المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحرير محل النزاع في اللوث مع بيان منشأ الخلاف: - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌حكم تشريح جثة المسلم

- ‌الموضوع الأول: بيان حرمة المسلم ووجوب تكريمه حيا أو ميتا

- ‌الموضوع الثاني: بيان أقسام التشريح والضرورة الداعية إلى كل منها

- ‌تمهيد:

- ‌المسألة الأولى: ضرب أو رمي من تترس به الكفار من أسارى المسلمين

- ‌المسألة الثانية: شق بطن امرأة ماتت وفي بطنها ولد علم أنه حي:

- ‌المسألة الثالثة: أكل المضطر لحم آدمي ميت إذا لم يجد شيئا غيره:

- ‌المسألة الرابعة: إلقاء أحد ركاب سفينة خشي عليها العطب فيلقى أحدهم في البحر

- ‌ فتوى في جواز نقل عيون الموتى لترقيع قرنية الأحياء:

- ‌الموضوع الرابع: المقارنة بين المصالح التي بني عليها تشريح جثث الآدمي والمصالح التي بني عليها فقهاء الإسلام الاستثناء من قاعدة عصمة دماء بني آدم

- ‌القسامة

- ‌المراد بالقسامة في اللغة:

- ‌المراد بالقسامة عند الفقهاء:

- ‌ بيان مستند من عمل بالقسامة ومستند من لم يعمل بها

- ‌اختلاف العلماء فيها:

- ‌الصورة الأولى: التدمية

- ‌الصورة الثانية: شهادة بينة غير قاطعة على معاينة القتل:

- ‌الصورة الثالثة: شهادة عدلين بجرح، وعدل بالقتل:

- ‌الصورة الرابعة: وجود المتهم بقرب القتيل أو آتيا من جهته ومعه آلة القتل أو عليه أثره:

- ‌الصورة الخامسة: قتيل الصفين:

- ‌الصورة السادسة: قتيل الزحام:

- ‌الصورة السابعة: وجود قتيل في محلة:

- ‌تحرير محل النزاع في اللوث مع بيان منشأ الخلاف:

- ‌ من يحلف من المدعين:

- ‌ من يحلف من المدعى عليهم:

- ‌هدي التمتع والقران

- ‌أولا: ابتداء وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة

- ‌ثانيا: نهاية وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة:

- ‌ثالثا: ذبح الهدي ليلا مع الأدلة والمناقشة:

- ‌رابعا: مكان ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة:

- ‌خامسا: حكم الاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سادسا: علاج مشكلة اللحوم في منى:

- ‌وجهة نظرلصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع

- ‌حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد

- ‌المسألة الأولى: حكم رمي جمرة العقبة ليلة العيد

- ‌القول الأول: اختلف العلماء متى يبتدئ وقت رميها:

- ‌القول الثاني: لا يجوز رميها قبل طلوع الفجر، ومن رماها قبل طلوع الفجر أعادها

- ‌القول الثالث: أن أول وقته للضعفة من طلوع الفجر ولغيرهم من بعد طلوع الشمس

- ‌المسألة الثانية: حكم رمي جمرة العقبة ليلة النفر

- ‌المذهب الأول: إن غربت الشمس يوم النحر وهو لم يرم جمرة العقبة فإنه يرميها

- ‌المذهب الثاني: إذا غربت الشمس من يوم النحر وهو لم يرم جمرة العقبة فلا يرميها إلا من الغد بعد الزوال

- ‌المسألة الثالثة: حكم تقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة:

- ‌المذهب الأولى: لا يجوز تقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة

- ‌المذهب الثاني: يجوز رمي الجمار في هذه الأيام الثلاثة قبل الزوال مطلقا:

- ‌المذهب الثالث: مذهب أبي حنيفة، وفيه تفصيل

- ‌المسألة الرابعة: حكم رمي الجمار في ليلتي اليوم الثاني عشر والثالث عشر عن اليوم الذي قبلها:

- ‌المسألة الخامسة: أدلة الترخيص للرعاة في الرمي:

- ‌مصادر البحث وملحقاته

- ‌الطلاق المعلق

- ‌أولا: ما ورد عن الصحابة والتابعين من الآثار:

- ‌ثانيا: أقوال فقهاء المذاهب الأربعة:

- ‌ مذهب الحنفية:

- ‌ مذهب المالكية:

- ‌ مذهب الشافعية:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌وجهة نظر

- ‌تحديد المهور

- ‌أولا: مهر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌ثانيا: من عرف مهرها من سائر زوجات أصحابه رضي الله عنهم:

- ‌ثالثا: هل وجد في نصوص الشريعة حد للمهور:

- ‌رابعا: قصة عمر مع من أنكرت عليه حديثه في تقليل المهور:

- ‌خامسا: ما الفرق بين تحديد أسعار الأعيان والمنافع وتحديد المهور:

- ‌سادسا: مبررات التحديد ومضار عدمه:

- ‌سابعا: هل تحديد المهور علاج واقعي ناجح وإن لم يكن فما العلاج:

- ‌وجهة نظر

- ‌تحديد النسل

- ‌ الترغيب في النكاح وبيان مقاصده:

- ‌ الفرق بين منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل

- ‌ بواعث منع الحمل وتحديد النسل مع المناقشة:

- ‌ وسائل تحديد النسل وبيان مضارها:

- ‌ الحكم مع الدليل:

- ‌حكم التسعير

- ‌معنى التسعير:

- ‌المسألة الأولى: أن يحد لأهل السوق حد لا يتجاوزونه:

- ‌المسألة الثانية: من أراد أن يزيد عن سعر الناس أو ينقص هل يلزم بأن يبيع كالناس

- ‌المسألة الثالثة: في بيان من يختص به ذلك من البائعين القائلين بالتسعير:

- ‌المسألة الرابعة: بيان ما يدخله التسعير من المبيعات وهل يجوز تحديد أجور العقارات

- ‌الخلاصة

- ‌حكم الذبائح المستوردة

- ‌أولا: تمهيد يعتبر مدخلا إلى بحث الموضوع

- ‌ثانيا: ذكر طريقة الذبح الشرعية، وما صدر من فتاوى في الذبائح المستوردة:

- ‌الصفة المشروعة في الذبح والنحر

- ‌فصل في طعام الوثنيين ونكاح نسائهم:

- ‌مذهب الحنفية في ذبائح أهل الكتاب:

- ‌حكم ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية:

- ‌مذهب الشافعي في طعام أهل الكتاب:

- ‌مذهب أحمد وأصحابه في طعام أهل الكتاب والتسمية على الذبيحة:

- ‌صفوة الخلاف بين الفقهاء والمختار منه في طعام أهل الكتاب

- ‌بعض ما صدر في الموضوع من فتاوى:

- ‌ثالثا: ذكر ما ورد إلى هذه الرئاسة عن كيفية تذكية الحيوانات المستوردة من بلاد الكفار إلى المملكة العربية السعودية:

- ‌خامسا: حل مشكلة اللحوم المستوردة:

الفصل: ‌تحرير محل النزاع في اللوث مع بيان منشأ الخلاف:

المدعي، وذلك في دار أو غيرها، من وجوه: أحدها: العداوة المذكورة (1) وسنذكر البقية موزعة في مواضعها.

(1)[المغني](8\7-9)(الطبعة المشتركة مع الشرح الكبير)

ص: 147

‌تحرير محل النزاع في اللوث مع بيان منشأ الخلاف:

اتفق من يقولون بالقسامة على أنها لا تثبت بمجرد دعوى أولياء الدم، واتفقوا على أنها تثبت بالدعوى إذا اقترن بها شبهة يغلب على الظن الحكم بمقتضاها، ثم اختلفوا في الصور التي تتحقق فيها هذه الشبهة، ومنشأ الخلاف في ذلك اختلافهم في تطبيق ضابط هذه الشبهة المسماة لوثا على هذه الصور، فمن رآها متحققة في صورة من الصور السبع المذكورة أو نحوها أثبت بها القسامة، ومن لم يجد في نفسه غلبة الظن توجب الحكم بها في صورة لم يثبت الحكم بها في تلك الصورة. اهـ (1) .

(1) انظر [فتح الباري](12\197) بتصرف.

ص: 147

الرابع: هل يتعين أن يكون المدعى عليه في القسامة واحدا أو يجوز أن يكون أكثر ولو مبهما، مع ذكر الدليل والمناقشة؟

لقد سبق الكلام على معنى اللوث وخلاف العلماء في صوره، وكان مما تقدم: أن القسامة عند الحنفية لا تكون إلا في صورة واحدة من الصور التي سبق الكلام عليها، وهي الواقعة بين الأنصار واليهود في خيبر، وتقدم النقل عنهم في هذه الصورة مستوفيا أدلتهم من السنة والآثار.

ومما تقدم يتبين: أن أبا حنيفة رحمه الله يرى: أن الدعوى في القتل تكون على مبهم، فتركنا إعادة ذلك النقل اكتفاء بما سبق ذكره، ومعلوم أن هذا

ص: 147

الرأي يخالف قوله صلى الله عليه وسلم: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم (1) » .

وأما المذاهب الثلاثة ففيما يلي تفصيل أقوالهم وما استندوا إليه، ومعلوم أن الأصل في هذا الباب هو قصة خيبر، وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة:«يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته (2) » .

1 -

قال مالك: (وإذا كان القسامة لم تكن إلا على رجل واحد ولم يقتل غيره ولم نعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد. قال الباجي: هذا قول مالك وأكثر أصحابه. وقال أشهب: إن شاءوا أقسموا على واحد أو على اثنين أو على جميعهم ثم لا يقتلون إلا واحدا ممن أدخلوه في القسامة، كان ذلك لقول الميت: دمي عند فلان أو فلان أو لشهادة شاهد على القتل أو شاهدين على الضرب ثم عاش أياما. وجه قول مالك: أنه لا يقتل في القسامة إلا واحد فلا معنى للقسامة على غيره. ووجه قول أشهب: أن القتيل إذا ادعى قتل جماعة له فيجب أن تكون القسامة على قدر ذلك؛ لأن الأيمان لا تكون إلا موافقة للدعوى (3) .

وقال الباجي في الكلام على من يستحق القتل بالقسامة: قال: وإذا قلنا: لا يقتل إلا واحد فهل يقسم على واحد أو على جماعة؟ ففي المجموعة من رواية ابن القاسم عن مالك: لا يقسم إلا على واحد سواء ثبتت القسامة بدعوى الميت أو بلوث أو بينة على القتل أو بينة على الضرب ثم عاش أياما. وقال أشهب: إن شاءوا أقسموا على واحد أو على اثنين أو على أكثر أو على جميعهم ثم لا يقتلون إلا واحدا ممن أدخلوه في قسامتهم.

(1) صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4711) ، سنن أبو داود الديات (4520) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1630) ، سنن الدارمي الديات (2353) .

