المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وجهة نظرلصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌حكم تشريح جثة المسلم

- ‌الموضوع الأول: بيان حرمة المسلم ووجوب تكريمه حيا أو ميتا

- ‌الموضوع الثاني: بيان أقسام التشريح والضرورة الداعية إلى كل منها

- ‌تمهيد:

- ‌المسألة الأولى: ضرب أو رمي من تترس به الكفار من أسارى المسلمين

- ‌المسألة الثانية: شق بطن امرأة ماتت وفي بطنها ولد علم أنه حي:

- ‌المسألة الثالثة: أكل المضطر لحم آدمي ميت إذا لم يجد شيئا غيره:

- ‌المسألة الرابعة: إلقاء أحد ركاب سفينة خشي عليها العطب فيلقى أحدهم في البحر

- ‌ فتوى في جواز نقل عيون الموتى لترقيع قرنية الأحياء:

- ‌الموضوع الرابع: المقارنة بين المصالح التي بني عليها تشريح جثث الآدمي والمصالح التي بني عليها فقهاء الإسلام الاستثناء من قاعدة عصمة دماء بني آدم

- ‌القسامة

- ‌المراد بالقسامة في اللغة:

- ‌المراد بالقسامة عند الفقهاء:

- ‌ بيان مستند من عمل بالقسامة ومستند من لم يعمل بها

- ‌اختلاف العلماء فيها:

- ‌الصورة الأولى: التدمية

- ‌الصورة الثانية: شهادة بينة غير قاطعة على معاينة القتل:

- ‌الصورة الثالثة: شهادة عدلين بجرح، وعدل بالقتل:

- ‌الصورة الرابعة: وجود المتهم بقرب القتيل أو آتيا من جهته ومعه آلة القتل أو عليه أثره:

- ‌الصورة الخامسة: قتيل الصفين:

- ‌الصورة السادسة: قتيل الزحام:

- ‌الصورة السابعة: وجود قتيل في محلة:

- ‌تحرير محل النزاع في اللوث مع بيان منشأ الخلاف:

- ‌ من يحلف من المدعين:

- ‌ من يحلف من المدعى عليهم:

- ‌هدي التمتع والقران

- ‌أولا: ابتداء وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة

- ‌ثانيا: نهاية وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة:

- ‌ثالثا: ذبح الهدي ليلا مع الأدلة والمناقشة:

- ‌رابعا: مكان ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة:

- ‌خامسا: حكم الاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته مع الأدلة والمناقشة:

- ‌سادسا: علاج مشكلة اللحوم في منى:

- ‌وجهة نظرلصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع

- ‌حكم رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد

- ‌المسألة الأولى: حكم رمي جمرة العقبة ليلة العيد

- ‌القول الأول: اختلف العلماء متى يبتدئ وقت رميها:

- ‌القول الثاني: لا يجوز رميها قبل طلوع الفجر، ومن رماها قبل طلوع الفجر أعادها

- ‌القول الثالث: أن أول وقته للضعفة من طلوع الفجر ولغيرهم من بعد طلوع الشمس

- ‌المسألة الثانية: حكم رمي جمرة العقبة ليلة النفر

- ‌المذهب الأول: إن غربت الشمس يوم النحر وهو لم يرم جمرة العقبة فإنه يرميها

- ‌المذهب الثاني: إذا غربت الشمس من يوم النحر وهو لم يرم جمرة العقبة فلا يرميها إلا من الغد بعد الزوال

- ‌المسألة الثالثة: حكم تقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة:

- ‌المذهب الأولى: لا يجوز تقديم رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة

- ‌المذهب الثاني: يجوز رمي الجمار في هذه الأيام الثلاثة قبل الزوال مطلقا:

- ‌المذهب الثالث: مذهب أبي حنيفة، وفيه تفصيل

- ‌المسألة الرابعة: حكم رمي الجمار في ليلتي اليوم الثاني عشر والثالث عشر عن اليوم الذي قبلها:

- ‌المسألة الخامسة: أدلة الترخيص للرعاة في الرمي:

- ‌مصادر البحث وملحقاته

- ‌الطلاق المعلق

- ‌أولا: ما ورد عن الصحابة والتابعين من الآثار:

- ‌ثانيا: أقوال فقهاء المذاهب الأربعة:

- ‌ مذهب الحنفية:

- ‌ مذهب المالكية:

- ‌ مذهب الشافعية:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌وجهة نظر

- ‌تحديد المهور

- ‌أولا: مهر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌ثانيا: من عرف مهرها من سائر زوجات أصحابه رضي الله عنهم:

- ‌ثالثا: هل وجد في نصوص الشريعة حد للمهور:

- ‌رابعا: قصة عمر مع من أنكرت عليه حديثه في تقليل المهور:

- ‌خامسا: ما الفرق بين تحديد أسعار الأعيان والمنافع وتحديد المهور:

- ‌سادسا: مبررات التحديد ومضار عدمه:

- ‌سابعا: هل تحديد المهور علاج واقعي ناجح وإن لم يكن فما العلاج:

- ‌وجهة نظر

- ‌تحديد النسل

- ‌ الترغيب في النكاح وبيان مقاصده:

- ‌ الفرق بين منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل

- ‌ بواعث منع الحمل وتحديد النسل مع المناقشة:

- ‌ وسائل تحديد النسل وبيان مضارها:

- ‌ الحكم مع الدليل:

- ‌حكم التسعير

- ‌معنى التسعير:

- ‌المسألة الأولى: أن يحد لأهل السوق حد لا يتجاوزونه:

- ‌المسألة الثانية: من أراد أن يزيد عن سعر الناس أو ينقص هل يلزم بأن يبيع كالناس

- ‌المسألة الثالثة: في بيان من يختص به ذلك من البائعين القائلين بالتسعير:

- ‌المسألة الرابعة: بيان ما يدخله التسعير من المبيعات وهل يجوز تحديد أجور العقارات

- ‌الخلاصة

- ‌حكم الذبائح المستوردة

- ‌أولا: تمهيد يعتبر مدخلا إلى بحث الموضوع

- ‌ثانيا: ذكر طريقة الذبح الشرعية، وما صدر من فتاوى في الذبائح المستوردة:

- ‌الصفة المشروعة في الذبح والنحر

- ‌فصل في طعام الوثنيين ونكاح نسائهم:

- ‌مذهب الحنفية في ذبائح أهل الكتاب:

- ‌حكم ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية:

- ‌مذهب الشافعي في طعام أهل الكتاب:

- ‌مذهب أحمد وأصحابه في طعام أهل الكتاب والتسمية على الذبيحة:

- ‌صفوة الخلاف بين الفقهاء والمختار منه في طعام أهل الكتاب

- ‌بعض ما صدر في الموضوع من فتاوى:

- ‌ثالثا: ذكر ما ورد إلى هذه الرئاسة عن كيفية تذكية الحيوانات المستوردة من بلاد الكفار إلى المملكة العربية السعودية:

- ‌خامسا: حل مشكلة اللحوم المستوردة:

الفصل: ‌وجهة نظرلصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع

‌وجهة نظر

لصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع

إن وجهة نظري تتلخص في الملاحظات الآتية:

أولا: جاء في الصفحة الثالثة من البحث الاستدلال على تحديد وقت ذبح هدي التمتع والقران بالإطلاق في قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1) وبالتقييد في قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (2){ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (3) الآية، ولا شك أن بعض أهل العلم استدل بهذا، ولكن الأمانة العلمية تقتضي مناقشة هذا الاستدلال.

