الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محرما من قبل وأحل في ذلك اليوم لا بتحريم من الله ولا بتحريم من الناس على أنفسهم كما حرموا بعض الطيبات فهذا ما ظهر لنا من نكتة اختلاف التعبير، وسكت عنه الباحثون في نكت البلاغة الذين اطلعنا على كلامهم.
وحكمة النص على هذا الحل: قطع الطريق على الغلاة أن يحرموه باجتهادهم أو أهوائهم، على أن منهم من حرمه مع النص الصريح، ونص على أن طعامنا حل لهم دون نسائنا، فليس لنا أن نزوجهم منا؛ لأن كمال الإسلام وسماحته لا يظهران من المرأة لسلطان الرجل عليها، هذا هو المتبادر لمن يفهم العبارة مجردا من تقاليد المذاهب، فمن فهم مثل فهمنا ففهمه حاكم عليه ولا نجيز أحدا أن يقلدنا فيه تقليدا.
فصل في طعام الوثنيين ونكاح نسائهم:
أخذ الجماهير من مفهوم أهل الكتاب: أن طعام الوثنيين لا يحل للمسلمين، وكذا نكاح نسائهم، سواء منهم من يحتج بمفهوم المخالفة في اللقب كالدقاق وبعض الشافعية، ومن لا يحتج به وهم الجمهور، والقرآن لم يحرم طعام الوثنيين ولا طعام مشركي العرب مطلقا، كما حرم نكاح نسائهم، بل حرم ما أهل به لغير الله من ذبائحهم، كما حرم ما كان يأكله بعضهم من الميتة والدم المسفوح، وحرم لحم الخنزير.
واختلف الفقهاء في المجوس والصابئين: فالصابئون عند أبي حنيفة كأهل الكتاب والمجوس، كذلك عند أبي ثور، خلافا للجمهور الذين يقولون: إنهم يعاملون معاملة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط، ويروون
في ذلك حديثا: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير آكلي ذبائحهم، ولا ناكحي نسائهم (1) » ، ولا يصح هذا الاستثناء كما صرح به المحدثون، ولكنه اشتهر عند الفقهاء، ويقال: إن الفريقين كانا أهل كتاب فقدوه بطول الأمد، وهذا ما كنت أعتقده قبل أن أرى فيه نقلا عن أحد من سلفنا وعلماء الملل والتاريخ منا، وذكرته في المنار غير مرة، ثم رأيت في كتاب [الفرق بين الفرق] لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي (المتوفى سنة 429) في سياق الكلام على الباطنية (أن المجوس يدعون نبوة (زرادشت) ونزول الوحي عليه من عند الله تعالى، والصابئين يدعون نبوة (هرمس) و (أليس) و (دوريتوس) و (أفلاطون) وجماعة من الفلاسفة، وسائر أصحاب الشرائع كل صنف منهم مقرون بنزول الوحي من السماء على الذين أقروا بنبوتهم، ويقولون:(إن ذلك الوحي شامل للأمر والنهي والخبر عن عاقبة الموت وعن ثواب وعقاب وجنة ونار يكون فيهما الجزاء عن الأعمال السالفة، ثم ذكر أن الباطنية ينكرون ذلك) . ثم قال: ومن المعلوم أن القرآن صرح بقبول الجزية من أهل الكتاب، ولم يذكر أنها تؤخذ من غيرهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله عنهم لا يقبلونها من مشركي العرب، وقبلوها من المجوس في البحرين وهجر وبلاد فارس، كما في [الصحيحين] وغيرهما من كتب الحديث، وقد روى أخذ النبي الجزية من مجوس هجر: أحمد، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم - من حديث عبد الرحمن بن عوف: أنه شهد لعمر بذلك عندما استشار الصحابة فيه، وروى مالك والشافعي عنه أنه قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) موطأ مالك الزكاة (617) .
يقول: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب (1) » وفي سنده انقطاع، واستدل به صاحب [المنتقى] وغيره على أنهم لا يعدون أهل كتاب، وليس بقوي، فإن إطلاق كلمة أهل الكتاب على الطائفتين من الناس لتحقق أصل كتبهما وزيادة خصائصهما - لا يقتضي أنه ليس في العالم أهل كتاب غيرهم، مع العلم بأن الله بعث في كل أمة رسلا مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، كما أن إطلاق لقب (العلماء) على طائفة معينة من الناس لها مزايا مخصوصة لا يقتضي انحصار العلم فيهم وسلبه عن غيرهم.
وقد ورد في روايات أخرى التصريح بأنهم كانوا أهل كتاب قال في [نيل الأوطار] عند قول صاحب [المنتقى] واستدل بقوله: سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل كتاب ما نصه: لكن روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي (كان المجوس أهل كتاب يدرسونه وعلم يقرءونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم، وقال: إن آدم كان ينكح أولاده بناته، فأطاعوه وقتل من خالفه، فأسري على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه، فلم يبق عندهم من شيء) وروى عبد بن حميد في تفسير سورة (البروج) بإسناد صحيح عن ابن أبزى لما هزم المسلمون أهل فارس قال عمر: اجتمعوا (أي: قال للصحابة: اجتمعوا للمشاورة كما هي السنة المتبعة والفريضة اللازمة) فقال: إن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم الجزية، ولا من عبدة الأوثان فنجري عليهم أحكامهم، فقال علي: بل هم أهل كتاب فذكر نحوه، لكن قال: فوقع على ابنته، وقال في آخره: فوضع الأخدود لمن خالفه فهذه حجة من قال: كان لهم كتاب، وأما قول ابن بطال: لو كان لهم
(1) موطأ مالك الزكاة (617) .