(2)

صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4711) ، سنن أبو داود الديات (4520) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1630) ، سنن الدارمي الديات (2353) .

(3)

[الموطأ بشرح المنتقى](7\62) .

ص: 148

وجه القول الأول: أن القسامة فائدتها القصاص من المدعى عليه القتل فلا معنى للقسامة على من لا يقتل ولا تؤثر فيه القسامة حكما.

ووجه القول الثاني: أن القسامة إنما هي على قدر الدعوى محققة لها ولا يجوز أن يكون في بعضه، فإذا وجب لهم القصاص بالقسامة المطابقة لدعواهم كان لهم حينئذ تعيين من يقتص منه؛ لأن القسامة قد تناولته.

وقال سحنون فيما جاء في القسامة على الجماعة في العموم: قال: قلت: أرأيت إن ادعوا الدم على جماعة رجال ونساء؟ قال: قال مالك: إذا ادعوا الدم على جماعة أقسموا على واحد منهم وقتلوا إذا كان لهم لوث من بينة، أو تكلم بذلك المقتول، أو قامت البينة على أنهم ضربوه ثم عاش بعد ذلك ثم مات- قلت: فللورثة أن يقسموا على أيهم شاءوا ويقتلوه؟ قال: نعم، عند مالك. قلت: فإن ادعوا الخطأ وجاءوا بلوث من بينة على جماعة أقسم الورثة عليهم كلهم بالله الذي لا إله إلا هو أنهم قتلوه ثم تفرق الدية على قبائلهم في ثلاث سنين؟ قال: نعم. وكذلك سألت مالكا فقال لي مثلما قلت لك، وقال لي مالك: ولا يشبه هذا العمد (1) وقال ابن رشد: واختلف الذين أوجبوا القود بالقسامة، هل يقتل بها أكثر من واحد؟ فقال مالك: لا تكون القسامة إلا على واحد، وبه قال أحمد بن حنبل. وقال أشهب: يقسم على الجماعة ويقتل منها واحد يعينه الأولياء وهو

(1)[المدونة الكبرى](16\224) .

ص: 149

ضعيف. وقال المغيرة المخزومي: كل من أقسم عليه قتل. وقال مالك والليث: إذا شهد اثنان عدلان أن إنسانا ضرب آخر وبقي المضروب أياما بعد الضرب ثم مات أقسم أولياء المضروب أنه مات من ذلك الضرب وقيد به، وهذا كله ضعيف (1) .

2 -

قال الشافعي في باب القسامة: ولهم- أي: ولاة الدم- إذا كان ما يوجب القسامة على أهل البيت أو القرية أو الجماعة أن يحلفوا على واحد منهم أو أكثر، فإذا أمكن في المدعى عليه أن يكون في جملة القتلة جاز أن يقسم عليه وحده وعلى غيره ممن أمكن أن يكون في جملتهم (2) . . . . . وقال أيضا في اختلاف المدعى عليه في الدم، قال: فإن ادعى أولياؤه- أي: القتيل- على أهل المحلة لم يحلف لهم منهم إلا من أثبتوا بعينه فقالوا: نحن ندعي أنه قتله، فإن أثبتوهم كلهم وادعوا عليهم وهم مائة أو أكثر وفيهم نساء ورجال وعبيد مسلمون كلهم أو مشركون كلهم أو فيهم مسلم ومشرك أحلفوا كلهم يمينا يمينا؛ لأنهم يزيدون على خمسين وإن كانوا أقل من خمسين ردت الأيمان عليهم، فإن كانوا خمسة وعشرين حلفوا يمينين يمينين؛ وإن كانوا ثلاثين حلفوا يمينين يمينين؛ لأن على كل واحد منهم يمينا وكسر يمين، ومن كان عليه كسر يمين حلف يمينا تامة، وليس الأحرار المسلمون أحق بالأيمان من العبيد ولا العبيد من الأحرار ولا الرجال من النساء ولا النساء من الرجال، كل بالغ فيها سواء،

(1)[بداية المجتهد](2\432) .

(2)

[الأم](6\75) .

ص: 150

وإن كان فيهم صبي ادعوا عليه لم يحلف، وإذا بلغ حلف فإن مات قبل البلوغ فلا شيء عليه، ولا يحلف واحد منهم إلا واحد ادعوا عليه بنفسه، فإذا حلفوا برئوا.

وقال الشافعي: بيان ما يحلف عليه في القسامة: قال الشافعي رحمه الله تعالى: وينبغي للحاكم أن يسأل من وجبت له القسامة: من صاحبك؟ فإذا قال فلان، قال: فلان وحده؟ فإن قال: نعم، قال: عمدا أو خطأ؟ فإن قال: عمدا سأله ما العمد؟ فإن وصف ما يجب بمثله قصاص ولو قامت بينة أحلفه على ذلك، وإن وصف من العمد ما لا يجب فيه القصاص وإنما يكون فيه العقل- أحلفه على ذلك بعد إثباته، وإن قال: قتله فلان ونفر معه، لم يحلفه حتى يسمي النفر، فإن قال:(لا أعرفهم وأنا أحلف على هذا أنه فيمن قتله) لم يحلفه حتى يسمي عدد النفر معه، فإن كانوا ثلاثة أحلفه على الذي أثبته، وكان له عليه ثلث الدية أو على عاقلته، وإن كانوا أربعة نفر فربعها، وإن لم يثبت عددهم لم يحلف؛ لأنه لا يدري كم يلزم هذا الذي يثبت ولا عاقلته من الدية لو حلف عليه، ولو عجل الحاكم فأحلفه قبل أن يسأله عن هذا كان عليه أن يعيد عليه اليمين إذا أثبت كم عدد من قتل معه، ولو عجل الحاكم فأحلفه لقتل فلان فلانا ولم يقل عمدا ولا خطأ أعاد عليه عدد ما يلزمه من الأيمان؛ لأن حكم الدية في العمد أنها في ماله وفي الخطأ أنها على عاقلته، ولو عجله فأحلفه لقتله مع غيره عمدا ولم يقل قتله وحده أعاد عليه اليمين لقتله وحده، ولو عجل فأحلفه لقتله من غيره ولم يسم عدد الذين قتلوه معه أعاد عليه الأيمان إذا عرف العدد، ولو أحلفه لقتله وثلاثة معه ولم يسمهم قضى عليه بربع الدية أو على عاقلته،

