الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسامة، فروي أنه يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث خمسون رجلا، كل واحد منهم يمينا واحدة، وهذا قول لمالك، فعلى هذا يحلف الوارث منهم الذين يستحقون دمه، فإن لم يبلغوا خمسين تمموا من سائر العصبة، يؤخذ الأقرب منهم فالأقرب من قبيلته التي ينتسب إليها ويعرف كيفية نسبه من المقتول.
فأما من عرف أنه من القبيلة ولم يعرف وجه النسب لم يقسم، مثل: أن يكون الرجل قرشيا والمقتول قرشي، ولا يعرف كيفية نسبه منهم- فلا يقسم، لأننا نعلم أن الناس كلهم من آدم ونوح، وكلهم يرجعون إلى أب واحد، ولو قتل من لا يعرف نسبه لم يقسم عنه سائر الناس، فإن لم يوجد من نسبه خمسون رددت الأيمان عليهم، وقسمت بينهم، فإن انكسرت عليهم جبر كسرها عليهم حتى تبلغ خمسين (1) .
جاء في [حاشية المقنع] : قوله: (وعنه يحلف من العصبة. . . إلخ) هذا قول لمالك ونصره جماعة من الأصحاب منهم الشريف وأبو الخطاب والشيرازي وابن البناء (2) .
(1)[المغني](8\ 501)
(2)
[حاشية المقنع](3\ 440)
2 -
من يحلف من المدعى عليهم:
إذا لم يحلف المدعون حلف من المدعى عليهم خمسون رجلا خمسين يمينا، هذا في المذاهب الثلاثة، ويوافقهم المذهب الحنفي في أنه يحلف خمسون رجلا خمسين يمينا، وهذا إذا أمكن عند الجميع، وإذا لم
يمكن فسيأتي بيانه في رد الأيمان، وقد بسط الكاساني رحمه الله الكلام على تحليف المدعى عليهم مع بيان خلاف أئمة المذهب الحنفي، وفي مقدمتهم أبو حنيفة رحمه الله، فذكرنا كلامه مفصلا.
قال الكاساني: وأما بيان سبب وجوب القسامة والدية: فنقول: سبب وجوبهما هو التقصير في النصرة وحفظ الموضع الذي وجد فيه القتيل ممن وجب عليه النصرة والحفظ؛ لأنه إذا وجب عليه الحفظ فلم يحفظ مع القدرة على الحفظ- صار مقصرا بترك الحفظ الواجب، فيؤخذ بالتقصير زجرا عن ذلك، وحملا على تحصيل الواجب، وكل من كان أخص بالنصرة والحفظ كان أولى بتحمل القسامة والدية؛ لأنه أولى بالحفظ فكان التقصير منه أبلغ، ولأنه إذا اختص بالموضع ملكا أو يدا بالتصرف كانت منفعته له فكانت النصرة عليه، إذ الخراج الضمان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تبارك وتعالى:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (1)
ولأن القتيل إذا وجد في موضع اختص به واحد أو جماعة؛ إما بالملك أو باليد وهو التصرف فيه فيتهمون أنهم قتلوه، فالشرع ألزمهم القسامة دفعا للتهمة، والدية- لوجود القتيل بين أظهرهم. وإلى هذا المعني أشار سيدنا عمر رضي الله عنه حينما قيل: أنبذل أموالنا وأيماننا؟ فقال: (أما أيمانكم فلحقن دمائكم، وأما أموالكم فلوجود القتيل بين أظهركم)، وإذا عرف هذا فنقول: القتيل إذا وجد في المحلة فالقسامة والدية على أهل المحلة، للأحاديث وإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرنا.
(1) سورة البقرة الآية 286
ولأن حفظ المحلة عليهم ونفع ولاية التصرف في المحلة عائد إليهم، وهم المتهمون في قتله فكانت القسامة والدية عليهم.
وكذلك إذا وجد في مسجد المحلة أو في طريق المحلة لما قلنا: فيحلف منهم خمسون، فإن لم يكمل العدد خمسين رجلا تكرر الأيمان عليهم حتى تكمل خمسين يمينا.
لما روي عن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه: أنه حلف رجالا القسامة، فكانوا تسعة وأربعين رجلا، فأخذ منهم واحدا وكرر عليه اليمين حتى كملت خمسين يمينا، وكان ذلك بمحضر الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل أنه خالفه أحد فيكون إجماعا.
ولأن هذه الأيمان حق ولي القتيل فله أن يستوفيها ممن يمكن استيفاؤها منه، فإن أمكن الاستيفاء من عدد الرجال الخمسين استوفى، وإن لم يمكن يستوفي عدد الأيمان التي هي حقه. وإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر اليمين على بعضهم- ليس له ذلك، كذا ذكر محمد رحمه الله؛ لأن موضوع هذه الأيمان على عدد الخمسين في الأصل، لا على واحد، وإنما التكرار على واحد لضرورة نقصان العدد ولا ضرورة عند الكمال.
وإن كان في المحلة قبائل شتى؛ فإن كان فيها أهل الخطة والمشترون فالقسامة والدية على أهل الخطة ما بقي منهم واحد في قول أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة.
وقال أبو يوسف رحمه الله: عليهم وعلى المشترين جميعا.
وجه قوله: أن الوجوب على أهل الخطة باعتبار الملك، والملك ثابت للمشترين؛ ولهذا إذا لم يكن من أهل الخطة أحد كانت القسامة على
المشترين.
وجه قولهما: أن أهل الخطة أصول في الملك؛ لأن ابتداء الملك ثبت لهم، وإنما انتقل عنهم إلى المشترين، فكانوا أخص بنصرة المحلة وحفظها من المشترين، فكانوا أولى بإيجاب القسامة والدية عليهم، وكان المشتري بينهم كالأجنبي، فما بقي واحد منهم لا ينتقل إلى المشتري.
وقيل: إن أبا حنيفة بنى الجواب على ما شاهد بالكوفة، وكان تدبير أمر المحلة فيها إلى أهل الخطة، وأبو يوسف رأى التدبير إلى الأشراف من أهل المحلة كانوا من أهل الخطة أو لا، فبنى الجواب على ذلك، فعلى هذا لم يكن بينهما خلاف في الحقيقة؛ لأن كل واحد منهما عول على معنى الحفظ والنصرة.
فإن فقد أهل الخطة وكان في المحلة ملاك وسكان فالدية على الملاك لا على السكان عند أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف عليهم جميعا.
لما روي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب القسامة على أهل خيبر وكانوا سكانا ولأن للسكان اختصاصا بالدار يدا، كما أن للمالك اختصاصا بها ملكا، ويد الخصوص تكفي لوجوب القسامة.
وجه قولهما: أن المالك أخص بحفظ الموضع ونصرته من السكان؛ لأن اختصاصه اختصاص ملك أنه أقوى من اختصاص اليد ألا يرى أن السكان يسكنون زمانا ثم ينتقلون.
وأما إيجاب القسامة على يهود خيبر فممنوع؛ لأنهم كانوا سكانا، بل كانوا ملاكا، فإنه روي أنه عليه الصلاة والسلام أقرهم على أملاكهم ووضع الجزية على رءوسهم، وما كان يؤخذ منهم كان يؤخذ على وجه الجزية
لا على سبيل الأجرة.
ولو وجد قتيل في سفينة؛ فإن لم يكن معهم ركاب فالقسامة والدية على أرباب السفينة وعلى من يمدها ممن يملكها أو لا يملكها، وإن كان معهم فيها ركاب فعليهم جميعا، وهذا في الظاهر يؤيد قول أبي يوسف في إيجاب القسامة والدية على الملاك والسكان جميعا.
وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله يفرقان بين السفينة والمحلة؛ لأن السفينة تنقل وتحول من مكان إلى مكان، فتعتبر فيها اليد دون الملك كالدابة إذا وجد عليها قتيل، بخلاف الدار فإنها لا تحتمل النقل والتحويل فيعتبر فيها الملك والتحويل ما أمكن لا اليد، وكذا العجلة حكمها حكم السفينة، لأنها تنقل وتحول ولو وجد القتيل ومعه رجل يحمله على ظهره فعليه القسامة والدية؛ لأن القتيل في يده، ولو جريح معه وبه رمق يحمله حتى أتى به أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لا يضمن عند أبي يوسف، وقال أبو يوسف: وفي قياس قول أبي حنيفة رضي الله عنه يضمن.
وجه القياس: أن الحامل قد ثبتت يده عليه مجروحا، فإذا مات من الجرح فكأنه مات في يده، وهذا تفريع على من جرح في قبيلة فتحامل إلى قبيلة أخرى فمات فيهم، وقد ذكرناه فيما تقدم.
وكذلك إذا كان على دابة ولها سائق أو قائد وعليها راكب فعليه القسامة والدية؛ لأنه في يده وإن اجتمع السائق والقائد والراكب فعليهم جميعا؛ لأن القتيل في أيديهم فصار كأنه وجد في دارهم.
وإن وجد على دابة لا سائق لها ولا قائد ولا راكب عليها؛ فإن كان ذلك الموضع ملكا لأحد فالقسامة والدية على المالك، وإن كان لا مالك له
فعلى أقرب المواضع إليه من حيث يسمع الصوت من الأمصار والقرى، وإن كان بحيث لا يسمع فهو هدر لما قلنا فيما تقدم.
فإن وجدت الدابة في محلة فعلى أهل تلك المحلة.
وكذلك إذا وجد في فلاة من الأرض فإنه ينظر إن كان ذلك المكان الذي وجد فيه ملكا لإنسان فالقسامة والدية عليه، وإن لم يكن له مالك فعلى أقرب المواضع إليه من الأمصار والقرى إذا كانت بحيث يبلغ الصوت منها إليه، وإن كان بحيث لا يبلغ فهو هدر لما قلنا، وذكر في الأصل في قتيل وجد بين قريتين أنه يضاف إلى أقربهما.
لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يذرع بين قريتين في قتيل وجد بينهما (1) » .
وكذا روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه في قتيل وجد بين وادعة وأرحب وكتب إليه عامله بذلك، فكتب إليه سيدنا عمر رضي الله عنه: أن قس بين القريتين فأيهما كان أقرب فألزمهم، فوجد القتيل إلى وادعة أقرب، فألزموا القسامة والدية، وذلك كله محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ الصوت إلى الموضع الذي وجد فيه القتيل، كذا ذكر محمد في الأصل، حكاه الكرخي رحمه الله، والفقه ما ذكرنا فيما تقدم.
وكذا إذا وجد بين سكتين فالقسامة والدية على أقربهما، فإن وجد في المعسكر في فلاة من الأرض فإن كانت الأرض التي وجد فيها لها أرباب فالقسامة والدية على أرباب الأرض؛ لأنهم أخص بنصرة الموضع وحفظه فكانوا أولى بإيجاب القسامة والدية عليهم وهذا على أصلهما؛ لأن المعسكر كالسكان والقسامة على الملاك، فأما على أصل أبي يوسف
(1) مسند أحمد بن حنبل (3/39) .
رحمه الله فالقسامة والدية عليهم جميعا، وإن يكن في ملك أحد بأن وجد في خباء أو فسطاط، فعلى من يسكن الخباء والفسطاط وعلى عواقلهم القسامة والدية؛ لأن صاحب الخيمة خص بموضع الخيمة من أهل العسكر بمنزلة صاحب الدار مع أهل المحلة، ثم القسامة على صاحب الدار إذا وجد فيها قتيل لا على أهل المحلة، كذا ها هنا.
وإن وجد خارجا من الفسطاط والخباء فعلى أقرب الأخبية والفساطيط منهم القسامة والدية، كذا ذكر في ظاهر الرواية؛ لأن الأقرب أولى بإيجاب القسامة والدية لما ذكرنا.
وعن أبي حنيفة رضي الله عنه: إذا وجد بين الخيام فالقسامة والدية على جماعتهم كالقتيل يوجد في المحلة، جعل الخيام المحمولة كالمحلة على هذه الرواية. . . هذا إذا لم يكن العسكر لقوا عدوا، فإن كانوا قد لقوا عدوا فقاتلوا فلا قسامة ولا دية في قتيل يوجد بين أظهرهم؛ لأنهم إذا لقوا عدوا وقاتلوا فالظاهر أن العدو قتله لا المسلمين؛ إذ المسلمون لا يقتل بعضهم بعضا.
ولو وجد قتيل في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهل القرية فالقسامة والدية على صاحب الأرض لا على أهل القرية؛ لأن صاحب الأرض أخص بنصرة أرضه وحفظها من أهل القرية فكان أولى بإيجاب القسامة والدية عليه كصاحب الدار مع أهل المحلة. . . ولو وجد قتيل في دار إنسان وصاحب الدار من أهل القسامة، فالقسامة والدية على صاحب الدار وعلى عاقلته. كذا ذكر في الأصل ولم يفصل بينهما إذا كانت العاقلة حضورا أو غيبا، وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله: أن
القسامة على رب الدار وعلى عاقلته حضورا كانوا أو غيبا.
وقال أبو يوسف رحمه الله: لا قسامة على العاقلة هكذا ذكر فيه.
وقال الكرخي رحمه الله: أن كانت العاقلة حضورا في المصر دخلوا في القسامة وإن كانت غائبة، فالقسامة على صاحب الدار تكرر عليه الأيمان، والدية عليه وعلى عاقلته.
أما دخول العاقلة في القسامة إذا كانوا حضورا فهو قولهما، وظاهر قول أبي يوسف:(لا قسامة على العاقلة) يقتضي ألا يدخلوا في القسامة.
وجه قول زفر رحمه الله: أنه لما لزمتهم الدية لزمتهم القسامة كأهل المحلة، ولأبي يوسف أن صاحب الدار أخص بالنصرة وبالولاية والتهمة، فلا تشاركه العاقلة كما لا يشارك أهل المحلة غيرهم.
ووجه قولهما: أن العاقلة إذا كانوا حضورا يلزمهم حفظ الدار ونصرتها. . . كما يلزم صاحب الدار، وكذا يتهمون بالقتل كما يتهم صاحب الدار، فقد شاركوه في سبب وجوب القسامة فيشاركونه في القسامة أيضا، وبهذا يقع الفرق بين حال الحضور والغيبة على ما ذكره الكرخي رحمه الله؛ لأن معنى التهمة ظاهر الانتفاء من الغيب وكذا معنى النصرة، لئلا يلحق ذلك الموضع نصرة من جهتهم إلا أنه تجب عليهم الدية؛ لأن وجوب الدية على العاقلة لا يتعلق بالتهمة، فإنهم يتحملون عن القاتل المعين إذا كان صبيا أو مجنونا أو خاطئا، وسواء كانت الدار فيها ساكن أو كانت مفرغة مغلقة فوجد فيها قتيل فعلى رب الدار، وعلى عاقلته القسامة والدية.
أما على أصل أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما فظاهر؛ لأنهما
يعتبران الملك دون السكنى، فكان وجود السكنى فيها والعدم منزلة واحدة.
وأما أبو يوسف رحمه الله فإنما يوجب على الساكن لاختصاصه بالدار يدا ولم يوجد ها هنا، وسواء كان الملك الذي وجد فيه القتيل خاصا أو مشتركا فالقسامة والدية على أرباب الملك لما قلنا، وسواء اتفق قدر أنصباء الشركاء أو اختلف فالقسامة والدية بينهم بالسوية، حتى لو كانت الدار بين رجلين لأحدهما الثلثان وللأخر الثلث فالقسامة عليهما، وعلى عاقلتهما نصفان، ويعتبر في ذلك عدد الرءوس لا قدر الأنصباء كما في الشفعة؛ لأن حفظ الدار واجب على كل واحد منهما والحفظ لا يختلف، ولهذا تساويا في استحقاق الشفعة؛ لأن الاستحقاق لدفع ضرر الدخيل وأنه لا يختلف باختلاف قدر الملك، وذكر في [الجامع الصغير] فيمن باع دارا ووجد فيها قتيل قبل أن يقبضها المشتري: أن القسامة والدية على البائع إذا لم يكن في البيع خيار، فإن كان فيه خيار فعلى من الدار في يده في قول أبي حنيفة.
وعند أبي يوسف ومحمد: الدية على مالك الدار إن لم يكن في البيع خيار فإن كان فيه خيار فعلى من تصير الدار له، وعند زفر رحمه الله: الدية على المشتري، إلا أن يكون للبائع خيار فتكون الدية عليه.
