المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية: - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌حكم تشريح جثة المسلم

- ‌الموضوع الأول: بيان حرمة المسلم ووجوب تكريمه حيا أو ميتا

- ‌الموضوع الثاني: بيان أقسام التشريح والضرورة الداعية إلى كل منها

- ‌تمهيد:

- ‌المسألة الأولى: ضرب أو رمي من تترس به الكفار من أسارى المسلمين

- ‌المسألة الثانية: شق بطن امرأة ماتت وفي بطنها ولد علم أنه حي:

- ‌المسألة الثالثة: أكل المضطر لحم آدمي ميت إذا لم يجد شيئا غيره:

- ‌المسألة الرابعة: إلقاء أحد ركاب سفينة خشي عليها العطب فيلقى أحدهم في البحر

- ‌ فتوى في جواز نقل عيون الموتى لترقيع قرنية الأحياء:

- ‌الموضوع الرابع: المقارنة بين المصالح التي بني عليها تشريح جثث الآدمي والمصالح التي بني عليها فقهاء الإسلام الاستثناء من قاعدة عصمة دماء بني آدم

- ‌القسامة

- ‌المراد بالقسامة في اللغة:

- ‌المراد بالقسامة عند الفقهاء:

- ‌ بيان مستند من عمل بالقسامة ومستند من لم يعمل بها

- ‌اختلاف العلماء فيها:

- ‌الصورة الأولى: التدمية

- ‌الصورة الثانية: شهادة بينة غير قاطعة على معاينة القتل:

- ‌الصورة الثالثة: شهادة عدلين بجرح، وعدل بالقتل:

- ‌الصورة الرابعة: وجود المتهم بقرب القتيل أو آتيا من جهته ومعه آلة القتل أو عليه أثره:

- ‌الصورة الخامسة: قتيل الصفين:

- ‌الصورة السادسة: قتيل الزحام:

- ‌الصورة السابعة: وجود قتيل في محلة:

- ‌تحرير محل النزاع في اللوث مع بيان منشأ الخلاف:

- ‌ من يحلف من المدعين:

- ‌ من يحلف من المدعى عليهم:

- ‌هدي التمتع والقران

- ‌أولا: ابتداء وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة

- ‌ثانيا: نهاية وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة:

- ‌ثالثا: ذبح الهدي ليلا مع الأدلة والمناقشة:

- ‌رابعا: مكان ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة:

- ‌خامسا: حكم الاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سادسا: علاج مشكلة اللحوم في منى:

- ‌وجهة نظرلصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع

- ‌حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد

- ‌المسألة الأولى: حكم رمي جمرة العقبة ليلة العيد

- ‌القول الأول: اختلف العلماء متى يبتدئ وقت رميها:

- ‌القول الثاني: لا يجوز رميها قبل طلوع الفجر، ومن رماها قبل طلوع الفجر أعادها

- ‌القول الثالث: أن أول وقته للضعفة من طلوع الفجر ولغيرهم من بعد طلوع الشمس

- ‌المسألة الثانية: حكم رمي جمرة العقبة ليلة النفر

- ‌المذهب الأول: إن غربت الشمس يوم النحر وهو لم يرم جمرة العقبة فإنه يرميها

- ‌المذهب الثاني: إذا غربت الشمس من يوم النحر وهو لم يرم جمرة العقبة فلا يرميها إلا من الغد بعد الزوال

- ‌المسألة الثالثة: حكم تقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة:

- ‌المذهب الأولى: لا يجوز تقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة

- ‌المذهب الثاني: يجوز رمي الجمار في هذه الأيام الثلاثة قبل الزوال مطلقا:

- ‌المذهب الثالث: مذهب أبي حنيفة، وفيه تفصيل

- ‌المسألة الرابعة: حكم رمي الجمار في ليلتي اليوم الثاني عشر والثالث عشر عن اليوم الذي قبلها:

- ‌المسألة الخامسة: أدلة الترخيص للرعاة في الرمي:

- ‌مصادر البحث وملحقاته

- ‌الطلاق المعلق

- ‌أولا: ما ورد عن الصحابة والتابعين من الآثار:

- ‌ثانيا: أقوال فقهاء المذاهب الأربعة:

- ‌ مذهب الحنفية:

- ‌ مذهب المالكية:

- ‌ مذهب الشافعية:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌وجهة نظر

- ‌تحديد المهور

- ‌أولا: مهر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌ثانيا: من عرف مهرها من سائر زوجات أصحابه رضي الله عنهم:

- ‌ثالثا: هل وجد في نصوص الشريعة حد للمهور:

- ‌رابعا: قصة عمر مع من أنكرت عليه حديثه في تقليل المهور:

