الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: حكم رمي الجمار في ليلتي اليوم الثاني عشر والثالث عشر عن اليوم الذي قبلها:
في هذه المسألة مذهبان:
المذهب الأول: الجواز. وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية.
أما الحنفية: فقال السندي (1) : (ولو لم يرم يوم النحر) أي: اليوم الأول أو (الثاني أو الثالث رماه في الليلة المقبلة) أي: الآتية لكل من الأيام الماضية (ولا شيء عليه سوى الإساءة) أي: لتركه السنة (إن لم يكن عذر) أي: ضرورة (ولو رمى ليلة الحادي عشر أو غيرها من غدها) أي: من أيامها المقبلة لم يصح؛ لأن الليالي (في الحج) أي: في حقه (في حكم الأيام الماضية لا المستقبلة) أي: فيجوز رمي اليوم الثاني من أيام النحر ليلة الثالث، ولا يجوز فيها رمي اليوم الثالث، كما أن الوقوف جائز في ليلة العاشر، ولا يجوز فيها من أفعال ذلك اليوم من الوقوف بمزدلفة والرمي ونحوهما (ولو لم يرم في الليل) أي: من ليالي أيامها الماضية أداء (رماه في النهار) أي: في نهار الأيام التالية على التأليف (قضاء) أي: اتفاقا (وعليه الكفارة) الدم عند الإمام ولا شيء عليه عندهما. انتهى.
وأما المالكية: ففي [المدونة](2) قلت: فإن ترك رمي جمرة من الجمار في اليوم الذي بعد يوم النحر ما عليه في قول مالك؟ قال: قد اختلف قول مالك: مرة يقول: من نسي رمي الجمار حتى تغيب الشمس فليرم ولا شيء
(1)[لباب المناسك وشرحه المسلك في المنسك المتوسط] ص 161.
(2)
[المدونة](1\ 323)
عليه، ومرة قال: ليرم وعليه دم، قال: وأحب إلي أن يكون عليه الدم، قلت: وكذلك اليوم الذي بعده؟ قال: نعم. انتهى.
وفي [الموطأ](1) : قال يحيى: سئل مالك عمن نسي جمرة من الجمار في بعض أيام منى حتى يمسي؟ قال: ليرم أية ساعة ذكر من ليل أو نهار، كما يصلي الصلاة إذا نسيها ثم ذكرها ليلا أو نهارا. انتهى المقصود.
وفي [مختصر خليل وشرحه] للدردير (2) : (والليل) عقب كل يوم (قضاء) لذلك اليوم الذي يجب فيه الدم.
وقال الباجي (3) بعد سياقه للدليل الدال على مشروعية الرمي بعد الزوال وكلامه عليه- قال: إذا ثبت ذلك فإن أول أداء الرمي لكل يوم من أيام التشريق زوال الشمس منه وآخره غروب الشمس، ووقت القضاء: من غروب الشمس إلى بقية أيام التشريق، الليل والنهار سواء في القضاء، يبين ذلك ما روي عن مالك في رمي رعاء الإبل الجمار أنهم لا يرمون اليوم الذي يلي يوم النحر إلا في اليوم الذي بعده " لأنه لا يقضي شيء حتى يجب، فإذا وجب ومضى كان القضاء بعد ذلك.
وأما الشافعية: فقال النووي (4) : إذا ترك شيئا من الرمي نهارا فالأصح أنه يتدراكه ليلا أو فيما بقي من أيام التشريق سواء تركه عمدا أو سهوا، وإذا تداركه فيها فالأصح أنه أداء لا قضاء. انتهى المقصود.
(1)[الموطأ مع المنتقى](3\ 53) .
(2)
[مختصر خليل وشرحه] للدردير (2\ 48) .
(3)
[المنتقى](3\ 51) .
(4)
[الإيضاح] ، ص 406.
وقال الرملي (1) : وإذا ترك رمي يوم أو يومين من أيام التشريق عمدا أو سهوا أو جهلا تداركه في باقي الأيام منها في الأظهر بالنص في الرعاء وأهل السقايا وبالقياس في غيرهم، إذ لو كانت بقية الأيام غير صالحة للرمي لم يفترق الحال فيها بين المعذور وغيره، كما في الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، والمتدارك أداء كما مر، ولو تدارك قبل الزوال أو ليلا أجزأه، كما جزم به في الأول في أصل [الروضة] و [المجموع] و [المناسك] واقتضاه نص الشافعي رحمه الله، وبالثاني لابن الصباغ في [شامله] وابن الصلاح والمصنف في [مناسكهما] ، وإن جزم ابن المقري تبعا لجمع بخلافه فيهما إذ جملة أيام الرمي كوقت واحد وكل يوم لرميه وقت اختيار، لكن لا يجوز تقديم رمي كل يوم عن زوال شمسه كما مر. انتهى.
الأدلة: قد بنى الحنفية مذهبهم على الرخصة للرعاة أن يرموا ليلا، وعندهم أنه ليس خاصا بهم، بل هو عام، كما سيأتي في الكلام على أدلة الرخصة للرعاة، وهي المسألة الخامسة.
وبنوه أيضا على أن الليلة في حكم اليوم الذي قبلها في الحج كما سبق عن السندي.
وأما المالكية: فأما مالك فإنه يقوله في الناسي فقط، حسبما اطلعنا عليه.
وقد بناه قياسا على من نسي صلاة أخذا من حديث: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها (2) » الحديث.
(1)[نهاية المحتاج](2\315)
(2)
سنن الترمذي الصلاة (177) ، سنن النسائي المواقيت (615) ، سنن ابن ماجه الصلاة (698) .
وأما الباجي ومن وافقه: فقد استدل بحديث الرعاء، وسيأتي في كلام الباجي مع بيان وجه الاستدلال به عند الكلام على أدلة الرخصة للرعاة أن يرموا ليلا.
وأما الشافعية: فإنهم يقولون به بالنص للرعاء وأهل السقاية، وبالقياس في غيرهم، وسيأتي الكلام على أحاديث الرخصة للرعاء ومناقشتها.
وأما أهل السقاية: فإن الرخصة التي وردت في حقهم هي الرخصة في المبيت لا الرخصة في الرمي هذا حسبما وقفنا عليه، وفي حالة عدم ثبوت دليل يدل على الرخصة لهم في الرمي فلا يصح القياس عليهم، وقد مضت مناقشة الاستدلال بالقياس في العبادات، ويمكن أن يستدل للقول بجواز الرمي ليلا عن اليوم الذي قبله- برواية النسائي التي سبقت، وقد جاء فيها: كان يسأل أيام منى، فسأله رجل فقال: رميت بعدما أمسيت؟ قال: «ارم ولا حرج (1) » ، وقد مضى الكلام على هذا الدليل.
المذهب الثاني: ومن غربت عليه الشمس في اليوم الحادي عشر والثاني عشر من أيام التشريق وهو لم يرم الجمار لذلك اليوم فإنه يرميها من الغد بعد الزوال.
وهذا مذهب أحمد ومن وافقه، واستدل به (2) ابن قدامة في [المغني] بقول ابن عمر رضي الله عنهما: من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد. وقد مضى هذا الأثر.
(1) صحيح البخاري العلم (83) ، سنن الترمذي الحج (916) ، سنن أبو داود المناسك (2014) ، مسند أحمد بن حنبل (2/217) ، موطأ مالك الحج (959) ، سنن الدارمي المناسك (1907) .
(2)
كذا بالأصل، ولعلها:(واستدل له) . الناشر.