إذ يمكن مناقشته بما يلي:

إن كمال الآية المراد بها تقييد عموم قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (4) وقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (5){ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (6) الآية، وقد ذكر جمع كثير من العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء: أن المراد بالأيام المعلومات عشر ذي الحجة، فقد ذكر الجصاص في كتابه [أحكام القرآن] أنه روى عن ابن عباس بإسناد صحيح: أن المعلومات: العشر، والمعدودات: أيام التشريق، وهو قول الجمهور من التابعين منهم:

(1) سورة البقرة الآية 196

(2)

سورة الحج الآية 28

(3)

سورة الحج الآية 29

(4)

سورة البقرة الآية 196

(5)

سورة الحج الآية 28

(6)

سورة الحج الآية 29

ص: 310

الحسن ومجاهد وعطاء والضحاك وإبراهيم في آخرين منهم، وقد روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد: أن المعلومات: العشر، والمعدودات: أيام التشريق (1)

وروى البيهقي بإسناده إلى الشافعي أنه قال: الأيام المعلومات: أيام العشر كلها، والمعدودات: أيام منى فقط. اهـ (2)

وقال النووي في [المجموع] : وأما الأيام المعلومات فمذهبنا: أنها العشر الأوائل من ذي الحجة إلى آخر يوم النحر. . . إلى أن قال: وقال الإمام أبو إسحاق الثعلبي في [تفسيره] : قال أكثر المفسرين: الأيام المعلومات: هي عشر ذي الحجة. اهـ (3)

فعلى هذا لا حجة في الآية على قول بتحديد وقت الذبح بيوم النحر وأيام التشريق، بل قد يكون فيه دليل على القول بذبح هدي التمتع والقران في الأيام المعلومات التي هي العشر الأوائل من ذي الحجة؛ لأن المقصود بذكر الله على بهيمة الأنعام في هذه الآية التسمية عند ذبحها، وعلى القول الآخر لأهل العلم بأن المقصود بالمعلومات: يوم النحر وأيام التشريق فليس في الآية أمر صريح بتحديد وقت الذبح، وإذا كان الدليل يفهم من ترتيب قضاء التفث على ذكر الله على بهيمة الأنعام- فإن هذا يعني بطلان أعمال الحج يوم العيد من رمي وحلق أو تقصير وطواف زيارة إذا فعل ذلك قبل الذبح أو النحر. ولا يخفى ما عليه إجماع أهل العلم قاطبة من أن

(1)[أحكام القرآن](5 \ 67) .

(2)

[أحكام القرآن] للشافعي، جمع البيهقي (1 \ 134) .

(3)

[المجموع](8 \ 295) .

ص: 311

الترتيب فيها مستحب، وأنه لا حرج في تقديم واحد منها على الآخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن تقديم بعض هذه الأفعال على بعض قال:«افعل ولا حرج (1) » فدل ذلك على أن غاية الأمر أن يكون مفهوم الترتيب الاستحباب، وبذلك ينتفي الاستدلال بالآية.

ثانيا: جاء في الصفحة الثالثة من البحث مناقشة الجصاص الاعتراض على منع تقديم ذبح هدي التمتع والقران بإجازة الصوم الذي هو بدل عنه قبل يوم النحر، وقد كانت مناقشة في حاجة إلى مناقشة بما يلي:

أ- جاء في قوله: إنه ثبت في السنة امتناع ذبح الهدي قبل يوم النحر.

ويرد على ذلك: بأنه لو كان الأمر كما ذكر من ثبوت امتناع ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر بالسنة لما حصل الخلاف كما هو الحال في الأضحية، فقد ثبت بالسنة بدء وقت ذبحها، فانتفى الخلاف في ذلك.

والثابت بخصوص الهدي إنما هو في الهدي المسوق تطوعا يجوز ذبحه قبل يوم النحر، أما هدي المتعة والقران فإن القائلين بجواز ذبحه قبل يوم النحر يطالبون بالنص الصريح الثابت في امتناع ذبحه قبل يوم النحر من كتاب أو سنة، بل إنهم يستدلون بهما على جواز ذلك.

ب- ما ذكر: بأن الصوم مراعى ومنتظر به شيئان إلى آخر قوله) . هذا القول يمكن أن يقال في هدي المتعة. وأيضا فإذا وجد المعنيان إتمام الحج والعمرة صح الهدي عن المتعة، وإذا عدم أحدهما بطل أن يكون هدي متعة وصار هدي تطوع كصيام التطوع.

ج- قوله: بأن الهدي رتب عليه أفعال أخرى من حلق وقضاء تفث وطواف زيارة فلذلك اختص بيوم النحر. مناقشة ذلك ما مر في الملاحظة

(1) صحيح البخاري العلم (124) ، صحيح مسلم الحج (1306) ، سنن الترمذي الحج (916) ، سنن أبو داود المناسك (2014) ، سنن ابن ماجه المناسك (3051) ، مسند أحمد بن حنبل (2/202) ، موطأ مالك الحج (959) ، سنن الدارمي المناسك (1907) .

ص: 312

الأولى.

ثالثا: جاء في الصفحة الثامنة من البحث ما نصه: فهذه الأحاديث منها ما هو نص في أن بدء وقت النحر للمتمتع والقارن يوم الأضحى، ومنها ما يدل عليه بمفهومه أو مع أمره صلى الله عليه وسلم أن نأخذ عنه المناسك وقد نحر عن نفسه وعن أزواجه يوم الأضحى، ونحر أصحابه كذلك، ولم يعرف عن أحد منهم أنه نحر هديه لتمتعه أو قرانه قبل يوم الأضحى فكان ذلك عمدة في التوقيت بما ذكر من جهات عدة.

إن ذلك ممكن أن يناقش بما يلي:

أ- إن المتتبع لجميع ألفاظ الأحاديث الواردة في البحث لا يجد فيها نصا على تحديد بدء وقت نحر هدي التمتع والقران بيوم الأضحى، وإنما النص في بعضها على أن من ساق الهدي فلا يجوز له الإحلال حتى ينحر هديه، ولا شك أن الهدي الذي ساقه صلى الله عليه وسلم وساقه بعض أصحابه ودخلوا به مكة في حجهم معه صلى الله عليه وسلم هدي تطوع، دخل فيه هدي التمتع أو القران، فهو متصل به اتصال الجزء بكله بحيث لا يمكن فصله عنه.

ب- إن القول: بأن منها- أعني: الأحاديث الواردة في البحث- ما يدل مع أمره صلى الله عليه وسلم أن نأخذ عنه مناسكنا على بدء التحديد بيوم النحر- يرد عليه بإجماع الأمة على جواز ذبح هدي التمتع أو القران في اليوم الأول أو الثاني من أيام التشريق، وهو صلى الله عليه وسلم ذبح يوم العيد وقال:«خذوا عني مناسككم (1) » فلو كان عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم (2) » واردا على ذلك- لكان الذبح في أيام التشريق غير جائز للمخالفة، وقد لا يمكن القول بأن العموم مخصص بقوله صلى الله عليه وسلم:«وكل أيام التشريق ذبح (3) » فقد تكلم رجال الحديث في

(1) سنن النسائي مناسك الحج (3062) .

