الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفاتحين العرب منذ نيف وثلاثة عشر قرناً وهي الرزانة والوقار والصبر على المصائب، ويلتزمون هذه الرزانة وهذا الوقار في أعمالهم ومجالسهم بل وفي بيوتهم وبين ذويهم ومجالس سمرهم وشرابهم وأنسهم، ويكرهون من يتصف بالطيش والرعونة والشكوى الصريحة ويتجنبون مجالسته، ولكل عادة من هذه العادات شذوذ وهي قليلة.
عادات الحلبيين:
للحلبيين المسلمين عادات يستعملونها في أفراحهم وأتراحهم نذكر منها شيئاً يحفظه التاريخ إلى ما بعد أن يحتاجه تطور الزمن فيبقى ذكره من مستغرب الأخبار وروائع الآثار فنقول:
مما يستعملونه في قضية الولادة أن الطفل متى تمخضت به أمه وولدته تلمسه القابلة فإن كان غلاماً صلت على محمد وإن كان جارية ترضت عن فاطنة الزهراء ثم يقدم إلى أحد أقاربه فيؤذن في أُذنه الأذان الشرعي يسمى من قبل وليه ويطبخ لأمه حلوى بالشونيز والجوز لتكثير لبنها وتقصير بالشرب على ماء الحمام المنقوع فيه أصول البنفسج مدة أسبوع ويرسل أحد أصدقاء الأسرة مائدة كبيرة تشتمل على مقدار عظيم من الزلابية معها أباليج السكر، ويولم أهل المولود في اليوم السابع وليمة حافلة بين أطعمتها حلوى قوامها الدبس والشمرة تعرف باسم المغلي وقد يحضر في ليلة تلك الوليمة قيان للنساء ومطربون للرجال، وكل صديق لأبوي المولود يقدم هدية بعضها مأكول وبعضها مما يتجلى به ومنها مسكوكات ذهبية قديمة تعلق في قلنسوة الطفل واسم ذلك تهناية وبعد مضي أربعين يوماً على الولادة تؤخذ النفساء إلى الحمام مع أترابها من النساء ويكبس بدنها بالشدود وهو المردقوش والخزامى المغربية. وإذا شعرت أم الطفل بمغص في بطنه تمضغ له لب عجو الدراقن وعصر لفظتها في فمه فيسكن مغصه وتدهن مراقه بالزيت وتذر عليه مسحوق ورق المرسين، ومتى بدأت أسنانه بالخروج تسلق له شيئاً من
الحنطة تدوفه بالسكر ولب الجوز واللوز والفستق وتطعمه منه وتفرق باقيه على الأهل والجيران.
متى بلغ الطفل الخامسة من عمره يرسل إلى المكتب أو إلى الشيخة أو المعلمة إذا كان جارية ومتى ختم تعلم القرآن العظيم تعمل له حفلة نسمى نشيدة يحضر فيها إلى منزل الغلام جماعة الشداة والمطربين ودراويش الطريقة المولودية وبعد أن تقام نوبة سماح يطاف بالغلام ورفقانه بعض الشوارع البلدة وهم ينشدون أزجالاً في المدائح النبوية ماشياً وراء الغلام حامل المبخرة ورجل آخر ينثر الشعير على رؤوس الناس دفعاً لإصابة عيون العُيُن ثم يعود هذا الموكب إلأى منزل الغلام
وتبسط له الموائد فيأكل وينصرف ويملأ جيب كل ولد فستقاً وزبيباً مضافاً إليهما شيء من النقود. وقد يختن الولد في هذا اليوم إذا لم يكن ختن من قبل. واعتاد كثير من الناس ختن أولادهم في اليوم السابع من ولادتهم كما اعتادوا ثقب شحمة أذن الأنثى فيه. وقد يفرد لختان الغلام حفلة يدعى إليها الأحباب والأصحاب ويولم لهم ثم يزين الغلام بالحلي والحلل ويركب على برذون مزين ويركب وراءه رديف يقال له العريف، ويطاف به في الشوارع يتقدمه أحد مشايخ الطرق راكباً على برذون مجلل بسجادة الإرشاد مكللا رأسه بطيلسان أحمر في يده عقافة يشير بها إلى جماعته وهم سائرون أمامه يحملون أعلام طريقتهم ويضربون طبولهم، وبعد أن ينتهوا من طوافهم يعودون إلى منزل الغلام وتتلى قصة المولد النبوي ختامها يختن الولد. وقد يرافق هذا الموكب طائفة من الدارعين ولابسي الجواشن والخوذ في أيديهم السيوف والتراس يقفون في فسحات الطرق ويلعبون بعضهم مع بعض بسيوفهم وقد سار وراء جموعهم رجل يقود جملاً على ظهره منصة مهندمة يقوم رجل يرتدي كسوة نساء عرب البادية يقال له عبلة قد أمسك بيديه صنوجاً يرقص بها حتى يصل إلى دار المختون وهذا الموكب يسمى عراضة.
