المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الخامسة: أدلة الترخيص للرعاة في الرمي: - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌حكم تشريح جثة المسلم

- ‌الموضوع الأول: بيان حرمة المسلم ووجوب تكريمه حيا أو ميتا

- ‌الموضوع الثاني: بيان أقسام التشريح والضرورة الداعية إلى كل منها

- ‌تمهيد:

- ‌المسألة الأولى: ضرب أو رمي من تترس به الكفار من أسارى المسلمين

- ‌المسألة الثانية: شق بطن امرأة ماتت وفي بطنها ولد علم أنه حي:

- ‌المسألة الثالثة: أكل المضطر لحم آدمي ميت إذا لم يجد شيئا غيره:

- ‌المسألة الرابعة: إلقاء أحد ركاب سفينة خشي عليها العطب فيلقى أحدهم في البحر

- ‌ فتوى في جواز نقل عيون الموتى لترقيع قرنية الأحياء:

- ‌الموضوع الرابع: المقارنة بين المصالح التي بني عليها تشريح جثث الآدمي والمصالح التي بني عليها فقهاء الإسلام الاستثناء من قاعدة عصمة دماء بني آدم

- ‌القسامة

- ‌المراد بالقسامة في اللغة:

- ‌المراد بالقسامة عند الفقهاء:

- ‌ بيان مستند من عمل بالقسامة ومستند من لم يعمل بها

- ‌اختلاف العلماء فيها:

- ‌الصورة الأولى: التدمية

- ‌الصورة الثانية: شهادة بينة غير قاطعة على معاينة القتل:

- ‌الصورة الثالثة: شهادة عدلين بجرح، وعدل بالقتل:

- ‌الصورة الرابعة: وجود المتهم بقرب القتيل أو آتيا من جهته ومعه آلة القتل أو عليه أثره:

- ‌الصورة الخامسة: قتيل الصفين:

- ‌الصورة السادسة: قتيل الزحام:

- ‌الصورة السابعة: وجود قتيل في محلة:

- ‌تحرير محل النزاع في اللوث مع بيان منشأ الخلاف:

- ‌ من يحلف من المدعين:

- ‌ من يحلف من المدعى عليهم:

- ‌هدي التمتع والقران

- ‌أولا: ابتداء وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة

- ‌ثانيا: نهاية وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة:

- ‌ثالثا: ذبح الهدي ليلا مع الأدلة والمناقشة:

- ‌رابعا: مكان ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة:

- ‌خامسا: حكم الاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سادسا: علاج مشكلة اللحوم في منى:

- ‌وجهة نظرلصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع

- ‌حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد

- ‌المسألة الأولى: حكم رمي جمرة العقبة ليلة العيد

- ‌القول الأول: اختلف العلماء متى يبتدئ وقت رميها:

- ‌القول الثاني: لا يجوز رميها قبل طلوع الفجر، ومن رماها قبل طلوع الفجر أعادها

- ‌القول الثالث: أن أول وقته للضعفة من طلوع الفجر ولغيرهم من بعد طلوع الشمس

- ‌المسألة الثانية: حكم رمي جمرة العقبة ليلة النفر

- ‌المذهب الأول: إن غربت الشمس يوم النحر وهو لم يرم جمرة العقبة فإنه يرميها

- ‌المذهب الثاني: إذا غربت الشمس من يوم النحر وهو لم يرم جمرة العقبة فلا يرميها إلا من الغد بعد الزوال

- ‌المسألة الثالثة: حكم تقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة:

- ‌المذهب الأولى: لا يجوز تقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة

- ‌المذهب الثاني: يجوز رمي الجمار في هذه الأيام الثلاثة قبل الزوال مطلقا:

- ‌المذهب الثالث: مذهب أبي حنيفة، وفيه تفصيل

- ‌المسألة الرابعة: حكم رمي الجمار في ليلتي اليوم الثاني عشر والثالث عشر عن اليوم الذي قبلها:

- ‌المسألة الخامسة: أدلة الترخيص للرعاة في الرمي:

- ‌مصادر البحث وملحقاته

- ‌الطلاق المعلق

- ‌أولا: ما ورد عن الصحابة والتابعين من الآثار:

- ‌ثانيا: أقوال فقهاء المذاهب الأربعة:

- ‌ مذهب الحنفية:

- ‌ مذهب المالكية:

- ‌ مذهب الشافعية:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌وجهة نظر

- ‌تحديد المهور

- ‌أولا: مهر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌ثانيا: من عرف مهرها من سائر زوجات أصحابه رضي الله عنهم:

- ‌ثالثا: هل وجد في نصوص الشريعة حد للمهور:

- ‌رابعا: قصة عمر مع من أنكرت عليه حديثه في تقليل المهور:

- ‌خامسا: ما الفرق بين تحديد أسعار الأعيان والمنافع وتحديد المهور:

- ‌سادسا: مبررات التحديد ومضار عدمه:

- ‌سابعا: هل تحديد المهور علاج واقعي ناجح وإن لم يكن فما العلاج:

- ‌وجهة نظر

- ‌تحديد النسل

- ‌ الترغيب في النكاح وبيان مقاصده:

- ‌ الفرق بين منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل

- ‌ بواعث منع الحمل وتحديد النسل مع المناقشة:

- ‌ وسائل تحديد النسل وبيان مضارها:

- ‌ الحكم مع الدليل:

- ‌حكم التسعير

- ‌معنى التسعير:

- ‌المسألة الأولى: أن يحد لأهل السوق حد لا يتجاوزونه:

- ‌المسألة الثانية: من أراد أن يزيد عن سعر الناس أو ينقص هل يلزم بأن يبيع كالناس

- ‌المسألة الثالثة: في بيان من يختص به ذلك من البائعين القائلين بالتسعير:

- ‌المسألة الرابعة: بيان ما يدخله التسعير من المبيعات وهل يجوز تحديد أجور العقارات

- ‌الخلاصة

- ‌حكم الذبائح المستوردة

- ‌أولا: تمهيد يعتبر مدخلا إلى بحث الموضوع

- ‌ثانيا: ذكر طريقة الذبح الشرعية، وما صدر من فتاوى في الذبائح المستوردة:

- ‌الصفة المشروعة في الذبح والنحر

- ‌فصل في طعام الوثنيين ونكاح نسائهم:

- ‌مذهب الحنفية في ذبائح أهل الكتاب:

- ‌حكم ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية:

- ‌مذهب الشافعي في طعام أهل الكتاب:

- ‌مذهب أحمد وأصحابه في طعام أهل الكتاب والتسمية على الذبيحة:

- ‌صفوة الخلاف بين الفقهاء والمختار منه في طعام أهل الكتاب

- ‌بعض ما صدر في الموضوع من فتاوى:

- ‌ثالثا: ذكر ما ورد إلى هذه الرئاسة عن كيفية تذكية الحيوانات المستوردة من بلاد الكفار إلى المملكة العربية السعودية:

- ‌خامسا: حل مشكلة اللحوم المستوردة:

الفصل: ‌المسألة الخامسة: أدلة الترخيص للرعاة في الرمي:

قال المرداوي (1) : وقال ابن عقيل: نصه للرعاة خاصة الرمي ليلا، نقله ابن منصور. انتهى.

(1)[الإنصاف](4\ 37)

ص: 375

‌المسألة الخامسة: أدلة الترخيص للرعاة في الرمي:

عن عاصم بن عدي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر (1) » ، هذا لفظ [الموطأ] .

قال مالك: (تفسير ذلك فيما نرى- والله أعلم- أنهم يرمون يوم النحر، فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد، وذلك يوم النفر الأول، ويرمون لليوم الذي مضى، ثم يرمون ليومهم ذلك " لأنه لا يقضي أحد شيئا حتى يجب عليه فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك، فإن بدا لهم في النفر فقد فرغوا، وإن أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الآخر ونفروا) وأخرجه في [الموطأ] .

قال الباجي (2) : قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى يقتضي أن هناك منعا خاصا هذا منه؛ لأن لفظة: رخصة لا تستعمل إلا فيما يخص من المحظور للعذر، وذلك أن للرعاء عذرا في الكون مع الظهر الذي لا بد من مراعاته والرعي به للحاجة إلى الظهر في الانصراف إلى بعيد البلاد، وقد قال تعالى:

(1) سنن الترمذي الحج (955) ، سنن النسائي مناسك الحج (3069) ، سنن أبو داود المناسك (1975) ، سنن ابن ماجه المناسك (3037) ، موطأ مالك الحج (935) ، سنن الدارمي المناسك (1897) .

(2)

[المنتقى](3\ 51)

ص: 375

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} (1) فأبيح لهم ذلك لهذا المعنى. انتهى.

