الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحيس تمر يخلط بالسمن والأقط فيعجن، فعبدوه دهراً طويلاً ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه. ولما مرض عمرو بن لحي وكان يلي أمر الكعبة في الجاهلية قيل له: إن بالبلقاء من الشام حمة إن أتيتها برأت فأتاها فاستحم بها فبرأ ووجد أهلها يعبدون الأصنام فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقي بها ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها ففعلوا وقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة.
اليهودية:
يرجع البشر على اختلاف مذاهبهم وأديانهم إلى جد واحد وهو آدم وإلى أبناء سيدنا نوح الذين تناسلوا وتكاثروا وانتشروا على سطح الأرض. ومعلوم أن عرب الجاهلية واليهود هم أبناء سام ولذلك سموا بالساميين واستوطنوا في الأصل الديار الكنعانية المعروفة اليوم بفلسطين ومشوا منها إلى حدود مصر جنوباً وإلى العراق ثم إلى منتصف آسيا شرقاً. والحاميون أبناء حام سكنوا مصر والحبشة وانتشروا
القسم الثالث أي أبناء يافث فهم في القارة الأوربية والأرض التركية.
ولما ظهر الأب الأول سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومن بلدته الرها أورفة من ديار الكلدان جاء منقاداً بمشيئة الله إلى الأرض الكنعانية وأقام في بلدة حبرون أي خليل الرحمن رمزاً لمودة الخالق له. وهنا نغضي عن سرد ما أوتي من المعجزات ونغفل أيضاً عن ذكر من جاء بعده من الأباء والأنبياء الكرام وما أوتوا هم أيضاً من المعجزات والكتب المقدسة حافلة بكل ما يراد معرفته بهذا الشأن. ولا نرى بداً من الإشارة فقط إلى أن سيدنا إسماعيل بن الخليل الأكبر قد نزح وأمه هاجر من الأرض الكنعانية إلى شبه
جزيرة العرب وبقي أخوه إسحاق في تلك الأصقاع الموصوفة بأرض الميعاد، إشارة إلى العهد الذي أعطاه الخالق سبحانه وتعالى خليله إبراهيم القائل بإعطاء الأرض الكنعانية على رحبها إلى نسله. وقد سميت بالأرض المقدسة أيضاً عندما بدأ اليهود يحجون إلى الهيكل المقدس الذي بناه سليمان الحكيم. وقد كان بناء هذا الهيكل مدعاة لتمسك اليهود بهذه الديار ولعدم النزوح عنها إلا لتعاطي التجارة لمن كان مكروهاً بحكم الضرورة على الإقامة موقتاً في الأقطار المجاورة. وقد وجدت في الدهر الغابر آثار تاريخية كثيرة تدل على نزول اليهود حوران ودمشق وبلاد الفينيقيين الواقعة على شاطئ البحر المتوسط.
ومما لا ريب فيه أن اليهود قد أقاموا عصوراً في القطرين الذين دوختهما جيوش النبي داود وأعني بهما سورية وشمال ما بين النهرين. ولما أعمل نبوخذ نصر ملك بابل 600ق م سيفه باليهود هاجر قسم منها إلى فارس وآسيا الوسطى وآب قسم أخر إلى دمشق. وعادت البقية وعلى رأسها نحميا ودانيان وجددوا بناء الهيكل المقدس ولم يلبث أن جاء تيطوس الروماني 70ب م وهدمه. وقد أعمل هو أيضاً السيف برقابه وأضطرهم إلى النزوح إلى الأمصار البعيدة كاليونان والأندلس
وشمال إفريقية. وقد روي عن بولس الرسول أنه حاول إقناع اليهود القاطنين في الشام لا تباع السيد المسيح والتدين بدين النصرانية، وهذا مما يدل على وجودهم في تلك الأزمنة في هذه الديار.
ثم أن قائدي عساكر سيدنا عمر عندما فتح الشام انتخبا نفراً غير قليل من اليهود والمسلمين الدمشقيين أرباب الصناعات والفنون الجميلة وجيء بهم بعد إلى بلاد بخارى فتوفروا على البناء المتوافر تمام المماثلة للنسق الدمشقي من حيث طرز البناء ورسومه وأشكاله وأدواته حتى يخيل لمن يزور تلك الأصقاع أنه في سوق أو دار من أسواق الشام ودورها.
ثم إن نزول اليهود في دمشق منذ أمد بعيد مشهود ومحسوس من كنيس قرية جوبر التي تبعد بضع دقائق عن شرقي دمشق وقد جاء ذكره في التلمود الموضوع منذ أكثر من ألفي سنة وذلك بقوله في الحرف الواحد: كنشتاديبه جوبر ومعناه كنيسة جوبر القائمة إلى يومنا هذا والتي كانت مقراً للنبيين
إيليا الخضر وتلميذه اليشاع اليسع. وفي بعض دور الكتب العبرية في دمشق إلى اليوم آثار مخطوطة يرجع عهدها إلى القرن الحادي عشر للميلاد. وصفوة القول أن اليهود لم ينقطوا عن الشام لا سيما عند فتح المسامين لها إذ ثبتت أقدامهم فيها وتوفرت لهم أسباب الهناء والرخاء.
ولم تؤثر التطورات والفتوحات التي وقعت في القطر في اعتقاد اليهود الديني ولا غيرت شكلاً من مراسيمهم، بل كانت بالعكس سبباً قوياً لتضافرهم وتحفزهم لدرء كل ما من شأنه أن يفسد لهم معاملاتهم وعاداتهم. وما زالوا منذ الخلقة كسائر اليهود يعبدون الله عز وجل ويوحدونه ويعرفونه بيهوه كما تسمى إلى آدم وإلى الآباء والأنبياء بقوله لهم باللفظ العبري: إني ي هـ وهـ أي أنا يهوه.
وقد فصل المجتهدون من علماء اليهود اسمه المقدس تفصيلاً وافياً خلاصته باللغة
العبرانية: هيا، هيو، يهيه ومعناه كان، في الماضي وكائن في الحال وسيمون في المستقبل أي إنه تعالى حي قيوم دائم إلى الأبد. وكان يرفق أحياناً اسمه الكريم في التوراة كلمة إلوهيم أو شداي ومعناهما الجبروت والشدة. ويحترم اليهود أيضاً الأنبياء الذين أوحي إليهم في زمن ملوكهم وعددهم 48.
يتآلف اليهود مع مواطنيهم مهما اختلفت نزعاتهم. فهم فرنسيس في فرنسا، وروس في روسيا، وإنكليز في بريطانيا، وهنا أيضاً لا يختلفون عن الشاميين من حيث الأخلاق والزي. ولأسمائهم دخل قوي في الألفة مع مسلمي الشام. فهم يتسمون بأسماء لا يسمى بها غيرهم من اليهود كصبحي وصبري وعارف ومراد ويحيى وعبده وبهية وعائشة وجملية إلى ما هنالك من الأسماء المحضة، ومما يزيد ائتلافهم مع المسلمين أنهم مضطرون بحكم الدين الموسوي أن يراعوا مثلهم أحكام الختان والغسل والطهارة.
ولغة اليهود العبرية أينما حلوا ورحلوا يتعرف بها بعضهم إلى بعض وبها يؤدون فروض صلواتهم اليومية وشعائرهم الدينية، ولغتهم هذه هي شقيقة اللغة العربية. فإن الصرفيين العرب لا يتعذر عليهم تعلم اللغة العربية والتعمق