الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو إسماعيل المدني: ضعيف من السابعة، روى له أبو داود والترمذي والنسائي.
خامسا: حكم الاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته مع الأدلة والمناقشة:
دل الكتاب والسنة والإجماع وسد الذرائع على أنه لا يجوز أن يستعاض عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (1)
وجه الدلالة: أن الله جل وعلا أوجب على المتمتع الهدي في حال القدرة عليه، فإذا لم يجد هديا أو ثمنه فإنه ينتقل إلى الصيام، ولم يجعل الله واسطة بين الهدي والصيام، ولا بدلا عن الصيام عند العجز عنه وما كان ربك نسيا، وقد بين الله ما يجب على المريض إذا عجز مطلقا عن الصيام من الإطعام- بقوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (2)
وإذا كان قادرا على القضاء فقد بين حكمه بقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3)
وبين في كفارة اليمين: أنه يجب العتق أو الإطعام أو الكسوة، وعند العجز يصوم ثلاثة أيام متتاليات، وبين في كفارة من أصيب بمرض أو أذى في رأسه واحتاج إلى ارتكاب محظور؛ ليتخلص مما أصيب به- بقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (4)
(1) سورة البقرة الآية 196
(2)
سورة البقرة الآية 184
(3)
سورة البقرة الآية 185
(4)
سورة البقرة الآية 196
وقال في كفارة القتل خطأ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (1) إلى أن قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (2)
وقال في كفارة الظهار: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (3){فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (4) الآية.
وأما السنة: فإن أدلتها في هذا الموضوع متفقة مع القرآن.
وأما الإجماع: فإن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين أخذوا بما دل عليه القرآن ودلت عليه السنة من وجوب الهدي على المتمتع والقارن، فإذا لم يجد هديا أو لم يجد ثمنه فإنه يصوم عشرة أيام: ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، ومن قال بالتصدق فإنه يطالب بدليل يخالف ذلك.
وأما سد الذرائع: فإنه لو أجيز القول بالاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته- لأدى ذلك إلى التوسع في أبواب الشريعة، فمثلا يقال: تخرج نفقة الحج بدلا من الحج نظرا لصعوبته في هذا العصر.
وهناك شبه قد يتعلق بها من تسول له نفسه القول بالجواز نذكرها فيما يلي، ثم نتبع كل شبهة بجوابها.
(1) سورة النساء الآية 92
(2)
سورة النساء الآية 92
(3)
سورة المجادلة الآية 3
(4)
سورة المجادلة الآية 4
الشبهة الأولى: قد يقال بالجواز نظرا لصعوبة تنظيم الذبح في الوقت الحاضر مع بقاء المفسدة على حالها، بل وربما زادت مع تزايد عدد الحجاج.
ويمكن أن يجاب عن هذه الشبهة بأمور:
أحدها: أن سوء تطبيق الناس لأمر كلفوا به لا يجوز نقلهم عنه إلى أمر لم يشرع لهم بدعوى أنه يسهل عليهم تطبيقه، بل يجب السعي في تسهيل الذبح عليهم وحسن تطبيقه.
الثاني: أن هذا حكم مبني على مصلحة ملغاة، وقد قرر العلماء على أن المصالح ثلاثة أقسام: مصلحة معتبرة فيعمل بها بالإجماع، ومصلحة ملغاة فلا يعمل بها بالإجماع، ومصلحة مرسلة، وفي العمل بها خلاف، والمصلحة المذكورة هنا مصلحة ملغاة، فإن الشرع لم يعتبرها بعد ذكره للهدي، وفي حالة عدم القدرة عليه أو على ثمنه ينتقل إلى الصيام.
الثالث: أن المقصود من هذه العبادة إراقة الدم، وأما اللحوم فهي مقصودة بالقصد الثاني، قال تعالى:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (1) وفي الاكتفاء بالتصدق بالثمن دون إراقة الدم إضاعة للقصد الأول.
الشبهة الثانية: ما يجري عليه بعض الحجاج من تسليم ثمن الهدي الواجب عليهم للمطوفين وعمالهم بأنفسهم بصفة التوكيل حيث لا يباشرون بأنفسهم عمليات الشراء والذبح والتصدق باللحوم؛ لتعذر
(1) سورة الحج الآية 37
ذلك عليهم، وخوف الهلاك من ممدة الازدحام أو المشقة والحرج.
ويمكن أن يجاب عن هذه الشبهة بما أجيب به عن الأولى، ويضاف إلى ذلك أن الحاج إذا وكل شخصا يشتري عنه هديا ويذبحه ويوزعه على المستحقين على الصفة الشرعية- فقد خرج بذلك عن عهدة الهدي، وصارت العهدة على من صار وكيلا للقيام بالشراء والذبح والتصدق، فإن هذا مما يجوز التوكيل فيه شرعا.
الشبهة الثالثة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وبالتالي فإن هذا درء للمفاسد عن الأمة وجلب لمصالحها.
ويجاب عن هذه الشبهة بما أجيب به عن الشبهة الأولى، ويضاف إلى ذلك:
أولا: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لكن لا يصح أن يقال: أن ذبح الهدايا مفسدة، وأن درءها بما ذكروه من إلغاء هذه الشعيرة والتصدق بثمنها؛ لأن من القواعد المقررة في الشريعة: أن المفاسد درجات، وأن المصالح درجات، وأنه يجوز تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، وارتكاب أخف المفسدتين لاجتناب كبراهما، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح فيما ليس فيه دليل شرعي، وفيما إذا كانت المفسدة أرجح من المصلحة وما نحن فيه ليس كذلك، بل قام الدليل على خلافه، والمصلحة أرجح مما ظن مفسدة بتحريف النصوص عن مواضعها ومقاصدها.
ثانيا: أن هذا يفتح باب تلاعب في الشريعة، فلا يكون للنصوص قيمة، وإنما القيمة لما يصدر من سفهاء العقول من تصورات يزعمون أنها مصالح