قال الكاساني (2) : ولا يقال: إنه رخص لهم ذلك لعذر، لأنا نقول ما كان لهم عذر؛ لأنه كان يمكنهم أن يستنيب بعضهم بعضا فيأتي بالنهار فيرمي، فثبت أن الإباحة كانت لغير عذر، فيدل على الجواز مطلقا، فلا يجب الدم. انتهى المقصود.

وقال الباجي (3) : وقوله: يرمون يوم النحر: أخبر أن رميهم يوم النحر لا يتعلق به رخصة ولا يغير عن وقته ولا إضافة إلى غيره، ثم يرمون الغد يريد أنه يرمي لليومين، فقال: يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، فذكر الأيام التي يرمي لها وهي الغد من يوم النحر وبعد الغد، وهما أول أيام التشريق وثانيهما، ولم يذكر وقت الرمي، وإنما يرمي لهما في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال؛ ولذلك جمع بينهما في اللفظ، فقال: ليومين، وقد فسر ذلك مالك على ما تقدم ذكره، وفي رواية الترمذي قال: أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر، ثم يجمعون رمي يومين بعد يوم النحر فيرمونه في أحدهما.

قال: قال مالك: ظننت أنه قال في الأول منهما ثم يرمون يوم النفر، وفي أخرى له ولأبي داود والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما (4) » .

(1) سورة النحل الآية 7

(2)

[بدائع الصنائع](2\ 137) .

(3)

[المنتقى](3\ 51) .

(4)

سنن الترمذي الحج (954) ، سنن أبو داود المناسك (1976) ، سنن ابن ماجه المناسك (3036) ، مسند أحمد بن حنبل (5/450) .

ص: 376

وفي أخرى للنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رخص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر، واليومين اللذين بعده يجمعونه في أحدهما (1) » .

قال ابن الأثير (2) : إسناد هذا الحديث في [الموطأ] عن أبي البداح عاصم بن عدي عن أبيه، وفي نسخة أخرى عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه.

وفي الترمذي عن أبي البداح بن عدي عن أبيه، وقال: وقد روى مالك بن أنس عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه، قال الترمذي: ورواية مالك أصح.

وأخرجه أبو داود عن أبي البداح بن عاصم عن أبيه، وأخرجه هو أيضا، والترمذي عن أبي البداح بن عدي عن أبيه الرواية الثانية.

وأخرج النسائي مرة عن أبي البداح بن عدي عن أبيه، ومرة عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه.

قال صاحب [التحفة](3) عند الكلام على رواية الترمذي (رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما) قال: يعني: يجوز لهم أن يرموا اليوم الأول من أيام التشريق، ويذهبوا إلى إبلهم فيبيتوا عندها، ويدعوا يوم النفر الأول، ثم يأتوا في اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رميهم لليوم الثالث، وفيه تفسير ثان: وهو أنهم يرمون جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون، ثم يأتون في اليوم الثاني من التشريق فيرمون ما

(1) سنن الترمذي الحج (955) ، سنن النسائي مناسك الحج (3069) ، سنن ابن ماجه المناسك (3037) .

(2)

[جامع الأصول](3\ 281، 282) .

(3)

[تحفة الأحوذي شرح الترمذي](2\ 121) .

ص: 377

فاتهم، ثم يرمون عن ذلك اليوم، كما تقدم، وكلاهما جائز. كذا في النيل.

وقال صاحب [عون المعبود](1) عند الكلام على رواية أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد ومن بعد الغد بيومين ويرمون يوم النفر (2) » قال: فظاهر الحديث أنهم يرمون بعد يوم النحر، وهو اليوم الحادي عشر لذلك اليوم، ولليوم الآتي وهو الثاني عشر ويجمعون بين رمي يومين بتقديم الرمي على يومه، وفي الترمذي والنسائي وغيرهما من هذا الوجه بلفظ:«رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر فيرموه في أحدهما، (3) » وهذا الظاهر خلاف ما فسره مالك لهذا الحديث.

ويدل لفهم الإمام مالك رواية سفيان الآتية بلفظ: «رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما (4) » .

قال الخطابي: أراد يوم النفر هاهنا النفر الكبير. انتهى المقصود.

قال أيضا (5) : وقد اختلف الناس في تعيين اليوم الذي يرمى فيه: فقال مالك: يرمون يوم النحر، فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد، وذلك يوم النفر الأول يرمون لليوم الذي مضى، ويرمون ليومهم ذلك " وذلك لأنه لا يقضي أحد شيئا حتى يجب عليه.