وجه قول زفر: أن الملك للمشتري إذا لم يكن فيه خيار، وكذا إذا كان الخيار للمشتري؛ لأن خيار المشتري لا يمنع دخول المبيع في ملكه عنده، فإذا كان الخيار للبائع فالملك له؛ لأن خياره يمنع زوال المبيع عن ملكه بلا خلاف.
وجه قولهما: أنه إذا لم يكن فيه خيار فالملك للمشتري وإنما للبائع
صورة يد من غير تصرف، وصورة اليد لا مدخل لها في القسامة، كيد المودع فكانت القسامة والدية على المشتري، وإذا كان فيه خيار فعلى من تصير الدار له؛ لأنه إذا صارت للبائع فقد انفسخ البيع وجعل كأنه لم يكن، وإن صارت للمشتري فقد انبرم البيع، وتبين أنه ملكها بالعقد من حين وجوده.
وأما تصحيح مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه فمشكل من حيث الظاهر؛ لأنه يعتبر الملك فيما يحتمل النقل والتحويل لا اليد، وإن كانت اليد يد تصرف كيد الساكن والثابت للبائع صورة يد من غير تصرف فأولى أن يعتبره، لكن لا إشكال في الحقيقة؛ لأن الوجوب بترك الحفظ، والحفظ باليد حقيقة، إلا أنه يضاف الحفظ إلى الملك؛ لأن استحقاق اليد به عادة فيقام مقام اليد فكانت الإضافة إلى ما به حقيقة أولى، إلا أن مطلق اليد لا يعتبر، بل اليد المستحقة بالملك وهذه يد مستحقة بالملك بخلاف يد الساكن، وإذا وجد رجل قتيلا في دار نفسه فالقسامة والدية على عاقلته لورثته في قول أبي حنيفة رضي الله عنه، وفي قولهما رحمهما الله: لا شيء فيه، وهو قول زفر والحسن بن زياد رحمهما الله، وروي عن أبي حنيفة مثل قولهم.
وجه قولهم: أن القتل صادفه والدار ملكه، وإنما صار ملك الورثة عند الموت والموت ليس بقتل؛ لأن القتل فعل القاتل ولا صنع لأحد في الموت، بل هو من صنع الله تبارك وتعالى، فلم يقتل في ملك الورثة، فلا سبيل إلى إيجاب الضمان على الورثة وعواقلهم، ولأن وجوده قتيلا في دار نفسه بمنزلة مباشرة القتل بنفسه كأنه قتل نفسه بنفسه فيكون هدرا.
ولأبي حنيفة رضي الله عنه: أن المعتبر في القسامة وقت ظهور القتيل
لا وقت وجود القتل، بدليل: أن من مات قبل ذلك لا يدخل في الدية، والدار وقت ظهور القتيل لورثته فكانت القسامة والدية عليهم وعلى عواقلهم تجب كما لو وجد قتيلا في دار ابنه. فإن قيل: كيف تجب الدية عليهم وعلى عواقلهم وأن الدية تجب لهم فكيف تجب لهم وعليهم، وكذا عاقلتهم تتحمل عنهم لهم أيضا، وفيه إيجاب لهم أيضا وعليهم، وهذا ممتنع؟
فالجواب: ممنوع أن الدية تجب لهم، بل للقتيل؛ لأنها بدل نفسه فتكون له، بدليل أنه يجهز منها وتقضى منها ديونه وتنفذ منها وصاياه، ثم ما فضل عن حاجته تستحقه ورثته لاستغناء الميت عنه، والورثة أقرب الناس إليه، وصار كما لو وجد الأب قتيلا في دار ابنه أو في بئر حفرها ابنه أليس أقرب أنه تجب القسامة والدية على الابن وعلى عاقلته، ولا يمتنع ذلك لما قلنا، كذا هذا.
وإن اعتبرنا وقت وجود القتيل فهو ممكن أيضا؛ لأنه تجب على عاقلته لتقصيرهم في حفظ الدار فتجب عليهم الدية حقا للمقتول ثم تنتقل منه إلى ورثته عند فراغه عن حاجته، وذكر محمد: إذا وجد ابن الرجل أو أخوه في داره قتيلا فإن على عاقلته دية ابنه ودية أخيه وإن كان هو وارثه؛ لما قلنا أن وجد القتيل في الدار كمباشرة صاحبها القتل فيلزم عاقلته ذلك المقتول ثم يستحقها صاحب الدار بالإرث، ولو وجد مكاتب قتيلا في دار نفسه فدمه هدر؛ لأن داره في وقت ظهور القتيل ليست لورثته، بل هي على حكم ملك نفسه إلى أن يؤدي بدل الكتابة فصار كأنه قتل نفس فهدر دمه.
رجلان كانا في بيت ليس معهما ثالث وجد أحدهما مذبوحا
قال أبو يوسف: يضمن الآخر، وقال محمد: لا ضمان عليه.
وجه قوله: أنه يحتمل أنه قتل صاحبه، ويحتمل أنه قتل نفسه فلا يجب الضمان بالشك.
ولأبي يوسف: أن الظاهر أنه قتل صاحبه؛ لأن الإنسان لا يقتل نفسه ظاهرا أو غالبا، واحتمال خلاف الظاهر ملحق بالعدم، ألا ترى أن مثل هذا الاحتمال ثابت في قتيل المحلة ولم يعتبر (1)
إذا كان في المدعين والمدعى عليهم نساء وصبيان فهل عليهم قسامة؟
الأدلة والمناقشة:
1 -
قال الكاساني: ولا تدخل المرأة في القسامة والدية في قتيل يوجد في غير ملكها؛ لأن وجوبهما بطريق النصرة وهي ليست من أهلها، وإن وجد في دارها أو في قرية لها لا يكون بها غيرها عليها القسامة، فتستحلف ويكرر عليها الأيمان وهذا قولهما.
وقال أبو يوسف: عليها لا على عاقلتها.
وجه قوله: أن لزوم القسامة لزوم النصرة وهي ليست من أهل النصرة، فلا تدخل في القسامة؛ ولهذا لم تدخل مع أهل المحلة.
وجه قولهما: أن سبب الوجوب على المالك هو الملك مع أهلية القسامة وقد وجد في حقها، أما الملك فثابت لها، وأما الأهلية فلأن القسامة يمين، وأنها من أهل اليمين ألا يرى أنها تستحلف في سائر الحقوق.
ومعنى النصرة يراعى وجوده في الجملة لا في كل فرد كالمشقة في السفر، وهل تدخل مع العاقلة في الدية، ذكر الطحاوي ما يدل على أنها
(1)[بدائع الصنائع](7\290-294) .
لا تدخل، فإنه قال: لا يدخل القاتل في التحمل إلا أن يكون ذكرا عاقلا بالغا، فإذا لم تدخل عند وجود القتل منها عينا فهاهنا أولى. وأصحابنا رضي الله عنهم قالوا: إن المرأة تدخل مع العاقلة في الدية في هذه المسألة، وأنكروا على الطحاوي قوله.. وقالوا: إن القاتل يدخل في البداية بكل حال، ويدخل في القسامة والدية: الأعمى، والمحدود في القذف، والكافر؛ لأنهم من أهل الاستحلاف والحفظ، والله سبحانه وتعالى أعلم (1) .
وقال أيضا: الصبي والمجنون لا يدخلان في القسامة في أي موضع وجد القتيل، سواء وجد في غير ملكهما أو في ملكهما؛ لأن القسامة يمين وهما ليسا من أهل اليمين، ولهذا لا يستحلفان في سائر الدعاوى؛ ولأن القسامة تجب على من هو من أهل النصرة وهما ليسا من أهل النصرة فلا تجب القسامة عليهما، وتجب على عاقلتهما إذا وجد القتيل في ملكهما؛ لتقصيرهم بترك النصرة اللازمة.
وهل يدخلان في الدية مع العاقلة؟ فإن وجد القتيل في غير ملكهما كالمحلة وملك إنسان لا يدخلان فيها وإن وجد في ملكهما يدخلان؛ لأن وجود القتيل في ملكهما كمباشرتهما القتل، وهما مؤاخذان بضمان الأفعال، وعلى قياس ما ذكره الطحاوي رحمه الله لا يدخلان في الدية مع العاقلة أصلا لكنه ليس بسديد؛ لأن هذا ضمان القتل والقتل فعل والصبي والمجنون مؤاخذان بأفعالهما (2) .
(1)[بدائع الصنائع](7\294، 295) .
(2)
[بدائع الصنائع](7\294) .
قال الشافعي: ومن وجبت له القسامة وهو غائب أو مخبول أو صبي فلم يحضر الغائب أو حضر فلم يقسم ولم يبلغ الصبي ولم يفق المعتوه، أو بلغ هذا وأفاق هذا فلم يقسموا ولم يبطلوا حقوقهم في القسامة حتى ماتوا - قام ورثتهم مقامهم في أن يقسموا بقدر مواريثهم منه (1) . فقوله: ولم يبلغ الصبي. نص منه رحمه الله أنه لا يرى دخوله في أيمان القسامة حتى يبلغ.
2 -
قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا: أنه لا يحلف في القسامة في العمد أحد من النساء، وإن لم يكن للمقتول ولاة إلا النساء فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو (2) .
قال الباجي: قوله: لا يحلف في قسامة العمد أحد من النساء، يريد أنه لا يقسم إلا الأولياء من الرجال ومن له تعصيب، وأما من لا تعصيب له من الخولة وغيرهم فلا قسامة لهم، وإذا كان للقتيل أم فإن كانت معتقة أو أعتق أبوها أو جدها أقسم مواليها في العمد قاله ابن القاسم في [الموازية] ، و [المجموعة]، وإن كانت أمه من العرب فلا قسامة في عمده. قال محمد: لأن العرب خولته ولا ولاية للخولة، ومن شهد شاهد عدل بقتله عمدا، وقال: دمي عند فلان ولم يكن له عصبة وكان له من الأقارب نساء وخولة فإنه لا قسامة فيه، ويحلف المدعى عليهم القتل. انتهى المقصود (3) .
3 -
سبق في كلام الشافعي رحمه الله: أن النساء يدخلن في القسامة.
4 -
قال الخرقي: والنساء والصبيان لا يقسمون.
(1)[الأم](6\80) .
(2)
[الموطأ](7\62) .
(3)
[المنتقى] على [الموطأ](7\62) .
قال ابن قدامة: يعني: إذا كان المستحق نساء وصبيانا لم يقسموا؛ أما الصبيان فلا خلاف بين أهل العلم أنهم لا يقسمون، سواء كانوا من الأولياء أو مدعى عليهم؛ لأن الأيمان حجة للحالف، والصبي لا يثبت بقوله حجة. ولو أقر على نفسه لم يقبل، فلأن لا يقبل قوله في حق غيره أولى.
وأما النساء فإذا كن من أهل القتيل لم يستحلفن، وبهذا قال ربيعة والثوري والليث والأوزاعي.
وقال مالك: لهن مدخل في قسامة الخطأ دون العمد، قال ابن القاسم: ولا يقسم في العمد إلا اثنان فصاعدا، كما أنه لا يقتل إلا بشاهدين.
وقال الشافعي: يقسم كل وارث بالغ؛ لأنها يمين في دعوى، فتشرع في حق النساء كسائر الأيمان.
ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقسم خمسون رجلا منكم، وتستحقون دم صاحبكم (1) » . ولأنها حجة يثبت بها قتل العمد فلا تسمع من النساء، كالشهادة، ولأن الجناية المدعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل، ولا مدخل للنساء في إثباته، وإنما يثبت المال ضمنا، فجرى ذلك مجرى رجل ادعى زوجية امرأة بعد موتها ليرثها، فإن ذلك لا يثبت بشاهد ويمين، ولا بشهادة رجل وامرأتين، وإن كان مقصودها المال، فأما إن كانت المرأة مدعى عليها القتل، فإن قلنا: إنه يقسم من العصبة رجال لم تقسم المرأة أيضا؛ لأن ذلك مختص بالرجال، وإن قلنا: يقسم المدعى عليه فينبغي أن تستحلف؛ لأنها لا تثبت بقولها حقا ولا قتلا، وإنما هي لتبرئتها منه فتشرع في حقها اليمين كما لو لم يكن لوث.
فعلى هذا: إذا كان في الأولياء نساء ورجال أقسم الرجال وسقط حكم
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4711) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1630) ، سنن الدارمي الديات (2353) .
النساء، وإن كان فيهم صبيان ورجال بالغون، أو كان فيهم حاضرون وغائبون، فقد ذكرنا من قبل أن القسامة لا تثبت حتى يحضر الغائب. فكذا لا تثبت حتى يبلغ الصبي؛ لأن الحق لا يثبت إلا ببينته الكاملة، والبينة أيمان الأولياء كلهم، والأيمان لا تدخلها النيابة، ولأن الحق إن كان قصاصا فلا يمكن تبعيضه، فلا فائدة في قسامة الحاضر البالغ، وإن كان غيره فلا تثبت، وقد سبق كلام مالك رحمه الله في قسامة النساء في القتل الخطأ إلا بواسطة ثبوت القتل وهو لا يتبعض أيضا.
وقال القاضي: إن كان القتل عمدا لم يقسم الكبير حتى يبلغ الصغير، ولا الحاضر حتى يقدم الغائب؛ لأن حلف الكبير الحاضر لا يفيد شيئا في الحال، وإن كان موجبا للمال؛ كالخطأ وعمد الخطأ، فللحاضر المكلف أن يحلف، ويستحق قسطه من الدية، وهذا قول أبي بكر وابن حامد ومذهب الشافعي.
واختلفوا في كم يقسم الحاضر؟
فقال ابن حامد: يقسم بقسطه من الأيمان، فإن كان الأولياء اثنين أقسم الحاضر خمسا وعشرين يمينا، وإن كانوا ثلاثة أقسم سبع عشرة يمينا. وإن كانوا أربعة أقسم ثلاث عشرة يمينا، وكلما قدم غائب أقسم بقدر ما عليه واستوفى حقه؛ لأنه لو كان الجميع حاضرين لم يلزمه أكثر من قسطه وكذلك إذا غاب بعضهم، كما في سائر الحقوق، ولأنه لا يستحق أكثر من قسطه من الدية فلا يلزمه أكثر من قسطه من الأيمان.
وقال أبو بكر: يحلف الأول خمسين يمينا، وهذا قول الشافعي؛ لأن الحكم لا يثبت إلا بالبينة الكاملة والبينة هي الأيمان كلها؛ ولذلك لو ادعى أحدهما دينا لأبيهما لم يستحق نصيبه منه إلا بالبينة المثبتة لجميعه، ولأن
الخمسين في القسامة كاليمين الواحدة في سائر الحقوق، ولو ادعى مالا له فيه شركة له بعد شاهد لحلف يمينا كاملة، كذلك هذا. فإذا قدم الثاني أقسم خمسا وعشرين يمينا، وجها واحدا عند أبي بكر؛ لأنه يبني على أيمان أخيه المتقدمة. وقال الشافعي: فيه قول آخر: أنه يقسم خمسين يمينا أيضا؛ لأن أخاه إنما استحق بخمسين فكذلك هو، فإذا قدم ثالث وبلغ فعلى قول أبي بكر يقسم سبع عشرة يمينا؛ لأنه يبني على أيمان أخويه، وعلى قول الشافعي فيه قولان: أحدهما: أنه يقسم سبع عشرة يمينا. والثاني: خمسين يمينا، وإن قدم رابع، كان على هذا المثال.
قال ابن قدامة: (فصل) فإن كان فيهم من لا قسامة عليه بحال، وهو النساء سقط حكمه، فإذا كان ابن وبنت حلف الابن الخمسين كلها، وإن كان أخ وأخت لأم وأخ وأخت لأب قسمت الأيمان بين الأخوين على أحد عشر، على الأخ من الأم ثلاثة، وعلى الآخر ثمانية، ثم يجبر الكسر عليهما، فيحلف الأخ من الأب سبعا وثلاثين يمينا، والأخ من الأم أربع عشرة يمينا (1)
هل ترد الأيمان إذا نقص العدد أم لا؟
الأيمان قد تكون من المدعين، وقد تكون من المدعى عليهم، وفي كلتا الحالتين قد يكون العدد الذي اتجهت إليه الأيمان كافيا فيكون خمسين رجلا، وقد ينقص العدد، وعلى هذا الأساس فالرد يكون في جانب المدعين كما يكون في جانب المدعى عليهم.
(1)[المغني](8\502) .