- ‌خامسا: ما الفرق بين تحديد أسعار الأعيان والمنافع وتحديد المهور:

- ‌سادسا: مبررات التحديد ومضار عدمه:

- ‌سابعا: هل تحديد المهور علاج واقعي ناجح وإن لم يكن فما العلاج:

- ‌وجهة نظر

- ‌تحديد النسل

- ‌ الترغيب في النكاح وبيان مقاصده:

- ‌ الفرق بين منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل

- ‌ بواعث منع الحمل وتحديد النسل مع المناقشة:

- ‌ وسائل تحديد النسل وبيان مضارها:

- ‌ الحكم مع الدليل:

- ‌حكم التسعير

- ‌معنى التسعير:

- ‌المسألة الأولى: أن يحد لأهل السوق حد لا يتجاوزونه:

- ‌المسألة الثانية: من أراد أن يزيد عن سعر الناس أو ينقص هل يلزم بأن يبيع كالناس

- ‌المسألة الثالثة: في بيان من يختص به ذلك من البائعين القائلين بالتسعير:

- ‌المسألة الرابعة: بيان ما يدخله التسعير من المبيعات وهل يجوز تحديد أجور العقارات

- ‌الخلاصة

- ‌حكم الذبائح المستوردة

- ‌أولا: تمهيد يعتبر مدخلا إلى بحث الموضوع

- ‌ثانيا: ذكر طريقة الذبح الشرعية، وما صدر من فتاوى في الذبائح المستوردة:

- ‌الصفة المشروعة في الذبح والنحر

- ‌فصل في طعام الوثنيين ونكاح نسائهم:

- ‌مذهب الحنفية في ذبائح أهل الكتاب:

- ‌حكم ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية:

- ‌مذهب الشافعي في طعام أهل الكتاب:

- ‌مذهب أحمد وأصحابه في طعام أهل الكتاب والتسمية على الذبيحة:

- ‌صفوة الخلاف بين الفقهاء والمختار منه في طعام أهل الكتاب

- ‌بعض ما صدر في الموضوع من فتاوى:

- ‌ثالثا: ذكر ما ورد إلى هذه الرئاسة عن كيفية تذكية الحيوانات المستوردة من بلاد الكفار إلى المملكة العربية السعودية:

- ‌خامسا: حل مشكلة اللحوم المستوردة:

الفصل: ‌حكم ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية:

والله ولي الإنعام، والحمد لله على دين الإسلام، والصلاة والسلام، على محمد سيد الأنام.

وقال العلامة قاسم في [رسائله] : قال الإمام: ومن دان دين اليهود والنصارى من الصابئة والسامرة أكل ذبيحته، وحل نساؤه، وحكي عن عمر رضي الله عنه: أنه كتب إليهم فيهم أو في أحدهم، فكتب مثل ما قلنا، فإذا كانوا يعترفون باليهودية والنصرانية فقد علمنا أن النصارى فرق، فلا يجوز إذا اجتمعت النصرانية بينهم أن تزعم أن بعضهم تحل ذبيحته ونساؤه، وبعضهم يحرم - إلا بخبر ملزم، ولا نعلم في هذا خبرا، فمن جمعته اليهودية والنصرانية فحكمه واحد، اهـ بحروفه، اهـ ما في [تنقيح الفتاوى الحامدية] بحروفه، وبهذه الفتوى أيد بعض علماء الأزهر الفتوى الترنسفالية للأستاذ الإمام.

ص: 623

‌حكم ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية:

ذكر الشيخ محمد بيرم الخامس الفقيه الحنفي في كتابه [صفوة الاعتبار] مبحثا طويلا في ذبائح أهل أوربة، ونقل عن علماء مذهبه: أن ذبائح أهل الكتاب حلال مطلقا، وجاء بتفصيل أنواع المأكول في أوربة، ثم قال ما نصه:(وأما مسألة الخنق فإن كان لمجرد شك فلا تأثير له كما تقدم، وإن كان لتحقق فلم أر حكم المسألة مصرحا به عندنا، وقياسها على تحقيق تسمية غير الله أنها محرمة عند الحنفية، وأما عند من يرى الحل في مسألة التسمية كما هو مذهب جمع عظيم من الصحابة والتابعين والأئمة والمجتهدين، فالقياس عليها يفيد الحلية حيث خصصوا بآية: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (1) وآية: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (2) الآية.