(1)[عون المعبود](2\ 148) .

(2)

سنن أبو داود المناسك (1975) ، سنن ابن ماجه المناسك (3037) ، موطأ مالك الحج (935) ، سنن الدارمي المناسك (1897) .

(3)

سنن الترمذي الحج (955) ، سنن النسائي مناسك الحج (3069) .

(4)

سنن الترمذي الحج (954) ، سنن أبو داود المناسك (1976) ، سنن ابن ماجه المناسك (3036) ، مسند أحمد بن حنبل (5/450) .

(5)

[عون المعبود](2\ 148) .

ص: 378

وقال الشافعي نحوا من قول مالك، وقال بعضهم: هم بالخيار؛ إن شاءوا قدموا، وإن شاءوا أخروا. انتهى.

وقد وردت أدلة تدل على أن الرعاء يرمون ليلا في ليالي أيام التشريق، فروى مالك في [الموطأ] عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح: أنه سمعه يذكر أنه رخص للرعاء أن يرموا بالليل يقول: في الزمان الأول.

قال الباجي (1) : إنما أبيح لهم؛ ذلك؛ لأنه أرفق بهم، وأحوط فيما يحاولونه من رعي الإبل؛ لأن الليل وقت لا ترعى فيه الإبل ولا تنتشر، فيرمون في ذلك الوقت.

وقال ابن المواز: إن رعوا بالنهار ورموا بالليل فلا بأس به، ويحتمل أيضا: أن يرموا على هذا في كل ليلة لاستغنائهم في ذلك الوقت عن حفظ الإبل على وجه الرعي، ويحتمل إن كان ذلك عليهم مشقة أن يكون رميهم بالليل على حكم رميهم بالنهار من الجمع.

وقال الباجي أيضا (2) : وقوله: في الزمان الأول يقتضي إطلاقه زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أول زمان هذه الشريعة، فعلى هذا هو مرسل.

ويحتمل أن يريد به أول زمن أدركه عطاء، فيكون موقوفا متصلا.

وقال الزرقاني (3) على قوله: (يقول: في الزمان الأول) أي: زمن الصحابة وبهم القدوة، وبهذا قال محمد بن المواز، وهو كما قال بعضهم: وفاقا للمذهب؛ لأنه إذا أرخص لهم في تأخير اليوم الثاني فرميهم

(1)[المنتقى](3\ 52) .

(2)

[المنتقى](3\ 52)

(3)

[شرح الزرقاني على الموطأ](2\ 260) .

ص: 379

بالليل أولى.

وقال القرطبي (1) بعد سياقه لرواية مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء المتقدمة وكلام الباجي قال: (قلت: هو مسند من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، خرجه الدارقطني وغيره، وقد ذكرناه في [المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس] ) . انتهى المقصود.

والحديث الذي أشار إليه القرطبي رواه الدارقطني (2) بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رخص للرعاء أن يرموا بالليل وأي ساعة من النهار شاءوا (3) » .

وقد أعل هذا الحديث بما نقله الزيلعي بقوله (4) : قال ابن القطان في كتابه: وإبراهيم بن يزيد هذا إن كان هو الخوزي فهو ضعيف، وإن كان غيره فلا يدرى من هو؟ وبكر بن بكار قال فيه ابن معين: ليس بالقوي، ودون بكر بن بكار جعفر بن محمد الشيرازي، لا خالد، قال: وروى البزار هذا الحديث عن ابن عمر بإسناد أحسن من هذا.

والحديث الذي أشار إليه ابن القطان: أن البزار رواه قد أخرجه الزيلعي (5) فقال: وأما حديث ابن عمر فرواه البزار في [مسنده] . . . (عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رخص لرعاء الإبل أن يرموا بالليل (6) » .

وقد أعل هذا الحديث بما نقله الزيلعي بقوله (7) : قال ابن القطان: ومسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي ضعفه قوم، ووثقه آخرون. قال

(1)[تفسير القرطبي](3\ 5) ط\ دار إحياء التراث العربي.

(2)

[سنن الدارقطني](2\ 276)

(3)

موطأ مالك الحج (936) .

(4)

[نصب الراية](3\86) .

(5)

[نصب الراية](3\86) .

(6)

موطأ مالك الحج (936) .

(7)

[نصب الراية](3\ 86) .

