشقيين:

- ‌عادات الحلبيين:

- ‌عادات لبنان وأخلاقه:

- ‌العادات في الأرجاء الأخرى:

- ‌عادات القبائل وأخلاقها:

- ‌رأي في الأخلاق الشامية:

- ‌حياة محمد كرد علي

- ‌مؤلف خطط الشام

الفصل: ‌الأديار القديمة في الشام:

وصيدا وبيروت وحريصا وطرابلس واللاذقية ودمشق وحلب وإسكندرونة ولهم مدرسة في حلب.

وكان الكرمليون تركوا الشام مع القافلة الأخيرة من الصليبيين ثم عادوا إلى جبل الكرمل عام 1636 وبنو ديراً ومحلاً للضيافة في الجبل ولهم أديار في حيفا وطرابلس والقبيات من إقليم عكار ومدرسة في بشري. وديرهم في الكرمل من أجمل أديار الشام ترى منه أجمل المناظر. وجاء راهبات القديس يوسف أو الراهبات اليوسفيات من مرسيليا إلى القدس عام 1848 ولهن في فلسطين 13 معهداً و3 مستشفيات أحدها في القدس والأخر في يافا والثالث في الناصرة. ولهن في هذه المدن ثلاث دور للأيتام ومدرستان نهاريتان وخمس مدارس دينية ومدرسة في بيروت ودير في صيدنايا ومدرسة فيها دير ومدرسة في دير القمر

وديران ومدرستان ليليتان ومستشفى في حلب ودير ومدرسة في إسكندرونة.

‌الأديار القديمة في الشام:

ديرإ سحاف كان بين حمص وسليمة في موضع حسن نزه على نهر جار وحوله كروم ومزارع إلى جانب ضيعة صغيرة يقال لها جدر، وهي التي ذكرها الأخطل في قوله:

كأنني شارب يوم استبد بهم

من قرقف عتقتها حمص أو جدر

وقال فيه أبو عبد الرحمن الهاشمي السلماني من أهل سلمية:

وإذا مررت بدير إسحاق فقل

جادتك غيث سحائب وبروق

دير يشبه ماؤه بهوائه

وهواؤه بلطافة المعشوق

وليس لهذا الدير من أثر اليوم.

دير الباعفي كان قبلي بصري من أرض حوران وهو دير بحيرا الراهب كما زعموا ولا يعرف الآن. وبحيرا شخص خيالي.

دير باعنتل من جوسية على أقل من ميل وجوسية على مرحلة من حمص ولا يعرف اليوم هذا الدير.

دير البتراء كان في وادي موسى دير للراهبات وذكر البولنديون

ص: 26

ديراً للراهبات في البتراء كان يرأسه القديس موسى أسقف البدو الرحالة يقال: إن بانيه أثينة جينوس أوائل القرن السابع للميلاد. وذكر الرحالة تيتمار أنه طاف تلك الفيافي سنة 1217 وعثر بين أخربة البتراء على كنيسة ودير لم يسكنه بعض الرهبان. وهناك الكنيسة الكاتدرائية المثلثة السواعد وقد كانت أماً لسائر الكنائس الملكية الكاثوليكية في هذه البلاد الشرقية عن مجلة المسرة.

دير البخت كان على فرسخين من دمشق ويسمى دير ميخائيل وكان عبد الملك بن مروان قد ارتبط عنده بختاً وهي جمال الترك فغلب عليها وكان لعلي بن عبد الله بن عباس قربه جنينة يتنزه فيها. وقرية دير البخت معروفة إلى اليوم في الجيدور. ووجه التسمية في هذا الدير بعيد لأنه عرف بهذا الاسم قبل الإسلام على

ما ظهر من رواية ابن عساكر في بعض وقائع عمر بن الخطاب في الجاهلية ومروره بدير البخت واجتماعه براهب أكرامه وتفرس فيه الخير فيما قال.

دير بصرى قيل هو الذي كان فيه بحيرا الراهب في حوران. مجهول محله.

دير بلاض من أعمال حلب مشرف على العمق فيه رهبان لهم مزارع وهو دير قديم مشهور لم يبلغنا أنه موجود.

دير البلمند من أديار الروم الأرثوذكس المشهورة على نشزعال قرب مدينة طرابلس في أقصى حدود جبل لبنان يقال: إنه من أديار الصليبيين وإن اسمه جاء من تركيب بل مونت أي الجبل الجميل وهو اليوم عامر.

دير بلودان مر به ابن فضل الله العمري ونزل إليه فقال فيه: إن بناءه قديم بديع الحسن وافر الغلة كثير الكروم والفواكه والماء الجاري، بقربه قرية بلودان وهي محاذية لكفر عامر تطل من مشترفها على جبة الزبداني وبه رهبان نظاف ونظم فيه أبياتاً ومنها:

حبذا الدير من بلودان دارا

أي دير به وأي نصارى

فيهم كل أحور الطرف أحوى

فائق الحسن في حسان العذارى

وقال محاسن الشوا الحلبي:

ص: 27

حييا ساكني بلودان عني

ورجالاً بدير قانون زهرا

ولا يعرف متى زال هذا الدير، ودير قانون من قرى الوادي لا دير فيه اليوم.

دير بولس كان بنواحي الرماة نزله الفضل بن إسماعيل وقال فيه شعراً لم يسمه في أوله:

عليك سلام الله يا دير من فتىً

بمهجته شوق إليك طويل

ولا زال من جو السماكين وابل

عليك لكي يروي ثراك هطول

قال البكري: ودير بولس آخر ودير بطرس أو نطرس.