(1) سورة المائدة الآية 5

(2)

سورة الأنعام الآية 121

ص: 623

{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1) وكذلك تكون مخصصة لآية المنخنقة، ويكون حكم الآيتين خاصا بفعل المسلمين والإباحة في طعام أهل الكتاب إذ لا فرق بين ما أهل لغير الله وما خنق، فإذا أبيح الأول فيما يفعله أهل الكتاب كذلك الثاني، وقد كنت رأيت رسالة لأحد أفاضل المالكية نص فيها على الحل وجلب النصوص من مذاهبه بما يثلج به الصدر السليم إذا كان عمل الخنق عندهم من قبيل الذكاة كما أخبر كثير من علمائهم، وأن المقصود التوصيل إلى قتل الحيوان بأسهل قتلة للتوصل إلى أكله بدون فرق بين طاهر ونجس، مستندين في ذلك لقول الإنجيل، على زعمهم، فلا مرية في الحلية على هاته المذاهب، فإن قلت: كيف يسوغ تقليد الحنفي لغير مذهبه؟

قلت: أما إن كان المقلد من أهل النظر وقلد الحنفي عن ترجيح برهان، فهذا ربما يقال: إنه لا يسوغ له ذلك - أي: إلا أن يظهر له ترجيح دليل الحل ثانيا - وأما إن كان من أهل التقليد البحت - كما هو في أهل زماننا - فقد نصوا على أن جميع الأئمة بالنسبة إليه سواء، والعامي لا مذهب له، إنما مذهبه مذهب مفتيه، وقوله: أنا حنفي أو مالكي، كقول الجاهل: أنا نحوي، لا يحصل منه سوى مجرد الاسم، فبأي العلماء اقتدى فهو ناج على أن الكلام وراء ذلك، فقد نصوا على الجواز والوقوع بالفعل في تقليد المجتهد لغيره، والكلام مبسوط في ذلك في كثير من كتب الفقه، وقد حرر البحث أبو السعود في [شرح الأربعين حديثا النووية] وألف في ذلك رسالة عبد الرحيم المكي، فليراجعهما من أراد الوقوف على التفصيل.

فإن قيل: قد ذكرت أن الخنزير محرم وهو من طعامهم، فلماذا لا يجعل مخصصا بالحلية بهذه الآية - أي: آية طعامهم - وإذا جعلت آية تحريمه

(1) سورة المائدة الآية 3

ص: 624

محكمة غير منسوخة، فكذلك تكون المخنقة، ولماذا تقيسها على مسألة التسمية ولا تقيسها على مسألة الخنزير وأي مرجح لذلك؟

فالجواب: أن المأكولات منها ما حرم لعينه ومنها ما حرم لغيره، فالخنزير وما شاكله من الحيوانات محرمة لعينها ولهذا تبقى على تحريمها في جميع أطوارها وحالاتها، وأما متروك التسمية أو ما أهل به لغير الله والمنخنقة فإن التحريم أتى فيه لعارض وهو ذلك الفعل، ثم أتى نص آخر عام في طعام أهل الكتاب وأنه حلال فأخرج منه محرم العين ضرورة وبالإجماع أيضا وبقي المحرم لغيره.

وهو مسألتان:

إحداهما: مسألة التسمية.

والثانية: مسألة المنخنقة.

فبقينا في محل الشك لتجاذب كل من نص التحريم والإباحة لهما، فوجدنا إحداهما وهي مسألة التسمية وقع الخلاف فيها بين المجتهدين من الصحابة وغيرهم، وذهب جمع عظيم منهم إلى الإباحة، وبقيت مسألة المنخنقة التي يتخذها أهل الكتاب طعاما لهم مسكوتا عنها فكان قياسها على مسألة التسمية هو المتعين لاتحاد العلة، وأما قياسها على مسألة الخنزير فهو قياس مع الفارق فلا يصح إذا؛ لأن شرط القياس المساواة، وإنما أطلنا الكلام في هذا المجال؛ لأنه مهم في هذا الزمان وكلام الناس فيه كثير، والله يؤيد الحق وهو يهدي السبيل. اهـ.

مذهب المالكية في طعام أهل الكتاب:

جاء في كتاب الذبائح من [المدونة] ما نصه:

ص: 625

قلت: أفتحل لنا ذبائح نساء أهل الكتاب وصبيانهم؟

قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، ولكن إذا حل ذبائح رجالهم فلا بأس بذبائح نسائهم وصبيانهم إذا أطاقوا الذبح.

قلت: أرأيت ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم أيؤكل؟

قال: قال مالك: أكرهه ولا أحرمه. وتأول مالك فيه {رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ} (1) وكان يكرهه من غير أن يحرمه.

قلت: أرأيت ما ذبحت اليهود من الغنم فأصابوه فاسدا عندهم لا يستحلونه لأجل الرئة وما أشبهها التي يحرمونها في دينهم أيحل أكله للمسلمين؟ .

قال: كان مالك يجيزه فيما بلغني. اهـ.