للغلام في أول يوم يصومه من رمضان طبق يملأ بأنواع الحلوى يفطر عليه. وإذا بلغ الغلام مبلغ الرجال وتاق للزواج تأخذ أمه وذوات قرابته يلتمسن له زوجة تنطبق أوصافها على أذواقهن. والأغنياء يغالبون بالمهر
وربما بلغت جملة المهر ذهب عثماني وزيادة، والمهر عند الفقراء لأحد لأقله والمعجل منه ثلثاه والمؤجل الثلث الباقي. والزوجة الغنية تضيف إلى المهر من مال أبيها قدره وربما زادت وتصرف الجميع على شراء أثاث المنزل. وعقد الزواج يكون في بيت الزوجة باحتفال فائق يحضره المطربون ويطاف على الحاضرين بكؤوس المرطبات وأنواع الحلوى المجففة. وبعد أن يتم العقد بأيام ينقل الجهاز الذي أعدته الزوجة
إلى بيت الزوج بموكب حافل يتقدمه جماعة الحمالين ولاعبو السيوف والعصي، وشدادة الأزجال، ويسبق ليلة القران ليالٍ يسمونها التعاليل يحضر فيها المطربون والموسيقيون وتحرق الألعاب النارية وقبل ليلة القران بليلتين يدعو أهل الزوجة أقاربهن ويفرق عليهن الحناء ونقوشها فينلن منها على أيديهن ما تناله منها العروس على يديها ورجليها ومعصميها وتعرف تلك الليلة بلبلة النقش، ثم في صبيحة اليوم الذي يكون القران في مسائه تقام وليمة العرس وتكون الدعوى إليها جفلى يجلس على سماطها من أحب. وفي هذا اليوم يأخذ أهل الزوج الزوجة من بيت أهلها فيركبن العربات المزدانة ويأتين بها إلى بيت زوجها وكن قبل ظهور العربات يأتين بها إلى بيت زوجها ماشيات على أقدامهن يزغردن ولا يمرون بها على باب حمام زعماً بأن جنه يخطفها. وأصل هذا ما كان يفعله الانكشارية من اختطاف العرائس اللواتي يمررن على حمامهن فكانوا لا يطلقون سراح العروس إلا بعد أن يأخذوا شيئاً من حيلها أو نقوداً من زوجها.
في مساء هذا اليوم يأخذ الزوج زينته في منزل أحد أصدقائه ويحضر إلى منزله بموكبه حافل من المطربين والموسيقيين وهو يسير الهوينى بين شابين يشبهانه يقال لهما سخاديج وأحدهما سخدوج. قد حملت أمامه مصابيح ضخمة على عتلات في مقدمتهم شداة يترنمون بمواليات كلما أتم أحدهم مواليه يهتف الجميع بقولهم: الله يساور جوز جوز جيز تحريف الله يصور الزوج زوج جهاز. وقدم تقدم صف الزوج صفوف المطربين وأصحاب الأزجال الحماسية وحملة المشاعل ومحرقو الألعاب النارية والمدرعون واللاعبون بالسيوف ألعاب الفروسية إلى أن يصل هذا الموكب منزل الزوج فيدخله وتتلقاه عرسه ويضع يدها في يده أقرب إنسان إليه ويدخلان الغرفة المعدة لهما
ويفتح على رأسيهما طيلسان وردّي اللون. وفي صبيحة تلك الليلة يدخل الزوج الحمام ومعه الجم والغفير من الخلان
والإخوان، وبعد خروجه منه يعمل له أصدقاؤه الولائم على عدة أيام وهي المسماة بالصبيحات. وفي اليوم الخامس عشر يولم الزوج لأهل زوجته وليمة شيقة تسمى عزيمة الخامس عشر.