وفيما يلي بعض من أقوال أهل العلم في ذلك:
الرد في جانب المدعين:
1 -
قال الباجي: (مسألة) : ولا يحمل بعض الورثة عن بعض شيئا من الأيمان في الخطأ كما يتحملها بعض العصبة عن بعض في العمد إلا في جبر بعض اليمين، فإنها تجبر على أكثرهم حظا منها على ما تقدم، قاله ابن القاسم، قال ابن المواز؛ لأنه مال، ولا يتحمل أحد اليمين عن غيره كالديون (1)
2 -
وقال مالك: لا يقسم في قتل العمد من المدعين إلا اثنان فصاعدا، فترد الأيمان عليهما حتى يحلفا خمسين يمينا، ثم قد استحقا الدم، وذلك الأمر عندنا (2) .
قال الباجي: قوله: لا يقسم في قتل العمد من المدعين إلا اثنان فصاعدا، يريد أنه: إن لم يوجد من يستحق أن يحلف من الأولياء إلا واحد، فإن الأيمان لا تثبت في جنبتي القتيل، ولكن ترد على القاتل، فيحلف وحده بأن لم يوجد من يحلف معه، والفرق بينه وبينه: أن جنبة القتيل لا يحلف لإثبات الدم إلا اثنان، وفي جنبة القاتل يحلف لنفي الدم واحد؛ لأن جنبة القتيل إذا تعذرت القسامة فيها لم يبطل الحق؛ لأن رد الأيمان على جنبة القاتل فيه استيفاء حقهم، وجنبة القاتل لو لم تقبل أيمانه وحده مع كثرة وجود ذلك لم يكن لما فاته من الحق بدل يرجع إليه؛ لأن الأيمان ترد إلى جنبة القتيل بانتقالها إلى جنبة القاتل، والله أعلم (3) .
(1)[المنتقى] على [الموطأ](7\64) .
(2)
[المنتقى] على [الموطأ](7\62) .
(3)
[المنتقى] على [الموطأ](7 \62)
3 -
وأما رد الأيمان في المدعين إذا كانوا أقل من خمسين عند الشافعي: فقد مضى في الكلام على من يحلف من الورثة.
4 -
قال ابن مفلح: فانفرد واحد منهم- أي: المدعين الذين توجهت إليهم اليمين- حلفها، نص عليه ونقل عنه الميموني أنه قال: لا اجترئ عليه، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يحلف خمسون منكم على رجل منهم، قلت: فبم يأخذ من قال بذلك، قال: بحديث معاوية فإنه قصرها على ثلاثة، وكذا ابن الزبير، وفي [مختصر ابن رزين] يحلف الولي يمينا وعنه خمسين، انتهى المقصود (1) .
وقد مضى أيضا الكلام على رد الأيمان في أثناء الكلام على من يحلف من الورثة.
ترديد الأيمان على المدعى عليهم:
1 -
قال شمس الدين السرخسي: (فإن لم يكن العدد خمسين رجلا كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا خمسين يمينا، لما روي أن الذين جاءوا إلى عمر رضي الله عنه من أهل وادعة كانوا تسعة وأربعين رجلا منهم، فحلفهم ثم اختار منهم واحدا فكرر عليه اليمين؛ وهذا لأن عدد اليمين في القسامة منصوص عليه، ولا يجوز الإخلال بالعدد المنصوص عليه.
وقال: (وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين) .
لما روي أن عمر رضي الله عنه لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة
(1)[الفروع](3\455) .
وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين، ثم قضى بالدية، وعن شريح والنخعي رحمهما الله مثل ذلك، ولأن الخمسين واجب بالسنة، فيجب إتمامها ما أمكن، ولا يطالب فيه الوقوف على الفائدة لثبوتها بالسنة، ثم فيه استعظام أمر الدم، فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم فليس له ذلك؛ لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال (1) .
قال الزيلعي: (قوله: روي عن عمر أنه قضى بالقسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا، فكرر اليمين على رجل منهم حتى يتم خمسين، ثم قضى بالدية، وعن شريح والنخعي مثل ذلك. قلت: أما حديث عمر فرواه ابن أبي شيبة في [مصنفه] بنقض، فقال: حدثنا وكيع، ثنا سفيان عن عبد الله بن يزيد الهذلي عن أبي مليح أن عمر بن الخطاب رد عليهم الأيمان حتى وفوا. انتهى.
ورواه عبد الرزاق في [مصنفه] بتغيير، فقال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب استحلف امرأة خمسين يمينا على مولى لها أصيب ثم جعل عليها الدية، ثم قال الزيلعي: حديث مرفوع في الباب رواه عبد الرزاق في [مصنفه] أخبرنا ابن جريج عن عبد العزيز: أن في كتاب عمر بن عبد العزيز: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في القسامة أن يحلف الأولياء، فإن لم يكن عدد يبلغ الخمسين ردت الأيمان عليهم بالغا ما بلغوا» . اهـ.
أثر عن أبي بكر رواه الواقدي في كتاب الردة: حدثني الضحاك بن عثمان الأسدي عن المقبري عن نوفل بن مساحق العامري
(1)[المبسوط](26\110) . اهـ
عن المهاجر بن أبي أمية قال: كتب إلي أبو بكر: أن افحص لي عن داودي، وكيف كان أمر قتله إلى أن قال: فكتب أبو بكر إلى المهاجر أن ابعث إلي بقيس بن مكشوح في وثاق، فلما دخل عليه جعل قيس يتبرأ من قتل داودي، ويحلف بالله: ما قتله، فأحلفه أبو بكر خمسين يمينا عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم مردودة عليه: بالله ما قتله ولا يعلم له قاتلا، ثم عفا عنه أبو بكر، مختصر. . . وهو بتمامه في قصة الأسود العنسي (1) باب قسامة النساء.
ثم قال الزيلعي: (قوله: وعن شريح والنخعي مثل ذلك، قلت: حديث شريح رواه ابن أبي شيبة في [مصنفه] حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن ابن سيرين بلغ عن شريح قال: جاءت قسامة فلم يوفوا خمسين فردد عليهم القسامة حتى أوفوا. اهـ.
حدثنا وكيع ثنا سفيان عن هشام عن ابن سيرين عن شريح، قال: إذا كانوا أقل من خمسين رددت عليهم الأيمان. انتهى.
وحديث النخعي رواه عبد الرزاق في [مصنفه] أخبرنا الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال: إذا لم تبلغ القسامة كرروا حتى يحلفوا خمسين يمينا. انتهى.
ورواه ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية عن الشيباني عن حماد عن إبراهيم نحوه سواء. انتهى.
2 -
قال الباجي: (فصل) وقوله: (فإن لم يبلغوا - أي: المدعى عليهم -
(1)[نصب الراية](4\395، 396) ، والحديث عند عبد الرازق [المصنف](10\49)
خمسين رجلا ردت عليهم الأيمان) يحتمل أن يريد به إن لم يكن من يجوز أن يحلف من أولياء القاتل من يبلغ خمسين رجلا يريد- وكان من وجد منهم اثنان فزائد- ردت الأيمان على من وجد منهم حتى يستوفوا خمسين يمينا، قال ابن الماجشون في الواضحة: لهم أن يستعينوا بولاتهم وعصبتهم وعشيرتهم كما كان ذلك لولاة المقتول وقاله المغيرة وأصبغ.
وقال مطرف عن مالك: لا يجوز للمدعى عليه واحدا كان أو جماعة أن يستعينوا بمن يحلف معهم، كما يفعل ولاة المقتول؛ لأنهم إنما يبرئون أنفسهم وقد تقدم ذكره. ويحتمل أن يريد به فإن لم يبلغ الذين تطوعوا بالأيمان معه خمسين رجلا؛ لأن غيره ممن كان يصح أن يحلف معه أبوا من ذلك فإن الخمسين يمينا ترد على من تطوع بذلك.
قال الباجي: (فصل) وقوله: فإن لم يجد المدعى عليه القتل من يحلف معه حلف وحده خمسين يمينا وبريء.
والفرق بين الأيمان والحالفين: أن الأيمان لا ضرورة تدعو إلى التبعيض فيها عن العدد المشروع، وقد يعدم في الأغلب عدد الحالفين (1) .
3 -
قال المزني: وقال الشافعي: وإذا وجد قتيل في محلة قوم يخالطهم غيرهم أو في صحراء أو في مسجد أو في سوق فلا قسامة، وإن ادعى وليه على أهل المحلة لم يحلف إلا من أثبتوه بعينه، وإن كانوا ألفا فيحلفون يمينا يمينا؛ لأنهم يزيدون على خمسين، فإن لم يبق منهم إلا واحد حلف خمسين يمينا وبرئء. فإن نكلوا حلف ولاة الدم خمسين
(1)[المنتقى](7\60، 61)
يمينا، واستحقوا الدية في أموالهم إن كان عمدا، على عواقلهم في ثلاث سنين إن كان خطأ (1) 4 - قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:(فصل) إذا ردت الأيمان على المدعى عليهم وكان عمدا- لم تجز على أكثر من واحد، فيحلف خمسين يمينا.
وإن كانت عن غير عمد؛ كالخطأ، وشبه العمد، فظاهر كلام الخرقي: أنه لا قسامة في هذا؛ لأن القسامة من شرطها اللوث، والعداوة إنما أثرها في تعمد القتل لا في خطئه، فإن احتمال الخطأ في العمد وغيره سواء.
وقال غيره من أصحابنا: فيه قسامة، وهو قول الشافعي؛ لأن اللوث لا يختص العداوة عندهم، فعلى هذا تجوز الدعوى على الجماعة، فإذا ادعي على جماعة لزم كل واحد منهم خمسون يمينا.
وقال بعض أصحابنا: تقسم الأيمان بينهم بالحصص، كقسمها بين المدعين، إلا أنها هاهنا تقسم بالسوية؛ لأن المدعى عليهم متساوون فيها فهم كبني الميت.
وللشافعي قولان كالوجهين.
والحجة لهذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تبرئكم يهود بخمسين يمينا (2) » .
وفي لفظ قال: «فيحلفون لكم خمسين يمينا ويبرءون من دمه (3) » .
ولأنهم أحد المتداعين في القسامة فتسقط الأيمان على عددهم كالمدعين. وقال مالك: يحلف من المدعى عليهم خمسون رجلا خمسين يمينا، فإن لم يبلغوا خمسين رجلا رددت على من حلف منهم حتى تكمل
(1)[مختصر المزني] بهامش [الأم](5\152) .
(2)
صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4714) .
(3)
مسند أحمد بن حنبل (4/3) .
خمسين يمينا، فإن لم يوجد أحد يحلف إلا الذي ادعي عليه حلف وحده خمسين يمينا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«فتبرئكم يهود بخمسين يمينا (1) » .
ولنا: أن هذه أيمان يبرئ بها كل واحد نفسه من القتل، فكان على كل واحد خمسون، كما لو ادعى على كل واحد وحده قتيل.
ولأنه لا يبرئ المدعى عليه حال الاشتراك إلا ما يبرئه حال الانفراد؛ ولأن كل واحد منهم يحلف على غير ما حلف عليه صاحبه بخلاف المدعين، فإن أيمانهم على شيء واحد فلا يلزم من تلفيقها تلفيق ما يختلف مدلوله ومقصوده (2) .
ولابن حزم رحمه الله كلام فيمن يحلف وكم يحلف، مع ذكر المذاهب والأدلة ومناقشتها - رأت اللجنة أن تختم هذه الفقرة بذكره.
5 -
قال ابن حزم: فيمن يحلف بالقسامة، قال أبو محمد رحمه الله: اتفق القائلون بالقسامة على أنه يحلف فيها الرجال الأحرار البالغون العقلاء من عشيرة المقتول الوارثين له، واختلفوا فيما وراء ذلك في وجوه، منها: هل يحلف من لا يرث من العصبة أم لا؟ وهل يحلف العبد في جملتهم أم لا؟ وهل تحلف المرأة فيهم أم لا؟ وهل يحلف المولى من فوق أم لا؟ وهل يحلف المولى الأسفل فيهم أم لا؟ وهل يحلف الحليف أم لا؟ فوجب لما تنازعوا ما أوجبه الله تعالى علينا عند التنازع، إذ يقول تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (3) ففعلنا، فوجدنا رسول الله
(1) صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4712) ، سنن الدارمي الديات (2353) .
(2)
[المغني](8\503، 504) ،
(3)
سورة النساء الآية 59
صلى الله عليه وسلم في حديث القسامة الذين لا يصح عنه غيره، كما قد تقصيناه قبل:«تحلفون وتستحقون، ويحلف خمسون منكم (1) » فخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بني حارثة عصبة المقتول، وبيقين يدري كل ذي معرفة أن ورثة عبد الله بن سهل رضي الله عنه لم يكونوا خمسين، وما كان له وارث إلا أخوه عبد الرحمن وحده، وكان المخاطب بالتحليف ابني عمه: محيصة، وحويصة، وهما غير وارثين له، فصح أن العصبة يحلفون، وإن لم يكونوا وارثين، وصح أن من نشط لليمين منهم كان ذلك له، سواء كان بذلك أقرب إلى المقتول أو أبعد منه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب ابني العم كما خاطب الأخ خطابا مستويا لم يقدم أحدا منهم، وكذلك لم يدخل في التحليف إلا البطن الذي يعرف المقتول بالانتساب إليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخاطب بذلك إلا بني حارثة الذي كان المقتول معروفا بالنسب فيهم، ولم يخاطب بذلك سائر بطون الأنصار؛ كبني عبد الأشهل، وبني ظفر وبني زعورا، وهم أخوة بني حارثة، فلا يجوز أن يدخل فيهم من لم يدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد رحمه الله: فإن كان في العصبة عبد صريح النسب فيهم إلا أن أباه تزوج أمة لقوم فلحقه الرق لذلك فإنه يحلف معهم إن شاء؛ لأنه منهم ولم يخص عليه السلام إذ قال: «خمسون منكم (2) » حرا من عبد إذا كان منهم، كما كان عمار بن ياسر رضي الله عنه من طينة عنس، ولحقه الرق لبني مخزوم، وكما كان عامر بن فهيرة أزديا صريحا فلحقه الرق؛ لأن أباه تزوج فهيرة أمة أبي بكر رضي الله عنه، وكما كان المقداد بن عمرو بهرانيا قحا ولحقه الرق من قبل أمه، وبالله تعالى التوفيق.
وأما المرأة فقد ذكرنا قبل: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحلف
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4715) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1630) ، سنن الدارمي الديات (2353) .
(2)
صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن النسائي القسامة (4713) ، سنن أبو داود الديات (4520) .
امرأة في القسامة وهي طالبة، فحلفت، وقضى لها بالدية على مولى لها. وقال المتأخرون: لا تحلف المرأة أصلا.
واحتجوا: بأنه إنما يحلف من تلزمه له النصرة، وهذا باطل مؤيد بباطل؛ لأن النصرة واجبة على كل مسلم، بما روينا من طريق البخاري نا مسدد نا معتمر بن سليمان عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما كان أو مظلوما. قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه (1) » ، وروينا من طريق مسلم، نا أحمد بن عبد الله بن يونس، نا زهير: هو ابن معاوية -نا أشعث - هو: ابن أبي الشعثاء - ني معاوية بن سويد بن مقرن قال: دخلنا على البراء بن عازب فسمعته يقول: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام (2) » فقد افترض الله تعالى نصر إخواننا، قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (3) نعم، ونصر أهل الذمة فرض، قال الله تعالى:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (4) فقد صح أنه ليس أحد أولى بالنصرة من غيره من أهل الإسلام، فوجب أن تحلف المرأة إن شاءت، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يحلف خمسون منكم (5) » وهذا اللفظ يعم النساء والرجال، وإنما ذكرنا حكم عمر لئلا يدعوا لنا الإجماع، فأما الصبيان والمجانين فغير مخاطبين أصلا بشيء من الدين، قال صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن
(1) صحيح البخاري المظالم والغصب (2444) ، سنن الترمذي الفتن (2255) ، مسند أحمد بن حنبل (3/99) .
(2)
صحيح البخاري النكاح (5175) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2066) ، سنن الترمذي الأدب (2809) ، سنن النسائي الجنائز (1939) ، مسند أحمد بن حنبل (4/284) .
(3)
سورة الحجرات الآية 10
(4)
سورة الأنفال الآية 72
(5)
صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن النسائي القسامة (4713) .