وهما معروفان بظاهر دمشق في نواحي بني حنيفة في ناحية الغوطة وغياهما عني جرير بقوله:

لما تذكرت بالديرين أرقني

صوت الدجاج وقرع بالنواقيس

فقلت للركب إذ جد الرحيل بنا

يا بعد يبرين من باب الفراديس

ولا نعرف شيئاً عن هذا الدير.

دير البنات وهو دير أبيض البناء مشرف على أرض طرابلس كان للرواهب قال فيه الطيبي:

دير البنات الزاهر أنت المنى

وأنت من دون الأماني المرام

لم أنس يوماً فيك أذهبته

باللهو بل ذهبته بالمدام

ونحن في غرة أيامنا

والعيش مثل الطيف حلو اللمام

والدوح ما جفت له زهرة

والروض طفل ما جفاه الغمام

وبيننا خود كشمس الضحى

وأغيد قد فاق بدر التمام

لولا نبات الشعر في خده

لم تدر أي الأغيدين الغلام

ولا نعرف اليوم أي أديار البنات هذا.

دير يونا أي يوحنا وروى بالباء بدل الياء كان بجانب الغوطة بدمشق ليس بكبير ولا رهبانه بكثير ولكنه في رياض مشرقة وأنهار متدفقة ويقال بأنه من أقدم أديرة النصارى. اجتاز به الوليد بن يزيد فأقام فيه أياماً وقال فيه:

حبذا يومنا بدير يونا

حيث نسقى براحه ونغنى

ص: 28

واستهنا بالناس فيما يقول

ن إذا خبروا بما قد فعلنا

قال ابن فضل الله وهذا الدير اليوم لا وجود له.

دير حمطورا هو في شرقي طرابلس في جانب الوادي الذي أسفل من طرزيه والحدث. وهو بناء في سفح الجبل من ذلك الجانب قبالة الطريق السالك إلى

طرابلس وهو حصين جداً لا يسلك إليه إلا من طريق واحد وظهر الجبل الذي له ممتنع - قاله ابن فضل الله -.

دير الحنابلة في تاريخ الصالحية لم يكن في الجبل أي قاسيون إلا بناية يسيرة من الناحية الغربية دير أبي العباس الكهفي ودار بيت الضيا وغيرها، ومن الناحية الشرقية دير يقال له دير الحنابله وكان أولاً لناس من الرهبان فاتفق أنهم أحدثوا شيئاً فأخرجوا منه ثم بنى الشيخ أبو عمر المدرسة.

دير حنيناء دير بالشام وهناك مات معاوية بن هشام بن عبد الملك فقال الكميت يرثيه:

فأي فتى دنيا ودين تلمست

بدير حنيناء المنايا فدلت

تعطلت الدنيا به بعد موته

وكانت له حيناً به قد تحلت

وقيل: إن الذي رثي بهذا الشعر البطال أحد قواد الأموية وفرسانهم مات بدير حنيناء قافلاً مع هشام من غزوة فأمر معاوية الشعراء برثائه. والرواية في شعر أبي تمام حبيناء بالباء المعجمة ولا عنه شيء في عصرنا.

دير الخمان كان هذا الدير بأرض أذرعات بني بالحجارة السود على نشز من الأرض يشرف على بركة الفوار وهو من البناء الرومي القديم. ولا يعرف اليوم عنه شيء.

دير خالد وهو دير صليبا بدمشق كان مقابل باب الفراديس نسب إلى خالد بن الوليد لنزوله فيه عند حصاره دمشق قال ابن الكلبي: وهو على ميل من الباب الشرقي ولا يعرف عنه شيء آخر وفي هذا الدير يقول محمد ابن علي المعروف بأبي البقاء:

جنة لقبت بدير صليبا

مبدعاً حسنه كمالاً وطيبا

جئته للمقام يوماً فظلنا

فيه شهراً وكان أمراً عجيبا

شجر محدق به ومياه

جاريات والروض يبدو ضروبا

ص: 29

من بديع الألوان يضحي به الثا

كل مما يرى لديه طروبا

كم رأينا بدراً به فوق غصن

نائس قد علا بشكل كثيبا

وشربنا به الحياة مداماً

تطلع الشمس في الكؤوس غروبا

فكأن الظلام فيها نهار

لسناها تسر منا القلوبا

لست أنسى ما مر فيه ولا أج

عل ندحي إلا لدير صليبا

دير خناصرة ورد ذكره في شعر بني مازن في قول حاصب بن ذبيان المازني مازن بن تميم من عمرو بن تميم لعبد الملك بن مروان في جدب أصاب العرب قال:

وما أنا يوم دير خناصرات

بمرتد الهموم ولا مليم

ولكني ألمت بحال قومي

كما ألم الجريح من الكلوم

وخناصرة بلدة في قبلي حلب وليس للدير ذكر الآن.

دير الدواكيس شرقي القدس حسن البناء له سمعة وذكر وكان له وقف يعود منه على الرهبان السكان جليل فائدة ونفع ولابن فضل الله فيه وقد مر به غير مرة أبيات منها:

دير الدواكيس أم ريش الطواويس

أم الشموس سنا تلك الشماميس

مأوى المياسير لكن بعد أوبتهم

منه يعدون في حزب المفاليس

فانزل به وأقم فيما تريد وقل

املأ كؤوسي وفرغ عندها كيسي

واقدح زناد سرور من مدامته

فهذه النار من تلك المقابيس

دير رمانين جمع رمان بلفظ جمع السلامة يعرف أسضاً بدير السابان وهو بين حلب وإنطاكية مطل على بقعة تعرف بسرمن وهو دير حسن كبير خرب قبل القرن السابع وآثاره باقية كما قال ياقوت وفيه يقول الشاعر:

ألف المقام بدير رمانينا

وتراه يجني الآس والنسربنا

قال ياقوت ودير السابان وهو دير رمانين وتفسيره بالسريانية دير الشيخ.