[والمدونة] عند المالكية أصل المذهب فهي كالأم عند الشافعية.

وجاء في كتاب [أحكام القرآن] للإمام عبد المنعم بن الفرس الخرزجي الأندلسي (المتوفى سنة 599 هـ) ما نصه {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (2) فلا خلاف في أنها حلال لنا.

وأما سائر أطعمتهم مما يمكن استعمال النجاسات فيه كالخمر والخنزير فاختلف فيه:

فذهب الأكثرون إلى أن ذلك من أطعمتهم.

وذهب ابن عباس إلى أن الطعام الذي أحل لنا ذبائحهم، فأما ما خيف منهم استعمال النجاسة فيه فيجب اجتنابه.

وإذا قلنا: إن الطعام يتناول ذبائحهم باتفاق فهل يحمل لفظه على

(1) سورة الأنعام الآية 145

(2)

سورة المائدة الآية 5

ص: 626

عمومه أم لا؟

فالأكثر إلى أن حمل لفظ الطعام على عمومه في كل ما ذبحوه مما أحل الله لهم أو حرم الله عليهم أو حرموه على أنفسهم، وإلى نحو هذا ذهب ابن وهب وابن عبد الحكم، وذهب قوم إلى أن المراد من ذبائحهم: ما أحل الله خاصة، وأما ما حرم الله عليهم بأي وجه كان فلا يجوز لنا، وهذا هو المشهور من مذهب ابن القاسم، وذهب قوم إلى أن المراد بلفظ الطعام: ذبائحهم جميعا إلا ما حرم الله عليهم خاصة لا ما حرموه على أنفسهم، وإلى نحو هذا ذهب أشهب.

والذين قالوا: إن الله يجوز لنا أكل ما لا يجوز لهم أكله، اختلفوا هل ذلك على جهة المنع أو الكراهة؟

وهذا الخلاف كله موجود في المذهب.

واختلف أيضا فيما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم وسموا عليه اسم المسيح هل هو داخل تحت الإباحة أم لا؟

فذهب أشهب إلى أن الآية متضمنة تحليلا وأن أكله جائز، وكره مالك رحمه الله، وتأول قوله تعالى:{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1) على ذلك، والذين أوتوا الكتاب اختلف العلماء في الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى من هم؟ وقد اختلف في المجوس والصابئة والسامرة هل هم ممن أوتي كتابا أم لا؟ وعلى هذا يختلف في ذبائحهم ومناكحتهم. اهـ ملخصا.

(1) سورة الأنعام الآية 145

ص: 627

وفي كتاب [أحكام القرآن] للقاضي أبي بكر بن العربي المالكي في تفسير هذه الآية أيضا ما نصه: هذا دليل قاطع على أن الصيد: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (1) من الطيبات التي أباحها الله وهو الحلال المطلق، وإنما كرره الله تعالى ليرفع به الشكوك ويزيل الاعتراضات عن الخواطر الفاسدة التي توجب الاعتراضات وتخرج إلى تطويل القول، ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها هل تؤكل معه أو تؤخذ منه طعاما - وهي المسألة الثامنة - فقلت: تؤكل؛ لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا، ولكن الله أباح لنا طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا إلا ما كذبهم الله فيه، لقد قال علماؤنا: إنهم يعطوننا نسائهم أزواجا فيحل لنا وطؤهن، فكيف لا تؤكل ذبائحهم، والأكل دون الوطء في الحل والحرمة. اهـ.

وفيما قاله القاضي نوع من التقييد والتشديد إذا اعتبر في طعامهم ما يأكله أحبارهم ورهبانهم، وهذا ما اعتمده الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، مفتي مصر في فتواه الترنسيفالية.

وقد أفتى المهدي الوزاني من علماء فاس بما أفتى به مفتي مصر، ولما علم بمشاغبة أهل الأهواء في فتوى مفتي مصر، كتب رسالة تأييد الفتوى بنصوص كتب المالكية المعتبرة نشرناها في آخر جزء من مجلد [المنار] السادس، ومنها قوله: ج: والدليل على صحة ما قاله الإمام ابن العربي ما ذكره العلماء فيما ذبحه أهل الكتاب للصنم فإنه حرام مع المنخنقة وما عطف عليها، وقيدوه بما لم يأكلوه وإلا كان حلالا لنا، قال الشيخ بناني على قول [المختصر] :(وذبح لصنم) ما نصه: الظاهر أن المراد

(1) سورة المائدة الآية 5

ص: 628

بالصنم كل ما عبدوه من دون الله سبحانه وتعالى، بحيث يشمل الصنم والصليب وغيرهما، وأن هذا شرط في أكل ذبيحة الكتابي، كما في التتائي والزرقاني، وهو الذي ذكره أبو الحسن رحمه الله في [شرح المدونة] وصرح به ابن رشد في سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح، ونصه: كره مالك رحمه الله ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم وأعيادهم؛ لأنه رآه مضاهيا لقوله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1) ولم يحرمه إذ لم ير الآية متناولة، وإنما رآها مضاهية له؛ لأن الآية عنده إنما معناها فيما ذبحوا لآلهتهم مما لا يأكلون. وقال: وقد مضى هذا المعنى في سماع عبد الملك. اهـ.

