الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس يوم العيد
ورميها في ليلة اليوم الأول من أيام التشريق
المسألة الأولى: حكم رمي جمرة العقبة ليلة العيد
القول الأول: اختلف العلماء متى يبتدئ وقت رميها:
فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يجوز رميها بعد منتصف الليل من ليلة النحر، وممن قال به الشافعي (1)، وقال المرداوي (2) : وهو الصحيح من المذهب مطلقا، وقول أكثر الأصحاب، وقال ابن قدامة (3) : وبذلك قال عطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: « (أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم، اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني: عندها (4) » . رواه أبو داود وسكت عنه. قال أبو حازم (5) : قال أبو داود في رسالته لأهل مكة: وليس في كتاب [السنن] الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء، وقال ابن كثير (6) : انفرد به أبو داود، وهو إسناد
(1)[الأم](2\ 180) .
(2)
[الإنصاف](4\ 37) .
(3)
[المغني والشرح](3\ 49) .
(4)
سنن أبو داود المناسك (1942) .
(5)
[شروط الأئمة الخمسة] ص 54.
(6)
[البداية والنهاية](5\ 182) .
جيد، وقال ابن حجر (1) : إسناده صحيح، وقال ابن قدامة (2) : واحتج به أحمد.
وجه الدلالة: قال الشافعي (3) : وهذا لا يكون إلا وقد رمت قبل الفجر بساعة.
وقد اعترض على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ودلالته:
أما الاعتراض عليه من جهة سنده: فإنه روي مرسلا وموصولا مسندا، قال القرطبي (4) : روى معمر قال: أخبرني هشام بن عروة، عن أبيه قال:«أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة: أن تصبح بمكة يوم النحر وكان يومها (5) » قال أبو عمر: اختلف على هشام في هذا الحديث؛ فروته طائفة عن هشام عن أبيه مرسلا، كما رواه معمر، ورواه آخرون عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمر أم سلمة بذلك) مسندا، ورواه آخرون عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة مسندا أيضا، وكلهم ثقاة. انتهى.
قال العراقي (6) : إذا اختلف الثقات في حديث فرواه بعضهم متصلا وبعضهم مرسلا فاختلف أهل الحديث هل الحكم لمن وصل أو لمن أرسل أو للأكثر أو للأحفظ؟
على أربعة أقوال: أحدها: الحكم لمن وصل، وهو الأظهر الصحيح،
(1)[الدراية في تخريج أحاديث الهداية](2\ 24) .
(2)
[المغني والشرح](3\ 49) .
(3)
[الأم](2\ 180) .
(4)
[تفسير القرطبي](3\ 625) .
(5)
مسند أحمد بن حنبل (6/291) .
(6)
[شرح ألفية العراقي](1\ 174) .
كما صححه الخطيب، وقال ابن الصلاح: إنه الصحيح في الفقه أصوله، وقد اعتضد هذا الحديث بما رواه الخلال (1) بسنده عن سليمان بن داود عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أخبرتني أم سلمة قالت: «قدمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قدم من أهله ليلة المزدلفة، قالت: فرميت بليل ثم مضيت إلى مكة فصليت بها الصبح ثم رجعت إلى منى» .
قال ابن القيم: قلت: سليمان بن أبي داود هذا هو الدمشقي الخولاني، ويقال: ابن داود، قال أبو زرعة عن أحمد: رجل من أهل الجزيرة ليس بشيء، وقال عثمان بن سعيد: ضعيف. انتهى.
قال ابن حجر (2) : قال فيه ابن حبان: سليمان بن داود الخولاني، من أهل دمشق ثقة مأمون، وقد أثنى على سليمان بن داود أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ، ثم قال أيضا: قلت: أما سليمان بن داود الخولاني فلا ريب أنه صدوق. انتهى.
قال الخطيب البغدادي (3) : إذا عدل جماعة رجلا وجرحه أقل عدد من المعدلين فإن الذي عليه جمهور العلماء: أن الحكم للجرح والعمل به أولى، وقالت طائفة: بل الحكم للعدالة، وهذا خطأ؛ لأجل ما ذكرناه من أن الجارحين يصدقون المعدلين في العلم بالظاهر، ويقولون: عندنا زيادة علم لم تعلموه من باطن أمره، وقد اعتلت هذه الطائفة بأن كثرة المعدلين تقوي حالهم وتوجب العمل بخبرهم، وقلة الجارحين تضعف خبرهم،
(1)[زاد المعاد](1\ 470) .