ص: 380

البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث.

وقال ابن حجر (1) : رواه البزار بإسناد حسن والحاكم والبيهقي. انتهى. وذكر الزيلعي (2) : أن الطبراني رواه، وذكر الحديث بسند الطبراني.

وقال الهيثمي (3) : رواه الطبراني في [الكبير] وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك. انتهى.

وقال الزيلعي (4) : ورواه ابن أبي شيبة في [مسنده] حدثنا محمد بن الصباح عن خالد بن عبد الله عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم. . . إلى آخره، وفيه أن يرموا الجمار، رواه في [مصنفه] : حدثنا ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا. انتهى.

قال ابن حجر (5) : وروى ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء مرسلا مثله ووصله في [مسنده] بذكر ابن عباس، لكنه من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن عطاء، ولم يسمع عبد الرحمن من عطاء، وإنما رواه عن إسحاق بن أبي فروة أحد المتروكين، رواه مسدد والطبراني عن طريقه. انتهى.

وإلى هنا انتهى ما يسره الله جل وعلا من الكلام على هذا البحث.

(1)[تلخيص الحبير](2\ 263)

(2)

[نصب الراية](3\ 85، 86)

(3)

[مجمع الزوائد](3\ 260)

(4)

[نصب الراية](3\ 86)

(5)

[الدراية في تخريج أحاديث الهداية](2\28، 29) .

ص: 381

وترى اللجنة أن يضاف إلى هذا البحث ما كتبه سماحة المفتي رحمه الله في رسالته التي سماها [تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك] وحيث إن الرخصة للرعاة فرع من فروع قاعدة (المشقة تجلب التيسير) وأنه قد يتمسك بالمشقة في مناسك الحج ويجري فيها التغيير عما تقتضيه الأدلة الشرعية- فقد رأت اللجنة أن تلحق بهذا البحث خاتمة تشتمل على أصل هذه القاعدة، وأسباب تخفيف المشقة، وأقسام المشقة، وضابط المشقة المؤثرة، وموضع اعتبار الحرج والمشقة، وأنواع تخفيفات الشرع، وموارد هذه القاعدة من الشريعة.

ص: 382

المشقة تجلب التيسير أصل هذه القاعدة الكتاب والسنة. أما الكتاب: فقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} (1)، وقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2)

وأما السنة: فعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا (3) » رواه البخاري ومسلم.

قال ابن حجر: وقال النووي: لو اقتصر على "يسروا" لصدق على من يسر مرة وعسر كثيرا، فقال:"ولا تعسروا" لنفي التعسير في جميع الأحوال.

وأخرجه أحمد في [المسند] من حديث جابر وأبي أمامة رضي الله

(1) سورة المائدة الآية 6

(2)

سورة البقرة الآية 286

(3)

صحيح مسلم الجهاد والسير (1732) ، سنن أبو داود الأدب (4835) ، مسند أحمد بن حنبل (4/412) .

ص: 382

عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت بالحنيفية السمحة (1) » .

وأخرج أحمد في [مسنده] والطبراني والبزار وغيرهما عن ابن عباس قال: «قيل: يا رسول الله، أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: "الحنيفية السمحة (2) » ، وروى أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:«إن دين الله يسر (3) » ثلاثا، وروى أحمد أيضا من حديث الأعرابي بسند صحيح:«خير دينكم أيسره (4) » .

أسباب التخفيف:

ذكر ابن نجيم (5) أنها سبعة: وهي: السفر، والإكراه، والنسيان، والجهل، والعسر، وعموم البلوى، والنقص، وأمثلتها ظاهرة.

أقسام المشقة: قال القرافي (6) : المشاق قسمان:

أحدهما: لا تنفك عنه العبادة؟ كالوضوء والغسل في البرد، والصوم في النهار الطويل، والمخاطرة بالنفس في الجهاد، ونحو ذلك، فهذا القسم لا يوجب تخفيفا في العبادة؛ لأنه قرر معها.

وثانيهما: المشاق التي تنفك عنها العبادة، وهي ثلاثة أنواع:

في الرتبة العليا؛ كالخوف على النفوس والأعضاء والمنافع فيوجب التخفيف؛ لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة، فلو حصلنا هذه العبادة لثوابها لذهب أمثال هذه العبادة.

(1) مسند أحمد بن حنبل (5/266) .

(2)

مسند أحمد بن حنبل (1/236) .