دير ساير كان من نواحي دمشق وهو من إقليم خولان سكنه عمر ابن محمد الأموي. كانت بقرب دمشق خربت بها قبر أبي مسلم

ص: 30

الخولاني وبها آثار باقية ياقوت. وبيت سابر اليوم قرية في سفح جبل الشيخ من عمل وادي العجم.

دير سعد كان من أديرة الشام نزله عقيل بن علفة المري وكان يصهر إليه خلفاء بني أمية وهذا كل ما عرف عنه قديماً.

دير سليمان دير بجسر منبج وهو في جبل عال من جبال دلوك كطل على مرج العين وهو غاية في النزاهة قال أبو الفرج أخبرني جعفر بن قدامة قال: ولي إبراهيم بن المدبر عقيب نكبته وزوالها عنه الثغور الجزرية وكان أكثر مقامه بمنبج فخرج في بعض ولايته إلى نواحي دلوك برعبان وخلف بمنبج جارية كان يتحظاها يقال لها غادر فنزل بدلوك على جبل من جبالها بدير يعرف بدير سليمان من أحن بلاد الله وأنزهها ودعا بطعام خفيف فأكل وشرب ثم دعا بدواة وقرطاس فكتب:

أيا ساقيينا وسط دير سليمان

أدير الكؤوس فانهلاني وعلاني

وخصا بصافيها أبا جعفر أخي

فذا ثقتي دون الأنام وخلصاني

وميلا بها نحو ابن سلام الذي

أود، وعودا بعد ذاك لنعمان

وعما بها النعمان والصحب إنني

تنكر عيشي بعد صحبي وإخواني

ولا تتركا نفسي تمت بسقامها

لذكرى حبيب قد سقاني وغناني

ترحلت عنه عن صدود وهجرة

فأقيل نحوي وهو باك فأبكاني

وفارقته والله يجمع شملنا

بلوعة محزون وغلة حران

وليلة عين المرج زار خياله

فهيج لي شوقاً وجدد أحزاني

فأشرفت أعلى الدير أنظر طامحاً

بألمح آماق وأنظر إنسان

لعلي أرى أبيات منبج رؤية

تسكن من وجدي وتكشف أشجاني

فقصر طرفي واستهل بعبرة

وفديت من لو كان يدري لفداني

ومثله شوقي إليه مقابلي

وناجاه عني بالضمير وناجاني

دير سمعان بنواحي إنطاكية على البحر قال ابن بطلان وبظاهر إنطاكية دير سمعان وهو مثل نصف دار الخلافة ببغداد يضاف به المجتازون وله من الارتفاع كل سنة عدة قناطير من الذهب والفضة وقيل: إن دخله في السنة أربعمائة ألف دينار ومنه يصعد إلى جبل اللكام قال هذا في

ص: 31

القرن الخامس للهجرة، وفي رواية أن دير سمعان بنواحي حلب بين جبل بني عليم والجبل الأعلى. ودير سمعان أيضاً في قرية تعرف بالبقرة من قبلي معرفة النعمان وبه قبر عمر بن عبد العزيز مشهور لا ينكر ذكره السيد الرضي في رثائه بقوله:

يا ابن عبد العزيز لو بكت العي

ن فتى من أمية لبكيتك

أنت نزهنتا عن السبب والشت

م فلو يمكن الجزا لجزيتك

دير سمعان لا عدتك الغوادي

خير ميت من آل مروان ميتك

وقال أبو فراس بن أبي الفرج البزاعي وقد مر به فرآه خراباً فغمه:

يا دير سمعان قل لي أين سمعان

وأين بانوك خبرني متى بانوا

وأين سكانك اليوم الألى سلفوا

قد أصبحوا وهم في الترب سكان

أصبحت خراباً مثل ما خربوا

بالموت ثم انقضى عمر وعمران

وقفت أساله جهلاً ليخبرني

هيهات من صامت بالنطق تبيان

أجابني بلسان الحال إنهم

كانوا ويكفيك قولي إنهم بانوا

دير السيق كان معروفاً قديماً ويقع قبلي البيت المقدس على نشز عظيم عال مشرف على الغور غور أريحاً يطل على تلك البسائط الخضر ومجرى الشريعة

وبه رهبان ظراف أكياس لا يأتيهم إلا قاصد لهم أو مار في مزارع الغور. تحتهم وفوقهم الطريق الآخذة إلى الكثيب الأحمر. ومشهد موسى عليه السلام في القبة التي بناها عليه الملك الظاهر بيبرس وفي هذا الدير ومشترفه وأطلال قلاليه وغرفه قال ابن الفضل الله العمري:

أرى حسن دير السيق يزداد كلما

نظرت إليه والفضاء به نضر

بنوه على نجد من الغور مشرف

كتخت مليك تحته بسط خضر

وأشرف في سود الغمام كأنما

تشق ليلا عن جلابيبه الفجر

وقام على طود علي كأنما

مصابيحه تحت الدجى الأنجم الزهر

وزفت إليه الشمس من جنب خدرها

وناغاه جنح الليل في أفقه البدر

وألقت إليه الريح فضل عنانها

وأحنى عليها لا تبل له عذر

ولو كان كالنسرين هان ارتقاؤه

ولكنه قد حط من دونه النسر

علا نهر ريحا والمجرة فوقه

فمن فوقه نهر ومن تحته نهر

ص: 32

دير شق معلولا وهو بباطن جبة عسال وهو بناء رومي بالحجر الأبيض مُعَلق بسقيف وبها صدع فيها ينقط نحو الذي بصيدنايا، ويأخذه النصارى للتبرك معتقدين فيه نحو اعتقادهم في الآخر وإنما الاسم للذي بصيدنايا - قاله في مسالك الأبصار والغالب أنه دير الروم الباقي إلى اليوم.

