الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجهة نظر
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فبناء على دراسة موضوع تعليق الطلاق من قبل مجلس هيئة كبار العلماء، واختيار أكثرية الأعضاء وقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه، سواء قصد الزوج الحث أو المنع أو تصديق خبر أو تكذيبه أو قصد إيقاع الطلاق.
وقد وجه مختارو هذا القول اختيارهم، وذكروا مستندهم من كلام أهل العلم إذ لا نعلم وجود نص من كتاب ولا سنة في الموضوع؛ ولذلك حصل الاختلاف في وقوع الطلاق من عدمه.
ورأينا نحن الموقعين أدناه: أن الطلاق المعلق إن قصد الزوج بتعليقه على شيء وقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه - اعتبر طلاقا، كقوله: إن طلعت الشمس فأنت طالق. وإن قصد بتعليق الطلاق الحث أو المنع أو تصديق خبر أو تكذيبه - لم يقع الطلاق عند حصول المعلق عليه، وإنما يكون يمينا تجب فيها الكفارة للأمور الآتية:
الأول: أنه لم يقصد الطلاق، وإنما قصد الحث أو المنع مثلا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » .
الثاني: الطلاق المعلق لقصد المنع أو الحث يسمى يمينا في اللغة وفي عرف الفقهاء؛ ولذا دخل في أيمان البيعة، وفي عموم اليمين في حديث
(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .
الاستثناء في اليمين، وفي عموم اليمين في حديث التحذير من اقتطاع مال امرئ مسلم بيمين فاجرة، وفي عموم الإيلاء، وفي عموم حديث:«يمينك على ما يصدقك به صاحبك (1) » وفي عموم حديث: «إياكم والحلف في البيع (2) » كما ذكر ذلك: العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهما من المحققين، وإذا كان يمينا دخل في عموم قوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (3) وقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} (4) الآية فتجب فيها الكفارة.
الثالث: قياس الطلاق المعلق لقصد الحث أو المنع على ما ورد في قصة ليلى بنت العجماء، وهي ما رواه عبد الرزاق في [مصنفه] عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني قال: أخبرني أبو رافع قال: قالت مولاتي ليلى بنت العجماء: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق زوجتك أو تفرق بينك وبين امرأتك، قال: فأتيت زينب بنت أم سلمة. إلخ- ثم ذكر أنه أتى حفصة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وكلهم أفتاها بأن تكفر عن يمينها، وتخلي بين الرجل وامرأته، مع أن الهدي والصدقة والعتق أمور محبوبة لله تعالى يثيب فاعليها، ولم يأمرها أولئك بإنفاذ مقتضى حلفها، بل اكتفوا منها بالكفارة، فكيف يقال: إن الطلاق الذي هو مكروه عند الله تعالى، ولا يحبه من عباده- يقع عند التعليق للحث والمنع. . . إلخ.
ولا يقع العتق والصدقة والهدي المحبوبة لله تعالى يكون ذلك يمينا.
(1) صحيح مسلم الأيمان (1653) ، سنن الترمذي الأحكام (1354) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3255) ، سنن ابن ماجه الكفارات (2121) ، مسند أحمد بن حنبل (2/228) ، سنن الدارمي النذور والأيمان (2349) .
(2)
صحيح مسلم المساقاة (1607) ، سنن النسائي البيوع (4460) ، سنن ابن ماجه التجارات (2209) ، مسند أحمد بن حنبل (5/297) .
(3)
سورة التحريم الآية 2
(4)
سورة المائدة الآية 89
مكفرة، وقد اختار عدم وقوع الطلاق المعلق إذا أريد به الحث أو المنع مثلا جماعات من المحققين من السلف والخلف، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وهما هما في العلم والمعرفة والبصيرة.
الرابع: ما قيل عن تفرد سليمان التيمي بزيادة العتق في يمين ليلى بنت العجماء مردود برواية هذه الزيادة من طريقين غير طريق سليمان التيمي، ولو فرضنا تفرد سليمان التيمي بهذه الزيادة لم يضره ذلك؛ لأن زيادة الثقة مقبولة كما هو معلوم في مصطلح أهل الأثر، كيف وهو لم ينفرد بها؟! ومع ذلك فهو أجل من روى أثر ليلى بنت العجماء عن بكر بن عبد الله وأفقههم.
وما قيل من التعارض بين رواية عثمان بن حاضر للقصة دون هذه الزيادة وبين رواية سليمان التيمي التي فيها الزيادة- فمردود بأن هذا لا يسمى تعارضا؛ لأن الزيادة التي ثبتت في رواية سليمان التيمي لا تتنافى مع أصل الأثر، ولو فرض وجود التعارض، فإن رواية سليمان أرجح من رواية عثمان.
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم البحث في هذا المقام بحيث لم يبق معه لباحث مجال، وقد ذكر بعضه في إعداد البحث.
الخامس: ما ورد من الآثار عن الصحابة من الفتوى بوقوع الطلاق المعلق عند حصول المعلق عليه، فإنه إما غير صحيح نقلا، وإما صحيح معارض بمثله، وإما صحيح لكنه فيما قصد به إيقاع الطلاق لا الحث على الفعل أو المنع منه، فهو في غير محل النزاع، فلا يكون فيه حجة على ما نحن بصدده، والصواب التفصيل كما ذكرنا.
وعلى هذا لا تصح دعوى الإجماع على وقوع الطلاق المعلق.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
1 -
عبد الله خياط
عضو هيئة كبار العلماء
2 -
عبد الرزاق عفيفي
عضو هيئة كبار العلماء
3 -
عبد العزيز بن باز
عضو هيئة كبار العلماء
4 -
عبد الله بن حميد
عضو هيئة كبار العلماء
5 -
صالح بن لحيدان
عضو هيئة كبار العلماء
6 -
محمد بن جبير
عضو هيئة كبار العلماء
7 -
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
عضو هيئة كبار العلماء