الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور الكتب
نشأة الكتب:
عرفنا من سير القدماء أنهم كانوا يقيدون علومهم ومآثرهم وتواريخهم وأيامهم في صنوف من المواد، تكون على مقربة منهم، وتكثر في أرضهم وديارهم. فالبابليون كتبوا كتبهم على الآجر أي بالطين المشوي، وكتب الهنود على النحاس والحجارة والحرير الأبيض والطومان المصري، والعرب عمدوا إلى أكتاف الإبل واللخاف، أي الحجارة البيض والرقاق وعسب النخل. وبقي الأمر على ذلك حتى شاع الورق المعمور من الكتان في خراسان وسمرقند وبغداد ودمشق، منذ القرن للهجرة على ما يظهر.
ولما شاع الورق قضي على الرق لسهولة تناول القرطاس والمهرق، وهي الصحيفة البيضاء يكتب فيها. وكان من الحرير الأبيض ما يسقى الصمغ ويصقل ثم يكتب فيه، وقد اعتمدوا عليه قبل القراطيس بالعراق، وكتب بعض أهل الغرب في صفائح من معدن رقيق. وكان أهل فرغامة في الروم أول من استنبطوا الرق، كانت له تجارة رابحة بارت بظهور الورق، وكانت الكتب في العراق تجعل في جلود دباغ النورة أي الكلس، وهي شديدة الجفاف، ثم كانت الدباغة الكوفية، تدبغ الجلود بالتمر وفيها لين ولا رائحة لها.
ولما فتح الإسكندر فارس كان العلم منقوشاً مكتوباً في صخور وخشب، فأخذ حاجته منها وأحرق الباقي. ولما تولى أردشيربابك وابنه سابور على فارس والعراق جمع مل تفرق من الكتب فيهما، واستنسخ من الهند والصين والروم
كتبهم. ولما ملك بطلميوس بطولوماوس فيلادلفوس من ملوك الإسكندرية فحص عن كتب العلم فعهد إلى رجل اسمه زميرة فجمع من ذلك على ما حكي أربعة وخمسين ألف كتاب ومائة وعشرين كتاباً. وقال له: قد بقي في الدنيا شيء كثير
في السند والهند وفارس وجرجان والأمان وبابل والموصل وعند الروم. وذكروا أن النعمان ملك الحيرة أمر فنسخت له أشعار العرب في الطنوج أي الكراريس فكتبت له ثم دفنها في قصره الأبيض، فلما كان المختار ابن عبيد قيل له: إن تحت القصر كنزاً فاحتفره فأخرج تلك الأسفار. قالوا: فمن ثم كان أهل الكوفة أعلم بالأشعار من أهل البصرة. وبلغ من عناية ملوك الفرس بصيانة العلوم، وحرصهم على بقائها على وجه الدهر، وإشفاقهم عليها من أحداث الجو وآفات الأرض، أن اختاروا لها من المكاتب أصبرها على الأحداث، وأبقاها على الأيام، وأبعدها عن التعفن والدروس، فكتبوا في لحاء شجر الخدنك، ولحاؤه يسمى التوز، وكانت تعمل منه القسي، وبهم اقتدى في ذلك أهل الهند والصين ومن يليهم من الأمم.
ولما حصل الفرس العلوم طلبوا لها من يفاع الأرض أصحها تربة وأقلها رطوبة، وأبعدها من الزلازل والخسوف، وأعلكها طيناً، وأبقاها على الأيام بناء، يقيمون فيها خزائنهم ودور كتبهم فاختاروا مدينة جي من عمل أصفهان جعلوها في قنهندرز أي حصن، فانهارت هذه المصنعة في الإسلام فظهروا فيها أزج معقود من طين الشقيف، أي بيت مستطيل من الخرف، فوجدوا فيها كتباً كثيرة من كتب الأوائل مكتوبة كلها في لحاء التوز بالكتابة الفارسية القديمة، وقالوا: إن الفرس كانوا يودعون كتبهم في سارويه، أحد الأبنية الوثيقة القديمة المعجزة النباء، وتشبه الأهرام في الجللة وإعجاز البناء، وكانت الكتب على صفحة صفحة أي من وجه واحد.
هذا ما يؤخذ من كلام ابن النديم وغيره في منشأ الكتب عند القدماء، ومع هذا لم تحفظ لغات الأقدمين لولا ما وجد منها مكتوباً على الأحجار، وكان بعض تلك اللغات اندثر في القرون الأخيرة حتى لا يحلها إنسان، مثل اللغة الهيروغليفية لغة
قدماء المصريين المقدسة فعثروا في رشيد من ثغور مصر
في سنة 1826 على حجر كان مكتوباً بالهيروغليفي، وهو الخط الخاص بالآثار عند قدماء المصريين، وكان الخط المعتاد عندهم الخط الهيراطيقي يكتبون به حاجاتهم العادية وفنونهم وآدابهم. وهذا يكتب على البردي بقلم من البوص المعروف بالغاب، يغمس في مدار أسود أو أحمر ومنه أدراج طويلة قد يبلغ طول الواحدة منها ثلاثين متراً، ومنها نماذج حفظت في متاحف الغرب ومتحف مصر، وكذلك ما عثروا عليه في رسائل تل العمارنة في المنيا بمصر في سنة 1888 وقد كتبت بالآجر بالحروف المسمارية البابلية، وفيها سجلات الدولة في عهد فرعون مصر أمينوفيس الرابع أمينوفيس الثالث، وانحلت بهذه الآجرات عقد من التاريخ القديم استدل بها على علاقة الشام بمصر.
ومثل ذلك يقال في الأثر النفيس الذي اكتشفها أحد أمراء روسيا في تدمر سنة 1882 وانحلت به مشاكل كثيرة من الحضارة التدمرية. وقد حل الخط التدمري بارتلمي، واكتشف دوسو في الجنوب الشرقي من النمرة في الصفا حجراً مكتوباً بالخط الآرامي وهو بالعربية، وحل لغة الصفا بيمان وهاليفي. واكتشفت في البتراء المصانع المكتوبة بالآرامية، وحل علماء الآثار اللغة الحميرية السبئية في اليمن. وحل لغة البابليين دي مورغان، ومن أهم ما عثر عليه من آثارهم مسلة عظيمة عملت بمسحوق الحجر البركاني وقد زبرت عليها شريعة حمورابي أحد أعاظم ملوك البابليين، وكان من أصل عربي كما يقول هومل.
وأهم الكتابات الفينيقية التي ظهرت ما وجد مزبوراص على ناووس أحد ملوك صيدا سنة 1855، والخط الفينيقي أشبه بالخط العبراني، والخط المسند هو الذي كتبت به مصانع الفرس القدماء ومصانع أشور وبابل وأرمينية وخوزستان وما إلى ذلك من أرض العراق. ولا يزال العلماء يكتشفون الآثار والعاديات في أرض
الشام، وإلى اليوم لم ينحل خط الحثيين أقدم شعوب هذه الديار، ولا يزال علماء الآثار منذ عثر بروكهار في حماة على حجر مكتوب بهذا الخط سنة 1812 متوفرين على حل هذا القلم وقد ظفروا بكثير من آثار الحثيين في هيرابوليس أوقرقميش عاصمة الحثيين وفي طرابلس