دير صليبا ويعرف بدير السائمة السائحة؟ وهو بدمشق مطل على الغوطة ويليه من أبوابها باب الفراديس نزل دونه خالد بن الوليد أيام محاصرة دمشق وهو في نزه كثير البساتين وبناؤه حسن عجيب وإلى جانبه دير النساء فيه رهبان ورواهب وإياه أراد جرير بقوله:

إذا تذكرت بالديرين أرقني

صوت الدجاج وقرع بالنواقيس

فقلت للركب إذ جد النجاءُ بهم

يا بعد يبرين من باب الفراديس

يا دير باب الفراديس المهيج لي

بلابلاً بقلاليه وأشجاره

لو عشت تسعين عاماً فيك مصطحباً

لما قضى منك قلبي بعض أوطاره

قال ابن فضل الله وهذا اليوم أي في الثامن لا عين له ولا أثر وإنما صار دوراً وأبنية ومساجد ومدافن وهي بناحية محلة حمام النحاس اه.

دير صيدنايا يؤخذ مما قاله صاحب مسالك الأبصار أنهما اثنان أحدهما يقصده النصارى بالزيادة وهو في دمنة القرية والآخر على بعد منها مشرف على الجبل شماليها بشرق وهو دير مار شربين ويقصد للتنزه من بناء الروم بالحجر الجليل الأبيض وهو دير كبير وفي ظاهره عين ماء سارحة وفيها ما يطلّ على بواطن ما وراء ثنية العقاب ويمتد النظر من طاقته الشمالية إلى ما أخذ مالاً عن بعلبك. وأما الذي في القرية فمن بناء الروم بالحجر الأبيض أيضاً ويعرف بدير السيدة وله بستان وبه ماء جارٍ بركة علمت به وعليه أوقاف كثيرة وله مغلات واسعة وتأتيه نذور وافرة وطوائف النصارى من الفرنج تقصد هذا الدير وتأتيه للزيارة. وكنت أراهم يسألون السلطان في أن يمكنهم من زيارته وإذا كتب لهم زيارة قمامة ولم يكتب معها صيدنايا يعاودون السؤال في كتابتها لهم، ولهم فيها معتقد. وقال جاءت مرة كتب ريد فرنس

ص: 33

ملك فرنسا وكتب الاذفونش ملك إسبانيا على أيدي رسلهم ومما سألوا فيها تمكين رسلهم من التوجه إلى صيدنايا للتبرك بها فأجاب السلطان سؤالهم وحمل الرسل على خيل البريد إليها. وهذا الدير لم يزل عامراً إلى اليوم يزوره الناس وفيه راهبات أرثوذكسيات وفي عيد الصليب من كل سنة تجري فيه قربه اجتماعات وأفراح ويأتيه الناس من الإقليم المجاورة وغيرها.

دير الطور الطور في الأصل الجبل المشرف، والطور هاهنا جبل مستدير واسع الأسفل مستدير الرأس لا يتعلق بع شيء من الجبال وليس له إلا طريق واحد وهو ما بين طبرية واللّجون مشرف على الغور ومرج اللّجون وفيه عين تنبع بماء

غزير كثير والدير في نفس القلة مبنى بالحجر وحوله كروم يعتصرونها ويعرف عندهم بدير التجلي والناس يقصدونه من كل موضع فيقيمون به ويشربون فيه وموضعه حسن يشرف على طبرية والبحيرة وما والاها وعلى اللجون. وما زال هذا الدير عامراً وقد جدد في أدوار مختلفة وفيه يقول مهلهل بن يوسف المُزَرّع:

نهضت الى الطور في فتية

سراع النهوض إلى ما أحب

كرام الجدودحسان الوجوه

كهول العقول شباب اللعب

فأي زمان بهم لم يَسُرّ

وأي مكان بهم لن يطب

أنخت الركاب على ديره

وقضيت من حقه ما يجب

وأنزلتهم وسط أعتابه

وأسقيتهم من عصير العنب

وأحضرتهم قمراً مشرقاً

تميل الغصون به في الكُثب

نحث الكؤوس بأهزاجه

ومرسوم أرماله بالعجب

وما بين ذاك حديث يروق

وخوض لهم في فنون الأدب

فيا طيب ذا العيش لو لم يُزل

ويا حسن ذا السعد لو لم يغَبِ

دير عَمان قال ياقوت: بنواحي حلب وتفسيره بالسريانية دير الجماعة قال فيه الحمدان بن عبد الرحيم الحلبي:

دير عمانٍ ودير سابان

هجن غرامي وزدت أشجاني

إذا تذكرت منهما زمناً

قضيته في عُرام ويعاني

ص: 34

ومر به أبو فراس بن أبي الفرج البُزاعي فقال ارتجالاً:

ورأينا منازلاً وطلولاً

دراسات ولم نًر السكانا

وأرتنا الآثار من كان فيها

قبل تفنيهم الخطوب عيانا

فبكينا فيه وكان علينا

لا عليه لما بكينا بُكانا

لست أنس يا دير وقفتنا في

ك وإن أورثتني النسيانا

من أناس حَلوك دهراً فخلّو

وأمسوا قد عطلوك الآنا

فَرقتهم يدُ الخطوب فأصبح

ت خراباً من بهدهك أسيانا

وكذا شيمةُ الليالي تميت ال

حيّ منا وتهدم البنايا

حَرَبا ما الذي لقينا من الده

ر وماذا من خطبه قد دهانا

نحن في غفلة بها وغرور

وورانا من الردى ما ورانا

ولا نعرف عنه شيئاً الآن.