وقال في سماع عبد الملك عن أشهب: وسأله عما ذبح للكنائس قال: لا بأس بأكله. قال ابن رشد: كره مالك في [المدونة] أكل ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم، ووجه قول أشهب: ما ذبحوا لكنائسهم لما يأكلونه وجب أن تكون حلالا لنا؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (2) وإنما تأول قول الله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (3) فيما ذبحوه لآلهتهم مما يتقربون به إليها ولا يأكلونه، فهذا حرام علينا بدليل الآيتين جميعا. اهـ.

فتبين أن ذبح أهل الكتاب إذا قصدوا به التقرب لآلهتهم فلا يؤكل؛ لأنهم لا يأكلونه فهو ليس طعامهم ولم يقصدوا بالذكاة إباحته، وهذا هو المراد هنا، وأما ما يأتي من الكراهة في ذبح الصليب فالمراد به: ما ذبحوه

(1) سورة الأنعام الآية 145

(2)

سورة المائدة الآية 5

(3)

سورة الأنعام الآية 145

ص: 629

لأنفسهم لكن سموا عليه آلهتهم فهذا يؤكل بكره؛ لأنه من طعامهم: هذا الغرض من كلام بناني وسلمة الرهوني بسكوته عنه فهذا شاهد لابن العربي قطعا؛ لأنه علق جواز الأكل على كونه من طعامهم والمنع منه على ضد ذلك، وأيضا ليس كل ما يحرم في ذكاتنا يحرم أكله في ذكاتهم، كمتروك التذكية عمدا، فإنها لا تؤكل بذبيحتنا، وتؤكل بذبيحتهم حسبما تقدم، فإذا المدار على كونها من طعامهم لا غير، والله أعلم. اهـ. المراد ما كتبه المفتي الوازني.

وقد أطال علماء الأزهر في [إرشاد الأمة الإسلامية إلى أقوال الأئمة في الفتوى الترنسفالية] القول في مذهب المالكية في طعام أهل الكتاب، وفصلوه في بضعة فصول، الفصل السابع منها في بيان أن ما أفتى به ابن العربي (أي: من حل ما خنقه أهل الكتاب بقصد التذكية لأكله) هو مذهب المالكية قاطبة، والفصل الثامن في رد الرهوني برأيه عليه، والتاسع في تفنيد كلام الرهوني وبيان بطلانه، قالوا في أول الفصل السابع ما نصه: (اعلم أنه أقر ابن العربي على ما أفتى به الوزاني وصاحب المعيار وأحمد بابا وابن عبد السلام وابن عرفة وغيرهم من محققي المالكية كالزياتي، وقال: وكفى بهم حجة وإن رده الرهوني بالأقيسة وما توهمه ابن عبد السلام من التناقض بين كلامي ابن العربي في [أحكام القرآن] من قوله: ما أكلوه على غيره وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس ميتة حرام، وقوله: أفتيت بأن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها تؤكل؛ لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه وإن لم تكن ذكاة عندنا؛ لأن الله أباح طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم فهو حلال لنا إلا ما كذبهم الله فيه، دفعه ابن عرفة بما حاصله: أن

ص: 630

ما يرونه مذكى عندهم حل لنا أكله، وإن لم تكن ذكاته عندنا ذكاة، وما لا يرونه مذكى لا يحل، ويرجع إلى قصد تذكيته لتحليله وعدمه، كما يعلم ذلك من التتائي على المختصر عند قول المصنف، أو مجوسيا تنصر وذبح لنفسه إلخ، ولم يفهم من عبارة أحد من هؤلاء المحققين أن ما أفتى به ابن العربي مذهب له وحده، بل كل واحد وافقه على أنه مذهب المالكية.