(2)

سنن النسائي مناسك الحج (3062) .

(3)

مسند أحمد بن حنبل (4/82) .

ص: 313

هذه الزيادة بما لا يتسع المقام لذكره، وبما يبطل الاستدلال به للتخصيص، مع أن قوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم (1) » عام في جميع أفعال النسك من ركن وواجب ومستحب، وفي قوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2) تخصيص لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم (3) » .

ج- إن ما نحره نفسه هو هديه الذي ساقه صلى الله عليه وسلم تطوعا ودخل به مكة محرما،. وكان سوقه سبب امتناع عن الإحلال، وأما نحره صلى الله عليه وسلم عن أزواجه في حجه فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك أضحية منه عنهن.

قال ابن حزم: ووجدنا ما رويناه من طريق مسلم، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة، فكنت فيمن أهل بعمرة، فقدمنا مكة، فأدركني يوم عرفة وأنا حائض لم أحل من عمرتي، فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " دعي عمرتك، وانقضي رأسك، وامتشطي وأهلي بالحج " قالت: ففعلت، فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر، فأردفني، وخرج بي إلى التنعيم، فأهللت بعمرة، وقضى الله حجنا وعمرتنا، ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم (4) » . . . إلى أن قال: فإن قيل: قد صح أنه عليه السلام أهدى عن نسائه البقر، قلنا: نعم، وقد بين معنى ذلك الإهداء سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: أنه

(1) سنن النسائي مناسك الحج (3062) .

(2)

سورة البقرة الآية 196

(3)

سنن النسائي مناسك الحج (3062) .

(4)

صحيح البخاري الحج (1786) ، صحيح مسلم الحج (1211) .

ص: 314

كان أضاحي، لا هدي متعة، ولا هديا عن قران. اهـ (1) .

وعلى فرض أن ما ذبحه صلى الله عليه وسلم عن نسائه هدي تمتع أو قران فقد فعل الأفضل، ولا شك أن الأفضل ذبح ذلك يوم العيد.

د- وأما القول بأنه لم يعرف أحد من أصحابه نحر هدي تمتعه أو قرانه قبل يوم الأضحى- فإنه يمكن مناقشته: بأن عدم معرفة أحد من الصحابة نحر هديه قبل يوم الأضحى لا يعني منع ذلك، ولا نفي أن أحدا من الصحابة فعله، ثم إن الحديث الذي أخرجه الحاكم في [مستدركه] وذكر أنه على شرط مسلم، وأقره الذهبي - صريح في أن سعد بن أبي وقاص ذبح هديه قبل يوم النحر، وقد أخرجه الطبراني في [الكبير] وذكر: أن رجاله ثقات، وسيأتي مزيد من نقاش لهذا الحديث والاعتراض عليه بما في [مجمع الزوائد] عن عكرمة.

رابعا: جاء في الصفحة الثامنة من البحث الاحتجاج لذلك القول بالإجماع بما ذكره ابن عابدين، ويمكن أن يناقش ذلك بما يلي:

لعل ابن عابدين رحمه الله يقصد بالإجماع: إجماع أهل مذهبه، مع أن ابن قدامة رحمه الله نسب إلى أبي حنيفة القول بوجوب هدي التمتع بالإحرام بالحج، وذلك في كتاب [المغني] كما نسب ذلك إليه ابن العربي في كتاب [أحكام القرآن] وابن مفلح في كتابه [الفروع] .

أما أن يقصد ابن عابدين إجماع الأمة على منع ذلك فبعيد جدا؛ لوجود الخلاف القوي في المسألة بين العلماء من مالكيين، وشافعيين، وحنابلة،

(1)[المحلى](7 \ 193، 194) .

ص: 315

وغيرهم، ولأن مثل ابن عابدين لا يخفى عليه الخلاف في المسألة، لا سيما وهو خلاف مشهور، وعلى فرض أن ابن عابدين يقصد بالإجماع إجماع الأمة فما ذكره غير صحيح، والخلاف في ذلك مشهور يعرفه الخاص والعام.

خامسا: جاء في الصفحة الثامنة من البحث الاحتجاج بالمعنى بما ذكره ابن قدامة رحمه الله بقوله: لأن ما قبل يوم النحر لا يجوز ذبح الأضحية فيه. . . إلى آخره.

ويمكن نقاش ذلك بما ذكره ابن قدامة نفسه توجيها للقول بجواز تقديم ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر حيث قال:

ووجه جوازه: أنه دم يتعلق بالإحرام وينوب عنه الصيام، فجاز قبل يوم النحر كدم الطيب، واللباس؛ ولأنه يجوز إبداله قبل يوم النحر فجاز أداؤه قبله كسائر الفديات. اهـ (1)

وبما ذكره في توجيه رواية الوجوب بعد الإحرام بالحج بقوله؛ لأن الله تعالى قال: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2) وهذا قد فعل ذلك؛ ولأن ما جعل غاية فوجود أوله كاف، كقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (3) .

وبما ذكره الشافعي رحمه الله بقوله: وإذا ساق المتمتع الهدي معه أو

(1)[المغني] ومعه [الشرح الكبير](3 \ 505) .

(2)

سورة البقرة الآية 196

(3)

سورة البقرة الآية 187

ص: 316

القارن لمتعته أو قرانه، فلو تركه حتى ينحره يوم النحر كان أحب إلي، وإن قدم فنحره في الحرم أجزأ عنه من قبل أن على الناس فرضين: فرضا في الأبدان، فلا يكون إلا بعد الوقت، وفرضا في الأموال، فيكون قبل الوقت إذا كان شيئا مما فيه الفرض، اهـ (1) .

وبما ذكره ابن رجب في [قواعده] قال: العبادات كلها- سواء كانت بدنية أو مالية أو مركبة منهما- لا يجوز تقديمها على سبب الوجوب، ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب، أو قبل شرط الوجوب، ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة، وذكر منها ما ذكرتم قال: ومنها صيام التمتع والقران، فإن سببه العمرة السابقة للحج في أشهره، فبالشروع في إحرام العمرة قد وجد السبب فيجوز الصيام بعده، وإن كان وجوبه متأخرا عن ذلك، وأما الهدي فقد التزمه أبو الخطاب في انتصاره، ولنا رواية: أنه يجوز ذبحه لمن دخل قبل العشر لمشقة حفظه عليه إلى يوم النحر. اهـ (2) .

كما أنه يمكن مناقشة ما ذكره ابن قدامة رحمه الله من قياسه الهدي على الأضحية بما ذكره ابن مفلح في [الفروع] حيث قال: وقاسوه على الأضحية والهدي وهي دعوى. اهـ (3)

سادسا: جاء في الصفحة التاسعة من البحث: اعتراض الرهوني على ما ذكره الأبي عن القاضي عياض في شرحه رواية مسلم: فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي، ويجتمع النفر منا في الهدية، وذلك حين أمرهم أن يحلوا من

(1)[الأم] للشافعي (2 \ 217) .