ثلاثة فذكر الصبي والمجنون (1) » مع إنه إجماع أن لا يحلفا في القسامة متيقن لا شك فيه، وأما المولى من فوق، والمولى من أسفل، والحليف، فإن قوما قالوا: قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مولى القوم منهم، (2) » «ومولى القوم من أنفسهم (3) » وأثبت الحلف في الجاهلية قالوا: ونحن نعلم يقينا أنه كان لبني حارثة موال من أسفل وحلفاء، ولا شك في ذلك ولا مرية، فوجب أن يحلفوا معهم.
قال أبو محمد رحمه الله: أما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مولى القوم منهم ومن أنفسهم (4) » فصحيح، وكذلك كون بني حارثة لهم الحلفاء والموالي من أسفل بلا شك إلا أننا لسنا على يقين من أن بني حارثة إذ قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تحلفون وتستحقون، ويحلف خمسون منكم (5) » حضر ذلك القول في ذلك المجلس حليف لهم أو مولى لهم، ولو أيقنا أنه حضر هذا الخطاب مولى لهم أو حليف لهم لقلنا بأن الحليف والمولى يحلفون معهم، وإذ لا يقين عندنا أنه حضر هذا الخطاب حليف ومولى، فلا يجوز أن يحلف في حكم منفرد برسمه إلا من نحن على يقين من لزوم ذلك الحكم له. فإن قيل: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مولى القوم منهم (6) » يغني عن حضور الموالي هنالك، والحليف أيضا يسمى في لغة العرب مولى، كما قال عليه السلام للأنصار أول ما لقيهم:«أمن موالي يهود» يريد: من حلفائهم، قلنا: وبالله تعالى التوفيق:
قد قال عليه الصلاة والسلام ما ذكرتم، وقال أيضا:«ابن أخت القوم منهم (7) » وقد أوردناه قبل بإسناده في كتاب العاقلة ولا خلاف في أنه لا حفص مع أخواله، فنحن نقول: إن ابن أخت القوم منهم حق؛ لأنه متولد من امرأة
(1) سنن الترمذي الحدود (1423) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2042) ، مسند أحمد بن حنبل (1/140) .
(2)
سنن الترمذي كتاب الزكاة (657) ، سنن النسائي الزكاة (2612) ، سنن أبو داود الزكاة (1650) ، مسند أحمد بن حنبل (6/390) .
(3)
صحيح البخاري الفرائض (6761) .
(4)
سنن الترمذي كتاب الزكاة (657) ، سنن النسائي الزكاة (2612) ، سنن أبو داود الزكاة (1650) ، مسند أحمد بن حنبل (6/390) .
(5)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4715) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1630) ، سنن الدارمي الديات (2353) .
(6)
سنن الترمذي كتاب الزكاة (657) ، سنن النسائي الزكاة (2612) ، سنن أبو داود الزكاة (1650) ، مسند أحمد بن حنبل (6/390) .
(7)
صحيح البخاري المناقب (3528) ، صحيح مسلم الزكاة (1059) ، سنن الترمذي المناقب (3901) ، سنن النسائي الزكاة (2611) ، مسند أحمد بن حنبل (3/246) ، سنن الدارمي السير (2527) .
هي منهم بحق الولادة، والحليف والمولى أيضا منهم؛ لأنهما من جملتهم، وليس في هذا القول منه عليه السلام ما يوجب أن يحكم للمولى والحليف بكل حكم وجب للقوم، وقد صح إجماع أهل الحق على أن الخلافة لا يستحقها مولى قريش ولا حليفهم ولا ابن أخت القوم وإن كان منهم، والقسامة في العمد والخطأ، سواء فيما ذكرنا فيمن يحلف فيها ولا فرق. انتهى المقصود (1) .
وقال أيضا: كم يحلف في القسامة؟ اختلف الناس في هذا.
فقالت طائفة: لا يحلف إلا خمسون، فإن نقص من هذا العدد واحد فأكثر بطل حكم القسامة، وعاد الأمر إلى التداعي.
وقال آخرون: إن نقص واحد فصاعدا رددت الأيمان عليهم حتى يبلغوا اثنين، فإن كان الأولياء اثنين فقط بطلت القسامة في العمد، وأما في الخطأ فيحلف فيه واحد خمسين، وهو قول روي عن علماء أهل المدينة المتقدمين منهم.
وقال آخرون: يحلف خمسون، فإن نقص من عددهم واحد فصاعدا ردت الأيمان عليهم حتى يرجعوا إلى واحد، فإن لم يكن للمقتول إلا ولي واحد بطلت القسامة وعاد الحكم إلى التداعي، وهذا قول مالك.
وقال آخرون: تردد الأيمان، وإن لم يكن إلا واحد فإنه يحلف خمسين يمينا وحده، وهو قول الشافعي، وهكذا قالوا في أيمان المدعى عليهم: أنها تردد عليهم وإن لم يبق إلا واحد، ويجبر الكسر عليهم، فلما اختلفوا
(1)[المحلى](11\89 - 91) .
وجب أن ننظر فوجدنا من قال بترديد الأيمان من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: أن في كتاب لعمر بن عبد العزيز: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الأيمان أن يحلف الأولياء، فإن لم يكن عدد عصبته تبلغ خمسين رددت الأيمان عليهم بالغا ما بلغوا» .
ومن طريق ابن وهب، أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسين يمينا ثم يحق دم المقتول إذا حلف عليه، ثم يقتل قاتله، أو تؤخذ ديته، ويحلف عليه أولياؤه من كانوا قليلا أو كثيرا، فمن ترك منهم اليمين ثبتت على من بقي ممن يحلف، فإن نكلوا كلهم حلف المدعى عليهم خمسين يمينا: ما قتلناه ثم يطل دمه، وإن نكلوا كلهم عقله المدعى عليهم، ولا يطل دم مسلم إذا ادعي إلا بخمسين يمينا.
قال أبو محمد رحمه الله: هذا لا شيء؛ لأنهما مرسلان والمرسل لا تقوم به حجة، أما حديث عمر بن عبد العزيز ففيه أن يحلف الأولياء وهذا لا يقول به الحنفيون، فإن تعلق به المالكيون، والشافعيون قيل للمالكيين: هو أيضا حجة عليكم؛ لأنه ليس فيه أن لا يحلف إلا اثنان، وأيضا فليس هو بأولى من المرسل الذي بعده من طريق ابن وهب، وهو مخالف لقول جميعهم؛ لأن فيه إن نكل الفريقان عقله المدعى عليهم ولا يقول به مالكي، ولا شافعي، وفيه القود بالقسامة، ولا يقول به حنفي ولا شافعي، وفيه ترديد الأيمان جملة دون تخصيص أن يكونا اثنين، كما يقول مالك (1)
(1)[المحلى](11\91، 92) .
السابع: خلاف العلماء في الحكم على الناكل بمجرد النكول مع الأدلة والمناقشة:
لا يخلو أمر النكول من أحوال: فإما أن ينكل المدعون جميعهم عن الأيمان، أو ينكل بعضهم، وفي هذه الحال لا يخلو؛ إما أن يكون الناكل وارثا بالفعل أو بالإمكان. إما أن ينكل المدعى عليهم عن الأيمان جميعهم أو ينكل بعضهم.
وفيما يلي بعض من أقوال أهل العلم في ذلك:
أ- نكول المدعين عن الأيمان أو نكول بعضهم:
سبق فيما تقدم: أن الحنفية لا يرون البدء بالمدعين في الأيمان كما يراه غيرهم من الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد؛ ولهذا لا تأتي عندهم مسألة نكول المدعين أو بعضهم إلا في حال الرد عليهم بعد نكول المدعين.
1 -
المذهب المالكي:
(أ) قال الباجي: مسألة: لو نكل ولاة الدم عن القسامة وقد وجبت لهم، زاد أبو زيد عن ابن القاسم: يحلف المدعى عليهم وبرئوا، وقد قال ابن المواز: فعلى المدعين الجلد والسجن، قال: ولم يختلف أصحاب مالك إلا ابن عبد الحكم فإنه قال: إذا نكلوا فلا جلد ولا سجن وليحلف كل من ادعي عليه القتل خمسين يمينا، ويسلم من الضرب والسجن، ومن لم يحلف حبس أبدا حتى يحلف.
وجه القول الأول: أن العقوبة قد ثبتت بما أوجب القسامة فالضرب
والسجن حق الله تعالى، قاله عبد الملك بن الماجشون، والقتل حق الأولياء، فإن أسقط الأولياء حقهم بالنكول من القصاص لم يملكوا إسقاط حق الله تعالى كما لو عفوا أو عفا السلطان عن الجلد،: إنه لا يملك ذلك.
ووجه القول الثاني: أن القتل يثبت قبله فيجب عليه عقوبته، ونكول الأولياء يبطل ما ادعوه من القتل، فلا تجب فيه عقوبة سجن ولا ضرب (1)
ب- قال الباجي: في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أتحلف لكم يهود (2) » قال: يحتمل أن يكون على وجه رد الأيمان على المدعى عليهم حين نكول المدعين، وهي السنة عند مالك والشافعي: أن يبدأ المدعون بالأيمان، فإن نكلوا ردت على المدعى عليهم، وقال أبو حنيفة: يبدأ المدعى عليهم بالأيمان فإن أقسموا برئوا وإن نكلوا ردت على المدعي، والدليل على ما نقوله الحديث المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحارثيين:«أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا: لا، قال: فتحلف لكم يهود (3) » قال القاضي أبو محمد: قلنا: من هذا الحديث دليلان:
أحدهما: أنه بدأ المدعين بالأيمان.
والثاني: أنه نقلها عند نكولهم إلى المدعى عليهم وقد روى أبو قلابة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ المدعين بالأيمان،» وهو حديث مقطوع وما رواه مسند من رواية أهل المدينة.
ومن جهة المعنى: أن اليمين إنما تثبت في إحدى الجنتين واللوث، وهو الشاهد العدل قد قوى جهة المدعين فتثبت الأيمان في
(1)[المنتقى](7\127) .
(2)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .
(3)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .
جنبتهم (1)
قال الإمام مالك: يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا، فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم، إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عنه، فإن نكل أحد من أولئك فلا سبيل إلى الدم إذا نكل أحد منهم. قال يحيى: قال مالك: وإنما ترد الأيمان على من بقي منهم إذا نكل أحد ممن لا يجوز لهم العفو عن الدم، وإن كان واحدا فإن الأيمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم إذا نكل أحد منهم عن الأيمان، ولكن الأيمان إذا كان ذلك ترد على المدعى عليهم فيحلف منهم خمسون رجلا خمسين يمينا، فإن لم يبلغوا خمسين رجلا ردت الأيمان على من حلف منهم، فإن لم يوجد أحد يحلف إلا الذي ادعي عليه حلف هو خمسين يمينا وبرئ.
قال الباجي: قوله: فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم، يريد: إن قل عدد المعينين من العصبة أو نكل بعضهم، فإن كانوا أكثر من اثنين فنكل بعضهم عن معونه الولاة فإن من بقي مع الولاة ترد عليهم الأيمان حتى يستوفوا خمسين يمينا، فلا تبطل القسامة بنكول بعض المعينين من العصبة مع بقاء الولاء أو الأولياء عن القيام بالدم والمطالبة به.
ولو نكل الولي لم يكن للمعينين القسامة ولا المطالبة بالدم، وكذلك لو كان الأولياء جماعة فنكل واحد منهم لم يكن لغيرهم قسامة في المشهور من المذهب؛ لأنه لا قسامة لغيرهم، وترد الأيمان على المدعى عليهم.
(1)[المنتقى](7\55) . اهـ.
وجه القول الأول: أنهم لما تساووا في الحق لم يكن نكول بعضهم مؤثرا في سقوط حق الباقين أصله قتل الخطأ.
ووجه الرواية الثانية: أن الحق لجماعتهم وليس بعضهم أولى ببعض بإثباته وهو لا يتبعض.
(فرع) قال القاضي أبو محمد: وهذا في العصبة، وأما البنون والإخوة فرواية واحدة أن من نكل منهم ردت الأيمان على المدعى عليهم.
ووجه ذلك: أن البنين والإخوة يردون الأم من الثلث إلى السدس فكان لقرابتهم مزية، والله أعلم.
وترد الأيمان على المدعى عليهم وفي [العتبية] وغيرها لابن القاسم ورواية عن مالك إذا نكل ولاة الدم عن القسامة ثم أرادوا أن يقسموا لم يكن ذلك لهم إن كان نكولا بينا، ومن نكل عن اليمين فقد أبطل حقه.
ووجه ذلك أن نكول من يجب عليه اليمين توجب رد اليمين على المدعى عليه كالمدعي حقا يشهد له شاهد فينكل عن اليمين مع شاهده فإن اليمين ترد على المدعى عليه.
(مسألة) وإذا حلف الأولياء مع المعينين لهم من العصبة بدئ بالولي، ولا يبدأ بأيمان المعينين لهم، قاله في [المجموعة] و [الموازية] ابن القاسم قال: وإنما يعين الولي من قرابته منه معروفة يلتقي معه إلى جد يوارثه، فأما من هو من عشيرته من غير نسب معروف فلا يقسم كان للمقتول أو لم يكن (1)
(1)[المنتقى](6\60) . .
قال الباجي: (فصل) وقوله: ولكن ترد الأيمان على المدعى عليهم، فيحلف منهم خمسون رجلا، يريد أنه يحلف الجماعة في النكول كما يحلف الجماعة في الدعوى؛ لأن أيمان القسامة لما لم يحلف فيها إلا اثنان فما زاد من المدعى عليهم. وقد روى ابن حبيب عن مطرف عن مالك أنه لا يحلف إلا المدعى عليه وحده بخلاف المدعي، وقال مطرف: لأن الحالف المدعى عليه إنما يبرئ نفسه.
ووجه رواية ابن القاسم: ما روى أبو قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمدعين: «أترضون خمسين يمينا من اليهود ما قتلوه (1) » فمقتضى ذلك أن القسامة مختصة بهذا العدد ولا يزاد عليه؛ لأن اليهود كانوا أكثر من خمسين، ومن جهة المعنى أنه لما جاز أن يحلف مع ولي الدم المدعي له غيره جاز أن يحلف مع المدعى عليه المنكر له غيره.
ووجه آخر: أن الدماء مبنية على هذا، وهو: أن يتحملها غير الجاني مع الجاني كالدية في قتل الخطأ، فإن الأيمان لما كانت خمسين وكانت اليمين الواحدة لا تتبعض- لم يجز أن يكون الحالفون أكثر من خمسين.
(مسألة) : فإذا قلنا: يحلف غيره من عصبته فقد قال ابن القاسم، ورواه هو وابن وهب عن مالك: يحلف خمسون من أولياء المقتول خمسين يمينا وإن لم يكن منهم من يحلف إلا اثنان حلفا خمسين يمينا وبرئ المدعى عليه، ولا يحلف هو معهم فيحلف هو بعضها وهم بعضها، فإن لم يوجد من يحلف من عصبته إلا واحد لم يحلف معه وحلف المدعى عليه وحده خمسين يمينا.
وقال عبد الملك: يحلف هو ومن استعان به من عصبته على السواء،
(1) صحيح البخاري الديات (6899) .
وله أن يحلف هو أكثر منهم، فإن لم يوجد من يعينه حلف هو وحده خمسين يمينا.
قال محمد: قول ابن القاسم أشبه بقول مالك في [موطئه]، وإنما أراد محمد قول مالك: يحلف منهم خمسون رجلا خمسين يمينا.
قال الباجي: (فصل) وقوله: خمسين يمينا، وجه ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«فتبرئكم يهود بخمسين يمينا (1) » ، ومن جهة المعنى: أن الأيمان المردودة يعتبر بعدتها فيما انتقلت عنه كأيمان الحقوق، فكذلك الأيمان الثانية في الخمسين، فإن عددها فيها سواء كأيمان اللعان (2) .
قال ابن المواق على قول خليل: ونكول المعين غير معتبر بخلاف غيره ولو بعد، انظر قوله: فسيأتي أن أولياء الدم كانوا أعماما أو أبعد منهم، فإن مالكا حلفهم مرة كالبنين ومرة قال: إن رضي اثنان إن كان لهما أن يحلفا ويستحقا حقهما من الدية، قال ابن شاس: إن كان الولي واحدا استعان ببعض عصبته ثم نكول المعين غير معتبر، فأما نكول أحد الأولياء فمسقط للقود، وعن ابن يونس قال ابن القاسم: إن أكثر أولياء الدم أجزأ أن يحلف اثنان إذا تطاوعا ولم يترك باقيهم اليمين نكولا، قال في [المدونة] : فإن نكل واحد من ولاة الدم الذين يجوز عفوهم إن عفوا فلا سبيل إلى القتل كانوا اثنين أو أكثر، قال محمد: فرق مالك بين نكول أحد الأولياء عن القسامة أو بعد أن حلف جماعتهم فقال: إن نكل منهم من له العفو قبل القسامة فلا قسامة لبقيتهم، ولا دم ولا دية، ويحلف المدعى عليه خمسين
(1) صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4712) ، سنن الدارمي الديات (2353) .
