الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمكن أن يناقش ذلك: بأنه دليل اجتهادي ولا اجتهاد مع النص، وقد سبق ما يدل على خلاف ذلك عند الكلام على أدلة المذهب الأول.
الثاني: ويجاب أيضا: بما أجيب به من الوجه الثاني عن الآية التي استدل بها أهل هذا القول. ما سبق من المناقشة لاستدلال أهل القول الأول بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1) والمحل المقصود من المناقشة جواز ذبح الهدي قبل يوم النحر قياسا على جواز الصيام؛ لأنه بدله، والبدل له حكم المبدل منه.
الثالث: ويجاب عنه هنا بما أجيب به عنه هناك، تركنا إعادته هنا اختصارا. ما ذكره النووي بقوله:(ولا يتوقت بوقت كسائر دماء الجبران) .
ويناقش ذلك: بما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه [زاد المعاد] ، من أنه دم شكران لا دم جبران (2)
ويمكن أن يناقش ثانيا: بأنه قياس مع النص، فقد وردت أدلة دالة على ذبحه يوم النحر وسبقت من أدلة القول الأول، فيكون هذا القياس فاسد الاعتبار.
(1) سورة البقرة الآية 196
(2)
[زاد المعاد](1\ 217) .
ثانيا: نهاية وقت ذبح الهدي مع الأدلة والمناقشة:
اختلف أهل العلم في تحديد نهاية أيام النحر: هل هي يوم العيد ويومان بعده، أو يوم العيد وثلاثة أيام بعده، أو يوم العيد فقط؟.. إلخ ما ستأتي الإشارة إليه من الأقوال التي لا تعتمد على دليل شرعي.
وفيما يلي ذكر المذاهب ومن قال بكل مذهب منها ومستنده مع المناقشة في حدود ما يسره الله:
القول الأولى: ينتهي وقت النحر بغروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق، وممن قال بهذا القول: الحنفية وهو مذهب مالك وأحمد.
قال الجصاص: ذهب أصحابنا والثوري إلى أنه يوم العيد ويومان بعده.
وقال القرطبي: قال مالك: ثلاثة، يوم النحر ويومان بعده.
وقال ابن قدامة: قال أحمد: أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن القيم: هذا مذهب أحمد.
وقال في [الإنصاف]،: هذا هو الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والإجماع والأثر والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (1)
وجه الدلالة: ما ذكره القرطبي بقوله: (وهذا جمع قلة لكن المتيقن منه الثلاثة وما بعد الثلاثة غير متيقن فلا يعمل به) .
وأما السنة: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث.
وجه الدلالة: ما ذكره الباجي بقوله: ومعلوم أنه أباح الأكل منها في أيام الذبح فلو كان اليوم الرابع منها لكان قد حرم على من ذبح في ذلك اليوم أن
(1) سورة الحج الآية 28
يأكل من أضحيته. انتهى كلام الباجي، وليس هناك فرق بين الأضحية والهدي بالنسبة لانتهاء وقت الذبح.
وأما الإجماع: فقد قرره الجصاص بقوله- بعد ذكره هذا الرأي عن بعض الصحابة قال: قد ثبت عمن ذكرنا من الصحابة أنها ثلاثة، واستفاض ذلك عنهم، وغير جائز لمن بعدهم خلافهم إذ لم يرد عن أحد من نظرائهم خلافه فثبتت حجته.
وأيضا: فإن سبيل تقدير النحر التوقيف أو الاتفاق، إذ لا سبيل إليها من طريق القياس فلما قال: من ذكرنا قوله من الصحابة الثلاثة صار ذلك توقيفا كما قلنا في مقدار مدة الحيض، وتقدير المهر، ومقدار التشهد في إكمال فرض الصلاة وما جرى مجراها من المقادير التي طريق إثباتها التوقيف أو الاتفاق، وإذا قال به قائل من الصحابة ثبتت حجته، وكان ذلك توقيفا.
وأما الأثر: فقد نقله الجصاص وغيره عن علي وابن عباس وابن عمر وأنس بن مالك وأبي هريرة وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب.
وأما المعنى: فمن وجهين:
أحدها: ما ذكره الجصاص بقوله: قد ثبت الفرق بين أيام النحر وأيام التشريق؛ لأنه لو كانت أيام النحر أيام التشريق لما كان بينهما فرق، وكان ذكر أحد العددين ينوب عن الآخر فلما وجدنا الرمي في يوم النحر وأيام التشريق ووجدنا النحر يوم النحر، وقال قائلون: إلى آخر أيام التشريق، وقلنا نحن: يومان بعده وجب أن نوجد فرقا بينهما لإثبات فائدة كل واحد من اللفظين وهو أن يكون من أيام التشريق ما ليس من أيام النحر وهو آخر أيامها.