(2)

[القواعد] لابن رجب ص 6، 7.

(3)

الفروع، (2 \ 249) .

ص: 317

حجهم. مع أن في الحديث حجة لمن يجيز للمتمتع نحر هديه بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج إلى آخره، حيث ذكر الرهوني أن لديه نسخة عتيقة مظنونا فيها الصحة، وليس فيها جواز نحر هدي المتمتع بعد التحلل من العمرة، وإنما ذكر فيها جواز تقليد الهدي قبل الإحرام بالحج إلى آخر ما ذكره الرهوني.

ويمكن مناقشة ذلك بما يلي:

أ- إن عبارة القاضي عياض في جواز نحر الهدي قبل الإحرام بالحج قد تناقلها شيوخ كبار في مذهب الإمام مالك، فقد نقلها عنه الأبي والسنوسي والدسوقي والبناني ومحمد عابد - فلم يعترض عليها واحد منهم، بل احتج بها بعضهم على رد تأويلات بعض شراح مختصر خليل في قوله: وأجزأ- أي: دم التمتع- قبله- أي: قبل يوم النحر- حينما قال بعضهم: إن المقصود بذلك تقليد الهدي وإشعاره لا ذبحه.

ب- إن احتجاج الرهوني لدعواه التصحيف بما لديه من نسخة يدعي قدمها والوثوق بها- فيه نظر، ولو سلم له احتجاجه لكان ذلك من أقصر الطرق لرد آراء العلماء وأقوالهم بإنكار نسبتها إليهم بالتصحيف فيما كتب عنهم، ثم هل يمكن أن تكون نسخة الرهوني هي الصحيحة الثابتة دون ما عداها مما لدى شيوخه وشيوخهم، إن العكس هو القريب الممكن المعقول.

ج- إن اللجنة أيدت دعوى التصحيف بما ذكره بأن اللخمي ذكر الخلاف في التقليد لا في النحر، وهذه الحجة ليست أكثر عجبا من سابقتها، فإن عدم ذكر الشخص الشيء لا يعني نفيه من الوجود واللخمي

ص: 318

كغيره من عباد الله ينطبق عليه القول: (علمت شيئا وغابت عنك أشياء) .

على أن المرء يقف حائرا في تكييف وجه الخلاف بين علماء المذهب المالكي في جواز تقليد الهدي وإشعاره بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج إلا أن يكون المراد بذلك مآل التقليد والإشعار، وهو الذبح حسبما يفهم من التمثيل على جواز ذلك بقياسه على تقديم الكفارة قبل الحنث والزكاة قبل الحول، وأن ذلك مما تقتضيه السنة توسعة في جميع ذلك، فإن اقتضاء السنة التوسعة على العباد لا يعني الحرج وإيجاد العسر والمشقة في رعاية الهدي المقلد والمشعر حتى يأتي يوم النحر، فإن الحاج في شغل عنه بتهيئة أسباب حجه، من زاد وراحلة وغير ذلك، وإنما التوسعة عليه في إراحته من ملازمته ورعايته بذبحه بعد وجوبه، ولا شك أن المتتبع بإنصاف لنصوصهم يقوى لديه الظن بأنهم يقصدون بذلك الذبح؛ لما في جميع ذلك من التوسعة التي تقتضيها السنة.

د- إن الرهوني تعقب ما نقله الأبي عن المازري من قوله: مذهبنا: أن هدي التمتع إنما يجب بالإحرام بالحج وفي وقت جوازه ثلاثة أوجه: فالصحيح والذي عليه الجمهور أنه يجوز بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج. اهـ (1) .

فقال: ليس فيه أن المراد بالجمهور جمهور أهل المذهب، وقد تقدم: أن المراد بهذه العبارة حيث أطلقها أهل الخلاف الكبير: جمهور المجتهدين، وإن كانت تشمل الإمام مالكا، لكن لا تصريح بنسبة ذلك

(1)[إكمال إكمال المعلم](3 \ 451) .

ص: 319

إليه. اهـ (1) .

وهذا ما يفرح به القائلون بتقديم ذبح هدي التمتع قبل يوم النحر، فلأن يكون هذا القول قول جمهور المجتهدين من علماء الإسلام أمثال الإمام مالك أحب إليهم من أن يكون قول جمهور المالكيين من أمثال الرهوني وأترابه.

هـ- إن المتتبع لحواشي الرهوني يخرج من تتبعها بالحكم عليه بأنه ليس في مستوى قيادي في مذهبه يريد أن يقلل من شأن القول بجواز الذبح قبل يوم النحر بإنكار أن الجمهور القائلين به حسبما ذكره المازري جمهور المالكيين، وإنما هم جمهور المجتهدين أمثال مالك وغيره، وهذا تقوية للقول من حيث لا يدري مع أن المتتبع لقول المازري يخرج من تتبعه أنه يتحدث عن مذهبه وعن فقهاء مذهبه وأقوالهم، مما يدل على أن ما ذكرنا في الرهوني وارد، وإذا كان الرهوني على مستوى يسمح باعتباره إماما في مذهبه ومحققا، وإذا كانت نسخته هي المظنون بها الصحة، فكيف لنا تفسير نقله من نسخته، هذه التي لم يجد غيرها في ذلك الوقت حسبما ذكر، نقله آية من كتاب الله تعالى وأوردت خطأ دون أن يشير إلى تصحيحها، فقد جاء في [حاشيته] ونقلته اللجنة عنه في السطر الثامن من الصفحة التاسعة من البحث ما نصه: ونصه: وقوله للمتمتعين: (فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) نص في كتاب الله تعالى مما يلزم التمتع. إن صحة الآية: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (2)

(1)[حاشية الرهوني على شرح عبد الباقي مختصر خليل](2 \ 434) .

(2)

سورة البقرة الآية 196

ص: 320

سابعا: جاء في الصفحتين العاشرة والحادية عشرة من البحث نقل طويل لشيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله وفيه يشير إلى تغليط من يجيز على المذهب المالكي ذبح الهدي قبل الإحرام بالحج بعد أن أورد مجموعة نصوص لشراح [مختصر خليل] يؤولون قوله: وأجزأ بما قبله.

ويمكن مناقشة ما ذكره بعض شراح المختصر من التأويلات بما قاله الدسوقي بعد أن أورد قول بعضهم: إن المراد بذلك: تقليد الهدي وإشعاره لا ذبحه.

قال: فيه نظر، فقد قال الأبي في [شرح مسلم] على أحاديث الاشتراك في الهدي على قول الراوي: وأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ما نصه: (عياض) في الحديث حجة لمن يجوز نحر الهدي للمتمتع بعد الإحلال بالعمرة وقبل الإحرام بالحج، وهي إحدى الروايتين عندنا، والأخرى: أنه لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج؛ لأنه بذلك يصير متمتعا، وذكر بعضهم: أنه بعد الإحرام بالعمرة. اهـ.

وبه تعلم أنه يتعين صحة إبقاء كلام المصنف - أي: خليل - على ظاهره، وسقوط تعقب الشراح عليه، وتأويلهم له من غير داع لذلك. اهـ (1) .