(2)
[المنتقى](7\60) .
يمينا إن لم يجد من يحلف معه، وإن نكل بعد يمين جماعتهم لم يسقط حظ من بقي من الدية، ونكول هذا كعفوه راجعه فيه ابن عرفة، قول ابن شاس: نكول المعين لغو واضح؛ لعدم استحقاقه ما يحلف عليه (1) انتهى المقصود.
2 -
المذهب الشافعي:
قال الشافعي رحمه الله تحت ترجمة نكول الورثة واختلافهم في القسامة ومن يدعى عليهم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإذا كان للقتيل وارثان فامتنع أحدهما من القسامة لم يمنع ذلك الآخر من أدن يقسم خمسين يمينا ويستحق نصيبه من الميراث، وكذلك إذا كان الورثة عددا كثيرا ونكلوا إلا واحدا (2) .
3 -
المذهب الحنبلي:
1 -
قال الخرقي: (فإن لم يحلف المدعون حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ) .
2 -
وقال ابن قدامة: -على ذلك- هذا ظاهر المذهب، وبه قال يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة وأبو الزناد ومالك والليث والشافعي وأبو ثور، وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد: أنهم يحلفون ويغرمون الدية لقضية عمر وخبر سليمان بن يسار، وهو قول أصحاب الرأي.
ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم (3) » أي: يتبرءون
(1)[التاج والإكليل على مواهب الجليل](6\274) .
(2)
[الأم](6\82) .
(3)
صحيح البخاري الأدب (6142) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4712) ، سنن أبو داود الديات (4520) ، مسند أحمد بن حنبل (4/142) ، موطأ مالك القسامة (1631) .
منكم، وفي لفظ قال:«فيحلفون خمسين يمينا ويبوءون من دمه (1) » . وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغرم اليهود، وأنه أداها من عنده.
ولأنها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه فيبرأ بها كسائر الأيمان؛ ولأن ذلك إعفاء لمجرد الدعوى فلم يجز للخبر ومخالفة مقتضى الدليل، فإن قول الإنسان لا يقبل على غيره بمجرده كدعوى المال وسائر الحقوق، ولأن في ذلك جمعا بين اليمين والغرم فلم يشرع كسائر الحقوق (2) .
3 -
قال الخرقي: (فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال) .
4 -
وقال ابن قدامة: - على ذلك- يعني: أدى ديته' لقضية عبد الله بن سهل حين قتل بخيبر فأبى الأنصار أن يحلفوا، وقالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟! فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده كراهة أن يطل دمه.
فإن تعذر فداؤه من بيت المال لم يجب على المدعى عليهم شيء؛ لأن الذي يوجبه عليهم اليمين، وقد امتنع مستحقوها من استيفائها فلم يجب لهم غيرها كدعوى المال (3) .
5 -
قال ابن مفلح: (وإن نكلوا أو كانوا نساء، أي: المدعون حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ، وعنه يغرم الدية من ماله، وعنه من بيت المال، اختاره أبو بكر، وقدم في [الموجز] : أنه يحلف يمينا واحدة، وهو رواية في [التبصرة] . . . فإن لم يرض الأولياء بيمين المدعى عليه فداه الإمام
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/3) .
(2)
[المغني](8\497) .
(3)
[المغني](8\498) .
من بيت المال (1) .
نكول المدعى عليهم:
أ- قال شمس الدين السرخسي: (فإن نكلوا -أي: المدعى عليهم- عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا؛ لأن الأيمان في القسامة حق مقصود لتعظيم أمر الدم ومن لزمه حق مقصود لا تجري النيابة في إيفائه، فإن امتنع منه فإنه يحبس ليوفي ككلمات اللعان)(2) .
ب- وقال أيضا: (وإذا أبى الذين وجد فيهم القتيل أن يقسموا حبسوا حتى يقسموا؛ لأن القسامة عليهم باعتبار تهمة القتيل وقد ازدادت بنكولهم والأيمان مقصوده هاهنا فيحبسون لإيفائها)(3) .
ج- قال ابن الهمام على قول صاحب المتن: (ومن أبى منهم اليمين حبس حتى يحلف) لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيما لأمر الدم؛ ولهذا يجمع بينه وبين الدية بخلاف النكول في الأموال؛ لأن اليمين بدل عن أصل حقه؛ ولهذا يسقط ببذل المدعى، وفيما نحن فيه لا يسقط ببذل الدية، هذا الذي ذكرنا إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم، والدعوى في العمد أو الخطأ؛ لأنهم لا يتميزون عن الباقي. ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنه قتل وليه عمدا أو خطأ، فكذلك الجواب يدل عليه إطلاق الجواب في الكتاب هكذا الجواب في [المبسوط]، وعن أبي يوسف في غير رواية الأصل: أن في القياس تسقط
(1)[الفروع](3\456) .
(2)
[المبسوط](26\111) .
(3)
[المبسوط](26\121) .
القسامة والدية عن الباقين من أهل المحلة، ويقال للولي: ألك بينة؟ فإن قال: لا، يستحلف المدعى عليه يمينا واحدة، ووجهه أن القياس يأباه؛ لاحتمال وجود القتل من غيرهم، وإنما عرف بالنص فيما إذا كان في مكان ينسب إلى المدعى عليهم والمدعي يدعي القتل عليهم، وفيما وراءه بقي على أصل القياس وصار كما إذا ادعى القتل على واحد من غيرهم.
وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة؛ لأنه لا فصل في إطلاق النصوص بين دعوى ودعوى فنوجبه بالنص لا بالقياس، بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم؛ لأنه ليس فيه نص، فلو أوجبناهما لأوجبناهما بالقياس وهو ممتنع، ثم حكم ذلك أن يثبت ما ادعاه إذا كان له بينة، وإن لم تكن استحلفه يمينا واحدة؛ لأنه ليس بقسامة لانعدام النص وامتناع القياس، ثم إن حلف برئ، وإن نكل والدعوى في المال ثبت به، إن كان في القصاص فهو على اختلاف مضى في كتاب الدعوى (1)) . .
قال قاضي زاده على صاحب المتن: (ومن أبى منهم اليمين حبس حتى يحلف) : قال تاج الشريعة: هذا إذا ادعى الولي القتل عمدا، أما إذا ادعاه خطأ فنكل أهل المحلة فإنه يقضي بالدية على عاقلته، ولا يحبسون ليحلفوا انتهى.
(وأما سائر الشراح فلم يقيد أحد منهم هاهنا مثل ما قيده تاج الشريعة إلا أن صاحبي [النهاية] و [العناية] قالا في صدر هذا الباب: حكم القسامة القضاء بوجوب الدية إن حلفوا والحبس حتى يحلفو إن أبوا لو ادعى الولي العمد، ولو ادعى الخطأ فالقضاء بالدية عند النكول) انتهى.
(1)[فتح القدير] (8\388، 389
ولا يخفى أن ظاهر ما ذكراه يطابق تاج الشريعة هنا. أقول: لا يذهب عليك أن الظاهر من إطلاقه جواب مسألة الكتاب هنا، ومن اقتضاء دليلها الذي ذكره المصنف ومن دلالة قوله فيما بعد، هذا الذي ذكرناه إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذلك إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم والدعوى في العمد والخطأ أن يكون الحبس إلى أن يحلف الناكل موجب النكول في كل واحدة من صورتي دعوى العمد ودعوى الخطأ، ومن هذا ترى أصحاب المتون قاطبة أطلقوا جواب هذه المسألة، وكذا أطلقه الإمام قاضي خان في [فتاواه] حيث قال: فإن امتنعوا عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا. انتهى.
وكذا حال سائر ثقات الأئمة في تصانيفهم، وكأن صاحب العناية تنبه لهذا حيث قال في صدر هذا الباب: حكم القسامة القضاء بوجوب الدية على العاقلة في ثلاث سنين عندنا وعند الشافعي إذا حلفوا برئوا، وأما إذا أبوا القسامة فيحبسون حتى يحلفوا أو يقروا. انتهى، فإنه جرى في بيان حكمها أيضا على الإطلاق كما ترى.
ثم أقول: التحقيق هاهنا هو أن في جواب هذه المسألة روايتين إحداهما أنهم إن نكلوا حبسوا حتى يحلفوا على الإطلاق وهو ظاهر الروايتين عن أئمتنا الثلاثة، والأخرى أنهم إن نكلوا لا يحبسون، بل يقضي بالدية على عاقلتهم في ثلاث سنين بلا تقييد بدعوى الخطأ، وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي يوسف، وقد أفصح عنه في المحيط البرهاني، حيث قال: ثم في كل موضع وجبت القسامة، وحلف القاضي خمسين رجلا فنكلوا عن الحلف حبسوا حتى يحلفوا، هكذا ذكر في الكتاب، وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف أنه قال: لا يحبسون ولكن يقضي
بالدية على عاقلتهم في ثلاث سنين، وقال ابن أبي مالك: هذا قوله الآخر، وكان ما ذكر في هذه الرواية قول أبي حنيفة ومحمد، وهو قول أبي يوسف الأول، إلى هنا لفظ المحيط.
ثم أقول: بقي هاهنا إشكال وهو أنه قد مر في باب اليمين من كتاب الدعوى أن من ادعى قصاصا على غيره فجحد استحلف بالإجماع، ثم إن نكل عن اليمين فيما دون النفس يلزمه القصاص، وإن نكل في النفس حبس حتى يحلف أو يقر عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لزمه الأرش في النفس وفيما دونها. انتهى.
فمقتضى إطلاق ذلك أن يكون موجب النكول في القسامة أيضا هو القضاء بالدية دون الحبس عند أبي يوسف ومحمد، وإن ادعى ولي القتيل القصاص مع أن المذكور في عامة الكتب أن يكون موجب النكول في القسامة هو الحبس إلى الحلف بلا خلاف فيه من أبي يوسف ومحمد، كما هو ظاهر الرواية، نعم، قد ذكر أيضا في المحيط والذخيرة. أنه روى الحسن بن زياد عن أبي يوسف: أنه يقضى بالدية في القسامة أيضا عند النكول. لكن يبقى إشكال التنافي بين ما ذكر في المقامين على قول أبي يوسف في ظاهر الرواية، وعلى قول محمد مطلقا، فتأمل في الدفع (1) .
وقال أيضا على قوله: (وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة؛ لأنه لا فصل في إطلاق النصوص بين دعوى ودعوى فتوجبه بالنص لا بالقياس) قوله فيه بحث؛ لأنه إن أراد بإطلاق النصوص إطلاقها
(1)[نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار] ، وهو تكملة [فتح القدير](8\388، 389) .
بحسب لفظها فهو مسلم، لكن لا يجدي هنا نفعا، إذ من القواعد المقررة عندهم أن النص الوارد على خلاف القياس يختص بمورده، والنصوص فيما نحن فيه واردة على خلاف القياس كما صرحوا به، فلا بد وأن تكون مخصوصة بموردها، وهو ما إذا وجد القتيل في مكان ينسب إلى المدعى عليهم، والمدعي يدعي القتل عليهم، كما ذكر في وجه القياس، وإن أراد إطلاقها بحسب المورد أيضا فهو ممنوع، إذ لم يسمع في حق القسامة نص ورد فيما إذا ادعى الولي القتل على بعض أهل المحلة بعينه كما لا يخفى على من تتبع النصوص الواردة في هذا الباب. (1) .
المذهب المالكي:
قال الباجي: (فصل) وقوله: فإن لم يجد المدعى عليه القتل من يحلف معه حلف وحده خمسين يمينا وبرئ. . وقوله: وبرئ: يريد: برئ من الدم، وعليه جلد مائة وسجن عام، قاله مالك وابن القاسم.
وإن أبى أن يحلف سجن حتى يحلف، وفي النوادر: وقد ذكر ابن القاسم فيه عن مالك قولا لم يصح عند غيره؛ أن المدعى عليهم إذا ردت عليهم الأيمان فنكلوا - فالعقل عليهم في مال الجارح خاصة، ويقتص منه في الجرح، يريد: فيمن ثبت جرحه واحتيج إلى القسامة أنه من ذلك الجرح مات، وقال القاضي أبو محمد: في المدعى عليه القتل، وأتى المدعون بما يوجب القسامة، ونكلوا عن اليمين حلف المدعى عليه القتل، وتسقط عنه الدعوى نكل ففيها روايتان:
(1)[نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار] ، وهو تكملة [فتح القدير](8\389، 390) .
إحداهما: يحبس إلى أن يحلف. والثانية: تلزمه الدية في ماله وأراه أشار لرواية ابن القاسم (فرع) فإذا قلنا: أنه يحبس إلى أن يحلف، فإن حبس وطال حبسه فقد روى القاضي أبو محمد: يخلى سبيله، وفي [العتبية]، و [الموازية] : يحبس حتى يحلف، قال ابن المواز: فقد اتفقوا على أن هذا إن نكل سجن أبدا حتى يحلف (1) .
المذهب الشافعي:
قال الشافعي في كلامه على المدعى عليهم في القسامة: (فإذا حلفوا برئوا، وإذا نكلوا عن الأيمان حلف ولاة الدم خمسين يمينا واستحقوا الدية إن كانت عمدا، ففي أموالهم ورقاب العبيد منهم بقدر حصصهم فيها، وإن كانت خطأ فعلى عواقلهم، وإن كان ولي القتيل ادعى على اثنين منهم فحلف أحدهما وامتنع الآخر من اليمين - برئ الذي حلف وحلف ولاة الدم على الذي نكل، ثم لزمه نصف الدية في ماله إن كان عمدا، وعلى عاقلته إن كان خطأ، أنهم إنما ادعوا أنه قاتل مع غيره وسواء في النكول عن اليمين المحجور عليه وغير المحجور عليه إذا نكل منهم واحد حلف المدعى عليه)(2) .
وقال الشافعي في (باب الإقرار والنكول والدعوى في الدم) : وإذا ادعوا على عشرة فيهم صبي رفعت حصة الصبي عنهم من الدية إن استحقت، وإن نكلوا حلف ولاة الدم وأخذوا منه تسعة أعشار الدية، فإذا بلغ الصبي
(1)[المنتقى](6\61) .
(2)
[الأم](6\85) في اختلاف المدعي والمدعى عليه في الدم.
حلف فبرئ أو نكل فحلف الولي وأخذ منه العشر إذا كان القتل عمدا، قال الشافعي: وإذا ادعوا على جماعة فيهم معتوه فهو كالصبي لا يحلف، وذلك أنه لا يؤخذ بإقراره على نفسه، فإن أفاق من العته أحلف وتسعه اليمين بعد مسألته عما ادعوا عليه، وإن نكل حلف ولاة الدم واستحقوا عليه حصته من الدية، وإن ادعوا على قوم فيهم سكران لم يحلف السكران حتى يفيق ثم يحلف، فإن نكل حلف أولياء الدم واستحقوا عليه حصته من الدية.
المذهب الحنبلي:
1 -
قال ابن قدامة: وإن امتنع المدعى عليهم من اليمين لم يحبسوا حتى يحلفوا، وعن أحمد رواية أخرى: أنهم يحبسون حتى يحلفوا وهو قول أبي حنيفة، ولنا: أنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليها كسائر الأيمان، إذا ثبت هذا فإنه لا يجب القصاص بالنكول؛ لأنه حجة ضعيفة فلا يشاط بها الدم، كالشاهد واليمين، قال القاضي: ويديه الإمام من بيت المال، نص عليه أحمد، وروى عنه حرب بن إسماعيل: أن الدية تجب عليهم، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار أبي بكر؛ لأنه حكم ثبت بالنكول فيثبت في حقهم ها هنا كسائر الدعاوى، ولأن وجوبها في بيت المال يفضي إلى إهدار الدم وإسقاط حق المدعين مع إمكان جبره، فلم يجز كسائر الدعاوى، ولأنها يمين توجهت في دعوى أمكن إيجاب المال
بها، فلم تخل من وجوب شيء على المدعى عليه، كما في سائر الدعاوى، وها هنا لو لم يجب على المدعى عليه مال بنكوله، ولم يجبر على اليمين؛ لخلا من وجوب شيء عليه بالكلية، وقال أصحاب الشافعي: إذا نكل المدعى عليهم ردت الأيمان على المدعين، إن قلنا: موجبها المال، فإن حلفوا استحقوا، وإن نكلوا فلا شيء لهم.