الثاني: ما ذكره الباجي بقوله: هو يوم مشروع النفر قبله فلم يكن من أيام
الذبح كالخامس.
القول الثاني: أن وقت الذبح ينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق.
وبهذا قال الشافعي: واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومن وافقهم من أهل العلم، قال الشافعي: والأضحية جائزة يوم النحر وأيام منى كلها. وقال المرداوي في [الإنصاف] : قال في [الإيضاح] : آخره آخر يوم من أيام التشريق، واختاره ابن عبدوس في [تذكرته] بأن آخره آخر اليوم الثالث من أيام التشريق واختاره الشيخ تقي الدين قاله في [الاختيارات] وجزم به ابن رزين في [نهايته] . والظاهر أنه مراد صاحب [النهاية] فإن كلامه محتمل.
وقال ابن القيم في [زاد المعاد] : وهو مذهب إمام أهل الهجرة الحسن وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح وإمام أهل الشام الأوزاعي وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي رحمه الله، واختاره ابن المنذر.
واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والأثر والمعنى.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (1) الآية.
وجه الدلالة: أن المراد بالمعلومات أيام النحر، يوم العيد وثلاثة أيام بعده، واستدلوا لهذا التوجيه بقوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (2) الآية.
(1) سورة الحج الآية 28
(2)
سورة البقرة الآية 203
قال ابن القيم رحمه الله: هذه الأيام الثلاثة تختص بأنها أيام منى وأيام الرمي وأيام التشريق، ويحرم صيامها فهي إخوة في هذه الأحكام فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع؟ !
وأما السنة: فقد استدلوا بأدلة:
الأول: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه يوم النحر ضحى» .
وجه الدلالة: ما ذكره الشافعي بقوله: فلما لم يحظر على الناس أن ينحروا بعد يوم النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقا لليومين قبله؛ لأنه ينسك فيه ويرمى كما ينسك ويرمى فيهما.
الثاني: ما رواه سليمان بن أبي موسى، عن ابن أبي حسين عن جبير بن مطعم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كل عرفات موقف، وارتفعوا عن عرنة، وكل مزدلفة موقف، وارتفعوا عن محسر، وكل فجاج مكة منحر، وكل أيام التشريق ذبح (1) » .
وهذا نص في الدلالة أن كل أيام النحر بأنها ثلاثة بعد العيد.
وأجيب عن هذا الحديث: بما نقله الرازي عن الإمام أحمد: أنه قال جوابا لمن سأله عن هذا الحديث قال: لم يسمعه ابن أبي حسين من جبير بن مطعم، وأكثر روايته عنه سهو.
قال الرازي: وقد قيل: إن أصله ما رواه مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبيه قال: سمعت أسامة بن زيد يقول: سمعت عبد الله بن أبي حسين يخبر عن عطاء بن أبي رباح، وعطاء يسمع قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل فجاج مكة طريق ومنحر (2) » فهذا أصل الحديث ولم يذكر فيه: " وكل
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/82) .
(2)
سنن أبو داود المناسك (1937) ، سنن ابن ماجه المناسك (3048) ، سنن الدارمي كتاب المناسك (1879) .
أيام التشريق ذبح "، ويشبه أن يكون الحديث الذي ذكر فيه هذا اللفظ إنما هو من كلام جبير بن مطعم أو من دونه؛ لأنه لم يذكره.
وأجاب ابن القيم عن ذلك بقوله: وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح (1) » ، وروي من حديث جبير بن مطعم، وفيه انقطاع، ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر قال يعقوب بن سفيان: أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون. انتهى.
وقد تكلم الزيلعي على هذا الحديث في [نصب الراية] فقال: رواه أحمد في [مسنده] وابن حبان في [صحيحه] في النوع الثالث والأربعين من القسم الثالث من حديث عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل أيام التشريق ذبح، وعرفة كلها موقف (2) » إلى آخره، وقد ذكرناه بتمامه في الحج، ورواه البزار في [مسنده] وقال: ابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم، ورواه البيهقي في [المعرفة] ، ولم يذكر فيه انقطاعا، وأخرجه الدارقطني في [سننه] عن أبي معيد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن دينار عن جبير بن مطعم مرفوعا، وأبو معيد بمثناة فيه لين، وأخرجه هو والبزار عن سويد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه مرفوعا، قال البزار: لا نعلم قال فيه عن نافع بن جبير عن أبيه إلا سويد بن عبد العزيز، وهو ليس بالحافظ، ولا يحتج به إذا انفرد، وحديث ابن أبي حسين هو الصواب، مع أن ابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم. انتهى.
وأخرجه أحمد أيضا والبيهقي عن سليمان بن موسى عن جبير بن
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/82) .
(2)
مسند أحمد بن حنبل (4/82) .