(2)
[تهذيب التهذيب](4\ 189، 190) .
(3)
[الكفاية في علم الرواية] ص 107.
وهذا بعد ممن توهمه؛ لأن المعدلين وإن كثروا ليسوا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون، ولو أخبروا بذلك، وقالوا: نشهد أن هذا لم يقع منه لخرجوا بذلك من أن يكونوا أهل تعديل أو جرح؛ لأنها شهادة باطلة على نفي ما يصح ويجوز وقوعه وإن لم يعلموه فثبت ما ذكرناه. وقال أيضا: والذي يقوى عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما.
وقد أبطل ابن القيم رحمه الله حديث أم سلمة بما ثبت في [الصحيحين] عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: «استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة: أن تدفع قبله وقبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة، قالت: فأذن لها، فخرجت قبل دفعه وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه، ولأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة أحب إلي من مفروح به (1) » .
وجه الدلالة: أن الحديث الصحيح يبين: أن نساءه غير سودة إنما دفعن معه.
وقد رد هذا الاستدلال بما رواه الدارقطني وغيره، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمر نساءه أن يخرجن من جمع ليلة جمع، فيرمين الجمرة، ثم تصبح في منزلها، وكانت تصنع ذلك حتى ماتت (2) » .
وقد أجاب ابن القيم رحمه الله عن هذا الرد فقال: يرده محمد بن حميد أحد رواته، كذبه غير واحد، ويرده أيضا: حديثها الذي في [الصحيحين] وقولها: (وددت أني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة) .
(1)[زاد المعاد](1\470، 471) .
(2)
سنن النسائي مناسك الحج (3066) .
وقد أورد على جواب ابن القيم: بأنه ثبت في [صحيح مسلم] عن أم حبيبة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل (1) » .
فأجاب عنه: بأنها من الضعفة التي قدمها صلى الله عليه وسلم.
ثم أورد ابن القيم اعتراضا فقال: فما تصنعون بما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم (بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر، فرموا الجمرة مع الفجر) (2) » .
فأجاب عنه بقوله: قيل: نقدم عليه حديثه الآخر الذي رواه أيضا الإمام أحمد والترمذي وصححه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله، وقال: " لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس (3) » ، ولفظ أحمد فيه:«قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا، من جمع - قال سفيان: بليل - فجعل يلطخ أفخاذنا، ويقول: أي بني، لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس (4) » لأنه أصح منه، وفيه «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي الجمرة قبل طلوع الشمس» وهو محفوظ بذكر القصة فيه، والحديث الآخر: إنما فيه: أنهم رموها مع الفجر. انتهى كلام ابن القيم.
وأما الاعتراض عليه من جهة متنه:
فقال ابن القيم: وأما حديث عائشة رضي الله عنها «أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) » تعني: عندها، رواه أبو داود - فحديث منكر أنكره الإمام أحمد وغيره، ومما يدل على إنكاره أن فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرها أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة) وفي رواية: (توافيه بمكة، وكان يومها فأحب أن توافيه) وهذا من المحال قطعا، قال
(1) صحيح مسلم الحج (1292) ، مسند أحمد بن حنبل (6/427) ، سنن الدارمي المناسك (1885) .
(2)
مسند أحمد بن حنبل (1/320) .
(3)
سنن الترمذي الحج (893) ، سنن أبو داود المناسك (1941) .
(4)
سنن أبو داود المناسك (1940) ، سنن ابن ماجه المناسك (3025) ، مسند أحمد بن حنبل (1/311) .
(5)
سنن أبو داود المناسك (1942) .