ومما يستغرب من عادات بعض الأهلين من قطان أطراف حلب أنهم يفرشون ليلة القران في غرفة العروسين قطيفةً يجعلون رؤوس ما التوى من ريشها إلى جهة صدر الغرفة، فإذا وجد الزوج الوردة زراً غير باسم الثغر حول القطيفة أي جعل رؤوس ما التوى من ريشها إلى جهة عتبة البيت وإلا أبقاها يعلنان القضية وتعلو الضوضاء وتشتد الضجة ويفتضح الحال.
ومما يستعمله الحلبيون المسلمون في أتراحهم من العادات هو أن بعض سكان أطراف البلدة يُحضر حين وفاة رجالهم الأعزاء عليهم - نائحات بدويات ينثرن على رؤوسهن الحناء ويشدن في أوساطهن المآزر ويخدشن خدودهن ويسودن وجوههم بسخام القدر، وحين خروج النعش من الدار يضربن جبهة بابها بإناء خزفي زاعمة أن هذا العمل يمنع من أن يلحق بالميت غيره من أهله، ونعش الميت يسيرون به وهم يجهزون بكلمة التوحيد، وقد يكون في مقدمته من يؤذن أذان الجوق وينشد المدائح النبوية، وقد يمشي أمام النعش جماعة الدراويش المولوية. وإذا كان الميت من مشايخ الطريق يتقدم جماعته ويجملون نعشه ويتجاذبونه ويتمسكون به كأنه يحاول الطيران وهم يمنعونه عنه وينادونه باسمه ويضرعون أليه بأن يعدل عن الطيران، وحملة أعلام الطريقة يفعلون بأعلامهم فعل حملة النعش به فيركضون بها إيهاماً بأنها تجرهم وتحاول أن تطير بهم إلى غير ذلك من الحركات التي ينكرها الشرع. إذا وصل النعش إلى القبر حطوه إلى الأرض وأخرجوا الميت منه ولحدود، ومن الناس من يودع في نقرة من جدار القبر قنينة فيها شيء من زيت الزيتون قصد تعتيقه لينتفع به بعد من يكون مصاباً
بالريح فيطلي منه بدنه فيبرأ.
في الليالي الثلاث الأولى من الوفاة يجتمع في المسجد الحي بين العشائين
نفر من الرجال والأطفال يكررون كلمة التوحيد وفي أيديهم سبحة كبيرة ينتظم في سلكها خمسمائة حبة كل حبة منها في حجم الجوزة. فإذا دارت دوراً سكتوا وتلا إمام المسجد شيئاً من القرآن. ثم تدور دوراً آخر في ختامه ينتهي الذكر ويفرق على الحاضرين الحلوى المعروفة بالغريبة. في صباح اليوم الثالث من الوفاة يجتمع الجم الغفير على القبر وتمد البسط على أطرافه وتوضع عليه قمام ماء الورد وتنثر فوقه الزهور ويفرق على الحاضرين أجزاء الربعات وبعد الانتهاء من قراءتها يصطف الناس حلقة ويذكرون الله تعالى ويفرق على الفقراء شيء من النقود ويعزى الناس أهل الميت وهم في المقبرة. وهذا اليوم يسمى الثالث وفيه وفي كل من اليوم السابع واليوم الأربعين واليوم المتمم للسنة من الوفاة يدعى جماعة من القراء إلى بيت الميت يتلون القرآن العظيم في نهارهم، وفي المساء تبسط الموائد ويفتح باب الدار للفقراء فيأكلون ويزودون.