دير فاخور وهو الموضع الذي تعمد فيه المسيح من يوحنا المعمدان كما في كتب الجغرافية.

دير فِيق هو في ظهر عقبة فيق - عقبة تنحدر إلى الغور من أرض الأردن ومن أعلاها طبرية وبحيرتها - وهذا الدير فيما بين العقبة وبين البحيرة في لحف جبل يتصل بالعقبة منقور في الحجر وكان عامراً بمن قيه من الرهبان ومن يطرقه من السيّار، والنصارى يعظمونه، واجتاز به أبو نُواس فقال في غلام نصراني فيه قصيدة منها:

بحجك قاصداً ما سرجسان

فدير النوبهان قدير فيق

وبالمطران إذ يتلو زبوراً

يعظمه ويبكي بالشهيق

وهذا الدير غير عامر الآن.

دير القاروس قال ابن فضل الله: إنه على جابن اللاذقية من شمالها وهو في أرض مستوية وبناؤه مربع وهو حسن البقعة. وقيه يقول أبو علي حسن بن علي الغزي:

لم أنس في القاروس يوماً أبيضاً

مثل الجبين يزينه قرع الدجى

في ظل هيكله المَشيد وقد بدا

للعين معقود السكينة أبلجا

ص: 35

واللاذقية دونه في شاطئ

بلوره قد زَيّن الفيروزجا

ولديّ من رهبانه متنمس

أضحى لفرط جماله متبرجا

أحوى أغنّ إذا تردد صوته

في مِسمع رد احتجاج ذوي الحجى

لا شيءَ ألطف من شمائله إذا حث الشمول ولفظه قد لجلجا

فله ولليوم الذي قضيته

معه بكائي لا لربع قد شجا

دير القديس سابا إلى الجنوب الشرقي من أورشليم على بعد ثلاث ساعات ونصف عنها على الراجل وعلى انخفاض 560 متراً عنها عند الطريق المؤدي منها إلى البحر الميت على مقربة من وادي الراهب النار وعلى عدوة وادي قدرون إلى شمال بيت ساحور الشرقي. وهو أشبه بقلعة منيعة غربية الأبنية. ومن الدير إلى هضم الوادي 275 ذراعاً فيصعد من الوادي إلى الدير بسلالم بعضها منقور بالصخر والآخر مبنى على شكل أدراج ولا يدخل إليه إلا بإذن البطريك الأورشليمي. ورهبانه ستون راهباً يعيشون عشية تقشف منقطعين إلى الصلاة والصوم والعبادة وفي كل يوم جمعة يبعث لهم دير القبر المقدس في أورشليم طعامهم مرة واحدة ولا يسنح للنساء أن يدخلنه، وتلك عادة منذ تشييده إلى اليوم لم تدخله امرأة، وقربه برج مار سمعان وهو دير خرب فيه بيت كبير يشرف على الدير القديس سابا على بعد خمس دقائق فيسمح للنساء أن ينظرن الدير الكبير من بيت هذا البرج وقربه دير على قمة جبل تاودوسيوس وهو عامر الآن وفيه رهبان ويسميه العرب دير عبيد من مجلة النعمة.

دير قِنّسْري على الشاطئ الفرات من الجانب الشرقي من نواحي الجزيرة وديار مضر مقابل جرابلس في الأصل جرباس وجرابلس شامية، وبين هذا الدير ومنبج أربعة فراسخ وبينه وبين سروج سبعة فراسخ، فهو دير كبير كان فيه أيام عمارته ثلاثمائة وسبعون راهباً، ووجد في هيكله مكتوباً:

أيا دير قنّسري كفى بك نزهةَ

لمن كان بالدنيا يَلَذ ويَطرَبُ

فلا زلت معموراً ولا زلت آهلاً

ولا زلت مخضراً تُزار وتعجِب

دير كعب كان من أديار الشام وهو الذي جاء فيه المثل أطول من

ص: 36

فراسخ دير كعب قال الشاعر:

ذهبت تمادياً وذهبت عرضاص

كأنك من فراسخ دير كعب

دير كفتون ولعله المعروف اليوم بدير كفتين قال فيه ابن فضل الله: إنه ببلاد طرابلس مبني على جبل وهو دير كبير وبناؤه بالحجر والكلس في نهاية الجودة وبه ماء جارٍ وله حوض كبير مملوء من شجر النارنج يجمل نارنجه إلى طرابلس يباع فيها ويرتفق بثمنه الرهبان مستشرف مطل على البلاد والمزارع ومنه مكان يشرف على بعد على البحر، ولهذا صيت النذور ويقصده كثير من أهل البطالة واللهو للتفرج به والتنزه فيه، وفيه يقول الطيبي:

أدير كفتون تُكفي كل نائبةٍ

من الهموم وتلقى كل سراءِ

من كل خضراء في الأشجار مائسةٍ

وكل صهباء في الكاسات حراء

حللت في دير كفتون فلا عجب

إذ مت سكراً بحمراء وخضراء

دير مارون قال المسعودي في التنبيه والإشراف: وفي أيام موريق من ملوك الروم ظهر رجل من أهل حماة من أعمال حمص يعرف بمارون إليه تنسب المارونية من النصارى. وأمرهم مشهور بالشام وغيرها أكثرهم بجبل لبنان وسنير وحمص وأعمالها كحماة وشيرز ومعرة النعمان وكان له دير عظيم يعرف به شرقي حماة ذو بميان عظيم حوله أكثر من ثلاثمائة صومعة فيعا الرهبان وكان فيه من آلات الذهب والفضة والجوهر شيء عظيم فخرب هذا الدير وما حوله من الصوامع بتواتر الفتن من الأعراب وحيف السلطان وهو بقرب نهر الأرنط العاصي نهر حمص وإنطاكية. وكان يقول: إن سيدنا المسيح طبيعتان ومشيئة واحدة وفعل واحد وأقنوم واحد وأكثر من تبعه على مقالته تلاميذه القائلون به أهل