ص: 151

فإن جاء بواحد من الثلاثة فقال: (قد أثبت هذا) أحلفه أيضا عدة ما يلزمه من الأيمان، فإن كان هذا الوارث وحده أحلفه خمسين يمينا لقتله مع هؤلاء الثلاثة، فإن كان يرث النصف فنصف الأيمان ولم تعد عليه الأيمان الأولى، ثم كلما أثبت واحدا معه أعاد عليه ما يلزمه من الأيمان كما يبتدئ استحلافه على واحد لو كانت دعواه عليه منفردة، وإن كان له وارثان فأغفل الحاكم بعض ما وصفت أنه عليه أن يحلفه عليه، وأحلفه مغفلا خمسين يمينا، ثم جاء الوارث الآخر فحلف خمسا وعشرين يمينا، أعاد على الأول خمسا وعشرين عينا، لأنها هي التي تلزمه مع الوارث معه، وإنما أحلفه أولا خمسا وعشرين يمينا؛ لأنه لا يستحق نصيبه من الدية إلا بها إذا لم تتم أيمان الورثة معه خمسين يمينا (1) .

3 -

قال ابن قدامة: ذكر الخرقي من شروط القسامة: أن تكون الدعوى عمدا توجب القصاص إذا ثبت القتل وأن تكون الدعوى على واحد. وقال غيره: ليس بشرط، لكن إن كانت الدعوى عمدا محضا لم يقسموا إلا على واحد معين ويستحقون دمه، وإن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية (2) .

وقال في [حاشية المقنع] : قوله: (وأن تكون الدعوى على واحد) : إذا كانت الدعوى عمدا محضا لم يقسموا إلا على واحد معين ويستحقون دمه، وهذا بلا نزاع. قال الشارح: لا يختلف المذهب أنه لا يستحق

(1)[الأم](6\81) .

(2)

[المقنع](3 \ 432، 433) .

ص: 152

بالقسامة أكثر من قتل واحد، وبهذا قال الزهري ومالك وبعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم: يستحق بها قتل جماعة؛ لأنها بينة موجبة للقود فاستوى فيها الواحد والجماعة كالبينة، وقول أبي ثور نحو هذا.

ولنا: قوله صلى الله عليه وسلم: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته (1) » فخص بها الواحد.

ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل في قتل الواحد فيقتصر عليه وتبقى على الأصل.

وأما إن كانت الدعوى خطأ أو شبه عمد: فقال في [لإنصاف] فالصحيح من المذهب والروايتين ليس لهم قسامة ولا تشرع على أكثر من واحد وعليه جماهير الأصحاب منهم: الخرقي والقاضي وجماعة من أصحابه؛ كالشريف وأبي الخطاب والشيرازي وابن البنا وابن عقيل، وغيرهم وجزم به في [الوجيز] و [المنور] و [منتخب الآدمي] ، وغيرهم، وقدمه في [المحرر] و [النظم]، و [الحاوي الصغير] و [الفروع] وغيرهم. وعنه: لهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية، وهو الذي قاله المصنف هنا، وجزم به في [الهداية] و [المذهب] و [المستوعب] ، و [الخلاصة] وقدمه في [الرعايتين] ، وظاهر كلام المصنف هنا أن غير الخرقي ما قال ذلك، وتابعه الشارح وابن منجا وليس الأمر كذلك، فقد ذكرنا عن غير الخرقي من اختار ذلك. انتهى. قلت: والذي جزم به في [الإقناع] أن لهم القسامة في الخطأ كالعمد؛ لأن الخطأ أحد القتلين أشبه العمد، ويقسمون

(1) صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4711) ، سنن أبو داود الديات (4520) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1630) ، سنن الدارمي الديات (2353) .

ص: 153

على واحد معين كالعم158د، وهو معنى ما جزم به في [الإنصاف](1) .

(1)[حاشية المقنع](3\433، 434)

ص: 154

الخامس: ذكر خلاف العلماء فيمن توجه إليه أيمان القسامة أولا من مدع ومدعى عليه ومستند كل مع المناقشة:

اختلف أهل العلم القائلون بالقسامة فيمن توجه إليه أيمان القسامة ابتداء:

فذهبت طائفة منهم إلى أنه يبدأ بالمدعين فتوجه إليهم الأيمان.

قال مالك: الأمر المجمع عليه عندنا، والذي سمعت ممن أرضى في القسامة، والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث: أنه يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة فيحلفون (1) .

وقال ابن رشد: قال الشافعي وأحمد وداود بن علي وغيرهم: يبدأ المدعون (2) .

وجاء في [المقنع] وحاشيته: ويبدأ بأيمان المدعين، فيحلفون خمسين يمينا، هذا المذهب، فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليهم خمسين يمينا وبرئوا، وهذا قول يحيى بن سعيد وربيعة وأبى الزناد والليث ومالك والشافعي (3) .