ومما اعتاده الحلبيون في أول يوم من المحرم أن يكون فطورهم من طعام حلو، وأن يخرج جماعة من العجزة يتصدق عليهم الناس بشيء من البرغل لهم فاز من صلى سموا يلازمه زجل ينشدونه على الأبواب وهو فاز من صلى على تاج العلى طه النبي المصطفى جد الحسين وبعض الناس يسمونهم الحسينية. وهذه العادة موروثة عن الطوائف العلوية التي كانت تقطن حلب. وفي يوم عاشور يوسع الناس على عيالهم بالمطاعم ويطبخون طعام الحبوب الذي يشير إليه ابن منير الطرابلسي الشاعر بقوله:
وسهرت في طبخ الحبو
…
ب من العشاء إلى السحر
وفي يوم عاشور كانت الحكومة قبل خراب مشهد الحسين تولم فيه وليمة حافلة
يحضرها الوالي ومن دونه وينشد أحد المطربين قصيدة ابن معتوق في رثاء الحسين التي مطلعها هل المحرم فاستهل مكبرا. وتعطل الحومة أيضاً في آخر أربعاء من صفر وفي اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول وتحتفل بتلاوة قصة المولد النبوي في الجامع الكبير، ويستمر الناس على تلاوة هذه القصة ليلاً ونهاراً إلى آخر هذا الشهر، ويولمون من أجلها الولائم العظيمة.
وتعطل أيضاً في اليوم السابع والعشرين من رجب وتحتفل بقراءة قصة المعراج
في المشهد المذكور. ويجتمع الناس ليلة النصف من شعبان في المساجد بين العشائين ويقرءون سورة يس ثلاث مرات ويلقنهم الإمام دعاة ليلة النصف المذكور في كتاب نزهة المجالس وغيرها من الكتب، وتهجر المعاصي في شهر رمضان ويكثر ترداد الناس على الجوامع والمساجد ويقبلون على تلاوة القرآن ومنهم من يقصد المقاهي ليلاً لتفرج على المشعوذين والمتصارعين.
ويخرج قرب السحر طبال يوقظ الناس للسحور ويعقبه شداة المدائح النبوية في منارات الجوامع. وبعد صلاة العيد يخرج الناس إلى المقابر لزيارة موتاهم، وكان يخرج قبل العيد بيومين رجل سخره معه مدرع بالودع والخزر والأجراس يستجدي الناس بالرقص ويضحكهم بحركات حماره يقال له جحش العيد. وكان يخرج في أيام العيد ولدان قد صبغوا أجسامهم بالسواد وعلى رؤوسهم الطراطير يستدرون إحسان الناس بالرقص والقفز ويقال لهم بيضه بيضه، وبعد انتهاء العيد رواد الحجاز أهبتهم ويسافرون لأداء فريضة الحج ويحتفل أحبابهم بوداعهم. وفي عيد النحر يقبل الناس على الضحايا.
وفي تاسع آذار الرومي الشرقي يخرجون صباحاً إلى ضاحية البلدة لاستنشاق نسيم الصبا التي تهب في ذلك الوقت كما يزعمه بعض المنجمين. ويكثر خروج الناس في أوائل أيام الربيع إلى جبل الجوشن وما قرب منه فإذا نور الشجر وأوراق
يترددون على البساتين. وفي شهر نيسان يحتكرون مؤوناتهم من السمن والجبن والفحم. وكان النساء في يومي أربعاء الزوبعة وخميس البيض ويكونان قبل يوم الأحد وهو أول يوم من عيد الفصح يخرجن إلى البساتين ويمضين فيها سحابة يومين ويفعلن مثل ذلك في يوم الاثنين الذي يلي عيد الفصح، ويزعمن أن من لم يخرج إلى النزهة في هذه الأيام لا يأمن الصداع ووجع الرأس، إلى غير ذلك من العادات التي بعضها مستحسن وبعضها مستهجن مما هو مذكور في كتاب نهر الذهب مسهباً مفصلاً.