مدينة حماة وقنسرين والعواصم وجماعة من أرض الروم فسموا الموازنة ولما مات مارون بنى أهل حماة بحماة وسموه دير مارون. قلنا ولعله دير آخر غير الدير الذي نشأ فيه مارون شرقي حماة وشيزر. وقد خرب دير مار مارون سنة 75

ص: 37

للهجرة لما غزا موريق وموريقان بلاد الشام وحملا على هذا الدير وقتلا منه خمسمائة راهب وهدما بنيانه ثم تحولا من هناك إلى قنسرين والعواصم فقتلا الأهلين ونهبا وخربا المساكن ولم يعفيا عن أحد من أتباع مار مارون. وقال الدويهي: كلان قرب دمشق فوق نهر يزيد دير على اسم القديس مارون. قال: ولقد استدللنا برسومه وأطلاله المائلة إلى اليوم على عظمه وشرفه ذكره ابن الحريري المؤرخ فيما كتبه عن الحاكم بأمر الله سنة 386. ولا أثر اليوم لدير حماة ولا لدير دمشق.

دير مار مروثا وهو دير صغير بظاهر حلب في سفح جبل جوشن على نهر العرجان العوجان؟ وكان سيف الدولة محسناً إلى أهله وقلما مر به إلا نزله ووهب لأهله هبة كبيرة وكان يقول: رأيت أبي في النوم يوصيني به - وفي رواية والدته وله بساتين قليلة ومباقل وفيه نرجس وبنفس وزعفران ويعرف بالبيعتين لأنه فيه مسكنين للرجال والنساء. قال الخالدي وإياه عني الصنوبري بقوله:

كأنما اختيرت الفصوص له

بين عقيق وبين فيروزج

أما ترى البيعتين أفردتا

بمفرد الأقحوان والمزوج

أثوابه المزن كيف ما اتصلت

وناره البرق كيف ما أجج

هذا ما رواه ابن فضل الله في هذا الدير، وفي رواية ياقوت أن هذا الدير ذهب ولا أثر له استجد في موضعه مشهد زعم الحلبيون أنهم رأوا الحسين أبى علي رضى الله عنه يصلي فيه فجمع له المتشيعون بيتهم مالاً وعمروه أحسن عمارة وأحكمها وفيه أيضاً يقول بعض الشاميين:

بدير مارت مروثا ال

شريف ذي البيعتين

والراهب المتحلي

والقس ذي الطمرين

إلا رثيت لصب

مشارف للحين

قد شفه منك هجر

من بعد لوعة بين

قال وفيه يقول الحسين بن علي التميمي:

يا دير مارت مروثا

سقيت غيثاً مغيثا

ص: 38

فأنت جنة حسن

قد حزت روضاً أثيثا

دير مارت مريم قال الخالدي: وبالشام دير يقال له مارت مريم وهو من قديم الديرة ونزله الرشيد وفيه يقول الشاعر:

نعم المحل لمن يسعى للذته

دير لمريم فوق الظهر معمور

ظل ظليل وماء غير ذي أسن

وقاصرات كأمثال المها حور

دير الماطرون يروى لزيد بن معاوية فيه:

ولها بالماطرون إذا

أكل النمل الذي جمعا

حرقة حتى إذا ربعت

ذكرت من جلق بيعا

في قباب حول دسكرة

بينها الزيتون قد ينعا

قال أبو محمد حمزة بن القاسم قرأت على الحائط من بستان الماطرون هذه الأبيات:

أرقت بدير المارطون كأنني

لساري النجوم آخر الليل حارس

وأعرضت الشعرى العبور كأنها

معلق قنديل عليها الكنائس

ولاح سهيل عن يميتي كأنه

شهاب نجاة وجهه الريح قابس

ولم يبق في الوجود من هذا الدير غير اسمه:

دير المصلبة وهو بظاهر مدينة القدس الشريف في شامها بغرب وهو دير رومي

قديم البناء بالحجر والكلس محكم الصنعة مونق البقعة في بحيرة من أشجار الزيتون والكروم وشجر التين بإزاء قرية تجرى على الدير بمرسوم السلطان. قال في مسالك الأبصار بعدما تقدم: وهذا الدير دخلت إليه ورأيته وفيه صور يونانية في غاية من محاسن التصوير وتناسب المقادير وصعدت إلى سطحه فرأيت له حسن مُشترَف وسعة فضاء ورهبانه من الكرج. قال وكان أخذ وجعل مسجداً للمسلمين ثم أعيد ديراً للنصارى وتوصل إلى هذا بكتاب أخضر من ملك الكرج وأعان عليه قوم آخرون. قال: وحدثته رهبانه بأن على ديرهم وقوفاً في بلادهم منها خيول سائمة أثمان نتاجها إليهم وأنه يجيء منها في كل سنة قدر جليل وإنها تنفق في مصالح الدير وابن السبيل. وفيه يقول أبو علي حسن الغزي:

يا حسن أيام قطعت هنيئة

بالدير حيث التين والزيتونُ

ص: 39

دير المصلبة الرفيعُ بناؤه

تَفدي عبير ترابه دَارين

في ظل هيكله وأسراب الدّمى

مَجْلُوة والمرمرُ المسنونُ

ومزنرين إذا تلوا إنجيلهم

وتعطفوا فحمائم وغصونُ

غزلانُ وجرةَ هم وبين جفونهم

لأسود بيشة إن عَرَضنْ عرين

نزعوا القلانس والمسح فزحزحت

منهن عن غرز الشموس دجون

وسعوا بكاسات المدام وما دروا

أن للكؤوس الدائرات جنونُ

فقضيت بينهم زماناً لم يزل

عندي إليه تشوق وحنينُ

تلك المنازل قد سفحن مدامعي

لا مصرُ قاطبةً ولا جيرُونُ

ولا يزال هذا الدير عامراً وهو للروم الأرثوذكس.