(1)[حاشية الدسوقي على شرح الدردير على مختصر خليل](2\ 27) .

ص: 321

وقال الشيخ محمد عابد في شرح قول الماتن: ولا يجوز نحر هدي التمتع. قال: تبع في ذلك الحطاب في [مناسكه] والدردير وعبد الباقي على خليل عند قوله: وأجزأ قبله، حيث قال كل منهم: أي: إشعاره وتقليده لا نحره إذ لم يقل به أحد، وفي البناني ما يخالف ذلك، وحاصل ما فيه: أنه أطبق كثير من شراح خليل على تأويل قوله: أجزأ قبله - أي: الإشعار والتقليد - محتجين بأنه لم يصرح أحد من أهل المذهب بأن نحر الهدي قبل الإحرام بالحج مجزئ، وهو غير ظاهر؛ لقول الأبي في [شرح مسلم] على أحاديث الاشتراك في الهدي على قول الراوي: وأمرنا إذا أحللنا أن نهدي، ما نصه: عياض في الحديث حجة لمن يجوز نحر الهدي للمتمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج، ثم ساق بقية كلام القاضي (عياض) وكلام المازري عن طريق الأبي (1) .

ثامنا: جاء في الصفحة الرابعة عشرة من البحث مناقشة الرواية عن الإمام أحمد بجواز ذبح هدي من قدم به مكة قبل العشر خشية ضياعه أو سرقته، ويمكن نقاش ذلك بأن هذه المسألة خارجة عن موضوعنا؛ لأنها خاصة فيمن قدم مكة ومعه هدي، وموضوعنا خاص فيمن تمتع بالعمرة إلى الحج فاستوجب الهدي أيذبحه بعد وجوبه أم يؤخر ذبحه حتى يوم النحر؟

تاسعا: جاء في الصفحة الرابعة عشرة من البحث مناقشة الاستدلال على جواز الذبح قبل يوم النحر بآية: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2)

(1)[هداية المناسك] .

(2)

سورة البقرة الآية 196

ص: 322

بأن هذا مجرد فهم للآية باجتهاد عارضه نص، هو قوله تعالى:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (1) الآية.

وقد سبق مناقشة الاستدلال بهذه الآية في الملاحظة الأولى مما يغني عن إعادته.

عاشرا: جاء في الصفحة الخامسة عشرة من البحث مناقشة الاستدلال بحديث أبي الزبير عن جابر: فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي، ويجتمع النفر منا في الهدي، وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم.

في هذا الحديث أمور ثلاثة يمكن أن تناقش بما يلي:

أ - التسليم بنفي التعارض بينه وبين الأحاديث الواردة في البحث، إذ ليس فيها ما يدل بصريح العبارة على منع تقديم ذبح هدي التمتع أو القران على يوم النحر، وقد سبقت مناقشة القول بدلالتها على المنع في الملاحظة الثالثة، وعليه فإن دلالة الحديث على إجازة الذبح بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج - قد فهمها علماء كبار من رجال الحديث وشراحه، أمثال: النووي والقاضي عياض والمازري والأبي والسنوسي وغيرهم.

ب - إن القول: بأن المقصود بقول جابر: فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي. التحلل من الحج يرده مزيد التأمل والتدبر في نهاية الحديث، وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم، فلقد أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين أحرموا بالحج معه أن يحلوا منه إلى عمرة واشتد غضبه صلى الله عليه وسلم على قوم ترددوا في الأخذ

(1) سورة الحج الآية 28

ص: 323

بقوله وأمره. أما التحلل من الحج يوم العيد فإنه لا يكون بأمر، وإنما يحصل بأفعال يفعلها الحاج يوم العيد من رمي وحلق أو تقصير وطواف زيارة، وفضلا عن ذلك كله فإن راوي الحديث عن جابر - وهو: أبو الزبير - قد أبان المقصود من ذلك، فقد ذكر أبو عبد الله الأبي في شرحه [صحيح مسلم] عند كلامه على حديث جابر ما نصه: ويعني بقوله حين أمرهم: يعني: إحلال الفسخ الذي أمرهم به في حجة الوداع. اهـ.

إن القول: بأن في الحديث زيادة شاذة لمخالفتها ما سبق من الأدلة الصحيحة الخالية من هذه الزيادة، وأن مدارها على محمد بن بكر البرساني - يمكن أن يناقش بما يلي:

1 -

نفي الشذوذ في هذه الزيادة، إذ هي لم تخالف غيرها من الروايات، فليس هناك حديث صحيح ينص على بدء وقت ذبح هدي التمتع والقران بيوم النحر، وإنما غاية ما في الأمر مفاهيم لا يجوز أن يحكم بها على زيادة من عدل رواها مسلم في [صحيحه] إذ الزيادة من العدل مقبولة.

2 -

إن القول: بأن مدار هذه الزيادة على محمد بن بكر البرساني غير صحيح، فقد روى الإمام أحمد في [مسنده] هذا الحديث بكامل هذه الزيادة عن محمد بن بكر وروح بن عبادة القيسي فقال: حدثنا محمد بن بكر وروح قالا: حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في البدنة وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجتهم (1) » . اهـ (2) .

(1) مسند أحمد بن حنبل (3/378) .

(2)

[مسند الإمام أحمد](3\ 378) .

ص: 324

وروح هو: روح بن عبادة القيسي، قال الحافظ ابن حجر: كان أحد الأئمة، وثقه علي بن المديني ويحيى بن معين ويعقوب بن شيبة وأبو عاصم وابن سعد والبزار، وأثنى عليه أحمد وغيره، وقال يعقوب بن شيبة: قلت لابن معين: زعموا أن ابن القطان كان يتكلم فيه فقال: باطل ما تكلم فيه. . إلى أن قال الحافظ: قلت: احتج به الأئمة كلهم. اهـ. (1) .

وقال الحافظ ابن حجر في محمد بن بكر ما نصه: وثقه أبو داود والعجلي، وقال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: شيخ محله الصدق. إلى آخر ما قال (2) .

وقال في [تهذيب التهذيب] : قال حنبل بن إسحاق عن أحمد: صالح الحديث، وقال الدوري عن ابن معين: ثنا البرساني، وكان والله ظريفا صاحب أدب، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة، وقال أبو داود والعجلي: ثقة. قال الحافظ: وذكره ابن حبان في الثقات، وقال هو وابن سعد وآخرون: مات سنة ثلاث ومائتين، زاد ابن سعد: بالبصرة في ذي الحجة وكان ثقة، وذكر الحافظ أنه أجاب عن قول الذهبي في البرساني، روى عن عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة في حديث بسرة في مس الذكر: أو أنثييه أو فرجه فرفع الزيادة، وإنما هي من قول عروة قال: قد أوضحت ذلك في المدرج وذكرت فيه من شاركه في رفع هذه الزيادة لكن عن غير شيخه وبينت سبب الإدراج ومستنده (3) .

(1)[هدي الساري](2\ 127) .

(2)

[هدي الساري](2\ 159) .

(3)

[تهذيب التهذيب](9\ 78) .