واستدلوا لذلك بالسنة والإجماع والاستصحاب والنظر والقياس:

أما السنة: فروى الشافعي قال: أخبرنا مالك عن

(1)[المنتقى] على [الموطأ](7\55) ، و [إكمال إكمال المعلم](4\395) .

(2)

[بداية المجتهد](2\439) .

(3)

[المقنع] وحاشيته (3\ 439) .

ص: 154

ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي حثمة: أنه أخبره رجال من كبراء قومه: «أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فتفرقا في حوائجهما فأتى محيصة فأخبر: أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين فأتى يهود، فقال: أنتم والله قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر ذلك لهم، فأقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول، فذهب محيصة يتكلم- وهو الذي كان بخيبر - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة كبر كبر يريد: السن، فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكتبوا إليه: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ فقالوا: لا، قال: فتحلف يهود؟ قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار. قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء (1) » .

وعورض هذا الحديث: أولا: بما روى أبو داود عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عبد الرحمن بن بجيد بن قيظي أحد بني حارثة، قال محمد بن إبراهيم: وايم الله ما كان سهل بأعلم منه، ولكنه كان أسن منه، قال: والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احلفوا على ما لا علم لكم به) ولكنه كتب إلى يهود حين كلمته الأنصار: أنه وجد بين أبياتكم قتيل فدوه فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه، ولا يعلمون له قاتلا، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد أجاب ابن قدامة رحمه الله عن ذلك: فقال: ولنا حديث سهل،

(1) صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي كتاب القسامة (4710) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1630) ، سنن الدارمي الديات (2353) .

ص: 155

وهو صحيح متفق عليه، ورواه مالك في [موطئه] وعمل به، وما عارضه من الحديث لا يصح؛ لوجوه:

أحدها: أنه نفي فلا يرد به قول المثبت.

والثاني: أن سهلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد القصة وعرفها حتى أنه قال: ركضتني ناقة من تلك الإبل، والأخرى يقول برأيه وظنه من غير أن يرويه عن أحد ولا حضر القصة.

والثالث: أن حديثنا مخرج في [الصحيحين] متفق عليه، وحديثهم بخلافه.

والرابع: أنهم لا يعملون بحديثهم، ولا حديثنا، فكيف يحتجون بما هو حجة عليهم فيما خالفوه فيه (1) .

وعورض حديث سهل ثانيا: بما جاء في البخاري من رواية سعيد بن عبيد: فقال لهم: «تأتون بالبينة على من قتله، قالوا: ما لنا بينة، قال: فيحلفون، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة (2) » .

وما جاء في البخاري من رواية أبي قلابة، وفيه قال:«أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه، فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون، قال: أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم، قالوا: ما كنا لنحلف، فوداه من عنده (3) » .

وأجاب ابن حجر عن هذا الاعتراض: بعد ذكره لمجموعة من الروايات

(1)[المغني](8\495، 496) .

(2)

صحيح البخاري الديات (6898) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4715) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .

(3)

صحيح البخاري الديات (6899) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671) ، سنن الترمذي الطهارة (72) ، سنن النسائي الطهارة (305) ، سنن أبو داود الحدود (4364) ، سنن ابن ماجه الحدود (2578) ، مسند أحمد بن حنبل (3/163) .

ص: 156

فيها تقديم تحليف المدعين قال: كذا في رواية سعيد بن عبيد لم يذكر عرض الأيمان على المدعين، كما لم يقع في رواية يحيى بن سعيد طلب البينة أولا، وطريق الجمع أن يقال: حفظ أحدهم ما لم يحفظ الآخر، فيحمل على أنه طلب البينة أولا فلم تكن لهم بينة، فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا، فعرض عليهم تحليف المدعى عليهم (1) فأبوا.

وقال أيضا: وأجابوا عن رواية سعيد بن عبيد - يعني: المذكورة في حديث الباب- بقول أهل الحديث: إنه وهم من رواية أسقط من السياق تبرئة المدعين باليمين؛ لكونه لم يذكر فيه رد اليمين، واشتملت رواية يحيى بن سعيد على زيادة من ثقة حافظ، فوجب قبولها، وهي تقضي على من لم يعرفها. نقله ابن حجر عن القاضي عياض (2) .

وما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة» .

قال ابن حجر في الكلام على سند هذا الحديث: قوله: روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر إلا في القسامة (3) » الدارقطني والبيهقي وابن عبد البر من حديث مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به، قال أبو عمر إسناده لين، وقد رواه عبد الرازق عن ابن جريج عن عمرو مرسلا، وعبد الرزاق أحفظ من مسلم بن خالد وأوثق، ورواه ابن عدي والدارقطني من حديث عثمان بن

(1)[فتح الباري](12\234) .

(2)

[فتح الباري](12\236)

(3)

سنن الترمذي الأحكام (1341) .

ص: 157

محمد عن مسلم، عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة وهو ضعيف أيضا، وقال البخاري: ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب فهذه علة أخرى (1) .