وإن قلنا: موجبها القصاص فهل ترد على المدعين؟ فيه قولان:
وهذا القول لا يصلح؛ لأن اليمين إنما شرعت في حق المدعى عليه إذا نكل عنها المدعي، فلا ترد عليه كما لا ترد على المدعى عليه إذا نكل المدعي عنها بعد ردها عليه في سائر الدعوى، ولأنها يمين مردودة على أحد المتداعيين، فلا ترد على من ردها كدعوى المال (1) .
2 -
قال ابن مفلح: وإن نكل - أي: المدعى عليه - فعنه كذلك - أي: فداه الإمام من بيت المال - وعنه: أنه يحبس حتى يقر أو يحلف، وعنه يلزمه الدية، وهي أظهر، ولو رد اليمين على المدعي فليس له أن يحلف، وفي [الترغيب] على القول بالرد فيه وجهان وهما في كل نكول عن اليمين مع القود إليها في مقام آخر، هل له ذلك لتعدد المقام؟ أو لا لنكوله مرة (2) .
قال علي بن سليمان المقدسي: مسألة (6، 7) قوله: وإن لم يرض الأولياء يمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال، وإن نكل فعنه كذلك، وعنه يحبسه حتى يقر أو يحلف، وعنه تلزمه الدية، وهي أظهر.
(1)[المغني](8\ 498) .
(2)
[الفروع](3\ 456) .
انتهى، اشتمل كلامه على مسألتين.
المسألة الأولى: إذا طلبوا أيمانهم ونكلوا فهل يحبس حتى يقر أو يحلف أم لا؟ أطلق الخلاف وأطلقه الزركشي:
(أحدهما) : لا يحبس، وهو الصحيح، جزم به في [الهداية] و [المذهب] و [الخلاصة] ، و [المقنع] و [الهادي] و [الوجيز] وغيرهم، وقدمه في [المغني] و [الشرح] و [النظم] و [الرعايتين] و [الحاوي الصغير] ، وغيرهم.
(الرواية الثانية) : يحبس حتى يقر أو يحلف.
تنبيه: ظهر أن في إطلاق المصنف شيئا، وأن الأولى أنه كان يقدم أنه لا يحبس.
المسألة الثانية: إذا قلنا: لا يحبس فهل تلزمه الدية، أو تكون في بيت المال؟ أطلق الخلاف وأطلق في [الهداية] و [المذهب] و [مسبوك الذهب] و [المستوعب] و [الخلاصة] و [الهادي] و [الزركشي] وغيرهم:
(إحداهما) : تلزمه الدية، وهو الصحيح. قال المصنف هنا: وهو أظهر، واختاره أبو بكر، والشريف، وأبو الخطاب، والشيخ الموفق وغيرهم، وصححه الشارح، والناظم، وقدمه في [الرعايتين] .
والرواية الثانية: (يكون في بيت المال قدمه في [المحرر] و [الحاوي الصغير] )(1)
(1)[الفروع](3\ 456) . .
الثامن: ذكر خلاف العلماء فيما يثبت بالقسامة من قود أو دية وذكر مستند كل مع المناقشة:
اختلف القائلون بمشروعية القسامة:
فمنهم من ذهب إلى أن القسامة توجب القود، ومنهم: من ذهب إلى أنه لا يجب بها إلا الدية.
أما القائلون بوجوب القود فقالوا: إن دعوى القتل إما أن تكون موجهة على أنه عمد أو خطأ، فإذا كان القتل خطأ فليس فيه إلا الدية اتفاقا، وإذا كان القتل عمدا:
أ- فقال الأبي (ع) : وعلى إثباتها فالمستحق بها في الخطأ الدية، واختلف في العمد، فقال مالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه: يجب فيها القصاص (1) .
ب- وقال النووي: نقلا عن القاضي عياض: واختلف القائلون بها فيما إذا كان القتل عمدا هل يجب القصاص بها؟ فقال معظم الحجازيين: يجب، وهو قول الزهري وربيعة وأبي الزناد ومالك وأصحابه والليث والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود، وهو قول الشافعي في القديم وروي عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، قال أبو الزناد: قلنا بها وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، إني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان (2) .
(1)[الأبي](4\ 395) .
(2)
[شرح النووي على مسلم](11\ 143، 144) ، ويرجع أيضا إلى [المغني](8\ 416) .
ج- وقال ابن مفلح: ويجب القود في قسامة العمد بشرطه، نص عليه كسائر قتل العمد، قال أحمد: الذي يدفع القتل في هذا قد يبيحه بأيسر منه فيبيحه بغلبة الظن، فلو حمل عليه السلاح ليأخذ متاعه أليس دمه هدرا؟ وإنما هو شيء وقع في نفسه لم ينله بشيء، فكذا بما دفع في أنفسهم وعرفوه ويقسمون عليه (1) .
د- وأجاب شيخ الإسلام رحمه الله عن سؤال وجه إليه فقال: إذا شهد لأولياء المقتول شاهدان ولم يثبت عدالتهما فهذا لوث إذا حلف معه المدعون خمسين يمينا - أيمان القسامة - على واحد بعينه حكم لهم بالدم، وإن أقسموا على أكثر من واحد ففي القود نزاع، وأما إن ادعوا أن القتل كان خطأ أو شبه عمد، مثل: أن يضربوه بعصا ضربا لا يقتل مثله غالبا، فهنا إذا ادعوا على الجماعة أنهم اشتركوا في ذلك فدعواهم مقبولة، ويستحقون الدية (2) .
واحتجوا على ذلك بالسنة والأثر:
أما السنة:
فقوله صلى الله عليه وسلم: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم.
قال الباجي: نص على أن المستحق هو الدم، ولا خلاف أنه أظهر في القصاص (3) .
وقال ابن قدامة: أراد دم القاتل، لأن دم القتيل ثابت لهم قبل
(1)[الفروع](3\ 454) .
(2)
[مجموع الفتاوى](34\ 150، 151) .
(3)
[المنتقى شرح الموطأ](7\ 55) .
اليمين (1) .
وأجيب عن الاستدلال بهذا الحديث بما يأتي:
1 -
أجاب محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة عنه بقوله: إنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (2) » يعني: بالدية ليس بالقود، وإنما يدل ذلك على أنه إنما أراد الدية دون القود، قوله في أول الحديث:«إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب (3) » فهذا يدل على آخر الحديث وهو قوله: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (4) » لأن الدم قد يستحق بالدية كما يستحق بالقود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم: تحلفون وتستحقون دم من ادعيتم، فيكون هذا على القود، وإنما قال لهم: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم فإنما عنى به: تستحقون دم صاحبكم بالدية؛ لأن أول الحديث يدل على ذلك وهو قوله: إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب وقد قال عمر بن الخطاب: القسامة توجب العقل، ولا تشيط الدم في أحاديث كثيرة فبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
2 -
وأجاب السرخسي بقوله: أما قوله: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (5) » فلا تكاد تصح هذه الزيادة، وقد قال جماعة من أهل الحديث: أوهم سهل بن أبي حثمة، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (6) » (7) .
(1)[المغني](8\ 497) .
(2)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .
(3)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن النسائي القسامة (4711) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، موطأ مالك القسامة (1630) .
(4)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .
(5)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .
(6)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .
(7)
[المبسوط](26\ 8109) .
3 -
وأجاب أيضا بقوله: (ولو ثبت فإنما قال ذلك على طريق الإنكار لا على طريق الأمر لهم بذلك، فإنه لو كان على سبيل الأمر لكان يقول: أتحلفون فتستحقون دم صاحبكم) فأما قوله: أتحلفون وتستحقون؟ فعلى سبيل الإنكار، كقوله تعالى:{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} (1){وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} (2) الآية، وكذلك قوله: تحلفون معناه: أتحلفون، كقوله تعالى:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} (3) معناه: أتريدون، وكان عليه الصلاة والسلام رأى منهم الرغبة في حكم الجاهلية حين أبوا أيمان اليهود بقولهم:(لا نرضى بأيمان قوم كفار) فقال ذلك على سبيل الزجر، فلما رأوا كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك رغبوا عنه بقولهم: كيف نحلف على أمر لم نعاين ولم نشاهد (4) . وقد أيد ذلك الطحاوي (5) .
4 -
وأجاب أيضا بقوله: (ثم يحتمل أن يكون اليهود ادعوا عليهم بنقل القتيل من محلة أخرى إلى محلتهم فصاروا مدعى عليهم فلهذا عرض عليهم اليمين (6) .
وبقوله صلى الله عليه وسلم: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته (7) » .
قال القاضي عياض: أي: بالحبل الذي ربط به هذا أصله ثم استعمل فيمن دفع للقود (8) .
(1) سورة الشعراء الآية 165
(2)
سورة الشعراء الآية 166
(3)
سورة الأنفال الآية 67
(4)
[المبسوط](26\ 8109) .
(5)
[شرح معاني الآثار](3\ 302) وما بعدها.
(6)
[المبسوط](26\ 8109) .
(7)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4711) ، سنن أبو داود الديات (4520) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1630) ، سنن الدارمي الديات (2353) .
(8)
[مشارق الآثار على صحاح الآثار](1\ 291) .
وقال ابن دقيق العيد: يستعمل في دفع القاتل للأولياء للقتل، ولو أن الواجب الدية لبعد استعمال هذا اللفظ فيها وهو في استعماله في تسليم القاتل أظهر (1) .
وقال ابن قدامة بعد أن ذكره دليلا لوجوب الدم قال: والرمة: الحبل الذي يربط به من عليه القود (2) .
وأجيب عن الاستدلال بهذا الدليل: بقول النووي: وتأوله القائلون لا قصاص بأن المراد أن يسلم؛ ليستوفي منه الدية؛ لكونه ثبتت عليه (3) .
ومن ذلك ما رواه أبو داود، عن عمرو بن شعيب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قتل بالقسامة رجلا من بني نصر بن مالك.
ومن هذا الطريق رواه البيهقي (4) ، وأورده المنذري، وبناء على هذا الطريق: فقد أعله البيهقي بالانقطاع، والمنذري بقوله:(هذا معضل، وعمرو بن شعيب اختلف في الاحتجاج بحديثه) .
ويجاب عن هذا الاعتراض بوجوه:
أحدها: أن هذا الحديث ورد في [سنن أبي داود] هكذا: حدثنا محمود بن خالد وكثير بن عبيد، قالا: نا، ح، ونا محمد بن الصباح بن سفيان أنا الوليد، عن أبي عمرو، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث.
(1)[إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام] ، وعليه [العدة](4\ 311) ، و [المغني](8\ 77) .
(2)
[المغني](8\ 77) .
(3)
[شرح النووي على مسلم](11\ 149) .
(4)
[السنن الكبرى] للبيهقي (8\ 127) .
الثاني: أن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة. قال بذلك ابن العربي (1) والدارقطني وابن عبد البر (2)، قال البخاري: رأيت علي بن المديني وأحمد بن حنبل والحميدي وإسحاق بن راهويه يحتجون به (3) .
ومنها: ما أخرجه مسلم والنسائي من طريق الزهري عن سليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن القسامة كانت في الجاهلية، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر (4) » .
واعترض عليه بقول ابن حجر: وهذا - أي: الاستدلال بهذا الحديث على القود - يتوقف على ثبوت أنهم كانوا في الجاهلية يقتلون في القسامة (5) . ويجاب عن هذا: بقول البيهقي: أخبرنا أبو الحسن بن عبد الله، أنبأنا أحمد بن عبيد، حدثنا ابن ملحان، حدثنا يحيى هو ابن بكير، أنبأنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار، عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أن القسامة كانت في الجاهلية قسامة الدم، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أناس من الأنصار من بني حارثة ادعوا على اليهود (6) » .
(1)[أحكام القرآن](1\ 12) .
(2)
[الجامع لأحكام القرآن](1\ 459) .
(3)
[سنن الدارقطني](2\ 310) .
(4)
صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1670) ، سنن النسائي القسامة (4708) ، مسند أحمد بن حنبل (4/62) .
(5)
[فتح الباري](12\ 198) .
(6)
[السنن الكبرى] للبيهقي (8\ 122) .
وأما الأثر:
فمن ذلك ما ذكره البيهقي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف الرفاء البغدادي بخسرو جرد، أنبأ أبو عمرو عثمان بن بشر، ثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا إسماعيل بن أبي أويس وعيسى بن مينا قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد: أن أباه قال: كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهي إلى قولهم، يعني: من أهل المدينة يقولون: يبدأ باليمين في القسامة الذين يجيئون من الشهادة على اللطخ والشبهة الخفية ما لا يجيء خصماؤهم وحيث كان ذلك كانت القسامة لهم. قال أبو الزناد: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: أن رجلا من الأنصار قتل وهو سكران رجلا ضربه بشوبق ولم يكن على ذلك بينة قاطعة إلا لطخ أو شبهة ذلك وفي الناس يومئذ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن فقهاء الناس ما لا يحصى، وما اختلف اثنان منهم أن يحلف ولاة المقتول ويقتلوا أو يستحيوا، فحلفوا خمسين يمينا وقتلوا، وكانوا يخبرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالقسامة ويرونها للذي يأتي به من اللطخ والشبهة أقوى مما يأتي به خصمه، ورأوا ذلك في الصهيبي حين قتله الحاطبيون وفي غيره. ثم قال البيهقي: (ورواه ابن وهب عن ابن أبي الزناد وزاد فيه: أن معاوية كتب إلى سعيد بن العاص إن كان ما ذكرنا له حقا أن يحلفنا على القاتل ثم يسلم إلينا. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا بحر بن نصر، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد: أن هشام بن عروة أخبره أن رجلا من آل حاطب بن أبي بلتعة كانت بينهم وبين رجل من آل صهيب منازعة فذكر الحديث في قتله قال: فركب يحيى بن عبد الرحمن
ابن حاطب إلى عبد الملك بن مروان في ذلك فقضى بالقسامة على ستة نفر من آل حاطب فثنى عليهم الأيمان، فطلب آل حاطب أن يحلفوا على اثنين ويقتلوهما، فأبى عبد الملك إلا أن يحلفوا على واحد ليقتلوه، فحلفوا على الصهيبي فقتلوه. قال هشام: فلم ينكر ذلك عروة، ورأى أن قد أصيب فيه الحق. وروينا فيه عن الزهري وربيعة ويذكر عن ابن أبي مليكة عن عمر بن عبد العزيز وابن الزبير أنهما أقادا بالقسامة) (1) اهـ كلام البيهقي.
وما ذكره عن أبي الزناد من القتل بالقسامة بمحضر عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم ذكره القاضي عياض بلفظ: (وقتلنا بالقسامة والصحابة متوافرون، إني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان) وقد علق الحافظ ابن حجر على ذلك بقوله: (قلت: إنما نقل ذلك أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت، كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، وإلا فأبو الزناد لا يثبت أنه رأى عشرين من الصحابة فضلا عن ألف)(2) .
وأما ما ذكره البيهقي عن معاوية أنه أقاد بالقسامة، فقد نقل الحفاظ عن ابن بطال أنه قال: وصح عن معاوية بن أبي سفيان أنه أقاد بالقسامة، ذكر ذلك عن أبي الزناد في احتجاجه على أهل العراق، ثم قال الحافظ بن حجر العسقلاني: (قلت: هو في صحيفة عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، ومن طريقه أخرجه البيهقي قال: - أي: أبو الزناد - حدثني خارجة بن زيد بن ثابت
(1)[السنن الكبرى](8\ 137) .
(2)
[فتح الباري](12\ 197) .
قال: قتل رجل من الأنصار رجلا من بني العجلان ولم يكن على ذلك بينة ولا لطخ - فأجمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه، فركبت إلى معاوية في ذلك، فكتب إلى سعيد بن العاص: إن كان ما ذكره حقا، فافعل ما ذكروه، فدفعت الكتاب إليه فأحلفنا خمسين يمينا ثم أسلمه إلينا) (1) .