وبيان ذلك: أن مذهب المالكية جميعا العمل بعموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (1) فكل ما كان من طعامهم فهو حل لنا، سواء كان يحل لنا باعتبار شريعتنا أو لا، فالمعتبر في حل طعامهم ما هو حلال لهم في شريعتهم، ولا يعتبر ذلك بشريعتنا، ويدل لذلك النصوص والتعاليل الآتية وهو: ما جرى عليه مالك وأصحابه فيما ذبحوه للصليب أو لعيسى أو لكنائسهم، قال الزياتي في شرح القصيدة: الرابع: لما ذبح للصليب أو لعيسى أو كنائسهم يكره أكله، بهرام عن ابن القاسم: وما ذبحوه وما سموا عليه باسم المسيح فهو بمنزلة ما ذبحوه لكنائسهم، وكذلك ما ذبحوه للصليب، وقال سحنون وابن لبابة: هو حرام؛ لأنه مما أهل لغير الله به، وذهب ابن وهب للجواز من غير كراهة. اهـ. وفي القلشاني: أن أشهب يرى أيضا الكراهة فيما ذبح للمسيح كابن القاسم، وقال: يباح أكله، وقد أباح الله ذبائحهم لنا وقد علم ما يفعلونه. وذكر القلشاني أيضا فيما ذبحوه لكنائسهم ثلاثة أقوال: التحريم، والكراهة، والإباحة، وأن مذهب [المدونة] الكراهة، ونقل المواق عن مالك كراهة ما ذبح لجبريل عليه السلام. اهـ.

وفي [منح الجليل] عن الرماصي: أجاز مالك رضي الله عنه [المدونة]

(1) سورة المائدة الآية 5

ص: 631

أكل ما ذكر عليه اسم المسيح مع الكراهة، والإباحة لابن حارث عن رواية ابن القاسم، مع رواية أشهب، وعنه: أباح الله لنا ذبائحهم وعلم ما يفعلون. اهـ.

وسيقول المصنف فيما يكره: وذبح لصليب أو عيسى وليس تحريم المذبوح للصنم؛ قال التونسي: وقال ابن عطية في قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (1) ذبائح أهل الكتاب عند جمهور العلماء في حكم ما ذكر اسم الله عليه من حيث لهم دين وشرع، وقال قوم - نسخ من هذه الآية حل ذبائح أهل الكتاب، قاله عكرمة والحسن بن أبي الحسن، وقال في قوله تعالى:{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (2) قال ابن عباس وغيره رضي الله عنهم: المراد: ما ذبح للأصنام والأوثان أهل معناه: صيح، وجرت عادة العرب بالصياح باسم المقصود بالذبيحة وغلب في استعمالهم حتى عبر به عن النية التي هي علة التحريم، ثم قال: والحاصل: أن ذكر اسم غير الله لا يوجب عن مالك، وفيه عن البناني، وصرح ابن رشد في سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح، ونصه: كره مالك ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم وأعيادهم؛ لأنه رآه مضاهيا لقول الله عز وجل: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (3) ولم يحرمه إذ لم ير الآية متناولة له، وإنما رآها مضاهية؛ لأنها عنده إنما معناها فيما ذبحوه لآلهتهم مما لا يأكلونه، قال: وقد مضى هذا المعنى في سماع عبد الملك من كتاب [الضحايا]، وقال في سماع عبد الملك من أشهب وسألته عما ذبح للكنائس قال: لا بأس بأكله، قال ابن رشد: كره مالك في [المدونة] أكل ما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم، ووجه قول أشهب: أن ما ذبحوه لكنائسهم لما كانوا يأكلونه

(1) سورة الأنعام الآية 121

(2)

سورة المائدة الآية 3

(3)

سورة الأنعام الآية 145

ص: 632

وجب أن يكون حلالا؛ لأن الله قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (1) فيما ذبحوه لآلهتهم مما يتقربون به إليها ولا يأكلونه - فهذا حرام علينا بدليل الآيتين جميعا. اهـ. فتبين أن ذبح أهل الكتاب إن قصدوا به التقرب لآلهتهم فلا يؤكل؛ لأنهم لا يأكلونه فهو ليس من طعامهم ولم يقصدوا بذكاته إباحة، وهذا هو المراد هنا، وأما ما يأتي من المكروه في ذبح الصليب إلخ، فالمراد به: ما ذبحوه لأنفسهم، وسموا عليه باسم آلهتهم فهذا يؤكل بكره؛ لأنه من طعامهم. اهـ. (2)