أما الإجماع: فقال البيهقي: وأصح ما روي في القتل بالقسامة وأعلاه بعد حديث سهل ما رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: حدثني خارجة بن زيد بن ثابت قال: قتل رجل من الأنصار - وهو سكران- رجلا آخر من الأنصار من بني النجار في عهد معاوية، ولم يكن على ذلك شهادة إلا لطيخ وشبهته، قال: فاجتمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه. قال خارجة بن زيد: فركبنا إلى معاوية وقصصنا عليه القصة فكتب معاوية إلى سعيد بن العاص - فذكر- الحديث، وفيه فقال سعيد: أنا منفذ كتاب أمير المؤمنين، فاغدوا على بركة الله، فغدونا عليه فأسلمه إلينا سعيد بعد أن حلفنا عليه خمسين يمينا.

وفي بعض طرقه: وفي الناس يومئذ من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن فقهاء الناس ما لا يحصى، وما اختلف اثنان منهم أن يحلف ولاة المقتول ويقتلوا أو يستحيوا، فحلفوا خمسين يمينا وقتلوا، وكانوا يخبرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالقسامة. انتهى بواسطة ابن القيم (2) .

وأما الاستصحاب: فقد نقل الأبي عن القاضي عياض: أن القسامة أصل في نفسها شرعت لحياة الناس، وليرتدع المعتدي، والدعاوى في

(1)[تلخيص الحبير](4\39) .

(2)

[شرح ابن القيم لسنن أبي داود] وعليها [عون المعبود](12\254) .

ص: 158

الأموال على سننها فكل أصل صحيح في نفسه يتبع ولا تطرح سنة بسنة (1) .

وقد سبق ذكر هذا دليلا، ونوقش هناك، فأكتفي به عن إعادة مناقشته خشية الإطالة.

وأما النظر: فقال الأبي نقلا عن القاضي عياض: القسامة إنما تكون مع الشبهة القوية على القتل ومع الشبهة صارت اليمين له (2) .

وأما القياس: فقال ابن قدامة: ولأنها أيمان مكررة فيبدأ فيها بأيمان المدعين، كاللعان (3) .

ويمكن أن يقال: بأن هذا قياس مع النص، وهو ما ورد من الأدلة دالا على البدء بالمدعى عليهم بالأيمان. وسيأتي ذكرها.

ويمكن أن يعارض هذا الجواب: بالأدلة الدالة على البدء بالمدعين، وقد مضى الكلام في ذلك من جهة الجمع بين الأدلة المتعارضة ومن جهة الترجيح- فلا نطيل الكلام بإعادتها.

وذهبت طائفة أخرى من أهل العلم إلى أنه يبدأ أولا بالمدعى عليهم، فتوجه إليهم الأيمان.

قال الأبي نقلا عن الإمام مالك رحمه الله: وقال الكوفيون وكثير من البصريين والمدنيين: ويروى عن عمر: أن المبدأ المدعى عليهم (4) .

ثم قال: قلت: واختلف هؤلاء:

(1)[إكمال إكمال المعلم](4\395) .

(2)

[إكمال إكمال المعلم](4\395) .

(3)

[المغني](8\496) .

(4)

[إكمال إكمال المعلم](4\395) .

ص: 159

فقال بعضهم: إن حلفوا برئوا، وقال بعضهم: يحلفون وتكون الدية عليهم.

وقال ابن قدامة: وقال الحسن: يستحلف المدعى عليهم أولا خمسين يمينا، ويبرءون، فإن أبوا أن يحلفوا استحلف خمسون من المدعين أن حقنا قبلكم، ثم يعطون الدية.

وقال أيضا: وقال الشعبي والنخعي والثوري وأصحاب الرأي: يستحلف خمسون رجلا من أهل المحلة التي وجد فيها القتيل: بالله ما قتلناه، ولا علمنا قاتلا، ويغرمون الدية (1) .

وقد استدل أصحاب هذا القول بالسنة والأثر والقياس:

أما السنة: فمن ذلك ما أخرجه البخاري بالسند المتصل قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار. . . . الحديث إلى أن قال لهم:«تأتون بالبينة على من قتله؟ قالوا: ما لنا بينة، قال: فيحلفون، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة (2) » ، وفي رواية أبي قلابة قال:«أترضون نفل خمسين من اليهود مما قتلوه، فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون، قال: أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم، قالوا: ما كنا لنحلف، فوداه من عنده (3) » .

ويمكن أن يجاب عن ذلك بجوابين:

الأول: الجمع، وسبق ذكر ذلك في مناقشة الدليل الأول للقائلين بأنه

(1)[المغني](8\495) .

(2)

صحيح البخاري الديات (6898) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4715) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .

(3)

صحيح البخاري الديات (6899) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671) ، سنن الترمذي الطهارة (72) ، سنن النسائي الطهارة (305) ، سنن أبو داود الحدود (4364) ، سنن ابن ماجه الحدود (2578) ، مسند أحمد بن حنبل (3/163) .

ص: 160

يبدأ بالمدعين.

الثاني: قال القاضي عياض: وما احتج به الآخرون من رواية من روى أنه بدأ بالمدعى عليهم: قال المحدثون هي وهم من راويها (1) .

ويمكن أن يناقش هذان الجوابان بما ذكره ابن رشد: من أن الذين يرون البدء بالمدعى عليهم بالأيمان قالوا: وأحاديثنا هذه أولى من التي تروى فيها تبدئة المدعين بالأيمان؛ لأن الأصل شاهد لأحاديثنا من أن اليمين على المدعى عليه.

ويناقش الجواب الثاني بما ذكره ابن رشد: من أن الأحاديث المتعارضة في ذلك مشهورة (2) .

ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة: بقول الحطاب: الرواية الصحيحة المستفيضة أنه إنما بدأ فيه بالمدعين (3) .