وقد جمع الحافظ بين ما رواه حماد بن سلمة في [مصنفه] ومن طريق ابن المنذر قال: عن ابن أبي مليكة: سألني عمر بن عبد العزيز عن القسامة، فأخبرته: أن عبد الله بن الزبير أقاد بها، وأن معاوية - يعني: ابن أبي سفيان - لم يقد بها، وهذا سند صحيح، وجاء في باب القسامة من [صحيح البخاري] بلفظ:(وقال ابن أبي مليكة: لم يقد بها معاوية) جمع الحافظ بين هذا وبين ما تقدم عن معاوية أنه أقاد بها، بقوله:(قلت: يمكن الجمع بأن معاوية لم يقد بها لما وقعت له وكان الحكم في ذلك، ولما وقعت لغيره وكل الأمر في ذلك إليه ونسب إليه أنه أقاد بها لكونه أذن في ذلك) قال: (ويحتمل أن يكون معاوية كان يرى القود بها ثم رجع عن ذلك أو بالعكس)(2) .
وأما ما ذكره البيهقي عن ابن الزبير أنه أقاد بالقسامة، فقد قال ابن حزم: (صح عنه من أجل إسناد أنه أقاد بالقسامة وأنه رأى القود بها في قتيل وجد، وأنه رأى الحكم للمدعين بالأيمان، وأنه رأى أن يقاد بها من الجماعة للواحد، وروى ذلك عنه أوثق الناس سعيد بن المسيب، وقد شاهد تلك
(1)[فتح الباري](12\ 193) .
(2)
المرجع السابق (12\ 193) .
القصة كلها عبد الله بن أبي مليكة قاضي ابن الزبير) (1) .
أما ما ذكره البيهقي عن عمر بن عبد العزيز أنه أقاد بالقسامة، فقد قال ابن حزم:(صح عنه - أي: عن عمر بن عبد العزيز - أنه أقاد بالقسامة صحة لا مغمز فيها (2) .
وقد مضت مناقشة ما نقل عن معاوية وعمر بن عبد العزيز عند الكلام عن حكم القسامة.
وقال النووي نقلا عن القاضي عياض: وقال الكوفيون والشافعي رضي الله عنه في أصح قوليه: لا يجب بها القصاص، وإنما تجب الدية، وهو مروي عن الحسن البصري والشعبي والنخعي وعثمان الليثي (3) والحسن بن صالح، وروي أيضا عن أبي بكر وعمر وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم (4) .
واحتجوا لذلك بالسنة والأثر:
أما السنة: ما رواه مالك في [الموطأ] عن ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل، عن سهل بن أبي حثمة، أنه أخبره رجال من كبراء قومه: «أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتى محيصة فأخبر: أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير بئر أو عين، فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة، وهو أكبر منه،
(1)[المحلى](11\ 70) .
(2)
[المحلى](11\ 111) .
(3)
كذا في الأصول.
(4)
[شرح النووي على مسلم](11\ 144) ، ويرجع أيضا إلى [المغني](8\ 416) .
وعبد الرحمن، فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كبر كبر يريد: السن، فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يأذنوا بحرب فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ فقالوا: لا، قال: أفتحلف لكم يهود؟ قالوا: ليسوا مسلمين. فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار (1) » ، قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء) (2) .
قال القرطبي: (قالوا: - أي: الذين لا يرون سوى الدية في القسامة - هذا يدل على الدية لا على القود)(3) .
ومنها: ما رواه البخاري في (باب القسامة) قال: (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، حدثنا الحجاج بن أبي عثمان، حدثني أبو رجاء من آل أبي قلابة: حدثني أبو قلابة، أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا، فقال: ما تقولون في القسامة؟ قالوا: نقول: القسامة القود بها حق وقد أقاد بها الخلفاء. قال لي: ما تقول يا أبا قلابة ونصبني للناس، فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك رءوس الأجناد وأشراف العرب، أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن النسائي كتاب القسامة (4710) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1630) ، سنن الدارمي الديات (2353) .
(2)
[الموطأ بشرح الزرقاني](4\ 52) من رواية يحيى الليثي.
(3)
[الجامع لأحكام القرآن](1\ 159) .
على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى ولم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا، قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا، قلت: فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا في ثلاث، فقال: رجل قتل بجريرة نفسه فقتل، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام. إلى آخر الحديث (1) .
ووجه الاستدلال من هذا الحديث الطويل: ما جاء في رواية أبي قلابة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم.
(1)[صحيح البخاري](12\200-204) .
وأما قصة الهذليين فليس فيها تصريح بما صنع عمر هل أقاد بالقسامة أو حكم بالدية؟ كذا في [فتح الباري](12\ 204) ثم وجدنا في [مصنف عبد الرزاق](10\ 48) ما يدل على أن عمر حكم بالدية في هذه القضية، فقد روى عبد الرزاق في (باب الخلع) عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال:(خلع قوم هذليون سارقا منهم كان يسرق الحاج، قالوا: قد خلعناه فمن وجده يسرق فدمه هدر، فوجدته رفقة من أهل اليمن يسرقهم، فقتلوه، فجاء قومه عمر بن الخطاب فحلفوا بالله: ما خلعناه، ولقد كذب الناس علينا، فأحلفهم عمر خمسين يمينا، ثم أخذ عمر بيد رجل من الرفقة فقال: أقرنوا هذا إلى أحدكم حتى تؤتوا بدية صاحبكم، ففعلوا، فانطلقوا حتى دنوا من أرضهم. . . أصابهم مطر شديد فاستنزوا بجبل طويل وقد أمرسوا، فلما نزلوا كلهم انقض الجبل عليهم فلم ينج منهم أحد ولا من ركابهم إلا التريك وصاحبه، فكان يحدث بما لقي قومه) اهـ.
ومما أجيب به عن قوله صلى الله عليه وسلم للحارثيين: «إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب (1) » .
وما ذكره الباجي قال: يحتمل أن يريد بقوله: أن تدوا صاحبكم إعطاء الدية؛ لأنه قد جرى في كلام الحارثيين أنهم طلبوا الدية دون القصاص، ويحتمل أنهم لم يكونوا ادعوا حينئذ قتله عمدا، ويحتمل أنهم لما لم يعينوا القاتل، وإنما قالوا: إن بعض يهود قتله، ولا يعرف من هو - لم يلزم في ذلك قصاص، وإنما يلزم فيه الدية، كالقتيل بين الصفين لا يعرف من قتله، ولا يقول: دمي عند فلان، ولا يشهد شاهد بمن قتله، فإن ديته على الفرقة المنازعة له دون قسامة؛ ولذلك لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بالقسامة في هذا المقام، ولعل هذا كان يكون الحكم إن لم يقطع يهود بأنها لم تقتل ولم تنف ذلك عن أنفسها وتقول: لا علم لنا، وإنما أظهر في المقام ما يجب من الحق إن لم يقع النفي للقتل الموجب للقسامة أن عليهم أن يؤدوا الدية، فإن امتنعوا من الواجب عليهم في ذلك فلا بد من محاربتهم في ذلك حتى يؤدوا الحق ويلتزموا من ذلك حكم الإسلام (2) . اهـ.
ومنهم من طعن في هذا الحديث لما جاء فيه: وإما أن تؤذنوا بحرب قال الخطابي: وقد أنكر بعض الناس قوله: وإما أن تؤذنوا بحرب وقال: إن الأمة على خلاف هذا القول، فدل على أن خبر القسامة غير معمول به.
وقد أجاب الخطابي عن هذا بقوله بعد ما ذكرت (قلت: ووجه الكلام بين، وتأويله صحيح، وذلك أنهم إذا امتنعوا من القسامة ولزمتهم الدية
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن النسائي القسامة (4711) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، موطأ مالك القسامة (1630) .
(2)
[المنتقى شرح الموطأ](8\ 53) .
فأبوا أن يؤدوها إلى أولياء الدم أوذنوا بحرب كما يؤذنون بها إذا منعوا الجزية) .
وأما استدلال أبي قلابة بترك القود بالقسامة، لقوله:«فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا في ثلاث خصال: رجل قتل بجريرة نفسه فقتل، أو رجل زنى بعد إحصان، ورجل حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وارتد عن الإسلام (1) » . فقد قال فيه الحافظ ابن حجر: (لم يظهر لي وجه استدلال أبي قلابة بأن القتل لا يشرع إلا في الثلاث لرد القود بالقسامة مع أن القود قتل نفس بنفس وهو أحد الثلاثة، وإنما النزاع في الطريق إلى ثبوت ذلك)(2) .
وأما قول أبي قلابة: «وقد كان في هذا سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه نفر من الأنصار فتحدثوا عنده فخرج رجل منهم بين أيديهم فقتل، فخرجوا بعده فإذا هم بصاحبهم يتشحط في الدم، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، صاحبنا كان تحدث معنا فخرج بين أيدينا، فإذا نحن به يتشحط في الدم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من تظنون أو ترون قتله؟ قالوا: نرى أن اليهود قتلته، فأرسل إلى اليهود فدعاهم، فقال: أنتم قتلتم هذا قالوا: لا، قال: أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه؟ فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون، قال: فتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟ قالوا: ما كنا لنحلف، فوداه من عنده - قلت: وقد كانت هذيل خلعوا خليعا لهم في الجاهلية فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء
(1) صحيح البخاري الديات (6899) .
(2)
[فتح الباري](12\ 204) .
فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بالموسم (1) » إلخ.
فقد أجاب البيهقي عن ذلك بقوله: (وحديث - أي: أبي قلابة - عن النبي صلى الله عليه وسلم في القتيل مرسل، وكذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة الهذلي (2) .
ومما استدلوا به من السنة: ما رواه أبو داود في المراسيل، عن هارون بن زيد عن أبي الزرقاء عن أبيه عن محمد بن راشد بن مكحول:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقض في القسامة بقود» . ومن هذا الطريق أخرجه البيهقي في باب ترك القود بالقسامة، قال: أخبرنا محمد بن محمد، أنبأنا الفسوي، ثنا اللؤلؤي، ثنا أبو داود فذكره (3) .
والجواب عن هذا الحديث: أنه منقطع، قال ابن القيم: وأما حديث محمد بن راشد المكحول عن مكحول: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقض في القسامة بقود» - فمنقطع (4) .
وما رواه أحمد وأبو داود الطيالسي وإسحاق بن راهويه والبزار في [مسانيدهم] والبيهقي في [سننه] من طريق أبي إسرائيل الملائي، واسمه: إسماعيل بن إسحاق عن عطية عن أبي سعيد الخدري: «أن قتيلا وجد بين حيين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاس إلى أقربهما فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر (5) » ، قال الخدري: كأني أنظر إلى شبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ديته عليهم، ورواه
(1) صحيح البخاري الديات (6899) .
(2)
[السنن الكبرى](8\ 129) .
(3)
المرجع السابق (8\ 129) .
(4)
[تهذيب سنن أبي داود](6\ 352) .
(5)
مسند أحمد بن حنبل (3/89) .
ابن عدي والعقيلي في كتابيهما بلفظ: فألقى ديته على أقربهما (1) .
والجواب قد أعله ابن عدي والعقيلي في كتابيهما بأبي إسرائيل، فضعفه ابن عدي عن قوم ووثقه عن آخرين، وقال فيه البزار: أبو إسرائيل قال النسائي فيه: ليس بثقة، كان يسب عثمان رضي الله عنه قال: وثقه ابن معين (2) .
وقال ابن حجر: قال العقيلي: لا أصل له (3) .
وقال ابن حزم: هالك؛ لأنه انفرد به عطية بن سعيد العوفي، وهو ضعفه هشيم وسفيان الثوري ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل، وما ندري أحدا وثقه، وذكر عن أحمد بن حنبل: أنه كان يأتي الكلبي الكذاب فيأخذ عنه الأحاديث ثم يكنيه بأبي سعيد، ويحدث بها عن أبي سعيد فيوهم الناس أنه الخدري، وهذا من تلك الأحاديث. والله أعلم، فهو ساقط، ثم أيضا من رواية أبي إسرائيل الملائي هو إسماعيل بن إسحاق فهو بلية عن بلية، والملائي هذا ضعيف جدا، وليس في الذرع بين القريتين خبر غير هذا لا مسندا ولا مرسلا (4) .
وقال البيهقي تحت عنوان (باب ما روي في القتيل يوجد بين القريتين ولا يصح) : أخبرنا أبو بكر بن فورك، أنبأنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا أبو إسرائيل عن عطية عن أبي سعيد: «أن قتيلا
(1)[نصب الراية](4\ 396) .
(2)
المرجع السابق (4\ 396، 397) .
(3)
[التلخيص الحبير](4\ 39) .
(4)
[المحلى](11\ 86) .
وجد بين حيين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاس إلى أيهما أقرب، فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر (1) » ، قال أبو سعيد: كأني أنظر إلى شبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ديته عليهم. وأخبرنا أبو سعد الماليني، أنبأ أبو أحمد بن عدي، أنبأ الفضل ابن الحباب، ثنا أبو الوليد الطيالسي عن أبي إسرائيل الملائي بنحوه.
تقول به أبو إسرائيل عن عطية العوفي.
وكلاهما لا يحتج بروايتهما. اهـ نص كلامه في [السنن الكبرى](2) . وقال في [المعرفة] : (إنما روى هذا الحديث أبو إسرائيل الملائي عن عطية العوفي، وكلاهما ضعيف) اهـ (3) .
وقال ابن القيم: (وأما حديث أبي سعيد الخدري: «أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاس إلى أيهما أقرب فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر فألقى ديته عليهم (4) » - فرواه أحمد في [مسنده] وهو من رواية أبي إسرائيل الملائي عن عطية العوفي فيه ضعف) . اهـ. .
ولو لم يكن في إسناد هذا الحديث سوى البلية أبي إسرائيل لكفى ذلك في تضعيفه، فقد قال ابن عدي: حدثنا الآجري، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عفان قال: قال لي بهز: قال لي أبو إسرائيل الملائي: عثمان كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، روى ذلك الحافظ الذهبي
(1) مسند أحمد بن حنبل (3/89) .
(2)
[السنن الكبرى](8\ 126) .
(3)
[نصب الراية](4\ 397) .
(4)
مسند أحمد بن حنبل (3/89) .
عن ابن عدي بسنده إليه (1) .
هذا وعند ابن عدي هذا الحديث أيضا من رواية الصبي بن أشعث بن سالم السلولي، سمعت عطية العوفي عن الخدري به، ولكن الصبي هنا لينه ابن عدي، وقال: إن في بعض حديثه ما لا يتابع عليه، قال: ولم أر للمتقدمين فيه كلاما، ورواه عن عطية أبو إسرائيل. اهـ (2) .
وقال ابن القيم: لا تجوز معارضة الأحاديث الثابتة بحديث من قد أجمع علماء الحديث على ترك الاحتجاج به، وهو ابن صبيح الذي لم يسفر صباح صدقه (3) .
وأما الآثار:
فمنها ما ذكره ابن حزم قال:
قال ابن أبي شيبة: نا عبد السلام بن حرب عن عمرو هو ابن عبيد عن الحسن البصري، أن أبا بكر والجماعة الأولى لم يكونوا يقيدون بالقسامة.
وما ذكره البيهقي قال: أخبرنا أبو بكر الأردستاني، أنبأنا أبو نصر العراقي، أنبأنا سفيان بن محمد الجوهري، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن الوليد، ثنا سفيان عن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: القسامة توجب العقل ولا تشيط
(1)[ميزان الاعتدال](4\ 390) .
(2)
[نصب الراية](4\ 397) .
(3)
[تهذيب السنن](6\ 324) .
الدم (1) .
وما ذكره ابن حزم: قال أبو بكر بن أبي شيبة، نا وكيع، نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال:(انطلق رجلان من أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب فوجداه قد صدر عن البيت عامدا إلى منى فطاف بالبيت، ثم أدركاه فقصا عليه قصتهما، فقالا: يا أمير المؤمنين، إن ابن عم لنا قتل، نحن إليه شرع سواء في الدم، وهو ساكت لا يرجع إليهما شيئا حتى ناشداه الله، فحمل عليهما، ثم ذكراه الله فكف عنهما، قال عمر بن الخطاب: ويل لنا إذا لم نذكر بالله، وويل لنا إذا لم نذكر الله. فيكم شاهدان ذوا عدل يجيئان به على من قتله فنقيدكم منه. وإلا حلف من بيدكم بالله: ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا، فإن نكلوا حلف منكم خمسون ثم كانت لكم الدية. إن القسامة قد تستحق بها الدية ولا يقاد بها (2) .