وذكر العلامة التتائي عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء وأبي أمامة: جواز أكل ما ذبح للصنم. اهـ. وأنت لا يذهب عليك أن (ما) ذبح للصنم مما أهل به لغير الله، وإنما جوزه هؤلاء الصحابة الأجلاء لكونه من طعام أهل الكتاب، تأمله، وقال العلامة التتائي عند قول المصنف:(وذبح لصليب أو لعيسى) أي: يكره أكل مذبوح لأجله، قال محمد وابن حبيب: هو مما أهل به لغير الله، وما ترك مالك العزيمة بتحريمه فيما ظننا إلا للآية الأخرى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (3) فأحل الله تعالى لنا طعامهم وهو يعلم ما يفعلونه وترك ذلك أفضل، وقال محمد أيضا: كره مالك ما ذبحوه للكنائس أو لعيسى أو للصليب أو ما مضى من أحبارهم أو لجبريل أو لأعيادهم من غير تحريم. اهـ. ووجه الكراهة قصدهم به تعظيم شركهم مع قصد الذكاة. اهـ. منه بلفظ، وفي بهرام: وذهب ابن وهب إلى جواز

(1) سورة المائدة الآية 5

(2)

(شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل) (1\569، 570

(3)

سورة المائدة الآية 5

ص: 633

أكل ما ذبح للصليب أو غيره من غير كراهة نظرا إلى أنه من طعامهم. اهـ.

وقال في [منح الجليل] عند كراهة شحم اليهودي عن البناني ثلاثة أقوال: في شحم اليهود: الإجازة، والكراهة، والمنع، وأنها ترجع إلى قولين: المنع، والإجازة؛ لأن الكراهة من قبيل الإجازة، قال: والأصل في هذا: اختلافهم في تأويل قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (1) هل المراد بذلك: ذبائحهم أو ما يأكلون؟ فمن ذهب إلى أن المراد به ذبائحهم أجاز أكل شحومهم؛ لأنها من ذبائحهم، ومحال أن تقع الذكاة على بعض الشاة مثلا دون بعض، ومن قال: المراد: ما يأكلون، لم يجز أكل شحومهم؛ لأن الله تعالى حرمها عليهم في التوراة على ما أخبر به في القرآن، فليست مما يأكلون. (2) .

وفي [منح الجليل] أيضا بعد الكلام على التسمية ما نصه:

وقال في [البيان] : ليست التسمية شرط في صحة الذكاة؛ لأن قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (3) معناه: لا تأكلوا الميتة التي لم يقصد إلى ذكاتها؛ لأنها فسق، ومعنى قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (4) كلوا مما قصدتم إلى ذكاته، فكنى عز وجل عن التذكية بالتسمية، كما كنى عن رمي الجمار بذكره تعالى حيث يقول:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (5) اهـ. المقصود منه (6) .

وقال في [كبير الخرشي] : ودخل في قول المؤلف (يناكح) أي: يحل

(1) سورة المائدة الآية 5

(2)

[شرح منح الجليل](1 \ 572) .

(3)

سورة الأنعام الآية 121

(4)

سورة الأنعام الآية 118

(5)

سورة البقرة الآية 203

(6)

[شرح منح الجليل](1 \ 580) .

ص: 634

لنا وطء نسائه في الجملة: المسلم والكتابي، معاهدا أو حربيا، حرا أو عبدا، ذكرا أو أنثى، ولا فرق بين الكتابي الآن ومن تقدم، خلافا للطرطوشي في اختصاصه بمن تقدم فإن هؤلاء قد بدلوا فلا نأمن أن تكون الذكاة مما بدلوا، ورد بأن ذلك لا يعلم إلا منهم فهم مصدقون فيه. اهـ. ومثله في التتائي بلا فرق.

وقال في [شرح اللمع] عند قول المصنف: وأما من يذكي فمن اجتمعت فيه أربعة شروط: أن يكون مسلما أو كتابيا إلخ: واعلم أن المؤلف قد أطلق الكلام على صحة ذكاة الكتابي، ولا بد من التفصيل في ذلك ليصير كلامه موافقا للمشهور من المذهب، وتلخيص القول في ذلك أن الكافر إن كان غير كتابي لم تصح ذكاته، وإن كان كتابيا كاليهودي والنصراني، سواء كان بالغا أو مميزا، ذكر أو أنثى، ذميا كان أو حربيا، فإن كان ما ذكاه مما يستحل أكله فذكاته له صحيحة، ويجوز لنا الأكل منها، وإن كان مالك قد كره الشراء من ذبائحهم، والأصل في ذلك: أن الله تعالى قد أباح لنا أكل طعامهم، ومن جملة طعامهم ما يذكونه، وإن كان ما ذكاه مما لا يستحله، بل مما يقول: إنه حرام عليه، فإن ثبت تحريمه عليه بنص شريعتنا كذي الظفر في قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} (1) فالمشهور: عدم جواز أكله، وقيل: يجوز، وقيل: يكره، وإن لم يثبت تحريمه عليهم بشرعنا، بل لم يعرف ذلك إلا من قولهم كالتي يسمونها بالطريلة (بالطاء المهملة) ففي جواز أكلنا منه وكراهته

(1) سورة الأنعام الآية 146

ص: 635

قولان وهما لمالك في [المدونة]، وقال اللخمي: ثبت على الكراهة ولم يحرمه، واقتصر الشيخ خليل في [مختصره] على القول بالكراهة، وجهه ابن بشير باحتمال صدق قولهم، وهذا كله إذا كان الكتابي لا يستبيح أكل الميتة، وأما إن كان ممن يستحل أكلها، فقال ابن بشير: فإن غاب الكتابي على ذبيحته، فإن علمنا أنهم يستحلون الميتة كبعض النصارى أو شككنا في ذلك - لن نأكل ما غابوا عليه، وإن علمنا أنهم يذكون أكلناه. اهـ.