ص: 325

3 -

إن هذه الزيادة غير شاذة، ففضلا عن أن محمد بن بكر لم ينفرد بها، بل اشترك معه في روايتها عند أحمد روح بن عبادة وأنه ليس في الروايات الأخرى نص صريح في مخالفتها فقد تأيدت بما روى الحاكم في [مستدركه] والطبراني في [الكبير] من «أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالإحلال من الحج وفسخه إلى عمرة إلا من ساق معه الهدي، ثم قسم صلى الله عليه وسلم يومئذ في أصحابه غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذبحه (1) » . وسيأتي مزيد نقاش لحديث الحاكم.

ج - إن القول: بأن مسألة ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر من الأمور التي تتوافر الهمم والدواعي على نقلها لو كان فيها نص بالجواز، يمكن نقاشه: بأن الهمم والدواعي تتوافر أيضا على نقل ما فيها من نصوص تقتضي المنع لو كانت هناك نصوص في ذلك، وحيث لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم نص صريح في منع ذلك، وتعيين البدء بيوم النحر حتى يمكن أن يكون مخصصا لعموم قوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2) - تعين الأخذ بعموم الآية، مع ما هناك من أدلة أخرى تسند الجواز، فمتى دخل الحاج في معنى التمتع وجب عليه الهدي، واستقر في ذمته حتى يؤديه؛ كاستقرار الكفارات في ذمة مستوجبها، وكوجوب الدماء في ذمة من استوجبها.

الحادية عشرة: جاء في الصفحة الخامسة عشرة من البحث الاستدلال للقائلين بجواز تقديم الذبح قبل يوم النحر بما ذكره الشيرازي. ولو أضيف

(1) مسند أحمد بن حنبل (1/307) .

(2)

سورة البقرة الآية 196

ص: 326

إليه ما ذكره الشافعي في [الأم] وابن قدامة في [المغني] وابن رجب في [قواعده] مما تقدم لنا ذكره في الملاحظة الخامسة - لكان ذلك من إيفاء البحث حقه. ومع ذلك فإن مناقشته بأنه دليل اجتهادي في مقابل نص قد تقدم ردها بالمطالبة بالنص الصريح الثابت من كتاب أو سنة أو قول صحابي في تحديد بدء وقت ذبح هدي التمتع والقران بيوم النحر.

جاء في الصفحة السادسة عشرة من البحث مناقشة الاستدلال بآية {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1) في أن التمتع يحصل بأول جزء من الحج وهو الإحرام إلى آخره. من أن التمتع قد لا يتحقق بإحرام الحج لاحتمال فوات الوقوف بعرفة.

ويمكن نقاش ذلك: بأن هذا لا يمنع من لم يجد هديا أن يعدل إلى بدله وهو الصوم مع احتمال عدم التمكن من إكمال التمتع، فإذا جاز ذلك في البدل جاز في المبدل عنه.

الثانية عشرة: جاء في الصفحة السابعة عشرة من البحث مناقشة الاستدلال بحديث الحاكم بما رواه الإمام أحمد في [مسنده] عن طريق عكرمة مولى ابن عباس، وفيه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ غنما يوم النحر في أصحابه وقال: " اذبحوها لعمرتكم فإنها تجزئ (2) » إلى آخره. من أن رواية الإمام أحمد مفسرة لرواية الحاكم.

ويمكن مناقشة ذلك بما يلي: إن الروايتين لا يصلح أن تكون إحداهما مفسرة للأخرى؛ لانتفاء الإجمال في رواية الحاكم، فإنها صريحة في أن

(1) سورة البقرة الآية 187

(2)

مسند أحمد بن حنبل (1/307) .

ص: 327

النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنم في أصحابه بعد الإحلال من العمرة وقبل الوقوف بعرفة، كما يتضح ذلك من سياق الحديث الذي لم تذكره اللجنة بتمامه. وتأسيسا عليه في النقاش فإنه يتعين ذكر نصه بتمامه. روى الحاكم في [مستدركه] قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى بن إبراهيم، ثنا حمد بن النضر بن عبد الوهاب، ثنا يحيى بن أيوب، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي عن محمد بن إسحاق، ثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء عن جابر بن عبد الله قال:«كثرت القالة من الناس: فخرجنا حجاجا حتى لم يكن بيننا وبين أن نحل إلا ليال قلائل أمرنا بالإحلال، فيروح أحدنا إلى عرفة وفرجه يقطر منيا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقام خطيبا فقال: " أبالله تعلموني أيها الناس، فأنا والله أعلمكم بالله وأتقاكم له، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هديا، ولحللت كما أحلوا، فمن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله، ومن وجد هديا فلينحر " فكنا ننحر الجزور عن سبعة، قال عطاء: قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه غنما، فأصاب سعد بن أبي وقاص تيسا فذبحه عن نفسه، فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف فقام تحت يدي ناقته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " اصرخ أيها الناس، هل تدرون أي شهر هذا؟ ! (1) » إلى آخر الحديث، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي على تصحيحه.

فقوله صلى الله عليه وسلم: " أبالله تعلموني أيها الناس ". . . إلى قوله: " ومن وجد هديا فلينحر " صريح في الأمر بالنحر في ذلك الوقت الذي ألقى فيه كلمته التوجيهية. وقول جابر: فكنا ننحر الجزور عن سبعة، صريح في الامتثال

(1) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7367) ، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2805) ، مسند أحمد بن حنبل (3/366) .

ص: 328

لأمره صلى الله عليه وسلم يومئذ. وقول ابن عباس: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيسا فذبحه عن نفسه (1) » - بين أن ذلك هو زمن أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحلل من الحج وفسخه إلى عمرة، ويؤيد ذلك روايتا مسلم وأحمد عن أبي الزبير عن جابر: فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية، وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم.

ورواية عكرمة عن ابن عباس صريحة في أن الغنم التي قسمها صلى الله عليه وسلم في أصحاب سعد كان يوم النحر.

وبذلك يتضح التعارض بين الروايتين ويتعين المصير إلى الترجيح.

وعليه فيمكننا ترجيح رواية الحاكم على رواية الإمام أحمد بالأمور الآتية:

أ - إن رواية الحاكم فيها قصة، ورجال الحديث وحفاظه متفقون على أن القصة في الحديث من أدلة حفظه. قال ابن القيم رحمه الله في معرض توجيهه القول بالأخذ بحديث عائشة في إنكارها على زيد بن أرقم بيعه بالعينة - قال: وأيضا فإن في الحديث قصة. وعند الحفاظ إذا كان فيه قصة دلهم على أنه محفوظ (2) .

ب - إن دلالة رواية الحاكم على أن سعد بن أبي وقاص ذبح تيسه بعد إحلاله من العمرة - مؤيدة برواية مسلم وأحمد عن جابر: فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم. قال أبو الزبير راوي الحديث عن جابر: ويعني بقوله: حين

(1) مسند أحمد بن حنبل (1/307) .

(2)

[إعلام الموقعين](3\ 217) .

ص: 329

أمرهم، يعني: إحلال الفسخ الذي أمرهم به في حجة الوداع. اهـ.