دير مرقس الغالب أنه كان من النواحي حلب ورد في شعر حمدان بن عبد الرحيم في قوله:

أسكان عرشين القصور عليكم

سلامي ما هبت صباً وقبول

ألا هل إلى حث المطّي إليكم

وشم خزامي حربنوش سبيل

وهل غفلات العيش في دير مرقس

تعود وظل اللهو فيه طليل

إذا ذكرت لذاتها النفس عندكم

تلاقي عليها زفرة وعويل

بلاد بها أمسى الهوى غير أنني

أميل مع الأقدار حيث تميل

دير مُرّان هذا اسم لديرين في الشام كان أحدهما على الجبل المشرف على كَفَرْ طاب قرب المعرة يزعمون أن فيه قبر عمر بن عبد العزيز رض وهو مشهور بذلك كان يزار في عصر ياقوت. والثاني بالقرب من دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران ورياض حسنة وبناؤه بالجص وأكثر فرشه بالبلاط الملون، وهو دير كبير رهبان كثيرة وفي هيكله صورة عجينة دقيقة المعاني والأشجار محيطة به. روى ذلك الخالدي أما محل الدير فمحل خلاف منذ القديم قال ابن فضل الله: والناس في اختلاف أين كان دير مران فمن قائل إنه كان بمشارق السفح نواحي برزة والأكثر على أنه كان بمغاربه وأن مكانه الآن القرن الثامن المدرسة المعظمية، وأما الذي كان بمشارق السفح فهو دير السائمة المسمى دير صليبا. وروى صاحب قضاة دمشق قال: لما وافى المأمون دمشق سنة خمس عشرة ومائتين نزل بدير مران

ص: 40

ومكانه المعروف بالسهم إلى قرب النيرب خارج دمشق في سفح قاسيون فعمر المأمون هذا الدير وبنى القبة التي فوق الجبل وهي المعروفة الآن بقبة النصر ولم يعثر على أثر لهذا الدير العظيم. وكان هذا الدير لقربه من دمشق ولجمال موقعه مقصد الملوك والراغبين في النزهة والشراب. قال ابن بطريق: إن كنائس الغوطة ودير مران كان المسلمون ينزلونها ويسكنون فيها. وقد نزل يزيد بن معاوية دير مران ومات فيه الوليد واجتاز به الرشيد والمأمون وقد أكثر الشعراء من ذكره حتى نسب ليزيد قوله وقد أصاب المسلمين سباء بأرض الروم:

وما أبالي بما لاقت جموعهم

بالغذقدونة من حمى ومن مُوم

إذا اتكأت على الأنماط مرتفقاً

بدير مران عندي أم كلثوم

ومن جملة ما قيل في هذا الدير قول أبي بكر الصنوبري وهو:

أمر بدير مران فأحيا

وأجعل بيت لهوي بيت لهيا

ويبرد غُلتي بردَى فسقياً

لأيام على بردى ورعيا

ولي في باب جيرون ظباءُ

أعاطيها الهوى ظبياً فظبيا

ونعم الدار داريا ففيها

حلالي العيش حتى صار أريا

سقت دنيا دمشق ليصطفيها

وليس يريد غير دمشق دنيا

تفيض جداول البلور فيها

خلال حدائق يُنبتن وشيا

مظللة فواكهها بأبهى ال

مناظر في نواظرها وأهيا

ص: 41

فمن تفاحة لم تُعد خداً

ومن رمانة لم تُخط ثديا

وله فيه:

متى الأرحل محطوطة

وعير الشوق مربوطة

بأعلى دير مران

فداريا إلى الغوطة

فشطي بردى في جن

ب بسط الروض مبسوطة

رباع الأنهار من

ها خير مهبوطة

وروض أحسنت تكتي

به المزن وتنقيطه

وقال فيه الحسين بن الضحاك:

يا دير مران لا عريت من سكن

قد هبطت لي حزناً يا دير مرانا

حث المدام فإن الكأس مترعة

مما دواعي الشوق احيانا

وقال الببغا أبو الفرج عبد الواحد:

ويوم كأن الدهر سامحني به

فصار اسمه ما بيننا هبة الدهر

جرت فيه أفراس الصبا بارتياضنا

إلى دير مران المعظم والعمر

بحيث هواء الغوطتين معطر ال

نسيم بأنفاس الرياحين والزهر

فمن روضة بالحسن ترفد روضة

ومن نهر بالغيض يجري إلى نهر

وفي الهيكل المعمور منه انتزعتها

وصبحي حلالاً بعد توفية المهر

ونزهت عن غير الدنانير قدرها

فما زلت منها أشرب التبر بالتبر

وقال عون الدين الحلبي الكاتب المتوفى سنة 656 وهو مما يستأنس به من أن هذا الدير كان عامراً إلى أواسط القرن السابع وفيه ذكر ديرين آخرين وهما دير متى ودير حنينا والأول ليس له ذكر في ديرة الشام بل هو من أديار الموصل ولما كانت القصيدة في التشوف إلى الشام استلزم ذلك أن يكون دير متى من جملة أديارها التي ضاع اسمها ورسمها قال:

يا سائقاً يقطع البيداء معتسفاً

بضامر لم يكن في سيره واني

إن جزت بالشام شم تلك البروق ولا

تعدل بلغت المنى عن دير مران

واقصد علالي قلاليه تلاق بها

ما تشتهي النفس من حور وولدان

من كل بيضاء هيفاء القوام إذا

ماست فيا خجلة المران والبان

وكل أسمر قد دان الجمال له

وكمل الحسن فيه فرط إحسان

ص: 42

ورب صدغ بدا في الخد مرسله

في فترة فتنت من سحر أجفان

فليت ريقته وردي ووجنته

وردي من صدغة أنسي وريحاني

وعج على دير متى ثم حي به ال

ربان بالطرس فالربان رباني

فهمت منه إشارات فهمت بها

وصنت منشورها في طي كتمان

واعبر بدير حنينا وانتهز فرص ال

لمذات ما بين قسيس ومطران

واستجل راحاتها تحي النفوس إذا

دارت براح شماميس ورهبان

دير المغان بحمص في خربة بني السمط تحت تلهم، وهو دير عظيم الشأن عندهم

كبير القدر فيه رهبان كثيرة وترابه يختم عليه للعقارب ويهدى إلى البلاد قاطبة وتتنافس النصارى في موضع مقبرته ياقوت.

دير ميامس نقلت من ياقوت: بين دمشق وحمص على نهر يقال له ميامس وإليه نسب، وهو في موضع نزه، وبه شاهد على زعمهم من حواريي عيسى عليه السلام زعم رهبانه أنه يشفي المرضى. وكان البطين الشاعر قد مرض فجاءوا به إليه يستشفي فيه فقيل: إن أهله غفلوا عنه فبال قدام قبر الشاهد واتفق أن مات عقيب ذلك فشاع بين أهل حمص أن الشاهد قتله وقصدوا الدير ليهدموه وقالوا: نصراني يقتل مسلماً لا نرضى أو تسلموا لنا عظام الشاهد حتى نحرقها، فرشا النصارى أمير حمص حتى رفع عنهم العامة فقال شاعر يذكر ذلك:

يا رحمتا لبطين الشعر إن لعبت

به شياطينه في دير ميماس

وافاه وهو عليل يرتجي فرجاً

فرده ذاك في ظلمات أرماس

وقيل شاهد هذا الدير أتلفه

حقاً مقالة وساوس وخنائس

أأعظم باليات ذات مقدرة

على مضرة ذي بطش وذي باس

لكنهم أهل حمص لا عقول لهم

بهائم غير معدودين في الناس

وحكي أن أبا نواس لما دخل حمص ماراً بها دعاة فتى من أدبائها إلى دير ميماس ودعا معه أشجع السلمي فجلسوا يشربون وأبو نواس ينشدهم له ولغيره فقال أشجع:

صبحت وجه الصباح بالكأس

ولم تعقني مقالة الناس

ونحن عند المدام أربعة

أكرم صحب وخير جلاس

ندير حمصية معتقةً

على نسيم النسرين والآس

ص: 43

ولم يزل مطرباً ومنشدنا

أبو نواس في دير ميماس

دير نجران بأرض دمشق من نواحي حوران ببصرى وهو دير عظيم عجيب

العمارة ولهذا الدير ينادى في البلاد من نذر نذراً لنجران المبارك والمنادي راكب فرس يطوف عامة نهاره في كل مدينة مناد، وللسلطان على الدير قطيعة يأخذها من النذور التي تهدى إليه.

دير النقيرة في جبل قرب المعرة ولا نعرف عنه شيئاً.

دير هزقل قال الخالدي هو بالشام وذكره دعبل بن علي حين هجا أبا عباد كاتب المأمون فقال:

فكأنه من دير هزقل مفلت

حنق يجر سلاسل الأقياد

قال لبن فضل الله: ولا أدري في قرب أي مدينة هو.

دير يونس ربما كان في جهات الرملة في فلسطين وقد قيلت فيه قصائد كثيرة وما ندري إن كان اختلط بدير في جهات الموصل على جانب دجلة الشرقي وموضعه يعرف بنينوى، ونينوى هي مدينة يونس.

هذا ما أمكن تلقفه عن الأديار في الإسلام وكان قبل الإسلام أديار مهمة ضاعت أخبارها ولا يستغرب ما قيل في هذه الأديار من الأشعار في سالف الأعصار. فقد كان المسلمون يختلفون إلى الديرة يجعلونها محال النزهة لأنها في أماكن نزهة على الغالب تخير بانوها مواقعها، وبالنظر لتحريج الحكومات الإسلامية في الخمور وإباحة شربها وبيعها لأهل الذمة كلن المولعون بالشراب من أهل الشأن وخلعاء الشعراء والأباء يغشون الأديار قيجدون صدوراً رحبة فيشربون ويطربون ولذلك خص الشعراء تلك الأديرة بأشعار لطيفة وقصائد ربما كان فيها شيء من المبالغة ومنها ما نبا عن طور الأدب اليوم ولكنه كان من المألوف في تلك العصور.

وفي ديار الشام اليوم ولا سيما في لبنان وبعض أنحاء فلسطين أديار عظيمة منها ما ورد ذكره في الجريدة التي كتبناها هنا ومنها ما هو من البناء الجديد وفيها

المهم بنيانه وهندسته أشبه بقلاع منه بطرابيل وصوامع للمنقطعين للعبادة والتبتل وقد ظهر في يوم 27 أيار 1945 وقد قذفت فرنسا مدينة دمشق بحمم مدافعها أن معظم كنائس دمشق للآتين كان فيها ورشاشات وسلاح قاتلوا به السكان وعلى رأسهم الراهبات والرهبان.

ص: 44