(3)

مسند أحمد بن حنبل (5/69) .

(4)

مسند أحمد بن حنبل (3/479) .

(5)

[لأشباه والنظائر] ص 75- 82.

(6)

[الفروق](1\ 118، 119) .

ص: 383

ونوع في المرتبة الدنيا: كأدنى وجع في إصبع، فتحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة؛ لشرف العبادة وخفة هذه المشقة.

النوع الثالث: مشقة بين هذين النوعين: فما قرب من العليا أوجب التخفيف، وما قرب من الدنيا لم يوجبه، وما توسط يختلف فيه؟ لتجاذب الطرفين، فعلى تحرير هاتين القاعدتين تتخرج الفتاوى في مشاق العبادات. انتهى.

ثم قال: فائدة (1) : قال بعض العلماء: المشاق تختلف باختلاف رتب العبادات، فما كان في نظر الشرع أهم يشترط في إسقاطه أشد المشاق أو أعمها، فإن العموم بكثرته يقوم مقام العظم، كما يسقط التطهر من الخبث في الصلاة التي هي أهم العبادات بسبب التكرار؛ كثوب المرضع، ودم البراغيث، وكما سقط الوضوء فيها بالتيمم " لكثرة عدم الماء والحاجة إليه، أو العجز عن استعماله، وما لم تعظم مرتبته في نظر الشرع تؤثر فيه المشاق الخفيفة، وتحرير هاتين القاعدتين يطرد في الصلاة وغيرها من العبادات وأبواب الفقه، وكما جدت المشاق في الوضوء ثلاثة أقسام: متفق على عدم اعتباره، ومتفق على اعتباره، ومختلف فيه، فكذلك تجده في الصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوقان الجائع للطعام عند حضور الصلاة، والتأذي بالرياح الباردة في الليلة الظلماء والمشي في الوحل، وغضب الحكام وجورهم المانعين من استيفاء الفكر وغير ذلك، وكذلك الغرر والجهالة في البيع ثلاثة أقسام، واعتبر ذلك في

(1)[الفروق](1\ 119)

ص: 384

جميع أبواب الفقه. انتهى.

وقد بسط العز بن عبد السلام (1) الكلام على أقسام المشاق الموجبة للتخفيف في الشريعة.

ضابط المشقة المؤثرة: قال القرافي (2) : يجب على الفقيه أن يفحص عن أدنى مشاق تلك العبادة المعينة، فيحققه بنص أو إجماع أو استدلال، ثم ما رود عليه بعد ذلك من المشاق، مثل تلك المشقة أو أعلى منها جعله مسقطا، وإن كان أدنى منها لم يجعله مسقطا، مثاله: التأذي بالقمل في الحج مبيح للحلق بالحديث الوارد عن كعب بن عجرة، فأي مرض آذى مثله أو أعلى منه أباح، وإلا فلا، والسفر مبيح للفطر بالنص فيعتبر به غيره من المشاق.

موضوع اعتبار الحرج والمشقة قال ابن نجيم (3) : المشقة والحرج إنما يعتبران في موضع لا نص فيه، وأما مع النص بخلافه فلا، ولذا قال أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - بحرمة رعي حشيش الحرم وقطعه إلا الإذخر، وجوز أبو حنيفة رعيه للحرج، ورد عليه بما ذكرنا. انتهى.

أنواع تخفيفات الشرع:

ذكر العز بن عبد السلام (4) ستة أنواع:

(1)[قواعد الأحكام في مصالح الأنام] ص 9- 17.

(2)

[الفروق](1\120) .

(3)

[الأشباه والنظائر] ص 83.

(4)

[قواعد الأحكام في مصالح الأنام](2\8، 9) .

ص: 385

1 -

تخفيف الإسقاط؛ كإسقاط الجمعات والصوم والحج والعمرة بأعذار معروفة.

2 -

تخفيف التنقيص؛ كقصر الصلاة، وتنقيص ما عجز عنه المريض من أفعال الصلوات؛ كتنقيص الركوع والسجود وغيرهما إلى القدر الميسور من ذلك.

3 -

تخفيف الأبدال؛ كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم، وإبدال القيام في الصلاة بالقعود، والقعود بالاضطجاع، والاضطجاع بالإيماء، وإبدال العتق بالصوم، وكإبدال بعض واجبات الحج والعمرة بالكفارات عند قيام الأعذار.