ومنها: ما رواه أبو داود في [سننه] قال: حدثنا الحسن بن محمد الصباح الزعفراني، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار: «زعم أن رجلا من الأنصار يقال له: سهل بن أبي حثمة أخبره: أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا أحدهم قتيلا، فقالوا للذين وجدوه عندهم: قتلتم صاحبنا؟ فقالوا: ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، فانطلقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقال لهم: تأتون بالبينة على من

(1)[إكمال إكمال المعلم](4\ 395)

(2)

[بداية المجتهد](2\ 430)

(3)

[إكمال إكمال المعلم](4\ 395)

ص: 161

قتل هذا؟ قالوا: ما لنا بينة، قال: فيحلفون لكم؟ قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه، فوداه مائة من إبل الصدقة (1) » .

ورد هذا الحديث بقول النسائي: (لا نعلم أحدا تابع سعيد بن عبيد على روايته عن بشير بن يسار) . وبقول مسلم: (رواية سعيد بن عبيد غلط ويحيى بن سعيد أحفظ منه) .

وقال ابن القيم: والصواب: رواية الجماعة- الذين هم أئمة أثبات- أنه بدأ بأيمان المدعين، فلما لم يحلفوا ثنى باليهود، وهذا هو المحفوظ في هذه القصة وما سواه وهم (2) .

ويقول الخطابي في [المعالم] : في الحديث حجة لمن رأى أن اليمين على المدعى عليهم، إلا أن أسانيد الأحاديث المتقدمة أحسن اتصالا وأصح متونا.

وقد روى ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بدأ في اليمين بالمدعين: سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج وسويد بن النعمان (3) .

هذا ويمكن أن تجرى فيه المناقشة التي مضت في الدليل الأول.

ومنها: ما رواه أبو داود في [سننه]، قال: حدثنا الحسن بن علي بن راشد، أنبأنا هشيم عن أبي حيان التيمي، أخبرنا عباية. بن رفاعة، «عن رافع بن خديج قال: أصبح رجل من الأنصار مقتولا بخيبر، فانطلق

(1) صحيح البخاري الديات (6898) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4715) ، سنن أبو داود الديات (4523) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .

(2)

[عون المعبود شرح سنن أبي داود] ومعه [معالم السنن] للخطابي (12\ 249، 250)

(3)

[عون المعبود شرح سنن أبي داود] ومعه [معالم السنن] للخطابي (12\ 254) .

ص: 162

أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: لكم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم؟ قالوا: يا رسول الله، لم يكن ثم أحد من المسلمين، إنما هم اليهود، وقد يجترئون (يجترون) على أعظم من هذا، قال:" فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم"، فاستحلفهم فأبوا، فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده (1) » .

ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأمرين:

أحدهما: ما مضى من المناقشة من جهة المتن والدرجة.

الثاني: أن هذا الحديث في سنن الحسن بن علي بن راشد، وقد رمي بشيء من التدليس، قاله ابن حجر (2) .

ويجاب عن المناقشة الثانية: بأنه جاء في السند: وأخبرنا هشيم، فزالت تهمة التدليس بذلك، وقد حسن ابن التركماني إسناده، فقال: ومنها ما أخرج أبو داود بسند حسن عن رافع بن خديج، وساق الحديث (3) .

ومنها: ما رواه أبو داود في [سننه] قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني، أخبرنا (حدثني) محمد - يعني: ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عبد الرحمن بن بجيد قال: إن سهلا وإن أوهم الحديث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى اليهود: أنه قد وجد بين أظهركم قتيل فدوه فكتبوا يحلفون بالله خمسين يمينا ما قتلناه وما علمنا له قاتلا، قال: فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة (4) » .

ورد هذا الحديث أولا بقول المنذري: في إسناده محمد بن إسحاق

(1) سنن أبو داود الديات (4524) .

(2)

[أضواء البيان](3\ 503)

(3)

[الجوهر النقي على سنن البيهقي] لابن التركماني (8\ 120)

(4)

صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4715) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .

ص: 163

وقد تقدم الكلام فيه، وبقول الإمام الشافعي: فقال قائل: ما منعك أن تأخذ بحديث ابن بجيد؟ قلت: لا أعلم ابن بجيد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن سمع منه فهو مرسل فلسنا وإياك نثبت المرسل، وقد علمت سهلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه وساق الحديث سياقا لا يثبت به الإثبات فأخذت به كما وصفت. انتهى بواسطة المنذري. وفي الإصابة في ترجمة عبد الرحمن بن بجيد قال أبو بكر بن أبي داود: له صحبة، وقال ابن أبي حاتم: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جدته. وقال ابن حبان: يقال له صحبة، ثم ذكره في ثقات التابعين. وقال البغوي: لا أدري له صحبة أم لا.

وقال ابن عمر: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه فيما أحسب وفي صحبته نظر؛ لأنه روى فمنهم من يقول: إن حديثه مرسل وكان يذكر بالعلم انتهى (1) .

ويجاب ثانيا بما أجيب به عن الحديث الأول من هذه الأدلة.

ومنها ما رواه أبو داود في [سننه] قال: حدثنا الحسن بن علي، أخبرنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال (رجل) من الأنصار: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود - وبدأ بهم-: يحلف منكم خمسون رجلا فأبوا، فقال للأنصار استحقوا (2) . فقالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله؟ فجعلها رسول الله

(1)[عون المعبود شرح سنن أبي داود](12\ 252)

(2)

سنن أبو داود الديات (4526) .

ص: 164

دية على يهود؛ لأنه وجد بين أظهرهم» .