ج - إن رجال رواية الحاكم ثقات، وعلى شرط مسلم، كما ذكر ذلك الحاكم، وأقره الذهبي، وفيهم عطاء أفقه الناس في المناسك، ومن أكثرهم علما وورعا وتقى. وقد روى صدرها عن جابر عطاء ومجاهد، وروى عجزها عن ابن عباس عطاء.

د - إن رواية الحاكم مؤيدة بما روى الطبراني عند الهيثمي في [مجمع الزوائد] في باب الخطب في الحج حيث قال: وعن ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه غنما، فأصاب سعد بن أبي وقاص تيسا فذبحه، فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف، فقام تحت يدي ناقته وكان رجلا صيتا، فقال: " اصرخ: أيها الناس، أتدرون أي شهر هذا؟ !» . . . إلى آخره، قال الهيثمي: رواه الطبراني في [الكبير] ورجاله ثقات (1) ، فقد رتب رواية وقوفه صلى الله عليه وسلم بعرفة وخطبته في الناس على رواية تقسيمه صلى الله عليه وسلم الغنم في أصحابه وإصابة سعد بن أبي وقاص تيسا منها وذبحه، كما هو الحال في رواية الحاكم.

هـ - إن رواية الإمام أحمد التي فيها: قسم غنما يوم النحر في أصحابه. من طريق عكرمة مولى ابن عباس، ولا يخفى ما لعطاء على عكرمة من الفضل والتقديم والثقة. فإن عكرمة وإن اعتبره بعض أهل العلم، فيكفينا لرد الاحتجاج بروايته إذا عارضت رواية رجال ثقات أمثال عطاء وغيره ممن اعتبرهم أهل العلم ووثقوهم - يكفينا لذلك ما ذكره الحافظ الذهبي في

(1)[مجمع الزوائد](3\271) .

ص: 330

كتابه [ميزان الاعتدال] حيث قال عن عكرمة ما يلي:

قال محمد بن سيرين: ما يسوءني أن يكون من أهل الجنة، ولكنه كذاب، وقال ابن المسيب لمولاه برد: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس، وقال وهيب: شهدت يحيى بن سعيد الأنصاري ذكر عكرمة فقال: كذاب. وروى جرير عن يزيد بن أبي زيادة عن عبد الله بن الحارث قال: دخلت على علي بن عبد الله، فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش فقلت له: ألا تتق الله، فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي. وقال ابن أبي ذئب: رأيت عكرمة وكان غير ثقة. وقال مطرف بن عبد الله: سمعت مالكا يكره أن يذكر عكرمة ولا رأى أن يروى عنه.

قال أحمد بن حنبل: ما علمت أن مالكا حدث بشيء لعكرمة إلا في الرجل يطأ امرأته قبل الزيارة، رواه عن ثور عن عكرمة. وقال محمد بن سعد: كان عكرمة كثير الحديث والعلم بحرا من البحور، وليس يحتج بحديثه ويتكلم الناس فيه، وقال خالد بن خداش: شهدت حماد بن زيد في آخر يوم مات فيه فقال: أحدثكم بحديث لم أحدث به قط؛ لأني أكره أن ألقى الله ولم أحدث به. سمعت أيوب يحدث عن عكرمة أنه قال: إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به، قلت - القائل الحافظ الذهبي -: ما أسوأها عبارة وأخبثها، بل أنزله ليهدي به ويضل الفاسقين، وقال قطر بن خليفة: قلت لعطاء: إن عكرمة يقول: قال ابن عباس: سبق الكتاب الخفين. فقال: كذب عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: لا بأس بمسح الخفين وإن دخلت الغائط، قال عطاء: والله إن كان بعضهم ليرى أن المسح على القدمين يجزئ، وثبت عن أحمد بن حنبل أنه قال في عكرمة: كان يرى رأي الصفرية، وقال ابن

ص: 331

المديني: كان يرى رأي نجدة الحروري، وقال عطاء: كان أباضيا. وقال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج. وقال يحيى بن بكير: قدم عكرمة مصر وهو يريد المغرب، قال: فالخوارج الذين هم بالمغرب عنه أخذوا. إلى آخر ما ذكره (1) .

وما في رواية عكرمة من الإشكال في قوله: " اذبحوها لعمرتكم، فإنها تجزئ " إذ ليس على العمرة دم، والتمتع والقران لا يسمى أحدهما عمرة فما نوع هذه العمرة المستوجبة للدم؟ ثم إن التعبير بلفظ: فإنها تجزئ، تعبير رديء ركيك ساذج ينزه الأسلوب النبوي عن مستواه. إنه يشبه من يقدم لشخص جائع طعاما ثم يقول له: كله فإنه يرفع الجوع ويدفعه. اللهم إلا أن يكون الغرض من ذلك أنه قسم غنما رديئة لا يجزئ مثلها هديا فاعتبر لها حكما خاصا في الإجزاء كعناق خال البراء بن عازب. وهذا مما لا نستطيع اعتباره والقول به، فمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفع وأعلى من أن يرتضي لربه نسائك رديئة يتقرب بها إليه. وقد تقرب صلى الله عليه وسلم لربه بهدي جزل بلغ مائة بدنة.

الثالثة عشرة: جاء في الصفحة السابعة عشرة من البحث مناقشة ما ذكره الشيرازي من الأمر المعنوي في جواز الذبح قبل يوم النحر بأمور ثلاثة يمكن نقاش أحدها بنفي وجود النص الصريح المقتضي منع ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر حتى يقال بمصادمته للاجتهاد فضلا عن أن القول بالجواز مؤيد بالكتاب والسنة وعمل الصحابة، وقد مر بسط ذلك

(1)[ميزان الاعتدال](3\ 93 - 96) .

ص: 332

مما يغني عن إعادته.

كما يمكن نقاش الأمر الثاني بما ذكره في الملاحظة الثانية.

ويمكن نقاش الأمر الثالث بأن ما يذكره ابن القيم رحمه الله أو غيره من أهل العلم لا يكون حجة حتى يستند قوله على ما يؤيده من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس صحيح. أما إذا كان قوله مجرد رأي فإنه رجل وغيره رجال.

الرابعة عشرة: جاء في الصفحة الثامنة عشرة من البحث نفي الفرق بين الأضحية والهدي في الوقت.

ويمكن نقاش ذلك: بأنه قياس مع الفارق، فالأضحية عبادة مستقلة جاء النص الصريح بتحديد بدء وقت جواز ذبحها، وكاد الإجماع ينعقد على تحديد نهاية الوقت بنهاية اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق على خلاف بين أهل العلم، أما الهدي الواجب للتمتع أو القران فليس عبادة مستقلة، وإنما هو جزء من أعمال الحج لم يرد نص صريح من كتاب أو سنة بتحديد انتهاء وقته، وقد جاء النص بوجوبه عند حصول التمتع، قال تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1) فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فقد وجب عليه الهدي واستقر في ذمته حتى يؤديه، قال ابن حزم رحمه الله بعد أن ذكر أن هدي التمتع يجب بالإحرام بالحج بعد التحلل من العمرة - قال ما نصه:

وأما ذبحه ونحره بعد ذلك فلأن هذا الهدي قد بين الله تعالى أول وقت وجوبه، ولم يحدد آخر وقت وجوبه بحد، وما كان هكذا فهو دين باق أبدا حتى يؤدى، والأمر به ثابت حتى يؤدى، ومن خصه بوقت محدود فقد قال

(1) سورة البقرة الآية 196

ص: 333

على الله ما لم يقله عز وجل، وهذا عظيم جدا. اهـ (1) .

