الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأديان والمذاهب
أديان القدماء:
اهتدى الفينيقيون بفطرتهم إلى الاعتقاد بالتوحيد على ما ظهر. ودعوا معبودهم البعل أي الرب والسيد وقد يسمونه أدون ومعناه السيد أيضاً. ولقبوه بملوك أو ملوخ أي الملك أو ببعل شمائيم أي رب السماء، ثم أخذوا يصورون الرب ويجسمونه على الصورة التي يختارونها، خصوصاً لما جابوا الأقطار ومصروا الأمصار، فأصبحت كل المدينة تخص الرب بها، فكان أهل صور يطلقون على معبودهم بعل صور، وأهل صيدا يقولون عن معبودهم رب صيدون، وأهل بيروت يعرف ربهم ببعل بيروت وهكذا يقولون بعل حرمون وبعل جاد وبعل تامار.
وفننوا بعد في أربابهم فأخذوا ينسبونها إلى النار وعبادة الطبيعة وأنشئوا يؤلهون قوات الوجود ومظاهرة الرائعة والأفلاك والنجوم. وكما جعل الفينيقيون لأربابهم أنداداً اخترعوا لهم أزواجاً سموها عشروت وقد عبدت في سواحل الشام خاصة. ثم أخذت بعض المدن بالطبع تطلب لمعبوداتها زوجات وتنشئ لها معابد. وكان معبد بعلة جبيل يحج إليه الناس من أنحاء القطر كما يحتفلون في الربيع بمقتل الرب أدونيس أو نهر إبراهيم. وكان من كهنة الفينيقيين أن أقاموا في أوقات مخصوصة من السنة حفلات دينية تجري فيها أمور غريبة من الرقص والفحش ومن تضحية البنات والأسرى على مذابح الهياكل التي كانت أشبه بمواخير يأوي إليها الفاحشات فيختلف إليهن من يريد الفجور باسم الدين.
ويقال على الجملة: إن الفينيقيين عبدوا في كل بلد مجموعة من الأرباب، فأهل صور عبدوا عشتروت وملكوت وبعلا، وأهل صيدا أشمون وعشتروت وبعلا، وأهل بيروت عشتروت وعطارد وبعل مرقد. وتجيء بعد هذه الطبقة من الأرباب
طبقة أخرى منها كالرب أبيس والرب سليمان. ومجموعة الأرباب الكبرى عند الفينيقيين كمجموعة ما عبده الرومان بعد قرون في بعلبك من عطارد والمشتري وغيرهما.
وكانت ديانة الآراميين كديانة الآشوريين يعبدون الرب العظيم ورب الفكر ورب السماء والرب الأسد. ويجسمون رب الأرباب عندهم، على صورة إنسان في نصفه الأعلى، ونصفه الأسفل على صورة سمكة. وذكروا أن شيما كانت ربة أهل حماة. وعبد الآراميون النيازك والشمس والقمر والسيارات السبع والهواء والرياح والنيران وعبدوا أترعطي الربة السورية ودعوها دركيتو نصفها السفلي سمكة. وكان عابدوها إكراماً لها يمتنعون عن تناول السمك ويتوفرون على فتح أحواض يربون الأسماك فيها. ومن معبودات الآراميين هدد وسميسيوس زوج الربة شيما وأرترعطي زوج الرب هدد.
وكان الحثيون على مثال من تقدمهم الأمم عباد أورثان أيضاً، فقد عبدوا الرب تيشوبو وهو مثل هدد الآراميين وبعل الكنعانيين. وروي أنهم عبدوا الشمس وأخذوا عن الكنعانيين عبادة عشتروت وغيرها من الأرباب وألهوا مظاهر الطبيعة فعبدوا جمالها وجلالها.