ورد هذا الحديث بقول المنذري: قال بعضهم: وهذا حديث ضعيف لا يلتفت إليه، وقد قيل للإمام الشافعي رضي الله عنه: ما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب؟ فقال: مرسل والقتيل أنصاري والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم به من غيرهم، إذ كان كل ثقة وكل عندنا بنعمة الله ثقة. قال البيهقي رضي الله عنه: وأظنه أراد بحديث الزهري ما روى عنه معمر عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار، وذكر هذا الحديث (1) .

وقال ابن القيم: وهذا الحديث له علة، وهي: أن معمرا انفرد به عن الزهري وخالفه ابن جريج وغيره، فرووه عن الزهري، بهذا الإسناد بعينه عن أبي سلمة وسليمان عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى فيها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود) . ذكره البيهقي.

وفي قول الشافعي: إن حديث ابن شهاب مرسل نظر، والرجال من الأنصار لا يمتنع أن يكونوا صحابة، فإن أبا سلمة وسليمان كل منهما من التابعين قد لقي جماعة من الصحابة، إلا أن الحديث غير مجزوم باتصاله لاحتمال كون الأنصاريين من التابعين (2) .

وأجيب عن هذا: بقول ابن رشد عند ذكره لهذا الحديث بسنده هذا، قال: وهو حديث صحيح الإسناد؛ لأنه رواه الثقات عن الزهري عن أبي سلمة (3) .

(1)[عون المعبود شرح سنن أبي داود](12\ 254، 255)

(2)

[عون المعبود شرح سنن أبي داود](12\ 253، 254)

(3)

[بداية المجتهد](2\ 430)

ص: 165

ويناقش بما سبق من أن جميع الروايات التي فيها البدء بالمدعى عليهم قال المحدثون: هي وهم من راويها.

ومنها: ما رواه مسلم في [صحيحه] : «ولكن اليمين على المدعى عليه (1) » وفي لفظ: «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه (2) » رواه الشافعي في مسنده.

وقد أجاب ابن قدامة عن الاستدلال بهذا الحديث: فقال: اليمين على المدعى عليه لم ترد به هذه القضية؛ لأنه يدل على أن الناس لا يعطون بدعواهم، هاهنا قد أعطوا بدعواهم على أن حديثنا أخص منه، فيجب تقديمه، ثم هو حجة عليهم؛ لكون المدعين أعطوا بمجرد دعواهم من غير بينة ولا يمين منهم، وقد رواه ابن عبد البر بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، إلا في القسامة» وهذه الزيادة يتعين العمل بها؛ لأن الزيادة من الثقة مقبولة (3) . وأجاب الخطابي أيضا، فقال: وأما عن الحديثين الآخرين: حديث «شاهداك أو يمينه (4) » ، «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر (5) » - فإن القسامة أصل في نفسها شرع الحكم بها لتعذر إقامة البينة حينئذ؛ لأن القاتل في الغالب إنما يقصد الخلوة والغيلة بخلاف سائر الحقوق.

وأيضا فإنها لم تخرج عن ذلك الأصل؛ لأنه إنما كان القول قول المدعى عليه في تلك الحقوق؛ لقوة جنبته بشهادة الأصل وهو أن الأصل

(1) صحيح البخاري الرهن (2514) ، صحيح مسلم الأقضية (1711) ، سنن الترمذي الأحكام (1342) ، سنن النسائي آداب القضاة (5425) ، سنن أبو داود الأقضية (3619) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2321) ، مسند أحمد بن حنبل (1/363) .

(2)

سنن الترمذي الأحكام (1341) .

(3)

[المغني](8\ 396)

(4)

صحيح البخاري الرهن (2516) .

(5)

صحيح البخاري تفسير القرآن (4552) ، صحيح مسلم الأقضية (1711) ، سنن النسائي آداب القضاة (5425) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2321) .

ص: 166

براءة الذمة، وهذا المعنى موجود هنا، فإنا لم نجعل القول قول المدعي إلا لقوة جنبته باللوث الذي يشهد بصدقه، فقد أهملنا ذلك الأصل ولم نطرحه بالكلية (1) .

وأما الأثر: فقال ابن رشد: واحتج هؤلاء القوم على مالك بما روي عن ابن شهاب الزهري عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك: أن عمر بن الخطاب قال للجهني الذي ادعى دم وليه على رجل من بني سعد، وكان أجرى فرسه فوطئ على إصبع الجهني فنزي فيها فمات، فقال عمر للذي ادعى عليهم: أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها؟ فأبوا أن يحلفوا وتحرجوا، فقال للمدعين: احلفوا فأبوا، فقضى عليهم بشطر الدية (2) .

ويمكن أن يجاب عن هذا: بأنه أثر، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة تقديم المدعين، فلا تعارض الأحاديث الصحيحة بالآثار.

وهناك آثار لا تخلو من مقال تركنا ذكرها اختصارا، ومن أراد الرجوع إليها فعليه بمراجعة:[نصب الراية] و [الدراية] و [تلخيص الحبير] و [شرح ابن القيم لسنن أبي داود] .

وأما القياس: فقال ابن الهمام: ولأن اليمين حجة في الدفع لا الاستحقاق وحاجة الولي إلى الاستحقاق؛ ولهذا لا يستحق بيمينه المال المبتذل فأولى ألا يستحق النفس المحترمة (3) .

(1)[إكمال إكمال المعلم](4\ 395)

(2)

[بداية المجتهد](2\ 430) .

(3)

[فتح القدير](8\ 385)

ص: 167