وأما ما يستعمله النصارى الحلبيون من العادات في أفراحهم وأتراحهم فمنها أن مريد الزواج منهم يبدأ بتصفح وجوه النسوة في مجامع الناس وحين خروجهن من الصلاة فمتى أعجبته أنثى سعى بإعلامهما أنه يرغب أن تكون له زوجة وهذه هي الخطبة الأولى. ثم يسعى بالخطبة الثانية وهي أن يرسل
أحد أوليائه مع كاهن طائفته إلى ولي مخطوبته فيعلماه أن موليهما يرغب أن تكون موليته زوجة له فإذا أجاب طلبهما وضع الكاهن يد أحدهما بيد الآخر علامة على الرضى المتبادل، وبعض الكهنة يسأل المخطوبة بقوله هل رضيت أن يكون فلان زوجاً لك فتطأطئ رأسها بالإيجاب وحينئذ يقدم له قطعة من الحلي مرسلة من زوجها وبعد ذلك يشرع الخاطب بزيارة مخطوبته، وطالما نهى الكهنة عن كثرة هذه الزيارة فذهب نهيهم سدى. وبعد مرة يرسل الكاهن إلى أهل المخطوبة ليتفق معهم على ميعاد عقد الخطبة وليقدم هدية الخاطب إلى مخطوبته. وهذا العمل يسمى المشورة وقد ينكث أهل المخطوبة ويفسخ عقد الخطبة فيقيم الكاهن الحجة على أهل المخطوبة ويغرمهم ما أنفقه الخاطب في مدة الخطبة. أما إذا لم يفسخ عقد الخطبة فإن رقاع الدعوة ترسل بتوقيع الوليين إلى المدعوين لحضور الإكليل، يقبل المدعوون إلى بيت الخاطب في اليوم المعين ثم يتوجهون إلى بيت المخطوبة
فيضعون عليها خمارها وأزهارها وتكون جميع ثيابها بيضاء ويأتون بها في وقت العتمة إلى بيت خاطبها وهي تسير الهوينى بين امرأتين على شاكلتها وأمامها المصابيح وجماعة الموسيقي، حتى إذا اقتربت من بيت خاطبها خف لاستقبالها فخاصرها ودخل بها إلى منزله وانتظم عقد المدعوين، ثم يقف العروسان بين يدي مطران الطائفة ومن معه من الكهنة وهم متحلون بملابسهم الكنائسية ويشرع المطران يترنم بآيات من الإنجيل مخصصة بعقد الزواج ويجري بين العروسين الإيجاب والقبول ويلقي عليهما النصائح ويأمرهما بالتحابب والطاعة أحدهما الآخر للآخر ويستغرق ذلك ساعة من الزمن. وفي الختام يرفيهما هو والحاضرون ثم تعزف آلات الطرب وتدور أقداح الراح فيرقصون ويمرحون إلى الهزيع الأول من الليل، فيقدم للحاضرين سفرة الدخلة وهي قطع من لحم الدجاج الهندي والهضم المحمضة المعروفة بالمخلالات والخبز الحواري وغير ذلك وبعد أن يتم الحاضرون أكلهم يعودون إلى السماع والطرب. ثم في منتصف الليل يقوم بعض الأدباء ويهنئ العروسين بقصيدة، وفي الصباح يقدم للحاضرين الفطور من معمولات اللوز الهندي الشكولاته مع بعض الحلاوي واللحوم المقددة ثم يتحلق الحاضرون حلقاً العروسين بالرقص العربي والكردي ثم ينصرفون.
وفي هذه الصبيحة يهدي أحد أبوي الزوج إلى الزوجة قطعة من الحلي تسمى الصبيحة وفي اليوم الرابع يحضر المدعون إلى منزل الزوج لتهنئة العروسين، ثم في اليوم الثامن يزور العروسان أصحابهما فيحيون لهما ليلة طرب، ثم في اليوم الثاني عشر يولم الزوج إلى كهنة الطائفة وبعد شهر يطوف العروسان منازل الألى كانوا مدعوين ليلة القران ويردان إليهم الزيارة.