وعبد الكلدان والآشوريون أولاً رب السماء ورب الأرباب ورب الأرض ورب البحر، وجعلوا لكل رب هذه الأرباب ربة تكون قرينيه. وبعد حين عبدوا القمر والشمس والزهرة. والزهرة هذه ينظرون إليها أنها قد تجسدت فيها الحياة والحرب ففيها اللطف والهمجية، وقد بنوا لها في المدينة أرك هيكلاً للفحش حتى دعيت هذه المدينة بمدينة العاهرات. وعبد البابليون على عهد حمورابي مردوك رب الأكوان وعبدوا رب الحكمة والعلوم والحرب والصيد والزراعة والموت والزوابع والأنواء والأوبئة. واقتبس الآشوريون عامة معبودات البابليين وزادوا عليها ربهم أشور
رب الأرباب عندهم،
ينزهونه عن الوالد والولد والزوج، ويعتقدون بحشر الأجساد أو ما يشبه ذلك في يوم الجزاء. ويرمزون إلى أربابهم بحيوانات ودواب كرمزهم بالأفاعي والطير والسمك والغزلان والبقر والخرفان.
أما قدماء المصريين فقد اهتدوا إلى عبادة رب الأرباب وتمثلوه في الشمس الحاكمة على الأكوان. وقدسوا معبودهم على صور شتى ثم أصبح لكل مدينة ربها يعتقدون بأنه واحد يظهر في مظاهر مختلفة من مظاهر الطبيعة من نبات وحيوان وجماد وطواطب وأنهار ولا سيما النيل، وأقاموا لكل واحد من أربابهم الهياكل يخدمها الكهنة والسدنة ومن أهم معبوداتهم أوزيريس وإيزيس وهوروس أي الوالد والوالدة والولد. واعتقد المصريون بالآخرة والجزاء في العالم الثاني وحشر الأجساد، ولذلك عنوا بتحنيط موتاهم على ما لم يصل إليه أحد قبلهم، عل الميت يأنس بصورته.
وعبد الفرس قوى الطبيعة التي وقعت تحت حسهم من شمس وقمر ونار وماء وهواء، ثم عبدوا ميترا التي هي الزهرة، ثم كان من مجوسهم على عهد زرادشت ولأخلافه أن عبدوا رب الخير والشر، واسم رب الخير يزدان أو رب النور وهو الرب الأعظم مبدع الكائنات، واسم رب الشر أهرمن وهو رب الظلمة وأصل كل بلاء. قال ماني: مبدأ العالم كونان أحدهما نور والأخر ظلمة كل واحد منهما منفصل من الآخر، فالنور هو العظيم الأول ليس بالعدو وهو الإله ملك جنان النور وله خمسة أعضاء الحلم والعلم والعقل والغيب والفطنة، وخمسة أخر روحانية وهي الحب والإيمان والوفاء والمروءة والحكمة، وزعم أنه بصفاته هذه أزلي ومعه شيئان اثنان أزليان أحدهما الجو والآخر الأرض، وأعضاء الجو خمسة الحلم والعلم والعقل والغيب والفطنة وأعضاء الأرض النسيم والريح والنور والماء والنار، والكون الآخر وهو الظلمة وأعضاؤها خمسة الضباب والحريق والسموم
والسم والظلمة، ومن تلك الظلمة كان الشيطان. والصابئة هم القائلون بالأصنام الأرضية للأرباب السماوية أي الكواكب متوسطون إلى رب الأرباب، وينكرون الرسالة في الصور البشرية عن الله تعالى ولا ينكرونها عن الكواكب.
هذا وقد دان اليونان كما دان كثير من الأمم القديمة قبلهم بتأليه الجمال
على اختلاف مظاهرة، عبدوا الجمادات لأول أمرهم ثم ترقوا إلى غيرها من تاليه الأشجار والرجوم والأحجار، وأنشأا يكومون الأفعى في هياكلهم كما يكرمون بعض حيوانات البحر وطيور البر. وكانوا يبالغون في إكرام الموتى من عظمائهم حتى ألحقوهم بأربابهم، ونسبوا إليهم كل صفات البشر وأبشع رذائلهم. ويقدمون في المذابح من الطيور والحيوانات والبشر مما كان عند الفينيقيين. وهكذا كثرت أربابهم إلى التي ليس بعدها، وكلما فتحوا أرضاً أضافوا إلى أربابهم بعض الأرباب التي وجدوها تعبد في الأقاليم المغلوبة على أمرهم، وكثرت خرافاتهم حتى كان يستهدف للموت كل من يريدهم من عقلائهم على أن يقلعوا عن تخريفهم. هذا غاية ما يشار إليه من أديان قدماء الدول التي طال أمرهم في هذه الديار.
