الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
بيان الحكمة مع الأدلة.
والله الموفق.
1 -
الترغيب في النكاح وبيان مقاصده:
شرع الله - جلت حكمته - الزواج لحكم كثيرة:
منها: أنه أحصن للفرج وأغض للبصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (1) » رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن.
ومنها: الإبقاء على الجنس البشري في الأرض لعمارتها وإصلاحها؛ تحقيقا لما أراده الله تعالى، قال سبحانه:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (2){وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (3){قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (4){قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} (5)
ومنها: كثرة الأولاد الذين يتم بهم بناء الأسرة، وتقوى بهم الأمة، ويتحقق التعاون بينهم لعمارة الأرض.
(1) صحيح البخاري النكاح (5066) ، صحيح مسلم النكاح (1400) ، سنن الترمذي النكاح (1081) ، سنن النسائي النكاح (3211) ، سنن أبو داود النكاح (2046) ، سنن ابن ماجه النكاح (1845) ، مسند أحمد بن حنبل (1/378) ، سنن الدارمي النكاح (2166) .
(2)
سورة البقرة الآية 30
(3)
سورة البقرة الآية 31
(4)
سورة البقرة الآية 32
(5)
سورة البقرة الآية 33
ولذا عد الله سبحانه الذرية نعمة منه على الناس تستوجب منهم أن يشكروه ولا يكفروه، وأن يتقوه رجاء رحمته وخوف عذابه، وأن يصلوا أرحامهم؛ أداء لحق القرابة، وتقوية لأواصرها، حتى يكونوا عباد الله إخوانا متحابين.
قال الله تعالى في بيان كمال قدرته، وعظيم منته على عباده:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1)
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل، وأمر بالزواج، وحبب إلى الرجال التزوج بالودود الولود خاصة؛ تحقيقا لرغبته في المباهاة بأمته يوم القيامة. فعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيا شديدا، ويقول:«تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة (2) » رواه الإمام أحمد، وأخرجه ابن حبان وصححه. وعن عبد الله بن عمرو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انكحوا أمهات الأولاد، فإني أباهي بهم يوم القيامة (3) » رواه الإمام أحمد، وأشار إليه الترمذي في [جامعه]، وقال في [مجمع الزوائد] : فيه جرير بن عبد الله العامري، وقد وثق وهو ضعيف. وعن معقل بن يسار قال:«جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، فأتزوجها؟ قال: " لا " ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم (4) » رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم. وفي الباب أحاديث كثيرة، وفي بعضها ضعف، لكن مجموعها
(1) سورة النساء الآية 1
(2)
سنن النسائي النكاح (3227) ، سنن أبو داود النكاح (2050) .
(3)
مسند أحمد بن حنبل (2/172) .
(4)
سنن النسائي النكاح (3227) ، سنن أبو داود النكاح (2050) .
يدل على المقصود من الترغيب في النكاح. وخاصة نكاح الولود.
وقد بين الغزالي مقاصد النكاح وفوائده: فقال: إن النكاح معين على الدين، ومهين للشياطين، وحصن دون عدو الله حصين، وسبب للتكثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين، فما أحراه بأن تتحرى أسبابه، وتشرح مقاصده وآدابه (1) .
ثم قال: في الزواج فوائد خمسة: الولد، وكسر الشهوة، وتدبير المنزل، وكثرة العشيرة، ومجاهدة النفس بالقيام بهن.
ثم ذكر أنه إذا قصد بالزواج - التناسل كان قربة يؤجر عليها من حسنت نيته. وبين ذلك بوجوه:
أولا: موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان.
ثانيا: طلب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في تكثير من به مباهاة.
ثالثا: طلب البركة، وكثرة الأجر، ومغفرة الذنب بدعاء الولد الصالح له بعده.
وأكد الغزالي: أن الوجه الأول أقواها وأظهرها لذوي الألباب، وضرب لذلك مثلا خلاصته: سيد أعطى عبده بذورا وآلات حراثة وأرضا صالحة للزراعة، ووكل به رقيبا يستحثه، فإن تراخى العبد في الحراثة والزرع ونحى ذلك الوكيل الذي يستحثه فقد استوجب غضب سيده وطرده، والله تعالى خالق الزوجين الذكر والأنثى، وزود كلا منهما بخواصه. وجعل الشهوة فيهما قوة دافعة إلى إظهار حكمته تعالى في
(1)[إحياء علوم الدين] للإمام الغزالي - ط\ دار الباز، مكة المكرمة (2\ 21) .
التناسل والإنجاب، فمن انحرف عن ذلك أو عارضه فهو متحد لسنن الله في الكون مستوجب لغضبه وسخطه (1) .
ومن المعلوم: أن الأولاد منذ القديم كانوا أمنية الناس حتى الأنبياء المرسلين وسائر عباد الله الصالحين، وسيظلون كذلك ما سلمت فطرة الإنسان، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (2)
ولما دعا إبراهيم قومه إلى توحيد الله وعبادته دون سواه، وصبر على أذاهم وثابر على دعوتهم - ألقوه في النار، وأنجاه الله منها، واعتزلهم وما يعبدون من دون الله - وهب له إسماعيل ثم إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب استجابة لقوله:{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} (3) بشره بإسماعيل أولا، ولما بلغ معه السعي ابتلاه فيه، وأمره بذبحه، وآثر امتثال أمر ربه على حبه لولده، وصدق في تنفيذ أمره، فبشره ثانيا بإسحاق نبيا من الصالحين، وجعل النبوة في ذرية خليله من بعده؛ جزاء كريما لصبره على الأذى في سبيل الدعوة إلى الله، ونجاحه أتم نجاح فيما ابتلاه الله به من كلمات.
فالأولاد نعمة تتعلق بها قلوب البشر وترجوها، لتأنس بها من الوحشة، وتقوى بها عند الوحدة، وتكون قرة عين لها في الدنيا والآخرة؛ ولذا طلبها إبراهيم الخليل عليه السلام فقال:{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} (4)
(1)[إحياء علوم الدين](2\ 24- 26) .
(2)
سورة الأعراف الآية 189
(3)
سورة الصافات الآية 100
(4)
سورة الصافات الآية 100
وطلب زكريا عليه السلام من ربه ذرية طيبة، قال تعالى:{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (1) وقال: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} (2){إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (3){قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (4){وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} (5){يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} (6){يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} (7)
وأثنى سبحانه على عباده الصالحين بمحامد كثيرة: منها: قوله: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (8)
وأخبر تعالى: أن شعيبا عليه السلام أمر قومه أن يذكروا نعمة الله عليهم إذ جعلهم كثرة بعد قلة،
قال
: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ} (9) وذلك لتشكروه ولا تكفروه، وليعرفوا لله حقه وللعباد حقوقهم، فاعتبر تكثيرهم بعد القلة نعمة عظمى توجب عليهم طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1) سورة الأنبياء الآية 89
(2)
سورة مريم الآية 2
(3)
سورة مريم الآية 3
(4)
سورة مريم الآية 4
(5)
سورة مريم الآية 5
(6)
سورة مريم الآية 6
(7)
سورة مريم الآية 7
(8)
سورة الفرقان الآية 74
(9)
سورة الأعراف الآية 86