4 -

تخفيف التقديم؛ كتقديم العصر إلى الظهر، والعشاء إلى المغرب في السفر والمطر، وكتقديم الزكاة على حولها، والكفارة على حنثها.

5 -

تخفيف التأخير؛ كتأخير الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء، ورمضان إلى ما بعده.

6 -

تخفيف الترخيص؛ كصلاة التيمم مع الحدث، وصلاة المستجمر مع فضلة النجو، وكأكل النجاسات للمداواة، وشرب الخمر للغصة، والتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه، ويعبر عن هذا بالإطلاق مع قيام المانع أو بالإجابة مع قيام الحاظر.

مورد هذه القاعدة من الشريعة:

قال الشاطبي (1) : وهي جارية في العبادات والعادات والمعاملات

(1)[الموافقات](2\ 11) .

ص: 386

والجنايات، ففي العبادات؛ كالرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقة بالمرض والسفر، وفي العادات؛ كإباحة الصيد والتمتع بالطيبات مما هو حلال مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا، وما أشبه ذلك، وفي المعاملات، كالقراض والمساقاة والسلم وإلغاء التوابع في العقد على المتبوعات؛ كثمرة الشجرة ومال العبد، وفي الجنايات، كالحكم باللوث والتدمية والقسامة وضرب الدية على العاقلة وتضمين الصناع، وما أشبه ذلك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب الرئيس

رئيس اللجنة

عبد الله بن سليمان بن منيع

عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

إبراهيم بن محمد آل الشيخ

ص: 387

قرار هيئة كبار العلماء رقم (3) وتاريغ 13\ 8\ 1393 هـ

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه. وبعد:

بناء على خطاب المقام السامي رقم (22310) تاريخ 4\ 11\ 1391 هـ المتضمن الموافقة على اقتراح سماحة رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بحث موضوع (حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد ورميها في ليلة اليوم الأول من أيام التشريق، وكذا حكم تقديم الرمي أيام التشريق قبل الزوال، وحكم الرمي ليالي أيام التشريق) من قبل هيئة كبار العلماء- عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في دورتها الثانية المنعقدة في شهر شعبان عام 1392 هـ ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في موضوع الرمي المشتمل على المسائل الآتية:

أ- حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد.

ب- حكم رمي جمرة العقبة ليلة القر.

ح- حكم رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال.

د- حكم رمي الجمار ليلتي اليوم الثاني والثالث من أيام التشريق.

وبعد دراسة المجلس للمسائل المذكورة واطلاعه على أقوال أهل العلم وتداوله الرأي فيها قرر- ما يلي:

1 -

جواز رمي جمرة العقبة بعد نصف ليلة يوم النحر للضعفة من النساء وكبار السن والعاجزين ومن يلازمهم للقيام بشؤونهم؛ لما ورد من

ص: 388

الأحاديث والآثار الدالة على جواز ذلك.

2 -

عدم جواز رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال؛ لفعله صلى الله عليه وسلم وقوله: «خذوا عني مناسككم (1) » ، ولقول ابن عمر أيام التشريق: كنا نتحين الرمي فإذا زالت الشمس رمينا.

ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأنصح الناس وأرحمهم، فلو كان ذلك جائز قبل الزوال لبينه صلى الله عليه وسلم.

3 -

أما ما عدا ذلك من المسائل الخلافية من أعمال المناسك المشار إليها أعلاه، فإن الخلاف فيها معروف بين العلماء، ومدون في كتب المناسك وغيرها، وما زال عمل الناس جاريا على ذلك، وينبغي للحاج أن يحرص على التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم (2) » .

ويرى المجلس في هذه المسائل الخلافية أن يستفتي العامي من يثق بدينه وأمانته وعلمه في تلك المسائل، ومذهب العامي مذهب من يفتيه.

وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. هيئة كبار العلماء

رئيس الدورة

عبد الرزاق عفيفي

محمد الأمين الشنقيطي

عبد الله بن حميد

محضار عقيل

عبد العزيز بن باز

عبد المجيد حسن

عبد الله خياط

محمد الحركان

إبراهيم بن محمد آل الشيخ

عبد العزيز بن صالح

صالح بن غصون

عبد الله بن غديان

سليمان بن عبيد

محمد بن جبير

عبد الله بن منيع

راشد بن خنين

صالح بن لحيدان

(1) سنن النسائي مناسك الحج (3062) .

(2)

سنن النسائي مناسك الحج (3062) .

ص: 389