وقد رد بعض أهل العلم قياس هدي التمتع والقران على الأضحية أو هدي التطوع، فقال ابن مفلح: وقاسوه على الأضحية والهدي وهي دعوى (2) . اهـ.

وقال النووي: ويخالف الأضحية؛ لأنه منصوص على وقتها. اهـ (3) .

الخامسة عشرة: جاء في الصفحة الثامنة عشرة الاحتجاج على تحديد وقت انتهاء الذبح باليوم الثاني من أيام التشريق بالإجماع بما ذكره الجصاص عن بعض الصحابة، وأنه لا يجوز لمن بعدهم مخالفتهم.

ويمكن نقاش ذلك بأمرين:

أحدهما: أن المقصود بالذبح ذبح هدي التطوع والأضاحي لا ذبح هدي المتعة والقران؛ لورود النص فيهما دون هدي المتعة والقران ولاختلافه عنهما.

الثاني: استبعاد أن الجصاص يقصد بقوله: وأنه لا يجوز لمن بعدهم مخالفتهم؛ انعقاد الإجماع على ذلك، وعلى فرض أنه يقصد الإجماع فإن النقل عن بعض الصحابة في حكم مسألة لا يعني إجماع كل الصحابة على القول به حتى يرد النص بنفي الخلاف بينهم فيها ما لم تكن مبنية على نص صريح ثابت من كتاب أو سنة.

السادسة عشرة: جاء في الصفحة الثانية من البحث نقول عن الرملي

(1)[المحلى](7\ 155) .

(2)

[الفروع](2\ 249) .

(3)

[المجموع](7\ 180) .

ص: 334

والفتوحي من الشافعية: بأن وقت ذبح الهدي محدود بوقت ذبح الأضحية على الصحيح، وصحح ذلك النووي والرافعي.

ويمكن نقاش ذلك: بأن مقصود الرملي والنووي والرافعي بالهدي هو هدي التطوع.

وفيما يلي بعض النصوص في بيان ذلك:

قال النووي: (فرع) في وقت ذبح الأضحية والهدي المتطوع بهما والنذور، فيدخل وقتهما إذا مضى قدر صلاة العيد وخطبتين معتدلتين بعد طلوع الشمس يوم النحر، سواء صلى الإمام أو لم يصل، وسواء صلى المضحي أو لم يصل، ويبقى إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق، ويجوز في الليل لكنه مكروه. . . إلى أن قال: وأما الدماء الواجبة في الحج بسبب التمتع أو القران أو اللبس أو غير ذلك من فعل محظور أو ترك مأمور، فوقتها من حين وجوبها بوجود سببها، ولا تختص بيوم النحر ولا غيره. اهـ (1) .

وقال في موضع آخر: ووقت وجوب دم التمتع إذا أحرم بالحج، فإذا وجب جازت إراقته ولم يتوقت بوقت كسائر دماء الجبرانات. اهـ. (2) .

وقال الشربيني: وسيأتي في آخر الباب محرمات الإحرام على الصواب ما نصه: ووقته وقت الأضحية على الصحيح هذا بناه المصنف على ما فهمه من أن مراد الرافعي بالهدي هنا المساق تقربا إلى الله تعالى فاعترضه

(1)[الإيضاح] ص 375، 376.

(2)

[الإيضاح] ص 522.

ص: 335

هنا، وفي [الروضة] و [المجموع] واعترض الأسنوي المصنف بأن الهدي يطلق على دم الجبرانات والمحظورات، وهذا لا يختص بزمان، وهو المراد هنا، وفي قوله: أولا ثم يذبح من معه هدي، وعلى ما يساق تقربا إلى الله، وهذا هو المختص بوقت الأضحية على الصحيح، وهو المذكور في آخر باب محرمات الإحرام فلم يتوارد الكلامان على محل واحد حتى يعد ذلك تناقضا. وقد أوضح الرافعي ذلك في باب الهدي من [الشرح الكبير] فذكر: أن الهدي يقع على الكل، وأن الممنوع فعله في غير وقت الأضحية هو ما يسوقه المحرم، لكنه لم يفصح في [المحرر] عن المراد كما أفصح عنه في [الكبير] فظن المصنف - هو النووي - أن المسألة واحدة فاستدرك عليه، وكيف يجيء الاستدراك مع تصريح الرافعي هناك بما يبين المراد؟ ! . اهـ (1) .

وبهذا يتضح أن النووي والرافعي والرملي يقصدون بتوقيت ذبح الهدي بوقت الأضحية ما يساق هديا تقربا إلى الله تعالى على سبيل التطوع أو النذر، أما هدي المتعة والقران فنصوصهم صريحة متضافرة على جواز ذبحها بعد وجوبها.

هذا ما تيسر إيراده، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1)[مغني المحتاج](1\ 504) .

ص: 336

مصادر ومراجع هذا البحث (باب الهدي من كتاب الحج)

1 -

المذهب الحنفي: [أحكام القرآن] للجصاص، [لباب المناسك] للسندي، [تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق] ، [مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر] ، [المبسوط] للسرخسي، [كتاب الآثار] لأبي يوسف، [فتح القدير] .

2 -

المذهب المالكي: [المدونة] للإمام مالك، [المنتقى] للباجي، [حاشية الرهوني على شرح عبد الباقي الزرقاني لمختصر خليل] ، [أحكام القرآن] للقرطبي، [أضواء البيان] للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، [شرح الرسالة] لابن أبي زيد، [شرح الأبي على مسلم] .

3 -

المذهب الشافعي: [الأم] للشافعي، [شرح صحيح مسلم] للنووي، [فتح الباري] ، [المجموع شرح المهذب] ، [الإيضاح] للنووي، [المنهاج] وشرحه [مغني المحتاج] ، [الأشباه والنظائر] للسيوطي، [أحكام القرآن] للشافعي، [القرى لقاصد أم القرى] للطبري.

4 -

المذهب الحنبلي: [تفسير ابن كثير] ، [المغني] لابن قدامة، [الشرح الكبير] لابن قدامة، [حاشية المقنع] ، [زاد المعاد] لابن قدامة، [الإنصاف] للمرداوي، [مسائل الإمام أحمد] لابنه عبد الله، [القواعد] لابن رجب، [الفروع] لابن مفلح، [المحرر] لمجد الدين أبي البركات، [تحفة الودود في أحكام المولود] لابن قيم الجوزية، [القياس في الشرع الإسلامي] .

ص: 337

5 -

كتب أخرى: [المحلى] لابن حزم، [السنن الكبرى] للبيهقي، [سنن الدارقطني] ، [نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية] للزيلعي، [التلخيص الحبير] لابن حجر العسقلاني، [الدراية] ، [شرح معاني الآثار] للطحاوي، [سنن أبي داود] ، [معالم السنن] للخطابي، [بلوغ المرام] لابن حجر العسقلاني.

ص: 338