الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي داود في [مراسيله] بلفظ «ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله عليها أم لم يذكر» ورجاله موثوقون. اهـ. وتقدم حديث عائشة عند البخاري قالت: إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: صلى الله عليه وسلم «سموا الله عليه أنتم وكلوه (1) » اهـ.
وجعل علماء الأزهر الفصل الأول من كتاب [إرشاد الأمة الإسلامية] الذي تقدم ذكره في بيان مذهب الحنابلة في الذبيحة التي أفتى به مفتي مصر قالوا: ذهب الحنابلة إلى أن المعتبر في حل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع: أن تذكى وفيه حياة، وإن قلت كالمريض، وهو قول علي وابن عباس والحسن وقتادة، والسيدين: الباقر والصادق، وإبراهيم وطاوس والضحاك وابن زيد، والتسمية عندهم ليست بشرط فيحل متروك التسمية عمدا أو سهوا من مسلم أو من كتابي على رواية، وفي رواية عن أحمد تشترط من مسلم لا من كتابي وعنه عكسها، ثم أيدوا هذه الخلاصة بنقل من كتاب [دقائق أولي النهى على متن المنتهى] ومن غيره.
(1) صحيح البخاري الذبائح والصيد (5507) ، سنن النسائي الضحايا (4436) ، سنن أبو داود الضحايا (2829) ، سنن ابن ماجه الذبائح (3174) ، موطأ مالك الذبائح (1054) ، سنن الدارمي الأضاحي (1976) .
صفوة الخلاف بين الفقهاء والمختار منه في طعام أهل الكتاب
.
من تأمل ما نقلناه من كتب المذاهب الأربعة المشهورة، وما تخلله وسبقه من كلام غيرهم من أئمة السلف ـ يظهر لك أن المتفق عليه أنه يحرم علينا من طعام أهل الكتاب ما حرم علينا في ديننا لذاته، وهو الميتة ولحم الخنزير، وكذا الدم المسفوح قطعا، وإن لم يذكر فيما تقدم من النقل، ولا نعلم أن أحدا منهم يأكله أو يشربه، وكذلك الميتة كلها يحرمونها، ولحم الخنزير محرم بنص التوراة إلى اليوم، وقد استباحه النصارى بإباحة مقدسهم بولس.
وقد اختلف الفقهاء فيما عدا ذلك، كما علمت، فكل ما أكلناه مما عدا ذلك من طعامهم نكون موافقين فيه لقول بعض فقهائنا الذين شدد بعضهم فخفف بعض في هذه المسائل، وأشد الفقهاء تشديدا في ذلك وفي أكثر الأحكام: الشافعية، ومن تأمل أدلة الجميع رأى أن أظهرها قول الذين أخذوا بعموم قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (1) ولم يخصصوه بذبائحهم فضلا عن تخصيصه بحبوبهم كالشيعة، ولا يشترط في حل طعامهم أن يأكل منه أحبارهم ورهبانهم كما قال ابن العربي، واختاره شيخنا الأستاذ مفتي مصر في الفتوى الترنسفالية فهو تشديد لا مستند له ـ وفي غير ما أهل به لغير الله ـ إلا الثقة بأن ما يأكلونه غير محرم عليهم في كتبهم، وقد نسخت شريعتنا كتبهم، كما قال الشافعي وغيره فلا عبرة بما حرم عليهم فيها، وقد قال الله تعالى في صفات خاتم النبيين:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (2) ولا يشترط أيضا أن يكون طعامهم موافقا لشريعتنا سواء كانوا مخاطبين بفروعها قبل الإيمان كما يقول الشافعي أو غير مخاطبين بها إلا بعد الإيمان كما يقول الجمهور، إذ لو كان هذا شرطا لما كان لإباحة طعامهم فائدة.
وقال ابن رشد في [بداية المجتهد] ما نصه: ومن فرق بين ما حرم عليهم من ذلك في أصل شرعهم وبين ما حرموا على أنفسهم، قال: ما حرم عليهم هو أمر حق فلا تعمل فيه الذكاة، وما حرموا على أنفسهم أمر باطل
(1) سورة المائدة الآية 5
(2)
سورة الأعراف الآية 157
فتعمل فيه التذكية، قال القاضي: والحق أن ما حرم أو حرموه على أنفسهم هو في وقت شريعة الإسلام أمر باطل إذ كانت ناسخة لجميع الشرائع، فيجب أن لا يراعى اعتقادهم في ذلك ولا يشترط أيضا أن يكون اعتقادهم في تحليل الذبائح اعتقاد المسلمين ولا اعتقاد شريعتهم؛ لأنه لو اشترط ذلك لما جاز أكل ذبائحهم بوجه من الوجوه؛ لكون اعتقاد شريعتهم في ذلك منسوخا واعتقاد شريعتنا لا يصح منهم ـ وإنما هذا حكم خصهم الله تعالى به فذبائحهم ـ والله أعلم ـ جائزة على الإطلاق، وإلا ارتفع حكم آية التحليل جملة، فتأمل هذا فإنه بين والله أعلم. ا. هـ.
والأمر كما قال القاضي رحمه الله تعالى، ومراده بذبائحهم: مذكاهم كيفما كانت تذكيته عندهم.
وقد تقدم تحقيق معنى التذكية، وأنها عبارة عن قتل الحيوان بقصد أكله، وأقوال علماء السلف ومحققي المالكية في ذلك، فلله در مالك والمالكية، إن كلامهم في هذه المسألة أظهر من كلام مخالفهم دليلا، وأليق بيسر الحنيفية السمحة.
ومن العجائب: أن كثيرا من الناس يحبون أن تكون الشريعة عسرا لا يسرا، وحرجا لا سعة، وإن هم لم يلتزموها إلا فيما يوافق أهواءهم، فمن شدد على نفسه فذاك ذنب عقابه فيه، ومن شدد على الأمة حثونا التراب في فيه، والله أعلم وأحكم.