وأما ما يذبحه الكتابي لعيده أو للصليب أو لعيسى أو للكنيسة أو لجبريل أو نحو ذلك - فقد كرهه مالك؛ مخافة أن يكون داخلا تحت قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1) ولم يحرمه؛ لعموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (2) وهذا من طعامهم، قال ابن يونس واستخفه غير واحد من الصحابة والتابعين، وقالوا: قد أحل لنا ذلك وهو عالم بما يفعلونه. اهـ.

وأما ما ذبحوه للأصنام فلا يجوز أكله، قال ابن عبد السلام: باتفاق؛ لأنه مما أهل لغير الله به. قال اللخمي في [تبصرته] فيما ذبحه أهل الكتاب لعيدهم وكنائسهم وصلبانهم والأصنام، وما أشبه ذلك: الصحيح: أنه حلال، والمراد بما أهل لغير الله به: ما ذبح على النصب والأصنام، وهي ذبائح المشركين، قال أصبغ في ثمانية أبي زيد: وما ذبح على النصب هي الأصنام التي كانوا يعبدون في الجاهلية، قال: وأهل الكتاب ليسوا أصحاب أصنام، وفي البخاري: قال زيد بن عمرو بن نفيل: إنا لا نأكل مما تذبحون لأنصابكم يعني: الأصنام. وأما ما ذبحه أهل الكتاب فلا يراعى ذلك فيهم، وقد جعل الله سبحانه لهم حرمة، فأجاز مناكحتهم وذبائحهم؛ لتعلقهم بشيء من الحق وهو الكتاب الذي أنزل عليهم وإن كانوا كافرين، ولو كان يحرم ما

(1) سورة المائدة الآية 3

(2)

سورة المائدة الآية 5

ص: 636

ذبح باسم المسيح لم يجز أن يؤكل شيء من ذبائحهم إلا أن يسأل: هل سمى عليه المسيح أو ذبح للكنيسة، بل لا يجوز، إن أخبر أنه لا يسمى المسيح؛ لأنه غير صادق، وإذا لم يجب ذلك حلت ذبائحهم كيف كانت. اهـ.

فانظر كيف تضافرت كل هذه النصوص كباقي نصوص جميع المالكية على إناطة الحل والحرمة بكونه حلالا عندهم، أي: يأكلونه وعدمه، وهذا بعينه ما قصد إليه ابن العربي والحفار، وقال أهل المذهب: كلهم يقولون ويفتون بحل طعام أهل الكتاب، ومن جهة أخرى تعلم أن الذبح للصليب لم يكن من الشريعة المسيحية الحقة؛ لأنه حادث بعده، إذ منشؤه حادثة الصلب المشهورة، فكل هذا يفيد أن المعتبر عند المالكية هو حلال عند أهل الكتاب في شريعتهم التي هم عليها، ومنه يعلم أيضا ما هو المراد من الميتة في قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (1) وأنها التي لم يقصد ذكاتها، كما يعلم أنه يجب تقييد المنخنقة وما معها بما لم تقصد ذكاته ويكون هذا في المنخنقة وما معها بدليل {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (2) كما سبق، ومنه يتضح: أن المراد بالميتة في قولهم: (إن كان الكتابي يأكل الميتة فلا تأكل ما غاب إلخ) إنها ما لم تقصد ذكاتها؛ لأن القصد إلى الذكاة لا بد منه من مسلم أو كتابي حتى لو قطع رقبة الحيوان بقصد تجريب السيف أو اللعب - لا يحل كما تقدم، ومنه يعلم أن الميتة المذكورة بالنسبة للكتابي هي الميتة عنده، وهي التي لم يقصد ذكاتها، لا الميتة عندنا، ويتبين منه أيضا: أن الشروط المذكورة للفقهاء في الذبائح والذكاة إنما هي بيان ما يلزم في الإسلام بالنسبة للمسلم لا لغيره. اهـ.

(1) سورة المائدة الآية 3

(2)

سورة المائدة الآية 3

ص: 637