الأثرم: قال لي أبو عبد الله: حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة (1) » لم يسنده غيره وهو خطأ، وقال وكيع عن أبيه مرسلا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة أو نحو هذا، وهذا أعجب، أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر وقت الصبح ما يصنع بمكة؟ ينكر ذلك، قال: فجئت إلى يحيى بن سعيد فسألته، فقال عن هشام عن أبيه (أمرها أن توافي) ليس (توافيه) قال: وبين ذين فرق، قال: وقال لي يحيى: سل عبد الرحمن عنه، فسألته، فقال: هكذا سفيان عن هشام عن أبيه، قال الخلال: سها الأثرم في حكايته عن وكيع (توافيه) وإنما قال وكيع: (توافي منى) وأصاب في قوله: (توافي) كما قال أصحابه وأخطأ في قوله: (منى) . انتهى المقصود.
فقد اعتمد ابن القيم رحمه الله في إنكار هذا الحديث على إنكار الإمام أحمد، كما اعتمد عليه ابن التركماني (2) ، والطحاوي (3) .
ولكن يرد استنكار الإمام أحمد رحمه الله لهذا الحديث قول ابن قدامة (4) رحمه الله بعد ذكره لهذا الحديث: واحتج به أحمد. وقد سبق ذكر طائفة من أهل العلم بالحديث ورجاله أنهم صححوه، واعتماد ابن القيم رحمه الله، وكذلك الطحاوي وابن التركماني على استنكار الإمام أحمد غير صحيح فقد تبين أنه احتج به فبطل الأصل، وببطلانه يبطل قول من اعتمد عليه. وصرح ابن حجر (5) في [التلخيص الحبير] بسلامته من الزيادة
(1) مسند أحمد بن حنبل (6/291) .
(2)
[الجوهر النقي على سنن البيهقي](5\ 132) .
(3)
[شرح معاني الآثار](2\ 221) .
(4)
[المغني والشرح الكبير](3\ 449) .
(5)
[التلخيص الحبير](2\ 258) .
التي استنكرها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، أي: سلامة رواية أبي داود.
وأما الاعتراض على حديث أم سلمة من ناحية الدلالة فمن وجهين:
أحدهما: أنه خاص بها.
قال الخطابي (1) : وقال غيره - أي: الشافعي - إنما هذا رخصة خاصة لها فلا يجوز أن يرمى قبل الفجر.
وقال الزرقاني (2) : ويؤيده كون ذلك اليوم يوم نوبتها منه صلى الله عليه وسلم، وله أن يخص من شاء بما شاء.
ويجاب عن هذا: بأن القاعدة المقررة في علم الأصول: أن خطاب المواجهة يعم إلا إذا أول الدليل على الخصوص (3) .
ويرد ذلك: بورود الأدلة الدالة على نهي ابن عباس وأمثاله عن الرمي قبل طلوع الشمس، وكذلك رميه صلى الله عليه وسلم ضحى مع قوله:«خذوا عني مناسككم (4) » .
ويمكن أن يجاب عن هذا: بأن حديث عائشة محمول على الجواز، وحديث ابن عباس محمول على الأفضل.
أو أن حديث ابن عباس محمول على غير أهل الأعذار، وحديث عائشة محمول على أهل الأعذار.
الوجه الثاني: أن الرخصة لأم سلمة رضي الله عنها أن ترمي في الليل
(1)[معالم السنن](2\ 405) .
(2)
[شرح المواهب اللدنية (8\ 188) .
(3)
[روضة الناظر](2\ 100، 101) .
(4)
سنن النسائي مناسك الحج (3062) .
عام في النساء فقط، لكنه يجوز لمن بعث معهن من الضعفة كالعبيد والصبيان أن يرمي في وقت رميهن (1) .
وقد يفهم تخصيص ذلك بالنساء من تصرف النسائي حيث ترجم هذه الترجمة (الرخصة في ذلك للنساء) وساق حديث عائشة، وذلك بعد روايته لحديث ابن عباس الذي في (النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس) .
وقال محمد شمس الحق العظيم أبادي (2) : وهذا الحكم مختص بالنساء، فلا يصلح للتمسك به على جواز الرمي لغيرهن من هذا الوقت؛ لورود الأدلة بخلاف ذلك، لكنه يجوز لمن ذهب معهن من الضعفة كالعبيد والصبيان أن يرمي في وقت رميهن، ويجري في هذا الوجه من المناقشة والمقارنة ما جرى في الوجه الذي قبله.