المهر يدفع من الزوجة إلى الزوج عكس ما هو معروف عند المسلمين ولا حد لأكثره إذا كانت الزوجة غنية والرغبة منها في الزوج فوق رغبته بها وهو يسمى
دوطه وبعض الكتبة يترجمون هذه اللفظة بكلمة بائنة وإذا كانت رغبة الزوجين في الزواج متساوية فليس هناك دوطة إنما كل واحد من الزوجين يهدي الآخر قطعة من الحلي قيمتها تناسب ثروته.
بعد انتهاء هذه الحفلات يصرف بعض المتفرنجين شهراً من حياته بالتغيب عن منزله يسمونه شهر العسل يمضيه الزوجان في موضع نزه جميل يطلقان فيه حريتهما، كأن العروسين يمضيان هذا الشهر في وداع الحياة المطلقة المؤذنة بفراقها لحلول ذلك الضيف الثقيل بل القيد الأبدي الذي لا يحل وثاقه إلا بالموت: عادة أخذها الغربيون عن الأمم الوثنية القديمة كأنها رمز إلى سرعة انقضاء راحة الإنسان بالزواج وطول عنائه بعده، وذلك لأن الزوجين لا يلبث فرحهما بعد الاقتران سوى أيام قلائل حتى يدخلا في العريض الطويل من تكاليف الحياة وأوصابها التي لا تنفد إلا بنفاد العمر. فما أشبه الحياة وما فيها من الراحة والتعب بإناء مفعم من الصبر قد بسط على وجهه قليل من العسل، وكأن الإنسان لا يضطر إلى استعمال ما في هذا الإناء اضطراراً حقيقياً إلا بعد أن يتزوج فكأن مقدار ما يناله حينئذ من الراحة وما يعقبها من التعب كمقدار ما في ذلك الإناء من الصبر والعسل فلا يعلق من العسل غير قليل حتى ينفد ويظهر تحته الصبر، فيجرعه مكرهاً ضرورة عدم إمكان الحياة إلا به وهذا مصداق قول الناس في الزواج فرح شهر وتر دهر.
وما يستعمله النصارى في أتراحهم أنه متى احتضر انه متى احتضر المريض يحضر إليه كاهنه ويستأديه واجباته الدينية، وبعد أن يقضي نحبه يتربصون بدفنه مدة أربع وعشرين ساعة يضعونه في خلالها في صندوق من الصفيح، وفي هذه البرهة
يرسلون رقاع الدعوة لحضور الاحتفال بالجنازة، ثم في الوقت المعين يضعون الصندوق في نعش مزدان بالأيقونات وأكاليل الزهر فيحمل إلى البيعة
ليصلى عليه، ثم يحمل إلى المقبرة وأمامه صفوف الكهنة يترنمون بآيات من الإنجيل ووراءهم عظماء الطائفة وتلامذة المكاتب وحملة الصلبان والشموع، وقد اكتنف النعش أربعة من كبار الطائفة يمسكونه من أربع أطرافه بسفائف من الحرير الأسود، وحينما يصلون به إلى اللحد يضعه الحمالون عن كواهلهم ويتقدم أحد الأدباء فيرثيه نظماً أو نثراً ثم يوارونه في لحده، ويصطف أهل المتوفى للتعزية ويمر عليهم المشيعون لجنازته لتعزيتهم وفي مقدمتهم المطران ولفيف الكهنة. ولبعض الأسر الغنية ديماس تحت الأرض مختص بدفن موتاهم يقال له خشخاشة يودعون فيه النعش دون أن يهيلوا التراب عليه، وقد يكون هذا الديماس بناية تشبه البيت مبنية على وجه الأرض.
في اليوم الثالث من الوفاة يحتفل للمتوفى بصلاة في البيعة يسمونها جنازاً يسرجون فيها من المصابيح قدر ما يقع عليه الاتفاق من النقود بين أهل الميت وبين كهنة طائفته، وهذه الصلاة تعاد في اليوم التاسع وفي يوم الأربعين وفي نصف السنة وتمام السنة. وحداد الولد على أبوية ثلاث سنين والأخ على أخيه والزوجين أحدهما على الآخر والأبوين على ابنيهما سنتان.