ومن أجيال العرب التي حكمت هنا أجزاء مهمة قبل الإسلام النبطيون في الجنوب والايطوريون في بعض الساحل وقد عبد النبطيون اللات والعزي، وكانت البتراء مركز عباداتهم قبل العهد اليوناني بستة قرون على الأقل. وعبد الايطوريون الكواكب والشمس والزهر وإذا الشرى، وربما تشابهت معبوداتهم ومعبودات النبيطيين. وكان لهم في بعلبك مذبح قالوا: إنه بيت من بيوتهم عظيم عندهم جداً. وصنم الأقيصر كان في مشارف الشام لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان يحجون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده وكلما حلق رجل منهم رأسه ألقى مع كل شعره قرة من دقيق أي قبضة. وعرف من الآثار أن أهل صرخد كانوا يعبدون اللات على ما اكتشف على باب كنيستها. ومعظم هذه الأصنام كان مما ينحت من
الأحجار ومنها ما كان من الشبهة البرونز، وقد نقلوا هذه الأصنام إلى الغرب خصوصاً منذ أوائل القرن الثالث قبل المسيح لما قبض على زمام الإمبراطورية الرومانية أباطرة من الشاميين، وقد عثروا على بعضها في فرنسا والنمسا وإيطاليا. وكان ياهو المشهور في تاريخ الإسرائيليين حفيد يهو شافاط الذي قتل جميع أنبياء بعل وعبدته يعبد العجول في بيت أيل. وبيت أيل إلى شرقي خط يمتد من أورشليم إلى نابلس على بعد واحد من كلتا المدينتين وكانت قديماً عاصمة الكنعانيين.
وقد عبد الرومان قوى الطبيعة من الأفلاك والشمس والأرض والنبات
والحيوان وأكرموا الينابيع والأشجار العظيمة والحجارة ثم عبدوا المشتري وأظهروه في مظاهر عديدة وكانوا يقولون رب البرق ورب الرعد ورب النور. وجعلوا للمشتري ربة اسمها جونون وعبدوا المريخ ورب الحرب يقدمون له ضحايا من الخنازير والبقر والغنم بل يقدون له الذبائح البشرية يختارونهم من أسرى الحرب على الأكثر. ولهم أرباب أخرى كرب البيت وحارسه ورب نار البيت وجعلوا لها هياكل أقاموا على حراستها بنات عذارى يتعهدون نارها حتى إذا غفلن عنها فأطفأت وأدوهن على ما كان أهل الجاهلية يئدون بناتهم خشية العار. ولما أختلط الرومان بالأمم الأخرى اقتبسوا منها ما راقهم من أربابهم ومنها عشترت المعبود الشامي.
قال كلرمون غانوا: لم تكد تظهر الوثنية اليونانية الرومانية حتى أصبح الناس يحبونها أصقاع الشام كافة ويقبلونها راضين. وذلك لأنها قائمة على أساس التسامح القابل للظهور في كل مظهر وصورة. تلتئم بمرونة عجيبة مع أشكال الديانات التي تدين بها الشعوب الأخرى. وذلك بأن تمزج هذه الديانات بنفسها أو تمزج نفسها بها. ولم تدخل في ذاك المحيط الخاضع المدهوش إلا إصلاحاً واحداً
وهو معرفة الأشياء الحسنة، ولم تقض إلا بقضاء واحد وهو الابتعاد عن البشاعة، ولم تضع إلا نظاماً واحداً وهو نظام السرور، ولا تعليماً واحداً غير تعليم الذوق، ولم توح بغير الجمال. وكانت ترفق بالأديان التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها ولا تشتد إلا على الأديان التي تحاول مقاومتها. فالعبادات القديمة التي عرفت عند الكنعانيين استقت من هذا النبع الصافي البارد مأخوذة بشيء من الجنون اه.
لما جاء كسرى إلى حلب وعمر بيتاً للنار كان في الشام أربعة أديان أمهات، وهي: اليهودية والنصرانية وعبادة الأوثان والنيران. ولما جاء الإسلام كان الناس يدينون بهذه الأديان. وكانت النصرانية قبل الإسلام على رواية اليعقوبة في ربيعو وغسان وبعض قضاعة، واليهودية في حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة، والمجوسية في تميم، والزندقة في قريش أخذوها من الحيرة. وكان بنو حنيفة أخذوا في الجاهلية إلهاً من حيس،