وما ذكره ابن حجر قال: أخرج الثوري في [جامعه] وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بسند صحيح إلى الشعبي قال: وجد قتيل بين حيين من العرب فقال عمر: قيسوا ما بينهما، وأيهما وجدتموه إليه أقرب، فحلفوهم خمسين يمينا وأغرموهم الدية. وأخرجه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي: أن عمر كتب في قتيل بين خيوان ووادعة أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منهم خمسون رجلا حتى يوافوه مكة فأدخلهم الحجر، فأحلفهم ثم قضى عليهم بالدية فقال: حقنت
(1)[السنن الكبرى](8\ 129) .
(2)
نقله ابن حزم عن ابن أبي شيبة في [المحلى](11\ 65) .
أيمانكم دماءكم ولا يطل دم رجل مسلم (1) .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن عمرو وغيره عن الحسن قال: يستحقون بالقسامة الدية، ولا يستحقون بها الدم (2) .
ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر قال: قلت لعبد الله بن عمر العمري: أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر. قال: لا، قلت: فعمر؟ قال: لا، قلت: فلم تجترئون عليها؟ فسكت (3) .
والجواب عنه:
أولا: أنه معارض بما أخرجه أبو عوانة في [صحيحه] وأصله عند الشيخين من طريق حماد بن زيد عن أيوب وحجاج الصواف عن أبي رجاء: أن عمر بن عبد العزيز استشار الناس في القسامة فقال قوم: هي حق قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضى بها الخلفاء.
وثانيا: أن من قال: إنه قضى بها مثبت، ومن قال: لم يقض بها ناف، والمثبت معه زيادة علم فيقدم على النافي.
وثالثا: كونه لا يعلم، لا يلزم منه عدم الوقوع، فعدم علمه ليس بدليل.
ورابعا: هو معلول بالإرسال، قال ابن حزم: لا يصح؛ لأنه مرسل، إنما هو عن عبيد الله بن عمر بن حفص.
وما أخرجه الدارقطني، ومن طريقه البيهقي، قال الدارقطني: نا محمد بن القاسم بن زكريا، نا هشام بن يونس، نا محمد بن يعلى، عن
(1)[فتح الباري](12\ 198، 199) .
(2)
[المصنف](10\ 41) .
(3)
[فتح الباري](12\ 199) .
عمر بن صبيح، عن مقاتل بن حيان، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب: أنه قال: لما حج عمر حجته الأخيرة التي لم يحج غيرها، غودر رجل من المسلمين قتيلا في بني وادعة، فبعث إليهم عمر، وذلك بعدما قضى النسك، فقال لهم: هل علمتم لهذا القتيل قاتلا منكم؟ قال القوم: لا، فاستخرج منهم خمسين شيخا، فأدخلهم الحطيم، فاستحلفهم بالله رب هذا البيت الحرام، ورب هذا البلد الحرام، ورب هذا الشهر الحرام أنكم لم تقتلوه، ولا علمتم له قاتلا، فحلفوا بذلك، فلما حلفوا قال: أدوا دية مغلظة في أسنان الإبل أو من الدنانير والدراهم دية وثلثا، فقال رجل منهم، يقال له: سنان: يا أمير المؤمنين، أما تجزيني من مالي؟ قال: لا، إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه وسلم فأخذ ديته دنانير دية وثلث دية (1) .
والجواب عن هذا الحديث: بأن فيه عمر بن صبيح، وهو متروك، قال ذلك الدارقطني والبيهقي وابن القيم، فقال الدارقطني: في سنده عمر بن صبيح، متروك (2) .
وقال البيهقي: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني: قوله: (إنما قضيت فيكم بقضاء نبيكم) منكر، وهو مع انقطاعه من رواية من أجمعوا على تركه (3) . ونقل الزيلعي عن البيهقي أنه قال في كتاب [المعرفة] : أجمع أهل الحديث على ترك الاحتجاج بعمر بن صبيح، وقد خالفت روايته هذه
(1)[سنن الدارقطني](2\ 355) .
(2)
المرجع السابق (2\ 355) .
(3)
[السنن الكبرى](8\ 125) .
رواية الثقات الأثبات (1) .
وذكر ابن حزم: أن ذلك صحيح عن الحسن ونصه: وأما الحسن فصح عنه أنه قال: لا يقاد بالقسامة، لكن يحلف المدعى عليهم بالله: ما فعلنا، ويبرءون، فإن نكلوا حلف المدعون وأخذوا الدية، هذا في القتيل يوجد، كما ذكر ابن حزم أنه صح عن قتادة: أن القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها. اهـ (2) .
والجواب عن هذه الآثار ما يأتي:
أما ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري: أن أبا بكر والجماعة الأولى لم يكونوا يقيدون بالقسامة فهو مرسل. قال: إنه لا يصح، لأنه عن الحسن وفي طريق الحسن عبد السلام بن حرب (3) .
وأما ما رواه الثوري عن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن: أن عمر بن الخطاب قال: القسامة توجب العقل ولا تشيط الدم - فقد قال البيهقي فيه: (هذا منقطع)(4)، وقال ابن القيم: أما ما رواه الثوري في [جامعه] عن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: القسامة توجب العقل ولا تشيط الدم - فمنقطع موقوف (5) . اهـ كلام
(1)[نصب الراية](4\ 395) .
(2)
[المحلى](11\ 70، 71) .
(3)
المرجع السابق (11\ 69) .
(4)
[السنن الكبرى](8\ 129) .
(5)
[تهذيب السنن](6\ 324) .
ابن القيم.
وقد رواه ابن أبي شيبة، ومن طريقه ابن حزم قال ابن أبي شيبة: نا وكيع، نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: انطلق رجلان من أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب، فذكر الحديث المتقدم، وفيه:(أن القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها) .
ثم ذكر ابن حزم: في رواية القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عمر بن الخطاب منقطعة قال: لم يولد والد القاسم إلا بعد موت عمر) (1) .
وأما الأثر الذي أخرجه الثوري في [جامعه] وابن أبي شيبة عن منصور بسند صحيح إلى الشعبي: أنه وجد قتيل بين حيين من العرب، فقال: عمر: قيسوا ما بينهما، الحديث، وأخرجه الشافعي، وفي روايته: تسمية الحيين: خيوان ووادعة - فقد قال فيه ابن حزم: (إنه مرسل؛ لأنه عن عمر من طريق الشعبي ولم يولد إلا بعد موت عمر بأزيد من عشرة أعوام أو نحوها)(2) .
وقال البيهقي في الجواب عنه من ناحية ما فيه من مخالفة النصوص الدالة على البدء بولاة الدم في الأيمان - قال: أما الأثر الذي أخبرنا أبو حازم الحافظ، أنبأ أبو الفضل بن خميرويه، أنبأ أحمد بن نجدة، ثنا سعيد بن منصور، ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن عامر - يعني: الشعبي - أن قتيلا وجد
(1)[المحلى](11\ 69) .
(2)
المرجع السابق (11\ 69) .
في خربة وادعة همدان فرفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأحلفهم خمسين يمينا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلا، ثم غرمهم الدية ثم قال: يا معشر همدان، حقنتم دماءكم بأيمانكم فما يطل دم هذا الرجل المسلم. وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس الأصم، أنبأ الربيع بن سليمان، أنبأ الشافعي، ثنا سفيان عن منصور عن الشعبي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب في قتيل وجد بين خيوان ووادعة: أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليهم منهم خمسون رجلا حتى يوافوه مكة فأدخلهم الحجر فأحلفهم، ثم قضى عليهم بالدية، فقالوا: ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا، قال عمر رضي الله عنه، كذلك الأمر. قال الشافعي: وقال غير سفيان عن عاصم الأحول عن الشعبي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حقنتم بأيمانكم دماءكم ولا يطل دم مسلم. فقد ذكر الشافعي رحمه الله في الجواب عنه ما يخالفون عمر رضي الله عنه في هذه القصة من الأحكام ثم قيل له: أفثابت هو عندك؟ قال: لا، إنما رواه الشعبي عن الحارث الأعور، والحارث مجهول، ونحن نروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسناد الثابت أنه بدأ بالمدعين، فلما لم يحلفوا قال: فتبرئكم يهود بخمسين يمينا وإذا قال: تبرئكم فلا يكون عليهم غرامة، ولما لم يقبل الأنصاريون أيمانهم وداه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل على يهود والقتيل بين أظهرهم شيئا، قال الربيع: أخبرني بعض أهل العلم عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: حارث الأعور كان كذابا، وروي عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر رضي الله عنه ومجالد غير محتج به. وروى عن مطرف عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع عن عمر، وأبو
إسحاق لم يسمع من الحارث بن الأزمع، قال علي بن المديني عن أبي زيد عن شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث حديث الحارث بن الأزمع: أن قتيلا وجد بين وادعة وخيوان فقلت: يا أبا إسحاق، من حدثك؟ قال: حدثني مجالد عن الشعبي عن الحارث بن الأزمع، فعادت رواية أبي إسحاق إلى حديث مجالد، واختلف فيه على مجالد في إسناده، ومجالد غير محتج به والله أعلم. هذا كلام البيهقي في [السنن الكبرى](1) .
وأخرج في [المعرفة] عن ابن عبد الحكم أنه قال: سمعت الشافعي يقول: سافرت إلى خيوان ووادعة أربع عشرة سفرة وأنا أسألهم عن حكم عمر بن الخطاب في القتيل وأنا أحكي لهم ما روي فيه، فقالوا: هذا شيء ما كان ببلدتنا قط (2) . اهـ.
وفي هذا دليل على عناية الشافعي رحمه الله بحالة هذا الأثر.
وقد ناقش ابن التركماني ما ذكره البيهقي في [السنن الكبرى] عن الشافعي من ناحية كون الأثر من رواية الحارث الأعور، وادعوا جهالته فقال: قلت: لم يذكر أحد فيما علمنا: أن الشعبي رواه عن الحارث الأعور غير الشافعي، ولم يذكر سنده في ذلك، وقد رواه الطحاوي بسنده عن الشعبي عن الحارث الوادعي، هو ابن الأزمع، وسيأتي: أن مجالدا رواه عنه الشعبي كذلك. ورواية أبي إسحاق لهذا الأثر عن الحارث هذا عن عمر أمارة على أنه الواسطة، لا الحارث الأعور، كما زعم الشافعي، ورواه أيضا عبد الرزاق (3)
(1)[السنن الكبرى](8\ 124) .
(2)
[نصب الراية](4\ 355) .
(3)
[المصنف](10\ 35) .
عن الثوري عن منصور عن الحكم عن الحارث بن الأزمع، والحارث هذا ذكره أبو عمر وغيره في الصحابة وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، ثم إن الحارث الأعور وإن تكلموا فيه فليس بمجهول كما زعم الشافعي، بل هو معروف روى عنه الطحاوي والشعبي والسبيعي وغيرهم (1) . اهـ.
(1)[الجوهر النقي] بذيل [السنن الكبرى](8\ 120) .
التاسع: خلاف العلماء فيمن يقتل بالقسامة إذا كان المدعى عليه أكثر من واحد:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة:
فمنهم من ذهب إلى أنه لا يقتل إلا واحد، ومنهم من ذهب إلى أنه يستحق بها قتل جماعة، ومنهم من ذهب إلى العدول إلى الدية.
أما المذهب الأول: فقال مالك رحمه الله: لا يقتل في القسامة إلا واحد، لا يقتل فيها اثنان، وقال الباجي رحمه الله على ذلك: لا خلاف في المذهب: أنه لا يستحق بالقسامة إلا قتل رجل واحد، خلافا للشافعي في أحد قوليه.
والدليل على ما نقوله: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم (1) » .
ومن جهة المعنى: أن القسامة أضعف من الإقرار والبينة وفي قتل الواحد ردع، قاله القاضي أبو محمد (2) .
وقال ابن قدامة رحمه الله: لا يختلف المذهب: أنه لا يستحق بالقسامة
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4718) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، موطأ مالك القسامة (1630) .
(2)
[المنتقى](7\ 54) ويرجع إلى [عارضة الأحوذي](7 \ 193) .
أكثر من قتل واحد، وبهذا قال الزهري ومالك وبعض أصحاب الشافعي - قال بعد ذكر مذهب آخر سيأتي.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته (1) » فخص بها الواحد، ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل في قتل الواحد، فيقتصر عليه ويبقى الأصل فيما عداه، وبيان مخالفة الأصل بها أنها ثبتت باللوث، واللوث شبهة فغلبه على الظن صدق المدعي والقود يسقط بالشبهات فكيف يثبت بها؛ ولأن الأيمان في سائر الدعاوى تثبت ابتداء في جانب المدعى عليه، وهذا بخلافه، وبيان ضعفها: أنها تثبت بقول المدعي ويمينه مع التهمة في حقه والشك في صدقه وقيام العداوة المانعة من صحة الشهادة عليه في إثبات حق لغيره فلأن يمنع منه قبول قوله وحده في إثبات حقه أولى وأحرى (2) .
أما المذهب الثاني: فقال ابن قدامة رحمه الله، وقال بعضهم - أي: بعض أصحاب الشافعي -: يستحق بها قتل الجماعة؛ لأنها بينة موجبة للقود فاستوى فيها الواحد والجماعة كالبينة، وهذا نحو قول أبي ثور.
وقد ناقش ابن قدامة ذلك فقال: وفارق البينة فإنها قويت بالعدد وعدالة الشهود وانتفاء التهمة في حقهم من الجهتين وفي كونهم لا يثبتون لأنفسهم حقا ولا نفعا ولا يدفعوا عنها ضرا ولا عداوة بينهم وبين المشهود عليه؛ ولهذا لا يثبت بها سائر الحقوق والحدود التي تنفي الشبهات (3) .
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4711) ، سنن أبو داود الديات (4520) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1630) ، سنن الدارمي الديات (2353) .
(2)
[المغني](8\ 506) .
(3)
المرجع السابق (8\ 508) .
وأما المذهب الثالث: فقال النووي: قال الشافعي: إذا ادعوا على جماعة حلفوا عليهم، وثبتت عليهم الدية على الصحيح عند الشافعي، وعلى قول: إنه يجب القصاص (1) .
وقد مضى أن الشافعي رحمه الله لم يوجب الدم في القسامة، ومضت أدلة ذلك ومناقشتها. هذا ما تيسر ذكره.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب الرئيس
…
رئيس اللجنة
عبد الله بن سليمان بن منيع
…
عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
(1)[شرح النووي على صحيح مسلم](11\ 149) .
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (41) وتاريخ 13\4\1396هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد، وآله وصحبه، وبعد.
ففي الدورة الثامنة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض في النصف الأول من شهر ربيع الآخر عام 1396 هـ - اطلع المجلس على ما سبق أن أجله من الدورة السابعة إلى الدورة الثامنة من بحث القسامة، هل الورثة هم الذين يحلفون أيمان القسامة أو أن العصبة بالنفس هم الذين يحلفون ولو كانوا غير وارثين إذا كانوا ذكورا بالغين عقلاء؟ .
وبعد استماع المجلس ما سبق أن أعد في ذلك من أقوال أهل العلم وأدلتهم ومناقشتها وتداول الرأي - قرر المجلس بالأكثرية: أن الذي يحلف من الورثة هم الذكور البالغون العقلاء ولو واحدا، سواء كانوا عصبة أو لا؛ لما ثبت في [الصحيحين] من حديث سهل بن أبي حثمة في قصة قتل اليهود لعبد الله بن سهل:«أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن بن سهل: تحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ ، قالوا: لا - وفي رواية -: يقسم منكم خمسون رجلا (1) » ، ولأنها يمين في دعوى حق، فلا تشرع في حق غير المتداعين كسائر الأيمان.
وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الثامنة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
متوقف
عبد الله بن حميد
…
عبد الله خياط
…
عبد الرزاق عفيفي لي وجهة نظر
محمد الحركان
…
عبد المجيد حسن
…
عبد العزيز بن صالح
صالح بن غصون
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
…
سليمان بن عبيد
متوقف
راشد بن خنين
…
محمد بن جبير
…
عبد الله بن غديان
عبد الله بن منيع
…
صالح بن لحيدان
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192) ، سنن النسائي كتاب القسامة (4710) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) ، موطأ مالك القسامة (1630) .