ومما يستعمله اليهود الحلبيون من العادات في أفراحهم وأتراحهم أن يختنوا بعد يومين من ولادته، وإذا كان من سبط إسرائيل وكان بكر أبويه وجب على أبيه أن يفتديه من كاهن من سبط هارون يضع الطفل في حجره ويقول لأبيه: هذا المولود حق سبط الكهنة فيستوهبه أبوه منه بمقدار معلوم من الفضة. ومتى بلغ عمر الطفل سنة يأخذه أبواه كل سنة إلى وليمة قدوس أي زفاف يطعمانه من طعام السيعودته فإذا بلغ الثانية عشرة يؤمر بصيام ذلك اليوم، وإذا بلغ الثالثة عشرة يلبسونه كنفوت وهو صدرة تربط أطرافها الأربعة بفتائل من الغزل ويشد على رأسه وعضده الأيسر تيفلين وهو سير من الجلد يشتمل على الكلمات العشر
والإصحاح الأول
من سفر الوصايا، وحينئذ يعتبر رجلاً متمماً صلاة الجماعة التي لا تتم إلا بعشرة رجال ويرث سهمين من تركة أبيه.
وإذا بلغ الثامنة عشرة وجب عليه الزواج فيباشر الخطبة ومتى انتقى مخطوبة يكتب بينهما قنيان أي عهد يسمونه شيطاراً يعينان فيه مقدار المهر المدفوع من الطرفين ويذكران ما اتفقا عليه من الشروط، ثم في اليوم المعين تنعقد جمعية يسمونها كتبة فيها يكون تسلم الزوج الأمتعة والنقود التي تعهدت الزوجة بتقديمها إليه، وبعد ثلاثة أيام تكون حفلة الزفاف المعروفة باسم قدوس فيحضر المدعون وتعزف آلات الطرب وتدار كؤوس ابنة العنب من وقت العصر إلى وقت الغروب ثم يقوم رؤساء الدين ويجرون العقد بين العروسين ويقرأ أحدهم قداشين يقف الزوجان مدة قراءة الأول متقابلين ومدة قراءة الثاني متحاذيين، ويفتح على رأسيهما ملاءة من الصوف يسمونها طليطة أي طيلسان. وفي هذه الساعة يقدم الزوج إلى زوجته قطعة من الفضة فتأخذها منه ويشهد بذلك رجلان ليس لهما قرابة لأحد الطرفين، وحين تسلم الزوجة القطعة المذكورة من الزوج يخاطبها بقوله هاري آت ميقديشت لي بي طباعت زكيدات موشي وإسرائيل أي أنت مقدسة لي بهذه القطعة مثل دين موسى وإسرائيل. ثم يتقدم الحاخام الكبير وبيده كأس من الخمر فيبارك عليه بدعاء طويل باللغة العبرانية ويشرب منه جرعة ثم يدار على الحاضرين فيشرب من شفافته كل واحد منهم جرعة ثم يعاد إلى الحاخام فيرميه إلى الأرض فينكسر، وبعد ذلك يدخل الزوجان البيت المعد لخلوتهما فإذا التقى آدم مع حواء في تلك الليلة وجب عليه أن يمسك عنها مدة خمسة عشر يوماً، وأن ينطبل أي ينغمس في حوض خصوصي، وعلى الزوج أن يدعو في ثاني يوم من زواجه عشرة من رؤساء الدين ويولم لهم، وعلى رئيسهم قبل الأكل أن يبارك على المائدة سبع مرات كما بارك على كأس الخمر يوم الزفاف.
ومما يستعملونه في أتراحهم أن المريض متى احتضر جلس عند رجليه رجلان يذكرانه بقولهما شيماع إسرائيل أدوناي ايلو هينو أدوناي احاد أي اسمع يا إسرائيل الديان إلهنا الديان واحد. فإذا قضى نحبه وضعوه على