الدليل الثاني: عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر «أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلي فصلت، ثم قالت: يا بني، هل غاب القمر؟ قلت: لا، ثم حلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ فقلت: نعم، قالت: (فارتحلوا) فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت: يا هنتاه، ما أرانا إلا قد غلسنا، قالت: يا بني، إن رسول الله قد أذن للظعن (3) » هذا لفظ البخاري، وعن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه قال: إن مولاة أسماء بنت أبي بكر أخبرته قالت: «جئنا
(1)[الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير] للسياغي (3\ 53) .
(2)
[عون المعبود](2\ 139) .
(3)
صحيح البخاري الحج (1679) ، مسند أحمد بن حنبل (6/347) .
مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما منى بغلس، قالت: فقلت لها: لقد جئنا منى بغلس، فقالت:(كنا نصنع ذلك مع من هو خير منك (1) » أخرجه مالك في [الموطأ] والنسائي في [السنن] .
وأخرج أبو داود: قال عطاء: أخبرني مخبر «عن أسماء: أنها رمت الجمرة قلت: إنا رمينا الجمرة بليل، قالت: (إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) » وقول أسماء رضي الله عنها: (كنا نصنع ذلك مع من هو خير منك) و (كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم له حكم الرفع، كما هو مقرر في علم أصول الحديث (3) .
وجه الدلالة (4) : في هذا الحديث دليل على أنه يجوز للنساء الرمي لجمرة العقبة في النصف الأخير من الليل (5)، وحد القبلية: نصف الليل بشهادة العرف وظاهره، سواء كان ثمة عذر أم لا، ولذلك قالت أسماء: كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخطاب المواجهة يعم كما سبق، وقد سبق في رواية البخاري (قد أذن للظعن) .
وقد رد هذا الوجه: بأن أسماء إنما رمت بعد طلوع الفجر فلا حجة فيه لمن استدل به على جواز رميها قبل طلوع الفجر.
قال ابن القيم (6) : ليس في هذا - يعني: حديث أسماء - دليل على جواز رميها - أي: جمرة العقبة - بعد نصف الليل، فإن القمر يتأخر في الليلة
(1) موطأ مالك كتاب الحج (889) .
(2)
سنن أبو داود المناسك (1943) .
(3)
[شرح ألفية العراقي](1\ 128) .
(4)
[عون المعبود](2\ 139) .
(5)
[الروض النضير](3\ 53) .
(6)
[تهذيب السنن](2\ 406) .
العاشرة إلى قبيل الفجر، وقد ذهبت أسماء بعد غيابه من مزدلفة إلى منى فلعلها وصلت مع الفجر أو بعده فهي واقعة عليه، ومع هذا فهي رخصة للظعن، وإن دلت على تقدم الرمي فإنما تدل على الرمي بعد طلوع الفجر. انتهى.
وقال الطحاوي (1) متعقبا الاستدلال بحديث أسماء على جواز الرمي بعد نصف الليل قال: فقد يحتمل - أي: قول مولى أسماء لها: قد غلسنا - أن يكون أراد التغليس في الدفع من مزدلفة، ويجوز أن يكون أراد التغليس في الرمي، فأخبرته أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أذن لهم في التغليس لما سألها عن التغليس به من ذلك، وقال بعد ذلك في (باب رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر) قد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب حديث - أسماء أنها رمت ثم رجعت إلى منزلها فصلت الفجر، فقلت لها: قد غلسنا، فقالت:(رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للظعن) فأخبرت: أن ما قد كان رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك للظعن هو الإفاضة من المزدلفة في وقت ما يصيرون إلى منى في حال مآلهم أن يصلوا صلاة الصبح. انتهى.
وتعقبه أيضا ابن كثير (2) فقال: إن كانت أسماء بنت الصديق رمت الجمار قبل طلوع الشمس كما ذكر هاهنا عن توقيف فروايتها مقدمة على رواية ابن عباس؛ لأن إسناد حديثها أصح من إسناد حديثه، اللهم إلا أن يقال: إن الغلمان أخف حالا من النساء وأنشط؛ فلهذا أمر الغلمان بألا
(1)[شرح معاني الآثار](2\ 216 - 218) .
(2)
[البداية والنهاية](5\ 182) .